مراقبة و زجر مخالفات البناء و التجزيء
مراقبة و زجر مخالفات البناء
و التجزيء
المبحث الأول : الإطار النظري لمراقبة وزجر مخالفات البناء والتجزيء
المطلب الأول : الرقابة في مجال البناء و التجزيء
الفرع الأول : الضبط الإداري لمخالفات البناء
الفرع الثاني : رقابة القضاء الإداري على مجال البناء
المطلب الثاني : زجر مخالفات البناء و التجزيء
الفرع الأول : الزجر الإداري
الفرع الثاني : تدخل القضاء لزجر مخالفات البناء
المبحث الثاني : حصيلة المراقبة و الزجر و آفاق الحد من المخالفات في مجال البناء و التجزيء
المطلب الأول : أثر المراقبة و الزجر في مجال البناء و التجزيء
الفرع الأول : تقييم فعالية المراقبة و الزجر
الفرع الثاني : تقييم السياسات الرامية للحد من المخالفات
المطلب الثاني: آفاق الحد من المخالفات
الفرع الأول: المقاربة القانونية و المؤسساتية
الفرع الثاني :المقاربة الشمولية
خاتمة :
مقدمة:
موضوع العرض:
يعتبر التعمير قطاعا من القطاعات التي تعمل الدولة على إيلائه اهتماما كبيرا تجسده من خلال وضع سياسات عمومية تسهر على أن تكون كفيلة بإيجاد حلول للمشكلات الكثيرة والعويصة التي يفرزها الواقع كل يوم كنتيجة لعوامل متعددة ومختلفة مرتبطة بالتحولات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي من جهة، و متعلقة بالرؤى والاستراتيجيات والخطط المعدة لتنظيم المجالات وإعداد التراب بالشكل الذي يحافظ على السلاسة في الحركة و التنقل و على التناسق و الجمالية في العمران من جهة أخرى، كما أن لها ارتباط بدرجة أقوى بالسلوكات و الممارسات التي تفتقر إلى الوعي والإحساس بالمسؤولية تجاه مجال التعمير الذي يشكل الإطار اللازم والضروري لإنجاز أي عملية تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية مستدامة من جهة ثالثة.
وبحكم أن السياسات العمومية تترجم من خلال برامج عمل وأنشطة وقرارات تجسد عبر سن قوانين تمكن من الوصول إلى الضبط والتأطير وحل المشكلات التي يطرحها قطاع ما، فإن مجال التعمير عرف تدخلا من قبل الدولة للعمل على ضبطه فجسدت ذلك باهتمام تشريعي أصدر مجموعة من النصوص القانونية منذ عهد الحماية إلى حين صدور آخر نصين قانونيين كان الهدف الرئيس من سنهما ضبط المظاهر المتعددة المرتبطة بالمشكلة التعميرية، حيث جاء القانون رقم 12.90 متعلقا بالتعمير، في حين أتى القانون رقم 25.90 متعلقا بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
غير أن صدور هذين القانونين لا يمكن اعتباره إحداث تغييرات جذرية في المنظومة التعميرية، ذلك أنه احتفظ بحسب المهتمين بالمبادئ الأساس المعمول بها في المجال مع زيادة تعزيزها بمقتضيات جديدة فرضتها إكراهات النمو المطرد و السريع للحواضر و التمدن وتخطي العوائق التي تواجه التعمير.
فإذا كان القانون 12.90 المتعلق بالتعمير قد أحاط بالاهتمام الصارم وثائق العمير المتمثلة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم التنطيق و تصميم التهيئة، و بين بالدقة اللازمة نطاق تطبيقها ومحتواها وآثارها، كما حدد المراحل الهامة للمصادقة عليها. وإذا كان القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية و تقسيم العقارات قد عمل على توسيع المفهوم القانوني لعملية التجزئة وتقسيم العقارات، وجعل تدخل التقنيين المختصين إلزاميا، و منع على من له الحق في تحرير أو تلقي أو تسجيل العقود القيام بذلك إلا بعد الخصول على رخصة مثبتة لقانونية أعمال التجزئات أو تقسيم الأراضي، إلى غير ذلك من المقتضيات الجديدة، فإن كلا القانونين لم يغفلا مسألة معاينة وزجر المخالفات في مجالي البناء و التجزيء العقاري التي تشكل موضوع هذا العمل إذ خصص كل منهما الباب الرابع للعقوبات الذي امتدت مقتضياته من المادة 64 إلى غاية المادة 80. بل إننا نجد أن قوانين سابقة اهتمت هي كذلك بهذه المسألة لحيويتها و محوريتها بالنسبة للقضية التعميرية في المغرب كبلد يعرف خروقات وتسيبا في التعاطي معها، فنجد الظهير رقم 1.60.061 الصادر بتاريخ 25 يوليوز 1960 المتعلق بتوسيع العمارات القروية يخصص هو أيضا الجزء السادس منه للعقوبات فوردت مقتضياتها في الفصول الممتدة من 13 إلى 17.
أهمية الموضوع:
يتضح إذن أن مسألة معاينة وزجر المخالفات في مجالي البناء و التجزيء العقاري لا تقل أهمية و لا جدوى عن المسائل الأخرى التي تناولتها القوانين السالفة الذكر بالتأطير و التقنين إن لم يكن اعتبارها هي الأهم لما تشكله من ترجمة فعلية و تجسيد حقيقي لمدى الاحترام اللازم و الالتزام المنضبط لما يتم وضعه من قوانين لتنظيم المجال الترابي و رسمه من وثائق تعمير، ونظرا لما يفرزه خرق هذه القوانين و عدم العمل بهذه الوثائق من نتائج وخيمة على المشهد الجمالي العمراني للبلاد وعلى السلامة و الهدوء والسكينة.
ولعل ما يكسب هذا الموضوع أهمية أكبر هو تأكيد الواقع لوجود سلوكات وممارسات في مجالي البناء و التجزيء العقاري تعبر بشكل صريح عن عدم وجود أي انضباط أو التزام بمقتضيات النصوص القانونية، بل أكثر من ذك يوجد لدى الكثير إصرار حثيث على القيام بالأشغال في المجالين سابقي الذكر دون الحصول على أذون أو رخص.
و مما لا شك فيه أن أي تراخ أو تغاض أو تساهل مع المخالفين لا يمكن أن تكون نتائجه و انعكاساته إلا سلبية على مستويات متعددة يأتي على رأسها ما تسعى كل المجتمعات، متقدمة أو نامية، إلى الوصول إلى تحقيقه ألا و هو التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و البشرية المستدامة لضمان الاستجابة لتطلعات وآمال أفراد المجتمع المشروعة و تلبية حاجاتهم المتجددة.
إشكالية العرض:
إذا كان هذا هو واقع الحال فيما يتعلق بقطاع التعمير و الإسكان و الذي تؤكده المعاينة اليومية المستمرة، و ذلك رغما عن وجود ترسانة قانونية و تنظيمية، لعل أهمها القانونين السابق الإشارة إليهما، و التي من المفروض أن تعمل على الحد من الاختلالات العمرانية، فإنه على العكس من ذلك يلاحظ يوما عن يوم استفحال الوضع المتأزم و اتجاهه نحو تفريخ المزيد من المعضلات التي لن تساعد المغرب على تحقيق المبادئ الأساس للدولة المدنية و السير قدما نحو تطور حضاري و عمراني أصيل يليق ببلد ذي تراث حضاري و عمراني عريق ينهل من فن العمارة الإسلامية كما ينهل من التراث المعماري لسائر الدول و الأمم و الشعوب التي تعاقبت على حكمه.
أمام هذا الوضع فإن الإشكالية التي تطرح هي: كيف يمكن الوصول إلى الحد من الاختلالات العمرانية في مجالي البناء و التجزيء العقاري باعتبارهما الترجمة الفعلية و المقياس الحقيق لمدى احترام وثائق التعمير و الالتزام بها و الضمانة الأكيدة لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؟ وبعبارة أخرى ما هي الحلول التي يمكن تصورها و العمل على تفعيلها على أرض الواقع لوضع نهاية للمخالفات ومن ثم تجاوز الوضع المتأزم لقطاع التعمير و انعكاساته السلبية على جميع المستويات؟
إن الوصول إلى الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي العمل على تقديم إجابات عن التساؤلات التي تتفرع عنها و التي تتمثل فيما يلي:
كيف تعاملت النصوص القانونية مع المخالفات في مجالي البناء و التجزيء العقاري من حيث المعاينة و الزجر؟ و ما هي الآليات التي خولتها للموكول إليهم أمر تلك المعاينة وذلك الزجر؟
ماهي الأطراف التي تم تكليفها بالقيام بأدوار ومهام في التعامل مع المخالفات؟ وما هي طبيعة هذه الأدوار و المهام؟
ما هي آثار هذه الأدوار و المهام و تلك الآليات و المقتضيات القانونية في مجال الحد من المخالفات؟ أي ما مدى فعالية السياسات الموضوعة و الآليات المعتمدة والهادفة إلى القضاء على الاختلالات التي يعرفها البناء و التجزيء خاصة ومن خلاله التعمير بصفة عامة؟
ثم هل من رؤى و استرتيجيات ومقاربات داعمة أو مكملة أو حتى بديلة تمكن من تحقيق ما لم تتمكن القوانين المؤطرة حاليا لقطاع التعمير من تحقيقه لضمان مشهد عمراني منظم و متناسق جميل و قادر على احتضان مشاريع اقتصادية و اجتماعية واعدة بإقلاع تنموي شامل؟
منهجية العرض:
إن الأهداف التي رسمت لهذا العرض و المحاور التي حددت ليلامسها سيتم العمل على محاولة تحقيقها عبر سيرورة تتشكل من مقدمة شملت تحديد موضوع العرض وبيان أهميته لتخلص لطرح الإشكالية التي يعالجها، و مبحثين رئيسين خصص أولهما للإطار النظري لمعاينة و زجر المخالفات في مجالي البناء والتجزيء العقاري بحيث تناول المطلب الأول المعاينة أو المراقبة و دور كل من السلطة الإدارية و السلطة القضائية فيها، في حين عالج المطلب الثاني الزجر بالوقوف عند نوعيه الإداري و القضائي.
أما المبحث الثاني فقد تمحور حول أثر المراقبة و الزجر و سبل الحد من المخالفات، إذ خصص فيه المطلب الأول للأثر عبر تقييم السياسات و الآليات المعتمدة، في حين انصب المطلب الثاني على استراتيجية الحد من المخالفات من خلال إبراز ما يمكن أن تقدمه المقاربة القانونية و بيان أن حل معضلات التعمير لن تجد نهايتها إلا باعتماد مقاربة مندمجة شمولية.
و تتمثل نهاية سيرورة هذا العرض في خاتمة اشتملت، بالإضافة إلى خلاصات العرض، إشارات إلى إكراهات و إمكانات للتطوير و كذا توصيات لتحسين القطاع.
المبحث الأول : الإطار النظري لمراقبة وزجر مخالفات البناء والتجزيء
إن الحديث عن مراقبة و زجر مخالفات البناء و التجزيء ، يتطلب منا التعرض لنقطتين أساسيتين : الرقابة في مجال البناء و التجزيء (المطلب الأول ) و زجر مخالفات البناء و التجزيء (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : الرقابة في مجال البناء و التجزيء
تعتبر الرقابة آلية أساسية في ضبط عمليات البناء وتتبعها في مختلف مراحلها ، والسهر على احترامها لما هو مقرر في النظام العام العمراني ، وهي نوعان : الأول تمارسه السلطات الإدارية المختصة (الفرع الأول) ، أما الثاني فيمكن الحديث عنه من خلال مساهمة القضاء الإداري في هذا المجال (الفرع الثاني).
الفرع الأول : الضبط الإداري لمخالفات البناء
يتجلى هذا الضبط في قيام المكلفين بمراقبة البناء (الفقرة الأولى ) ، لكن لتكون الرقابة واضحة وجب معرفة العمليات التي تخضع لها (الفقرة الثانية ) ، ثم تحديد أنواع المخالفات من أجل تيسير عملية إعداد محضر
المعاينة (الفقرة الثالثة) .
الفقرة الأولى : الجهات المكلفة بمراقبة مخالفات البناء والتجزئات العقارية
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 64 من قانون 12-90 المتعلق بالتعمير فإن معاينة المخالفات يقوم بها كل من:
-ضباط الشرطة القضائية.[1]
-موظفو الجماعات المحلية المكلفون بمراقبة المباني
-الموظفون التابعون لإدارة التعمير والمكلفون بهذه المهمة.
