تسيير المجالس من طرف المنتخبين

مقدمة :
يرتكز التنظيم الترابي في المغرب على اللامركزية المتمثلة في الجهوية المتقدمة و التي تتطلب وجود هيئات محلية قادرة على ربح رهان التنمية الترابية ، و ذلك من خلال تمتعها بالشرعية النابعة من انتخابات حرة و نزيهة ، و من خلال توفرها على المقومات الذاتية و الموضوعية الكفيلة بتدبير الشأن العام المحلي . و من خلال ملاحظة الواقع يبرز تأخر المجالات الترابية عن ركب التنمية ، على الرغم من توفر الإطار القانوني و المؤسساتي للتنظيم الترابي
، فأين يكمن الخلل إذا ؟ هل في الإطار القانوني ، أم في التنظيم المؤسساتي ؟ أم أن الأمر يتعلق بقدرة العنصر البشري على الاستفادة من هذه المكاسب في تسيير أفضل للهيئات المحلية .
ولمناقشة هذه الإشكالية وجب التطرق للنقطتين التاليتين :

-        المبحث الأول: دور المنتخبين في تسيير المجالس الجماعية
-        المبحث الثاني : تسيير المجالس الجماعية بين الإكراهات و الآفاق.

  المبحث الأول: دور المنتخبين في تسيير المجالس الجماعية

      يؤدي المنتخبون دورا هاما في تسيير المجالس الجماعية بالنظر لأهمية هذه المجالس في تدبير الشأن المحلي (المطلب الثاني ) و بالنظر كذلك للاختصاصات المنوطة  بهم (المطلب الأول).

المطلب الأول : ممارسة الاختصاصات

     أناط المشرع بالمجالس الجماعية عدة اختصاصات ؛ منها ما نص عليه الدستور ( الفرع الأول ) و منها ما نظمتها القوانين المتعلقة بالتنظيم الترابي و بالخصوص قانون 17.08 (الفرع الثاني )

الفرع الأول : الاختصاصات الدستورية

    نص دستور 2011 في الفقرة الثالثة من الفصل 135 على أن مجالس الجهات و الجماعات  تنتخب بالاقتراع العام المباشر ، و خصها باختصاصات متعددة نذكر من أهمها :
-المساهمة في تفعيل السياسة العامة للدولة ، وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين .(الفصل137)
-تمكين مجالس الجهات و الجماعات الترابية الأخرى من وضع آليات تشاركية للحوار و التشاور ، لتيسير مساهمة المواطنين و الجمعيات في إعداد برامج التنمية و تتبعها .(الفصل 139)
كما نص في الفصل 138 على اختصاص رؤساء المجالس المنتخبة في تنفيذ مقررات هذه المجالس .

الفرع الثاني : اختصاصات مجالس الجماعات الترابية

         نظم المشرع اختصاصات رؤساء المجالس الجماعية فيما يلي :
-         ممارسة السلطة التنفيذية و ما يتفرع عنها من صلاحيات (المادة 45 من القانون 17.08)
-         رئاسة جلسات المجلس (المادة 46 )
-         تنفيذ مقررات المجلس ( المادة 47)
     كما نظم المشرع اختصاصات مجالس الجماعات الترابية في المجالات التالية :
-         تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية : عن طريق إعداد مخططات التنمية الاقتصادية         و الاجتماعية ( المادة 36 من القانون 17.08)
-         المالية و الجبايات المحلية و تدبير الأملاك الجماعية .
-         التعمير و إعداد التراب.
-         إحداث و تدبير المرافق العمومية المحلية .
-         الوقاية الصحية و النظافة و البيئة.
-         التجهيزات و الأعمال الاجتماعية و الثقافية .
-         التعاون و الشراكة .
هذا فضلا عن الاختصاصات المنقولة و الاستشارية .
المطلب الثاني : تسيير المجالس الجماعية

    نظم المشرع تسيير المجالس الجماعية في الباب الخامس من القانون 08.17 و المتضمن لإحدى عشرة مادة تبين في فصل فريد نظام اجتماعات المجلس و مداولاته. و سنميز هنا بين بين دور الرئيس (الفرع الأول )  و دور المجلس (الفرع الثاني )


الفرع الأول : دور الرئيس

     يتجلى دور الرئيس في تسيير المجلس الجماعي  فيما يلي :
-         إعداد النظام الداخلي للمجلس بمساعدة المكتب .
-         الدعوة لعقد الدورات العادية و الاستثنائية  للمجلس.
-         طلب تمديد دورات المجلس الجماعي .
-         إعداد جدول أعمال الدورات و حصر الجدول النهائي.
-         طلب عقد اجتماع سري .
-         التوقيع على محضر الجلسات .
-         مسك و حفظ سجل المداولات .

