Header Ads

الرقابة على دستورية القوانين دراسة مقارنة

جامعة عبد المالك السعدي
كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية بطنجة
ماستر القانون و العلوم الإدارية للتنمية

السداسي الأول
  إعداد الطلبة:                   تحت إشراف:
-      عبد السلام الزيدي.                      الدكتور عبد العالي حامي الدين.
-       رضوان العروسي البروكي.
-      كريم الشعيري حري.
- وسيم الريسولي



السنة الجامعية: 2008-2009

تـــصــمــــيم الــــموضــــوع:


مــقدمــة:


المبحث الأول: الرقابة السياسية على دستورية القوانين
(المغرب وفرنسا نموذجا)

المطلب الأول: تشكيل المجلس الدستوري
المطلب الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري واجراءاته القانونية
المطلب الثالث: مزايا وعيوب الرقابة السياسية على دستورية القوانين.

المبحث الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية

المطلب الأول: رقابة الامتناع
المطلب الثاني: المحكمة الاتحادية العليا
المطلب الثالث: موقف الفقه من الرقابة القضائية على دستورية القوانين

تقييم.


تــقديــم:

إن الدولة الحديثة دولة لها دستور، ولما كانت الجهة التي تضع الدستور هي السلطة التأسيسية، ولما كان الدستور هو الذي يحدد سائر سلطات الدولة الأخرى ويحدد اختصاصاتها وكيفية ممارسة هذه السلطات. وكان الدستور هو الذي يحدد السلطة التشريعية، ويبين كيفية تكوينها وكيفية ممارستها لاختصاصاتها، فان تلك السلطة التشريعية التي حددها الدستور لا تملك الخروج على ذلك الدستور الذي يمنحها سند وجودها وسند اختصاصها. و لما كانت البرلمانات المنتخبة في الدولة القانونية الحديثة هي التي تتولى أساسا سلطة التشريع وسن القوانين، فإنها تلتزم بحكم الدستور ولا تستطيع الخروج عليه، فان هي خرجت تعين ردها إلى الطريق السليم. ولكن كيف ترد السلطة التشريعية إلى الطريق القويم؟

 ذلك هو جوهر فكرة رقابة دستورية القوانين، فالرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى تعزيز أسس وأركان الدولة القانونية القائمة على سيادة القانون، والحيلولة دون الخروج على الدستور، باعتباره المنظم للقواعد الأساسية الواجبة الاحترام في الدولة، وللدفاع عن إرادة الشعب الذي اصدر الدستور وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.

 ولضمان وجود الرقابة على دستورية القوانين لابد من الإيمان بمبدأ المشروعية ووجود قضاء مستقل، وعلى الرغم من أن الرقابة على دستورية القوانين ليست مرتبطة ارتباط السبب بالنتيجة بوجود قضاء دستوري متخصص، فقد توجد الرقابة الدستورية حتى في غير وجود قضاء دستوري. ومن ثم فان عدم النص على تنظيم الرقابة الدستورية لا يعني نفيها بل أنها تخضع للمبادئ العامة والعرف الدستوري، ولكن التصور المنطقي والتحليل الواقعي هو الذي دفع بالسلطة في العديد من الدول إلى التفكير بخلق هيئة قضائية للرقابة على دستورية القوانين، تكون مهمتها العمل على فرز التصرفات التي وضعت في غير السبيل الذي حددته الأحكام القانونية لحدوثها، ويترتب على ذلك أن عملية الرقابة تؤدي إلى تأكيد صحة التصرفات التي أجريت كما حددها القانون لها لتحقيق المشروعية كما تؤدي إلى تحديد التصرفات الخاطئة لإعادة تقييمها ضمن الحدود القانونية.

وقد باتت الحاجة إلى وجود هيئة قضائية مستقلة  تأخذ على عاتقها النظر في موضوع الرقابة على دستورية القوانين أمر في غاية الأهمية خصوصا في البلدان النامية حيث الرأي العام ضعيف أو معدوم وحيث المؤسسات الدستورية هشة والسلطة التنفيذية متسلطة، فلا يلائمها لرقابة الدستورية إلا وجود محكمة دستورية تشكل جزءا من سلطة قضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإذا كانت هذه الأخيرة ذات محتوى سياسي فان السلطة القضائية تهدف إلى تطبيق القانون بروح الحق والإنصاف وتغليب حكم الدستور على سائر القوانين والأنظمة واللوائح، وهذا ما يعرف بمبدأ علوية الدستور، وعلى هذا الأساس غالبا ما تتقاطع تلك الغايات خصوصا في المسائل ذات المحتوى السياسي والتي تكون الكلمة الفصل فيها للقضاء.

فالرقابة السياسية على دستورية القوانين ذات خصوصية فرنسية دعت الظروف السياسية والتاريخية والفلسفية إلى إبعاد القضاء من رقابة الدستورية خشية هيمنته على السلطات الأخرى، ولأصبحت الرقابة السياسية ذات مكانة مرموقة في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي لعام 1958، وأناط مهمة الرقابة إلى هيئة أسماها المجلس الدستوري.

ولقد تم استحياء هذه المؤسسة في النظام الدستوري المغربي بموجب دستور 1992 بعد أن ضل طوال التجارب الدستورية الثلاث انطلاقا من 1962 يعتمد على مؤسسة الغرف الدستورية بالمجلس الأعلى التي اضطلعت بمهام الرقابة الدستورية.

في حين كانت الرقابة القضائية ذات خصوصية أمريكية طوال القرن 19 وبداية القرن 20، رغم عدم وجود قضاء دستوري متخصص، لكن المحكمة العليا الأمريكية التي هي في قمة التنظيم القضائي، أقرت لنفسها حق الرقابة الدستورية منذ عام 1803 في الحكم الشهير الذي حكم به القاضي مار شال في القضية المشهورة "مار بوري ضد ماديسون".
وتبعا لما سبق نتسائل كيف تتم الرقابة على دستورية القوانين؟ ماهي أشكالها؟ و ما هي مميزات كل من الرقابة السياسية والرقابة القضائية؟
اذن على ضوء هذه التساؤلات قسمنا موضوع البحث الى مبحثين، بحيث خصصنا المبحث الأول لدراسة الرقابة السياسية على دستورية القوانين متخذين المغرب وفرنسا نموذجا، بينما سنترك المبحث الثاني لدراسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية.

















المبحث الأول: الرقابة السياسية على دستورية القوانين
(المغرب وفرنسا نموذجا)

         اذا كان القانون الدستوري يتناول نظام الحكم في الدولة وينظم العلاقة بين السلطة والحرية لتحقيق التعايش السلمي بينهما، فهو بذلك يعد المشعال الذي يستنار به في تسيير الشؤون العامة للبلاد، الأمر الذي يقتضي المحافظة عليه واحترامه وتقرير الجزاء على المخالفين لأحكامه لغرض طاعته والحرص على حسن تطبيقه، ومن أهم الضمانات القانونية التي كفلها المشرع الدستوري لنفاد القواعد القانون الدستوري هي مسألة الرقابة  المباشرة لدستورية القوانين.

يشكل الطعن في دستورية القوانين وسيلة لحماية حقوق الافراد وحرياتهم من تعسف السلطات العامة في الدولة([1]).

 وقد أوكل بها المشرع الدستوري الى هيئات محددة ذات طبيعة سياسية تمارس عملها بشكل سابق أو لاحق على صدور القانون ويختلف تشكيل هذه الهيئة تبعا للكيفية التي ينظم بها الدستور هذا النوع من الرقابة، ويتم غالبا عن طريق التعيين (الاختيار) من جانبي السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.

 فمن الأنظمة التي أوكلت بمهمة مراقبة دستورية القوانين الى هيئة مختارة من طرف السلطة التشريعية و التنفيدية الدستور الفرنسي لسنة 1958 في مادته 56([2]).

أما المغرب فقد أحدث هو أيضا المجلس الدستوري عند التعديل الدستوري لسنة 1992، وسار على نفس النهج التعديل الدستوري لسنة 1996، أما قبل ذلك فقد كان موكول باختصاصات المجلس الى الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى.

وفي ما يلي سنحاول دراسة المجلس الدستوري ومقارنته بكل من دستور فرنسا 1958، ودستور المغرب 1996، وذلك من حيث تشكيل المجلس ( المطلب الأول) واختصاصاته ( المطلب الثاني) ثم سنخصص (المطلب الثالث) لمزايا وعيوب وهذا النوع من الرقابة السياسية على دستورية القوانين.

