-موظفو الدولة الذين يعتمدهم الوزير المكلف بالتعمير للقيام بهذه المأمورية أوكل خبير أو مهندس معماري كلف بهذه المهمة بصفة استثنائية من قبل رئيس مجلس الجماعة المعنية أو إدارة التعمير.
ويحرر المأمور الذي عاين المخالفة محضرا يوجهه في أقصر الآجال إلى كل من رئيس المجلس الجماعي والوالي أو عامل العمالة أو الإقليم، وكذا إلى مرتكب المخالفة كما تقضي بذلك الفقرة الأولى من المادة 65 من قانون 12-90 السالف الذكر.
بالإضافة إلى هذا كله هناك أجهزة أخرى موكول لها مهمة مراقبة المخالفات وتتمثل في:
-أقسام التعــــمير : ظهرت هذه الأقسام ابتداءا من سنة 1985،تاريخ انتقال إدارة التعمير إلى وزارة الداخلية،حيث تتوفر العمالات والأقاليم على أقســــام تابعة لها مكلفة بمراقبة التعمير وتنحصر مهمتها في مراقبة البناء ومعاينة المخالفات بناء على اختصاصها في ذلك أو بواسطة أمر يصدره العامل،كـــما يمكن لهذه الأقسام أن تشارك في الفرق المكلفة بالمراقبة والمتابعة للجان اليقظة.
-لجان اليـــقظــــة : من أجل تفعيل آلية المراقبة تم خلق هذه اللجان بمقتضى الدوريـــة المــــشتركة لوزارتي الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة لسنة 2002[3] المتعلقة بالحد من انتشار البناء العشوائي،وتتجه مهمة هذه اللجان في تتبع مراقبة المسؤوليات واقتراح كل الحلول الكفــــيلة بوضع حد لانتشار هذه الظاهرة،وفي سنة 2003 تم وضع دورية مشتركة[4] من أجل آليات المراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير تتوخى تنسيق الجهود المبذولة للحد من ظاهرة البناء غير القانوني وتجميع الوسائل البشرية والمادية لسد الثغرات التي تعترض عملية المراقبة .
- المصالح الخارجية للتعمير: وتتشكل من المفتشيات الجهوية ومندوبية الأقاليم والعمالات مهمتها مراقبة البناء بحيث تعمل على لفت انتباه السلطات إلى المخالفة المرتكبة .
الفقرةالثانية : العمليات الخاضعة للرقابة
يمكن الحديث في هذا السياق عن مختلف مراحل البناء ، وذلك قبل انطلاق الأشغال أي الرقابة التي تتم من خلال الشكليات المتطلبة في الرخصة (أولا ) ، مرورا بمرحلة المواكبة أي أثناء الأشغال (ثانيا ) ، ثم الرقابة التي تتم بعد أن تنتهي الأشغال (ثالثا) .
أولا : مراقبة شكليات الرخصة
إن القانون 12.90 لم يحدد شكل الرخصة وإنما أحال الأمر إلى ضوابط البناء العامة التي تحدد المادة 59 من نفس القانون إطارها العام ، على أن يصدر مرسوم تنظيمي لتحديد هذه الضوابط وفق مقتضى المادة 60 كما سمحت المادة 61 من نفس القانون لرئيس المجلس الجماعي أن يصدر قرارات لتحديد ضوابط البناء إذا لم تنص عليها ضوابط البناء العامة أو تصميم التهيئة .
إلا أن عدم صدور القرارت المتعلقة بضوابط البناء العامة والجماعية إلا مؤخرا أدى إلى خروج الرخصة عن نطاق المراقبة لوقت طويل في هذا المجال[2] ،
إلا أن هذا لا يعني انعدام الرقابة على شكليات الرخصة حيث يتم التأكد من أن الملف مستوف لكافة الوثائق والمعطيات الضرورية ، وهي وثائق تتعلق بالأساس بشهادة تثبت ملكية العقار ، وثائق تهم صاحب الطلب ، التزام باحترام بيانات التصميم المصادق عليه بعبارة غير قابل للتغيير يسلم من طرف الجماعة [3].
ومن جهة أخرى فهناك إجراء مهم يتعلق بزيارة مكان العقار المعني بالرخصة ، وذلك من أجل إبراز خصائصه ومقارنة ذلك مع ما يريده طالب الرخصة (3) وهو إجراء له أهميته خصوصا وأنه يمكن الإدارة من المعاينة المباشرة قبل منح الرخصة ، وبالتالي الحيلولة دون منحها في أماكن غير مواتية للغرض المطلوب في طلب الرخصة .
كما أن المادة 43 من قانون 12.90 قد أشارت إلى توفر بعض التأشيرات الضرورية وبالتالي تعتبر هذه التأشيرات مرحلة مهمة من مراحل رقابة شكليات الرخصة .
أما فيما يتعلق بالتجزئات العقارية فقد تم تحديد الوثائق المتطلبة من أجل الحصول على رخصة التجزئة وذلك من خلال المواد 4- 5-6 من القانون 25.90 ، حيث تتوقف هذه الرخصة على الشروط التالية :
الطلب مصحوب بـ :
- رسم طبغرافي محرر على أساس النقاط المحسوبة للدائرة المراد تجزئتها المبينة على الخريطة العقارية .
- المستندات المتعلقة بالتصور المعماري للتجزئة .
- المستندات الفنية المتعلقة بإنجاز الطرق ومختلف شبكات الماء والصرف الصحي والكهرباء .
- دفتر الشروط الذي يتضمن بوجه خاص بيان مختلف أنواع الارتفاقات التي تثقل العقار وحجم المباني وشروط إقامتها والتجهيزات التي تتحمل الجماعة الحضرية أو القروية إنجازها والتي يجب أن ينجزها صاحب المشروع
- شهادة من المحافظة على الأملاك العقارية .
- الحصول على رخص خاصة إذا تعلق الأمر ببعض النصوص الخاصة .
وحسب المادة 6 من المرسوم التطبيقي للقانون 25.90 يضاف أيضا تصميم مسلم من المحافظة على الأملاك العقارية تعين فيه حدود الأرض المراد تجزئتها .
فهذه هي الوثائق التي يمكن من خلالها للسلطة المختصة أن تراقب شكليات رخصة التجزئة العقارية ، بحيث إذا تخلف أحدها يحول دون قبول طلب التجزيء .
ثانيا : المراقبة أثناء الأشغال
وتقوم هذه الرقابة على عنصرين:
إشهار الرخصة : وذلك بأن يقوم صاحب الرخصة بتعليق لوحة حاملة رقم الرخصة وتاريخ تسليمها مكتوبة بخط واضح وفي مكان بحيث يمكن أن يراها العموم ، وهذا الإجراء ييسر عملية الإطلاع عليها من طرف كل
من يعنيه الأمر وذلك من أجل اتخاذ التدابير اللازمة في الحالة التي تكون هذه الرخصة تشكل ضررا على المجاورين للعقار أو الذين لهم حقوق عينية عليه .
وإذا كان القانون 12.90 لم ينص على إجراء إشهار الرخصة فإن القانون 25.90 قد فصل في هذا الأمر من خلال المواد 46-47-48 وذلك بالحديث عن ضرورة وكيفية ذلك .
التصريح بافتتاح الأشغال : وذلك من أجل فتح الباب لمراقبة أشغال البناء من قبل المصالح المختصة ، وهذا ما ذهبت إليه الدورية المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الإسكان والتعمير وتنمية المجال رقم 2911 الصادرة في 12 ماي 2008 ، حيث أكدت على أن تكون هناك مراقبة دائمة خلال كل أطوار البناء ودون التقيد بأيام العطل وأيام الأعياد .
فالتحدي الأساسي الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو الموارد البشرية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف ، خصوصا وأن مجال البناء يتسع أكثر وبسرعة متناهية ، في مقابل ذلك فإن قدرة الجهات المختصة بالمراقبة لا تواكب هذا التطور فيما يخص الموارد المالية البشرية .
إن هذه المراقبة لها أهمية كبرى خصوصا وأنها تمكن الإدارة من ضبط المخالفة قبل أن تستفحل ويصبح من الصعوبة التعامل معها ، فهذه المراقبة المواكبة تعمل على معاينة المخالفة في وقت غيرمتأخر عن ارتكابها وبالتالي سهولة التعامل معها إذا مورست هذه الرقابة في وقتها .
ثالثا : المراقبة بعد انتهاء الأشغال
إن هذه الرقابة الأخيرة تكون عبارة عن تمحيص البناء من كل الجوانب وملاحظة كل مخالفة يمكن أن تحدث أثناء القيام بالأشغال ولم يتم ضبطها في المرحلة السابقة من المراقبة ، ذلك أن الإدارة -وفق الإمكانيات الهشة التي تتوفر عليها- فإنها لن تستطيع المداومة على المراقبة أثناء القيام بالأشغال ، وبالتالي فهذه المرحلة الأخيرة من المراقبة هي عبارة عن ورقة تملكها الإدارة من أجل بسط رقابتها ، وكذلك عبارة عن ورقة لردع صاحب البناء من ارتكاب المخالفات لأنه يعلم أنه ستكون هناك رقابة بعد انهاء الأشغال .
وتجد هذه الرقابة سندها في المادتين 55 و 56 من القانون 12.90 حيث تقتضي الأولى أنه لا يجوز لمالك المبنى أن يستعمله بعد انتهاء الأشغال دون الحصول على إذن السكن إذا كان معدا للسكن ، أو شهادة المطابقة إذا كان معدا لغرض غير السكن ، والجدير بالذكر أنه ليس هناك رخصة سكن أو شهادة المطابقة ضمنية بمرور مدة معينة ، وإنما في حالة عدم تسليم رخصة سكن أو شهادة المطابقة يمكن للمالك أن يطلب من السلطة المحلية أن تمارس حقها في الحلول من أجل أن تمنحه الوثيقة المطلوبة .
أما المادة 56 فأطرت شهادة المطابقة ورخصة السكن بالنسبة ل :
- عمارة مكونة من أربعة مستويات مهما كان الغرض المخصصة له أو تتكون من ثلاثة طوابق تشتمل على ستة مساكن .
- عمارة مخصصة لأغراض صناعية أو تجارية مساحتها 500 متر على الأقل .
فإن شهادة المطابقة أو رخصة السكن لا تسلم إلا بعد تحقق المصالح المختصة في ميدان الاتصالات السلكية واللاسلكية على جودة الخطوط ، حيث يجب التحقق من ذلك خلال شهر بعد التصريح بانتهاء الأشغال وإن لم يتم ذلك في هذا الأجل اعتبر ذلك بأن المبنى يتوفر على الخطوط الواجب توفرها .
ومدة شهر هذه كشهادة ضمنية خاصة فقط بالرقابة على الخطوط السلكية واللاسلكية أما الرقابة على أعمال البناء فتظل خاضعة لأحكام المادة 55 حيث ليس هناك شهادة المطابقة أو رخصة سكن ضمنية .
أما فيما يتعلق بالتجزئات العقارية فإن المراقبة بعد انتهاء الأشغال تتم من خلال شهادتي التسليم المؤقت والتسليم النهائي ، حيث جاء في المادة 24 من القانون 25.90 أن التسليم المؤقت يتيح للجماعة أن تتحقق أن أشغال التهيئة وإعداد الأرض للبناء والصرف الصحي قد تم إنجازها وفق ما ينص عليه المشروع الذي صدر الإذن في شأنه ، ويكون التسليم النهائي بعد سنة من تاريخ تحرير محضر التسليم المؤقت وذلك وفق المادة 27 من القانون 25.90 .
الفقرة الثانية : مخالفات البناء وإعداد محضر المعاينة
يمكن الحديث في هذا الصدد عن المخالفات التي تضمنها قانون 12.90 مع الإشارة إلى بعض القوانين الأخرى ذات الصلة ، كما أن تبيان هذه المخالفات ييسر عملية إعداد محضر المعاينة .
أولا : مخالفات البناء
لقد عمل القانون 12.90 على تحديد مخالفات البناء وذلك من خلال المواد 66 – 68 و 80 ، كما أن هناك المخالفات المتضمنة في ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي بها ، بالإضافة إلى ظهير 1960 المتعلق بتوسيع العمارات القروية ، وسيتم التطرق إلى هذه المخالفات كل على حدة.
