منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري ( الجزء الثاني)

السلام عليكم 
تحية لكل زوار موقع "مجلة القانون والعلوم الادارية للتنمية"


في البداية نلتمس منكم تشجيعنا لمزيد من المجهودات عن طريق وضع تعليق أسفل المقال والضغط على الاعلانات في الجانب الأيسر والأيمن وفي رأس الصفحة حتى نستمر في نشر مواضع أخرى وجديدة، وشكرا لكم مقدما.
الفصل الثاني : تقييم العمل القضائي في منازعات الوعاء الضريبي

يعتبر تقييم عمل المؤسسات  ضرورة أساسية لدعم وتأسيس كل الخطوات والإجراءات الإصلاحية على أسس واضحة وعملية.
والتقييم أصبح جزءا من التدبير الحديث لجميع المؤسسات بمختلف أشكالها، وفي هذا الإطار يلاحظ قلة الدراسات والأبحاث التي تعنى بتقييم العمل القضائي عموما والقضاء الإداري خصوصا، سواء داخل فضاء الجامعة المغربية أو من طرف مؤسسات البحث العلمي.
 وتجدر الإشارة إلى أن البنك العالمي قد حدد بعض المؤشرات وعناصر قياس أداء القضاء في تقريره الصادر سنة 1999(1).
 ويقصد بالتقييم معرفة القيمة، أي تحديد قيمة الشيء أو المعنى أو العمل ، أي وجه من أوجه النشاط، وذلك لهدف معني معلوم ومحدد من قبل.
ويهدف التقييم إلى الحكم على مدى التوافق بين الأهداف المرسومة له وبين ما حققه بالفعل، وترنو هذه العملية أيضا إلى معرفة مدى نجاح القضاء في إرضاء المتقاضين.
وحسب البنك الدولي، لقياس الأداء القضائي لا بد من الاعتماد على ثلاثة عناصر:

·       القانون الموضوعي.
·       صنع القرار القضائي.
·       الإدارة القضائية.
أما معاير قياس الأداء القضائي فهي :
·       أولا : المعيار الكمي-مقياس الفاعلية- :  ويقصد به فحص الخارج عن قيمة المخرجات القضائية على المدخلات القضائية.
·       ثانيا: المعيار الكيفي ـ مقياس الفعاليةـ : ويقصد به نوعية القضاء الجبائي أهو عادل وموثوق به ويمكن توقع أحكامه.
وهذه المعايير التي سنعتمد عليها في دراسة وتقييم أداء القاضي الجبائي خلال هذا الفصل، أولا لمعرفة أهمية عمل القاضي الجبائي في حماية حقوق الملزم ـ أي الفاعلية ـ ( المبحث الأول). وثانيا تحليل ومناقشة بعض الحدود التي تعيق عمل القاضي الإداري على أن يكون في مستوى تطلعات المتقاضين ـ مقياس الفعالية ـ ( المبحث الثاني).

1. العربي الكزداح.م .س  .ص 421.

المبحث الأول : أهمية عمل القاضي الجبائي في حماية حقوق الملزم.

إذا كانت المنازعات الجبائية هي وسيلة دفاع حقيقية بيد الملزم تمكنه من إقامة توازن نسبي بين ما عليه من واجبات وما له من حقوق في المادة الجبائية، وهي إضافة إلى ذلك تمكن من خلق حوار دائم وتفاهم مستمر بين فرقاء العلاقة الجبائية وتعطي المكلف فرصة المساهمة والمشاركة المباشرة في إعداد الدين الضريبي الواجب في حقه.(1)
ويروم هذا المبحث الغوص والنظر في الدور الذي لعبه القضاء الجبائي منذ إنشاء المحاكم الإدارية سنة 1993 في حماية حقوق الملزم وتكريس الضمانات المخولة له قانونا، خاصة وأن القانون الإداري هو قانون وليد الإجتهاد قضائي ومجال للخلق والإبداع، كما أن القاضي الإداري يلعب دورا تفسيريا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية وبالتالي فهو يشكل مصدرا من مصادر القانون الجبائي.
فما هي مجالات هذه الحماية ؟ وما هي المنهجية المعتمدة من طرف القاضي الإداري في ذلك ؟

الفرع الأول:  تأصيل بعض القواعد لصالح الملزم

كما سبق الذكر فإن المنازعات الإدارية هي ملك للمحكمة وليس للخصوم، وأن القاضي الإداري يلعب دورا إيجابيا ملموسا في توجيه الدعوة الوجهة الصحيحة.
وفي هذا السياق عمل القاضي الإداري المغربي بالرغم من حداثة التجربة بالمغرب من تأصيل بعض القواعد لصالح الملزم سواء في الجانب المسطري ( المطلب الأول) أو في جانب موضوع الدعاوى التي طرحت أمامه ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول : على مستوى تطبيق القواعد الشكلية المتعلقة بالطعن القضائي

التجربة العملية للعمل القضائي بالمغرب تؤكد أنه يحسم في العديد من الملفات أساسا في الشكل ويتشدد في ذلك ( الصفة، الوثائق، ...)، لكن بالرغم من ذلك فإن القاضي الإداري حاول إيجاد العديد من الحلول لهذا الإشكال بالتخفيف والتلطيف من بعض القيود المسطرية على مستوى الآجال ( الفقرة الأولى ) أو بعض الإجراءات المسطرية ( الفقرة الثانية) .

1. عبد الرحمن أبليلا " المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق " م.س ، ص 50. وللمزيد من التفصيل أنظر زكريا بيومي المنازعات الضريبية في ربط الضريبة ، مطبعة القاهرة، 1990، ص 301 ,
الفقرة الأولى : على مستوى الآجال
تنقسم الآجال بالمسطرة المدنية إلى آجال السقوط و آجال التقادم .
فآجال السقوط هو الأجل المحدد من طرف قانون المسطرة المدنية لرفع الدعاوى أمام المحاكم واستئناف الأحكام والطعن فيها بالنقض أمام المجلس الأعلى وغيرها من الإجراءات التي تقام أمام المحاكم.
أما آجال التقادم هو المدة التي يحددها القانون لسقوط الدعوى الناشئة عن الإلتزام طبقا للفصول 371 إلى 392 من ق.ل.ع . 
وفي هذا الإطار نذكر بعض مظاهر تلطيف المسطرة على مستوى آجال السقوط.
1.    قبول دعوى المنازعة في ربط الضريبة ولو قدمت قبل الأوان:
استقر القضاء الإداري على القول أن اللجوء إلى الطعن القضائي قبل جواب الإدارة أو انقضاء الأجل المحدد لجوابها وهو الستة أشهر الموالية لتاريخ تقديم الشكاية ( م 114 من قانون 89-17) أثناء سير الدعوى، لا تأثير له على قبولها، ذلك أن جواب الإدارة خلال المسطرة القضائية تكون قد حددت موقفها من شكاية الطاعن وذلك ما لم تكن القضية قد أصبحت جاهزة للحكم.
2. قبول المنازعة في ربط الضريبة ولو رفعت خارج الأجل المحدد قانونا متى دخلت الإدارة مع المشتكي في حوار خلال أجل البث في الشكاية:
إذا كانت مقتضيات الفصل 114 من القانون 89-17 ومثيله في الثلاثية الضريبية يحدد أجل جواب الإدارة عن شكاية الملزم في ستة أشهر من التاريخ المثبت لتوجيه مطالبته حول ذلك وحتى إذا لم تجبه عن تلك الشكاية، عليه رفع الدعوى داخل الشهر الموالي لانقضاء أجل الجواب أي الشهر السابع، فقد تعمل الإدارة في سبيل التحقق من شكايته إلى مطالبته بالإدلاء بالوثائق المثبتة لدعواه، وفي النهاية لا تجيبه عن شكايته وعند رفع النزاع القضائي تثير في مواجهته الدفع بعدم القبول لعدم احترام أجل الطعن القضائي.
وفي هذا الإطار ذهبت الغرقة الإدارية في قرار عدد 482 ملف 635/4/04( 1) إلى القول بأن مطالبة إدارة الضرائب المشتكي بالإدلاء بالوثائق المتبثة لشكايته، يفتح له أجلا جديدا لاحتساب أجل الطعن القضائي و ويحضى بقبول المنازعة التي تقدم داخل الأجل القانوني انطلاقا من أجل المطالبة بالوثائق وتبليغها للملزم.
3. قبول الطعن القضائي متى قدم داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ بقرار رفض الشكاية حتى ولو ثبت أن هاته الشكاية قد قدمت لدى إدارة الضرائب خارج الأجل القانوني لتقديمها :
 لئن كان القانون الضريبي ينص على تقديم الشكاية المتعلقة بربط الضريبة داخل أجل الستة أشهر من تاريخ التبليغ بالإعلام الضريبي، فإنه إذا تباطأ المعني بالأمر في تقديم هاته الشكاية أو قدمها خارج الأجل القانوني المحدد لتقديم المطالبات كما هو منصوص عليه بالفصل 114 من قانون 89-17، ومع ذلك لم تنتبه إليه الإدارة وتجيبه عن موضع شكايته فيعمد إلى رفع منازعته حولها داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ، وفي هاته
1.محمد قصري . م.س  ص 80.
الحالة اعتبر القضاء الإداري أن طعنه يبقى مقبولا شكلا لتقديمه وفق الشروط والآجال المنصوص عليها في الطعن القضائي( 1)
4. قبول الطعن في مقر إدارة الضرائب ولو قدم خارج الشهر السابع الموالي لأجل الستة أشهر المحددة لجواب الإدارة متى قدم داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ به :
بالرغم من أن القانون الضريبي حدد أجل الطعن القضائي في الشهر السابع الموالي لانقضاء أجل الإدارة للجواب، فإنه قد يحدث أن تتباطأ الإدارة في الجواب خارج الآجال ويتقدم الملزم بطعنه بعد ذلك. وجوابا على هذا الإشكال ذهبت الغرفة الإدارية وهي تلغي حكم إدارية فاس التي قضت بعدم القبول " وحيث أنه ارتأت إدارة الضرائب تحقيق هذه الضمانة عن طريق الرفض الصريح بعد أن يكون الأجل قد انتهى ولم تبد في رفضها الصريح ما يفيد أنه مجرد تأكيد لأي رفض سابق كما هو الشأن في النازلة فلا مجال لحساب أجل الطعن الضريبي على أساس رفض ليس له محل وأن الحكم المستأنف وما قضى بخلاف ذلك يكون إحدى الضمانات التي تقررت لصالح من فرضت عليه الضريبة .(2)
الفقرة الثانية: على مستوى الإجراءات المسطرية
لقد خول القانون الضريبي لفائدة الملزم العديد من الضمانات والحقوق ذات طبيعة مسطرية منها  :
·       المسطرة التواجهية التي سبق الحديث عنها، اللجان الضريبية، و الضمانات أثناء الفرض التلقائي للضريبة، وكدا أثناء المرحلة القضائية التي استطاع القضاء الجبائي التأسيس لمجموعة من القواعد الرامية إلى التلطيف والتخفيف من حدة الإجراءات المسطرية، إلى جانب المراقبة الصارمة لمدى احترام الإدارة لحقوق الملزم خلال مسطرة تصحيح الأساس الضريبي أو الفرض التلقائي للضريبة.
ونذكر على سبيل المثال :
-        الدور الإيجابي للقاضي الإداري وهو ينظم الدعوى بتطبيق الفصل 32 من ق.م.م أخدا بعين الاعتبار خصوصية المنازعة الضريبية وذلك بالعمل على إنذار الملزم المدعي على تصحيح مقاله إذا شابته عيوب شكلية، أنه بإمكانه تصحيحها أثناء الدعوى، سواء تعلقت بالصفة، أو بأداء الرسوم القضائية أو بالتوجيه الصحيح للدعوى.(3)
             ـ قاعدة أن حرمان الملزم من مسطرة اللجان الضريبية رغم إخباره الإدارة بالرغبة في ذلك

