الاختصاصات المالية للبرلمان
هشام هدي
دكتور في الحقوق (القانون العام)
اختصاصات البرلمان
المالية
في ضوء القانون التنظيمي الجديد للمالية
قبل مقاربة اختصاصات المؤسسة
البرلمانية في المجال المالي، نود أن نعرف أولا بالمالية العامة موضوع هذه
الاختصاصات. في الوقت الذي تصور التيار التقليدي المالية العامة بعلم الوسائل التي
تستطيع بواسطتها الدولة الحصول على الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها في إطار ما
يعرف بالدولة الحامية أو الحارسة، أو العلم الذي يتناول بالدراسة والتحليل مجموع
موارد
الدولة ونفقاتها، توسع التيار الحديث في مقاربة المالية العامة من خلال
تصورها بالعلم الذي يهتم بمختلف تدخلات الدولة الاقتصادية والمالية بما في ذلك
مواضيع السياقات والتوازنات والسياسة الضريبية والاستراتيجية الاستثمارية
والمخططات التنموية...
بتعبير آخر، المالية العامة هي
الصورة العاكسة للذمة المالية للدولة بوجهيها الايجابي (قدرة الدولة على خلق
الثروة وتحصيل الموارد)، والسلبي (تحمل التكاليف العمومية).
المحور الأول : محاور
الاصلاح الرئيسية للقانون التنظيمي الجديد للمالية
تتعدد مجالات الاصلاح التي جاء بها
القانون التنظيمي الجديد للمالية، إلا أنه يمكن إجمالها في الخطوط الرئيسية
الآتية:
أولا: تقوية أداء التدبير العمومـــــي
أهم ما تم اعتماده في هذا الباب،
هو البرمجة ثلاثية السنوات على أساس تحيينها في كل سنة، وذلك في أفق تحقيق التوافق
بين السياسات القطاعية مع الحفاظ على التوازن المالي العام للدولة.
القانون الجديد يؤخذ بمبدأ
الأهداف-النتائج في تدبير المالية العامة، هذا المبدأ يستلزم حتما مراجعة أسلوب
تبويب الميزانية والانتقال إلى تقديم هذه الأخيرة من خلال منهجية البرامج
والمشاريع مع استحضار البعد الجهوي.
من بين الآليات الأخرى التي تصب في
تقوية الأداء العمومي، الاعتراف للآمرين والآمرين المساعدين بالصرف بمساحات واسعة
من المرونة في تدبير النفقات العمومية من خلال آلية شمولية الاعتمادات، مع ربط
المسؤولية بتحقيق الأهداف المحددة سلفا.
بالإضافة إلى ما سبق، يستلزم
القانون الجديد القيام بعمليات تدقيق الأداء audits de performance مشفوعة بتقرير في هذا الشأن يرفع
إلى البرلمان. من هذا المنطلق، يتعين على جميع المصالح الوزارية إعداد مشاريع
وزارية للأداء تتضمن معطيات حول الاستراتيجيات والبرامج والأهداف ومؤشرات الأداء
الخاصة بالوزارات، ويتعين دمج هذه التقارير في التقرير السنوي للأداء الذي تعده
وزارة الاقتصاد والمالية والذي يتم تقديمه إلى البرلمان بمناسبة إعداد مشروع قانون
التصفية.
ثانيا: ضمان شفافية المالية العامة
من المبادئ الهامة التي يعتمد
عليها القانون الجديد في هذا الباب، هو ما قد نسميه بموضوعية الميزانية التي تصدق
في كل ما تحدث به sincérité
budgétaire، يهدف هذا المبدأ
إلى تعزيز صحة الفرضيات التي تؤسس لتحضير قانون المالية للسنة باعتباره قانون
توقعي، وكذلك الرفع من جودة توقعات الموارد والتكاليف المزمع تحقيقها بموجب قانون
المالية. بالاضافة إلى تأكيد الالتزام باللجوء إلى تقديم قوانين المالية المعدلة
في حالة حدوث تغيرات على أولويات وفرضيات قانون المالية للسنة.
كما تقرر اعتماد أسلوب محاسبة
التنفيذ ومحاسبة تحليل التكاليف، وذلك من أجل تتبع التكاليف الشاملة للمرافق
العامة وتقييم المجهودات المبذولة في سبيل التحكم بمجموع النفقات المرتبطة بها.
