التنظيم البرلماني بالمملكة المغربية
التصــــــمـيم
المقدمة:
المبحث الأول: البرلمان المغربي من حيث العمل و الممارسة.
المطلب الأول: نظام الغرفتين في التجربة البرلمانية المغربية.
1- تقييم نظام الغرفتين.
2- الازدواج البرلماني في التجربة المغربية.
المطلب الثاني: الوظيفة التشريعية للبرلمان.
1- تحديد مجال القانون.
2- المسطرة التشريعية.
المطلب الثالث: وظيفة المراقبة لدى البرلمان.
1- مراقبة عمل الحكومة دون إثارة مسؤوليتها.
أ- مبادرة الحكومة لتزويد البرلمان بالمعلومات.
ب- مبادرة البرلمان للحصول على المعلومات.
2- مراقبة الحكومة عبر إثارة مسؤوليتها.
أ- تحريك المسؤولية السياسية للحكومة بمبادرة من البرلمان.
ب- تحريك المسؤولية بمبادرة من الحكومة.
المبحث الثاني: مشروع قانون المالية في البرلمان المغربي بالمقارنة مع
التجربة الفرنسية.
المطلب الأول: المبادرة الحكومية.
المطلب الثاني: السلوك البرلماني.
المطلب الثالث: التدخل الملكي.
الخاتمة:
مقدمـــــــة
تعد مهمة التشريع والمراقبة ميزتين أساسيتين للعمل البرلماني، فالأولى تهدف إلى سن القوانين من طرف ممثلي الشعب والثانية مراقبة العمل الحكومي لكن مع بزوغ ما يعرف بالعقلنة البرلمانية التي كرسها دستور 1958 الفرنسي ،الذي تراجع فيها دور الجمعيات البرلمانية على مستوى وظيفتي التشريع والمراقبة مقابل ترامي الحكومة عليهما، فالسياسات العامة المالية تعد الدعامة المركزية لنشاط الدولة لكونها تحدد التوجهات الاقتصادية والمالية الكبرى وذلك من خلال قانون المالية ،الذي ينص على طبيعة ومبلغ الموارد والتكاليف ،التي تقوم بصياغته تم الموافقة عليه في المجلس الوزاري ،بحضور الملك ،ويعد ذلك عرضه على مجلس البرلمان الذي يمكن له أن يقترح بعض التعديلات على هذا المشروع ويبرر انفراد السلطة التنفيذية بالمبادرة في مجال التشريع المالي بقدرتها على مراعاة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الكبرى ذلك أنها تملك الخبرة والقدرة وبالتالي الفعالية على إنجاز الدراسات وتنفيذ السياسات ومن هنا تبرز ضرورة سنها للتشريعات هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ثانية تعد(الحكومة) امتداد للبرلمان ،على ألأقل في الدول الديمقراطية ،أما في الدول غير الديمقراطية الأمر يختلف ،وفي هذا الصدد سنتناول البرلمان المغربي من حيث العمل والممارسة (المبحث الأول )ومشروع قانون المالية في البرلمان المغربي ومقارنته بالبرلمان الفرنسي (المبحث الثاني) .
المبحث الأول: البرلمان المغربي من حيث العمل و الممارسة.
المطلب الأول: نظام الغرفتين بالتجربة البرلمانية بالمغرب.
يمكن للبرلمان أن يتخذ شكل غرفة ،كما بمكن أن يتخذ شكل غرفتين أو أكثر في بعض الحالات النادرة ،نجد في الدول الفدرالية أي المركبة نظام الغرفتين ضروريا تفرضه طبيعة هذا التكتل من الدول ،كما نجد دول من هذا النوع لكنها تنهج نظام الغرفة الواحدة مثل ما هو الحال بالنسبة لجزر القمر ودولة الإمارات ،وعموما فالازدواج البرلماني ينتشر في حوالي ثلاث أرباع دول العالم ،وتأخذ به معظم الدول العريقة في الديمقراطية كفرنسا،إنجلترا ،وإيطاليا، و بلجيكا.
1- تقييم نظام الغرفتين.
إن نظام الغرفتين هو نسق مؤسسي يمارس فيه مجلسان مكونان بطرق مختلفة ووظائف برلمانية حسي الشروط يحددها الدستور، وقد تباينت أراء بصدد هذا النظام بين الاتجاه أكد على دور وأهميته في الحياة السياسية للدول وبين اتجاه آخر أنكر رواده عليه هذه الأهمية وفضلوا عليه في المقابل نظام المجلس الواحد .
أ- مبررات نظام المجلسين
يقتضي هذا النظام ممارسة السلطة التشريعية بواسطة غرفتين قد تكون لها اختصاصات متساوية أو قد تتفاوت لفائدة أحدهما.
وتؤكد الممارسة التاريخية أن هذا الأسلوب جاء لوضع حد للسلطات المطلقة التي كان يحظى بها الملوك في أوروبا ،وإلى جانب المجلس الأرستقراطي الموالي للمك في بريطانيا والمعروف بمجلس الوردات : وتشكل المجلس الثاني هو مجلس العموم الذي يتوفر على صلاحيات دستورية كبرى. ولذلك قيل خلال القرنين 18 19 ضمن سياق الدفاع عن هذا النظام ،لأن الإرادة الشعبية يتم التعبير عنها في المجلس الأدنى ،بينما يتم تصحيح هذه الإرادة وتوضيحها في المجلس الأعلى .
وإذا كانت طبيعة شكل الدولة في ارتباطها بالنظام الفدرالي تفرض من الناحية الموضوعية اعتماد هذا النظام، فمن هناك اتجاها قاده مجموعة من الفقهاء والباحثين الذين أعجبوا بهذا ا لنظام ،وفيه العديد من العناصر التي ستساهم في دعم الأسس الديمقراطية للدول عبر خلقها تمثيلية لمختلف الوحدات الترابية، والحيلولة دون هيمنة الغرفة الأولى ،وتأسيس التوازن على مستوى ممارسة السلط و عقلنة العمل البرلماني وضمان استقلاليته بنوع من الهدوء وعدم الاندفاع .
فالمجلس الأعلى بلعب بحسب هذا الرأي دورا أساسيا في تمثيل الدويلات ،فإرادة الشعب تمثل في المجلس الأدنى بينما يتم تمثيل إرادة هذه الولايات والدويلات في المجلس الأعلى (مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية وجلس الولايات في الإتحاد السويسري ).
وحتى في الدول الموحدة أي البسيطة يظل نظام الغرفتين ضروريا بحسب هذا الاتجاه ،فهو في اعتقادهم يضمن عملا تشريعيا هادئا وغير متسرع من الناحية الشكلية والموضوعية عبر تعميق المناقشة لمختلف القوانين بالشكل الذي يجعلها تستجيب لحاجات المجتمع بشكل أكثر دقة وفعالية ،كما أن هذا النظام ومن خلال اختبار أعضائه بشكل غير مباشر، يمكن تمثيل المصالح المحلية ويقوي النظام المركزي ،ويمكن استثمار بعض القدرات عبر رفع مستوى كفاءة الهيئة التشريعية وتعزيزها بنخب وشخصيات مهمة لها خبرات في مختلف المجالات /وخاصة إذا لم تتح لها إمكانية المرور عبر الوسيلة الانتخابية أو عزفت عن المشاركة أصلا.
ومن جانب آخر يعتبر المجلس الثاني بمثابة عامل الاستقرار للنظام السياسي والدستوري للبلد ،وذلك بالنظر لتكوينه ،ومدة عمله وصلاحياته ،ودوره في منع حدوث احتكاك واصطدام أو أزمات مفترضة من السلطة التشريعية و نظيراتها التنفيذية،ويضيف رواد هذا الاتجاه ،بأن المجلس الثاني اتجه تاريخيا لتطوير أدواره من خلال إعطاء أبعاد اقتصادية واجتماعية لصلاحيته إلى جانب الأبعاد التشريعية الأصلية ،وذلك عبر تمثيل فئات مجتمعية منضمة في شكل نقابات مرتبطة بقطاعات معينة أو هيئات تمثيلية لموظفين أو حرفيين ،حيث تصبح الغرفة الأولى فضاء لتمثيل إرادة الشعب،فيما تمكن الغرفة الثانية من تمثيل مصالح سياسية واقتصادية.
ب- نقد نظام المجلسين
إن المدافعين عن نظام المجلس الواحد يعتقدون بان الممارسة الديمقراطية تتطلب مجلسا برلمانيا واحدا ،ل\انه يتطابق قمع مبدأ السيادة التي لا ينبغي أن تتجزأ ويبررون موقفهم هذا بمجموعة من الأسباب :
تشكيل المجلس يخضع في غالبيته لنفس الإجراءات والترتيبات ،كما أنهما يقومان في كثير من الأحيان بوظائف متشابهة .
ثم إن التعيين الذي يرافق تشكيل أحدهما يتناقض مع المبادئ العامة للديمقراطية ويسهم في تجزيء سيادة الأمة.
كما أن وجود التباين على مستوى السن المطلوب في بالمرشحين للمجلسين ،وكذا طول المدة المخصصة لبقاء الأعضاء في الغرفة الثانية ،يعد نوعا من الابتعاد عن إرادة الشعب ،هذا بالإضافة إلى أن وجود المجلسين بإجراءات مستقلة يؤدي إلى عرقلة التشريعات لاسيما وان نظام الديمقراطية في مجموعة يتسم بالبطء ،بل يمكن لذلك إلى شل التشريعات بشكل كامل ،وبخاصة إذا كانت الاختصاصات للغرفتين وسلطتهما متشابهة ومتوازنة .
إمكانية حدوث تصادم مستمر بين الغرفتين بالشكل الذي قد يؤثر سلبا في الحياة السياسية والدستورية للدولة .
خلق نوع من الأرستقراطيات بسبب اعتماد اكتساب العضوية بالوراثة او التعيين في بعض الأنظمة .
كما أن نظام الغرفة الواحدة يضمن السرعة والبساطة في ممارسة العمل التشريعي ،بعيدا عن المسا طير والإجراءات الطويلة والمعقدة ،ويتلافى اختيار الأعضاء بنفس الطرق والأساليب .
2- الازدواج البرلماني في التجربة المغربية.
تعتبر بعض التجارب الرائدة في مجال الازدواج البرلماني مثلما هو الشأن بالنسبة لانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا،يمكن القول أن التجربة المغربية في هذا الشأن تميزت بمجموعة من الخصوصيات التي عكست في مجملها طبيعة النظام السياسي والضوابط الدستورية التي تتحكم في هذه المؤسسة التشريعية .