1. حكم إدارية وجدة بالملف 121/2000 بتاريخ 5/12/ 2003.غير منشور.
2. قرار الغرفة الإدارية عدد 39 بتاريخ 15/1/2004. غير منشور.
وأعدت هذا التوجيه في قرارات أخرى منها : قرار عدد 1150 و 1202 الأول بتاريخ 4/1/2001 والثاني بتاريخ 7/8/2004.
3.عبد المعطى القدوري " الحماية القضائية للملزم في مجال المنازعات" مقال بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 19-1997 ص 46-47- .حكم إدارية أكادير، رقم 67/95 بتاريخ 27/7/95 غير منشور.
يجعل الضريبة المفروضة في هذا الوضع قمينة بالإلغاء.(1)
     *   عدم جواز الزيادة في المقدار الضريبي المؤسس على التقدير الموضوعي للخبير : "حيث إن اعتماد  الخبير في تقديره لرقم المعاملات على معطيات موضوعية ومدققة لم تبد الإدارة الضريبية أي معارضة أو تحفظ بشأنها يقتضي الحكم ببطلان الضريبة فيما زاد على تقديرات الخبير".(2)
-        قبول المنازعة الضريبية دون أن تكون مسبوقة بالطعن الإداري في حالة القول بخرق مسطرة فرض الضريبة مثلما جاء في حكم" حيث إن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أن وجوب التظلم معلق على سبقية إشعار الملزم حسب الفصل 28 من القانون المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة "(3)
·       قبول المنازعة المتعلقة بالرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها ولو دون التقيد بمسطرة الفصل 43 ـ حاليا الفصل48 من قانون 78.00  ـ من ظهير 30/9/1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي : " حيث إن المنازعة في فرض الضرائب والرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها منظمة بمقتضى القانون رقم 30.89 والذي حدد الفصل 16 منه إجراءات مسطرة التظلم قبل عرض النزاع على القضاء فكانت مسطرة الفصل 43 من قانون التنظيم الجماعي بدون محل في مثل هذه القضايا .."(4)
ـ يعتد بالتظلم ولو رفع إلى جهة غير مختصة ما دام أنه بإمكان الجهة المتظلم لديها لارتباطها العضوي بالجهة المعنية بالتظلم إحالة التظلم إليها.(5)
 هذه بعض الإشارات بخصوص الإجتهادات التي ساهمت في التخفيف من حدة العوائق الشكلية التي تميز المسطرة الضريبية، فما هي إضافات القضاء الجبائي على مستوى الموضوع ؟.
المطلب الثاني: على مستوى تطبيق قواعد الموضوع
إن استقراء الاجتهاد القضائي في مادة المنازعات الجبائية، يعتبر من الأهمية بمكان خاصة بعد إنشاء المحاكم الإدارية، ولا يقتصر إبداع القضاء الإداري على مستوى التخفيف من الشكليات المسطرية بل يمتد الأمر إلى الموضوع وهو الأساس لحماية حقوق الملزم دون المساس بالمال العام، مسترشدا في ذلك بمجموعة من القواعد والمبادئ (الفقرة الأولى). وكذا قبول دعوى الإلغاء في مجال المنازعات الجبائية بالرغم من أنها تنتمي إلى القضاء الشامل( الفقرة الثانية).
1. عبد الرحمن أبليلا " المنازعات الجبائية  بالمغرب بين النظرية والتطبيق"  م.س ص 305.
2.   العربي الكزداح. م.س  ص 455.
3. قرار الغرفة الإدارية بالملف 1140/15/1/98 ذكره ذ.قصري . م.س ص 84.
4. قرار الغرفة الإدارية عدد 370 بالملف 838/4/2/2001 ذكره ذ.قصري . م.س ص 85.
5. حكم إدارية فاس ملف عدد 391/01/ بتاريخ 5/10/2001 غير منشور.

الفقرة الأولى : تفعيل بعض مبادئ القانون الضريبي
يتميز القانون الضريبي بمجموعة من الخصوصيات ومنها المبادئ والقواعد التي يخضع لها ويجب على الفقيه والقاضي أخدها بعين الاعتبار، وفي هذا الإطار سوف نعرض بعض هذه المبادئ :
·       تفسير القانون الضريبي تفسيرا ضيقا :
وهذا المبدأ  مقرر في التشريعات الضريبية لأغلب الدول ويؤكده كل من القضاء الفرنسي والمصري والمغربي.
وقد أكدت المحكمة الإدارية بأكادير هذا المبدأ وطبيعته في تفسير قانون 30.89 المتعلق بالضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها واعتبرت اللوحة المهنية لكل من المحامي والطبيب خارجة عن نطاق تطبيق القانون الضريبي المذكور، وأكد المجلس الأعلى هذا الاتجاه. (1)
والمغرب كباقي الدول الحديثة يسود تشريعه مبدأ عام، وهو وجوب فرض الضريبة بقانون ( الفصل 17 من الدستور) .
·       الشك في مدى النص الضريبي يفسر لصالح الملزم
إذا كن الشك يفسر لصالح المتهم في المادة الجنائية فإن الشك في المادة الضريبية كذاك يفسر لصالح الملزم، وتطبيق هذا المبدأ في المادة الضريبية ما هو إلا نتيجة حتمية لتطبيق قاعدة تفسير القوانين الضريبية تفسيرا ضيقا.
·       استبعاد إمكانية  الأحد بالقياس في المادة الضريبية :

إن الأخذ بطريقة القياس في مادة الضرائب يعني تفسير النصوص الضريبية تفسيرا واسعا، وهو ما يخالف مبدأ التفسير الضيق الذي يميز ويطبع هذه المادة، لذلك فإن استبعاد طريقة القياس عن هذه المادة ما هو إلا نتيجة حتمية لتطبيق مبدأ التفسير الضيق المذكور آنفا.
ويؤكد هذا الطرح ما تحرص التنصيص عليه القوانين المالية في المغرب لكل سنة و المرخصة بتحصيل الضرائب المشرعة قانونا : من أنه يحظر تحت طائلة العقاب جنائيا استيفاء  الضريبة مهما كان الوصف، أو الإسم الذي تجبى به ، غير مأذون فيها بموجب  أحكام القانون.(2)

1. حكم إدارية أكادير، رقم 40/95 بتاريخ 8/6/95 وأكده قرار بتاريخ 15/2/1996 تحت رقم 100.ذكره عبد المعطي القدوري ، م.س، ص 47-48.
2. عبد المعطي القدوري. نفسه ص 48-49.

·       عدم رجعية القوانين الضريبية :
يستمد هذا المبدأ مرجعيته من المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 4 من الدستور القاضي بعدم رجعية القانون.
ولقد اتخذت المحكمة الإدارية بمكناس موقفا لصالح الملزم بأن ألغت إعلاما ضريبيا موضوعه تطبيق قانون بأثر رجعي، وقد جاء في الحكم مايلي :
" وحيث يتضح من وثائق الملف أن المدعين قد حصلا على رخصة البناء بتاريخ 11/5/1987 وذلك في إطار مشروع التنمية العقارية يهدف إنجاز عمارة للسكن، حسبما هو ثابت من وثائق الملف لذلك فهما يستفيدان من الإعفاء المنصوص عليه في الفصل الرابع من قانون 15/85 المؤرخ 4/5/1988 في فصله الثاني الذي  قد تراجع نسبيا عن الإعفاء الكلي من الضريبة المهنية والضريبة على الأرباح المهنية المذكورتين أعلاه، فإن ذلك التراجع لا يمكن أن ينسحب على الوقائع التي نشأت في ظل القانون القديم تطبيقا لمبدأ عدم رجعية القوانين ."(1)
وكذلك فإن مجلس الدولة الفرنسية(2) متشدد جدا في هذا المجال، وحريص على تطبيق هذا المبدأ في المادة الضريبية، ولا يتردد في إلغاء كل تطبيق يخالفه.
وبالإضافة إلى هذه المبادئ هناك العديد من القواعد التي أبدعها القاضي الجبائي :
-        رفض الازدواج الضريبي على نفس الوعاء.
-        توزيع عبء الإثبات بين الإدارة الضريبية والملزم.
-        حرمان الملزم من مسطرة اللجان الضريبية رغم إخباره الإدارة برغبته في ذلك يجعل الضريبة المفروضة في هذا الوضع قمينة بالإلغاء.
الفقرة الثانية : قبول دعوى الإلغاء في مجال المنازعات الجبائية
من المعلوم أن مشرع قانون 90/41 بإفراده المنازعات الضريبية بابا خاصا، هو الباب الخامس مستقلا عن الباب الثالث المتعلق بدعوى الإلغاء قد جعلها تندرج في إطار القضاء الشامل، وبالفعل فبتتبع عمليات تأسيس وفرض وتصفية وتحصيل الضريبة وما يتخللها من إجراءات وأعمال مادية مستمدة من القانون ، ولا تنشئ مركز قانوني، ويتضح أن القضاء الشامل هو الجهة الطبيعية المختصة للبث في المنازعات التي تثار بصدد هذه الأعمال والإجراءات.
وبالرغم من أن القضاء الشامل هو المجال الأنسب للمنازعات الضريبية، فيجب أن لا ننسى دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة من حيث صلاحية القاضي في إطارها، ومن حيث حجية الحكم الصادر على إثرها.

1. حكم إدارية مكناس عدد 7/94/3 بتاريخ 19/2/95، ذكره الباحث العربي الكزداح بأطروحته م.س ، ص 455.
2. عبد الرحمن أبليلا، م.س ص 305.
وقد أعاد الأستاذ جيل باشولبي في مؤلفه المنازعة الضريبية، أنه من خلال إطلالة سريعة على الاجتهاد القضائي الفرنسي خلال 20 سنة الأخيرة، اتضح له أن دعوى الإلغاء تمثل مكانة بارزة في المنازعات الضريبية، فأهم القرارات في مادة الضرائب صادرة في إطار دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة، لأن دعوى الإلغاء يضيف، لا توازيها أية دعوى قضائية.(1)
ولقد حدد القضاء الإداري الحالات التي يبت فيها كقاضي إلغاء  وهيكالتالي :
 أولا : القرارات الفردية المنفصلة
 يقصد بها القرارات التي تصدر في مادة الضرائب دون أن ينتج عنها قرار بفرض الضريبة، ومثالها القرارات الصادرة عن المجلس الجماعي في شكل مداولة والتي من شأنها إحداث رسوم بلدية والمقرارت العامة المتعلقة بتنظيم الضريبة .
وفي هذا الإطار فقد قبلت المحكمة الإدارية بفاس طعنا بإلغاء القرار الإداري الصادر عن المدير الجهوي للضرائب القاضي برفض تمكين الطاعن من شهادة الإعفاء من الضريبة بعد أن تبت لديها توافر شروط الإعفاء في حقه استنادا لمقتضيات قانون المالية الانتقالي 95-45.(2)
كما اعتبر القضاء الفرنسي القرار الصادر عن الإدارة الضريبية برفض طلب الملزم بتأجيل الإداء، قرار منفصلا خاضعا لرقابة قاض الإلغاء.(3)
 وكذا القرارالصادر بناء على تظلم استعطافي برفض الإعفاء أو التخفيض من ضرائب مباشرة فرضت على الملزم بصفة قانونية.(4)
ثانيا : القرارات التنظيمية
الاجتهاد القضائي في مجال دعاوى الإلغاء المتعلقة بالطعن في القررارت التنظيمية عرف تطورا مهما خاصة المتعلقة بالمناشير والتعليمات الضريبية الصادرة في ميدان الضرائب، وهكذا ألغى مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 4/5/1990 منشورا لأنه تضمن إضافات في القانون الضريبي فأضحى بذلك ذا طابع تنظيمي.(5)
كما أن المنشور الصادر عن وزير الداخلية الموجه إلى رؤساء المجالس الجماعية الذي يفسر فيه نطاق تطبيق القانون 30.89 والذي يوضح فيه أن اللوحة المهنية للطبيب والمحامي تعتبر خاضعة للرسم الجماعي ومشمولة بالفصل 192 من نفس القانون يعتبر قرارا إداريا يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء المخالفة للقانون،
وبالفعل تم الطعن فيه ،و قرر القضاء أن لوحة المحامي غير خاضعة لأي رسم جبائي.
1.  عبد المعطي القدوري، م.س ص 51.
2. حكم إدارية فاس رقم 124 بتاريخ 18/2/1998. ذ.محمد قصري . م.س ص 36.    
3. 4. مجلس الدولة : قرار 10/2/1984 و : قرار 18/12/1970 ذكرهما ذ.جميل باشولي ، المنازعات الضريبية ، طبعة 1994، نقلا عن عبد المعطي القدوري . م.س ص 53.
5.  عبد المعطي القدوري م.س ، ص 53.
أما بالنسبة للأجل القانوني للمنازعة في هذه المناشير والدوريات، فإنه أجل مفتوح لا يسري إلا من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية، وحيث أن هذه المناشير لا تنشر في الجريدة الرسمية فلا يوجد أي أجل للمنازعة في المنشور الضريبي أمام القضاء.
إذن تفعيل مبادئ القانون الضريبي وقبول دعوى الإلغاء في مجال دعوى المنازعة في وعاء الضريبة ساهما في دعم حقوق الملزم وتحقيق نوع من التوازن بينه وبين الإدارة الضريبية.
الفرع الثاني : القاضي الجبائي ودوره في تشجيع الاستثمار
لقد تزايد الحديث في السنوات الأخيرة عن دور القضاء في حماية الاستثمار، وهو ما ينم عن درجة الوعي بأهمية المؤسسة القضائية باعتبارها القاطرة التي يعول عليها في ركب التنمية.
وإن القوة التنافسية لبلد ما لا تحدد فقط بامكانياته الاقتصادية، وإنما أيضا بقوانينه، وعدالته، فالحماية القانونية والقضائية عنصران أساسيان في تدعيم القدرة التنافسية، وترسيخ مكانة الدولة كمصدر لجلب الاستثمارات، علما أن الهدف ليس فقط جلب الاستثمارات وإنما الحفاظ عليها وتشجيعها .(1)
وتعتبر السياسية الجبائية إحدى الآليات الأساسية لتحقيق هذه الغايات، فالضريبة ليست فقط موردا أساسيا بالنسبة لميزانية الدولة، بل هي أيضا أداة لتوجيه الاستثمار وتوسيع مردوديته وتحفيز الادخار.
وقد عمل المغرب على سن قوانين ضريبية خاصة بتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء،
فميثاق الاستثمار الذي صاغه المشرع المغربي بمقتضى القانون الإطار رقم 95.19 والذي حاول فيه تدارك عيب التشتت الذي طال النصوص السابقة وطابعها القطاعي يندرج في سياق تحسين مناخ الإستثمار في المغرب والرفع من جاذبيته.
لكن مهما كانت جادبية القوانين والإعفاءات الضريبية في مجال الإستثمار، فإن فعاليتها رهينة بكيفية تطبيقها من طرف السلطة القضائية.
وحسب رئيس المجلس الأعلى الحالي " فالاستثمار بدون عدالة لا يحقق الربح وحسب، بل يهدد الرأسمال نفسه، مما يؤدي ليس فقط إلى عدم استجلاب رأسمال الأجنبي، بل وتهريب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية الموجودة بالداخل."(2)
وبالتأسيس على ما سبق، تتضح معالم دور قضاء في تحقيق الحماية اللازمة للاستثمار، وحيث أن الضريبة تشكل إحدى المحددات الأساسية التي تتحكم في اختيارات المستثمر وطنيا كان أو أجنبيا، لذلك من الطبيعي أن تكون النزاعات المرتبطة بها، والحلول القضائية بشأنها من محددات هذا الاختيار أيضا.