الفرع الثاني : دور المنتخبين في المجلس

           يؤدي المنتخبون في المجلس الأدوار التالية :
-         تقديم طلب إدراج كل مسألة تدخل ضمن اختصاص المجلس في جدول أعمال الدورات و ذلك بصفة فردية أو جماعية .
-         تداول المجلس في المسائل المدرجة في جدول الأعمال .
-         التصويت على ما سبق التداول فيه.
-         التقرير في طرد كل عضو يخل بالنظام و يعرقل المداولات .
-         التقرير في عقد اجتماع سري .
-         التصويت على النظام الداخلي.

المبحث الثاني : تسيير المجالس الجماعية بين الإكراهات و الآفاق.

    إن تسيير المجالس الجماعية مسؤولية كل الفاعلين في تدبير الشأن المحلي ، كل حسب اختصاصه ،             و بالنظر إلى واقع هذا التسيير يتضح أنه يعاني من معيقات هيكلية تحول دون تحقيق التنمية المنشودة (المطلب الأول ) ، الأمر الذي  أصبح  معه من الضروري البحث عن حلول و بدائل لفتح آفاق أوسع لتسيير أمثل لهذه المجالس ( المطلب الثاني).

المطلب الأول : معيقات تسيير المجالس الجماعية .

تعترض تسيير المجالس الجماعية مجموعة من العراقيل نوجزها فيما يلي :
1-    تدني المستوى الثقافي للمنتخبين: ارتفاع نسبة الأمية في صفوف المنتخبين ، و حتى و إن توفرت الشهادة الابتدائية فإنها لا تخول للمنتخب القدرة على تسيير أفضل للمجلس الجماعي .
2-    ضعف التكوين في مجال تدبير الشأن العام المحلي ، حيث أنه رغم توفر المستوى الثقافي عند بعض المنتخبين ، فإننا نجدهم يفتقدون المهارات و القدرات التي تمكنهم من تدبير أفضل للشأن المحلي . و في نفس الوقت غياب التنظيم القانوني لتكوين المنتخب.[1]
     بالإضافة إلى ضعف القدرات التواصلية مع السكان و فعاليات المجتمع المدني و مع السلطات، و تراجع فعالية الدبلوماسية المحلية .


3-    الغياب كظاهرة تؤثر على تسيير المجالس الجماعية بفعالية .[2] حيث نجد ضبابية في الصيغة الإلزامية لتنزيل عقوبة الإقالة في حق العضو المتغيب عن دورات المجلس الجماعي .
4-    تراجع موقع الأخلاقيات في مجال تدبير الشأن المحلي[3] ( استغلال النفوذ ، الرشوة ، استغلال الظروف الاجتماعية للمواطنين .)
5-    غياب التحفيز المادي ( تعويضات هزيلة خصوصا في العالم القروي[4]) و المعنوي في تدبير الشأن المحلي خصوصا أن العمل الجماعي عمل تطوعي .
6-    الصراعات السياسية كمعطل لتحقيق التنمية و تسيير أمثل للمجالس الجماعية ، فالملاحظ غالبا في اجتماعات المجالس هو التغاضي عن المصلحة العامة و السقوط في دوامة المعارضة من أجل المعارضة و الحسابات السياسية الضيقة .
7-    سوء استعمال مقتضيات الإقالة :
-         رفض الحساب الإداري : حيث يعتبر التصويت على الحساب الإداري من أهم هذه الإجراءات  فالموافقة عليه تعني تصفية ذمة الرئيس و المكتب عن سنة من التسيير الإداري و تدبير المال العام ، بينما رفض الحساب الإداري يعني عكس ذلك . [5]
-         استعمال مقتضيات سحب الثقة من رئيس المجلس و نوابه .
8-   ضعف أو انعدام المراقبة الحزبية  البعدية للمنتخبين .
المطلب الثاني : آفاق تسيير أفضل للمجالس الجماعية

      من أجل تسيير أمثل للمجالس الجماعية و تدبير أفضل للشأن المحلي يمكن اقتراح الخطوات العملية التالية :
1- تفعيل الديمقراطية الداخلية للأحزاب و اعتماد معايير الشفافية و الاستحقاق في منح التزكية لخوض غمار الانتخابات .
2– تكوين المنتخبين و ذلك بخلق مراكز جهوية  أو إقليمية للتكوين في مجال تسيير المجالس الجماعية  بصفة خاصة و في تدبير الشأن المحلي بصفة عامة و تنظيم هذا الإجراء قانونيا ، أو اللجوء في إطار الشراكة  إلى  تنظيم دورات للتكوين المستمر للمنتخبين . و هذا التكوين يجب أن يشمل جميع المجالات :
-         التدبير الإداري و المالي
-         القدرات و المهارات التواصلية 
3- الزجر القانوني للغياب : و ذلك بتفعيل مقتضيات المادة 20 من الميثاق الجماعي[6] التي تنص على إمكانية إقالة كل عضو تغيب لثلاث دورات  متتالية  دون سبب يقبله المجلس و ذلك بموجب قرار معلل ينشر بالجريدة الرسمية يتخذ من طرف وزير الداخلية بالنسبة للجماعات الحضرية
و الوالي أو العامل بالنسبة للجماعات القروية .
ويمكن تسجيل  ملاحظات على هذه المادة :
-         اشتراط  غياب ثلاث دورات متتالية لإقالة العضو .
-         صيغة عدم الإلزام في عبارة "يمكن " الواردة في المادة 20
-         عمومية في  عبارة " سبب يقبله المجلس".
    فالملاحظ هو أن هذه المادة لم تأت بمقتضى زجري للغياب ، لهذا وجب تعديلها من أجل ضمان تسيير  ومشاركة فعالة في تسيير  المجالس الجماعية .