1) : المخالفات المحددة من خلال المادة 66 من قانون 12.90
- القيام ببناء جديد أو تعلية أو توطئة وذلك في الأراضي التي يشملها قرار تحديد حدود الطرق العامة أو قرار تخطيط الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية .
- القيام بالبناء بغير رخصة صريحة أو ضمنية
- استعمال المبنى من غير الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة .
- تحويل الغرض المخصص له المبنى.
- خرق ضوابط البناء العامة أو الجماعية .
2): المخالفات المحددة في المادة 68 من القانون 12.90
- القيام بالبناء دون الحصول على إذن سابق يجب الحصول عليه .
- البناء في منطقة غير مسموح فيها بذلك .
- البناء غير المطابق للإذن المسلم في شأنه ، وذلك بعدم التقيد بـ :
· العلو المسموح به .
· الأحجام والمواقع المأذون فيها .
· المساحة المباح بناؤها .
· الضوابط المتعلقة بمتانة البناء .
· الأحكام التي تحظر استخدام بعض المواد وبعض الطرق في البناء .
· الغرض المخصص له البناء .
من خلال هاتين المادتين عمل المشرع على تحديد عدة مخالفات ، إلا أنه ما يلاحظ هو الغموض في صيغتها وخطورتها ، ففي هذا الصدد فإن المادة 67 من القانون 12.90 قد منحت السلطة التقديرية لرئيس المجلس الجماعي لتحديد خطورة المخالفات حيث جاء فيها :"إذا كانت الأفعال المتكونة من الأفعال المنصوص عليها في المادة 66 أعلاه يمكن تداركها لكونها لا تمثل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير و البناء التي جرى انتهاكها فإن رئيس المجلس يأمر المخالف باتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة..."
وبهذا فإن رئيس المجلس الجماعي له السلطة الواسعة بأن يقرر مدى خطورة المخالفة المرتكبة ، ورغم أن هذا الأمر يسري فقط على المخالفات التي تم تحديدها في المادة 66 بناء على المادة 67 من نفس القانون ، فإن هناك ترابط كبير بين المخالفات التي تم تحديدها في المادة 66 وتلك التي تم تحديدها في المادة 68 حيث تتكرر أغلبها في المادتين ، مما يعني أن رئيس المجلس الجماعي بإمكانه أن يقدم الوصف القانوني لمخالفة تنتمي من حيث النص للمادة 68 من خلال مقتضيات المادة 66 ويتخذ إجراءه على أنها لا تشكل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء .
وفي ختام هذه النقطة وجبت الإشارة إلى أن المادة 80 من قانون 12.90 حددت مخالفة أخرى تتعلق بالبناء على ملك من الأملاك العامة ، وهي المخالفة الوحيدة التي تتسم بالوضوح دون أن تتداخل مع المخالفات الأخرى لاعتبار أن المخالفة تتعلق بالاعتداء على الملك العمومي .
3) : مخالفات البناء في نصوص أخرى
يمكن الحديث في هذا السياق عن الظهير المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية ، الذي نص في فصله 13 على ثلاث مخالفات :
- مخالفة مقررات التصميم الخاص بتوسيع نطاق العمارات القروية .
- مخالفة مقررات التصميم الخاص بنظام الأزقة .
- عدم مطابقة الأشغال المنجزة للتصاميم المصادق عليها .
كما نص ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها على بعض المخالفات :
- بناء أو توسيع مكان مخصص لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيه بدون رخصة .
- تسليم الرخصة من سلطة غير مختصة .
- مخالفة شروط البناء التي يتضمنها الباب الثالث من قانون 12.90 .
- مخالفة البرنامج العام لبناء المساجد ودفتر التحملات النموذجي الذي تصدره وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
4) : المخالفات في مجال التجزئات العقارية
لقد تم تحديد المخالفات المتعلقة بالتجزئات العقارية من خلال المواد 63- 64- 65 من القانون 25.90 :
- إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو مباشرة أعمال التجهيز أو البناء دون الحصول على إذن سابق .
- بيع أو إيجار أو قسمة بقع من تجزئة أو مساكن من مجموعة سكنية أو عرض ذلك للبيع أو الإيجار إذا كانت التجزئة أو المجموعة السكنية لم يؤذن في إحداثهما أو لم تكونا محل تسليم مؤقت .
- تقسيم العقارات دون الحصول على إذن سابق .
ثانيا : إعداد محضر المعاينة
لقد أشار كل من القانون 12.90 والقانون 25.90 إلى محضر المعاينة لكنهما لم يحددا مضمونه وشكله ، هذا الأمر تم تداركه من خلال الدورية المشتركة رقم 2911 حيث تضمنت أن محضر المعاينة يعد من قبل الجهة المسؤولة وذلك وفق الشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ، وقد عرفه هذا الأخير في مادته 24 على أنه :" الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسته مهامه ويضمنها ما عاينه وما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه ..." والملاحظ من هذا التعريف أن قانون المسطرة الجنائية لا يعتبر محضرا إلا ذاك الذي يحرر من قبل ضابط الشرطة القضائية ، وقد تم تأكيد ذلك من خلال المادة 23 في فقرتها الأخيرة إذ جاء فيها : " يجب أن تشير المحاضر إلى أن لمحررها صفة ضابط الشرطة القضائية ."
إلا أن صيغة المادة 65 من قانون 12.90 واضحة في هذا السياق حيث جاء فيها :" يقوم المأمور الذي عاين المخالفة {...} بتحرير محضر بذلك ..." فهذه المادة جاءت عامة تشمل كل مسؤول يقوم بعملية المراقبة ، وأما فيما يتعلق بقانون المسطرة الجنائية فإن الدورية رقم 2911 أحالت إليه فيما يتعلق بالشكليات التي يجب احترامها في إعداد المحضر دون الدخول في طبيعته ، وبذلك سيتم الحديث عن شروط المحضر من خلال النقاط التالية :
1) : شرط الاختصاص
ويتجلى هذا الشرط في إبراز الصفة التي تؤهل المسؤول لتحرير المحضر ، حيث لا يمكن أن يتم ذلك إلا من قبل المسؤولين الذين حددهم القانون أو تم التفويض لهم ، وفي هذا الصدد فقد جاءت المادة 64 من القانون 12.90 تحدد الجهات المكلفة بالمراقبة وبالتالي المخولة بتحرير محضر المعاينة .
2) : احترام شكل المحضر
أول ما يمكن الحديث عنه في هذا الصدد هو شرط الكتابة ، حيث أن المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية قد عرفت المحضر على أنه وثيقة مكتوبة. كما يجب تضمين المحضر البيانات التي حددتها المادة السابقة الذكر:
- اسم محرر المحضر وصفته وذلك بتبيان الصنف الذي ينتمي إليه من المكلفين بمراقبة البناء .
- مكان عمل محرر المحضر ، وذلك للتأكد من مدى توفر الاختصاص .
- توقيع محرر المحضر حتى يتم تحديد المسؤولية .
- تاريخ وساعة إنجاز المعاينة وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز المعاينة .
3): الالتزام بالوصف الموضوعي
وهذا يقتضي تضمين المحضر ما عاينه المأمور أو ما تلقاه من تصريحات وكذلك العمليات التي قام بها دون إبداء وجهة نظره ، بحيث لا يقوم بالتكييف القانوني للمخالفة لأن هذا ليس من اختصاصه .
4) : تبليغ محضر المعاينة
يتم التبليغ حسب دورية رقم 2911 إلى كل من العامل ورئيس المجلس الجماعي وإذا تعلق الأمر بمخالفة منصوص عليها في قانون 25.90 يتم التبليغ كذلك إلى النيابة العامة المختصة .
أما المخالف فبمجرد تسجيل وتحديد الوصف القانوني للمخالفات يتم تبليغه شخصيا أو بطريقة قانونية بمحضر المعاينة عن المخالفة التي ارتكبها مقابل وصل بالاستلام وعند امتناع المخالف عن تسلمه محضر المعاينة توجه هذه الوثيقة مرفوقة بالإشعار بالامتناع إلى العامل ووكيل الملك ورئيس المجلس الجماعي .
وتبليغ المحضر له أهمية كبرى من حيث الإثبات بأن المخالف على علم بأنه ارتكب فعلا مخالفا للقانون ، وكذلك من جهة أخرى من أجل احتساب الأجل الممنوح للمخالف من أجل تسوية وضعه إذا كان يقبل ذلك أو الهدم إذا كان هذا هو القرار المتخذ من قبل السلطة المختصة .
الفرع الثاني : رقابة القضاء الإداري على مجال البناء
يمكن الحديث في هذا الصدد عن رقابة القضاء الإداري على قرار منح رخصة البناء (الفقرة الأولى) مع تتبع ذلك إلى الطعن بإيقاف تنفيذ رخصة البناء (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : الطعن بإلغاء قرار منح الرخصة
يمكن أن يصدر قرار بمنح رخصة البناء بدون وجه قانوني ، وبذلك يمكن لكل ذي مصلحة من الأغيار الذين تمس الرخصة بمركزهم القانوني أن يطعنوا بالإلغاء ضد قرار منح الرخصة (أولا) كما يمكن أن يصدر قرار الرخصة من سلطة غير مختصة وبذلك وجب الطعن من طرف السلطة المختصة في هذه الرخصة (ثانيا) .
أولا : الطعن من طرف الأغيار
إن من أهم شروط الحصول على الرخصة أن يكون العقار مملوكا من طرف طالب الرخصة ، فحصول شخص لا يملك العقار على رخصة البناء يرتب إخلالا واضحا بالقانون ، هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط حيث قررت في أحد أحكامها أن غياب ما يثبت توفر صاحب الرخصة على صفة مالك العقار المجرى فيه التعديلات ، يجعل التعديلات المجراة بمقتضى الرخصة المطعون فيها غير مستندة على أساس قانوني وواقعي سليم .
وحيث أنه بعد استبعاد جميع الوسائل المثارة في عريضة الطعن يتعين الحكم بإلغاء الرخصة المطعون فيها مع ما يترتب عن ذلك من آثار[4].
كما أن صدور قرار منح الرخصة قد يغير في المركز القانوني للمجاورين للعقار المرخص فيه مما يجعله سببا كافيا لإقامة الطعن بالإلغاء ضد هذا القرار .
كما يمكن لكل من تضرر من رخصة البناء من المجاورين أن يتقدم بطلب إلغاء هذه الرخصة ، ففي قضية عرضت على المحكمة الإدارية بالرباط تتلخص وقائعها أن الطاعن يملك ويعتمر شقة بالطابق الأول تطل جميع نوافذها على المساحة المخصصة لتوقف السيارات أمام المدخل الرئيسي للمتجر المسمى "لابيل في" وبجانب تلك المساحة يوجد الطور الذي يمتد على طوله الجدار الفاصل بين العمارة التي يقطن بها وبين المساحة المذكورة ، وأن المدعى عليه قام بالترخيص ببناء براريك سبق للمصالح البلدية إصدار قرار بهدمها نتيجة تسببها بأضرار خطيرة ، وبذلك جاء حكم المحكمة الإدارية كالتالي "... وحيث أن المعاينة المنجزة قد أثبتت أن إقامة الأكشاك قد ألحق ضررا بشقة الطاعن والمتمثلة في حجب الرؤية بشكل تام عن الحديقة ، وإحداث ضجيج ناتج عن نشاط تلك الأكشاك ، هذا بالإضافة إلى الأضرار المتعلقة بتشويه المنظر الجمالي . وحيث أنه تبعا لذلك يكون القرار المطعون فيه مشوبا بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون ويتعين إلغاؤه."[5].
ثانيا : الطعن من طرف السلطة المختصة
إن أهم أسباب الطعن في هذا المجال هو الطعن بالإلغاء لعيب الاختصاص ، وقد منح المشرع اختصاص منح رخصة البناء لرئيس المجلس الجماعي وإلى بعض الجهات الأخرى وفق نصوص خاصة . فحسب الفقرة
الثالثة من المادة 50 من الميثاق الجماعي فإن رئيس المجلس الجماعي هو المختص بمنح الرخص ، ونفس القانون أسند هذا الاختصاص إلى رئيس مجلس المقاطعة وذلك في الجماعات الخاضعة لنظام المقاطعات ، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 104 على أن : " وفي مجال التعمير والبناء يختص رئيس مجلس المقاطعة بتسليم رخص البناء والسكن المتعلقة بالبنايات التي لا يتجاوز علوها 11 مترا والتي توجد في المناطق المتوفرة على وثائق للتعمير سارية المفعول ".