1. ذمحمد لمزوغي " القضاء الإداري ومجال تدخله في حماية الاستثمار" المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 51-52 يوليوز – أكتوبر 2003. ص 31.
2.  ادريس الضحااك " أي مناخ لممارسة الحقوق أثناء الشغل" بحث ثم تقديمه في ندوة أكاديمية المملكة المغربية حول " حقوق الإنسان والتشغيل بين التنافسية والآلية " بتاريخ 22 ابريل 1996. ذكره ذ عبد العزيز يعكوبي م.س. ص 5.
ومن ثمة سنحاول الوقوف في هذا الفرع على مجالات و مظاهر الدور الحمائي للقاضي الجبائي للمستثمر ( المطلب الأول) وكذا التأصيل القضائي لحق المستثمر من الاستفادة من بعض الامتيازات في قطاعي التعليم الحر والمجال الصناعي ( المطلب الثاني)
المطلب الأول : الدور الحمائي للقاضي الجبائي للمستثمرين:
إن دخول القانون المحدث للمحاكم الإدارية حيز التنفيذ بظهير 10/09/1993 أدى فعلا إلى رفع مختلف العراقيل المادية والمعنوية التي كانت في ظل النظام السابق تعسر سبيل اللجوء إلى القضاء، وخاصة  عندما نص الفصل الثامن منه على الاختصاص الشامل في المجال الضريبي.
وقد عمل القضاء الإداري على حماية المستثمرين لما يتميز به من تبسيط لمسطرة التقاضي، تخصص الرقابة، وتعميق الرقابة ( الفقرة الأولى ) وكذا المنهجية المعتمدة في تفسير القوانين الضريبية والرقابة القوية على سلطة الإدارة في تقدير الجزاءات والغرامات ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : القضاء الإداري ودعم الاستثمار
إن إحداث القضاء الإداري والقضاء التجاري جاء في سياق التحولات الكبرى والمهمة التي عرفها المغرب مند سياسة التقويم الهيكلي وإعادة النظر في الدور التدخلي للدولة وفتح المجال أمام المبادرة الحرة، وتأهيل القوانين والمؤسسات والمجتمع لهذه الغايات، ولرفع رهان التنمية ومواجهة رياح العولمة العاتية.
فإنشاء المحاكم الإدارية جاء لهذه الأهداف و لطمأنة رأس المال الجبان كما يقال بإنشاء سلطة قضائية قادرة على مراقبة أعمال السلطة الإدارية والحد من أي شطط محتمل.
 وقد عرف المغرب بعد إنشاء المحاكم الإدارية موجة من الإصلاحات مثل تفويض الاختصاص للسادة الولاة والعمال، خلق المراكز الجهوية للإستثمار وتشجيع التدبير اللامتمركز للاستثمار، كما تم تحديث الترسانة القانونية المغربية : مثل مدونة التجارة ، قانون الشركات، ميثاق الاستثمار،قانون المنافسة، قانون البورصة، مدونة الصفقات العمومية، قانون حماية الملكية الصناعية.
وتوجت هذه الإصلاحات بإحداث محاكم الاستئناف الإدارية، وقد جاء في خطاب الملك بتاريخ 8 ماي 1990 " نطلب من المستثمرين أن يأتوا ليستثمروا عندنا، ولكن إذا لم يعرفوا أن بلادنا تنعم بالسلم والضمان الجبائي فإنهم لن ياتوا ".
    فإنشاء القضاء الإداري حقق عدة مزايا للمستثمرين :
و كما سبق الذكر أن القانون الجبائي من القوانين التي تتميز بالتشعب والتعقد، وأن إنشاء محاكم إدارية أسند إليها الحق في النظر في المنازعات الضريبية وذلك لتسريع الرقابة وجعلها أكثر فعالية وعمقا.
 بيد أن القضاء الإداري كقضاء متخصص له أثار إيجابية هامة، حيث يمكن من إيجاد الحلول المناسبة للاكتضاض الذي تعرفه المحاكم الابتدائية وكذا المجلس الأعلى، والذي كان السبب الرئيسي في التأخير الكبير للبث في الملفات.
فتخفيف العبء عن المحاكم الإدارية وعن المجلس الأعلى سيقلل من المستوى الكمي للقضايا المعروضة عليها، ويدفعها إلى الرفع من إنتاجيتها، كما أن المحاكم الإدارية بتخصصها في نوع معين من القضايا، لن تعرف الاكتضاض مما سيمكنها من الفصل من القضايا الداخلة في اختصاصها في أجال قصيرة، الشيء الذي سيستفيد منه كثيرا المؤسسات الاقتصادية خاصة وأن عامل الزمن له أهمية كبرى في نجاح المقاولة.
كما أن تخصص المحاكم الإدارية سيؤثر في طبيعة الرقابة ذاتها من خلال توسيع وتعميق هذه الرقابة على علاقة المستثمر بالإدارة.
وقد تجلى ذلك في ظهور فئة من القضاة المتخصصين والملمين بجميع جوانب ومعطيات الواقعين الإداري والاقتصادي، ومؤهلين لإيجاد الحلول المناسبة للنشاط الاقتصادي ومشاكل المستثمرين، خاصة وأن القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز لأنه خرج من رحمه ، بالتالي فإن العمل القضائي يساهم في ظهور اجتهادات تساهم في الدفع ببلادنا إلى الأمام.(1)
وبالفعل فإن القضاء الإداري ساهم في إيجاد الحلول واتخذ مواقف مشهود بها لدعم حقوق الملزمين وخاصة لصالح قطاع المال والأعمال حماية لهم من شطط الإدارة الضريبية، وكذا إعطاء تأويلات للنصوص تخدم العدالة الجبائية مثل:
·       التخفيف من الشروط الشكلية لقبول دعوى الضريبة.
·       التشدد في ضرورة احترام الإدارة للمسطرة الضريبية.
·       الحماية القضائية للملزم وللضمانات المخولة له تشريعيا.
·       إقرار حق الملزم في الإعفاءات الجبائية .
وهذه نقط سبق أن تناولناها خلال هذا البحث، وغيرها كثير.
الفقرة الثانية : المستثمر وهاجس الخضوع للضريبة
القاضي لا يجد عناء كبيرا في إعمال مقتضى النص كلما كان واضحا وغير قابل للتأويل،أما في الحالة المعاكسة فإن الأمر يتطلب منه مجهودا ذهنيا اجتهاديا لاستخلاص مضمونه الحقيقي انطلاقا من خلفيات وفلسفة كل تشريع. وإذا كان المشرع يراعي في صياغته للنصوص الوضوح والدقة منعا لكل تطبيق غير سليم أو لخطأ في التفسير إلا أنه يصعب عليه في كثير من الأحيان مهما بلغت درجة مهارته وحرصه أن يجعل من النص القانوني مستوعبا لكل الجزيئات الواقعية التي ينظمها، ومن ثم يأتي دور القاضي لاستكمال هذا الدور من خلال الاجتهاد.

1.  أمال المشرقي : " دور المحاكم الإدارية في حماية النشاط الاقتصادي " مقال ب م.م.إ.م.ت عدد 19. أبريل –يونيو 1997. ص 17،16.
- محمد لمزوغي " القضاء الإداري ومجال تدخله في حماية الاستثمار" مقال بـ م.م.إ.م.ت عدد مزدوج 51-52 يوليوز- أكتوبر 2003. ص 31-32.

 وقد شكلت القوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار بالنظر للغموض والالتباس الذي يعتري نطاق بعض مقتضياتها على مستوى التطبيق، مجالا خصبا للاجتهاد القاضي بهدف تحديد نطاق الإعفاء المقرر بمقتضاها.
ففي ملف شركة " تريكوفيل " نجدها  تتمسك بكونها تأسست بتاريخ 8/5/1987 وأنه بعد حصولها على الرخصة رقم 692/97 من بلدية مكناس شرعت في بناء محلها بالحي الصناعي، وأن أول عملية تجارية قامت بها كانت بتاريخ 25/2/1989 واعتبارا لمقتضيات المادتين 1و2 من قانون 13/8/1973 الخاص بتشجيع المؤسسات المصدرة لمنتوجات الصناعة العصرية والتقليدية، الممدد لمدة الإعفاء إلى عشر سنوات من الضرائب على الأرباح، في حين تتمسك إدارة الضرائب بكون الشركة المدعية لم تقم بأول عملية تصدير إلا سنة 1990 وبالتالي فإن القانون الواجب التطبيق هو قانون رقم 88/01 الصادر بتاريخ 4/5/،1988 والذي خفض الإعفاء لمدة خمس سنوات، وجوابا على هذا الإشكال اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها الصادر بتاريخ 1/8/2002، والذي تم تأييده بمقتضى قرار الغرفة الإدارية الصادر بتاريخ 28/6/2006 " أن المزايا المنصوص عليها بمقتضى ظهير 13 غشت 1973 تطبق على المؤسسات التي تمارس أو تعتزم ممارسة الأنشطة المقررة من أجلها هذه المزايا ومعنى ذلك، أن هناك ضابطين محددين لإمكانية الاستفادة من الإعفاء هما :
أولا الممارسة الفعلية للأنشطة المذكورة بعد نشر هذا الظهير، وثانيا هو اعتزام ممارسة هذه الأنشطة بعد نشره، وخلصت المحكمة إلى الحق المكتسب للشركة في الاستفادة من الإعفاء لمدة عشر سنوات.
 وهناك قرارات وأحكام متعددة تؤكد الحق في الإعفاء من بعض الامتيازات المقررة قانونا.
 بيد أن رقابة القاضي الجبائي على تقدير الإدارة في توقيع الجزاءات والغرامات يساهم في دعم وطمأنة المستثمر إلى جانب تأكيد وحماية الضمانات المقررة قانونا.
 فبعد إقرار القاضي لمبدأ مناعة سلطة الإدارة التقديرية من الرقابة من قبل القاضي الإداري نفسه، عرف هذا المبدأ تراجعا في إطار التطور الاجتهادي اللاحق.
وتطوير أليات الرقابة لاحتواء المجال التقديري في القرارات الإدارية لا يندرج في سياق تحقيق حماية أكبر للأفراد بما في ذلك المخاطبين بالفرض الضريبي. وتمثل هذا التطور في اعتماد نظرية الغلط البين في التقدير ونظرية الموازنة لرقابة جانب الملائمة في القرار الإداري.
وبخصوص موقف الغرفة الإدارية من رقابة سلطة الإدارة في تقدير الجزاءات والغرامات، أصدرت قرارا بتاريخ 16/01/2003 أوضحت فيه بأنه " ما دام أن الغرامات والجزاءات الأخرى ترتبت على المستأنف بطريق قانوني، ولا يطعن في شرعيتها، كما أن رفض الإدارة طلب إعفائه منها يستند إلى سلطتها التقديرية، وما دام لم يثبت أن قرار الإدارة يتسم بالانحراف والشطط في استعمال السلطة فإن قرارها يبقى قانونيا".(1)
1. الملف الإداري عدد 1657/4/1/ 2001 غير منشور.

 لا شك أن السلطة التقديرية المعترف بها لإدارة الضرائب في هذه الحالة تستهدف تمكينها من معالجة الأوضاع المختلفة بحسب ما تستحقه كل حالة على حدة، واعتبارا لذلك متى تبين أن الجزاءات القاسية المتخذة من قبل الإدارة  تؤدي إلى تأزيم الوضعية المالية للشركة والتعجيل بانهيارها، فإن الأمر في مثل هذه الحالات يستدعي رقابة تقدير الإدارة في توقيع الجزاء وبالتالي بإلغائه بناء على أنه مشوب بغلط بين في التقدير.
وجاء في قرار لمجلس الدولة الفرنسي : " تستهدف فرض قدر أقل من المنطق وحسن التقدير على رجال الإدارة، فإذا كان في وسعهم أن يختاروا فليس معنى ذلك أن يفعلوا ما يشاؤون."(1)  
وعليه فإن إنشاء المحاكم الإدارية ساهم في إلى حد مهم في حماية المستثمرين وفتح إمكانية الطعن في قرارات الإدارة أمام قضاء متخصص له دراية مهمة بالمجال الضريبي.
المطلب الثاني :  إقرار حق الملزم في الاستفادة من الامتيازات المقررة في مجال الاستثمار
لعب القضاء الإداري دورا هاما في تشجيع الإستثمارات العقارية والسياحية والصناعية وساهم بشكل فعال في التنمية الإقتصادية والإجتماعية بالبلاد عن طريق إقرار حق الملزم في مجال الإستثمار بمختلف أشكاله وخاصة قي مجالي التعليم الخاص ( الفقرة الأولى )  و الصناعي( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التحفيز على الاستثمار في قطاع التعليم الحر
في نازلة عرضت على القضاء الإداري تتعلق بتصنيف مؤسسة التعليم الخاصة وما إذا كانت تعتبر مؤسسة تجارية تؤدي نسبة أقل من محدد في 0.50% من واجب الحد الأدنى للاشتراك المنصوص عليه بالمادة 104 مكرر من القانون 89-17 أم نسبة 6% لصنف المهن المميزة بعلامة ف.
 وكانت إدارة الضرائب قد حددت هاته النسبة في النسبة الأعلى وهي 6% وتمسك الملزم بكون تحديدها في مواجهته كان بشكل مخالف للقانون و تم تعطيل الانتفاع بالامتيازات المقررة له في هذا المجال الاستثماري، وبعد أن بينت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى طبيعة مؤسسة التعليم الخاصة وأهمية الاستثمار في المجال التعليمي، والنصوص الجبائية المشجعة للاستثمار في هذا المجال انتهت إلى القول بأن مؤسسة التعليم الخاصة تعتبر مؤسسة تجارية وتستفيد من التخفيض المحدد لهذه النشاطات،  وحددت بالتالي نسبة الضريبة الواجب أداؤها  بمقتضى المادة 104 أعلاه في 0.50% بدل 6% المفروضة من طرف إدارة الضرائب حيث جاء في قرارها  ما يلي :
" حيث إن جوهر النزاع هو معرفة طبيعة مؤسسة التعليم الخاصة وهل الأمر يتعلق فعلا بمؤسسة تجارية أم مؤسسة مدنية لمعرفة نسبة الضريبة الواجب أداؤها من طرفها على الدخل العام".