4- علاج تراجع مستوى الأخلاقيات في تدبير الشأن المحلي عن طريق مجموعة من الإجراءات[7] :
-         تعزيز الاستقامة الإدارية
-         تعزيز الاستقامة السياسية عن طريق ضمان انتخابات حرة و نزيهة و تشجيع الأحزاب التي تقدم برامج ذات قدرة اقتراحية   .
5-الاهتمام بتحفيز المنتخبين ماديا و معنويا و ذلك على أساس المردودية في تسيير المجالس الجماعية  و تدبير الشأن المحلي بصفة عامة.
6- تحسيس المواطنين بأهمية حضوردورات المجالس  و متابعة أداء المنتخب في تسيير المجالس الجماعية لما لها من أهمية في  تفعيل رقابة المواطنين على المنتخبين . وفي نفس الوقت  تنمية الوعي لدى المنتخبين بأولوية الانتماء للجماعة و خدمة التنمية المحلية على الانتماء السياسي . وفي هذا الصدد يمكن الرجوع للفصل 60 من الدستور لنفهم من عبارة " يستمد أعضاؤه(البرلمان) نيابتهم من الأمة " لنقول بأن المنتخبين الجماعيين يستمدون نيابتهم من المواطنين عموما.
7- مدونة سلوك المنتخب[8] :
      تتجلى أهمية هذه المدونة في تحديد إطار عام لسلوك المنتخب تحكمه معايير الشفافية و استحضار أخلاقيات تدبير الشأن المحلي،  يلتزم بها كل الفاعلين .

خاتمة :

        يتضح مما سبق أن المشرع أناط بالمنتخبين المحليين اختصاصات متعددة تهدف إلى انخراطهم الفعال في تدعيم صرح اللامركزية  و دفع عجلة التنمية و إرساء أسس الديمقراطية التشاركية في إطار مجالس منتخبة ،  لكن هذا الرهان تعترضه عراقيل متعددة منها ما يتعلق أساسا بالعنصر البشري بصفته منفذا للمقتضيات القانونية و فاعلا في تدبير الشأن المحلي ، ومنها ما يتعلق بالإمكانيات المتاحة . لهذا لابد من  العمل على تظافر الجهود في إطار مقاربة شمولية لتجاوز هذه المعيقات.                   


لائحة المراجع :

1-            الدكتور ادريس جردان – تأملات حول الحكامة و التنمية الترابية بالمغرب –  مطبعة سبارطيل طنجة – الطبعة الأولى 2014

2-            الدكتور ادريس جردان – موقع الأخلاقيات في تدبير الشأن العام المحلي – مجلة طنجيس للقانون و الاقتصاد – مطبعة سبارطيل طنجة – عدد 8 سنة 2009

3-            الدكتورة ضياء السمن – الدور التنموي للجماعات المحلية على ضوء الميثاق الجماعي . مجلة طنجيس للقانون و الاقتصاد – مطبعة سبارطيل طنجة – عدد 8 سنة 2009

4-            الدستور الجديد للمملكة المغربية صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 –سلسلة المعرفة القانونية للجميع .العدد 53 – دار الإنماء الثقافي – الطبعة الثانية 2013

5-            قانون 17.08 المغير و المتمم بموجب قانون رقم 00.78 المتعلق بالميثاق الجماعي – سلسلة نصوص قانونية- مطبعة
RABAT NET MAROC  طبعة 2010





[1] الدكتور ادريس جردان – تأملات حول الحكامة و التنمية الترابية بالمغرب ص 204
[2]  نفس المرجع السابق ص
[3]  الدكتور ادريس جردان – موقع الأخلاقيات في تدبير الشأن العام المحلي – مجلة طنجيس للقانون و الاقتصاد ص 11
[4] الدكتور ادريس جردان – تأملات حول الحكامة و التنمية الترابية بالمغرب ص 160
[5]  نفس المرجع السابق ص 189
[6]  قانون 17.08 المغير و المتمم بموجب قانون رقم 00.78 المتعلق بالميثاق الجماعي – سلسلة نصوص قانونية
[7]  الدكتور ادريس جردان – موقع الأخلاقيات في تدبير الشأن العام المحلي – مجلة طنجيس للقانون و الاقتصاد ص 36
[8]  الدكتور ادريس جردان – موقع الأخلاقيات في تدبير الشأن العام المحلي – مجلة طنجيس للقانون و الاقتصاد ص 35 و 36

ليست هناك تعليقات