المطلب الأول: تشكيل المجلس الدستوري

نصت المادة 56 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 على تشكيل الهيئة التي سماها بالمجلس الدستوري، الذي يتشكل من رؤساء الجمهورية السابقين بصفة دائمة ( أي مدى الحياة)، زمن تسعة أعضاء؛ يعين رئيس الجمهورية ثلاثة منهم، ويعين رئيس الجمعية الوطنية ( مجلس النواب ) ثلاثة آخرين، ويعين رئيس مجلس الشيوخ الثلاثة الباقين، وتستمر عضوية هؤلاء الأعضاء تسع سنوات غير قابلة للتجديد، وفي خلال هذه المدة يتجدد ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات.
ولا يجوز أن يجمع أعضاء المجلس بين عضويتهم في الحكومة أو في البرلمان أو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي([3]).
ويختص رئيس الجمهورية بحق تعيين رئيس المجلس الدستوري([4]) الذي يكون له صوت معدود في حالة تساوي الأصوات([5]).
أما بالنسبة للمغرب فقد سار التعديل الدستوري لسنة 1996 على نفس المقتضيات المتعلقة بالمجلس الدستوري وذلك في بابه السادس في فصوله من 78 الى 81، غير أنه بمناسبة احداث مجلس المستشارين الى جانب مجلس النواب اقتضت الضرورة اعادة النظر في تاليف المجلس الدستوري يشمل جانب منه أعضاء مجلس المستشارين وليمد رقابته على جزء من أعماله ,ذلك في حدود ما يقضي به الدستور ووفق مقتضيات تنظيمية.
فالمجلس يتالف بناءا على ماجاء في الفصل 79 من دستور 1996 من ستة أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات، وستة أعضاء يعين ثلاثة منهم رئيس مجلس النواب و ثلاثة يعينهم رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة بعد استشارة الفرق النيابية بالمجلسين([6])، ويتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري([7]).
وتعتبر هذه الطريقة في تعيين أعضاء المجلس الدستوري المقتبسة من النظام الفرنسي أكثر الطرق تسييسا، اذ يقتصر حق التعيين على السلطتين التنفيذية والتشريعية([8]).
أما بالنسبة لرئيس المجلس الدستوري فقد ذهب المرسوم رقم 1167/58 المؤرخ ب 2 دجنبر 1958 في فرنسا الى وضع رئيس المجلس الدستوري من الناحية البروتوكولية في المرتبة السادسة بعد كل من رئيس الجهورية ورئيس الوزراء وورئيس مجلس البرلمان ورئيس مجلس الدولة الفرنسي.
 فرئيس المجلس الدستوري يعين بقرار من رئيس الجمهورية من بين أعضاء المجلس التسعة سواء المعينة من طرف رئيس الجمهورية ذاته، أو من طرف رئيسي المؤسسة التشريعية، وليس هناك مايمنع رئيس الجمهورية من تعيين رئيس المجلس من بين الأعضاء بحكم القانون مادام التعيين سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية و لا يلزمه توقيع بالعطف من أية جهة أخرى([9]).
أما في المغرب فحسب الفقرة الثانية من الفصل 79 من دستور 1996، فالملك يختار رئيس المجلس الدستوري من ضمن الأعضاء الذين يعينهم لمدة تسع سنوات، ذلك أن النص الدستوري المكتوب لاينح امكانية الرئاسة الى الاعضاء المعينين من طرف أحد مجلسي البرلمان([10]) وبخصوص مدة ولاية الرئيس في فرنسا فقد حددت في تسع سنوات غير قابلة للنجديد وهي نفس المدة المعتمدة بالنسبة لولاية رئيس المجلس الدستوري في المغرب المصوص عليها في الفقرة الاولى من الفصل 79، بعد أن كانت هذه المدة هي ست سنوات قابلة للتجديد في ظل دستور 1992، الامر الذي كان ينعكس سلبا على نزاهة واستقلالية رئيس المجلس الدستوري([11]).
ومهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد، ولقد بين القانون التنظيمي للمجلس الدستوري رقم 29.9993 الوظائف التي لا يجوز الجمع بينها وبين عضوية المجلس الدستوري، وذلك بمقتضى المادة الرابعة منه والتي جاء فيها " لا يجمع بين عضوية المجلس الدستوري وعضوية الحكومة أو مجلس النواب أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولا يجوز كذلك الجمع بينها وبين ممارسة أي وظيفة عامة أخرى أو مهمة عامة أن انتخابية أو شغل منصبا مهما كان مقابل أجر في شركات يكون أكثر من نصف رأسمالها مملوكا لشخص اعتباري أو أكثر من أشخاص القانون العام .
بمعنى اذا كانت لهم صفة أعضاء الحكومة أو نواب برلمانيين أو أعضاء المجلس الاقتصادي و الاجتماعي أو موظفين ...الخ، فان تلك الصفة تسقط عنهم في حالة اختيارهم الانتساب الى هذا المجلس مالم يفصحوا عن خلاف ذلك في غصون 15 يوما من نشر تعيينهم(اعادة 5 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري).
وبالنسبة للموظفين والمستخدمين الملحقين بالمجلس المعينين أعضاء فيه لمدة عضويتهم فيه – اذا كان قانونهم الاساسي يسمح بذلك – فانهم يعادون بحكم القانون الى اطارهم الاصلي عند انتهاء المدة المذكورة([12]).





المطلب الثاني: اختصاصات المجلس الدستوري واجراءاته القانونية.

يمارس المجلس الدستوري مجموعة من الاختصاصات وفق ما تقضي به أحكام الدستور ووفق الاجراءات التي تبينها القوانين التنظيمية.

الفرع الأول: اختصاصات المجلس الدستوري

تتنوع تلك الاختصاصات الى اختصاصات تقريرية  وأخرى استشارية.
أولا: الاختصاصات التقريرية
تتجلى في صلاحية المجلس في البث في:
Ø    النظام الداخلى لكل من مجلسي البرلمان، بحيث لا يجوز العمل بذلك النظام الا بعد تصريح المجلس الدستوري بمطابقته لأحكام الدستور([13]).
حيث ينص الفصل 44 من دستور 1996 " يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، ولكن لا يجوز العمل به الا بعد ان يصرح المجلس الدستوري بمطابقته لاحكام الدستور كذلك هو الشان بالنسبة للمجلس الدستوري الفرنسي بمقتضى المادة 61  يعرض القانون الداخلي لكل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ قبل تطبيقه على المجلس الدستوري ومراقبة النظام الداخلي اجبارية ومسبقة([14]).
Ø    امكانية تغيير النصوص التشريعية بمرسوم بعد موافقته على ذلك اذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها(الفصل 48 من الدستور).
Ø    الخلاف الذي يحث بين الحكومة والبرلمان في مجال اختصاصاتها فيكون للمجلس صلاحية الفصل فيه في ضرف ثمانية أيام بطلب من أحد مجلسي البرلكان أة من الحكومة ( الفصل 58 من الدستور)
Ø    البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان بمجلسيه ( الفقرة الاولى من الفصل 81 من الدستور)
Ø    البث في صحة عمليات الاستفتاء (الفقرة الاولى من الفصل 81 من الدستور).
Ø    النظر في القوانين التشريعية قبل اصدار الامر بتنفيذها للتأكد من مطابقتها للدستور، وذلك بطلب من جلالة الملك أو الوزير الأول أو ربع أعضاء مجلس النواب أو ربع اعضاء مجلس المستشارين( الفقرة الثالثة من الفصل 81 من الدستور)

ثانيا: الاختصاصات الاستشارية
أورد النص الدستوري حالتين اثنتين يستشار فيهما رئيس المجلس الدستوري من طرف الملك([15])، وينظم الدستور المغربي في الفصلين 35 و 71 هذه الاستشارة بين الملك ورئيس المجلس الدستوري دون تحديد لاجراتها، وان كان يجعلها زمنيا سابقة على اتخاذ قرار الاعلان عن حالة الاستثناء في (الفصل 35) وقرارا حل مجلسي البرلمان أو أحدهما ( الفصل 71 ). لكن البناء التركيبي للفصلين 35 و 71 من الدستور يطرح اشكالا مادام انه يعطي للملك امكانية اعلان حالة الاستثناء او حل البرلمان كحق ديستوري، قبل ان ينتقل الى التنصيص على استشارة رئيس المجلس الدستوري ورئيسي البرلمان كاجراء يواكب ممارسة هذا الحق، وبالتالي الاستشارة في هذه الحالة تصبح مجرد "اشعار دستوري" أو "اخبار دستوري" من الملك، بصفته رئيس الدولة الى رئيس المجلس الدستوري الذي ليس له صلاحية الاعتراض على ممارسة حق دستوري، فصيغة الفصلين 35 و 71 تبين أن الملك يستشير رئيس المجلس الدستوري بعد ان يكون قد اتخذ قرار فرض حالة الاستثناء أو حل البرلمان([16]).

الفرع الثاني: الاجراءات القانونية لممارسة المجلس الدستوري اختصاصاته.

ويشتغل القاضي الدستوري المغربي في ثلاث مجالات كبرى:
Ø    مجال المراقبة الدستورية، الذي تحال عليه الانظمة الداخلية للبرلمان والقوانين التنظيمية اجباريا، لفحصها عن طريق المقابلة بين مضمونها ومحتوى بنود الوثيقة الدستورية، الشيء الذي يجعل من هذا النشاط تاويليا بامتياز.
Ø    ومجال المنازعات الدستورية، الذي تحال عليه، فيه رسائل يطعن بمقتضاها البرلمانيون في القوانين العادية، حيث يصبح القاضي الدستوري في هذه الحالة أمام ثلاث واجهات: الوثيقة الدستورية، النص القانوني المطعون فيه ودفوعات أو حجج الطاعنين.
Ø    أما المجال الثالث، فهو المنازعات الانتخابية التي يمارس فيها القاضي الدستوري تأويلا للوقائع وليس للقانون، بلجوئه الى سرد وقائع النوازل وممارسة سلطته التقديرية الواسعة في تكييفها برفض الطلب او عدم قبوله او الغاء الاقتراع موضوع النزاع([17]).
وفق أحكام الدستور والقانون التنظيمي للمجلس الدستوري، فان الاجراءان الواجب اتباعها لممارسة المجلس اختصاصاته، تتجلى في الاتي بيانه:
أولا: بالنسبة للقرارات المتعلقة بالمطابقة للدستور:

 فان الاحالة اليها تختلف كذلك باختلاف ما اذا تعلق الامر بالقوانين التنظيمية أو القانون الداخلي لأحد مجلسي البرلمان أو القوانين التشريعية.

1)    القوانين التنظيمية:
 تكون الاحالة بشأنها الى المجلس الدستوري بناءا على طلب عن الوزير الأول بعد اقرارها من مجلسي البرلمان، ويثار في رسالة الاحالة عند الاقتضاء الى أن الأمر يدعو الى التعجيل بالبث في الموضوع([18]).
2)    القانون الداخلي لكل من مجلسي البرلمان:
 تكون الاحالة بشانه الى المجلس الدستوري بناءا على طلب من رئيس مجلس النواب أو بطلب من مجلس المستشارين ( تبعا لما اذا كان النظام الداخلي يهم مجلس النواب أو مجلس المستشارين)، وذلك بعد اقراره من قبل البرلمان بمجلسيه.
وتراعى نفس الاجراءات بالنسبة للتعديلات المدخلة على النظام الداخلي لأحد مجلسي البرلمان.
3)    القوانين التشريعية( المادية):
      تحال على المجلس الدستوري للنظر في مدى دستوريتها بطلب من جلالة الملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو ربع أعضاء مجلس المستشارين.
      أما اذا لم تتم الاحالة، - وهذا هو الاصل – فان القوانين التشريعية لا تحتاج الى نظر المجلس الدستوري، وبالتالي تتخذ مجراها للتنفيذ في حالة استكمال اجراءاتها الشكلية.
      ويبت المجلس الدستوري في مطابقة القانون للدستور خلال شهر من تاريخ احالة الامر عليه وتخفض تلك المدة الى ثمانية أيام في حالة الاستعجال.
      غير أنه في حالة احالة القانون الى المجلس الدستوري فان أجل صدور الأمر بتنفيذ القانون يوقف سريانه الى تاريخ نشر قرار المجلس الذي يقضي بمطابقة القانون لاحكام الدستور يبدأ بعد سريان الاجل المحدد لاصدار الامر بتنفيذه([19]).
      كذلك هو الشأن بالنسبة للمجلس الدستوري الفرنسي فبمقتضى المادة 61 يعرض القانون الداخلي لكل من الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ قبل تطبيقه على المجلس الدستوري([20]).
      فبمقتضى الفقرة 2 من المادة 61 تنص على أن هذه الاحالة على المجلس الدستوري تتم بناءا على طلب من رئيس الجمهورية او الزوير الاول او رئيس الجمعية الوطنية او رئيس مجلس الشيوخ او ستين عضوا من اعضاء المجلسين([21]).