1. عبد العزيز يعكوبي . م.س ص 25-26. القرار جاء في كتاب الدكتور سليمان الطماوي " النظرية العامة للقرارات الإدارية " دراسة مقارنة  ص 83. الطبعة السادسة .

 وكما أشار إلى ذلك الحكم المستأنف، فإن قانون 15/88 عندما أشار إلى إمكانية إحداث مؤسسة التعليم الخاص بواسطة أشخاص ذاتيين أو معنويين وما أمر به من تحفيز على الاستثمار في قطاع الضريبية، يكون قد أقر بمبدأ المشاركة في هذا المجال الذي يتحقق بالجمع بين عنصر رأس المال وعنصر الكفاءة العلمية من أجل استثمار زبائن والحصول على أرباح وعدم جواز حمل المؤسسة لاسم تحمله مؤسسة عمومية، مما يضفي على مؤسسة التعليم الخاص طبيعة العمل التجاري الصرف القائم على استثمار أموال بقصد جني الربح.
  وحيث ينتج مما سبق أن مؤسسة التعليم الحر قابلة لإضفاء الطبيعة التجارية عليها مما يكون جهة إدارة الضرائب عندما اعتمدت على نسبة الاشتراك المحدد في 6% بالنسبة لصنف المهن المميزة بعلامة ف حسب المادة 104 مكرر وليس على نسبة 0.50% قد أسست جدولتها لدى الضريبة الذي يحتمله المستأنف عليها على نسبة مخالفة لواقع النزاع وغير التي يقتضيها القانون المطبق بخصوصه.(1)   
الفقرة الثانية : التحفيز على الاستثمار في المجال الصناعي
لقد أحدث القانون 4/88 المتعلق بتشجيع الاستثمار في المجال الصناعي تدابير تحفيزية جديدة تهدف إلى تشجيع المقاولات على الاستثمار في هذا المجال، ونص الفصل 16 منه بما معناه أنه مجرد توسعة نشاط المؤسسة داخل المنطقة الرابعة بعد قبول البرنامج الاستثماري والمصادقة عليه من لدن إدارة الضرائب وباختيار المستثمر بشكل نهائي لا رجعة فيه لنظام تخفيض 50% من واجب الضريبة على الأرباح المهنية.
 فإن ذلك التخفيض يشمل الأرباح المحصل عليها من طرف المؤسسة ولا ينحصر فقط في نطاق تلك التوسعة، كما كان منصوص عليه بالفصل 19 السابقة بالقانون 17/82 قبل تعديله.
  وقد عرضت على القضاء الإداري نازلة من هذا القبيل تمسكت فيها شركة المشروبات الغازية بتوسعة نشاطها في إطار برنامج استثمار مصادق عليه ومقبول من طرف إدارة الضرائب، وأنها بذلك تكون محقة في تخفيض 50% من مبلغ الضريبة عن الأرباح المهنية، وكانت إدارة الضرائب قد متعتها بالتخفيضات المذكورة في حدود توسعة نشاط المؤسسة وتمسكت بهذا الإخضاع الضريبي.
    وذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى  وهي تقر حق الشركة الطاعنة بالاستفادة من التدابير التحفيزية والتشجيعية على الاستثمار في المجال الصناعي بتمتعها بتخفيض 50% من الضريبة على الأرباح المهنية عن حصيلة المؤسسة ككل، عملا بمقتضيات الفصل 19 من القانون 4/88 بعد تعديله، والذي وسع مجال الإعفاء بالنسبة المذكورة ليجعله شاملا لنشاط المؤسسة ككل وليس فقط في نطاق التوسعة كما كان معمولا به سابقا بالقانون 17/82 جاء في قرارها ما يلي :

1 .ذ محمد قصري، م س ،ص108 و109.

"لكن حيث يتضح من مراجعة تنصيص الحكم المستأنف أن المحكمة الإدارية عللت قضاءها بإلغاء المقرر
الضريبي الصادر عن إدارة الضرائب، بأنه يستفاد من الصياغة القانونية للفصل 19 من قانون 17/82 كما وقع تعديله بقانون 4/88 أن مجرد إحداث أو توسعة نشاط المؤسسة داخل المنطقة الثالثة، وبعد قبول البرنامج
الاستثماري والمصادقة عليه من لدن الإدارة الضريبية وباختيار المستثمر بشكل نهائي لا رجعة فيه، لنظام
تخفيض 50% من واجب الضريبة على الأرباح المهنية أو النظام الاستهلاك السريع.
 فإن ذلك التخفيض يشمل الأرباح المحصل عليها من طرف المؤسسة، ولا ينحصر ذلك في نطاق توسعتها لأن الفصل 19 بعد تعديله عبر بكلمة إحداث أو توسعة النشاط بمعنى أن أيا منهما يقضي إلى الاستفادة من تخفيض 50% في مبلغ الضريبة بالنسبة للمؤسسة ككل، ولو أراد المشرع خلاف ذلك لضمن الفصل المذكور عبارة في نطاق التوسعة فقط كما ورد بالفصل 19 المذكور قبل تعديله ... ولذلك فإن المحكمة المطعون في حكمها فقد طبقت مقتضيات الفصل 19 من قانون 17/82 الذي وقع تعديله بقانون 4/88 تطبيقا سليما وأولت مقتضياته تأويلا قانونيا ..." .(1)
   وتأسيسا على ما تم تناوله فيما تقدم، تبين أن العلاقة بين الجباية والاستثمار تعتبر على درجة من الأهمية والدقة، وكلما كانت هذه العلاقة مضبوطة وموزونة بالشكل اللازم، كلما ساهم كل منهما في إثراء الآخر، فلا يتصور قيام مشاريع استثمارية ضخمة وقوية دون سياسة جبائية حكيمة.
  ويعتبر القاضي الجبائي حلقة مهمة في صياغة هذه العلاقة فهو الحكم الذي يعطي القاعدة الضريبية بعدها الحقيقي، ومضمونها الاجتماعي والاقتصادي بين ما هو مقرر تشريعا وبين ما يفرزه التطبيق العلمي على مستوى العمل الإداري.
  ومن خلال السوابق القضائية التي تمت مناقشتها اتضحت الأهمية البالغة للاجتهاد القضائي في دعم الاستثمار وحماية المستثمرين .
  وعليه يتعين دعم هذه السلطة وتقويتها ودعمها بالوسائل الكفيلة لتحقيق قضاء نزيه عادل ومستقل. 
1.ذ محمد قصري، م س ،ص110.

المبحث الثاني : حدود العمل القضائي في المادة الجبائية

   إن تحليل ودراسة بعض حدود عمل القاضي الجبائي ليس الهدف منه التنقيص والتقليل من قيمة العمل القضائي الصادر في المادة الجبائية الذي ولا شك، ذو أهمية بالغة – كما سبق الذكر ــ بالرغم من حداثة تجربة المحاكم الإدارية كقضاء متخصص في نزاعات المواطن–الإدارة.
 بل إن هذه الدراسة تهدف إلى الكشف عن بعض الحدود لتجاوزها ولتطوير قضائنا الإداري والرفع من جودة عمله.
هذا مع الإشارة إلى أن هذا التقييم يبقى نسبيا بحكم قلة الأحكام المنشورة في المادة، بل والانتقائية حتى في النشر، دون أن ننسى الصعوبات البالغة التي واجهناها للحصول على الأحكام والقرارات التي قمنا بدراستها.
وتتنوع هذه الحدود إلى معوقات مرتبطة بالقاضي الجبائي نفسه ( الفرع الأول) ومعوقات مرتبطة بمحيط عمل هذا الأخير ( الفرع الثاني).
الفرع الأول: الحدود المرتبطة بالقاضي الجبائي
يلعب القاضي الجبائي دورا محوريا في تحقيق العدالة الضريبية، ودعم ثقة المتقاضين في القضاء الإداري. لكن لتحقيق ذلك، لا بد أن يتمتع القاضي الجبائي بمستوى عال من التكوين في المادة الجبائية ( المطلب الأول)، وأن تتميز أحكامه بالجودة اللازمة( المطلب الثاني)،وهما الأمران اللذان لا يتوفران إلى حد كبير في العمل القضائي الجبائي بالمملكة.

المطلب الأول : ضعف التكوين الضريبي للقاضي الجبائي

    من المعلوم أن المعهد العالي للقضاء وشروط الولوج إليه، تفترض الحصول على الإجازة في القانون الخاص مما يؤدي إلى غلبة التكوين المدني والخاص على قضاة المستقبل، خاصة بعد تعتر تجربة قبول طلبة القانون العام.( الفقرة الأولى) كما أن القانون الضريبي يتميز بالتشتت والغموض، وصعوبة ضبط الجوانب التقنية والمحاسبية له إلا من طرف المتخصصين في المجال، وغياب التكوين المستمر للقضاة.
 كل هذه العوامل وغيرها تنعكس بشكل سلبي على العمل القضائي الجبائي وعلى جودة الأحكام الصادرة( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التكوين المدني للقاضي الضريبي
يعاني القاضي الضريبي من محدودية التكوين في المادة الضريبية، ليس من حيث المساطر والإجراءات التي تتقاسم فيها المادة الضريبية مع المواد الأخرى، بل من حيث التخصص الفني والتقني المفترض للإلمام التام بالنازلة الضريبية، ويتجلى في تكوينه المدني الصرف داخل المعهد العالي للقضاء وتأثير ذلك على حسمه في جوهرها، الأمر الغاية في الأهمية بالنسبة لأطراف المنازعة الضريبية.
 ويرجع ذلك إلى تأثير الموروث التاريخي على تكوين القاضي الضريبي من جانب استمرار احتفاظه بالنهل من القانون المدني من أجل تسوية النزاعات الضريبية بالرغم من خصوصياتها، وبالرغم من نهاية عهد وحدة القضاء مع شروع المحاكم الإدارية سنة 1993في الاشتغال.
حيث أن القاضي العادي ظل في وظيفته إلى حدود سنة 1993 يتماهى مع القاضي الإداري بما أنه صاحب الاختصاص للبث في كل القضايا مهما كانت طبيعتها.(1)
هذا بالرغم من أن القانون الضريبي عليه إجماع من طرف الفقهاء على أنه قانون يتمتع بالاستقلالية عن القانون المدني ومن ثم فإن القواعد الواجبة التطبيق هي قواعد القانون العام وليس قواعد القانون الخاص.
هذا دون الحاجة للإشارة إلى حالة الطلاق غير الرجعي التي أعلنها رواد القانون العام عن القانون الخاص
 - ليون دوكي ورواد مدرسة المرفق العام مثلا -.
كما أن ضعف تكوين القضاة في المادة الضريبية، والتغيرات التي تعرفها القوانين الضريبية سنويا تجعل القضاة غير قادرين على مسايرة التطورات والتعديلات التي تعرفها.
بيد أن القانون الضريبي يتميز بالدقة والتعقد والتقنية مما يزيد من صعوبة القاضي في ضبطه واستيعاب فلسفته القانونية.(2)
  ويعمق هذا الأمر تطبيق قواعد المسطرة المدنية في الإجراءات أمام المحاكم الإدارية عن طريق الإحالة من القانون 90/41 على قانون الإجراءات المدنية، مع العلم أننا لم نكن نتوفر على مدونة للمساطر الضريبية إلا مع القانون المالي سنة 2005 حيث تم إصدار كتاب المساطر الجبائية.
وقد تجلى التكوين المدني للقاضي الضريبي أثناء العمل القضائي، فكثيرا ما كان يؤدي غموض النصوص الضريبية وصعوبة فهمها إلى اعتماد القضاء على قواعد القانون المدني مستعملا سلطته في التفسير التي لا تختلف بشيء عن تلك المستعملة في إطار المنازعة العادية.
  والحقيقة أن هذا التوجه قد يتناقض مع بعض المبادئ التي يقوم عليها القانون الضريبي.