أ- السياق التاريخي لنظام الغرفتين بالمغرب.
تولدت مؤسسة الغرفة الثانية ،كما رأينا داخل المجتمعات الغربية الرأسمالية ،ووجدت لها مكانا ضمن الواقع السياسي المغربي، وقد ساهم الاستعمار في إدخال هذه المؤسسة إلى البلاد كإحدى الآليات الديمقراطية ،وقد اختار المغرب منذ حصوله على الاستقلال نهج التعددية السياسية واعتماد نظام برلماني كأحد الخيارات السياسية والدستورية الكبرى التي تكفل نوعا من التعايش بين النظام الملكي ومختلف الفاعلين السياسيين الأمر الذي تجسد في دستور 1962 وبموجب مقتضيات هذا الأخير ، اختار المغرب خلال تجربته البرلمانية الأولى اعتماد نظام الغرفتين ،وعلى الرغم من حداثة هذه التجربة وقصرها بالنظر بفرض حالة الاستثناء سنة 1965 ،وقد أفرزت نقاشات كبرى بصدد العديد من المواضيع والقضايا الحيوية ،من قبل توحيد القضاء و مغربته و تعريب الإدارة وتعديل قانون الصحافة، وخاصة أن تشكيلة البرلمان تميزت حينئذ بوجود أعضاء لهم وزنهم السياسي والثقافي والاجتماعي ، ومع ذلك كانت حصيلة هذه التجربة محدودة وتواضعه على مستوى التشريعات المعتمدة .
قبل أن يتم اعتماد نظام الغرفة الواحدة بموجب دستور 1970 والت يتكون فيها المجلس من 240 عضوا ينتخب 90 منهم بواسطة الاقتراع العام المباشر نفي ما ينتخب الباقون بالاقتراع غير المباشر (مدة العضوية 6 سنوات)،وبموجب مقتضيات دستور 1973 تم الإبقاء يعلى نظام الغرفة الواحدة التي أضحت مشكلة من ثلثي الأعضاء ينتخبون بالاقتراع العام المباشر والثلث الباقي بالاقتراع غير المباشر ،حددت فيه العضوية 4 سنوات قبل أن تتم العودة من جديد إلى نظام الغرفتين بمقتضى دستور 1996 ،حيث أصبح مجلس النواب ينتخب بالاقتراع العام المباشر ومجلس المستشارين ينتخب بالاقتراع غير المباشر ويتشكل هذا الأخير من 270 عضوا منتخبا بالاقتراع غير المباشر ، يتم انتخاب 120 عضوا منوهم أي ثلاث أخماس على مستوى كل جهة من جهات المملكة من طرف هيئة ناخبة تتكون من الجماعات المحلية.
ويتألف خمساه الباقي من أعضاء يتم انتخابهم على مستوى كل جهة فئة ناخبة تتكون من منتخبين في الغرفة المهنية وأعضاء تنتخبهم على الصعيد الوطني هيئة ناخبة تتألف من ممثلي المأجورين، وتنحصر مدة العضوية بالمجلس في 9 سنوات ،ويتم تجديد ثلث المجلس كل ثلاث سنوات ،بحيث يجري ملأ المقاعد التي تكون محل التجديد الأول والثاني بواسطة القرعة.
ب- تقييم نظام الغرفتين
خلال خطاب ألقاه الراحل الحسن الثاني بمناسبة عيد العرش يوم 3 مارس سنة 1996،أعلن أن العودة لنظام الغرفتين تتوخى في أهدافها تحقيق مجموعة من المزايا الأساسية التي تتلخص في :
توسيع قاعدة المشاركة الشعبية للمواطنين بالشكل الذي ينسج مع التزايد الديموغرافي للسكان .
ضمان تمثيلية عادلة للفاعلين الاقتصاديين المغاربة .
تحقيق نوع من الانسجام بين الهيئة التشريعية ومؤسسة الجهة.
تفعيل المراقبة البرلمانية على العمل الحكومي بواسطة غرفتين اثنتين إلى جانب الرقابة التي يمارسها الملك .
و تبعا لذلك يعد التعديل الذي عرفه الدستور المغربي لسنة 1996 أصبح البرلمان يتكون من جديد من غرفتين (الفصل 36 من الدستور).
مجلس المستشارين الذي أضحت مدة النيابة فيه 9 سنوات مع تجديد الثلث منهم كل ثلاث سنوات ومجلس النواب الذي أصبحت مدة النيابة فيه خمس سنوات بدل ست سنوات .
إن تجربة الازدواج البرلماني الواردة في هذا الدستور المعدل لم تكن جديدة ،فقد عرف المغرب هذا النظام مع دست ور سنة 1962 ،لكن الأمر الذي أثار بعض الردود هو تلك الإمكانيات والاختصاصات التي خولها هذا الدستور1996 للغرفتين في مجال التشريع والرقابة بالشكل الذي يكاد يكون متشابها ومتساويا (وهذا ما تؤكده الفصول 44،45، 46 ، 50 ، 56 ،57 ،58 من الدستور المغربي ).
إن تجربة الازدواج البرلماني في المغرب كما في معظم البلدان السائرة في طريق النمو طرح مجموعة من الأسئلة والملاحظات ،وذلك بالنظر إلى الخصوصيات التاريخية والاجتماعية المرتبطة بهذه البلدان ،فهذه الأخيرة التي من ضمنها المغرب تظل بحاجة إلى مؤسسة تشريعية تتميز بالتدخل السريع لتحسين الحاجات الملحة والأولويات المطروحة بصدد مختلف المجالات والقطاعات كما أن تجاربها وتطوراتها تختلف بشكل كبير عن التجارب الغربي ة التي أفرزت هذا النظام "الازدواج البرلماني" الذي يجد تربته الخصبة والملائمة في الأنظمة الفيدرالية ناهيك عن التكاليف المالية التي يتطلبها هذا الإحداث ،وما تخلفه من انعكاسات سيئة على اقتصاديات هذه البلدان المنهكة أصلا ،وإذا كان مؤيدو نظام الغرفتين بالمغرب قد اعتبروا أن هذا الإجراء يمكن أن يشكل مدخلا لتحقيق تمثيلية أوسع لمختلف الجهات والقطاعات بالبلاد، وإرساء الجهوية والرفع من الأداء الوظيفي للمؤسسة التشريعية ،فإن اتجاها آخر لاحظ أنه عوض أن تشكل الغرفة الثانية في المغرب منبرا للتأمل والاقتراح ،أضحت تمثل نتيجة تكاد تتطابق من حيث إمكاناتها وصلاحياتها الغرفة الأولى ،بالشكل الذي أفزع هذا الازدواج من أي محتوى ،وخاصة وأنها تملك صلاحيات تقريرية تصل إلى درجة الإطاحة بالحكومة (الفصل 77 من الدستور المغربي الذي ينص على أن "لمجلس المستشارين أن يصوت على ملتمس توجيه تنبيه للحكومة أو على ملتمس رقابة ضدها..." وفي هذا السياق اعتبر الكثيرون أن خلق هذا النظام في المغرب يعرقل العمل التشريعي ويندرج ضمن "الترف السياسي" مع العلم أن عملية انتخاب أعضاء هذه الغرفة تعرف مجموعة من مظاهر الفساد (الارتشاء ،استعمال المال )فيما رأى آخرون محاولة لإعادة ما أسسه الثلث الذي كان يتم انتخابه بشكل مباشر.
فهذه الغرفة جاءت حسب البعض ،من تعزيز التحكم في المشهد السياسي وخاصة مع وصول المعارضة إلى الحكم ،مما جعل هذا الرأي يعتبر ذلك مؤشرا على عدم الثقة في هذه المعارضة ،وأكد البعض الآخر أ ن العودة لنظام الغرفة الواحدة أمر يطرح نفسه بحدة ،وخاصة أن التمثيل الجهوي هو أمر أكثر فعالية وبإمكانه أن يعزز الممارسة الديمقراطية عبر تفعيل مجالس الجهات والتي يمكن أن تلعب دورة برلمانات محلية من أجل تمثيل الهيئات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية .
المطلب الثاني: وظيفته التشريعية .
فالوظيفة التشريعية لا يمكن بأي حال من الأحوال عزلها عن المحيط السياسي و السوسيواقتصادي ،بحيث يؤدي التشريع وظيفة توجيهية تعمل على توجيه المجتمع في طريق التطور وفق حاجات اقتصادية والتيارات الاجتماعية والسياسية المتجددة وهذه الوظيفة أصبحت في المجتمع الحديث عنصرا حيويا فعالا في بناء التكوين الاجتماعي .
1- تحديد مجال القانون.
نجد مسألة تحديد مجال القانون أساسها في الأفكار الدستورية المؤسسة لنظام الجمهورية الفرنسية الخامسة ،ففي خطابه أمام مجلس الدولة في 27 غشت 1958 أشار ميشال دوري إلى أن إقامة نظام برلماني حقيقي تقتضي في بين ما تقتضيه تحديد مجال القانون ،لأن تحديد مجال القانون يعطي للتنظيم بمعنى لمسؤولية الحكومة مجالا واسعا وبالفعل فقد جاء دستور 4 غشت 1958 محددا لمجال القانون في فصله 34،ويسير على هذا النهج عمل المشرع المغربي من خلال الدساتير المتعاقبة على حصر المجالات التي يختص القانون التشريعي فيها ،فيما ترك العنان للحكومة ،ورغم أن الدساتير ما بعد 1972 قد وسعت نسبيا في مجال اختصاص القانون فإن هذا المجال يظل مع ذلك ضيقا مقارنتا ما تختص اللائحة للتشريع فيه ، وهو ما يكرس الوضع الاستثنائي الذي يشغله البرلمان المغربي فيما يرتبط بوظيفة التشريع وانطلاقا من الفصل 46 من الدستور الحالي يمكن التمييز بين مجموعتين أساسيتين من الميادين التي يختص البرلمان التشريعي فيها ، وذلك بالإضافة \إلى الميادين المخولة إليه بصريح الفصول الأخرى .فالمجموعة الأولى ترتبط بالحقوق الفردية والجماعية للمواطنين والموزعة في الدستور بين الديباجة وفصول الباب الأول ، أما المجموعة الثانية ترتبط بميادين مختلفة تتعلق بإصدار قوانين جنائية وقواعد المسطرة الجنائية والمسطرة المدنية ،وإحداث الأصناف الجديدة من المحاكم ،كما ترتبط هذه المجموعة بتحديد النظامين الأساسيين للقضاة والوظيفة العمومية والضمانات الأساسية الممنوحة للمضفي ن المدنيين والعسكريين ،وبتحديد النظام الانتخابي للمجالس الجماعات المحلية ونظام الالتزامات المدنية والتجارية ن و|بإحداث المؤسسات العمومية وبتأميم المنشئات و خوصصتها.