ثانيا: الاجراءات التنظيمية المتعلقة بأحكام الفصل 48 من الدستور:

وللتذكير فان أحكام الفصل 48 من الدستور تتعلق يصلاحية المجلس الدستوري بالنظر في تغيير النصوص التشريعية بمرسوم اذا كان مضمونها يدخل في المجال التنظيمي لسلطة التنظيمية.واحالة الامر على المجلس الدستوري بشأن ذلك يتم بطلب من الوزير الاول.ويكون للمجلس المذكور صلاحية تقدير ما اذا كانت النصوص المعروضة عليه لها صبغة تشريعية أو تنظيمية،وذلك خلال مدة شهر من تاريخ احالة الامر عليه. وتخفض تلك المدة الى ثمانية أيام في حالة الاستعجال.

ثالثا: الاجراءات المتعلقة باحكام الفصل 53 من الدستور:

وتتعلق أحكام الفصل 53 من الدستور بتنازع الاختصاص بين البرلمان و الحكومة بعدم قبول اقتراح أو تعديل ترى أنه لا يدخل في مجال القانون تتوقف مناقشة الاقتراح أو التعديل في الجلسة العامة، ليعرض الخلاف على المجلس الدستوري للفصل فيه بطلب من أحدي مجلسي البرلمان أو الحكومة.وعلى الجهة التي تحيل الأمر على المجلس الدستوري أن تشعر فورا الجهة الأخرى التي لها كذلك صلاحية اتخاذ نفس الاجراء، ويكون للجهة التي تم اشعارها على هذه الصورة صلاحية ابداءمن الملاحضات ما تراه مناسبا في الموضوع داخل الأجل المحدد من لدن المجلس الدستوري.
       ويبت المجلس الدستوري في ظرف ثمانية أيام، ويبلغ قراره داخل أجل أقصاه ثلاثة أيام من تاريخ صدوره الى رئيس مجلس النواب أو رئيس المستشارين والى الوزير الأول.

رابعا: الاجراءات الخاصة بالطعن في انتخاب أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين:

ان القانون التنظيمي لمجلس النواب حدد للقاضي الدستوري ثلاث حالات على سبيل الحصر، يمكنه التصريح فيها ببطلان العملية الانتخابية جزئيا أو مطلقا، وهي:
1.   اذا لم يجرى الانتخاب طبقا للاجراءات المقررة في القانون.
2.   اذا لم يكن الاتراع حرا أو شابته مناورات تدليسية.
3.   اذا كان المنتخب أو المنتخبون من الاشخاص الذين لا يجوز لهم الترشح للانتخابات بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي([22]).
       يتم الطعن في انتخاب أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين لدى المجلس الدستوري في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الاعلان عن نتيجة الاقتراع. ويحال النزاع الى المجلس الدستوري بعريضة مكتوبة توجه الى أمانته العامة أو الى عامل العمالة أو الاقليم الذي جرت فيه العملية الانتخابية أو الى كاتب الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يجري الانتخاب بدائرتها. وذلك مقابل وصل يحمل تاريخ ايداع الطعن. وينبغي أن تتضمن تلك العريضة قائمة الوثائق و المستندات المقدمة من طرف الطاعن تعزيزا لطعنه.
       ويتولى العامل أو كاتب الضبط اشعار الامانة العامة للمجلس الدستوري بذلك عن طريق برقية. كما يوجه اليها كل منهما العرائض التي تلقاها.
       ويتولى الأمين العام للمجلس الدستوري بدوره اشعار مجلس النواب ومجلس المستشارين فورا بالعرائض التي وجهت اليه أو أشعر بتسليمها من قبل عمال العمالات أو الأقاليم أو كتاب الضبط بالمحاكم الابتدائية.
       وينبغي أن تكون تلك العرائض مستوفاة اجراءاتها القانونية ليتسنى للمجلس الدستوري ممارسة اختصاصاته وذلك وفق الاجراءات الشكلية المنصوص عليها في المواد 32، 33 و 34 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري رقم93.29.
       ويجوز له أن يطلب اجراء تحقيق في القضية المطروح عليه النظر فيها ان رأى ضرورة ذلك ويبت المجلس الدستوري في القضية عندما تكون جاهزة للبت فيها بغد الاستماع الى تقرير المقرر داخل أجل ستبن يوما.
       ويتولى المجلس تبليغ قراراته الى مجلس النواب و مجلس المستشارين والى الاطراف المعنية داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ صدورها.
       ويترتب عن قرارات المجلس في حالت ايجابياتها لفائدة الطاعن الغاء الانتخاب المطعون فيهأو تصحيح النتائج الايجابية التي أعلنتها لجنة الاحصاء كما يعلن عن المرشح الفائز بصورة قانونية.
أما الدستور الفرنسي فبالاضافة الى هذا فهو بمقتضى المادة 58 يشرف كذلك على سلامة اجراءات انتخاب رئيس الجمهورية والفحص في الطعون واعلان نتائج الاقتراع([23]).




خامسا: الإجراءات المتعلقة بمراقبة صحة عمليات الاستفتاء:

       يتولى المجلس الدستوري مراقبة الاحصاء العام للأصوات المدلى بها في الاستفتاء مع مراعاة المطالبات المضمنة في محاضر العمليات و البت فيها بصورة نهائية. واذا تبين له وجود مخالفات في هذه العمليات يكون له الصلاحية في أن يقضي اما بالابقاء على تلك العمليات أو بالغاء جميعها أو بعضها وذلك تبعا لمدى نوع وجسامة المخالفات المسجلة على عمليات الاستفتاء. كما يشار الى ذلك الاعلان الى الظهير الشريف القاضي باصدار الامر بتنفيذ القانون الذي وافقت عليه الامة بالاستفتاء.
أما المجلس الدستوري الفرنسي فقد اعلن في قرارا له سنة 6 نونبر 1962 اشرافها على صحة عمليات الاستفتاء واعلان نتائجها([24])، لكنه لا يراقب القوانين الصادرة عن الاستفتاء.












المطلب الثالث: مزايا وعيوب الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
       لاشك إن الرقابة السياسية على دستورية القوانين تمارس وظيفة مهمة في إعلاء كلمة الدستور وتنفيذ أحكامه ولكن الآليات القانونية التي يقصد بها الدفاع عن مبدأ سمو الدستور وما تؤدي إليه من رقابة لدستورية القوانين ليست صورة واحدة في كل البلاد فقد تنشئ آليات قانونية خاصة تتماشى مع فلسفتها وظروفها فمن الدول من اتبع أسلوب الرقابة السياسية متجاوزا" عن عيوبها ومنها من سلك سبيلا آخر في الرقابة 
غير إن الطرفين اتفقا على ضرورة وجود رقابة علي دستورية القوانين وفي هذا الجزء من الدراسة نبحث في مزايا (الفقرة الأولى) وعيوب الرقابة السياسية على دستورية القوانين(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مزايا الرقابة السياسية على دستورية القوانين.

يشير الفقه الدستوري إلى أن للرقابة السياسية على دستورية القوانين المزايا التالية:
1- تتفق الرقابة السياسية مع طبيعة عمل السلطة التشريعية والذي تتداخل فيه الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات القانونية , لان الرقابة على الدستورية هي مسألة قانونية في موضوعها , وسياسية في آثارها فانه من الاوفق أن تباشره هيئة سياسية يقوم بتشكيلها البرلمان وتتكون من أعضائه أساسا تلافيا لعوامل الحساسية والتحدي ومحاولة السيطرة المتبادلة بينهما .                                                                      
2- لا تقتصر الرقابة السياسية على الجوانب القانونية فحسب وإنما تمتد لتشمل الجوانب السياسية المحيطة بالعمل محل الرقابة , وتقدير مدى الآثار المترتبة على الرقابة سواء من حيث دستورية هذا العمل أو من حيث ملائمته .                                        
3- الرقابة السياسية رقابة وقائية غالبا فهي تحول أصلا دون صدور العمل غير الدستوري وتمنع بعد صدوره الجدل حول دستوريته وتتفادى خطر تضارب الأحكام القضائية الذي يحدث في حالة الأخذ برقابة الامتناع مما يضاعف من فعالية هذه الرقابة لان الوقاية خير من العلاج([25]).
ان المجلس الدستوري أصبح جهازا ضروريا في النظام السياسي بجانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، اذ بامكان هذه المؤسسة ان تمكن اليوم المغرب من تحقيق عدالة دستورية وولوج مرحلة جديدة من نظامه السياسي.
 وكما ذهب أحد الفقهاء فان القاضي الدستوري يساهم بشكل كبير في التنمية الديموقراطية وتكريس دولة الحق والقانون من خلال حماية الدستور وابراز القانون كقيمة اجتماعية في النظام التنافسي للانتاج الديمقراطي للقيم التي تستمد مشروعيتها من هذه المنافسة، كما يلعب دور الحارس للدستور وللحقوق وحريات المواطنين، وحكما للخلافات التي قد تحدث بين للاجهزة الكبرى للدولة على مستوى الاختصاصات([26]).            

الفقرة الثانية: عيوب الرقابة السياسية على دستورية القوانين

 ان الغالبية العظمى من الفقه تفضل الرقابة القضائية، لما للرقابة السياسية من عيوب واضحة أهمها :
1- الهيئة السياسية تخضع بطبيعتها للأهواء والنزوات السياسية والحزبية التي تسيطر على عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية , وهو الأمر الذي يؤدي في الأصل إلى الخروج على الدستور , ومن ثم فان الطريق السياسي للرقابة لن يعني سوى إحلال هذه الهيئة بنزعاتها محل أهواء ونزعات الهيئات السياسية الأخرى فتغدو الرقابة غير منتجة أو مؤثرة بما يشكل خطرا" سياسيا" على الدستور ومبادئه
2- قد لا تتوفر لدى القائمين على الرقابة السياسية القدرة الفنية والخبرة القانونية الكافية لمباشرة الرقابة الدستورية، علاوة على عدم تمتعهم بضمانات الحيدة والاستقلال التي تتوفر للقضاء، مما يضعف هذه الرقابة لمدى بعيد خاصة مع تأثر أغلبية هؤلاء الأعضاء باتجاهات السلطة التي تقوم بتعينهم وخضوعهم لتعليماتها، وحتى إذا تم انتخابهم بواسطة الشعب فانه سيسيطر على عملها نفس الاتجاهات السياسية التي تسيطر على البرلمان، علاوة على إحساسهم بالعلو عليه مما يؤدي إلى تفاقم الصراع بين السلطات وبث الاضطراب السياسي في الدولة([27]).
3- إذا كان تحريك الرقابة يعود للسلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية فان ذلك يؤدي إلى إقامة الطعن في دستورية القانون على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية، وإذا كانت الرقابة تمارس بشكل تلقائي من قبل هيئة الرقابة وذلك كجزء من متطلبات العملية التشريعية، فان ذلك يخلق من هيئة الرقابة مشرعا" آخر لان القانون لا يمكن يشرع ويصدر دون موافقتها، أي أن مصير القانون في هذه الحالة سيتوقف على إرادة هيئة الرقابة.

