المفاهيم المرجعية للمجتمع المدني في المغرب

3- المفاهيم المرجعية

3-1الديمقراطية التشاركية
   الديمقراطية التشاركية، في الوثيقة الدستورية، هي إحدى الأسس الأربعة التي يستند إليها النظام الدستوري للمملكة، حيث وردت في مقام ثان في الفصل الأول من الدستور مقرونة بالمواطنة بعد "فصل السلط"، ومتبوعة بـ "مبادئ الحكامة الجيدة" و"ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وهي، الإطار المؤسساتي الذي تتحقق من خلاله الممارسة المواطنة والتعاون والتشاور بين مختلف المؤسسات والمصالح العمومية من جهة، والجمعيات والمنظمات غير حكومية والأفراد والجماعات من جهة ثانية. وذلك، لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، والدفاع عن حرياتهم، وتمكينهم من الحقوق الأساسية، ومن التنمية المستوفية لشروط التقدم والرفاه، في إطار دولة حديثة يسودها الحق والقانون، وتؤمن فيها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وترسى فيها "دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".





3-2 في مفهوم المجتمع المدني
 ورد مصطلح "المجتمع المدني" في الفصل الثاني عشر من الوثيقة الدستورية بوصفه كلا يحتوي على جزء تمثله "الجمعيات" و"المنظمات غير الحكومية" الخاضعة في تأسيسها وتسييرها للمبادئ الديمقراطية ومقتضيات القانون.
ومعناه في المطلق، مجموعة من الهيئات تكون خاضعة لقانون خاص أو غير خاضعة له، وهو مكون من مكونات المجتمع، يقع بين "الأسرة والدولة والقطاع الخاص"، ويشتمل على جمعيات ومنظمات غير حكومية، وجماعات أفراد تتعاون لتحقيق أهداف غير ربحية؛
وهو، من الناحية الفكرية، إطار للتربية على المواطنة متنوع، تطور –تاريخيا- في المجتمعات المعاصرة بالاستناد إلى مقولات أخلاقية – ثقافية متكاملة: (1) الاستقلالية و(2) الديمقراطية، و(3) المواطنة و(4) الحكامة الجيدة و(5) حرية المبادرة و(6) التضامن و(7) المشاركة و(8) التسامح و(9) التطوع ؛
 وهو، من الناحية العملية، فعل مدني متنوع لا يتوخى توزيع الأرباح بين القائمين عليه، ينشط داخل المجال العام باعتباره ممارسة تتقاطبها المصلحة العامة والمصالح الخاصة للأفراد والجماعات المكونة له، بشكل يؤدي في الغالب الأعم إلى بلوغ مصلحة مشتركة سمتها التوافق والنزوع إلى التواصل والإنصات والحوار.
                                                                        
3-3 في مفهوم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية
الجمعية أو المنظمة غير الحكومية، هي "شخص معنوي يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، ينشأ باتفاق بين شخصين أو أكثر، يعمل بمقتضاه وبصفة دائمة على تحقيق أهداف مشروعة باستثناء توزيع الأرباح فيما بينهم".
وتجري عليها فيما يرجع لصحتها القواعد القانونية العامة المطبقة على العقود والالتزامات. وهي من هذا المنظور، هيآت مستقلة تطوعية تأسست باعتبارها تنظيمات اجتماعية تعاقدية، تهدف إلى تحقيق مصالح غير مرهونة بتوزيع الأرباح بين أعضائها.
ولأن اشتغالها مدني غير نفعي، فإن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، في عمومها، تتقاسم المبادئ الأساسية التالية:
ü   النزاهة واستقلالية القرار والإدارة الذاتية؛
ü   احترام القانون؛
ü   حقوق الإنسان والكرامة؛
ü   الشفافية والديمقراطية؛
ü   المسؤولية والخدمة والاهتمام بالصالح العام؛
ü   الحوار والتوافق والاحتكام إلى مبادئ حرية الرأي والمناصفة وتدبير الاختلاف؛
ü   الانفتاح والتعاون؛
ü   قيم التطوع والتضامن والمساعدة من أجل تحقيق الرفاه الاجتماعي.
3-4 المشاركة المدنية ومجالات تدخلها
 بحسب المقتضيات الدستورية، المشاركة المدنية مسار مؤسساتي مبني على قوانين ضابطة تتيح انخراط الموطنات والموطنين والمرتفقين، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، والمغاربة المقيمين في الخارج، وبقية الفاعلين الاجتماعيين في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ما يتعلق بحماية الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، والحريات المدنية، والمناصفة بين الرجال والنساء، والإدماج الاجتماعي للشباب والفئات الاجتماعية في وضعية الهشاشة، والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاربة الرشوة، والحكامة الجيدة، والولوج إلى المعلومات والمرافق العمومية، والمساءلة الاجتماعية.
وتتحقق هذه المشاركة بـالتعاون والتضامن والحوار والاستشارة والتشاور مع المؤسسات المنتخبة، والسلطات العمومية بخصوص إعداد السياسات العمومية، وبرامج التنمية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، واقتراح قرارات ومشاريع، وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وعرائض تهم مناحي الحياة العامة.
 ويمكن ضبط هذه المشاركة المدنية الفاعلة في صياغة واتخاذ السياسات والقرارات العمومية عبر التمييز بين ثلاثة مستويات:
§       مستوى قواعد المشاركة المدنية؛
§       مستوى آليات المشاركة في مسار اتخاذ القرار العمومي؛
§       مستوى أدوار والتزامات الفاعلين في صياغة وتتبع ومراقبة تنفيذ السياسات العمومية.
                     4-  آليات وقواعد إعمال الديمقراطية التشاركية