هذا وبالاضافة إلى التخفيض من عدد
من الحسابات الخصوصية للخزينة وعقلنة خلق مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وخلق الحسابات
الخصوصية للخزينة وتقوية شفافية تدبير ممتلكات الدولة.
تبعا لما سبق، ينص القانون
التنظيمي الجديد للمالية على مجموعة من القواعد المالية الجديدة من قبيل:
- أسلوب التحكم بطابع الحد من
نفقات الموظفين؛
- عدم إدراج نفقات التسيير أو
الموظفين في الباب المخصص للإستثمار؛
- الامتناع من حيث المبدأ عن ترحيل
اعتمادات الاستثمار؛
- توجيه الدين العمومي إلى
الاستثمار.
ثالثا: الرفع من مستويات المراقبة
البرلمانية على المالية العامة
تضمن القانون الجديد مجموعة من
التدابير التي تستهدف تقوية دور المؤسسة البرلمانية في مجال المالية العامة
بالمقارنة مع سلفه، وهو ما سنحاول ملامسته بشيء من التفصيل في المحور الموالي.
المحور الثاني: توسيع
مجال تدخل البرلمان في المالية العامة
أول ما يمكن المبادرة بإثارته في
هذا الباب هو التنصيص الدستوري على مسؤولية البرلمان إلى جانب الحكومة في الحفاظ
على توازن مالية الدولة بموجب الفصل 77 من الدستور، الأمر الذي يستتبع بالضرورة
تقوية الاختصاص البرلماني في المالية العامة.
من هذا المنطلق أسندت إلى المؤسسة
البرلمانية مجموعة من الصلاحيات التي تؤكد هذا التوجه، ونتعرض لها وفق التسلسل
الآتي:
- تقوية دور البرلمان في النقاش
العام حول ميزانية الدولة؛
- مراجعة جدولة تقديم قوانين
المالية ومسطرة التصويت المرتبطة بها؛
- توضيح الحق في التعديل
البرلماني.
أولا: تقوية دور البرلمان في
النقاش العام حول ميزانية الدولة.
يسمح القانون التنظيمي الجديد
للمالية بإشراك البرلمان ومنذ المراحل الأولى في إعداد قانون المالية للسنة، ويضع
تحت تصرفه معطيات دقيقة وذات جودة عالية من أجل تمكينه من القيام بدوره على الوجه
الأكمل بمراقبة السياسات العمومية وشروط تنفيذها.
وقد تقرر بموجب هذا القانون إغناء
المعطيات المقدمة للبرلمان بأربعة عشر تقريرا جديدا بالإضافة إلى ملحقين، وذلك من
أجل تحسين جودة النقاش البرلماني حول قانون المالية للسنة.
من الأمثلة الواردة على هذه
التقارير، التقارير السنوية للأداء التي تضعها المصالح الوزارية والتقرير السنوي
حول الأداء الذي تصدره وزارة الاقتصاد والمالية والتقرير السنوي حول مالية
الجماعات الترابية.
ثانيا: مراجعة جدولة تقديم قوانين
المالية ومسطرة التصويت المرتبطة بها.
يتيح القانون الجديد إلى البرلمان
إمكانية المشاركة في تحضير وإعداد قانون المالية للسنة، حيث يتم تحريك مسلسل
التشاور مع المؤسسة البرلمانية قبل متم شهر يوليوز بغاية مناقشة التوجهات الكبرى
والإطار العام لمشروع قانون المالية، لاسيما التطرق إلى مواضيع من قبيل السياق
الدولي، وضعية الاقتصاد الوطني، وضع تقدم تنفيذ قانون مالية السنة الجارية إلى
غاية 30 يونيو، والبرمجة الممتدة على ثلاث سنوات العامة للدولة، والتي تشكل موضوعا
لتقرير تعده الحكومة وتضعه بين يدي البرلمان.
بالرجوع إلى متن دستور 2011
باعتباره المرجعية التشريعية الأولى للقانون التنظيمي للمالية، تتحدد المسطرة
العامة للتصويت
على قانون المالية من قبل البرلمان بمنطوق الفصل 75 فيما يلي:
يصدر قانون المالية الذي يودع
بالأسبقية لدى مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان.
يصوت البرلمان مرة واحدة على
نفقات التجهيز بما في ذلك المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات
التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان قصد الموافقة عليها، يستمر مفعول
الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج التنموية. للحكومة
وحدها الحق بتقديم مشاريع قوانين في حالة الرغبة في إحداث تغيير على هذه الموافقة.