كما أ ن للبرلمان صلاحيات التصويت على قوانين تضع إطار للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى جانب صلاحيته في وضع القوانين التنظيمية التي تختلف في مسطرة وضعها بعض الشيء عن القوانين العادية ، والتي تحيل عليها تسعة فصول من الدستور ، وإذا كان الهدف من تبيان المواضيع التي تم حصرها لفائدة القانون هو الوقوف على تراجع دور البرلمان التشريعي ،ثمة جوانب أخرى ترتبط بهذا الحصر وتفيد تراجع هذا الدور بشكل أعمق ، ذلك أن هذا المجال الذي تم تحديده على وجه الحصر ليشرع في القانون ،نجده مراقبا من الناحية الدستورية لا يسمح للبرلمان بالتشريع خارجه في حين يسكت المشرع عن حماية هذا المجال من الانتهاك وتوضح مراقبة البرلمان كي لا يشرع في غير الميادين المحددة له انطلاق من الفصل 48 من الدستور الذي ينص على إمكانية تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم بعد موافقة المجلس الدستوري ، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس لها السلطة التنظيمية اختصاصاتها ومعلوم أن السلطة التنظيمية تختص بكل ما يخرج عن دائرة اختصاص القانون ، هذه التقنية التي منحها المشرع المغربي للحكومة كي تحمي مجال اختصاصها،تعد من وسائل المراقبة السابقة ،بحيث أن الحكومة انطلاقا من الفصل 53 منن الدستور أن "تدفع بعدم قبول كل اقتراح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية " وللحكومة والبرلمان إحالة كل خلاف بشان هذا الدفع على المجلس الدستوري ، الذي يبث فيه في ظرف ثمانية أيام ،ومن الوسائل الأخر ى الموفرة لمراقبة مجال القانون الطعن في دستورية القوانين الصادرة في غير هذا المجال ،بحيث أن إحالة القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لمجلس البرلمان يتم بصفة إجبارية قبل إصدار الأمر بتنفيذها ،في حين يخول الدستور للمك أو الوزير الأول أ و احد رئيسي مجلس البرلمان أو أربعة أعضاء أحد المجلسين .إحالة القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها على المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور .
وفي مقابل كل هذه الآليات الدستورية الموفرة لحماية المجال التنظيمي ،فإن البرلمان لا يتوفر على آلية دستورية تمكنه من الدفاع عن اختصاصه الذي يمكن أن يغتصب من طرف السلطة التنفيذية ،إذا كانت حماية القانون من تطاول السلطة التنفيذية يمكن أن تتم عبر الطعن في المراسيم والقرارات التي تصدر في غير مجالها أمام القضاء الإداري باعتبارها أعمال إدارية ،فإن هذه الوسيلة تبقى غير فعالة و غير كافية ،لأن الطعن لا يخول في هذه الحالة إلا لصاحب المصلحة وهو ما يفتح الباب أمام احتمال عدم رفع هذه الدعوى .
2- المسطرة التشريعية .
المسطرة التشريعية هي الإجراءات والمراحل التي ينبغي إتباعها لأجل سن التشريعات ونفاذها ،المحددة بنصوص دستورية وقانونية وبمراجعة مقتضيات هذه المسطرة نلمس من جديد مدى تراجع دور البرلمان في المجال التشريعي والمصادقة عليها ،وتعد مرحلة المبادرة التشريعية أ ولى المراحل التي يتم تسجيل تفوق الحكومة على البرلمان بخصوصها إذ نجد المشرع المغربي يقتسم حق المبادرة بين البرلمان والحكومة ،والمبادرة التشريعية حلقة أساسية في المسطرة التشريعية فعبرها يتم وضع أسس التشريع وتحديد مضمونه .
وإذا كانت الممارسة تعطي الانطباع بكون أن كل النصوص التشريعية من مصدر حكومي ،فإنما ذلك ناتج عن آليات العمل البرلماني التي تتحكم فيه الحكومة ،وذلك إلى جانب أن كثير من النواب المغاربة يعتقدون أن وظيفتهم سياسية بالكامل وأن العمل التشريعي للبرلمان ينحصر فهي دراسة النصوص القانونية التي تقدمها الحكومة ، أما المبادرة البرلمانية في مجال التشريع عبر اقتراحات القوانين فهي وظيفة رمزية فقط من خلال جدول إحصاء لحصيلة لكل من البرلمان والحكومة ،لإيضاح مستوى حجم وعدد المبادرات لكلا الطرفين مجلس البرلمان ومجلس الحكومة .
الفترة التشريعية
|
مشاريع القوانين ذات المصدر الحكومي
|
مقترحات القوانين ذات المصدر البرلماني
| ||
المسجلة
|
المصادق عليها
|
المسجلة
|
المصادق عليها
| |
الرابعة 84-92
|
202
|
199
|
131
|
15
|
الخامسة 93-97
|
147
|
139
|
110
|
14
|
السادسة 97-02
|
185
|
176
|
143
|
20
|
السابعة 02-07
|
228
|
215
|
187
|
10
|
المجموع
|
762
|
729
|
440
|
59
|
إن الملاحظة الأساسية التي تنطق بها هذه الأرقام م والإحصائيات هي تفوق المبادرة الوطنية التشريعية الحكومية على المبادرة التشريعية البرلمانية سواء من حيث عدد المبادرات أو من حيث التي تصل إلى مرحلة المصادقة النهائية عليها من لدن البرلمان.
وتأسيسا عليه فإن هذه الورقة تروم البحث في أسباب ومبررات وضعف النصوص التشريعية ذات المصدر البرلماني سواء من حيث حجم المبادرات أو من حيث العدد الذي يصادق عليه البرلمان منها خاصة وأن بعض من تلط المقترحات على الرغم من استفحالها للشروط القانونية المؤطرة في الدستور أو في النظام الداخليين لمجلس البرلمان .
3- أفاق الممارسة التشريعية .
يمارس البرلمان المغربي انطلاقا من الإطار الدستوري الوظيفة التشريعية وفق مكانيزمات العقلنة البرلمانية المقتبسة من نظام الجمهورية الخامسة الفرنسية سواء على مستوى تحديد القانون أو في ما يرتبط بضوابط المسطرة التشريعية ،ورغ م ذلك استطاعت الممارسة البرلمانية المغربية أ ن تفرز عدة خصوصيات كفيلة برصد أفاق هذه الممارسة وتحديد اتجاه تطورها .فمن الناحية الإنتاجية الكمية تفيد الإحصائيات السالفة الذكر أن البرلمان المغربي يسير مع تعاقب الولايات البرلمانية نحو الرفع من حصيلة النصوص التي صادقوا عليها .
أما من الناحية الكيفية فإن الممارسة مازالت تكرس تفوق الحكومة على البرلمانيين كمصدر للنصوص القانونية المصادق عليها، فرغم التطور النسبي الحاصل في تعامل الحكومة إيجابيا مع مقترحات القوانين، فإن أغلب النصوص التي أقرها البرلمان هي الأصل مشاريع قوانين ،لذلك نجدها تعكس في عمومها باشتغالات الحكومة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة ،فخلال الوالية التشريعية الرابعة ،تميزت أغلب النصوص المصادق عليها بطابع اقتصادي ومالي وذلك نتيجة توجهات اقتصادية المملاة في إطار ما كان يعرف بسياسة التقويم الهيكلي ،أما خلال الولاية الخامسة فأن الانفراج السياسي وما رافقه من ترتيبات سياسية ودستورية قد وجد امتداده في الطبيعة السياسية للنصوص التي صادق عليها البرلمان ،والمتعلق بالقانون التنظيمي رقم 97-31 المتعلق بمجلس النواب ،والقانون التنظيمي رقم 97-31 المتعلق بمجلس المستشارين ، والقانون رقم 97-9 المتعلق بمدونة الانتخابات ، أما بخصوص الولاية الحالية التي أعلنت نفيها الحكومة عن اهتمامها بالجانب الاجتماعي فإن أغلب القوانين التي صادق عليها البرلمان ن خلال السنوات الثلاث الأولى هي ذات طبيعة اجتماعية وتكفي الإشارة للتدليل على ذلك ،إلى عقد البرلمان للدورة الاستثنائية صادق خلالها على تسعة نصوص قانونية تتعلق بمجال التربية والتكوين .
وعلى العموم فإن الأفاق التشريعية للبرلمان المغربي تنبني على الكثير من المؤشرات الايجابية بحيث أن الظرفية السياسية الملائمة للرفع من الإنتاج التشريعي كما وكيفا .
المطلب الثالث: وظيفة المراقبة .
يستأثر البرلمان المغربي بآليات مختلفة تخوله الاطلاع على سياسة الحكومة ومراقبة أعمالها ،وهي آليات التي تستمد أهميتها ليس فقط من كونها تشمل جميع ما يقوم به الوزراء وما ينوون القيا م به في إطار تأدية مهامهم بل كذلك لاكتسابها التدريجي للقدرة على التأثير في الأداء الحكومي وتقييمه .
1- مراقبة أعمال الحكومة دون إثارة مسؤوليتها .
تهدف الرقابة إلى التحقق من أن تنظيم السياسة الحكومية يتم وفق الخطط الموضوعة في برنامج الحكومة ،ويسعى البرلمان في ممارسة هذه المهمة إلى التنقيب عن أخطاء الحكومة والكشف عنها والتنبيه إلى تكرار ها ،فمراقبة البرلمان لعمل الحكومي لا ترمي دائما إلى إسقاط الحكومة قصد تق ويم أدائها عبر جمع المعلومات عن موضوع معين واطلاع الرأي العام عنها .
ولحصول البرلمانيين عن المعلومات حول العمل الحكومي ليس من الضروري أن تأتي المبادرة منهم ،إذ يمنح المشرع المغربي الحكومة آليات تمكنها من إقامة حوار مع البرلمان تزوده بالمعلومات التي تريد اطلاعه عليها ، غبر أن هذا لا يمنع البرلمانيين من المبادرة إلى طلب المعلومات عبر آلية السؤال أ و اللجان ،سواء الدائمة منها أ و تلك التي تشكل لتقصي الحقائق حول موضوع ما .
أ- مبادرة الحكومة لتزويد البرلمان بالمعلومات.