4-1 آليات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي
تتحقق المشاركة المدنية عبر أربع آليات:
-         المرافعة من أجل إيصال مطالب المواطنات والمواطنين والمرتفقين وإسماع صوتهم للمؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا؛ وذلك عبر عرائض وملتمسات ترفع بشكل يستوفي مجموعة من المساطر المنصوص عليها بقوانين تنظيمية. وهذه المشاركة ذات أهمية قصوى على المدى البعيد، إن على مستوى إغناء المسار السياسي للقرار العمومي، أو على مستوى تجويده وتفاعله الإيجابي مع تطلعات عموم الموطنات والمواطنين؛
-         الاتفاق المتعاقد بشأنه، وهو التزام مكتوب للتعاون والتضامن مبني على التراضي خاضع لمجموعة من المداخل العملية؛ نذكر منها، الثقة المتبادلة، والعمل على تجاوز معوقات تنافر المصالح، وتباعد الأهداف والتطلعات بين المؤسسات العمومية ومكونات المجتمع المدني، والاحتكام إلى ثقافة النتائج، واحترام الأدوار، وتكامل الوظائف والموارد، وتفاعلها؛
-         العضوية في هيئات الحكامة، بشكل يمكن المجتمع المدني من المشاركة في جميع مراحل إعداد القرار العمومي واتخاذه وتنفيذه وتقييمه، وتقاسم المسؤولية مع مختلف هيئات ومصالح الدولة، في إطار من التضامن والتعاون؛
-         المساءلة المدنية للمؤسسات العمومية، من مجالس منتخبة وسلطات عمومية، وفق منهجية وقواعد تتأسس على تغليب المصلحة العامة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتواصل والحوار بشأن حصيلة تنفيذ برامج ومشاريع التنمية وكل ما يخص القرارات التدبيرية والمالية لمناحي الحياة العامة وصيانة حقوق الموطنات والمواطنين وكرامتهم. 
4-2 مستويات مشاركة الفاعل المدني في مسار اتخاذ القرار العمومي
يقر الميثاق أربعة مستويات في مسار صياغة واتخاذ القرارات والسياسات العمومية للمشاركة المدنية :
-         الإخبار؛
-         الاستشارة؛
-         الحوار والتشاور؛
-         الشراكة وتقاسم المسؤولية.
حيث يعد المستوى الرابع أسمى تمثلات المشاركة التي تؤهل المجتمع المدني من أن يضطلع بأدوار مجتمعية محورية يصبح معها شريكا حقيقيا في التنمية، وفي إنتاج الثروة بمفهومها الشامل، وفي تحقيق مبتغيات الديمقراطية والحرية والرفاه الاجتماعي والاقتصادي.

4-3: مراحل مسار اتخاذ القرار العمومي
يمر مسار اتخاذ القرار العمومي من سبع مراحل:
-         مرحلة صياغة برنامج العمل؛
-         مرحلة الاستشارة العمومية: إعلانا وإخبارا وإنجازا؛
-         مرحلة صياغة السياسة العمومية؛
-         مرحلة التنفيذ؛
-         مرحلة التتبع؛
-         مرحلة التقييم؛
-         مرحلة إعادة الصياغة.
وفي جميع هذه المراحل، يمكن للمجتمع المدني التفاعل مع المؤسسات العمومية وفق تصور تنظيمي قائم على مقاربة العمل بالنتائج، ومؤشرات النجاعة والمردودية، واحترام قواعد الترشيد الزمني والمالي للموارد والأشغال .

ليست هناك تعليقات