كذلك فان هذا النمط من الرقابة غير فعال، نظرا لما يشوبه من قصور فالدساتير اذا كانت قد اقرت من الرقابة الاجبارية ينصب على القوانين النظامية والنظم الداخلية والمجالس التشريعية من شانه ان يحول دون صدور نصوص من هذا القبيل مخالفة للدستور، فانها جعلت الرقابة اختيارية بصدد القوانين العادية وبالتالي يكون اعمال الرقابة في هذه الحالة موقوفا على ارادة الجهات التي تملك حق اثارتها وبالتالي يكون من المحتمل صدور قوانين مخالفة للدستور.
ذلك ان الوضع الحالي للرقابة السياسية لا يسمح للافراد العاديين باثارة مسالة عدم الدستورية امام القضاء الدستوري مادام ان رقابة المجالس الدستورية هي رقابة سابقة على صدور القوانين.
كما أن رقابة المجالس الدستورية لا تشمل المراسيم والتدابير التي لها قوة القانون التي اصبحت اساس التشريع في الوقت الراهن بسبب تحديد مجال القانون واطلاق مجال الائحة الامر الذي من شانه ان يجعل العديد من النصوص القانونية تفلت من الرقابة الدستورية.
قد يرد البعض على هذا النقد بان النصوص التي تصدر في شكل مراسيم تخضع لرقابة القضاء الاداري، الا ان ذلك غير كاف لان هذه الاخيرة لم تسلم هي الاخرى من النقد لان الطعن أمام القضاء الاداري  في شرعية القرارات الادارية لا يكون الا من طرف صاحب المصلحة، وقد لا تكون هناك مصلحة من شخص بذاته، ورغم ذلك تكون تلك القرارات غير مشروعة.
 زد على ذلك ان القوانين التي يقرها الشعب عن طريق الاستفتاء تخرج كليا عن ولاية المجالس الدستورية رغم انها يمكن ان تتضمن احكاما مخالفة لمقتضيات الدستور.
وبذلك تكون الرقابة الدستورية غير كافية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وبناء دولة القانون وترسيخ حكم المؤسسات([28]).
وبخلاف الرقابة السياسية التي يعهد بها إلى جهاز سياسي فإن بعض الدول التجأت الى تطبيق الرقابة القضائية على دستورية القوانين والتي تُخول لمحكمة أي لجهاز قضائي، ولم تتفق الدول التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على أسلوب واحد، بل تعددت هذه الأساليب وتنوعت، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى رقابة عن طريق الدعوى ورقابة عن طريق الدفع· وتبعاً للآثار المترتبة عليها يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين، هما رقابة الإلغاء ورقابة الامتناع، لكننا سنقتصر في موضوع بحثنا هذا فقط على رقابة الامتناع التي يعمل بها في الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتخذناها نموذجا لدراسة الرقابة القضائية.




المبحث الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية

التجربة الأمريكية في الرقابة على دستورية القوانين، من أقدم التجارب وأكثرها ثراء وأبعدها تأثيرا"، وقد ظلت هذه التجربة طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين التجربة الوحيدة في الرقابة على دستورية القوانين، إلى أن بدأت في أوربا عقب الحرب العالمية الأولى.
وبعد ذلك بدأت في الانتشار الواسع في النصف الثاني من القرن العشرين، ويكاد الفقهاء يجمعون على أن الدستور الأمريكي لم ينظم الرقابة على دستورية القوانين ولم يتحدث عن مثل تلك الرقابة صراحة في نص من نصوصه، ولكن في المقابل لا يوجد في نصوص الدستور الأمريكي ما يفهم منه صراحة أو ضمنا" الحيلولة بين القضاء ومثل هذه الرقابة  بل إن في الدستور ما يشجع على الأخذ بها؛ ومن ذلك أن المادة السادسة من الدستور الأمريكي التي تنص « هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة ستكون هي القانون الأساسي للبلاد والقضاة في كل البلاد سيتقيدون بذلك بصرف النظر عن أي حكم مخالف في دستور الولاية أو قوانينها» ([29])، فضلا عن نص المادة الثالثة من الدستور التي تتحدث عن الاختصاص القضائي التي جاء فيها «أن الوظيفة القضائية تمتد إلى كل القضايا المتعلقة بالقانون أو العدالة التي تثور في ظل هذا الدستور»([30]).
هذان النصان من نصوص الدستور الأمريكي وان كانا لا ينظمان وسيلة معينة لمراقبة دستورية القوانين إلا إنهما بغير شك يفتحان الباب عن طريق التفسير أمام المحاكم للنظر في مدى اتفاق القوانين الصادرة مع الدستور.
فلكي تضمن رقابة دستورية القوانين حماية الحريات، يجب أن يتمكن المواطنون من ممارستها، مما يؤدي الى رقابة قضائية؛ أي يمارسها جهاز له صفة محكمة، يمكون تصور منظومتين: اما أن يقدم المواطنون طلباتهم أمام محكمة خاصة، مكلفة حصريا بمراقبة دستورية القوانين، أو يمكن للمواطنين طلب ذلك من المحام العادية عبر الدفع بعدم الدستورية([31])، و هذه المنظومة الأخيرة هي منظومة الولايات المتحدة الأمريكية حيث المحكمة العليا تضمن رقابة فعالة لدستورية القوانين عن طريق استئناف قرارات المحاكم العادية.
ويعد النظام القضائي الأمريكي أكثر النظم القضائية قوة في العالم، وتنهض أسس هذه القوة على حقيقة أن المحاكم الأمريكية تفسر القانون، وأن للمحكمة الحكم النهائي في تفسير الدستور، وقد مارست المحكمة منذ عام (1803) سلطة المراجعة القضائية أي سلطة إعلان عدم دستورية أحد القوانين([32]).
وتبعا لما سبق فاننا سنتاول هذا الموضوع من خلال بيان ماهية رقابة الامتناع المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية (المطلب الأول)، ومن خلال دراسة المحكمة الاتحادية العليا ( المطلب الثاني)، مع تخصيص (المطلب الثالث) لتقييم هذا النوع من الرقابة.









المطلب الأول: رقابة الامتناع

يقصد برقابة الامتناع أو كما تسمى أحياناً بالرقابة عن طريق الدفع، امتناع المحكمة عن تطبيق القانون المخالف للدستور بناء على دفع يقدمه صاحب المصلحة أو بمبادرة منها[33](20) في قضية منظورة أمامها إعمالاً لتغليب حكم القانون الأعلى على حكم القانون الأدنى في سلم التدرج الهرمي للنظام القانوني في الدولة، وبناء عليه فإن رقابة الامتناع تفترض بدءاً أن يكون هناك دعوى منظورة أمام المحكمة أياً كانت طبيعة هذه الدعوى، مدنية أو جنائية أو إدارية، بهدف الحصول على حق معين عن طريق تطبيق القانون، فيدفع صاحب الشأن بعدم دستورية ذلك القانون المخالف للدستور، بهدف منع المحكمة من تطبيقه في الدعوى المنظورة أمامها·
ويعد هذا الطريق الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين([34]).
وإذا كانت رقابة الإلغاء عن طريق الدعوى الأصلية توصف بأنها هجومية، فإن رقابة الامتناع أو الدفع بعدم الدستورية وسيلة دفاعية، الهدف منها ليس إلغاء القانون المخالف للدستور، وإنما الهدف منها هو فقط عدم تطبيقه على موضوع النزاع المنظور أمام محكمة معينة· فحيث تتحقق المحكمة من صحة دفع صاحب الشأن بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في نزاع معين، فإنها تمتنع عن تطبيقه في الدعوى بناء على تغليب القاعدة الدستورية على القاعدة العادية.
وبناء علية فان المحكمة التي تمتنع عن تطبيق قانون معين لمخالفته الدستور، لا تلغي ذلك القانون، لأنها لا تملك تلك السلطة، فيقتصر قرارها على الامتناع دون الإلغاء، بحيث لا يقيد هذا القرار أي محكمة أخرى ولا يكون حجة عليها· بل إن مثل هذا القرار لا يقيد نفس المحكمة التي أصدرته في قضية أخرى، ما لم تكن هذه المحكمة في دولة تأخذ بنظام السوابق القضائية.
وبالتالي يمكن القول بأن حكم المحكمة بعدم دستورية قانون معين وامتناعها عن تطبيقه على قضية معروضة أمامها في هذا النوع من الرقابة، هو حكم لا يتمتع إلا بحجية نسبية فقط.
ولدراسة موضوع رقابة الامتناع كان لابد من التطرق لأسسها (الفقرة الأولى)، ثم الى صورها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أسس رقابة الامتناع

بخلاف رقابة الإلغاء فإن رقابة الامتناع لا تحتاج إلى نص دستوري يقرها، وينظم إجراء المراقبة، ويحدث محكمة دستورية خاصة· فهذا النوع من الرقابة هو من صميم عمل القاضي، بل هو واجب عليه بحكم وظيفته التي تتطلب الفصل في المنازعات وتغليب القانون الأعلى عندما يتعارض معه قانون أدنى، وبالتالي فإن رقابة الامتناع لا تتقرر لمحكمة معينة في الدولة وإنما هي ممنوحة لجميع المحاكم على اختلاف درجاتها.