قد ترى الحكومة أن من مصلحتها المبادرة على تزويد البرلمان بالمعلومات أو إخباره بإجراء أو مستجدات قضية ما،وعادة ما تتخذ هذه المبادرات شكل الإدلاء بالتصريح أو بعرض أمام إحدى اللجان الدائمة .
وتعتبر التصريحات الحكومية من الوسائل العامة لا إقامة حوار بين الحكومة والبرلمان ومنذ المراجعة الدستورية لسنة 1992 أصبح لزاما التمييز بين التصريح الذي تبادر منة خلاله الحكومة بالإدلاء به عقب تعيين أعضائها والذي تتوخى من خلاله الحصول على تأشيرة المرور إلى تطبيق مضامين برنامجها .
وإذا كان الدستور لا يشير إلى إمكانية ربط تحمل مسؤولياتها أمام مجلس النواب بناء على تصريح حول السياسة العامة فإن النظام الداخلي يورد إمكانية تقديم الحكومة لتصريح تتبعه أولا تتبعه مناقشة بحسب رغبتها ،وهذا النوع من التصاريح لا يكون محل التصويت لذلك تثار بشأنه مسؤولية الحكومة ،وإلى جانب التصاريح الحكومية تشكل اجتماعات اللجان مصدرا مهما لحصول البرلمانيين عن المعلومات خصوصا تلك التي لا تريد الحكومة إعطائها في جلسا ت عامة ، فتلجا في ذلك إلى طلب الاجتماع اللجان الدائمة التي تميز أشغالها بطابع السرية ،وهو ما يجعل المعلومة تنتقل في سرية إلى جميع الفروق الممثلة في هذه اللجان .
أما بمناسبة مناقشة المشاريع قوانين المالية ،فإن الحكومة ملزمة بتقديم جميع الوثائق والبيانات والإجابة عن التساؤلات حول الوضعية العامة التي تم على أساسها تهيئ مشروع قانون المالية موضوع المناقشة ،وهي تشكل بذلك فرصة مهمة للتداول بشان السياسة العامة والقطاعية التي تنهجها الحكومة ، ذلك أن مناقشة البرلمان لقانون المالية هي من أهم اللحظات في الحياة البرلمانية ،فهي تترجم ضغوطات ومصالح الفئات الاجتماعية الممثلة بالبرلمان ، وهي كذلك محاولة لتحديد العلاقات بين المشرع والمنفذ للتوازن بين السلط .
ب- مبادرة البرلمان للحصول على المعلومات.
لا تنحصر مصادر حصول البرلمان على المعلومة فيما تجود به الحكومة ،بل أن له وسائله الخاصة التي يستعملها متى كان في حاجة إلى توضيحات بشأن موضع ما وعلى هذا الأساس فهو يعتمد على مختلف الوسائل والآليات التي تتيحها النصوص الدستورية القانونية .
ويأتي السؤال في طليعة الوسائل التي يعتمدها البرلمانيون في جمع المعلومات وتسلط الضوء على الأداء الحكومي ،كما أنها تدفع الحكومة على البحث في مواضيع الأسئلة والتنبه إلى اختلالاتها ،وبعرف الفقه الدستوري السؤال بأنه الفعل الذي يطلب بمقتضاه نائبا برلمانيا من وزير ما توضيحات حول قضية ما وهذا الفعل غير مصحوب بجزاء سياسي فوري وهذا ما يميزه عن باقي آليات المراقبة الأخرى التي تنتهي بجزاء في شكل تصويت تثار نفيه المسؤولية الوزارية .
ونجد السؤال في فرنسا ارتبط بتطور النظام التمثيلي بحث ظهر السؤال الكتابي بمجلس النواب سنة 1909 فيما تم اعتماده في مجلس الشيوخ سنة 1911 ،أما السؤال الشفوي فقد بقي عرفيا إلى أن تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 48 من دستور 1958 .
و إذا كانت الأسئلة الشفوية أداة ناجعة لإقامة حوار بين البرلمان والحكومة فإن الأسئلة الكتابية تشكل وسيلة للحصول على استشارة قانونية مجانية اعتبارا للمؤهلات وكفاءة الموظفين المكلفين بالإجابة عنها.
و يشكل السؤال في المغرب الأداة الرقابية الأكثر استعمالا باعتبار التنصيص على عقد جلسة أسبوعية في كل مجلس يتم تخصيصها لأسئلة البرلمانيين وأجوبة الوزراء عنها.
وإذا كان السؤال الشفوي رهين بالدورات العادية فإن الأسئلة الكتابية غير محصورة في حدود حصة أو نطاق زمني محددين ،ولهذا من المفترض أن يفوق عددها عدد الأسئلة الشفوية ، لكن الممارسة أبانت عن تهافت البرلمانيين على الأسئلة الشفوية أكثر منها على الأسئلة الكتابية ،وذلك لاعتبارات سياسية وسيسيولوجية مختلفة .
وإلى جانب الأسئلة يمارس البرلمان رقابته على العمل الحكومي عبر اللجان البرلمانية التي تعتبر البنيات الفرعية الأكثر حيوية في حياة البرلمان ويتفق الفقه الدستوري على أن اللجان تمارس رقابة فعلية على عمل الحكومة،بما تخوله من إمكانية الاستخبار حول موضوع معين،أو التحقيق وجمع المعلومات حول قضية ما .
2- مراقبة الحكومة عبر إثارة مسؤوليتها.
بالإضافة إلى الأسئلة والجان الدائمة والمؤقتة يستأثر البرلمان المغربي بوسائل أكثر فعالية في ممارسة رقابته على عمل الحكومة ،تتجسد بالأساس في المسؤولية السياسية للحكومة التي تترتب عن إثارتها نتائج خطيرة قد تِؤدي إلى إسقاط الحكومة بكاملها .ورغم أ ن البرلمان المغربي لم يعرف عصرا ذهبيا مارس في إثارة المسؤولية السياسية للحكومة بفعالية فإن المشرع المغربي اتجه تدريجيا إلى تمكينه من وسائل إثارتها انطلاقا من مبدأ التوازن والتعاون بين السلطتين ،وفي ظل نظام عقلنة العمل البرلماني المقتبس من النظام الفرنسي .
أ- تحريك المسؤولية السياسية للحكومة بمبادرة من البرلمان.
إن الاعتراف للبرلمان بحق المبادرة لإثارة مسؤولية الحكومة أمرا طبيعيا في النظام المغربي الذي يقر بمسؤولية الحكومة أمامه .ولقد تأثر المشرع المغربي بمبادئ العقلة في إقراره هذا الحق سواء فيما يرتبط بملتمس الرقابة أ و بملتمس توجيه تنبيه ،فبمقتضى الفصل 76 من الدستور يمكن لمجلس النواب أن يعارض مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها ،من خلا ل الموافقة على ملتمس الرقابة ،وذلك كلما تبين لأعضائه خروج الحكومة عن التوجهات من أجلها صوتوا لصالح برنامجها .
ونظرا لخطورة هذا الإجراء اشترط المشرع المغربي للموافقة على اقتراح أعماله،أن يتم التوقيع على ملتمس الرقابة ربع أعضاء المجلس على الأقل ولا يجوز على كل نائب أن يوقع أكثر من ملتمس الرقابة واحد في نفس الوقت ،ويحدد مكتب المجلس تاريخ مناقشة ملتمس الرقابة وذلك في اليوم السابع من تاريخ إيداعه على أبعد الأجل .
وإذا كان مجلس النواب يتفرد للتصويت على البرنامج الحكومي وعلى طلب الثقة ،فإن لمجلس المستشارين تقنية خاصة به لإثارة مسؤولية الحكومة تتمثل في انفراده لتوجيه ملتمس التنبيه للحكومة ،يشترط لإيداعه وتوقيع ثلث الأعضاء المجلس عليه ،ولا تتم الموافقة عليه ،التي تؤدي إلى استقالة الحكومة إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهما المجلس .
وإذا كان العديد من المهتمين يعارضون إعطاء هذه الصلاحية الخطيرة لمجلس المستشارين ،فإن هناك من يعتبرها مناسبة له من حيث تركيبته ووظيفته التي هي وظيفة تفكير وتداول حول مشاكل المجتمع والاقتصاد الوطني .
ب- تحريك المسؤولية السياسية بمبادرة من الحكومة.
تثار المسؤولية السياسية للحكومة بمبادرة منها ،حين تطلب الحكومة ثقة مجلس النواب أثناء عرضها للبرنامج الذي تعتزم تطبيقه إثر نيلها لثقة الملك ، وحين تربط مواصلة تحمل مسؤولياتها بتصويت منح الثقة حول نص قانوني أو تصريح حول سياساتها العامة .
ولقد أصبح البرنامج الحكومي يخضع للنقاش والتصويت منذ المراجعة الدستورية لسنة 1992، ورغم إحداث المراجعة الأخيرة لمجلس المستشارين، فإن التصويت على البرنامج الحكومي بقي من اختصاص مجلس البواب فقط ، وإن كانت المناقشة تتم بهما معا .
فبعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ،يتقدم الوزير الأول أمام مجلسي البرلمان ليعرض الخطوط العريضة للسياسة التي تعتزم حكومته نهجها ،خصوصا في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والخارجية ،وإذا كان المشرع لا يحدد الآجال التي ينبغي للحكومة أن تعرض داخلها برنامجها ،فإن تصويت مجلس النواب على هذا البرنامج لا يجب أن بتم إلا بعد مضي ثلاث أيام كاملة من يوم عرض البرنامج ولا يؤدي هذا التصويت إلى سحب الثقة من الحكومة إلا إذا تم رفض البرنامج بالأغلبية المطلقة لأعضاء الذين يتألف منهم المجلس .
والواقع أن اكتساب مجلس النواب حق التصويت على البرنامج الحكومي هو خطوة كبيرة في اتجاه إعطاء بنصوص الدستور ازدواجية مسؤولية الحكومة أمام الملك والبرلمان مدلولها الحقيقي ،غير أن سحب الثقة من الحكومة بالتصويت على برنامجها رهين بتركيبة مجلس النواب بحيث تصبح هذه الآلية خطرا على الحكومة حين تكون هذه الأخيرة غير حاصلة على تأييد الأغلبية البرلمانية عددية تضمن لها تأشيرة المرور إلى تطبيق برنامجها ونفس الغرض التي تسعى غليه الحكومة من خلال ربط مواصلة تحمل مسؤوليتها بتصريح ما تضغط على البرلمان لتصويت الثقة التي تربطه بنص قانوني بعد المداولة بشأنه بالمجلس الوزاري ،والذي عادة ما يتجه النقاش في هذه الحالة إلى الأوضاع التي يمكن أن تنجح عن استقالة الحكومة ،عوض مناقشة مضمون النص موضوع طلب الثقة.