من خلال هذه المقتضيات يبدو أن الاختصاص واضح بين رئيس المجلس الجماعي ورئيس مجلس المقاطعة ، إلا أنه يمكن أن يكون هناك تجاوز السلطة في هذا المجال وقد ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى إلغاء قرار الرخصة حينما لاحظت أن الرخصة تتعلق ببناء عمارة خاضعة لنظام الملكية المشتركة ، مما يعني أن الاختصاص بشأنها يعود لرئيس المجلس الجماعي وليس لرئيس مجلس المقاطعة وجاء في حيثيات الحكم أن إقدام رئيس المقاطعة على منح تلك الرخصة فيه خرق صريح للقانون وتعد على اختصاص جهة أخرى ، وحيث تبعا لذلك يكون القرار المطعون فيه مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ويتعين الحكم بإلغائه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية .
الفقرة الثانية : الطعن بإيقاف تنفيذ الترخيص بالبناء
إن الطعن بإلغاء قرار منح رخصة البناء لا يوقف تنفيذ القرار ، وبالتالي فإن الطعن بإيقاف تنفيذ الترخيص بالبناء يهدف بالأساس إلى إيقاف تنفيذ مفعول القرار المطعون فيه بالإلغاء إلى حين صدور الحكم في جوهر النزاع [6] . إلا أنه لا يمكن أن يكون هذا الطعن مقبولا في كل النوازل وإنما لا بد من توفر شروط شكلية وأخرى موضوعية .
أولا : الشروط الشكلية
يمكن الحديث عن هذه الشروط من خلال ثلاث نقاط أساسية :
1) : وجوب اقتران طلب وقف التنفيذ بدعوى الإلغاء
ومعنى ذلك أن طلب وقف التنفيذ تابع لدعوى الإلغاء سواء في الشكل أو الاختصاص ، فقد جاء في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية : " ... يمكن علاوة على ذلك للمجلس (الأعلى) بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن يأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء "، ونفس هذا المقتضى الأخير جاء من خلال المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية : " للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة ".
ومرد هذا الشرط حتى لايتم وقف تنفيذ قرار إداري من قبل القضاء الإداري دون مبرر يمكن أن يؤدي إلى إلغائه ، وبذلك فإن وقف تنفيذ القرار هو قرار له مدة محدودة بصدور الحكم في الموضوع .
2) : أن يكون القرار يكتسي طابعا تنفيذيا
فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 261 من قانون المسطرة المدنية وكذلك المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، فقد استعملا مصطلح " القرار الإداري " ومعنى ذلك أن القرار الذي يكتسي طابعا تنفيذيا هو القابل للطعن فيه بالإلغاء وكذلك بوقف التنفيذ أما الأعمال التحضيرية والاستشارية فهي غير قابلة لهذه الطعون ما دامت غير قابلة للتنفيذ .
3) : ألا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه قد تم تنفيذه
وهذا الشرط يجد سنده في الأمر الواقع ، إذ أن طلب وقف تنفيذ قرار إداري إنما هو إجراء وقائي من آثار القرار فإذا كان القرار قد تم تنفيذه فيعني أن آثاره قد تحققت فعلا مما يجعل هذا الطعن دون جدوى .
4) : الطلب الصريح
وهذا ما جاء في المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، إذ القاضي لا يحكم بأكثر مما يطلب منه ، وبذلك وجب أن يكون الطلب مستوفيا لكافة الشروط السابق ذكرها بالإضافة إلى الشروط المتطلبة في أي دعوة عموما ، كما يمكن أن يكون في نفس الوقت الذي يتقدم فيه الطالب بطلب إلغاء القرار أو في أي مرحلة من مراحل الدعوى .
ثانيا : الشروط الموضوعية
حدد الاجتهاد القضائي شرطين موضوعيين للاستجابة لطلب وقف تنفيذ القرار الإداري ، وهما شرط الجدية وشرط الاستعجال .
1) شرط الاستعجال
ومعناه أن يترتب على تنفيذ القرار المطلوب وقف تنفيذه ضررا كبيرا لا يمكن إصلاحه في حالة الإلغاء اللاحق للقرار المطعون فيه ، وتقدير مدى تحقق عنصر الاستعجال متروك للسلطة التقديرية للقاضي ، إلا أنه من أجل الاسترشاد فإن هناك ثلاث معايير أساسية وجب مراعاتها :
-ألا تتأذى المصلحة العامة من وقف تنفيذ القرار إيذاء شديدا .
-ألا يتضرر طالب وقف التنفبذ ضررا كبيرا في حالة تنفيذ القرار .[7]
أن يتعذر على طالب وقف التنفيذ دفع النتائج الضارة التي تترتب على استمرار تنفيذ القرار بالوسائل القانونية
إلا أن عنصر الاستعجال لا ينبغي أن يتم التذرع به من أجل عرقلة سير عمل الإدارة في تنفيذ ما تقرره من مقررات .
2) شرط الجدية:[8]
عنصر الجدية معناه أن يكون طلب إيقاف تنفيذ قرار إداري قائما على أسباب جدية تبرره ، تتضح من ظاهر المستندات والأوراق دون المساس بأصل طلب الإلغاء ودون الخوض في جوهر النزاع ، ويتصل هذا الشرط بمبدأ المشروعية ، بمعنى أن يؤسس المدعي دعواه على أسباب قوية توحي لأول وهلة - من خلال الاطلاع أولا على ملف الإلغاء الأصلي - باحتمال إلغاء القرار المطلوب إيقاف تنفيذه . وألا يكون المقصود منه مجرد عرقلة نشاط الإدارة لكسب الوقت .
المطلب الثاني : زجر مخالفات البناء و التجزيء
يمكن الحديث في هذا الصدد عن نوعين من الزجر : الزجر الإداري (الفرع الأول ) والزجر القضائي (الفرع الثاني ).
الفرع الأول : الزجر الإداري
لقد رتب قانون 12.90 ثلاث عقوبات يمكن للإدارة أن تمارسها في حق المخالف لأحكام قانون التعمير ، وقد تم تأطير هذه العقوبات بالمواد 65 - 67 و 68 من القانون السالف الذكر ، وهذه العقوبات هي الأمر بوقف الأشغال ، اتخاذ التدابر اللازمة ثم الهدم ، وسيتم التطرق إلى كل منها تباعا :
الفقرة الأولى : الأمر بوقف الأشغال
يعد الأمر بوقف الأشغال من العقوبات الإدارية الأولى التي تعتمدها السلطات المختصة لفرضها على المخالف لمقتضيات القانون ، ويرجع أمر مسطرة وقف الأشغال إلى رغبة المشرع في تفادي الأضرار التي يمكن أن تطال المجال نتيجة عدم احترام شروط البناء ، فهذا الإجراء وقائي بالدرجة الأولى يسمح بتدارك المخالفات وتفادي جسامتها واستفحالها [9] . و حتي يكون قرار وقف الأشغال مرتبا لآثاره وجب احترام بعض الشروط الضرورية .
أولا : صدور قرار وقف الأشغال عن جهة مختصة
إن الجهة المختصة في هذا المجال حسب قانون 12.90 هو رئيس المجلس الجماعي ، حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة 65 : " وإذا كانت أشغال البناء ما زالت في طور الإنجاز يبلغ رئيس مجلس الجماعة فور تسلمه للمحضر أمرا إلى المخالف بوقف الأعمال في الحال". وبالتالي فإن صدور هذا القرار عن أي جهة أخرى يجعله مشوبا بعيب الاختصاص ، إلا أنه وجب مراعاة بعض النصوص الخاصة التي تسند الاختصاص في ذلك إلى جهات أخرى :
- في جماعات المشور يمارس هذا الاختصاص الباشا ، وذلك وفق المادة 136 من الميثاق الجماعي حيث جاء فيها :" يمارس باشا كل جماعة من الجماعات المشار إليها بالمادة السابقة الاختصاصات المسندة بمقتضى هذا القانون إلى رؤساء المجالس الجماعية " .
- بالنسبة للأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها فإن ظهير 2 أكتوبر 1984 قد أسند اختصاص الأمر بوقف الأشغال إلى العامل وفق الفصل الخامس منه .
أما ظهير 1960 فقد أسند الأمر إلى السلطة المحلية للقيام بهذا القرار الإداري وفق الفصل 13 منه . وقد نص على السلطة المحلية بصفة عامة دون حصر الأمر في العامل ممى يعني أن كل رجال السلطة المحلية يمكنهم القيام بذلك .
أما فيما يتعلق بالمخالفات المتضمنة في القانون 25.90 فإن العامل هو الذي يصدر الأمر بوقف الأشغال طبقا للمادة 71 .
ثانيا : مضمون الأمر بوقف الأشغال
وجب أن يكون القرار صريحا ذا طبيعة تنفيذية ، ولا يكفي فيه مجرد الإشارة أو الإنذار أو الإيحاء أو التهديد به من طرف السلطة ، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية في واحد من أحكامها عندما اعتبرت الرسالة الموجهة من السيد العامل إلى السيد رئيس المجلس البلدي والتي يطلب بواسطتها منه العمل على اتخاذ كل الإجراءات لإيقاف أشغال تجزئة النصيري لا تعدو أن تكون مجرد عمل تحضيري لاتخاذ القرار الإداري من طرف رئيس المجلس [10] .كما يجب أن يكون بناء على محضر المعاينة ، وأن تكون الأشغال لا تزال في طور الإنجاز .
ثالثا : تعليل الأمر بوقف الأشغال
وذلك بعرض الأسباب الواقعية التي أدت إلى صدور القرار وهي أسباب خارجة عن إرادة الإدارة ، حيث لا يجوز الأمر بوقف الأشغال بناء على مزايدات سياسية أو شخصية ، وإنما هناك مسطرة قانونية وجب اتباعها من أجل الوصول إلى قرار إداري يساهم في ضبط مخالفات البناء والتقليل منها .
فقد جاء في المادة الأولى من القانون 03.01 : " تلزم إدارة الدولة والجماعات المحلية وهيآتها والمؤسسات العمومية والمصالح الذي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة البطلان ، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذا القرار عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخادها ".
وقد بينت المادة الثانية من نفس القانون القرارات الواجب تعليلها حيث جاء في الفقرة (أ) " القرارات الإدارية
القاضية بإنزال عقوبة إدارية أو تأديبية " . ومن هذا يمكن القول أن قرار وقف أشغال البناء لا يكون مشروعا إلا بتضمينه الأسباب القانونية والواقعية التي كانت وراء اتخاذه .
رابعا : إيداع الشكاية لدى وكيل الملك وإخبار العامل
إن المادة 66 من قانون 12.90 قضت بأن يقوم رئيس المجلس الجماعي بإيداع الشكاية لدى وكيل الملك وكذلك إخبار الوالي أو العامل المعني بالأمر كلما كان هناك ارتكاب لإحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة السابقة الذكر ، وبذلك فإنه بقراءة المادتين 65 و 66 من القانون 12.90 يتضح أن الأمر بوقف الأشغال يكون متزامنا مع إيداع الشكاية لدى وكيل الملك وكذا إخبار العامل .
أما المادة 66 من القانون 25.90 فقد أسندت مهمة توجيه محضر المعاينة للجهات المختصة إلى المأمور الذي عاين المخالفة وليس إلى رئيس المجلس الجماعي حيث جاء في الفقرة الثانية منها :" ويقوم الموظف الذي عاين المخالفة بتحرير محضر بذلك يوجهه في أقصر أجل إلى وكيل الملك وعامل العمالة أو الإقليم ورئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية وإلى مرتكب المخالفة ".
خامسا : تبليغ الأمر بوقف الأشغال
إن هذا الإجراء مهم فيما يتعلق بإحاطة المخالف علما بما ارتكبه من مخالفات حيث لا يجب افتراض العلم فيه وإنما لا بد من توصله بقرار وقف الأشغال ، حيث جاء ذلك واضحا من خلال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 65 من قانون 12.90 .