إذا لم يتم في نهاية السنة
المالية التصويت على قانون المالية أو صدور الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته على
المحكمة الدستورية، تعمد الحكومة بمرسوم إلى فتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق
العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية
المعروضة على الموافقة.
يتم استخلاص المداخيل طبقا
للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجارية عليها، باستثناء المداخيل المقترح إلغاؤها
في مشروع قانون المالية، أما المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها
فتستخلص على أساس المقدار الجديد المقترح.
يأتي الفصل 76 من الدستور
لاستكمال معالم مسطرة التصويت بالتنصيص على واجب الحكومة بعرض قانون التصفية سنويا
على البرلمان، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون. تجذر الاشارة أن قانون التصفية
يتضمن حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفادها وفقا لمنطوق الفصل المذكور
أعلاه.
بالرجوع إلى مقتضيات القانون
التنظيمي، تتحدد مسطرة التصويت على قوانين المالية على الشكل الآتي:
بعد أن يقوم وزير المالية
بتحضير مشروع قانون المالية وعرضه على البرلمان قبل 31 يوليوز من أجل المناقشة، يتعين تقديم مشروع النص
بالأسبقية إلى مكتب مجلس النواب على أبعد تقدير سبعين يوما قبل نهاية السنة
المالية الجارية، مرفوقا بمجموعة من والوثائق والتقارير يحددها الفصل 48 من هذا
القانون.
يبث مجلس النواب في مشروع النص
داخل أجل 35 يوما من إيداعه لدى مكتبه. بمجرد التصويت عليه أو انتهاء الأجل
المذكور، تضع الحكومة مشروع النص مرفوقا بالتعديلات التي يقترحها مجلس النواب، إن
اقتضى الحال، والمقبولة من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس المستشارين، الذي عليه أن
يبث في النص المذكور داخل أجل 25 يوما.
يقوم مجلس النواب في دورة ثانية
بدارسة التعديلات التي يقترحها مجلس المستشارين، ويصوت على الصيغة النهائية لمشروع
قانون المالية داخل أجل 10 أيام.
في حالة تعذر التصويت، يتم
الاحتكام إلى مسطرة الفصل 75 من الدستور.
فيما يخص قانون التصفية، يقترح
القانون التنظيمي تخفيض آجال إعداد قانون التصفية وتقديمه إلى المؤسسة البرلمانية.
إذ يتعين على الحكومة أن تقدمه سنويا إلى مجلس النواب على أبعد تقدير في نهاية
الفصل الأول من السنة المالية التي تلي تنفيذ قانون المالية المعني. وعلى البرلمان
التصويت على قانون التصفية داخل أجل ستة أشهر التي تلي إيداعه من طرف الحكومة في
مكتب مجلس النواب.
الإصلاح يمتد أيضا إلى قوانين
المالية المعدلة من خلال ضبط الدور المنوط بها وتأطير جدولة دراستها وتبنيها، حيث
تقرر التصويت على هذه الفئة من القوانين من طرف البرلمان داخل أجل خمسة عشر يوما
بالنظر إلى طابعها الاستعجالي.
ثالثا : توضيح الحق في التعديل
البرلماني.
الفصل 77 من الدستور يرسم الخطوط
العريضة لممارسة هذا الحق، حيث يجوز للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات
التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى
تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود.
القانون الجديد وفي ضوء ما جاء به
الفصل 77 المذكور أعلاه، يسمح بمقتضى الفصل 56 منه باقتراح فصول إضافية أو تعديلات
على أساس أن تكون معللة ومرفقة بالتغييرات اللازمة في موضوع الأهداف والمؤشرات
المتعلقة بالبرامج المعنية، والتي من شأنها ان ترفع أو تخفض من الاعتمادات المرصدة
لبرنامج معين، وذلك في حدود الاعتمادات المسموح بها في قانون المالية للسنة. كل
فصل إضافي أو تعديل يجب أن يكون معللا.
في الختام، نقول بأن القانون
التنظيمي الجديد للمالية هو نقلة قانونية نوعية في مجال التدبير المالي العمومي
العقلاني، المؤسس على معايير المشاركة والحكامة الجيدة وتقوية البعد الديمقراطي.
التعليقات على الموضوع