المبحث الثاني: مشروع قانون المالية في البرلمان المغربي
و مقارنته بالتجربة الفرنسية
المطلب الأول: المبادرة الحكومية
1) المراحل التي يمر بها قانون المالية :
تلعب السلطة التنفيذية الدور الأساسي في إعداد وتحضير مشروع قانون المالية. ولا تقل أهمية إقرار هذا المشروع عن أهمية إعداده، إلا أن المصادقة عليه ومناقشته تتم من قبل السلطة التشريعية. وبعد الانتهاء من إقراره لابد من إخراجه إلى حيز التطبيق. و بما أن قانون المالية يتعلق بالمجتمع وبالسياسة العامة للدولة كان لابد من مراقبة تنفيذه.
أ- إعداد مشروع قانون المالية:
إن عملية إعداد مشروع قانون المالية هي من أهم أعمال السلطة التنفيذية وذلك لاعتبارات متعددة، فمن ناحية تعبر الميزانية عن مخطط وبرنامج الحكومة في مختلف المجالات، ومن ناحية ثانية تتولى السلطة التنفيذية إدارة وحدات القطاع العام مما يجعلها أعرف وأعلم من غيرها بحاجات الدولة ومرافقها، ومن ناحية ثالثة تعتبر هذه السلطة أكثر السلطات خبرة ودراية بالواقع المالي والاقتصادي للدولة وذلك بفضل الأجهزة الفنية والإدارية والإحصائية المختلفة التي تشرف عليها والتي توفر لها البيانات والتقديرات الضرورية في هذا الخصوص، ومن ناحية رابعة تعتبر السلطة التنفيذية في وضع أفضل من السلطة التشريعية فيما يتعلق بتحديد الحاجات العامة والأولويات الاجتماعية لعدم خضوعها للاعتبارات المحلية والإقليمية التي تؤثر على أعضاء المجالس الممثلة للشعب، وأخيرا فإن السلطة التنفيذية هي من ستكون مسئولة مستقبلا عن تنفيذ قانون المالية، لكل هذه الأسباب استقر الواقع المالي على منح الحكومة سلطة إعداد مشروع قانون المالية باعتبارها أقدر من السلطة التشريعية على تقدير سواء أوجه الإنفاق التي يحتاجها كل مرفق من مرافق الدولة بفروعه المختلفة، أو أوجه الواردات المختلفة والمبالغ التي تحصل من كل مصدر من مصادر الواردات العامة ...
فما هي الطرق الفنية لتقدير الميزانية ؟ وما هي الجهات المكلفة بتحضيرها ؟ وكيف تتم مسطرة ذلك ؟
* - الطرق الفنية لتقدير الميزانية.
- الطريقة الإدارية لتقدير الميزانية
تعتمد هذه الطريقة على التصنيف الإداري في تقدير الميزانية، حيث يعهد بصفة عامة إلى كل وزارة (علاوة على بعض المصالح العامة) بمهمة تقدير نفقاتها ومواردها على أن يقوم وزير المالية بمهمة التنسيق بين الوزارات قبل عرض المشروع على مجلس الوزراء. وما من شك في وجود عدة صعوبات تحول دون أن تصل التوقعات الموجودة في الميزانية إلى مستوى حسابي ثابت ودقيق. هذه الظاهرة تعرفها كافة الدول بما فيها الدول العظمة. وهذا ما يفرض أكثر البحث عن أنجع الوسائل لملامسة هذه التقديرات بصورة أكثر واقعية حتى لا يكون هامش الفرق كبيرا وتكون أكثر قربا من الصحة. وهنا لا يخفى الدور الكبير الذي يلعبه الجهاز الإداري المكلف بالإعداد وما مدى توفره على الكفاءة العلمية والخلقية والوطنية العالية، ناهيك عن اتباع نظام سليم ومنسق لتقدير كل من النفقات والموارد مع ما قد يقتضي ذلك من بيانات ووثائق ومستندات تدعم صحة التقديرات..
ü تقدير النفقات العامة:
يتميز أسلوب تقدير النفقات العامة بكونه أسهل من تقدير الموارد العامة، بالرغم من كون هذا التقدير تشارك فيه كافة القطاعات الوزارية عكس الموارد العامة الذي يقتصر القيام به مبدئيا على الوزارة المكلفة بالمالية. هكذا وفي ما يخص تقدير النفقات، يتم النظر إلى طبيعتها من حيث كونها ثابتة أو غير ثابتة أي متقلبة. فإذا تعلق الأمر بالنفقات الثابتة فلا يكون ثمة صعوبات في تحديد مقاديرها، حيث تكون كل المعطيات متوفرة بشأنها من أجل أن يكون تقدير حجمها صحيحا ومحددا بشكل واقعي سليم وهي تهم النفقات الخاصة بتغطية مرتبات الموظفين، وأجور المستخدمين، ومعاشات التقاعد، وأقساط وفوائد الدين العام... ولهذا لا تلق صعوبات عند الموافقة على فتح الاعتمادات اللازمة لدفع النفقات المقدرة، وترصد لها اعتمادات محددة crédit limitatifs. أما النفقات المتقلبة أو المتحولة كمشاريع إنجاز الطرق والجسور والموانئ والمستشفيات ونفقات الصيانة والمعدات والنفقات العسكرية والأمنية (لباس أفراد الجيش وقوى الأمن الداخلي) ونفقات الحفلات الرسمية والسفر والتمثيل... الخ فهي التي يصطدم تقديرها بصعوبات جدية لأنه لا يخضع لقواعد ثابتة ودائمة، حيث ترتبط هذه النفقات بالمستجدات الاقتصادية وتقلبات الأسعار مما يستدعي لحسن تقديره كثير من المعرفة والخبرة وبعد النظر، ولهذا ترصد لهذه النفقات المتقلبة اعتمادات تقديرية crédits évaluatifs على أنه يمكن للحكومة، خلال تنفيذ الميزانية، ولتدارك أي خلل في التقديرات اللجوء إلى الإجراءات الاستثنائية القانونية التي من شأنها التخفيف من عدم دقة التقديرات والتي تختلف من دولة لأخرى.
ü / تقدير الموارد العامة.
وعلى غرار النفقات، فإن الموارد تنقسم بدورها إلى نوعين: ثابتة ومتقلبة.
فبالنسبة للموارد الثابتة لا يصعب إجراء تقدير صحيح ودقيق إلى أقصى حدود الإمكان، نظرا لطابع الاستقرار والثبات الذي يجعل هذا النوع من الموارد يستند إلى أرقامها المعروفة في السنوات السابقة، وهي أرقام تتعرض لبعض الزيادة أو النقصان بين سنة وأخرى، لكنها في مجموعها لا تشكل إلا جزءا يسيرا من الموارد العامة في الميزانية. من هذه الموارد : الرسوم والعائدات المفروضة على الشركات ذات الامتياز. من هذه الموارد: الرسوم والعائدات المفروضة على الشركات ذات الامتياز. والريع الناتج عن استثمار أملاك الدولة، وفوائد ديونها وما شبه ذلك.
أما بالنسبة للموارد المتقلبة والتي تشكل الجزء الأعظم من موارد الميزانية لكونها تشمل الضرائب والرسوم على أنواعها، فيصعب القيام بتقديرها على وجه الدقة لارتباطها بعوامل كثيرة مثل سعر الضريبة، والقوة الشرائية للنقود، وبالأحوال الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة.
*- الطرق العصرية لتقدير الميزانية.
آثرت الأساليب الحديثة أن تأخذ بالتقسيم الوظيفي جنبا إلى جنب مع التقسيم الإداري. ويقوم هذا التقسيم على أساس تصنيف النفقات العامة وتبويبها في مجموعات متجانسة، تخصص كل مجموعة لوظيفة معينة من وظائف الدولة، بحيث تمنح الأسبقية للاختيارات التي تحدد على صعيد الاقتصاد الوطني وليس لتلك التي تحدد صعيد كل وزارة. فالمعيار المتبع في هذا التقسيم هو نوع الوظيفة أو الخدمة التي ينفق المال العام من أجلها، بغض النظر عن الوحدة أو الجهاز الحكومي الذي يقوم بالإنفاق. مثلا يدرج ضمن بند الصحة جميع النفقات المخصصة للصحة بما فيها الصحة المدرسية رغم تبعية هذه الأخيرة لوزارة التربية الوطنية. وبهذا يسعى المطالبون بتطبيق هذا التقسيم إلى إزالة الاستعمالات المزدوجة والتمكين من الاقتصاد في الإنفاق.
تعتبر فرنسا من بين الدول التي تأخذ بتقسيم إداري وظيفي، حيث أبقت على التقسيم الإداري مع إدماج بعض التبويبات ذات الطابع الوظيفي، هذا تخصص العنوان الرابع من الميزانية لتدخلات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعنوانان الخامس والسادس للاستثمارات التي تباشرها الدولة.
واستمر العمل على تطوير الأسلوب الوظيفي والبحث عن طرق أكثر تطورا فيما يخص تحضير الميزانية، كل ذلك من أجل استغلال أفضل للموارد العامة بتوجيهها نحو النفقات النافعة والضرورية، وهو ما يسمى بعقلنة وترشيد اختيارات الميزانية Rationalisation des choix budgétaires.
يرتكز الأسلوب على مفهوم البرنامج و يقصد به مجموع الإمكانيات البشرية والوسائل المادية المسخرة لهدف معين. في إطاره تصنف ميزانية الوزارة إلى تركيبة برامج تتجلى فيها الأنشطة والأهداف والوسائل والنتائج المحصل عليها في الوزارة. وبلورة البرامج يستوجب تقييم منفعة الخدمات المنتظرة وقياس تكلفة النتائج أو الأهداف المسطرة.
و قد أفرز هذا التطور عدة أسليب حديثة في تحضير الميزانية
- نظام تخطيط وبرمجة الميزانية :
(P.P.B.S) Planning Programming Budgeting System
يمثل التخطيط الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها في المدى الطويل. أما البرمجة، فهي تتعلق بالبدائل المختلفة الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف المحددة مع تقدير العبء المالي لكل بديل، والأساليب الأكثر ملائمة لتحقيق هذه الأهداف، لكي تصل في نهاية المطاف إلى وضع برامج متكاملة بالأهداف التي تسعى على تحقيقها، وأساليب تنفيذ كل منها وكيفية تمويل هذا التنفيذ، وأخيرا الميزانية، التي هي عبارة عن ترجمة الشرائح السنوية من البرامج في صورة اعتمادات مالية سنوية مع مراعاة حدود التمويل المالي في المدى القصير، أي أنها تقوم بالتوفيق بين اعتبارات المدى القصير (الموارد المالية المتاحة فورا) وخطط المدى الطويل، وبهذا يكتسي القانون المالي صبغة ميزانية برامج، وليس فقط ميزانية وسائل.