الفقرة الثانية : اتخاذ التدابير اللازمة
لقد أسندت المادة 67 من قانون 12.90 صلاحيات واسعة لرئيس المجلس الجماعي في مجال تقدير خطورة المخالفات المرتكبة في مجال البناء وفيما يتعلق بالقانون 25.90 فإن الاختصاص ينعقد للعامل ، وبذلك فإذا تبين له أن المخالفات المرتكبة لا تشكل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء فإنه يأمر المخالف باتخاد التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة ، وذلك بتحديد العمليات الواجب القيام بها من أجل مطابقة البناء مع ضوابط التعمير والبناء ، وقد حددت المادة السالفة الذكر أجل لاتخاذ هذه التدابير التي تتراوح بين 15 يوما و30 يوما ، كما أنه وللقيام بهذا الأمر وجب على رئيس المجلس الجماعي أن يودع شكوى مصحوبة بنسخة من الإعذار لدى النيابة العامة وذلك وفق مقتضى الفقرة الثانية من المادة 66 .
كما تجدر الإشارة أنه بمجرد قيام المخالف باتخاذ التدابير اللازمة وإصلاح مخالفته يقع التخلي عن المتابعة الجارية في شأنه وذلك بقوة القانون .
الفقرة الثالثة : قرار الهدم
إن هذا القرار يتم اللجوء إليه في المخالفات التي لا يمكن تداركها ، وقد تم تنظيمه بالمادتين 68 و80 من القانون 12.90 والمادة 71 من القانون 25.90 ، وفيما يتعلق بعناصر صحة هذا القرار فإنها هي نفسها التي سبق ذكرها فيما يتعلق بقرار وقف الأشغال ، من تبليغ القرار وإيداع شكاية لدى وكيل الملك إلا أن هذه الشكاية خاصة فقط بالمخالفات المتضمنة في القانون 12.90 ، وأن يكون القرار صادرا بناء على محضر المعاينة ، وأن يكون صريحا ذا طبيعة تنفيذية .
وبالرجوع إلى المادة 68 من القانون 12.90 يتضح أن اتخاذ قرار الهدم هو من اختصاص العامل إما بطلب من رئيس المجلس الجماعي إو من تلقاء نفسه ، أما فيما يتعلق بالمادة 80 من نفس القانون فقد نصت على السلطة المحلية مما يعني اتساع المجال ليشمل كل رجال السلطة المحلية .
كما أنه يجب مراعاة انقضاء الأجل المحدد في قرار الهدم ، حيث حددت المادة 29 من القانون السالف الذكر هذه المدة في سقف 30 يوما مع ترك السلطة التقديرية للعامل أن يحددها تتناسب مع عمليات الهدم المطلوب القيام بها من طرف المخالف . وتجدر الإشارة أن هذه المدة تحتسب انطلاقا من تاريخ التوصل بالقرار وليس ابتداء من صدور القرار [11] . وقبل ذلك وجب تبليغ قرار الهدم للمخالف يتضمن الأسباب القانونية والواقعية
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه من خلال ملاحظة المادتين 68 و 80 من قانون 12.90 فإن الأمر بالهدم جوازي وليس وجوبي [12]، وهذا الأمر يتسم بالخطورة إذ كيف يمكن الوقوف على إرادة العامل فيما يتعلق بالتعامل مع مخالفات البناء أي مخالفة القانون ، وبالتالي فإن من الأجدر أن يحمل النص القانوني في هذا المجال ألفاظا تؤدي صيغة الوجوب في التعامل مع زجر المخالفات .
الفرع الثاني : تدخل القضاء لزجر مخالفات البناء
يمكن الحديث في هذا الصدد عن ممارسة الدعوى العمومية التي تعتبر من الشروط الجوهرية التي تمكن القضاء الزجري من الرقابة على مخالفات البناء والتجزيء (الفقرةالأولى ) وبناء على ذلك يعمل على زجر هذه المخالفات وفق النصوص القانونية المحددة للعقوبات في القانون 12.90 و القانون 25.90 (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : ممارسة الدعوى العمومية
إن الدعوى هي الوسيلة التي تخول النيابة العامة أن تقوم بإجراء متابعة المخالف لمقتضيات قانون التعمير ، ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن دور النيابة العامة في متابعة الجرائم المتعلقة بالبناء والتجزئات العقارية (أولا) إلا أنه تسجل عدة إشكاليات في هذا المجال (ثانيا) .
أولا : دور النيابة العامة في الجرائم المتعلقة بالبناء والتجزيئات العقارية
لقد جاء في المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية أن النيابة العامة تتولى إقامة وممارسة الدعوى العمومية ، وفي مجال البناء والتجزئات العقارية فقد حثت الدورية عدد 11525 - المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة العدل والوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير -الوكلاء العامين للملك بالسهر على تصحيح العيوب الشكلية وإرجاع المحاضر الناقصة أو المشوبة بعيب مسطري من أجل إصلاحها حتى لا تذهب الجهود المبذولة سدى ، وذلك باعتبارهم المشرفين على أعمال الموظفين المكلفين بمهمة الشرطة القضائية ، وتكييف المخالفات .
كما يقوم وكيل الملك بالتأكد من وجود الشكاية من أجل تحريك الدعوى العمومية [13] .
إن دور النيابة العامة يبقى قاصرا في مجال مراقبة مخالفات البناء وذلك للاعتبارات التالية :
- إن المحاضر المنجزة بخصوص مخالفات البناء ليس هناك ما يلزم بتبليغها إلى النيابة العامة إلا بعد اتخاذ القرارات الإدارية الزجرية .
- إذا كانت القاعدة أن تكييف الأفعال وتقدير خطورتها ووصفها قانونا أمر موكول أساسا إلى النيابة العامة ، فإنه في ظل قانون 12.90 أسند الاختصاص إلى رئيس المجلس الجماعي .
- سلطة النيابة العامة كجهة للاتهام وتحريك المتابعات بخصوص الجرائم المتعلقة برخص البناء قائمة على شرط توفر شكاية مسبقة .
إلا أن هذه الاعتبارات يمكن القول أن القانون 25.90 المتعلقة بالتجزئات العقارية قد تجاوزها حيث أن المادة 66 جعلت المأمور الذي عاين المخالفة هو الذي يوجه المحضر إلى النيابة العامة ، وبالتالي فإن وكيل الملك يقوم بتكييف المخالفة ووصفها قانونا وتقدير مدى خطورتها ، وبما أن محضر يوجه مباشرة إلى وكيل الملك فإنه يقوم بتحريك الدعوى العمومية ومتابعة المخالف .
ثانيا : إشكالية الدعوى في جرائم البناء والتجزيء
إن اشتراط الشكوى من أجل تحريك الدعوى العمومية في بعض المجالات الدقيقة كان القصد منه حماية مصالح حيوية للمتضرر ، وتم ترتيب ذلك على تخلف شرط الشكاية جزاء بطلان المتابعة [14]، إلا أنه بالنظر إلى المخالفات التي حددها القانون 12.90 يمكن طرح تساؤل عن أية مصلحة للمتضرر تم على إثرها اشتراط متابعة الدعوة العمومية على وجود شكاية في الموضوع ، وفي هذا الصدد فإن المادة 66 من القانون السالف الذكر تلزم رئيس المجلس الجماعي بتقديم شكاية في حالة ما إذا كانت المخالفة تنطبق عليها أحد أوصاف نفس المادة ، لكن الذي يقرر في مدى مطابقة المخالفة المرتكبة لأحكام المادة 66 هو رئيس المجلس الجماعي ، وبالتالي تكون سلطة وكيل الملك في متابعة المخالفة مشروطة بالوصف القانوني الذي قدمه رئيس المجلس الجماعي مما يجعله لا يمارس رقابة دقيقة على المخالفات المرتكبة فعلا .
وبالرجوع إلى المادة 67 و 68 من القانون 12.90 يتضح أنه إذا قام المخالف بالعدول عن المخالفة وبادر إلى إنهائها داخل الأجل المحدد له من قبل السلطة المختصة فإنه يجب التخلي عن المتابعة ، إلا أنه ليس هناك ما يوضح طريقة معاينة إنهاء المخالفة وهل تمت فعلا وفي الوقت المناسب ، وتبقى سلطة تقديرية واسعة لرئيس المجلس الجماعي أو العامل حسب الحالة ، فليس هناك من مقتضى يسند إلى وكيل الملك معاينة ما إذا كان المخالف قام فعلا بإنهاء مخالفته .
أما القانون 25.90 فلم يرتب على إنهاء المخالفة التخلي عن المتابعة حيث جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 66 أنه :" لا يحول وقف الأشغال وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه سابقا وهدم الأبنية دون إجراء المتابعة ولا يترتب على ذلك انقضاؤها إذا كانت جارية " . وبهذا يمكن القول أن وكيل الملك تكون له سلطة واسعة لمراقبة المخالفات في مجال التجزئات العقارية أكثر من رقابته على مخالفات البناء .
الفقرة الثانية : العقوبات التي يختص بها القضاء
يمكن الحديث في هذا الصدد عن ثلاث عقوبات متضمنة في كل من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير والقانون 25.90 المتعلق بالتجزيئات العقارية .
أولا: الغرامات
حسب الفصل 141 من القانون الجنائي فإن للقاضي سلطة تقديرية لتحديد العقوبات وتقديرها في نطاق الحدين الأدنى والأقصى المقررة في القانون ، وبالرجوع إلى القانون 12.90 المتعلق بالتعمير فإنه حدد عدة غرامات بالمواد من 71 إلى 75 ، حيث تتراوح بين 1000 درهم و 100000 درهم ، إلا أن هناك صعوبة في تحديد العقوبة الكفيلة بتحقيق شرط التناسب بينها وبين المخالفة ، وذلك عائد إلى تباعد الآثار الناجمة عنها رغم وقوع الفعل تحت نفس الصنف من المخالفات الموجبة لنفس العقوبة ، كما أن المحكمة يمكن أن تحكم بغرامات تقل عن الحد الأدنى الذي تم التنصيص عليه قانونا ( 15) . ومن جهة أخرى فإن أهم مخالفة وهي البناء بدون رخصة لم يحدد لها القانون غرامة واضحة وخاصة بها ، كما تجب الإشارة إلى أن الغرامات المقررة في المادتين 72 و 73 من القانون 12.90 يمكن القول أنها بقيت معطلة لزمن طويل إذ أن ضوابط البناء العامة لم تصدر إلا مؤخرا .
كما أن القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية بدوره تضمن عدة غرامات وذلك من خلال المواد 63 – 64 و 65 حيث تتراوح بين 10000 درهم و 1000000 درهم ، وهذه المواد أيضا تعرف تداخلا كبيرا ، فقد تضمنت المادة 63 عقوبة مقررة لإحداث مجموعة سكنية أو مباشرة أعمال التجهيز دون الحصول على إذن سابق ، ونفس المقتضى جاء من خلال المادة 64 التي جمعت بين عدم الحصول على إذن إحداث التجزئة وبين ألا تكون التجزئة محل تسليم مؤقت وذلك فيما يتعلق بعملية بيع البقع أو عرضها للبيع .
فالمادة 64 في شق كبير منها جاءت دون طائل إذ أن المادة التي سبقتها تضمنت عقوبة على إحداث تجزئة بدون إذن سابق ، وبهذا فهي تشمل مخالفة بيع أو عرض للبيع بقع بتجزئة لم يؤذن بإحداثها ، فما جدوى ذكر هذه المخالفة ما دامت تدخل ضمن المخالفة الأولى خصوصا أنها تستوجب نفس الغرامة [15]. ومن جهة أخرى كيف يمكن الجمع في نفس المادة وبنفس العقوبة بين بيع أو عرض للبيع بقع في تجزئة لم يؤذن في إحداثها وبين القيام بنفس الأفعال في تجزئة أقيمت وفق إذن سابق لم تحصل على التسليم المؤقت بعد .
ثانيا : الهدم وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه
إن عقوبة الهدم التي تصدرها المحكمة في حق المخالف لمقتضيات القانون 12.90 تجد سندها في المادة 77 من نفس القانون التي ابتدأت بصيغة الوجوب بشكل واضح لا لبس فيه ، واستنادا إلى ذلك فإن المحكمة لا تملك سلطة تقديرية في الأمر بالهدم من عدمه أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، وإنما هي مطالبة أن تصدر هذا الحكم كلما كانت هناك مخالفة توجب ذلك ، إلا أنه بالرجوع إلى نفس المادة فإن اختصاص المحكمة مشروط بعدم إقدام الإدارة على تطبيق مقتضيات المادتين 68 و 69 ، وبهذا يتضح أن قرار الهدم يرجع في الأصل إلى الإدارة أما القضاء فإنه يتدخل إذا لم تقم الإدارة بواجبها وبشرط أن تكون الشكاية قد وجهت إليه سلفا .