أولا: قضية ماربوري ضد ماديسون:

تعتبر قضية ماربوري ضد ماديسون أول قضية تعرضت فيها المحكمة الاتحادية العليا لموضوع دستورية القوانين منذ إنشائها عام 1789، والحكم ببطلان القانون المخالف للدستور([35]
ففي عام 1803 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكماً من أهم أحكامها السياسية والدستورية يتضمن إقراراً للمحاكم بسلطة بحث دستورية القوانين· وبررت حكمها هذا بأنه إذا كان من واجب القاضي تطبيق القانون، فإن عليه التحقق أولاً من وجود القانون المراد تطبيقه، وهذا الوجود منوط بموافقته لأحكام الدستور·
فإذا ثبت للمحكمة أن القانون المراد تطبيقه مخالف للدستور، اعتبر في حكم المنعدم مادامت المحكمة ملتزمة بتطبيق القانون الأعلى وهو الدستور الذي ارتضاه أفراد الأمة قانوناً أساسياً لهم· والمحكمة إذ تقوم بذلك وتمتنع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، لا تعتدي على اختصاص سلطة أخرى وإنما تقوم بوظيفتها الرئيسية وهي تطبيق القانون·
فبعد أن بين جون مارشال رئيس المحكمة العليا آنذاك (1801- 1835) التعارض بين نص المادة الثالثة من الدستور الأمريكي والفقرة الثالثة عشرة من قانون النظام القضائي، أكد حق القضاء في الامتناع عن تطبيق أي نص قانوني يخالف ما يرد في الدستور من نصوص أو أحكام وأورد حججاً برر فيها هذا النوع من الرقابة، رغم خلو الدستور الأمريكي وتعديلاته من النص الصريح على ذلك·
ثانيا: حجج القاضي مارشال في تبرير الرقابة على دستورية القوانين:
أ- الدستور الأمريكي هو القانون الأعلى للبلاد؛ بحيث لا تكون للتفرقة بين القانون الأعلى وهو الدستور والقوانين العادية أية قيمة قانونية إلا إذا تقيدت السلطة التشريعية في نشاطها بحدود ذلك القانون الأعلى، فإذا ما خالفت التشريعات العادية نصوص الدستور، اعتبرت غير دستورية وباطلة ويجب على المحكمة التسليم بذلك والامتناع عن تطبيق أي قانون أو لائحة مخالفة للدستور، أما عكس ذلك فمعناه أننا نسلم بحقائق ثم نتنكر لها عند التطبيق·
ب- يتطلب الدستور من القاضي عند تقلده منصبه أن يقسم يميناً على احترام الدستور وتطبيق نصوصه، فكيف يُطلب من القاضي هذا القسم ثم يعتقد بقدرته على تجاهل تلك النصوص الدستورية التي أقسم على احترامها إذا تعارضت مع نصوص تشريعية أدنى منها مرتبة·
إن حرمان القاضي من مراقبة دستورية القوانين يهدر كل قيمة لهذا القسم ويجعل منه سخرية·
ج-  إن الدستور الأمريكي عندما نص على القواعد القانونية التي يجب أن يطبقها القاضي في البلاد في كافة المنازعات ورتبها في المادة السادسة منه، إنما أراد من خلاله واضعوه أن يبينوا سمو الدستور وضرورة تقيد القاضي باحترام إرادة مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية كما عبروا عنه في دستورهم·
وقد وجهت انتقادات كثيرة للقاضي مارشال بسبب مسلكه في قضية ماربوري وماديسون ورُد على حججه بردود، منها عملية ومنها نظرية، إلا أن هذه الانتقادات والردود لم تنتقص من قيمة ما توصلت إليه المحكمة العليا برئاسة جون مارشال والذي إعتبر بحق معلماً دستورياً هاماً بناه القضاء الأمريكي وعلى رأسه المحكمة الاتحادية العليا([36]).
ان الرقابة القضائية على أعمال السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية لا تقتصر على رقابة المحكمة العليا أو المحاكم الاتحادية، وإنما تنصرف أيضاً إلى جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها·
فمن جهة أولى تباشر المحاكم الاتحادية رقابتها على التشريعات الاتحادية التي يصدرها البرلمان الاتحادي (الكونجرس) وكذلك التشريعات المحلية التي تصدرها برلمانات الولايات سواء كانت عادية أو دستورية وفحص مطابقتها للدستور الاتحادي، ومن جهة أخرى تباشر محاكم الولايات رقابتها الدستورية على التشريعات الصادرة عن برلمانات هذه الولايات وفحص مدى مراعاة هذه القوانين لأحكام دستور الولاية بشكل خاص والدستور الاتحادي بشكل عام.
تجدر الإشارة إلى أن الدفع بعدم الدستورية أمام تلك المحاكم يشترط أن يتوفر فيه شرط المصلحة لدى الدافع بعدم الدستورية.

الفقرة الثانية: صور رقابة الامتناع
تنقسم صور رقابة الامتناع الى أربعة أساليب تتمثل في؛ أسلوب الدفع الفرعي، أسلوب الأمر القضائي، أسلوب الحكم اللتقريري، و أسلوب التفسير البناء. وفي مايلي نتطرق لكل أسلوب على حدة.
أولا: أسلوب الدفع الفرعي
يوصف هذا الأسلوب بالفرعي لان تقييم دستورية القانون لا تمثل القضية التي ينبغي أن تخلص فيها المحكمة الى حكم، فنظر هذه الاخيرة ينصب على قضية ذات طبيعة مدنية أو جنائية أو غيرها، ولا تظهر مسألة الدستورية الا بشكل عرضي، ومثل ذلك أن يدعي أحد الاطراف أثناء دعوى مدنية أو جنائية بان القانون الذي يراد تطبيقه عليه مخالف للدستور بالشكل الذي يضع القاضي أمام قضية أصلية تتلخص في النزاع الواجب عليها الفصل فيه بحكم، وقضية فرعية تتعلق بدستورية القانون([37]).
ان من خصائص هذا الاسلوب ومن مصادر تميزه عن الاسلوب المتبع في المغلاب أنه يتيح لجميع المواطنين الدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه على النازلة التي هم اطراف فيها. ويشترط لممارسة هذا الدفع أن يكون قد أبدي في خصومة حقيقية وليس بصدد مسالة نظرية أو افتراضية، وأن تكون لصاحب الدفع مصلحة شخصية من وراء دفعه([38]).
واذا كان أسلوب الدفع بعدم الدستورية يجسد ايجابيات عديدة تنسحب على النظام القانوني وعلى الفرد فانها لا تكفي لتوفير الحماية التامة للمواطنين ضد الاعمال ىالتي يخرق بها المشرع النظام المحدد لوظيفته، فاسلوب الدفع يتميز بالبطء نظرا لتعدد درجات التقاضي، كما أنه يثار بعد تحقق الضرر وهو ما يفضي الى تضييع وقت ومال المتقاضي حتى وان انتهى القضاء الى شل مفعول القانون. اذلك ابتكر القضاء الأمريكي تقنيات بديلة تخفف من مواقف هذا الأسلوب([39]).
ثانيا: أسلوب الأمر القضائي
أسلوب الأمر القضائي وهو مسطرة تتيح الطعن في دستورية القانون قبل أن يدخل حيز التنفيذ.
ويلجأ الفرد الى المحكمة طالبا اصدار أمر قضائي عندما يكون مهددا بأضرار غير قابلة للاصلاح أو التعويض من جراء قانون يدعي عدم دستوريته([40]). والأمر القضائي يصدر في أعقاب تحقق المحكمة من عدم دستورية القانون، وقد يأتي في صيغة أمر بالامتناع عن التنفيذ، الذا كان القانون لم ينفذ بعد أو في صيغة أمر باتيان عمل معين لصالح الشخص الذي استصدره حينما يكون ذلك ممكنا؛ ومثال ذلك أن يامر القاضي الموظف المختص بان يرد الى الممول ما يكون قد دفعه من ظريبة دون وجه حق وذلك تحت طائلة التعرض للعقاب على أساس اهانة القضاء([41]).
ويكمن تميز هذا الأسلوب عن الدفع الفرعي في كون الاول يتيح اثارة دستورية القانون قبل دخوله حيز النفاذ وبعده، وهي حلقة لا يطالها الثاني الذي يفترض أن يكون القانون قد نفذ ونتجت عنه خصومة فعلية يطبق أو يراد أن يطبق عليها، واذا كان تبعا لذلك يوفر حماية للمواطنين الى الحد الذي أزعج السلطتين التنفيذية والتشريعية([42])
نظرا لأهمية هذه الوسيلة في الرقابة وخطورتها أيضا، أحاطها النظام الدستوري الامريكي بعدد من القيود المحافظة على شرعية اللجوء اليها، من ذلك ما ورد في قانون 1932، الذي اشترط عدم جواز اصدار الامر القضائي الا بعد سماع اطراف النزاع، واثبات امكانية وقوع اعمال مناقظة للقانون في حالة ما اذا تم تنفيذ القانون المطعون فيه([43])
ثالثا: أسلوب الحكم التقريري
يتميز هذا الاسلوب عما سبقه في ان كل ما تفعله المحكمة هو تقرير للمراكز القانونية للخصوم في الدعوى، دون ان يعقب هذا التنقرير اي امر تنفيذي، كما لا يشترط استصداره ان يشكو طالبه من وقوع ضرر معين وتحقق فعلا او ان يكون وشيك الوقوع([44]).
وهو اجراء يوصف بأنه الأكمل والاكثر تحقيقا للأثر من الدفع بعدم الدستورية، بل حتى من الامر القضائي مادام اللجوء اليه ممكنا في الحالات التي ختلف فيها طرفان عموميان أو خصوصيان في احدى العلاقات بشأن كل من طائفتي الحقوق والالتزامات التبادلية بينهما، وبخاصة عندما يستند أحدهما او الاخر في ذلك الى التعارض القائم ما بين القانون المحدد لكل من تلك الحقوق والالتزامات وبين الدستور رابعا: أسلوب التفسير البناء
يحتل اسلوب التفسير البناء او اسلوب البناء القضائي للانظمة مكانة متميزة بين الاساليب الستخدمة من قبل القضاء الامريكي، في مراقبة دستورية القوانين وهو اسلوب للمراجعة القضائية للانظمة يتوفر للقاضي تاريخيا للقاضي الانجلوسكسوني، ولا يحتاج لمسطرة خاصة لتحريكه اذ يندرج ضمن العمل الذي يقوم به القاضي، عادة تحت مفهوم التفسير، تفسير القاضي المختص بالمراقبة وليس من يقتصر فقط على تنفيذه؛ أي انه ليس اسلوبا لتأويل القانون بالشكل الذي يتيح معرفة ارادة المشرع في قضية ما، بل هو أسلوب يتغيا بدل ابطال القانون تفسيره بالشكل الذي يجعله دستوريا
المطلب الثاني: المحكمة الاتحادية العليا.