- التدبير عن طريق الأهداف (M.B.O) Management by objectives:
تتطلب هذه الطريقة أن يتم تخصيص اعتمادات الميزانية وفقا للأهداف الفرعية التي تسعى كل إدارة أو مصلحة حكومية لتحقيقها. أي أن ذلك يستوجب أن يقوم كل مرفق بتحديد أهدافه أولا، ثم يقوم رئيس كل قسم أو إدارة في المرفق كل مرفق بتحديد أهدافه أولا، ثم يقوم رئيس كل قسم أو إدارة في المرفق بتحديد أهدافه الفرعية التي يعتزم تحقيقها خلال العام المالي القادم، ثم يتم تحديد الاعتمادات المطلوبة وفقا لهذه الأهداف الفرعية. على أن تدور عمليات التنفيذ والمتابعة والتعديل على مدار العام في إطار هذه الأهداف الفرعية ومدى تحقيقها والعقبات والمشاكل التي تعترض تحقيقها.
ü الصفر (B.B.Z) Budget Base:
أن يتم تحليل البيانات ودراسة جدوى وتقييم كافة البيانات، على اعتبار أنها أنشطة وبرامج جديدة غير مرتبطة هي تؤدي إما إلى تطوير وتحسين البرامج أو النشاط للازمة له، أو إبقاء الاعتمادات السابقة كما هي أو تخفيضها أو إلغاء النشاط أو البرنامج نفسه إذا ثبت عدم جدواه، وبغض النظر عن المرحلة التي وصل إليها تنفيذ هذا البرنامج.
ب- الجهات المكلفة بالتحضير.
إذا كان من المتفق عليه بين مختلف الدول أن السلطة المختصة بتحضير وإعداد الميزانية هي السلطة التنفيذية، فإنهم مع ذلك اختلفوا في تحديد شخص المسؤول الذي يقوم بهذه المهمة وحدود سلطاته. فهناك من وسع من سلطات وزير المالية وهناك على العكس من ارتأى خلاف ذلك. في فرنسا، فإن وزير المالية يتولى إعداد الميزانية بصورة عامة دون أن ينفرد مستقلا بها. فإذا أراد إدخال أي تعديلات في الميزانية دون موافقة الوزير المختص عليها، فإنه لا يملك إجراء هذا التعديل، بل يتم عرض هذا الاقتراح بالتعديل على رئيس الوزراء الذي يحيل الأمر بدوره إلى مجلس الوزراء للفصل في هذا الخلاف.
أما في المغرب يحضر مشروع قانون المالية أشخاص وأجهزة معينة وفق مسطرة معينة كذلك. حيث يكلف القانون الوزير المكلف بالمالية بتحضير مشروع قانون المالية وذلك تحت سلطة الوزير الأول، وفي ذلك تنص المادة الأولى من مرسوم 2.98.401 الصادر بتاريخ 26 أبريل 1999 والمتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية على ما يلي : "وفقا لأحكام المادة 32 من القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه رقم 7.98، يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشروع قانون المالية تحت سلطة الوزير الأول ...."
ج- مسطرة التحضير .
عمليا تقوم بهذه الدراسة مديرية الميزانية بوزارة المالية، حيث تتدخل مختلف أقسام هذه المديرية في هذه الدراسة كل قسم يتناول بالدراسة والتحليل الميزانية أو الميزانيات الفرعية التي تدخل ضمن دائرة اختصاصاته المحددة (قسم ميزانية التسيير، قسم ميزانية التجهيز...).
عند دراسة هذه المقترحات، سواء التي تهم التسيير أو التجهيز، تقع اتصالات شبه رسمية بين موظفي وزارة المالية المكلفين بهذه الدراسة وموظفين عن الوزارات المعنية بالأمر وذلك لتسوية المشاكل التي يمكن تسويتها على هذا المستوى البسيط.
وعند بقاء بعض المشاكل العالقة، تكون لجان من مهامها حل هذه المشاكل التي لم تحل على مستوى الموظفين، ويختلف تكوين هذه اللجان بحسب اختلاف نوعية المقترحات التي ظلت عالقة، وتضم هذه اللجان ممثلين عن وزارة المالية وممثلا عن الوزارة المعنية بالأمر، وفي حالة عدم التوصل إلى حل المشاكل التي تطرحها المقترحات المالية المقدمة من قبل الوزارات على مستوى اللجان، تعرض هذه المشاكل للمناقشة على مستوى الوزراء أي وزير المالية في كل الأحوال والوزراء المعنيين بالأمر، وإذا لم يتوصل الوزراء إلى حل هذه المشاكل ترفع إلى الوزير الأول وتدرس عمليا على مستوى مجلس حكومي، وعند عجز هذا الأخير عن حل هذه المشاكل يمكن طلب تحكيم ملكي.
المطلب الثاني : السلوك البرلماني.
أولا : مناقشة البرلمان لمشروع قانون المالية.
1-المرحلة الإعدادية : مناقشة المشروع داخل اللجان.
اللجنة النيابة المكلفة بدراسة مشروع القانون المالي هي " لجنة المالية والتنمية الاقتصادية" دور اللجان النيابية الأخرى يقتصر على دراسة الميزانيات الفرعية للوزارات التي لها صلة باختصاصها.
أ-لجنة المالية والتنمية الاقتصادية.
تتولى لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، وهي إحدى اللجان الدائمة الست (لجنة الخارجية والدفاع الوطني، لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية، ، لجنة القطاعات الإنتاجية، لجنة القطاعات الاجتماعية والشؤون الإسلامية و لجنة المالية والتنمية الاقتصادية) والتي يتكون منها المجلس، دراسة مشروع القانون المالي. ويمكن لكل لجنة أن تنتدب عضوا للمشاركة بصفة استشارية، لا تقريرية، في أشغال لجنة المالية عند دراسة مقتضيات القانون المالي، كما يجوز لمقرر لجنة المالية أن يستدعي عضو اللجنة المعنية بالميزانية المعروضة للدرس. ويجب أن يتضمن تقرير المقرر جميع ملاحظات الأعضاء المدعوين من طرفه.
وتبدأ المناقشة العامة ومناقشة مواد المشروع في ضوء العرضين المقدمين من طرف وزير المالية في الجلسة العامة للمجلس وأمام لجنة المالية نفسها. إضافة إلى المذكرة التقديمية والتقرير الاقتصادي والمالي حول الأوضاع الاقتصادية والمالية وآفاق تطورها بالنسبة للمدى القصير والمتوسط المرفقين بالمشروع المذكور.
في إطار المناقشة العامة يطرح النواب ملاحظاتهم وتساؤلاتهم واقتراحاتهم بخصوص مختلف جوانب مشروع القانون المالي، ويتولى وزير المالية الإجابة عن القضايا العامة والسياسية وبعض القضايا الأخرى التي سيتم التعمق فيها خلال مناقشة مواد المشروع، في حين يقوم مساعدو الوزير بتقديم بيانات مدققة لمختلف تلك الجوانب وموضحة لجميع التدابير الواردة في المشروع.
أما في إطار المناقشة التفصيلية لمواد المشروع فإن اللجنة تناقش، بحضور وزير المالية، كل مادة على حدة، حيث يبدي النواب آراءهم في شأن مقتضيات كل مادة، ثم يقدم وزير المالية التوضيحات و الشروحات المتعلقة بها، وبعدها تنتقل اللجنة إلى دراسة المادة الموالية، وهكذا كما تقوم الفرق والمجموعات النيابية بتقديم اقتراحات التعديلات التي ترى ضرورة الأخذ بها قصد تحسين و إغناء المشروع المقدم من طرف الحكومة.
وتختم اللجنة أشغالها بالتصويت على التعديلات المقترحة واحدا بعد الآخر، وعلى مواد المشروع، مادة مادة، وعلى المشروع برمته.
بالنسبة للجان القطاعية يتوجب على كل وزير تقديم ميزانية القطاع الذي يسيره أمام اللجنة المختصة، كما يتعين عليه أن يضع لدى رئاسة اللجنة، وبحسب عدد أعضاء اللجنة، ملفا يتضمن على الخصوص:
-مشروع الميزانية الفرعية بكل تفاصيلها في مجالي التسيير والتجهيز.
-التقديم الكتابي للميزانية.
-الوثائق والبيانات التي توضح مقتضيات الميزانية وبنودها.
-الوثائق التي يطالب بها النواب بخصوص بلد أو مقتضى في الميزانية الفرعية.
مناقشة النواب للميزانية الفرعية تنطلق "بمناقشة عامة للميزانية وسياسة الحكومة المرتبطة بالقطاع موضوع الميزانية الفرعية" تتلوها مناقشة أبواب الميزانية ومقتضياتها التفصيلية" أما أجوبة الوزير المعني على ملاحظات واستفسارات النواب فيمكن، بحسب اختياره، أن تقدم في ختام الجلسة المخصصة للنقاش أو تتطرق إلى كل قضية أو نقطة على حدة. وبعد رد الوزير يعلن رئيس اللجنة عن نهاية النقاش.
تجدر الإشارة أخيرا إلى أن اللجان النيابية لا يمكن أن تصوت على الميزانيات الفرعية إلا بعد أن " يتم التصويت في لجنة المالية على الموارد والنفقات العامة"
2-المرحلة النهائية : مناقشة المشروع في الجلسات العامة.
يشرع البرلمان في مناقشة مشروع القانون المالي في إطار الجلسة العامة بتقديم تقرير " لجنة المالية والتنمية الاقتصادية" من طرف المقرر العام للجنة، ويتضمن هذا التقرير المناقشة العامة التي جرت داخل اللجنة، ومناقشة مواد المشروع واقتراحات التعديلات ونتائج التصويت عليها وعلى مواد المشروع والجداول المرتبطة بها إضافة إلى المشروع برمته كما عدلته اللجنة، فالمشروع الذي يتداول المجلس في شأنه ليس هو المشروع الحكومي بل المشروع المعدل من طرف لجنة المالية.