كما أنه بتمحيص المادة 77 يتضح أن الأمر بالهدم الذي تصدره المحكمة هو خاص فقط بالمخالفات المتضمنة في المادة 68 من القانون 12.90، أما المخالفات المتضمنة في المادة 66 فهي غير معنية بذلك .
وفيما يتعلق بالقانون 25.90 فقد جعل أيضا من اختصاص المحكمة أن تصدر أمرا بهدم الأبنية والتجهيزات المنجزة من أجل إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية دون الحصول على إذن سابق وفق مقتضيات المادة 68 . وما تجدر الإشارة إليه هو أن المادة السالفة الذكر لم تقيد أمر المحكمة بالهدم بشرط عدم قيام الإدارة بواجبها ، فهذا الأمر يعد اختصاصا أصليا للقضاء كما هو مقرر للإدارة أيضا ، حيث أن الفقرة الأخيرة من المادة 66 من القانون 25.90 جعلت وكيل الملك من الأطراف الضرورية التي يوجه إليها محضر المعاينة من قبل المأمور الذي عاين المخالفة ، وبذلك فلوكيل الملك أن يحرك الدعوى العمومية بناء على هذا المحضر ، وتحكم المحكمة بما توصلت إليه من عقوبات بغض النظر عما إذا كانت الإدارة قامت بواجبها من عدمه .
المبحث الثاني : حصيلة المراقبة و الزجر و آفاق الحد من المخالفات في مجال البناء و التجزيء
بعد أن تعرضنا في المبحث السابق لعملية المراقبة و زجر مخالفات البناء و التجزيء ، و بحثا عن الحلول الممكنة للحد من تزايد هذه المخالفات و تعددها، وجب التوقف عند أثرهذه المراقبة و الزجر ( المطلب الأول ) ثم البحث في آفاق للحد من المخالفات (المطلب الثاني ).
المطلب الأول : حصيلة المراقبة و الزجر في مجال البناء و التجزيء
إن تلمس أثر المراقبة و الزجر في مجالي البناء و التجزيء ومدى فاعليتهما ، يستوجب أولا تقييم فعالية المراقبة و الزجر ( الفرع الأول ) و ثانيا تقييم السياسات الرامية للحد من المخالفات (الفرع الثاني ).
الفرع الأول : تقييم فعالية المراقبة و الزجر
تعرف آليات المراقبة و الزجر قصورا كبيرا نظرا لعدة أسباب- سبقت الإشارة إليها في المبحث الأول- تتمثل في غموض النصوص القانونية و قدمها وعدم مسايرتها للتطورات الحاصلة في ميدان التعمير ، بالإضافة إلى قلة الموارد البشرية و ضعف تكوينها فضلا عن تعدد المتدخلين في الرقابة و عدم التنسيق بينهم .بالإضافة إلى محدودية الزجر بنوعيه الإداري و القضائي . و قد أفرزت هذه الوضعية مجموعة من النتائج السلبية نفصلها في النقطتين التاليتين :
- الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية ( الفقرة الأولى )
- الانعكاسات المجالية و البيئية ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية والأمنية .
أولا : التأثيرات الاقتصادية .
لا شك أن بقاء العديد من العمليات التعميرية و العقارية خارج نطاق القانون ، و بمنأى عن مراقبة السلطات العمومية يجعل الدولة و باقي الأجهزة العمومية الأخرى (مؤسسات عمومية و جماعات ترابية ) تتكبد خسائر اقتصادية و مالية ضخمة جراء عدم فاعلية المنظومة الرقابية في التعمير و ظهور الاقتصاد غير المهيكل .[16]
ثانيا : التأثيرات الاجتماعية و الأمنية .
يتبين أن المنظومة الرقابية الحالية في مجال البناء و التجزيء تفرز مشاكل اجتماعية كبيرة مرتبطة بالسكن فالفئات الفقيرة تحصل على السكن بمشقة ،و هذا السكن يأخذ شكلين إما سكن غير لائق خارج إطار القانون أو و شكل آخر في إطار التجزئات العقارية لكنه يكون عادة غير قادر على استيعاب عدد أفراد الأسرة مما يضطرها للاستقرار بدور الصفيح و ما يعنيه ذلك من تبعات على شتى المستويات ، الصحية و الثقافية و النفسية و الأمنية .[17] فعدم ضبط و مراقبة ميدان التعمير وخاصة موضوع منح الرخص و و الأذون الضرورية للقيام بعمليات البناء و جميع الإنشاءات الأخرى و تتبعها ، يؤدي إلى وقوع الكثير من الأخطار و الكوارث كالحرائق و انهيار المباني و حوادث السير[18]، بالإضافة إلى انتشار الجريمة .
الفقرة الثانية : الانعكاسات المجالية و البيئية .
يشكل العمران إحدى تجليات حضارات الأمم و الشعوب و موروثا ماديا لمختلف حقب التطور التي تمر منها الحضارات ، لكن مع ضعف مراقبة التعمير ظهرت مجموعة من الظواهر السلبية التي أدت إلى تشوه مورفولوجية المجال المغربي و ذيوع مختلف أنماط السكن غير القانوني : السكن الصفيحي و السكن العشوائي [19]. كما أن المدن المغربية شهدت في السنوات الأخيرة تدهورا كبيرا إثر ارتفاع نسبة التمدن و اتساع مجال التعمير غير القانوني نتيجة ضعف التخطيط و المراقبة ، مع ما يترتب عن ذلك من تلاشي البنيات التحتية وغياب المناطق الخضراء ، إضافة إلى ظهور مختلف الملوثات الناتجة عن الأنشطة الصناعية و تزايد أنواع النفايات الضارة التي تفرزها و انعدام القدرة على التحكم فيها .[20]
الفرع الثاني : تقييم السياسات الرامية للحد من المخالفات
لقد ظهر مشكل السكن غير اللائق منذ فترة الحماية ، وبعد الاستقلال وجدت الإدارة المغربية نفسها أمام مجموعة من المشاكل ، مما اضطرها إلى اتباع مجموعة من البرامج ، ومع بداية الستينات نهج المغرب سياسة التدخل في عين المكان .
الفقرة الأولى :المحطة الأولى للتدخل العمومي من سنة 1956 إلى 1975
سياسة التدخل العمومي كانت تتسم بوضع حلول جزئية ومرتجلة ، هذه الحلول زادت من استفحال ظاهرة السكن غير اللائق ، على اعتبار إدخال بعض التجهيزات الأساسية إلى أحياء الصفيح ، زادت من تفاقم الأزمة ، و أنها شجعت أكثر على الهجرة إلى هذه الأحياء ، وبالتالي زاد حجمها وتوسعت أكثر .
وكحلول جزئية أيضا تمت إقامة تجزئات وتجهيزها بالمرافق الضرورية لتحسين ظروف عيش هؤلاء السكان الذين شكلوا 40 في المائة من ساكنة المدينة سنة 1971 ، وكذلك عن طريق القيام بمجموعة من المشاريع ، كمشروع بام الذي ساهم فيه برنامج التغدية العالمي التابع للأمم المتحدة وبإشراف وزارة السكنى والتعمير ، والذي هدف إلى الحد من الهجرة ، عن طريق تركيز السكان في مناطقهم ، ومراعاة ضعف مدخولهم ، إلا أن هذا المشروع لم يلب كل الحاجيات ، بالإضافة إلى انعدام النزاهة في توزيع البقع .
ما يمكن أن نستنتجه هو أن سياسة التدخل العمومي في هذه الفترة عرفت تذبذبا وعشوائية ، حيث كانت تقوم بإعداد مشاريع ، هي في الحقيقة عبارة عن حلول ترقيعية وجزئية ، لأنها لا تقارب الأزمة في إطارها الشمولي وكذلك لغياب النزاهة والمواكبة الاجتماعية . كل هذه الأسباب جعلت ظاهرة السكن غير اللائق تتضاعف عوض أن تقل .
الفقرة الثانية :المحطة الثانية من سنة 1975 إلى 2000
لقد شكل القضاء على التجمعات الصفيحية أحد المحاور الأولية في مضامين مخطط 1973-1977 ، الذي شدد على ضرورة تعبئة أرصدة عقارية كافية لاحتضان البرامج السكنية ، والبحث عن مصادر التمويل ، داعيا إلى تبني سياسة إعادة الهيكلة 555 ظاهرة مدون الصفيح ، حسب ما جاء في توصيات المنظمات الدولية ( البنك الدولي ، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ) ، وذلك وفق تصور جديد لتدبير الأزمة قائم على التدخل في عين المكان وذلك من خلال :
- مشاريع التنمية الحضرية (دوار الدوم بالرباط سنة 1976) ، هذا التوجه الجديد يتجاوز العمليات التقليدية في ميدان السكن عن طريق الربط بين السكن والتجهيزات التحتية ، وإحداث مرافق تمكن من خلق فرص الشغل لساكنة أحياء الصفيح ، حيث يتم ضمان الحد الأدنى من الشروط المقبولة . كما دعى البنك الدولي إلى إشراك البلديات والوزارات التي لم يسبق لها المشاركة في عمليات التهيئة الحضرية . عموما هذه السياسة لم تعطي ثمارا بالشكل المطلوب لأنها كانت إنتقائية ، كما تولدت في هذه الفترة قناعة تتمثل في ضرورة أن تكون هناك سياسة وقائية ، تتمثل في تبسيط شروط الحصول على سكن اجتماعي ، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن :
- برنامج 200 ألف سكن سنة 1994 من قبل الملك الراحل الحسن الثاني ومساهمة المنعشين العقاريين سواء في القطاع العام أو الخاص وكذلك الجماعات والسلطات المحلية ، وتم تقديم تسهيلات ومزايا للمستفيدين والمنعشين على حد سواء .
الفقرة الثالثة :المحطة الثالثة : البرنامج الوطني مدن بدون صفيح
تميزت هذه المرحلة بوجود إرادة سياسية حقيقية للقضاء على السكن غير اللائق ، وذلك عن طريق البرنامج الوطني للقضاء على مدن الصفيح في أفق 2010 ، وقد شكل الخطاب الملكي المؤرخ في 20 غشت 2001 بمناسبة ثورة الملك والشعب الانطلاقة الرسمية لمحاربة هذه الظاهرة ،وقد تم تفعيل هذا البرنامج عن طريق :-إعادة الإيواء بمناطق التهيئة التدريجية ( الأحياء الصغيرة والمتوسطة) .
- إعادة الهيكلة وإعادة الإسكان .
كما تم ابتداع أسلوب عمل جديد يرمي إلى الدقة والفعالية مع الأخد بعين الاعتبار عامل الوقت في الإنجاز وتعلق الأمر بعقود المدينة والتي جاءت في إطار برنامج وطني تضامني تشاركي ينخرط فيه كل المتدخلين ، ويلتزم أطراف هذا العقد بتوحيد مجهوداتهم من أجل القضاء النهائي على مدن الصفيح ، وبالتالي شكلت هذه الفترة قفزة نوعية في سياسة التدخل العمومي .
المطلب الثاني:آفاق الحد من المخالفات
إن البحث في آفاق الحد من المخالفات يتطلب التوقف عند مقاربتين : المقاربة القانونية و المؤسساتية (الفرع الأول ) و المقاربة الشمولية ( الفرع الثاني ) .
الفرع الأول: المقاربة القانونية و المؤسساتية
تتطلب المقاربة القانونية و المؤسساتية للبحث في إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة ظاهرة استفحال مخالفات البناء و التجزيء ، التطرق للإصلاح القانوني ( الفقرة الأولى ) و الإصلاح المؤسساتي ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : الإصلاح القانوني
أبانت المقاربة المعتمدة للحد من المخالفات عن محدوديتها وعجزها في التصدي لها بفعالية و نجاعة لازمتين.
و من هذا المنطلق تأتي المقاربة القانونية الرامية إلى وضع آليات قانونية أكثر نجاعة يمكن إجمال عناصر هذه المقاربة فيما جاء به مرسوم ضابط البناء ( أولا ) و مستجدات مشروع قانون مراقبة وزجر المخالفات الواردة في مشروع قانون 12/66 ( ثانيا ).