1. نجاة العماري. م.س  ص 362،363.
2. Fayçal Sotih «  le contentieux de l’impôt des patentes » Mémoire de DESA 2000-2001 Université Agdal , Rabat, encadrée par Mohammed Sbihi. P 61.                                                                         
   - Mlle Lamiai Sophia «  les garanties du contribuable dans le contentieux fiscal » Mémoire de DESA, Université Agdal, Rabat, 2001-2002 p.102.                                                                             

إن هذه الخاصية كانت ولازالت تطبع القضاء الضريبي بالمغرب مما يحرم الخزينة والمكلفين على حد سواء من ضمانات كثيرة.
فقبل إنشاء المحاكم الإدارية صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22 مارس 1990 (ملف إداري 77-88 ) والذي جاء فيه ما يلي :
" حيث أن الفصل 62 من ق.ل.ع يقضي بأن الالتزام المبني على سبب غير مشروع يعتبر كأن لم يكن، وأن السبب يعتبر غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام ...
وحيث أن الأموال التي يمكن أن تجبى من بيوت الدعارة لا يمكن اعتبارها ربحا خاضعا للضريبة لأن محل الالتزام فيها غير مشروع ...
والحقيقة أن هذا الموقف لا يمكن التسليم به للاعتبارات التالية:
·       لم يراع ذاتية القانون الضريبي والذي لا يهتم بشرعية الفعل بقدر ما يهتم بموضوع الربح، فمتى تحقق الربح وجد وعاء الضريبة.
·       ظهير 1959 المتعلق بالضريبة على الأرباح المهنية، موضوع المنازعة في هذا القرار، لا يوجد به نص يحرم صراحة إخضاع الأموال التي يكون محل الالتزام فيها غير مشروع.
·       استناد المحكمة إلى المادة 62 من ق.ل.ع وهو قانون يطبق على الالتزامات العادية بين أطراف متساوية في الحقوق والالتزامات، في حين أن الالتزام  الضريبي مصدره القانون العام.(1)
وقد استمر هذا التوجه حتى بعد إنشاء المحاكم الإدارية والقطع مع عهد وحدة القضاء، فقد أصدرت المحكمة الإدارية لمكناس حكما ألغت فيه الضريبة العامة على الدخل المفروضة على نشاط جمعية رياضية استنادا إلى ظهير 1958 الذي يؤكد على غياب هدف الربح في نشاط الجمعية رغم أن الإدارة أثبتت بأن المستفيدين يؤدون واجبات مهمة من حيث مبلغها مقابل الاستفادة من التجهيزات الرياضية .
كما ذهبت إدارية فاس إلى أن عقد الكراء المبرم بين شخصين لا يعتبر عقد شركة ما دام العقد الأول ينصب على العقار، علما أن الحكم انطلق في تعليله من تعريف عقد الكراء حسب الفصل 627 من ق.ل.م ولعقد الشركة انطلاقا من الفصل 982 من نفس القانون.(2)
مما سبق يتضح بشكلجلي أن ضعف تكوين القاضي الإداري في المادة الجبائية يجعله ميالا لاعتماد قواعد القانون الخاص ، بالرغم من خصوصية القانون الضريبي واستقلاله عن باقي فروع القانون الخاص والعام الأخرى.
هذه الإشكالية لا زالت مطروحة وترتبط أشد الارتباط بقاعدة استقلالية القانون الضريبي أو اندماجه في
1. عبد الرحمان أبليلا ، م.س ، ص 294و295.
2. محمد شكيري . م.س  636.
     حكم رقم 46/95 بتاريخ 16/11/1995 منشور بمجلة المعيار، عدد 22 دجنبر 1996.

  المنظومة القانونية كباقي فروع القانون الأخرى أو بطبيعة خاصة.
    هذا مع العلم أننا أصبحنا نلاحظ انفتاح القانون الضريبي على باقي فروع القانون الأخرى وخاصة القانون الخاص،هذا من حيث تأويل النص الضريبي، أما من حيث الواقع فإن القضاء الضريبي غالبا ما يعتمد على الخبرة لتوضيح هذه الإشكاليات ولتحل محله في الحسم في المنازعات.

الفقرة الثانية : حلول الخبير محل القاضي الضريبي

   محدودية تكوين القاضي في المادة الضريبية يجعله ملزما في العديد من الحالات بانتداب الخبير ليفك طلاسم الوثائق ذات الطبيعة المحاسبية، خاصة وأن القاضي ملزم بالبث فيما أحيل إليه من القضايا بالرغم من الإكراهات التي قد يتعرض إليها، وإلا اعتبر وفقا للقانون الجنائي ناكرا للعدالة.
لكن مع ذلك فإن الخبرة تلعب دورا بالغ الأهمية في العمل القضائي كوسيلة تحقيق، والقاضي له الحق في انتداب الخبراء في المسائل التقنية والفنية لمساعدته على تكوين قناعته، لكن دراسة العمل القضائي للمحاكم الإدارية بالمغرب يؤكد حقائق أخرى منها :
 أن المحاكم تقضي بالخبرة حتى في المسائل القانونية،  فقد جاء في قرار للمحكمة الإدارية بوجدة ما يلي :
"إن تمسك أحد الأطراف بعدم مسك دفاتر تجارية منتظمة لا يغل يد القاضي عن الاستعانة بأهل الخبرة عند وجود أمور تقنية محاسبتية ضريبية يصعب على المحكمة الكشف عنها يجوز إسناد القضاء للخبراء بمأمورية البحث عن النص القانوني الواجب التطبيق متى وجدت حالة تشعب القوانين وكثرتها في مادة قانونية معينة ".(1)
لكن لا يجب التذرع بتعقد المادة الضريبية للحكم بالخبرة، فكل تقنية تحكم المادة الضريبية هي أيضا في جانب آخر مؤطرة بقاعدة قانونية، يفترض في القاضي العلم بها، والإلمام بها لكونها تدخل في صميم القانون الذي يفترض العلم به.
  بل إن رأي القاضي الضريبي حول الخبرة يذهب بعيدا حد الشعور بضرورتها حينما يجزم في أحد الأحكام " أن إجراء خبرة تقنية ضروريا" وفي بعض الأحيان من خلال أحكام عدة تقترن هذه الضرورة بموضوعية عدم القدرة على الحسم في الدعوى الضريبية في غياب الخبير، وذلك حينما يقتنع القاضي أن " المحكمة لا تتوفر على العناصر الكافية للبث في النازلة خاصة أن الأمر يتطلب تقنيات وعمليات حسابية دقيقة ..."(2)
1. حكم بتاريخ 5/5/1999 في الملف رقم 1/8 عدد 85/99 ذكره ذ.إبراهيم  أحطاب بمقال بعنوان " إشكالية الخبرة في المادة الجبائية" دفاتر المجلس عدد 8/2005 ص 277. مطبعة إليت.
2. د. نجاة العماري، م.س  ص 400و 401
 * الأمر التمهيدي بالملف عدد 84/94 بتاريخ 26-06-1995.
 * الأمر التمهيدي بالملف عدد 126/95 بتاريخ 03-07-1995.
أضف إلى ذلك أن هناك بعض الأوامر التمهيدية لا تحدد مهمة الخبير بشكل دقيق أوأنها تسند إلى خبير غير مؤهل للقيام بها لا يمكن أن ينتج عنه إلا صياغة تقرير وصفي، لا يفيد المحكمة في شيء أمام تزايد رفض الخبراء المؤهلين عمليا إسناد مهام الخبرة إليهم، مع أن أسماءهم مدرجة في جدول الخبراء.(1)
كما أن بعض الأوامر التمهيدية لا تحترم التخصص في تعيين الخبراء مما يترتب عنها نتائج سلبية من حيث المس بمصداقية الأحكام والإضرار بمصالح المتقاضين.
  إضافة إلى ذلك هناك بعض الممارسات اللأخلاقية( رشوة، محسوبية...) يقوم بها بعض الخبراء لفائدة الملزم تنعكس سلبا على العمل القضائي في المادة الجبائية وعلى حقوق الخزينة .(2)
  لكن الأخطر ما في الأمر هو المصادقة على أغلب التقارير المنجزة من طرف الخبراء عندما تكون محترمة للشكل المطلوب قانونا بالرغم من أن المحكمة غير ملزمة بذلك.(3)
  ودون مناقشة المآخذ المقدمة من طرف الدفاع، علما أن الحكم الذي لا يجيب على الدفوعات يكون معرضا للإبطال لمسه بحقوق الدفاع ولكونه ناقص التعليل الموازي لانعدامه، ومثال على ذلك الحكم الصادر عن إدارية البيضاء بتاريخ 8-9-1999 " حيث أن الخبرة مستوفية لسائر شروطها الشكلية والموضوعية لا يسع المحكمة إلا المصادقة عليها لكونها مطابقة للمادة 63 من ق.م.م".(4)
باستثناء قلة منها قد يشكك القاضي الضريبي في الخبرة المأمور بإجرائها في الحكم التمهيدي، فينتدب خبيرا آخر محل الأول.
 مما سبق يتضح أن سلطة فض المنازعات الضريبية قد عرفت انسيابا من القاضي إلى الخبير الذي أصبح هو الحاكم الفعلي والمقرر الحقيقي في ملفات المنازعات الجبائية أمام القضاء الإداري، وتحولت الخبرة من وسيلة تحقيق كما نص على ذلك قانون المسطرة المدنية، إلى وسيلة إتباث قوية.
ويرجع ذلك إلى ضعف التكوين الذي يعاني منه القاضي الضريبي في المادة الجبائية ومن تمة يتعين على القضاة بدل مجهود كبير لتجاوز هذا النقص وهذا التقصير.

1.  محمد الهني " إشكالية الخبرة في المادة المدنية " مجلة الإشعاع عدد 24 دجنبر 2001، نقلا عن ذ. إبراهيم أحطاب مرجع سابق ص 279.
2. محمد شكري، م.س . ص 637 نقلا عن سعاد بنور " العمل القضائي في المادة الجبائية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، كلية الحقوق البيضاء، 1999/2002.
3. lamiai Sophia , op.cit, p.103.
4. بالملف عدد 1713/7/99 ذكره ذ إبراهيم أخطاب ، م.س ، ص 279.

المطلب الثاني : الحدود المرتبطة بالأحكام

تعرف الأحكام الصادرة في منازعات الوعاء الضريبي التي ينتجها القاضي الضريبي العديد من الحدود سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع.
فالمشرع ألزم القاضي الضريبي النظر في مدى احترام المقالات للشروط الشكلية ونخص بالذكر الفصلين 1 و 32 من قانون المسطرة المدنية، ومختلف الشروط الأخرى المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب. تم مناقشة الدفوعات التي يتقدم بها الدفاع في الموضوع، لكن الملاحظ أن القاضي الضريبي يحسم شكلا في الدعوى الضريبية بشكل كبير ( الفقرة الأولى) ، بيد أن مضمون بعض الأحكام أثار العديد من الملاحظات والنقد ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : هيمنة الجوانب الشكلية على العمل القضائي

     باستقراء مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية للمملكة، يتضح أن الكثير منها تطرق فقط للمسائل الشكلية دون الخوض في مضمون المنازعة، فصدرت أحكام عدة بعدم القبول لوجود إخلالات شكلية غالبا ما تكون من جانب الملزم كعدم احترام ضوابط التظلم التمهيدي وآجاله و كذلك عندما تكون ملتمسات المدعين غير مطابقة لمقالاتهم بحيث لا يتبين القاضي مطالب المدعين .
و كذلك الحال حين تنصب المنازعة في وعاء الضريبة فترفع ضد محصل الضرائب.(1)
عوض أن ترفع ضد المدير الجهوي للضرائب لأنه هو الذي له الصفة في تمثيل الإدارة الضريبية، وليس الخازن الجهوي الذي له الصفة في التقاضي في دعاوى التحصيل فقط.
 والأمثلة على ذلك كثيرة في العمل القضائي للمحاكم الإدارية، ففي تقييم للأحكام الصادرة عن إدارية الرباط مثلا خلال سنة 1995 والتي يناهز عددها 65 حكما نجد أنها موزعة على الشكل الآتي:
-        عدد الأحكام القاضية بعدم قبول الدعوى: 28 حكما أي 43%.
-        عدد الأحكام القاضية برفض الطلب : 20 حكما أي 30%.
-        عدد الأحكام المستجاب فيها للطلب : 14 حكما .
-        الباقي يشكل تنازلا عن الدعوى .(2)
وكذلك الأمر بالنسبة للمحكمة الإدارية لمدينة الدارالبيضاء التي دأبت على معاقبة تجاهل الملزم للمقتضيات السابقة برفض دعواه الضريبية.
1. محمد شكيري، م.س ، ص 634.
2.  عبد الرحمن أبليلا، م.س  ص 312.                                                                                                                               
و من قبيل ذلك ما أصدرته بتاريخ 27-03-1996 في الملف 44/95 غ، حينما اعتبرت أنه تطبيقا للفصل 7 من قانون المحاكم الإدارية والفصلان 1و 515 من قانون المسطرة المدنية  تقرر عدم قبول الدعوى، لاختلال إحدى الشروط الشكلية الجوهرية في التقاضي التي هي الصفة ،الأهلية،والمصلحة المنصوص عليهم في الفصل الأول من ق.م.م ، وكذا توجيه الدعوى ضد جهة ليست لها صفة تمثيل الإدارة الضريبية( ف 515).
وفي الحكم رقم 1860 ملف 286/96 الصادر سنة 1997، والتي يبرز من خلاله أن الملزم قد وجه الدعوى ضد الخازن العام ووزير المالية و مديرية الضرائب المباشرة ومصلحة الضرائب لمدينة سطات وقابض مدينة برشيد والعون القضائي للمملكة، ولأن الحق كان حسب هذه المحكمة أن وزير المالية لا صفة له في تمثيل الدولة أمام القضاء، فإنها قررت رفض دعواه استنادا إلى الفصول المحددة للصفة.
وهكذا توالت مواقف المحكمة طيلة السنوات الأخيرة غير مكترثة بالنفاذ إلى جوهر الدعوى الضريبية، استنادا إلى إخلال المدعي بالعيب الشكلي السابق الذكر.(1)
 إن هذه الأحكام القاضية بعدم قبول الدعوى لاعتبارات شكلية وحتى لو كانت هذه الشكليات من النظام العام أو ذات طبيعة جوهرية، تؤكد المنحى الشكلي للقضاء الجبائي والرغبة في تجنب الغوص والنظر في الدعاوى الضريبية على مستوى الجوهر والموضوع.
   وكان أولى بالقاضي الجبائي في هذا المجال أن يفعل سلطته في إنذار الأطراف بتصحيح المسطرة.
                            فكيف هو العمل القضائي عند نظره في جوهر الدعوى الضريبية؟
الفقرة الثانية : ضعف الاجتهاد والابداع في موضوع الدعوى الضريبية

القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز، ذلك أن ظروف نشأته جعلته يلعب دورا هاما ومتميزا في ابداع الكثير من قواعد ومبادئ هذا القانون، خاصة في المجالات التي لم يكن يجد فيها حلا للنزاع المعروض عليه في المصادر الأخرى أي مصادر القانون الإداري.(2)
 لكن الأمر غير ذلك بالنسبة للمحاكم الإدارية بالمغرب خاصة في الملفات والقضايا الضريبية التي تتميز بالتعقد وهيمنة الجوانب المحاسبية، ويساهم في ذلك ارتفاع الحسم الشكلي الذي يحد من القدرة الإبداعية والاجتهادية  للقاضي الضريبي، لكن عندما ينظر في الدعوى من جانب الموضوع فإن حسمه لا يتعدى ما تشترك فيه المنازعات الضريبية مع باقي المنازعات من خصائص، مما يعد ضعفا من الناحية الاجتهادية.   ويوضح هذا الأمر بعض الأحكام المتعلقة بما يدخل في اعتبار الأسس الخاضعة للضريبة، سواء الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة، أو الضرائب المباشرة كضريبة التسجيل أو الضريبة العامة على الدخل.

1. نجاة العماري، م.س ، ص 379،378.
2.  أحمد سنيهجي " الوجيز في القانون الإداري المغربي" الطبعة الثانية 1998، ص 29.
  إلا أن هذه الأحكام لا تتعدى التطبيق الأوتوماتيكي للنصوص الضريبية الواضحة، بينما تفتقر أحكام القاضي الضريبي إلى تحديد المبلغ الضريبي الواجب الأداء، أو الحكم بالاسترجاع بعد احتساب المبلغ وتقدير الخصومات والإعفاءات الجزئية أو المرحلية.
ويظهر من أحكام أخرى أن المحكمة ما أن يظهر لها من وثائق الملف المعروضة عليها عدم مسك الملزم بالضريبة لأية أوراق محاسبية، حتى تقول بشرعية التصحيح المقام من طرف الإدارة الضريبية دون النفاد إلى مبلغه، فيعتبر ذلك كافيا لإخضاع الملزم للمبلغ المقدر من قبلها.
 هذا بغض النظر عن بعض قضايا البث في الجوهر، التي ترتكز المحكمة في الحسم فيها على بعض القواعد التي تخرج عن نطاق القانون الضريبي كالقانون التجاري، أو أن اجتهاده يقتصر على نقاط تظل قاسما مشتركا بين فروع القانون الأخرى والقانون الضريبي .(1)
كما أن القاضي الجبائي وبعد أكثر عشر سنوات من العمل القضائي لم يستطع تكوين رأي نهائي حول الطبيعة القانونية للطعن الجبائي، وإمكانية التعاطي مع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة في الميدان الجبائي، فبعض المحاكم الإدارية تذهب إلى حد رفض ممارستها باعتبار أن القضاء الشامل هو الميدان الطبيعي لممارسة الدعوى الجبائية، وتذهب محاكم أخرى إلى عكس ذلك بالقول بإمكانية ممارسة دعوى الإلغاء ولكن في نطاق ضيق ودون معيار واضح.(2)
هذا مع العلم، أن العمل القضائي في المادة الجبائية المتعلق بالوعاء يتميز بظاهرة سلبية تتجلى في انتفاء عنصر الوحدة الذي يعتبر من المستلزمات الأساسية للعمل القضائي داخل أي بلد، فتوحيد الأحكام والقرارات عامل مهم وأساسي لاستقرار أي نظام.
والحالات على موطن الاختلافات والتناقضات كثيرة في عمل المحاكم الإدارية، حتى أننا أصبحنا نجد أن كل محكمة إدارية تخلق توجها خاصا بها يتميز ويختلف عن الأخرى، والأمثلة عن هذه الظاهرة تطال قواعد مسطرية وموضوعية بالغة الأهمية : ( مسطرة التظلم الإداري، انعقاد الاختصاص للقضاء الاستعجالي  ...)
مما سبق يتضح بشكل جلي أن العمل القضائي في المادة الجبائية يعاني من حدود بالغة الأهمية مرتبطة أساسا بضعف تكوين القاضي الجبائي في المادة الضريبية مما يؤدي إلى اهتمامه بالجانب الشكلي على حساب  الموضوع وانسياب سلطة الحسم في الدعوى لفائدة الخبير.
إلا أنه إلى جانب هذا النقص الذي يعرفه عمل القاضي الجبائي هناك حدود مرتبطة بمحيط عمله.

1.  نجاة العماري ، م.س ، ص 394-395-396.
2. العربي الكزداح، م.س، ص 465،464.

الفرع الثاني :الحدود المرتبطة بمحيط القاضي الجبائي

ساهمت في الحد من تطور العمل والاجتهاد القضائي في المادة الضريبية إلى جانب الحدود المرتبطة بالقاضي الجبائي من ضعف التكوين في المادة الضريبية وضعف الاجتهاد على مستوى موضوع الدعوى الضريبية، عوامل أخرى مرتبطة بمحيط القاضي الجبائي أي المحيط الذي له علاقة مباشرة وتأثير كثير على عمل القاضي وتعاطيه مع الملف الضريبي ونخص بالذكر :
المشرع، المسطرة أمام القضاء الإداري، ضعف الوعي الجبائي لدى الملزم، و دور الدفاع.
كل هذه المستويات لها تأثير كبير في الحد من تطور مسار عمل القضاء الجبائي و إعاقة  القدرة على الاجتهاد وسد ثغرات المادة الجبائية ودعم ضمانات الملزم.
وسنتناول في هذا الفرع الحدود المرتبطة بدور المشرع والمسطرة أمام القضاء الإداري( المطلب الأول) ثم الحدود المرتبطة بالملزم والدفاع ( المطلب الثاني)

المطلب الأول: دور المشرع والمسطرة الضريبية   

    يلعب التشريع في المادة الجبائية دورا محوريا في تطوير العمل القضائي وحماية الملزم من أي شطط تقوم به الإدارة في حقه، وكذا مسايرة الاجتهاد القضائي وتعديل النصوص القانونية وفقه.
    كما أن المسطرة القضائية تبقى الحجر الأساس في ضمان العدالة الجبائية وتبسيط مقاضاة الإدارة أمام القضاء، إلا أنهما ساهما إلى حد ليس باليسير في الحد من تطور الاجتهاد القضائي.
   فالمشرع أقبر اجتهادات قضائية متواترة لسنوات ( الفقرة الأولى)، في حين أن المسطرة أمام القضاء الإداري وبخاصة المسطرة المتعلقة بالمادة الجبائية هي كذلك تؤثر على تطور الاجتهاد القضائي( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : دور المــــشرع

     كما سبق الذكر فإن الاجتهاد القضائي هو من كان وراء تأسيس قواعد قانونية خاصة بالإدارة، وميز بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص، ووضع أسس الدعاوى الإدارية.
ومن ثمة سمي القانون الإداري بكونه قانون قضائي لأنه تميز بعدم التقنيين بالنظر للتطورات الكبيرة التي عرفها و يعرفها:  
 وفي هذا السياق ظل القاضي الإداري يعمل باستمرار على سد الثغرات التي يعرفها التشريع عن طريق
خلق قواعد قانونية جديدة، ومع تواتر الاجتهادات القضائية يتبناها المشرع ويصادق عليها في شكل قوانين، وذلك حفاظا على خاصية أساسية من خصائص القانون الإداري، وكذلك القانون الجبائي الذي هو فرع من فروع القانون الإداري لأنه ينظم مجالا أساسي هو مجال الضرائب والرسوم التي تعد المورد الأساسي لميزانية الدولة .
إلا أنه للأسف الشديد فإن ما وقع هو خلاف ذلك بالمغرب، إذ عمل المشرع على تبني مواقف الإدارة و خالف بل وأقبر اجتهادات قضائية متواترة كانت تساهم في حماية الملزم وتأكيد الضمانات الممنوحة له، بالإضافة إلى مرور مختلف التعديلات التي تعرفها القوانين الضريبية بالقانون المالي السنوي والذي لا يعطي الوقت الكافي للبرلمانيين في مناقشته مناقشة كافية وتقديم التعديلات اللازمة عليه، دون أن ننسى طريقة التصويت على القانون المالي التي تحد من الحرية الكافية للفرق البرلمانية وخاصة المعارضة في تعديل البنود التي تمس بالضمانات المخولة للملزم.
وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال كتاب المساطر الجبائية الصادر سنة 2005 وخاصة الفقرة الأخيرة من الفصل العاشر من كتاب التبليغ الذي ينص على أنه " إذا تعذر تسليم التبليغ إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتشي الضريبة عندما يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسليم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية وتم إرجاع الوثيقة ببيان غير مطالب به أو انتقل من العنوان أو عنوان غير معروف أو غير تام أو أماكن مغلقة أو خاضع للضريبة غير معروف بالعنوان، في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالي لتاريخ إثبات تعذر
التسليم ." (1)
     هذا الفصل جاء ليجهض جميع الضمانات التي نص عليها قانون المالية لسنة 1995 وقد جاء ردا على العديد من الاجتهادات القضائية التي سبق أن تناولناها إبان الحديث عن مسطرة التبليغ والتي ألغت عددا كبيرا من الواجبات الضريبية من طرف المحاكم الإدارية بسبب عدم توصل الملزم، أوعدم احترام الإدارة لمساطر التبليغ.(2)
وقد خالف هذا الفصل حتى القواعد المنصوص عليها بقواعد المسطرة المدنية، بل وحتى لقواعد التبليغ المنصوص عليها بمدونة التحصيل 97-15.
 وهذه التعديلات المجهضة لحقوق الملزم والتي ستضيع عن الملزم مباشرة المسطرة التواجهية إبان مسطرة التصحيح وبالتالي ستخلق أوضاع مأساوية بالنسبة للملزمين.
   كما أن المادة 22 من قانون الضريبة العامة على الدخل المعدلة بمقتضى قانون المالية لسنة 2005 أفادت
1. كتاب المساطر الجبائية الصادر بالمادة 22 من قانون المالية رقم 04-26 لسنة المالية 2005، الجريدة الرسمية  عدد 5278 بتاريخ 30/12/2004 ص 4162.
2- ذ. سميرة شقشاق، م.س ، ص 89.

   استثناء الخاضعين لهذه الضريبة وفق النظام الجغرافي من تطبيق المسطرة التواجهية في حالة تصريح الملزم وفق قاعدة الحد الأدنى للضريبة، وذلك لقطع الطريق على الاجتهاد القضائي الذي جرى به العمل من إلزامية مراعاة المفتش للإجراءات التواجهية في أي تصحيح يعتزم القيام به سواء أكان الملزم خاضعا لنظام النتيجة الصافية أو النظام الجزافي.(1)
   مما سبق نستخلص أن الإدارة الضريبية تضطلع بدور هام في بلورة النصوص الضريبية ما دامت هي التي تقترح تلك النصوص حيث يتم تحضيرها من طرف مديرية الضرائب بالنظر للطابع التقني لهذه المادة، ثم يتم تمريرها بمساعدة الأغلبية الحكومية داخل البرلمان، والذي يجهل أغلب أعضاءه خصوصيات القانون الضريبي، باستثناء بعض أعضاء اللجنة المالية المكلفة بدارسة القانون المالي.(2)
    والخلاصة هي توريط المشرع في إقبار الاجتهادات القضائية المتواترة التي تحمي مصالح الملزم.

   الفقـــــــرة الثانيــــــة :  دور المسطــــــرة  الضريبيــــــة

      تتميز المسطرة الضريبية بالتعقيد، خصوصا على مستوى تنوع الآجال وكثرتها، سواء بالنسبة لمسطرة التصحيح، مسطرة الفرض التلقائي،  آجال البت بالنسبة للجن الضريبية ، أواجل الطعن أمام القضاء الإداري.
      هذا التعقيد يؤثر على عدد الملفات المطروحة أمام القضاء وسرعة البث فيها، إذ أن البطء في تسوية المنازعات الجبائية ظاهرة متكررة  في المرحلة القضائية، وهو ما يحول دون حسم الدعاوى والقضايا المعروضة على المحاكم و أجهزة القضاء في الأوقات الملائمة، وعدم إيصال الحقوق لأصحابها في الأوقات المناسبة .
   وقد أرجع البعض هذا البطء إلى عدة عوامل منها:
·       قلة الوسائل المادية والبشرية والتقنية : القضاة ومساعديهم ...
·       تأخر الأطراف في تقديم مذكراتهم الجوابية وجاهزية الملفات.
·       غموض النصوص الضريبية، مما يحول دون إنجاز الدعاوى والقضايا في أوقاتها المناسبة.
·       تأخر التبليغات القضائية.(3)

1. قرار عدد 695 مؤرخ في 3/6/1999 في الملف عدد 1232/5، أورده محمد شكري، م.س . ص 643.
2.  محمد شكيري، م.س، ص 75.
3.  عبد الرحمان أبليلا، م.س، ص 292 و 293.   