إثر ذلك تبدأ مناقشة عامة لمشروع قانون مالية السنة يتدخل خلالها رؤساء وممثلوا الفرق والمجموعات النيابية والحزبية قصد إبداء رأيهم في مختلف التدابير التي يتضمنها هذا المشروع، كما عدلته لجنة المالية، وبيان الاعتبارات التي تدعو كل فريق إلى تأييد أو معارضة المشروع المذكور.
بعد ذلك ينتقل المجلس إلى المناقشة التفصيلية لمقتضيات مشروع قانون المالية والتعديلات المتعلقة به مادة مادة، وإذا كانت مشاريع التعديلات لا تعرض على المناقشة إلا بعد الانتهاء من مناقشة المادة التي تتعلق بها، فإن التصويت عليها يجب أن يتم قبل التصويت على النص الأصلي.
ولا يتدخل في مناقشة كل مشروع تعديل، بعد صاحب المشروع، إلا الحكومة ثم رئيس اللجنة المعنية بدراسته أو مقررها، كما تعطى الكلمة في آخر الأمر لنائب " معارض" وآخر " مؤيد" للمشروع المذكور.
وتنصب المناقشة، في البدء على الجزء الأول من مشروع قانون مالية السنة التعلق بالإيرادات، ولا يمكن للمجلس أن يناقش الجزء الثاني إلا بعد التصويت على الجزء الأول (المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 7.98).
إن المبادرة البرلمانية في مجال مناقشة مشروع قانون مالية السنة، أمام اللجان البرلمانية، وكذلك في إطار الجلسات العامة، مقيدة بموجبين دستوريين هما:
أولا : الفصل 51 من الدستور.
بموجب هذا الفصل فإن " المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود". ويرفض مجلسا البرلمان، أي مشروع تعديل يدخل ضمن مقتضيات هذا الفصل، وفي حالة الالتباس فإن المجلس المعني يستشير رئيس لجنة المالية ومقررها العام قبل اتخذا قرار نهائي في الموضوع.
وبذلك فإن سلطة المبادرة والاقتراح المخولة لأعضاء البرلمان قصد تعديل مشروع قانون المالية محدودة جدا. إنها تقتصر على إمكانية اقتراح الزيارة في حجم المداخيل أو تخفيض النفقات العامة.
ويخفف من حدة هذا القيد أن الممارسة البرلمانية جرت على قبول التعديلات الرامية إلى تخفيض مورد عمومي شريطة تعويضه بآخر، وبما لا يؤدي إلى إحداث تغيير في الحجم الإجمالي للموارد العمومية من جهة، وكذلك قبول الاقتراحات التي تدعو إلى الزيادة في حجم النفقات إذا كانت مقرونة باقتراحات موازية من شأنها توفير المداخيل اللازمة لتغطية هذه الزيادة من جهة أخرى.
ولا يتعارض " نظام التعويضات" مع مقتضيات الفصل 51 من الدستور. فبموجب هذا النظام تقبل التعديلات القاضية بالزيادة في اعتمادات وزارة معينة شريطة تعويض مقدار هذه الزيادة باقتطاع قيمتها من الاعتمادات المرصودة لوزارة أخرى. وبالمثل فإن كل مقترح بالزيادة في اعتمادات فصل معين من فصول ميزانية وزارة معينة يقبل إذا كان مصحوبا باقتراح يقضي بتخفيض الاعتمادات المرصودة لفصل آخر منف صول ميزانية نفس الوزارة.
ثانيا : الفصل 57 من الدستور.
يخول هذا الفصل للحكومة، بعد افتتاح المناقشة البرلمانية لمشروع قانون مالية السنة في الجلسات العمومية، الحق في " ....أن تعارض في بحث كل تعديل لم يعرض من قبل على اللجنة التي يعنيها الأمر".فالحكومة وحدها تملك صلاحية تقديم تعديلات جديد، على مشروع قانون مالية السنة خلال الجلسات العامة.
ينضاف إلى هذين القيدين الدستوريين قيد زمني يتمثل في أن دراسة مشروع قانون المالية والبث فيه من طرف مجلس النواب يجب أن يتم داخل أجل 30 يوما الموالية لإيداعه، وهذه المدة قصيرة إذا ما قورنت بالمدة الممنوحة للجمعية الوطنية الفرنسية وهي 45 يوما.
إلا أن هناك حالات خاصة يتولى فيها جلالة الملك ممارسة هذا الاختصاص، هذه الحالات، هي:
حالة الاستثناء.
ترتب على الإعلان عن حالة الاستثناء في سنة 1965، تطبيقا للفصل 35 من الدستور، حل المجلسين واستئثار جلالة الملك بممارسة كافة مظاهر السلطة بما في ذلك سلطة المصادقة على قوانين المالية ( قوانين مالية سنوات 1966-1967-1968-1969 و 1970).
ورغم التعديل / الإضافة الذي هم الفصل 35 من الدستور المعدل العام 1992 و 1996 والذي أكد على أنه : " لا يترتب على حالة الاستثناء حل البرلمان" فإن اعتماد قوانين المالية سيظل، مبدئيا، من اختصاص السلطة الملكية، فحالة الاستثناء تخول لجلالة الملك، " على الرغم من جميع النصوص المخالفة، صلاحية اتخاذ جميع الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن حوزة الوطن، ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يتطلبها تسيير شؤون الدولة".
ثانيا: تدخل مجلس المستشارين لمشروع قانون المالية:
يقدم الوزير المكلف بالمالية أمام مجلس المستشارين، في جلسة خاصة، مشروع قانون المالية للسنة فور التصويت عليه من طرف مجلس النواب أو عند انصرام أجل 30 يوما الموالية لإيداعه لديه، وللحكومة أن تعرض على المجلس النص الذي تم إقراره أو المشروع الذي قدمته الحكومة في أول الأمر مع التعديلات المدخلة عليه من طرف مجلس النواب والمقبولة من طرفها.
وتتولى " لجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية" ومختلف اللجان الدائمة المتفرعة عن المجلس (لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، لجنة الخارجية والحدود والمناطق المحتلة والدفاع الوطني، لجنة الداخلية والجهات والجماعات المحلية، لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، لجنة الفلاحة والشؤون الاقتصادية) دراسة المشروع المذكور والتصويت عليه قبل التداول في شأنه في إطار الجلسات العامة للمجلس.
وتخضع مناقشة مشروع قانون المالية للسنة والتصويت عليه، سواء داخل لجنة المالية أو اللجان الفرعية أو خلال الجلسات العامة للمجلس، لنفس الآجال والضوابط والإجراءات المسطرية الجارية عليها في البرلمان، فمجلس المستشارين يتوفر على نفس الأجل الذي يتوفر عليه مجلس النواب لإقرار المشروع المذكور وهو 30 يوما. كما أنه يتمتع بنفس صلاحيات مجلس النواب بخصوص الحق في تقديم التعديلات والاقتراحات. إن المسطرة التي سلكها مجلس المستشارين في المناقشة والتصويت على قانون المالية لا تختلف في شيء عن المسطرة السابق بيانها بالنسبة لمجلس النواب.
وقد دعا أحد الفرق البرلمانية إلى إتباع فكرة " التسريب" هاته إلا أن رئاسة المجلس وأحزاب المعارضة، حسب بعض المصادر، قاومت ذلك وعملت على " تمطيط الوقت" وجر المجلس إلى " مناقشات عامة لا صلة لها بالمشروع قيد المناقشة..." وفي معرض رده على هذه المصادر أكد الرئيس السابق لمجلس المستشارين أن " غالبية الفرق متمسكة بالحق الذي يخوله الدستور لها ولأعضاء مجلس المستشارين في مناقشة مشروع القانون المالي بالشكل الذي يسمح لها بإبراز توجيهاتها وأفكارها منه..." و"أن اعتماد هذا الأسلوب قد يحول مجلس المستشارين إلى غرفة للتسجيل فقط وكأن ليست له صلاحيات في مراقبة الحكومة ولا في إقرار توجهات تركيبية ضمن أي نص...." " لقد كان بالإمكان، يضيف رئيس المجلس، أن نعتمد أسلوب التسريب استنادا إلى تقاليد بعض الدول كفرنسا مثلا، إلا أن ذلك لن يكون بمثابة الظاهرة الصحية ونحن في أول تجربة لنا في إطار الثنائية البرلمانية، ذلك أننا سنكون قد قيدنا أنفسنا بممارسة مستقاة من تجربة أجنبية لها خصوصياتها ولها ظرفها التاريخي والسياسي ولها من الأدوات الفكرية والعملية التي قد لا تكون متوفرة لدينا في هذا الوقت....".
إن أسلوب "التسريب" لا يحد، في الواقع من سلطة المبادرة والتعديل المخولة دستوريا، لمجلس المستشارين، ولا يحول هذا الأخير إلى نسخة طبق الأصل لمجلس النواب، بقدر ما يساهم في عقلنة العمل البرلماني في مجالي التشريع والمراقبة، والرفع من مستوى أدائه، وضمان أكبر قدر من الفعالية و المردودية وربح الوقت، إضافة إلى تمتين العلاقة بين مجلس البرلمان، فالمجلس الثاني يحتفظ، في إطار هذه المسطرة المختصرة بحقه كاملا في تقديم التعديلات بل وفي رفض النص المعروض على أنظاره إن اقتضى الحال.
وفي جميع الأحوال فإن المصادقة على مشروع قانون المالية لا تكتمل إلا باتفاق المجلسين على نص موحد، وفي حالة الخلاف فإن الحكومة تعرض النص على "لجنة ثنائية مختلطة".
المقارنة بين القانون المغربي والقانون الفرنسي
المصادقة على قانون المالية اختصاص موكول، في جميع الأنظمة المالية العاصرة، للسلطة التشريعية باعتبارها الجهاز المسئول عن التحقق من سلامة البرامج والسياسات الحكومية. و المصادقة هي بمثابة إجازة أو إذن ترخص بموجبه السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية صرف النفقات العامة وتحصيل الإيرادات العامة.
وفي المغرب فإن البرلمان يملك دستوريا صلاحية اعتماد قانون المالية. فقد نص الفصل 50 من الدستور على أن : " يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص عليها قانون تنظيمي.... "
لا يقر المشرع المغربي " حق أسبقية" (Droit de priorité) مجلس على آخر في دراسة مشاريع قوانين المالية. و ذلك خلافا للدستور الفرنسي الذي أكد في مادته 39 على أن تعرض مشاريع قوانين المالية، في المقام الأول، على الجمعية الوطنية قبل عرضها على مجلس الشيوخ.