أولا : مرسوم 24 ماي 2013 بالموافقة على ضابط البناء العام
يتكون هذا المرسوم من ستة أبواب و 49 مادة فضلا عن 8 ملحقات وتتوزع هاته الأبواب بين الغرض ونطاق التطبيق ومذكرة المعلومات التعميرية وتسليم الإذن بالتجزيء وإحداث المجموعات السكنية وتقسيم العقارات وتسليم رخص البناء والسكن وشهادة المطابقة ومساطر التدبير اللامادي للملفات وأخيرا مقتضيات عامة.
ويندرج هذا المرسوم في إصلاح المنظومة المحددة لتسليم رخص التعمير وإرساء قواعد جديدة للتنافس وتحسين مناخ الأعمال والاستقطاب الفعال للاستثمار فضلا عن الدفع بالجهوية المتقدمة خطوات إلى الأمام وتعزيز الديمقراطية بكل مستوياتها وإرساء مبادئ الحكامة الجيدة لتدبير الشأن العمومي ، كما ان هذا المرسوم يعتبر تفعيلا للمادة 59 من قانون 90/12 ، حيث جاء في المادة 59 من قانون90/12:"
تحدد ضوابط البناء العامة:
-شكل وشروط تسليم الرخص وغيرها من الوثائق المطلوبة...
-ضوابط السلامة الواجب مراعاتها في المباني والشروط الواجب توفرها فيها لما تستلزمه متطلبات الصحة والمرور والمتطلبات الجمالية ومقتضيات الراحة..."
وتحيل المادة 60 على أنه يصدر مرسوم تنظيمي بتحديد ضوابط البناء العامة.
*من أهم مستجدات مرسوم ضابط البناء العام ، نجد العناصر الآتية:
1-اعتماد المعيار الديمغرافي كأساس لإحداث الهياكل المكلفة بتدبير ملفات مشاريع التجزيء والبناء عوض التقييم التقليدي جماعات حضرية وقروية حيث جاء في المادة 10 ( يحدث الشباك الوحيد لدى الجماعات التي تتجاوز عدد سكانها 50000 نسمة وكذا على مستوى المقاطعات المشار اليها في المادة 48 من القانون 00/78 كما تم تغييره وتتميمه).
2-الشباك الوحيد لرخص التعمير على صعيد الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة واعتباره المخاطب الوحيد لأصحاب الشأن والمستثمرين ، وخولت له صلاحيات البث ودراسة الملفات والقيام بكافة التدابير اللازمة لمنح الرخص وكذا إعداد القرارات الإدارية التي تعرض للتوقيع وهو أمر أشارت إليه المواد 14-13-12-11-10.من المرسوم.
3-اللجنة الإقليمية للتعمير:بالنسبة للجماعات التي تقل أو تساوي ساكنتها 50 ألف نسمة حيث أنيط بها نفس مهام الشباك الوحيد للتعمير.
*ترك باب الاجتهاد والاقتراح للجماعات الترابية باتفاق مع السلطات المحلية والإدارات المعنية إمكانية إحداث الشباك الوحيد للتعمير بالنسبة للجماعات التي تقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة تجاوزا لكل إشكال قد يطرح بالنسبة إلى الجماعات التي تشهد تحولا عمرانيا ملموسا أو ستعرف تحولا ديمغرافيا مع مرور السنين.
4-تحديد عنصر الزمن والآجال الواجب احترامها في دراسة الملفات وإبداء الرأي ومنح الرخص حسب كل مشروع (المشاريع الكبرى والصغرى) سعيا لتقليص الآجال التي كانت موضوع عدة انتقادات.
5-التمييز بين الوثائق الأساسية والتكميلية المكونة للملفات ، و هاته الأخيرة لن تكون سببا لعدم قبول إيداع الملف أو رفض دراسته من اللجان المكلفة بذلك.
6-الإقرار بضرورة توفر الكفاءة والأهلية لدى الأشخاص الممثلين في حظيرة لجان دراسة وإبداء الرأي في الملفات لاتخاذ القرار في وقته دون تردد أو اتكالية والاختفاء وراء رأي مصلحة أو هيئة معينة.
7-تحديد أماكن إيداع الملفات : مكتب ضبط الشباك الوحيد للتعمير ،مكتب ضبط الجماعات ومقر العمالة أو الإقليم لتفادي الفوضى.
8-الإبقاء على الرأي المطابق الذي يبديه ممثل وكالة التعمير في حظيرة اللجان مما يجعل قرار رئيس المجلس الجماعي مشروطا إلى حد ما.
9-حصر مسطرة دراسة الملفات في المشاريع الكبرى والصغرى.
10-الإقرار بتعميم انضمام ممثل العمالة أو الإقليم إلى اللجنة المكلفة بمعاينة مشاريع طلبات رخص السكن والمطابقة مع فتح إمكانية الاعتماد على شهادة المهندس المعماري الذي يتولى تتبع وإدارة أشغال البناء عوض المعاينة التي تقوم بها لجان رخص السكن وشواهد المطابقة.
11- التنصيص على مساطر التدبير اللامادي المتعلقة بإيداع الملفات ودراستها وتسليم الرخص.
12- تكليف عمال العمالات أو الأقاليم بالسهر على أن تمارس الجماعات والإدارات والمؤسسات العمومية اختصاصاتها في إطار احترام الآجال المحددة قانونا من أجل تسليم رخص البناء والتجزيء وتقسيم العقارات وإحداث المجموعات السكنية ورخص السكن وشواهد المطابقة وتخويلهم حق اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة عدم احترام الآجال المحدد.
*من سلبياته:
1-اقتصاره على الجوانب المسطرية وعدم تناول جوانب من قبيل السلامة والصحة والمرور والجمالية والراحة...
2-إغفاله لرخصة الهدم.
3-عدم تعيين المرسوم لرئاسة اللجان المؤهلات المطلوبة في التمثيليات ضمانا لربط المسؤولية بالمحاسبة.
4-عدم تحديد النصاب القانوني الذي يسمح للجان بمباشرة أعمالها في حالة غياب أحد أعضائها الدائمين.
5-إغفال موضوع تسلم مشاريع التجزئات والمجموعات العمرانية وخصوصا الجانب المتعلق بتحديد الآجال.
6-عدم تحميل المرسوم واضعي المشاريع (المهندسين المعماريين أية مسؤولية مهنية أخلاقية).
ثانيا : مستجدات مشروع قانون مراقبة وزجر المخالفات الواردة في مشروع قانون 12/66.
-يمكن إجمال المستجدات التي جاءت في مشروع قانون 12/66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في ميدان التعمير والبناء وفق ما يلي:
1-توحيد وتبسيط مساطر مراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
2-التنصيص على تكليف مراقبين للتعمير سواء التابعين للوالي أو العامل أو الإدارة تمنح لهم صفة ضابط الشرطة القضائية بمزاولة مهامهم تحت إشراف النيابة العامة.
3-التأكيد على ممارسة مراقبي التعمير لمهامهم تلقائيا او بناء على طلب السلطة الإدارية المحلية أو رئيس المجلس الجماعي أو مدير الوكالة الحضرية بعد إبلاغهم من طرف الأعوان التابعين لهم بها أو بناء على طلب كل شخص تقدم بشكاية.
4-توسيع صلاحيات المراقبين وتمكينهم من الوسائل القانونية والمادية للقيام بمهام الرصد واليقظة والقيام بكل التدابير لإنهاء المخالفات في مهدها عن طريق المساطر الإدارية"الإنذار بالإيقاف الفوري للأشغال" وحجز المعدات المستعملة في البناء موضوع المخالفة وتعيين المخالف حارسا عليها ووضع الأختام أو عبر المسطرة القضائية بتخويلهم مهمة تحريك الدعوى العمومية.
5-التنصيص على تحريك محاضر معاينة المخالفات طبقا للشروط المحددة في قانون المسطرة الجنائية.
6-ربط المسؤولية بالمحاسبة فيما يخص تحديد صلاحيات مختلف المتدخلين من منتخبين وسلطة محلية ومهنيين.
7-توسيع نطاق التجريم ليشمل جميع المتدخلين والمهنيين عندما تصدر عنهم أوامر أو توجيهات تنتج عنها المخالفة أو تسهل في ارتكابها أو عدم تبليغها للجهات المعينة خلال 48 ساعة من علمهم بها وكذا بائعي مواد البناء بدون رخصة.
8-الرفع من مهنية القطاع بتعزيز صلاحيات مختلف أصناف المهنيين في المراقبة التقنية وكذا مراقبة معايير الجودة بغرض حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
9-اعتماد دفتر للورش وتعزيز عملية تتبع الأوراش المرخصة بإلزام رئيس المجلس الجماعي بتوجيه نسخ من الرخص والأذون والشواهد الممنوحة إلى السلطة الإدارية المحلية.
10-تنظيم تدبير افتتاح وإغلاق الأوراش وعرض إلزامية فتح ومسك دفتر للورش بتضمين جميع المعلومات والبيانات التي من شأنها تمكين المهنيين على الخصوص من ضمان وتتبع ومراقبة هذه الأوراش.
11-تعزيز المشروع للجانب الردعي للعقوبات من خلال إقرار عقوبات سالبة للحرية تتجلى في الحالات الآتية:
-إحداث تجزئات عقارية أو مجموعات سكنية في منطقة غير مسموح بها بموجب الأنظمة والقوانين الجاري بها العمل.
-في حالة البيع والإيجار أو قسمة أو عرض ذلك للبيع أو الإيجار لبقع من تجزئة أو سكن من مجموعة سكنية اذا كانت التجزئة أو المجموعة السكنية لم يرخص بإحداثها أولم تكونا محل تسليم مؤقت للأشغال (التجزيء السري).
-في حالة العود من جديد للمرة الثانية.
12- الرفع من قيمة الغرامات.
13-اعتماد عقوبة الهدم كعقوبة ردعية وسيطة بين العقوبات المالية والعقوبات السالبة للحرية.
14-تقنين عملية هدم البناء القانوني بإحداث لجنة إدارية مكلفة بالهدم وتنظيم مسطرة خاصة لذلك
و تبقى عملية تجميع النصوص القانونية في مدونة تحظى بتوافق و التزام جميع الفاعلين في الميدان أهم إصلاح قانوني يجب اعتماده للخروج من المعضلة التي تعرفها منظومة مراقبة و زجر المخالفات ، غير أن هذه الخطوة لابد أن يصاحبها إصلاح مؤسساتي ، و هذا ما سنبسط الحديث عنه في الفقرة الموالية .
الفقرة الثانية : الإصلاح المؤسساتي
رغم الأهمية التي يحظى بها الإصلاح القانوني في منظومة مراقبة و زجر المخالفات ، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية الإصلاح المؤسساتي ، و ذلك من خلال إعادة النظر في أدوار الفاعلين في ميدان المراقبة ( أولا ) و إصلاح القضاء ( ثانيا )
أولا : إعادة النظر في أدوار الفاعلين في ميدان المراقبة[21]
كما سبقت الإشارة إليه في المبحث الأول فإن مجال المراقبة يعرف تدخل العديد من البنيات و الأجهزة العمومية لذلك كان لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من قبيل :
- توضيح الاختصاصات الرقابية للمؤسسات المتدخلة .
- تفعيل التنسيق بين المتدخلين في ميدان المراقبة .
ثانيا : إصلاح القضاء
لا يمكن لأي منظومة زجرية أن تفعل ما لم تعتمد على قضاء فاعل و مستقل ، لهذا و في معرض الحديث عن الزجر في مجال مخالفات البناء و التجزيء كان لزاما اقتراح مجموعة من الإصلاحات التي تبدو ذات أهمية بالغة في هذا المجال ، و التي نوجزها فيما يلي :
- إقرار قضاء تعميري متخصص، لما له من إيجابيات على أداء الإدارة القضائية و على حقوق المتقاضين .[22]
- إعادة النظر في توزيع الخريطة القضائية [23]، و العمل على تقريب القضاء من المواطنين ، لأن في ذلك تقريب للعدالة .
رغم كل الإصلاحات التي يمكن اقتراحها في المجال القانوني و المؤسساتي فإن مجال البناء و التجزيء يبقى متوقفا على مقاربة تستحضر جميع العوامل التي أفرزت المشاكل التي يعرفها قطاع التعمير بصفة عامة . و هذا ما سيتم الحديث عنه في الفرع الموالي .