  كما أن تكلفة المسطرة أمام القضاء الإداري جد مرتفعة وتتوزع بين الرسوم القضائية التي تشكل عائقا أمام ممارسة حق الطعن في قرارات الإدارة الجبائية، باستثناء دعوى الإلغاء التي  أصبحت معفية بمقتضى قانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية.(1)
كما أن أتعاب الخبراء والمحامين وتكاليف السفر والتنقل وإعداد الملف القضائي تساهم في ارتفاع تكلفة التقاضي وتمنع بعض الملزمين من اللجوء إلى القضاء ويفضلون بسبب ذلك تسوية خلافاتهم مع الإدارة الجبائية ولو بطرق غير مشروعة عن طريق الرشاوى أو الصلح ...
كما أن قلة المحاكم الإدارية وتواجدها بالمدن الكبرى بالمغرب والتي لا تتجاوز سبعة محاكم تجعل العديد من الملزمين غير قادرين على التقدم  بالطعن أمام المحاكم الإدارية بالنظر لبعدها عنهم، فكيف يتصور أن يطعن ملزم أمام محكمة تبعد عنه بما لا يقل عن 400 كلم ، بل تصل إلى 1500 كلم بالنسبة لمدن الجنوب.
ويزداد الأمر صعوبة إذا علمنا أن محاكم الاستئناف الإدارية لا تتجاوز ثلاثة محاكم بعد إحداثها.
بيد أن تطبيق قانون المسطرة المدنية أمام القضاء الإداري يطرح عدة إشكالات بالنظر للاختلاف بين الإطار الإجرائي للخصومة المدنية وخصائص المنازعة الإدارية، كما أن القانون الضريبي له مسطرة خاصة نص عليها كتاب المساطر الجبائية، لكن هذا التداخل طرح عدة، إشكالات مثل :
الصفة القانونية للدولة في التقاضي: ذلك أن الدولة  تتكون من مجموعة من المرافق العمومية قد واكبه نوع من التبعيض الذي طال صفتها في التقاضي، فالمدير الجهوي للضرائب هو الذي يمثل الدولة في منازعات الوعاء، في حين أن الخازن الجهوي هو الذي يمارس الدعاوى المتعلقة بالتحصيل، كما أن الوكيل القضائي للمملكة يتعين إدخاله في الدعاوى التي ترمي إلى التصريح بمديونية أحد أشخاص القانون العام وهذا ما طرح عدة إشكالات لدى دفاع الملزمين كما سبق توضيحه.
بيد أن شرط القيام بإجراء سابق لرفع الدعاوي ( مثل ف 48 من الميثاق الجماعي) و الفصل 40 من ق.م.م  الذي يرتب في حالة عدم الإدلاء بالمستنتجات خلال الأجل المحدد، مما يؤدي إلى إصدار حكم غيابي أو بمثابة حضوري، وهذا الأجل غير كافي للإدارة، كما أن مسطرة النفاذ المعجل، والغرامة التهديدية كل هذه الإجراءات تؤكد أن المسطرة المدنية غير قادرة على استيعاب الخصوصيات المتعلقة بالمنازعات الإدارية عموما والجبائية خصوصا .(2)
  أضف إلى كل ما سبق إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة والتي تؤثر على مصداقية

1. العربي الكزداح، م.س، ص 461.
2. الجيلالي أمزيد " إشكالية تطبيق المسطرة المدنية في مجال المنازعات الإدارية " المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 36، سنة 2001.

العدالة والعمل القضائي عموما، ويضرب في العمق دولة الحق والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحقوق الملزم، لا سيما وأن الأموال العامة غير قابلة للحجز عليها كيفما كان نوع الحجز تحفيظيا أو تنفيذيا أو حجزا بين يدي الغير.
  هذا الوضع أنتج وضعيات مأساوية للعديد من الملزمين بالضريبة بسبب عدم تنفيذ الأحكام الإدارية.
وقبل أن نختم هذه الفقرة لا بد من الإشارة إلى أن هرم القضاء الإداري لم يكتمل بعد بالرغم من دخول المغرب من قانون 90-41 عهد ازدواجية القضاء، وذلك بعدم إنشاء مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية تسهر على توحيد العمل القضائي في المادة الإدارية وتضمن حقوق المتقاضين والملزمين.
  إذن المسطرة أمام القضاء الجبائي تساهم في الحد من تطور الاجتهاد القضائي وذلك من خلال تعقدها، البطء الذي يميزها، قلة المحاكم الإدارية، بعدها عن الملزم، ارتفاع التكلفة، وعدم ملائمة المسطرة المدنية لخصوصيات المنازعات الجبائية.
كل هذه الخصائص التي تميز المسطرة أمام القضاء الإداري والدور السلبي للمشرع ساهما في التأثير بشكل سلبي على تطور العمل و الاجتهاد القضائيين.

المطلب الثاني : دور الملزم والدفاع

   بجانب الحدود المرتبطة بالمشرع والمسطرة، هناك أدوار لا يستهان بها،  قام بها الملزم والدفاع في إضعاف تطور العمل القضائي والتأصيل لقواعد ضامنة لحقوق الملزم والعدالة الضريبية وتحقيق التراكم اللازم للاجتهادات القضائية في المادة الجبائية وخاصة المتعلقة بمنازعات الوعاء الضريبي.
   وسنتناول في الفقرة الأولى ضعف الوعي الجبائي، وفي الفقرة الثانية إسهام الدفاع في الرفض الشكلي للدعوى الضريبية بسبب ضعف تكوين المحامين في المادة الجبائية.

الفقرة الثانية : ضعف الوعي الجبائي لدى الملزم

إذا كان الملزم هو الشخص الذي تفرض عليه الضريبة أي الذي يتحمل العبء القانوني بغض النظر عن إمكانية نقلها إلى شخص آخر.
 فإن الملزم يبقى الطرف الأساسي في العلاقة الضريبية، لأنه من يتحمل أداء الضريبة، وبالتالي تمويل النفقات العامة للدولة.
  وينقسم الملزمون إلى ممول بسيط وممول متوسط وممول كبير(1).
1- محمد شكيري، م س،ص 126.

 وتقع على الملزم التزامات كثيرة مثل : مسك المحاسبة،التصريح بالضريبة، و دفع  الضريبة.
 كما أن للملزم عدة حقوق أمام الإدارة الضريبية منها ضمان الحق في الاعتراض على القرارات الضريبية إذا كانت تعرف بعض الإخلالات، الحق في الاستعلام الضريبي، ضمان استرداد ما دفع بغير حق(1)،والحق في اللجوء إلى القضاء للطعن إما في أساس تقييم الوعاء الضريبي أو إجراءات التحصيل الضريبية.
  هذه الالتزامات والحقوق المخولة له تقتضي أن يكون هذا الأخير على مستوى عال من الوعي الجبائي.
إلا أن واقع هذا الوعي  لدى الملزمين وخاصة الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في ربط أو تحصيل الضريبة يبقى دون المستوى المطلوب ويتجلى ذلك من خلال المقارنة بين النزاعات المطروحة أمام الإدارة الضريبية وعدد الملفات المرفوعة إلى القضاء الجبائي:
المنازعات الضريبية ( المرحلة الإدارية) (2)
عدد التظلمات المودعة والمعالجة على مستوى المديريات الجهوية
نوع الضريبة / السنة
1998
1998
2000
2002
الضرائب المباشرة :
الضريبة على القيمة المضافة
حقوق التسجيل والتنبر
72185
1859
737
54728
1804
786
74684
2013
969
71365
1956
1198
المجموع
74789
57318
77666
74579






على مستوى المنازعة المحالة على اللجن الضريبية
                                        اللجن المحلية لتقدير الضريبة
السنة
       الطعون
المسجلة
المحكومة
1998
1999
2000
2001
2002
2003
403
68
384
843
350
674
204
198
155
117
336
323
        1- محمد شكيري، م.س ، ص 19.  
        2- محمد شكيري، م.س ، ص 626 و 630 و 631.
اللجنة الوطنية للطعون الضريبية
السنة
الطعون
المسجلة
المحكومة
1998
1999
2000
2001

240
171
112
200

371
235
228
116









الطعون الضريبية أمام المحاكم الإدارية
1998
1999
2000
2001
2002
2003
768
661
631
771
883
1063

الطعون الضريبية أمام المحكمة الإدارية بالبيضاء(1)
1999
المسجل
المحكوم
من خلال هذه الجداول يتضح أن عدد الطعون أمام الإدارة تفوق بشكل كبير عدد الملفات المطروحة أمام القضاء الإداري والتي لا تتجاوز بعض المئات، وهي نسبة ضئيلة جدا لا تساهم في إتاحة إمكانية تراكم العمل القضائي وبالتالي الاجتهاد القضائي في المادة الضريبية. ويرجع هذا الوضع إلى عدم توفر المكلفين على " وعي قضائي" الذي يعد من أهم المعوقات التي تحول دون مقاضاتهم لإدارة الضرائب، كما أن الإدارة الضريبية لا تساهم بالشكل المطلوب في توعية الملزمين بحقوقهم والضمانات المخولة لهم في الميدان الجبائي (1)
1. د. عبد الرحمان أبليلا، م.س ، ص 290.


 
186
163
2000
المسجل
المحكوم
225
191
2001
المسجل
المحكوم
253
210
2002
المسجل
المحكوم
265
202
2003
المسجل
المحكوم
240
318
2004
المسجل
المحكوم
372
301
2006
المسجل
المحكوم
918
549
(1)،  نشرا ت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادرة ما بين 1999 إلى 2006.
الفقرة الثانية : إسهام الدفاع في الرفض الشكلي للدعوى الضريبية
  الدفاع هو الجناح الثاني للعدالة إلى جانب القضاء، وفي الدعاوى الإدارية ألزم المشرع المتقاضي بضرورة أن يرفع المقال موقع من طرف محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب طبقا للمادة 3 من قانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية(1)
  ويرجع هذا الشرط إلى أن المسطرة كتابية ومن الضروري على كل من يترافع أمام القضاء،  أن يكون ملما بالقانون ولن يتحقق هذا الشرط إلا في المحامي بحكم تكوينه وبحكم تجربته العملية داخل المحاكم.
  إلا أن واقع المحامين يؤكد بالملموس محدودية الإلمام بالمادة الضريبية لديهم بحكم التكوين الخاص لأغلبهم وبحكم قلة الملفات الرائجة أمام المحاكم الإدارية، ويتضح ذلك بشكل واضح من خلال القانون الضريبي ومحدودية تكوين المحامين فيه، خاصة وأنه يتميز بتعقد المساطر ويتطلب مجهودا كبيرا للتمكن منه.
وحسب إحد الباحثات(2)فإن الرفض الشكلي لدعاوى الضريبية قد بلغ نسبة تزيد عن  46% من مجموع القضايا المحكومة، وأن الأمر فيما  يتعلق بالأوامر فاق  60%، بل إن القضايا الاستعجالية الصادرة عن المحكمة الإدارية للبيضاء قد جاوز عدم قبول الطلب فيها لإخلالاتها الشكلية 90%، هذه الإحصائيات تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن أغلب المحامين لهم وعي جد محدود بالمادة الضريبية، و المفارقة الكبيرة تظهرأيضا أن ملفات كثيرة للمحامين ليس بصفتهم كذلك، ولكن بصفتهم هم أنفسهم ملزمين بالضريبة، ينيبون عنهم زملائهم في دعواهم، إلا أنهم يخسرون الدعاوى لعدم احترام شكليات رفعها.
    وقد أكد الأستاذ أبليلا أن 60% من الدعاوى يقضي المجلس الأعلى بعدم قبولها لأسباب مسطرية مع العلم أنها مقدمة من محامين مقبولين للترافع لدى المجلس الأعلى(2).
 ولتجاوز هذا الوضع على المحامين الذين يعتبرون العامل الأساسي والمهم في بلورة أي اجتهاد قضائي أن يعملوا على تحسين معارفهم في المادة الجبائية حتى يقع الدفاع بصفة صحيحة وجدية عن حقوق الملزمين.
وفي هذا الإطار ووعيا من هيئة المحامين بالدار البيضاء بهذا الضعف فقد أدمجت مادة المنازعات الضريبية في التكوين الأساسي للمحامين المتمرنين و التكوين المستمر للمحامين الرسميين ويؤطر هذه المادة أطر ذات كفاءة عالية في المادة الضريبية.(3)

1. الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3/11/1993  .
2. نجاة العماري في أطروحتها لنيل الدكتورة، م.س ، ص 408. 
3. برنامج التكوين الأساسي والمستمر لهيئة المحامين بالدار البيضاء لسنة 2007-2008.