وفي المغرب فإن البرلمان يملك دستوريا صلاحية اعتماد قانون المالية. فقد نص الفصل 50 من الدستور على أن: " يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص عليها قانون تنظيمي.... "
ويبدو أن الآلية التي اعتمدها مجلس المستشارين في التعامل مع قوانين المالية المعروضة على أنظاره لم تسر على هدى بعض التقاليد المتعارف عليها في بعض الدول التي تأخذ بنظام الثنائية البرلمانية والتي تقوم على أساس ما يسمى "تسريب" مشروع قانون المالية إلى الغرفة الثانية مباشرة لدى إيداعه بالغرفة الأولى تفاديا لضياع الوقت والجهد، ففي فرنسا مثلا لا تقدم الحكومة مشروع القانون المالي إلا في الغرفة الأولى، وبعد ذلك "يتسرب" إلى الغرفة الثانية، ولا تتدخل الحكومة إلا في مرحلة التعديلات.
إن التخوف من هيمنة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية و جعل هذه الأخيرة حبيسة موافقة الأولى و ما قد يترتب على ذلك من عرقلة لسير المرافق العامة.. (كمثال على هذه الوضعية نذكر التجربة الفرنسية لما قبل الجمهورية الخامسة) جعلت معظم الدساتير الدولية تتضمن حدودا أو قيودا من شأنها "عقلنة" الاختصاص المالي للسلطة التشريعية و بالتالي "عقلنة" العلاقة بين السلطتين. علما أن هذه القيود تتباين حدتها من دولة لأخرى.
في المغرب، هناك مجموعة من الحدود القانونية و الواقعية التي تعيق اختصاص البرلمان في مجال المصادقة على مشروع قانون المالية. و نقصد بالحدود القانونية تلك التي تحد من سلطة البرلمان المالية لصالح الحكومة بنص الجهاز القانوني السائد و المتمثل أساسا في الدستور و القانون التنظيمي للمالية، بينما نقصد بالحدود الواقعية تلك الحدود التي تتم خلاف نص الدستور و القانون التنظيمي للمالية.
و على سبيل المثال يمكن الإشارة إلى أن البرلمان الفرنسي يتمتع في جميع الأحوال بسبعين يوما ليبث في مشروع القانون المالي، بحيث أن الحكومة لا يمكن لها الشروع في تنفيذ مشروعها دون ترخيص البرلمان إلا إذا لم يبث هذا الأخير في المشروع المذكور 70 يوما بعد عرضه عليه. كما أن الحكومة الفرنسية لا يمكن لها أن تستعمل هذا الحق في حالة رفض المشروع الحكومي من طرف البرلمان. أما في المغرب، فيطرح التساؤل عما إذا كان عدم التصويت و رفض البرلمان للمشروع الحكومي يعطيان للحكومة نفس الحق، أي الاستغناء عن الترخيص البرلماني و الشروع في تنفيذ مشروع القانون المالي المعروض على أنظار البرلمان؟
هذا و يطرح مشكل تفسير المادة 36 و بالأخص تفسير كلمة "التصويت"، أي التصويت على الجزء الأول. هل هذه الكلمة تعني التصويت بنعم أم التصويت بغض النظر عن نتيجته كما يدل على ذلك معناها اللغوي؟ في فرنسا حيث الفصل 40 من القانون التنظيمي للمالية لـ 02-01-1959 يتضمن نفس الغموض، قد أتيحت الفرصة للمجلس الدستوري في قراره الصادر في 24-12-1979 بمناسبة مناقشة القانون المالي لسنة 1980 ليفسر كلمة التصويت بالمصادقة أي بالتصويت بنعم. و بذلك لا يمكن للبرلمان الفرنسي أن يصوت على الجزء الثاني من الميزانية إلا إذا وافق على الجزء الأول. أما في المغرب فلم يطرح مشكل تفسير هذه المادة بعد، ليبقى قائما إلى يومنا هذا.
مبدئيا كان يجب على السلطة التنفيذية أن تتقدم إلى البرلمان بمشروع قانون مالية السنة يوم فاتح نونبر على أبعد تقدير و ذلك طبعا حسب النظام السابق لتعديل سنة 1995، بعد هذا التعديل، صار الإيداع يتم على أبعد تقدير يوم فاتح ماي.
في الوقت الراهن و وفقا للمادة 33 من القانون التنظيمي للمالية، يتم هذا الإيداع بـ 70 يوما قبل نهاية السنة المالية الجارية على أبعد تقدير، أي يوم 23 أكتوبر على أبعد تقدير.
من المفارقات العجيبة التي يتميز بها النظام القانوني المغربي في ميدان المالية العامة، و خاصة ما يهم منح الأولوية للسلطة التنفيذية، هو أنه لا الدستور و لا القانون التنظيمي للمالية ينصان على "عقوبات" في مواجهة الإيداع المتأخر من جانب الحكومة لمشروع قانون المالية، في حين نجد هذين النصين يوفران الأجواء الملائمة و الحماية اللازمة للحكومة عند عدم التصويت على الميزانية في نهاية السنة المالية، حيث تستغني عن ترخيص السلطة التشريعية و تبدأ في تنفيذ الميزانية.
و هنا تجب الملاحظة إلى أن هذا الحق في الاستغناء عن الترخيص البرلماني إذا كان ما يبرره في حالة ما إذا كان التأخير في التصويت راجعا إلى البرلمان، فإنه في المقابل يعد غير مقبول في الحالات التي يكون فيها التأخير راجعا إلى الحكومة، و ذلك حينما تقدم هذه الأخيرة مشروع قانونها المالي بعد الأجل المحدد لها قانونا، و على سبيل المثال يمكن الإشارة إلى أن البرلمان الفرنسي يتمتع في كل الأحوال بسبعين يوما ليبث في مشروع القانون المالي، بحيث أن الحكومة لا يمكن لها أن تشرع في تنفيذ المشروع دون ترخيص البرلمان إلا إذا لم يبث هذا الأخير في المشروع الحكومي بعد سبعين يوما من يوم عرضه عليه، من أجل ذلك يتحتم على المشرع المغربي التدخل لسد هذا الفراغ القانوني.
المطلب الثالث : التدخل الملكي.
إن تدخل الملك على مستوى المصادقة على مشروع قانون المالية ضروري، وبدون هذا التدخل لا يمكن للحكومة أن تشرع في تنفيذ قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان، فيجب عليها إذن انتظار إصدار الأمر بتنفيذ هذا القانون كما هو الشأن بالنسبة لسائر القوانين، وهذا الأمر بالتنفيذ يصدر عن الملك طبقا للفصل 26 من الدستور الذي ينص على ما يلي : " يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه". هذا التدخل عمليا لا يطرح أي إشكال والأمر بالتنفيذ قد يعطي لساعات بعد تصويت البرلمان على مشروع القانون المالي.
· المصادقة على أساس الفصل 19 من الدستور:
هذا الفصل يمكن أن نجد له تطبيقا في الظروف العادية وغير العادية، وهكذا فالملك يمكنه أن يتدخل في المجال التشريعي حتى في حالة وجود البرلمان بصفته الممثل الأسمى للأمة، وفي الظروف غير العادية لكونه ضامن دوام الدولة واستمرارها. فالملك هو الضامن لدوام الدولة واستمرارها، وهذا الأمر يتطلب وسائل مالية، لتفترض أن البرلمان رفض أن يصوت على مشروع قانون المالية، فالملك دستوريا عليه أن يضمن استمرار الدولة والقيام بالمصادقة عليه ليزود الدولة بالوسائل المالية، المصادقة على هذا الأساس تمت مرة واحدة بمناسبة المصادقة على مشروع قانون مالية سنة 1984.
· هناك حالات تدخل فيها الملك دستوريا :
-حالة الاستثناء بين سنتي 65 و 70، حيث قام الملك بالمصادقة على مشاريع قوانين المالية لأن حالة الاستثناء كانت تعني بنص الدستور الحل الأوتوماتيكي للبرلمان. حاليا، حصل تطور في التنصيص الدستوري بحيث لم تعد تعني حالة الاستثناء حل البرلمان.
-المرحلة الانتقالية، وهي المدة الفاصلة بين إعطاء الأمر بتنفيذ دستور جديد وتنصيب البرلمان، الملك هو الذي كان يصادق كذلك على مشاريع قوانين المالية، وهذا ما وقع بالفعل في المدة الفاصلة ما بين 10 مارس 72 و 8 أكتوبر 1977 تاريخ تنصيب البرلمان، المرحلة الانتقالية لم تعد موجودة.
وأخيرا من حق الملك أن يطلب قراءة ثانية لمشروع قانون المالية، هذا الحق نظري أكثر منه تطبيقي لأنه من الصعب تطبيقه (الفصل من 67 إلى 70).
خاتمــــــــــة:
يتبن مما سبق أن للبرلمان من الناحية الدستورية فرصا كثيرة لتسهيل المصادقة على مقترحات القوانين التي يبادر بها أعضاؤه ،ومن تم فإن مسؤولية تأخير برمجتها والبث فيها يتحملها بالأساس مكتبا المجلسين ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها وأصحاب المقترحات الذين لا يعجلون في طلب ذلك ،أما الحكومة فمجال تدخلها في تأخير البث بشأنها محدود جدا ،ويمكن تجاوزه إذا كانت هناك إرادة من لدن المسئولين عن تدبير وتسيير مجلسي البرلمان .
المراجع المعتمدة
الكتـــب :
1- محمد بوعزيز ،القانون البرلماني المغربي 2006.
2- مختار مطيع ،القانون العام مفاهيم ومؤسسات .
3- عبد الفتاح بلخال،علم المالية العامة والتشريع المغربي 2005.
4- عسو منصور ،قانون الميزانية العامة 2005.
5- د. سوزي عدلي باشة ،المالية العامة ،النفقات العامة ،الإيرادات العامة ،الميزانية العامة 2003.
6- أناس بن صالح الزيراني ،المالية العامة،دراسة تحليلية لمقومات مالية للاقتصاد العام .
المجــلات :
7- الأمم المتحدة وقضية الصحراء المغربية (ندوة علمية ).
8- المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 23-2000.
9- المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 67-2006.
10- الحوار المتمدن عدد 1892-2007/4-21 .
11- نص ورقة رشيد المدور اللقاء العلمي الأول حول التشريع ودولة القانون في المغرب الذي نظمه فريق البحث والدراسة حول البرلمان بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية /أكدال الرباط بتاريخ 29 نونبر 2007.
12- شؤون إستراتيجية العدد الأول 2008.
التعليقات على الموضوع