الفرع الثاني :المقاربة الشمولية
لاشك أن المقاربة القانونية أبانت عن قصورها- انطلاقا من التجارب السابقة-، لأنه مهما بلغت دقة صياغة القواعد القانونية و درجة صرامتها فهي تبقى دائما غير قادرة لذاتها أن تحقق الغايات المرجوة منها إذا لم يتم إسنادها بتوفير الوسائل الضرورية الكفيلة بإنجاح سياسة التعمير و مجال المراقبة والزجر على وجه التحديد.[24] لهذا كان لزاما اعتماد مقاربة شمولية تعتمد توفير الموارد البشرية و المادية الكافية و المؤهلة ( الفقرة الأولى ) و تفعيل أسلوبي الشراكة و التخطيط ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : توفير الموارد البشرية و المادية الكافية و المؤهلة
لا شك أن المراقبة و الزجر الفعال يتطلب توفر موارد بشرية كافية خصوصا مع التوسع العمراني الكبير الذي تشهده المدن المغربية ، فالسكن العشوائي أصبح يتكاثر كالفطر و البناء المخالف للقانون أضحى السمة البارزة في ضواحي جل الحواضر المغربية ، لهذا كان لزاما اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي نراها ضرورية من قبيل :
- تحسين أداء العنصر البشري [25] -سواء كان موظفا أو منتخبا -و ذلك عن طريق تكوينه و تحفيز ه و كذلك حمايته من أخطار المهمة التي يضطلع بها .
- تخليق الممارسة الرقابية و الزجرية .
- توفير الإمكانيات المادية الكافية للقيام بمهمة المراقبة و الزجر .
- إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها المنعشون العقاريون الذين يقدمون منتجا سكنيا رديئا و اعتماد مبدأ المواكبة الاجتماعية للفئات الهشة من أجل الحصول على سكن لائق و بثمن مناسب في إطار القانون.
الفقرة الثانية : تفعيل أسلوبي الشراكة و التخطيط
إن اعتماد استراتيجية تعميرية مرنة قائمة على أساس التشاور و تفعيل آليات التنسيق بين جميع المتدخلين في القطاع، تكون محفزة للاستثمار ، و تأخذ بعين الاعتبار إشكاليات العقار و أنظمته القانونية المتعددة و المعقدة، فضلا عن خصوصية مختلف الجهات بالمغرب و تنوعها الحضاري و العمراني، و هذا التصور مبعثه أن التعمير قد عرف تحولا جذريا سواء من حيث وظائفه أو أهدافه، كما أنه تصور ينطلق من الحلول التي قررها القضاء المغربي بمختلـــف تخصصاتــه ســواء المدني أو الــزجري أو الإداري في الأحكـــام و القرارات التي أصدرها بمناسبة عرض مشاكل و قضايا التعمير عليه. لهذا و لتفعيل أسلوبي الشراكة و التخطيط نقترح ما يلي :
- انخراط جميع المتدخلين والشركاء بتنسيق تام مع مصالح الوكالة الحضرية ومكتب الدراسات٬ من خلال تنظيم اجتماعات موضوعاتية تمكن من حصر المشاكل المطروحة و الإكراهات ،وكذا اقتراح الحلول الكفيلة بمعالجتها في إطار التشارك والتشاور التام والجدي من أجل إعطاء دفعة قوية للمشاريع التنموية التي تعرفها المدن والمجالات المحيطة بها .
- تكوين لجان على صعيد الدوائر لدراسة مشاكل كل جماعة على حدة بحضور كل الأطراف التي تعنيها عملية البناء، ودراسة مشكل منح الرخص،وتفعيل المراقبة الدورية فيما يخص مدى احترام المخططات التوجيهية والتهيئة و التنطيق والتنمية على صعيد كل دائرة.
-تبسيط مساطر منح رخص البناء، و التخفيف من الوثائق التي تثقل كاهل المواطن، في إطار مقاربة تشاورية بين المسؤولين.
- ضرورة العمل على تفعيل ما جاء في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول إعداد مشروع مدونة التعمير الجديدة بتاريخ 3 أكتوبر 2005 على اعتبار أن التعمير يندرج ضمن أهم محاور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك محمد السادس ، فضلا عن تعميق النقاش حول الخطوط التي تضمنتها وثيقة التشاور التي أعدتها الوزارة الوصية في الموضوع.
- الاهتمام بكل الجوانب المتداخلة بالتعمير وطنيا وضع استراتيجية وطنية واضحة مع الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية كل جهة على حدة وكذلك شموليا على مستوى كل القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية .
و هكذا كان هدفنا في هذا الفرع هو اقتراح تدابير لوضع مقاربة شمولية من بين أولوياتها التبسيط والمهنية و الفعالية والمسؤولية و ذلك لتجاوز القصور الذي يكتنف تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بمراقبة و زجر مخالفات البناء و التجزيء.
خاتمة :
من خلال ما سبق يتضح جليا أن مجال مراقبة مخالفات البناء و التجزيء مجال واسع و شائك ، يتداخل فيه الجانب القانوني و الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي ، لهذا فرغم آليات المراقبة و الزجر بنوعيها الإداري و القضائي فإن النتائج لم ترق إلى المستوى المطلوب نظرا إلى المعيقات القانونية المتمثلة في الثغرات و النواقص التي اعترت القانونين 90.12 و 90.25 ، و التي تتجلى أهمها في تدني العقوبات و عدم فاعليتها ، بالإضافة إلى السياسات العمومية في مجال التعميرالتي تميزت بطابعها الارتجالي ، دون أن نغفل دور العنصر البشري الذي يعتبر حجر الزاوية في هذا المجال ، حيث يعاني هذا القطاع من تعدد المتدخلين ومن خروقات المراقبين، إضافة إلى عجز السلطات العمومية عن تلبية حاجيات المواطنين في مجال السكن.
و هكذا جاء مرسوم البناء العام بمقتضيات قانونية لمحاولة معالجة الاختلالات التي اعترت القانونين السالفي الذكر ، بالإضافة إلى المقتضيات الزجرية الواردة في مشروع القانون 66.12 ، و لما كانت المقاربة القانونية غير كافية كان لزاما الأخذ بمقاربة شمولية ، تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المتدخلة في هذا المجال و تحاول الإحاطة بجميع جوانب الحل . و في هذا الإطار جاء الدستور المغربي لينص على مسؤولية الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية في تيسير أسباب استفادة المواطنين و المواطنات على قدم المساواة من الحق في السكن اللائق .[26] كما أن الخطب الملكية سارت على نفس النهج من ضرورة احترام القانون و نورد هنا مقطعا من خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 لثورة الملك و الشعب ، حيث قال : "فإن من الواجب التطبيق الصارم للقانون ، كي لا يتم تحريف تلك الاختصصات ( اختصاصات الجماعات المحلية ) و تحويل تلك الاستحقاقات ( أي الاستحقاقات الانتخابية ) إلى أداة زبونية و انتخابوية لجلب الأصوات بمنح رخص غير قانونية أو بالتشجيع الضمني للسكن غير اللائق."[27]
و من هنا لابد من تقديم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تلامس جوهر الحل المنشود لمعالجة ظاهرة السكن غير اللائق و الحد من المخالفات نوردها فيما يلي :
- تخليق الإدارة و القضاء
- تسريع وتيرة التنمية بالقرى و المدن .
- إشراك جميع الفاعلين في وضع مخططات و سن قوانين التعمير
- تبسيط مساطر الحصول على الرخص .
- عقلنة السوق العقاري و التصدي للمضاربات العقارية .
- الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في مجال التعمير .
- التحسيس بأهمية المجال العمراني و ضرورة الانضباط للضوابط القانونية و الجمالية .
لائحة المراجع :
· الدكتور الحاج شكرة : الوجيز في قانون التعمير المغربي ، الطبعة السادسة 2012 .
· محمد محجوبي : "قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية " الطبعة الثانية 2011 دار النشر المغربية الدار البيضاء
· محمد عمري – المنظومة الرقابية في مجال التعمير بالمغرب – قراءة نقدية – أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام – كلية الحقوق طنجة – السنة الجامعية 2013-2014
· الشريف البقالي : رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير ، الطبعة الأولى 2006 .
· هشام الخرفاش : رخص البناء بين موقف القضاء الإداري و أحكام القضاء الزجري ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، تخصص : القانون والعلوم الإدارية للتنمية ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – طنجة ، السنة الجامعية : 2010-2011 .
· فاطمة الزهراء البقالي : الرقابة في مجال التعمير العملياتي " رخصة البناء والتجزئات العقارية " ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – طنجة ، السنة الجامعية 2007- 2008 .
· _ محمد عوعو :" سياسة التدخل العمومي في مجال السكن غير: دراسة حالة مدينة القنيطرة " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة طنجة السنة الجامعية :2005 -2006 "
النصوص القانونية :
· الدستور المغربي لسنة 2011
· القانون 12.90 المتعلق بالتعمير
· القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية
· ظهير 1960 المتعلق بتوسيع العمارات القروية .
· مرسوم 24 ماي 2013 بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص
· مشروع قانون مراقبة وزجر المخالفات الواردة في مشروع قانون 12/66.
· قانون المسطرة المدنية
· قانون المسطرة الجنائية
· الميثاق الجماعي
· القانون 03.01 المتعلق بإلزام الإدارة بتعليل قراراتها .
· القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية .
· ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي بها .
· الدورية رقم 2911 المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية ، بتاريخ 12 ماي 2008 .
· الدورية رقم 11525 المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة العدل والوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير ، بتاريخ 13 يونيو 2003 .
[1] انظر المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية المغربية رقم 01-22 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-02-255 بتاريخ 3أكتوبر 2002 الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 30 يناير 2003 .
[2] الدكتور الحاج شكرة : الوجيز في قانون التعمير المغربي ، الطبعة السادسة 2012 ، صفحة 176 .
[3] نفس المرجع ، صفحة 122 .
[4] حكم رقم 1042 بتاريخ 13/07/2006 ملف رقم 05.1.333 صادر عن إدارية الرباط ، مذكور عند هشام الخرفاش : رخصة البناء بين موقف القضاء الإداري وأحكام القضاء الزجري ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، كلية الحقوق طنجة ، السنة الجامعية 2010-2011 .
[5] حكم رقم 1219 بتاريخ 05/10/2006 ملف رقم 05/01/399 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ، مذكور عند فاطمة الزهراء البقالي : الرقابة في مجال التعمير العملياتي "رخصة البناء والتجزئات العقارية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق ، كلية الحقوق طنجة ، السنة الجامعية 2007-2008 .
[7] الشريف البقالي : رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير ، الطبعة الأولى 2006 ، صفحة 307 .
8 الشريف البقالي : مرجع سابق ، صفحة 312 .
[9] فاطمة الزهراء البقالي : مرجع سابق ، صفحة 97 .
[10] حكم رقم 873 في الملف رقم 394 /99غ بتاريخ 2 نفمبر 2000 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ، مذكور عند هشام الخرفاش ،صفحة 66 .
[11] هشام الخرفاش : مرجع سابق ، صفحة 86 .
[12]فاطمة الزهراء البقالي : مرجع سابق ، صفحة 100
[13] فاطمة الزهراء البقالي : مرجع سابق ، صفحة 90 .
[14] هشام خرفاش : مرجع سابق ، صفحة 175 .
[15]هشام خرفاش : مرجع سابق ، صفحة 184 .
[16] محمد عمري – المنظومة الرقابية في مجال التعمير بالمغرب – قراءة نقدية – أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام – كلية الحقوق طنجة – السنة الجامعية 2013-2014 ص 228
[17] نفس المرجع السابق ص 257
[18] نفس المرجع السابق ص 261
[19] نفس المرجع السابق ص 271
[20] نفس المرجع السابق ص 294
[21] نفس المرجع السابق ص 349
[22] محمد عمري – نفس المرجع السابق –ص363
[23] محمد عمري – نفس المرجع السابق –ص364
[24] محمد عمري – نفس المرجع السابق –ص367
[25] محمد عمري – نفس المرجع السابق –ص368
[26] الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011
[27] مقتطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 لثورة الملك و الشعب ، بتاريخ 20 غشت 2001 _ محمد محجوبي مرجع سابق ص 101
التعليقات على الموضوع