انيطت السلطة القضائية في الولايات المتحدة بمحكمة عليا واحدة ومحاكم أدنى درجة يرتأي الكونغرس إنشاءها ويقضي بذلك من حين لآخر وعملا" بهذا التوجيه قسم الكونغرس الأول البلاد إلى مناطق، وأنشأ محاكم فدرالية لكل منطقة ومن ذلك المنطلق تطورت الهيكلية الحالية للمحاكم الفدرالية لتصبح مؤلفة من المحكمة العليا و(11) محكمة استئناف و( 91) محكمة بداية وثلاث محاكم ذات سلطات خاصة ولا يزال الكونغرس يتمتع اليوم بسلطة إنشاء المحاكم الفدرالية أو إلغائها وتحديد عدد القضاة في الجهاز القضائي الفدرالي، ولكنه لا يملك صلاحية إلغاء المحكمة العليا.والسلطة القضائية تقيم أعمالها على أساس السلطة الممنوحة لها بموجب الدستور، وتكون السلطة القضائية المفسر النهائي لمواد الدستور، وللتقييد على سلطة الحكومة، وإذا حاول الفرعان السياسيان الرئيس والكونغرس التجاوز على الدستور، عندئذ تتدخل السلطة القضائية وتقضي بعد دستورية القوانين المتعارضة مع نصوص الدستور، كما قال احد واضعي الدستور فان السلطة القضائية نفسها لن يكون لها لا سلطة المال ولا سلطة السيف، لا تستطيع تنظيم أي جيش أو قوة شرطة لتطبيق قراراتها كما لن تستطيع منع الموازنات المالية عن الفرعين الآخرين، أن كل ما تستطيع القيام به هو أن تبقى مستقلة سياسيا" وحامية لحقوق الشعب إلى درجة تجعل السياسيين والمواطنين على حد سواء يتقيدون بقراراتها إذا كان للسلطة القضائية أن تتكلم دون خوف أو تحيز، وإذا كان لها أن تكون مستقلة فعلا فيجب أن توجد خارج نطاق سيطرة الفرعين الآخرين للحكم، ولذلك نص الدستور الأمريكي على إنشاء محكمة علياوتتألف المحكمة العليا من تسعة أعضاء يعينهم رئيس الولايات المتحدة بموافقة مجلس الشيوخ وتتخذ قراراتها بالاغلبيةوالمحكمة العليا هي المحكمة الأعلى درجة في الولايات المتحدةوهي الوحيدة التي أنشأها الدستور بالتحديد ولا يمكن مراجعة أي قرار صادر عن المحكمة العليا أمام أية محكمة أخرى ويحمي الدستور استقلالية القضاء في نصه على أن القضاة الفدراليين يبقون في مناصبهم ماداموا حسني السلوك وهذا يعني عمليا حتى الوفاة أو التقاعد أو الاستقالة مع أن القاضي الذي يرتكب عملا" مخالفا" للقانون وهو في منصبه يمكن أن يوجه له اتهام برلماني ويحاكم في الكونغرس على غرار ما يحصل بالنسبة إلى الرئيس وسائر المسئولين في الحكومة الفدرالية والقضاة الفدراليون يعينهم الرئيس ويخضع لموافقة مجلس الشيوخ كما أن الكونغرس يحدد رواتب هؤلاء القضاة ولا يذكر الدستور شيئا" عن مؤهلات قضاة المحكمة العليا وليس هناك ما يستلزم أن يكون القضاة من المحامين مع أن جميع القضاة الفدراليين وقضاة المحكمة كانوا على الدوام من المحامين ومنذ إنشاء المحكمة العليا لم يدخل في عضويتها سوى مائة قاض وكانت هذه المحكمة تتألف من رئيس وخمسة أعضاء وفي السنوات الثمانين التي أعقبت إنشائها بقي عدد أعضاء المحكمة يتبدل إلى أن تحدد عضويتها سنة (1869) برئيس وثمانية أعضاء ورئيس المحكمة هو المسئول التنفيذي الأعلى فيها.وتتسم السلطة القضائية في أمريكا بنظام ثنائي محاكم الولايات وسلطة قضائية فدرالية إن محاكم الولايات تتعامل مع الغالبية العظمى من القضايا في البلاد بما في ذلك المتعلقة بالأحوال الشخصية والقضايا بين المواطنين ومخالفات المرور وتهتم المحاكم الفدرالية فقط بالمخالفات المتعلقة بالقانون الفدرالي أو الدستور كما أنها تتناول أيضا القضايا بين المواطنين من ولايات مختلفة ويتكون نظام المحاكم الفدرالي من ثلاث مستويات أساسية هي (محاكم مناطق ومحاكم الاستئناف والمحكمة الاتحادية العليا) وهذه المحاكم الدستورية التي تمارس السلطة القضائية كما نصت عليها المادة الثالثة من الدستور الأمريكي أما عن اختصاص المحاكم الذي يقصد به سلطة المحكمة في أن تسمع وتحاكم وتصدر قرارها في إحدى القضايا وتختص المحاكم الفدرالية بالنظر في القضايا التي تتناول التأويلات الدستورية والمسائل المتعلقة بالقانون البحري وكذلك عندما تكون الأطراف المتنازعة أو الخصوم في القضية هم من الولايات أو إحدى الولايات أو أحد المواطنين في إحدى الولايات يقيم دعوى على ولاية أخرى وهناك عدة صور من الاختصاصوبناء على ما سبق فاننا سنتناول بالدراسة والتحليل اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا (الفقرة الأولى)الفقرة الأولى: اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا:
تتكون من الاختصاص المطلق، الاختصاص المشترك، والاختصاص الأصلي:
أولا": الاختصاص المطلق:
إن القضايا التي يكون أحد أطرافها سفيرا، أو التي تتعلق بجريمة فدرالية مثل الخيانة العظمى، والتجسس، وتزوير العملة، أو التي تتضمن اعتداء على حق الاختراع، أو حق التأليف والنشر، أو قانونا من قوانين الكونغرس، لا تنظرها إلا المحاكم الفدرالية([50]).
وللمحكمة الاتحادية العليا ومن خلال سلطتها في المراجعة التشريعية، أن تعلن أيا من أعمال الرئيس، أو الكونغرس بأنه غير دستوري على أساس انه ينتهك الدستور، ولا يمكن رد مثل هذا القرار إلا بموجب تعديل دستوري أو بقرار من المحكمة ذاتها.
وتمارس جميع المحاكم الأمريكية بما في ذلك المحاكم الفدرالية في مناسبات معينة، لكن الكلمة الأخيرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة تختص بها المحكمة الاتحادية العليا([51]).
وقد لعبت المحكمة العليا الأمريكية دورا بارزا في فضيحة (وترجيت) عندما أصدرت المحكمة في دعوى الولايات المتحدة ضد الرئيس ( ريتشارد نيكسون) أمرا بطلب تسليم الشرائط المتعلقة بالمحادثات التي دارت بين الرئيس( نيكسون) وسبعة من مساعديه وعلى رأسهم النائب العام، ومن الذين كان قد تم توجيه تهم لهم لعلاقتهم بالسطو على (وترجيت) وقد اعترض ( نيكسون) على تسليم الشرائط باعتبار إن محادثات الرئيس تتمتع بالحصانة المطلقة، وقررت المحكمة العليا بالإجماع، بأنه ليس للمحادثات الرئاسية حصانة إذا تعلق الأمر ببينة تثبت ارتكاب جريمة، ولعل مما يحسب للنظام الأمريكي إن أربعة من قضاة المحكمة العليا من الذين أصدروا الحكم تم تعينهم بواسطة الرئيس( نيكسون) ولم يشفع له تعينهم وعليه كان لأمر المحكمة العليا الدور البارز في استقالة الرئيس ( ريتشارد نيكسون) في( 8/ أغسطس 1974)([52]).
ثانيا: الاختصاص المشترك :
يمكن أن تنظر القضايا أما محكمة فدرالية و محكمة ولاية القضية التي تتضمن مواطنين من ولايات مختلفة تعرف هذه القضايا بقضايا ازدواج الجنسية  ذا كانت قيمة الأموال في القضية تزيد عن ( 50,000) خمسون ألف دولار فانه يمكن للمدعي أن يرفع القضية إلى أي مستوى من مستويات المحاكم إذا عرضت القضية أمام محكمة ولاية فان المدعى عليه , يمكن أن يحولها إلى محكمة من محاكم المناطق الفدرالية([53]).
ثالثا: الاختصاص الأصلي :
المحكمة التي تنظر قضية لأول مرة يكون لها الاختصاص الأصلي بالنسبة لهذه القضية ما المحكمة التي تنظر في قضية مستأنفة من محكمة أدنى فيكون لها الاختصاص الأصلي فقط، أما محاكم الاستئناف ليس لها إلا الاختصاص ألاستئنافي أما المحكمة الاتحادية العليا فتتمتع بكلى الاختصاصين الأصلي والاستئنافي([54])
الفقرة الثانية: طبيعة قرارات المحكمة الاتحادية العليا
تصدر المحكمة قراراتها دون سماع حجج شفوية، وتصدر المحكمة حكمها مشفوعا" برأي مكتوب غير موقع يطلق عليه ( رأي محكمة ) يشرح حيثيات القرار، وفي بقية القضايا يقدم المحامون عن الخصوم مذكرات تبرز أحقية القضية، ويسمح لكل طرف بنصف ساعة لعرض قضيته شفهيا"، والإجابة على تساؤلات القضاة، وبعد هذه المناقشة الشفهية يجتمع القضاة في اجتماع مغلق لمناقشة القضية والتصويت عليها في النهاية، ثم يتولى رئيس المحكمة كتابة رأي الأغلبية إذا كان متفقا" مع رأيه أو يطلب من أحد القضاة أن يقوم بذلك، أما إذا لم يكن رأي رئيس المحكمة متفقا" مع رأي الأغلبية، يتولى أقدم القضاة كتابة الرأي وقد يحتاج الرأي النهائي لعدة شهور لصياغته، ويمكن للقضاة الآخرين أن يكتبوا رأيا "متفقا" عليه، يتفق ورأي الأغلبية ولكن لأسباب قانونية مختلفة، ولا تتفق الآراء المعارضة مع قرار الأغلبية وتعتبر هذه الآراء مهمة لأنها تشكل سوابق يمكن إتباعها في قضايا مماثلة في المستقبل ويمكن لآراء الأقلية أيضا" أن تصبح منطق الأغلبية في قضية مستقبلية، ويعلن القرار النهائي في جلسة علنية وتنشر كل القرارات في الجريدة الرسمية للولايات المتحدة، ومن المفترض أن تتبع المحاكم الأدنى قرارات المحكمة العليا، ويجب على الدوائر والوكالات الحكومية وشركات الأعمال أن تنفذ قرارات المحكمة([55]).
وجدير بالذكر أن المحكمة الاتحادية العليا الأمريكية لا تملك وسيلة لفرض أحكامها، فان سلطتها الدستورية تدعمها التقاليد الثقافية الأمريكية الراسخة من حيث احترام السلطة القضائية واحترام سيادة القانون، وهذا الاحترام يدعمه الاعتقاد بأنه عند تطبيق الدستور فان قضاة المحكمة العليا لا يقومون الا بمجرد عرض وجهات نظرهم فيما يوجه أحكامهم، فما تستطيع أن تفعله المحكمة في قضية ما فهي مقيدة، اما بشي وارد في النص أو بالوسيلة التي تم اللجوء إليها لتفسير النص، فمثلما يعتبر الدستور طبقا لتفسير المحكمة، ينظم سلطة باقي فروع الحكومة فان الدستور يقيد سلطة المحكمة ذاتها([56]).   