 ومن ثمة فإن الملزم والدفاع عوض أن يكون مساهمين في تدعيم الاجتهاد القضائي، وجدنهما قد ساهما بشكل لايستهان به في الحد من تطور العمل القضائي وجعله أكثر اجتهادا وإبداعا.
إذن محيط عمل القاضي الجبائي هو الآخر له دور جد مهم إعاقة تطور العمل القضائي، سواء المشرع، المسطرة، الملزم، أو الدفاع.
وأنه من ثمة يجب تجاوز بعض الاختلالات التي يعرفها التشريع الجبائي، وعلى الجمعيات المهنية وغرف الصناعة التقليدية والتجارية أن تقوم بواجبها في تعريف الملزمين بحقوقهم والضمانات المخولة لهم بمقتضى القانون الضريبي.
أما المحامي فلا عذر له في أن يجهل التشريع الضريبي أو يرتكب بعض العيوب المسطرية التي تؤدي إلى عدم قبولها شكلا، وفي هذا السياق لقد حان الوقت لإقرار نظام التخصص في مجال مهنة المحاماة.

    خاتمة الفصل الثاني:

            من خلال هذا التقييم الذي قمنا به في هذا الفصل اتضحت لنا بعض مظاهر أهمية العمل القضائي في المادة الجبائية و الدور الخلاق الذي قام به القاضي الجبائي في دفع عجلة الاجتهاد والإبداع سواء على مستوى الشكل أو الموضوع .
            ففي الجانب الشكلي عمل القاضي الجبائي على تلطيف المسطرة الجبائية، وأبدع بعض الضمانات الجديدة لفائدة الملزم فيما يخص المسطرة وكل ذلك من أجل الحفاظ على حقوق وضمانات الملزم .
            أما على مستوى الموضوع فقد فعل بعض مبادئ القانون الضريبي وفتح إمكانية قبول دعوى الإلغاء في المجال الضريبي بالرغم من أن القضاء الشامل هو المجال الطبيعي لها.
          أضف إلى  ما سبق، الدور الخلاق للقاضي الجبائي في تشجيع الاستثمار من خلال إقرار حقوق الملزمين في الاستفادة من الامتيازات المقررة لهم في مجال الإعفاءات الضريبية.
           بيد أن هذا التقييم الذي اعتمدنا فيه الجانب الكمي والكيفي ومقياس الفاعلية والفعالية لم يمنعنا من الحديث وتحليل بعض الحدود التي تميز العمل القضائي في المادة، وركزنا بالأساس على ضعف تكوين أطراف العلاقة في منازعات الوعاء الضريبي سواء القاضي الجبائي، الملزم، الدفاع.
              وكذا دور المشرع والمسطرة في الحد من تطور الاجتهاد القضائي.
            ويمكن القول أن هذا التقييم المتواضع هو عبارة عن خلاصات شخصية هذا مع العلم أن حجم العمل القضائي الصادر في المادة الجبائية لازالت قليلة، وأن الاجتهاد القضائي لازال في بدايته ويحتاج إلى عامل الزمن لتحقيق التراكم اللازم لتطوره ولحل بعض الإشكاليات والثغرات التي تعرفها النصوص الضريبية.
            كما أن تقييم العمل القضائي في مجال الوعاء الضريبي يحتاج إلى عقد أيام دراسة وندوات وطنية يشارك فيها أخصائيون وفاعلون في الحقل، ودراسات علمية جماعية لتعميق النظر في مجالات القوة ومظاهر الضعف التي تعتري هذا العمل، كل ذلك من أجل تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الخزينة العامة وضمانات الملزم وحقوقه.
               وذلك بهدف إعداد تصورات ومشاريع إصلاحية للمنظومة القانونية الجبائية والإدارة الضريبية في علاقتها بالملزمين وإصلاح النظام القضائي الإداري لتجاوز الثغرات وتدعيم الجوانب الإيجابية.  

       خاتمــــــة عامـــــــة:
                تحقيق التوازن بين مصالح الإدارة الضريبية والملزم بالضريبة، يبقى رهانا مرتبطا بعدة إصلاحات يجب القيام بها لتجاوز كل الثغرات التي  يعرفها العمل القضائي في مجال المنازعات الضريبية .
                هذا بالرغم مما سجلناه خلال البحث من دراسة عدة  قرارات وأحكام التي ساهمت في حماية الملزم وضمان حقوقه والحد من كل الإخلالات التي يمكن أن تقوم بها الإدارة الضريبية سواء خلال مصلحة التصحيح الضريبي أو خلال مصلحة الفرض التلقائي للضريبة .
               لكن تبقى السمة العامة للعمل القضائي في منازعات الوعاء الضريبي بحكم تعقد المادة وتشتت النصوص القانونية المؤطرة لها وضعف بحث أسس الضريبة على ضوء المعطيات المهنية والاقتصادية، هي المقاربة الغائبة عن عمل قضائنا في مادة منازعات الوعاء الضريبي مما يفرض التأكيد على ضعف العمل القضائي عموما في المادة الجبائية ، وعدم ارتقاء قضاءنا الضريبي إلى مستوى القضاء المحدث للقواعد القانونية وهو ما اتضح  من خلال المقاربة الكمية والكيفية لعمل المحاكم الإدارية التي قمنا بها في طي البحث.
            وأنه من ثمة يتعين القيام بعدة إصلاحات وتعديلات ذات طبيعة جوهرية تهم النظام الجبائي، الإدارة الجبائية في علاقتها بالملزمين، إصلاح الجامعة والنظام القضائي بالمغرب.
أ. إصلاح النظام الجبائي:
يمكن أن نسجل بكل إيجابية صدور المدونة العامة للضرائب لأول مرة في تاريخ المغرب بقانون المالية لسنة 2007 واحتوت في جنباتها النصوص الضريبية التي كانت متفرقة وكذا كتاب المساطر الجبائية، وقد كان إصدار المدونة مطلبا ملحا لجميع الفاعلين  في الحقل الضريبي، إلا انه بالرغم من ذلك فإن النظام الجبائي المغربي يحتاج إلى جانب التقنين، إصلاح العديد من العيوب التي تؤثر على العمل القضائي وتحد من قدرته الإجتهادية، ونخص بالذكر:
* أن النصوص الضريبية سيما المتعلقة بالوعاء يجب أن تكون على درجة كبيرة من الوضوح بحيث لا تدع مجالا للتأويل، وذلك لتفادي كل خطأ في التفسير أو انحراف في التطبيق إعمالا لسلطة تقديرية غير سليمة.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يشمل تبسيط وتوضيح النصوص القانونية المكونة للنظام الجبائي المغربي، الإطار القانوني المنظم للمنازعات الجبائية سواء تعلق الأمر بالمرحلة الإدارية أو المرحلة القضائية. (1)

1- عبد الرحيم التيجاني " المنازعات الجبائية في مجال تحصيل الضرائب المباشرة نموذج الضريبة على الشركات" بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا  موسم 1999-2000 ، ص 174.

* تطعيم كتاب المساطر الجبائية بمواقف الإدارة من خلال المذكرات التفسيرية وبعض الاجتهادات القضائية في مجال الفحص والمنازعة، كما يتعين نشرها وتعميمها على نطاق واسع على الملزمين ليكونوا على بينة من الإجراءات التي يجب أن يسلكوها في حالات خضوعهم لفحص أو رغبتهم في منازعة الإدارة قضائيا أو إداريا.
* الحفاظ على استقرار القانون الضريبي وعدم الإقدام على التعديلات المتتالية لنفس المقتضيات، وهذا من شأنه تعزيز الحماية القانونية من التغيير المستمر للتشريع.
* إعادة النظر في النظام الجبائي بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق توازن العبء الجبائي وقد تناقل الأدباء السلطانيين بعضهم عن بعض المقولة المشهورة " الملك بالجند والجند بالمال، والمال بالجباية، والجباية بالعمارة، والعمارة بالعدل".
وفي هذا السياق يجب أن يتم تعديل المنظومة الضريبية المغربية وفق معايير العدالة الجبائية ولذلك فإن القانون الضريبي يجب أن يكون موضوع نقاش ديمقراطي حقيقي ويأخذ بعين الاعتبار مفهوم المنفعة العامة، إعادة التوزيع، العدالة، وتصاعدية الاقتطاعات الضريبية.
ب- تحديث الإدارة الضريبية:
    إن الاهتمام بتحسين العلاقة ما بين الإدارة الجبائية والملزم أضحت ضرورة ملحة في الوقت الراهن وذلك لتجاوز طابع الإكراه الذي يميز الضريبة وطرق فرضها وتحصيلها وكذا مختلف العوائق التي تحول دون التواصل الجيد بين الإدارة والملزم وذلك عبر:
* توظيف العدد الكافي من الأطر الكفأة لتعزيز مصالح المراقبة والوعاء لتجاوز النقص الكبير في هذا المجال.
* إصلاح هياكل الإدارة الضريبية وذلك بتعميم أجهزة المعلوميات على مختلف المصالح لتحسين التواصل مع المنظمات المهنية، وجمهور الملزمين لتعريفهم بحقوقهم، ولتعميم الإقرار الالكتروني، و تسريع سرعة البت في التظلمات سواء أمام الإدارة أو اللجان الضريبية.
* محاربة العناصر المرتشية والفاسدة في الإدارة الضريبية وتوقيع العقوبات اللازمة على جميع المستويات الدنيا والعليا، علما أن هذه الظواهر جد منتشرة في إدارة الضرائب بشكل ظاهر للعيان كما لا يخفى على أحد، ومن تم تضيع حقوق الخزينة العامة وكذا حقوق الملزمين والوطن بأكمله.
لأن أي إصلاح تشريعي لن تكون له الفعالية اللازمة إذا لم تكن هناك إدارة ضريبية  قوية ونظيفة.  
ج- إصلاح القضاء الجبائي:
             إن تفعيل القضائي الجبائي وتحسين مستواه لا يمكن أن يتم إلا بتحمل الجامعة المغربية مسؤوليتها في هذا المجال، ذلك أن القاضي قبل أن يلتحق بسلك القضاء، فهو خريج إحدى كليات الحقوق ( شعبة القانون الخاص ) حيث يتعرفون على المادة الضريبية ضمن مادة المالية العامة وذلك بصورة مقتضبة وبصورة أوسع إذا تمكنوا من متابعة دراستهم في إطار السلك الثالث ودراسة القانون الضريبي، وأنه لذلك يتعين إدخال تعديلات جذرية لتطوير بنيات البحث العلمي، وتكوينه ليكون جديرا بمحراب العدالة سواء أصبح قاضيا أو محاميا وترجمة شعب عملية كالقانون الضريبي والمنازعات الجبائية.
       كما لا ينبغي إغفال إعداد القاضي على مستوى المعهد الوطني للدارسات القضائية و على مستوى التكوين المستمر عن طريق الندوات داخل الوطن وخارجه وإعطاء العناية اللازمة لموضوع المنازعات الضريبية المكان اللائق بها في برامج التكوين الأساسي والمستمر.
          وكذا رفع مستوى مهارات القاضي الفكرية والعملية والتفاوضية، وتوفير المراجع العلمية في المادة الضريبية وذلك عبر إحداث مكتبات قانونية حديثة، أو مجهزة بكل المحاكم،  لمسايرة كل التطورات التي يعرفها المجال القانوني والحقل الضريبي خاصة سواء الوطني او الدولي.
              أما على مستوى الهرم القضائي بالمغرب فإنه حان الوقت لدعم لامركزية حقيقية للرقابة القضائية وتقريب القضاء الجبائي من المتقاضين ولن يتم ذلك إلا عبر إنشاء المحاكم الإدارية بمختلف الأقاليم و العمالات بالمملكة ولتجاوز حالة البعد الكبير بين  المحاكم الإدارية والملزمين.
              وفي هذا الإطار لقد حان الوقت لإنشاء مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية تعلو القضاء الإداري للدخول في عهد ازدواجية القانون والقضاء من بابه الواسع ولتوحيد الرؤية والاجتهاد القضائي الجبائي بالمغرب، والسير على خطى مجلس الدولة الفرنسي ومجلس الدولة المصري اللذان أصبحا مرجعين بالعالم على مستوى الاجتهادات القضائية.
بيد أن إصلاح النظام الإجرائي و المسطري أمام القضاء الجبائي لا يقل أهمية عما سبق الإشارة إليه وذلك من خلال القيام بما يلي:
* توحيد آجال رفع الدعوى الضريبية أمام القضاء .
* تحديد أطراف كل نوع من أنواع المنازعات بشكل لا لبس فيه ولا غموض.
* إعادة النظر في صيغة ومواد اختصاص المحاكم الإدارية في المادة الجبائية.
  ونشير هنا إلى ضرورة أن يتم ضبط الاجتهادات القضائية وتصنيفها قصد نشرها بشكل رسمي ليتسنى لجميع المتدخلين في الحقل الجبائي مواكبة المستجدات التي يعرفها العمل والاجتهاد القضائيين وتقديم نقدهم واقتراحاتهم بخصوصهما.
      ولكي لا تفوتنا الفرصة فإن سؤال تخليق أجهزة العدالة، القضاء، الدفاع، كتابة الضبط من كل مظاهر الرشوة التي أصبحت منتشرة بشكل غاية في البشاعة أضحى ضرورة حضارية لربح رهان القضاء العادل الضامن للعدالة الاجتماعية ورهانات التنمية ولرفع تحديات الألفية الثالثة ورياح  العولمة.
       وحاصل الكلام أن هده الإصلاحات المجمع عليها هي إصلاحات ذات طبيعة استعجالية، حالة الاستعجال فيها قصوى لا تستدعي التأخير أو حتى التمهل.

كما يمكنم الاطلاع على قائمة بمواضيع تتعلق بالضرائب والجبايات  من خلال العناوين التالية:


ليست هناك تعليقات