الفرع الثالث :أهم الضوابط التي تتقيد بها المحكمة الاتحادية العليا

وضعت المحكمة العليا الأمريكية لنفسها ضوابط تتقيد بها في هذه الرقابة حتى لا تتجاوز على اختصاصات السلطة التشريعية من ناحية، وحتى تتجنب الآثار القانونية والسياسية الخطيرة التي قد تترتب على القضاء بعدم دستورية القوانين من ناحية ثانية، وحتى لا تطالب السلطة التشريعية بتقييد اختصاصات المحكمة من ناحية ثالثة، وأهم الضوابط التي تلتزم بها  المحكمة الاتحادية العليا في ممارسة الرقابة مايلي:([57])
1- عدم تعرض المحكمة للمشكلة الدستورية إلا إذا كان ذلك ضروريا" للفصل في الخصومة الأصلية.
2- تبني قرينة تقضي بان الأصل في كل ما يصدر من السلطة التشريعية من قوانين انه صادر في الحدود التي رسمها الدستور لتلك السلطة، وعلى القضاء عند فحصه لدستورية القوانين أن لا يخرج عن مقتضى القرينة إلا إذا كان التعارض بين القانون والدستور تعارضا" واضحا" وصريحا"، بمعنى ذلك إن المحكمة لا تقضي بعدم الدستورية إلا إذا كان عدم الدستورية هذا فوق مستوى كل شك معقول، وانه إذا أمكن تفسير القانون على أكثر من وجه أن تلتزم هذا التفسير ما دامت عبارة القانون تحتمله.  
3- عدم ممارسة المحكمة على القوانين إلا رقابة فنية ذات طابع قانوني مجرد واستبعاد كل عنصر غير دستوري من هذه الرقابة، فلا تناقش ضرورة التشريع أساسا لفحص دستوريته دون أن تبحث عن بواعثه الحقيقية.
4- استبعاد المسائل السياسية من نطاق الرقابة على دستورية القوانين.




















المطلب الثالث: موقف الفقه من الرقابة القضائية على دستورية القوانين
انقسم الفقه بصدد الرقابة على دستورية القوانين، الى فريقين متعارضين، فريق ينكر حق القضاء في ذلك وآخر يأيده.
الفقرة الأولى: الاتجاه المعارض
ذهب البعض الى انكار حق القضاء في التعرض لبحث دستورية القوانين من الناحية الموضوعية مستندا الى العديد من الحجج التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
Ø    الاعتراف للقضاء بفحص القوانين للتحقق من دستوريتها يتضمن الاعتداء على سيادة الامة ذلك ان من مقتضى هذهى السيادة انعدام كل رقابة على من يباشرها، ولما كان البرلمان هو الذي يباشر اختصاصات السيادة نيابة عن الامة، فيجب الا تكون عليه أية رقابة سوى تلك النابعة عن ضمير نواب الشعب الممثلين. وفي هذا الاتجاه ينطلق الفقيه الفرنسي "بوردو" في انتقاده للرقابة القضائية من كون تطور الديمقراطية أفضى إلى التسليم باختصاص المجالس النيابية بوضع السياسة التشريعية للدولة، وبالتالي فإن مراقبة القضاة للقوانين يؤدي إلى إخضاع إرادة الأمة الممثلة في المجالس النيابية إلى المراقبة، إضافة إلى أن تعقد مهام الدولة، جعل أمر تقدير المصلحة العامة من اختصاص السلطة التنفيذية([58]).
Ø    يذهب الفقيه الفرنسي "زمان" إلى أن تكليف القضاة بممارسة رقابة دستورية القوانين هو إخلال بمبدأ فصل السلطات، وتدخل واضح للسلطة القضائية في صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ فالسلطة القضائية تختص بإصدار الأحكام طبقاً للقوانين المعمول بها وليست مختصة بإصدار الأحكام على هذه القوانين، وبالتالي فإنه لا يجوز للقضاة مراقبة ما تصدره السلطة التشريعية من قوانين، وذلك أن السلطة التشريعية في حالة إصدارها قوانين مخالفة للدستور، فستخضع لمراقبة الجسم الانتخابي عندما تنتهي مدة ولايتها، وعليه فإن التسليم بصلاحية القضاة في ممارسة رقابة دستورية القوانين يفيد تخويلهم سلطة سياسية.
Ø    وقيل أخيرا ان الاعتراف للقضاء بالرقابة على دستورية القوانين فيه خروج عن الحدود المرسومة لوظيفة القاضي، فمهمة هذا الاخير مقصورة على تطبيق القانون وتفسيره ويجب الا يتعدى هذا العمل الى تفسير الدستور والتحقق من موافقة القوانين له، لان في ذلك اعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية.
الفقرة الثانية: الاتجاه المؤيد
ذهب أنصار هذا الاتجاه الى ان الحجج التي يستند اليها منكري هذا الحق غير منتجة.
Ø    فمن ناحية لا تعاض بين حق المحاكم في فحص دستورية القوانين ومبدا سيادة الامة، بل على العكس من ذلك، ان هذه الرقابة تعزز وتؤكد سيادة الامة، لان القضاء بممارسته لهذه الرقابة يضمن احترام ارادة هذه الأخيرة المتمثلة في الدستور.
Ø    ومن ناحية أخرى ليس ثمة تعارض بين تقدير حق القضاء في فحص دستورية القوانين ومبدأ الفصل بين السلطات، فالفصل بين السلطات لايمكن ان يكون مطلقا بمعنى ان تستقل كل سلطة عن السلطتين الاخريين، تماما في ممارسة اختصاصاتها، بل هو فصل نسبي مصحوب بالرقابة والتأثير المتبادل بين السلطات([59]).



تــــقــيــيـــــم:
في ختام هذا العرض الذي سلطنا فيه الضوء على واقع حال الرقابة على دستورية القوانين خلصنا إلى أن تبني الرقابة السياسية أو الرقابة القضائية في بلد ما مسألة تتوقف على ظروف كل بلد، فلا يجوز أن نقيس بلد تختلف ظروفه عن فرنسا ذلك البلد العريق في الديمقراطية وننقل عنه نظام المجلس الدستوري.
إن اختيار النظام الملائم لكل بلد هو مؤشر نجاح أو فشل ذلك النظام، فالبلدان المتقدمة التي مارست الديمقراطية المتقدمة تمتلك مؤسسات دستورية قوية ورأي عام فعال، وبالتالي فان المجتمع يسير إلى حد كبير بطريقة سليمة ولو لم توجد لديه محكمة دستورية، أما البلدان النامية حيث الرأي العام ضعيف أو معدوم وحيث المؤسسات الدستورية هشة وحيث السلطة التنفيذية متسلطة فانه لا يلائمها لرقابة الدستورية إلا وجود محكمة دستورية تشكل جزءا من سلطة قضائية تقف على قدم المساواة من السلطتين التشريعية والتنفيذية. إن ترجيحنا للرقابة القضائية على الرقابة السياسية، كون الأولى تجيز للأفراد الطعن بعدم دستورية قانون ما، أما الأخيرة فإنها لا تجيز ذلك، وهذا ما جعلها في موضع انتقاد من الفقه والقضاء الدستوري، ونعتقد أن حق الفرد في الطعن بعدم الدستورية أحد الركائز التي تقوم عليها ضمانات حقوق الإنسان.
وبما أن استقلال القضاء  يلعب دورا" فاعلا" في تنظيم دولة القانون، بل انه يدخل شرطا أساسيا" في أحد عناصرها المكونة لها، ولا يمكن الحديث عن رقابة دستورية القوانين مؤثرة ما لم يكن القضاء مستقل وغير مقيد أو تابع إلى السلطة التنفيذية.
ومهما قيل عن حياد واستقلال القضاة فهم بالنتيجة بشر غير معصومين من الزلل سواء من كان يمارس رقابة سياسية أو رقابة قضائية .
وعلى الرغم من أن اشتغال النظام القضائي للمراقبة وفقا للنموذج الأمريكي، يستجيب لخصوصية يمتاز بها النظام القانوني السائد في الولايات المتحدة الأمركية، وهو ما يعني أن حظوظ نجاحه واشتغاله بنفس الطريقة تبقى قليلة لدى الدول ذات النظام القانوني المختلفة عنه، فان ظهور مفهوم حكومة القضاة بحمولته التي تختزل التخوف من القضاء والحرص على اسناد اي دور سياسي له، كان كافيا لبعض الدول لاستبعاد تطبيق هذا النظام، بل حتى عدم وضعه قيد التجربة.
ينطبق هذا القول بشكل خاص على فرنسا، لكن لا يستبعد أن يحكون المغرب قد استبعده لذات السبب من باب التأثر بفرنسا أو من باب صيانة خصوصية التاريخ المغربي ونظامه القانوني.
   اعتبارا لمزايا النظام القضائي الأمريكي، نلاحظ أن القضاء أقصي من ميدان مراقبة القوانين في دول كثيرة، ومنها المغرب لأسباب تستدعى مثل هذا الاقصاء، ذلك أن وضعية القضاء الامريكي متوفرة على عدد من المؤهلات لا تتوفر على القثضاء المغربي، ذلك ان شروط استقلاليته ناقصة، كما انه المشرع الدستوري نفسه عكس تردده في اعطائه وصف السطلة، وسواء كان ذلك انعكاسا لمكانة القضاء لدى الرأي العام الذي لا يثق في قدرته، أو كانت هذه الاخيرة ناجمة عن عدم تخويله شروط تجسيد مفهوم السلطة القضائية المستقلة، فان شروطه الحالية لا تسمح له بالانخراط في مجال مراقبة سلطتين قويتين: البرلمان والحكومة.
















لائحة المراجع:
v   الكتب:

1)   د مليكة الصروخ، القانون الدستوري، طبعة 1998.
2)   رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء I الطبعة I 1986.
3)   مصطفى قلوش، المبادئ العامة للقانون الدستوري، الطبعة الرابعة 1995.
4)   محمد يحيى، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، طبعة 2000.
5)   موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري والأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة د جورج سعد، الطبعة الأولى 1992.
6)   صلاح الدين فوزي، المجلس الدستوري الفرنسي، دار النهظة 1992 مصر.
7)   عبد العزيز النويضي، العدالة و السياسة، طبعة 1997، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
8)   محمد الخضراني، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية.
9)   د. سامي جمال الدين – القانون الدستوري والشرعية الدستورية – منشأة المعارف بالإسكندرية – الطبعة الثانية 2005
10)                    لاري الويتز، نظام الحكم  في الولايات المتحدة الأمريكية،  ترجمة جابر سعيد عوض،  الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية،  1996 ط1.
11)                    جيروم – بارونوس – توماس دينس، الوجيز في القانون الدستوري، المبادئ الأساسية للدستور الأمريكي الجمعية المصرية لنشر المعرفة، 1980.
12)                    جابريل إيه الموند .وجي بنجهام باويل الابن – السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر – ترجمة هشام عبد الله – الدار الأهلية للنشر والتوزيع – عمان – الأردن 1997.
13)                    جاي م . فينمان – النظام القانوني الأمريكي – ترجمة د. احمد أمين الجمل – مطبعة الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية – الطبعة الأولى 2005.
14)                    د أحمد المالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الاولى 2001 المطبعة الوطنية، مراكش.
15)                    د. فاروق عبد البر – دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات – النسر الذهبي للطباعة – القاهرة 2004.
16)                    محمد ضريف، القانون الدستوري، منشورات المجلة المعربية لعلم الاجتماع السياسي، دار الاعتصام الدار البيضاء، الطبعة الاولى 1998.
17)                    د حسين عثمان محمد عثمان، القانون الدستوري، دار الجامعة الجديدة، الطبعة 2005.



v  الأطروحات:

§          د نور الدين أشحشاح،" الرقابة على دستورية القوانين في المغلاب دراسة مقارنة"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2000-2001.

v   المجلات:

1)   حماد صابر، المجلس الدستوري بالمغرب: واجهة سيادة الدستور،Remald العدد 37 مارس أبريل 2001.
2)   سيدي محمد ولد سيد آب، دولة الحق والقانون من خلال الدساتير المغاربية ملاحظات حول المفهوم والأسس والضمانات الدستورية، Remald العدد 42، يناير – فبراير 2002.
3)   عبد الرحيم المنار أسليمي، مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب، دراسة سوسيو قضائية Remald ، العدد 65 سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الأولى 2006.
4)   عبد العزيز النويضي، المجلس الدستوري بالمغرب، Remald، العدد 29، 2001.




[1] - سيدي محمد ولد سيد آب، دولة القانون من خلال الدساتير المغاربية، ملاحضات حول المفهوم والاسس والضمانات الدستورية، المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، عدد 42، يناير فبراير 2002. ص 27.
[2]- د مليكة الصروخ، القانون الدستوري، طبعة 1998، ص 267.
[3] - الفصل 57 من الدستور الفرنسي 1985.
[4] - وذلك من الاعضاء الذين يشكلون المجلس الدستوري.
[5] - مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 270.
[6] - ويتم اختيار أولئك الممثلين عن طريق الانتخاب.
[7] - مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 271.
[8] - عبد العزيز النويضي، العدالة والسياسة، ص 140.
[9]- صلاح فوزي، المجلس الدستوري الفرنسي، دار النهضة 1992 مصر ص 11.
[10] - ذ عبد الرحيم المنار أسليمي، مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب دراسة سوسيو قضائية، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد 65 ، سنة 2006 مطبعة دار النشر المغربية الرباط، ص 96.
[11] - عبد العزيز النويضي، مرجع سابق، ص 193.
[12] - د مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 271 و 272.
[13] - د  مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص
[14] - محمد الخضراني، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، ص 177.
[15] - ينص الفصل 35 من دستور 1996 على ما يلي: " ... يمكن للملك  أن يعلن حالة الاستثناء بظهير بعد استشارة رئيس مجلس النواب رئيس مجلس المستشارين ورئيس المجلس الدستوري و وتوجيه خطاب الى الامة ..."
والفصل 71 منه الذي ينص على ما يلي: " للملك بعد استشارة رئيس مجلسي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للامة أم يحل مجلسي البرلمان أو احدهما بظهير شريف".
[16] - ذ عبد الرحيم المنار أسليمي، مرجع سابق، ص 92 و 93.
[17] - ذ عبد الرحيم المنار أسليمي، مرجع سابق، ص 248 و 249.
[18] - مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 274.
[19] - د مليكة الصروخ، مرجع سابق، ص 275.
[20] - محمد الحضراني، مرجع سابق، ص 177.
[21] - مصطفى قلوش، المبادئ العامة للقانون الدستوري، الطبعة الرابعة  1995،شركة بابل للطباعة والتوزيع، ص 204.
[22] - المادة 83 من القانون التنظيمي رقم 97 – 31 المتعلق بمجلس النواب، والمادة 52 من القانون التنظيمي رقم 97 – 32 المتعلق بمجلس المستشارين. - ذ عبد الرحيم المنار أسليمي، مرجع سابق، ص 130.
[23] - مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 208.
[24] - وذلك بموجب المادة 60 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 : " يراقب المجلس الدستوري صحة عمليات الاستفتاء ويعلن نتائجها".
[25] - - د. سامي جمال الدين – القانون الدستوري والشرعية الدستورية – منشأة المعارف بالإسكندرية – الطبعة الثانية 2005.ص 146 .
[26] - مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 274.
[27] - سامي جمال الدين، مرجع سابق،  ص 147
[28] - سيدي محمد ولد سيد آب، مرجع سابق ص 28.
[29] - المادة 6/2 من الدستور الأمريكي الصادر عام 1787.
[30] - المادة 3/ 2 من الدستور الأمريكي الصادر عام 1787.
[31] - موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري والأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة د جورج  سعد، الطبعة الألى 1992 ص 159.
[32] - لاري الويتز، نظام الحكم  في الولايات المتحدة الأمريكية،  ترجمة جابر سعيد عوض،  الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية،  1996 ط1 ص 215 .
[33] - ويذهب بعض الفقهاء الدستوريين الى أنه لا يجوز للمحكمة أن تتعرض لأمر دستورية قانون معين من تلقاء نفسها، بل لابد من اثارة مثل هذا الدفع من قبل أحد الخصوم، انظر د نعمان الخطيب، ص 564.
[34] - جيروم – بارون و س – توماس دينس، الوجيز في القانون الدستوري، المبادئ الأساسية للدستور الأمريكي الجمعية المصرية لنشر المعرفة، 1980، ص 51.
[35] - ماربوري Marbury وهو قاض أمريكي رفع دعوى على المحكمة العليا ضد ماديسون Madison  وهو وزير، يطلب فيها إصدار امر قضائي على ماديسون يقضي بتسليمه قرار تعيينه قاضياً والذي اصدره مجلس الشيوخ وصدق عليه رئيس الدولة في ظل قانون النظام القضائي الذي أصدرها الاتحاديثون عام 1801م، انظر: د· نعمان الخطيب·

[36] - د  نعمان الخطيب، مرجع سابق، ص571.
[37] - د نور الدين أشحشاح،" الرقابة على دستورية القوانين في المغلاب دراسة مقارنة"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2000-2001. ص 30.
[38] - مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 242.
[39] - د نور الدين أشحشاح، مرجع سابق، ص 31.
[40] - مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 250.
[41] - د نور الدين أشحشاح، مرجع سابق، ص 31 و- د  مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 250.
[42] - من العوائق التي وقفت ضد هذا الاسلوب أن اتهمت السلطة القضائية بالتدخل في ممارسة الوظيفة التنفيذية، وبانها تنصب نفسها كمشرع أعلى. – د نور الدين اشحشاح، مرجع سابق، ص 31.
[43] - د أحمد المالكي، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الاولى 2001 المطبعة الوطنية، مراكش ص 94.
[44] - مصطفى قلوش، مرجع سابق، ص 252.
[45] - د  نور الدين اشحشاح، مرجع سابق، ص 32.
[46] - نور الدين اشحشاح، مرجع سابق، ص 33.
[47] - فيليبا ستروم – دور القضاء المستقل – مقالة منشورة في مجلة أوراق ديمقراطية رقم 6 – إصدار وزارة الخارجية الأمريكية – مكتب برامج الإعلام الخارجي.
[48] - د رقية المصدق، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الاول الطبعة الاولى 1986، ص 110.
[49] - لاري الويتز – نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية – ترجمة جابر سعيد عوض – الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية – الطبعة الأولى 1996 ص220 و 221.
[50] - لاري الويتز، مرجع سابق، ص 221.
[51] - جابريل إيه الموند .وجي بنجهام باويل الابن – السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر – ترجمة هشام عبد الله – الدار الأهلية للنشر والتوزيع – عمان – الأردن 1997، ص 959.
[52] - للمزيد حول فضيحة ( وترجيت ) ينظر نبيل أديب عبد الله , ( عندما هزمت الصحافة السلطة ) مقالة منشورة في صحيفة السودان الدولية والهوية الجامعة , العدد : 839 في 13 / 3 / 2008 وعلى الموقع الالكتروني http://www.alsudani.info/index.php?type=38id=2147526764
[53] - محاكم المناطق , محاكم فدرالية تحكم في (250,000) مائتي وخمسون إلف قضية كل عام نحو  %80        من إجمالي عبء القضايا الفدرالية، ويبلغ عدد هذه المحاكم في الولايات المتحدة 94 محكمة منطقة وتقع في مختلف المناطق القضائية في الولايات المتحدة فضلا عن الأقاليم، واحدة في كل من مقاطعة كولومبيا، وجوام، وبورتوريكو، وجزر فرجين، وتضم ولاية كبيرة مثل كاليفورنيا أربع محاكم مناطق وفي كل ولاية بها محكمة منطقة واحدة على الأقل، ومحاكم المناطق هي المحاكم الفدرالية الوحيدة التي بها هيئة محلفين كبرى التي تقوم بتوجيه الاتهام للأفراد بعد توافر الأدلة الكافية التي تبرر المحاكم الجنائية وهيئة محلفين صغرى، لمحاكمة المدعى عليهم، ويتراوح عدد القضاة في كل منطقة بين قاضي واحد وسبعة وعشرين قاضيا، ويتوقف ذلك على عدد السكان في المنطقة المعينة، وعادة ينظر قاضي واحد في القضية، إلا أنه في بعض الأحيان تستخدم هيئة من ثلاث قضاة . للمزيد ينظر لاري الويتز –نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية ص 222.
[54] - لاري الويتز – نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية – ترجمة جابر سعيد عوض – الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية – الطبعة الأولى 1996 ص 221 و 222.
[55] - لاري الويتز –مرجع سابق ص 227 و 228.
[56] - جاي م . فينمان – النظام القانوني الأمريكي – ترجمة د. احمد أمين الجمل – مطبعة الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية – الطبعة الأولى 2005، ص 29.
[57] - د. فاروق عبد البر – دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات – النسر الذهبي للطباعة – القاهرة 2004، ص 20.
[58] - محمد ضريف، القانون الدستوري، منشورات المجلة المعربية لعلم الاجتماع السياسي، دار الاعتصام الدار البيضاء، الطبعة الاولى 1998. ص 215.
[59] - د حسين عثمان محمد عثمان، القانون الدستوري، دار الجامعة الجديدة، الطبعة 2005 ص 141.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.