منزاعات الصفقات العمومية بعد إبرام العقد
نزاعات الصفقات العمومية بعد إبرام العقد
ملحوظة:
نلتمس منكم تشجيعنا لمزيد من المجهودات عن طريق وضع تعليق أسفل المقال والضغط على الاعلانات في الجانب الأيسر والأيمن وفي رأس الصفحة حتى نستمر في نشر مواضع أخرى وجديدة، وشكرا لكم مقدما.
إعداد الطالبة:
رشيدة المساوي
الدولة كشخص عام مكلفة بتسيير الشؤون العامة لمواطنيها ، والسهر على راحتهم وأمنهم ، إلا أنه ونظرا لتعدد المشاريع التي يتم برمجتها ، وما تتطلبه من موارد بشرية وتنظيمات معقدة ، فإنها (الدولة) تتفادى احتكار الأشغال وتعتمد على أساليب مختلفة لإدارة المرافق العامة ، وذلك بالدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد والمؤسسات ، هذه الأخيرة التي يمكن أن تكون ذاتية أو معنوية عامة أو خاصة ، كما أن الدولة يمكن أن تلجأ للتعاقد مع أفراد ومؤسسات أجنبية [1]، وجدير بالذكر أن العقود التي تبرمها الإدارة ليست من طبيعة واحدة بل تنقسم إلى قسمين:
-عقود الإدارة التي تخضع للقانون الخاص (contras de droit privé de l’administration ) حيث تنزل الإدارة منزلة الخواص ، ويختص القضاء العادي بالمنازعات التي تنشأ بينها والمتعاقد [2]. .
-عقود الإدارة التي تخضع للقانون العام،وهي ما يعرف بالعقود الإدارية (contrats administratifs) هذه الأخيرة يمكن تعريفها بأنها كل عقد يبرمه شخص معنوي بقصد تسييرا لمرفق العام أو تنظيمه .
وإذا كانت شروط العقد الإداري تتمثل أساسا في :
- ،تضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ؛
- -وان تكون الإدارة ظرفا في العقد ؛
- وأن يتصل العقد بتسيير مرفق عام ، فإن الصفقة تعتبر عقد إداريا بقوة القانون [3].
ونظرا لكون الإدارة تظل محتفظة بكامل صفاتها الأصلية ، وبجميع اختصاصاتها كسلطة عامة تعمل لتحقيق الصالح العام ومكلفة قانونا بتنظيم المرافق العامة ، فإن هذه الصلاحيات التي تملكها الإدارة ، قد تجعلها تلجأ في بعض الأحيان إلى بعض التصرفات ، التي من شأنها الإضرار بمصالح المتعاقد معها ، حيث يجد هذا الأخير نفسه مضطرا للاحتماء من هذه السلطة بجهة أخرى قد تكون جهة الإدارة نفسها ، أو لجن مستقلة ، أو باللجوء إلى القضاء الإداري ، كملجأ أخير يضمن مساواة الجميع أمام القانون .
وهكذا وأمام تنامي لجوء الإدارة إلى التعاقد عبر إبرام الصفقات العمومية ، فإن المشرع عمد على إصدار قانون خاص بهذا الموضوع ، ويتعلق الأمر بالمرسوم المؤرخ في 14/10/76 [4]، إلا أنه ونظرا للمشاكل التي كانت تعاني منها الصفقات في إطار هذا المرسوم ،فقد تم تنظيم الموضوع مجددا بمقتضى المرسوم رقم482-98-2 المؤرخ في 30/12/ 1998المتعلق بشروط وأشكال إبرام صفقات الدولة ، وكذا المرسوم رقم 1087-99-2 والمتعلق بدفتر الشروط العامة المطبقة على صفقات الأشغال الصادر في 04/05/2000 [5] وغيره من المراسيم و المناشير المتعلقة بالموضوع .
و لأن موضوعنا يتعلق بالمنازعات الناشئة عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد ، فإنه يمكن لنا التساؤل عن أهم المنازعات التي يمكن أن تنشأ عن الصفقات العمومية بعد إبرام العقد ، إلا أنه قبل أن نتطرق لهذه المنازعات ، فإنه لابد من توضيح الجهة المختصة للنظر في هذه النزاعات ، لذلك ارتادينا تقسيم عرضنا إلى مبحثين وذلك على الشكل التالي:
· المبحث تمهيدي : الاختصاص البت في النزاعات الناشئة بعد إبرام العقد
· المبحث الأول: المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقد
· المبحث الثاني : المنازعات المتعلقة بانتهاء الصفقة
المبحث التمهيدي: اختصاص البت في النزاعات الناشئة بعد إبرام الصفقة العمومية
إن المتعامل مع الإدارة يجد نفسه أمام عقد غير عادي ، الشيء الذي به إلى التساؤل عن إمكانية إعمال إرادته لحل النزاع الذي قد ينشأ بينه وبين الإدارة صاحبة المشروع عن طريق التحكيم ( المطلب الأول ) أم أن هذه الإمكانية لا يمكن اللجوء إليها في ظل الصفقة العمومية باعتبارها عقدا إداريا بقوة القانون وبالتالي فإنه يجد نفسه مضطرا للجوء إلى القضاء (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : مدى إمكانية اللجوء إلى التحكيم
أمام الدور الكبير الذي أصبح يلعبه التحكيم في المعاملات الوطنية أو الدولية ، يطرح التساؤل عن مدى قانونية الاتفاق على التحكيم في الصفقة العمومية [6]؟ وتظهر أهمية هذا التساؤل بالنظر إلى مركز الإدارة ، المتمثل في كونها أحد أشخاص القانون العام ، هذه الأخيرة التي تستطيع باعتبارها صاحبة السلطة والمصلحة العامة أن تحصل على حقوقها بإصدار أي قرار ترى فيه مصلحة عامة لمرافقها [7].
الفقرة الأولى: استبعاد الصفقات العمومية من مجال التحكيم
لقد أثيرت إشكالية تضمين عقد الصفقة العمومية شرط اللجوء إلى التحكيم في العديد من البلدان ، فبمقتضى الفصل 306 من ق م م نص المشرع صراحة على عدم إمكانية الاتفاق على التحكيم في النزاعات المتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام .
إلا أنه وبغض النظر عن هذا النص القانوني فإن بعض المؤسسات العمومية تنص في كناش التحملات المتعلق ببعض صفقاتها على إلزامية اللجوء إلى التحكيم ، كما هو الأمر بالنسبة للمادتين 16 و26 من كناش التحملات للمكتب الوطني للسكك الحديدية ، وعقدة التسيير التي تربط إحدى الشركات بجماعة الصخور السوداء بالدار البيضاء ، والمتعلقة بجمع النفايات المنزلية حيث تنص عل ما يلي : كل النزاعات التي تحصل أتناء تنفيذ العقد تعرض على لجنة تحكيمية يرأسها عامل عمالة عين السبع الحي المحمدي ومكونة من رئيس جماعة الصخور السوداء و مسير [8] .
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فالتحكيم غير مشروع كذلك في المنازعات المتعلقة بالدولة والهيئات والمؤسسات العامة إلا انه بالنسبة للمشروعات التجارية والصناعية العامة فيمكن الترخيص لحل نزاعاتها بالتحكيم بمقتضى مرسوم [9] ، وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ عندما اعتبر أن : إدراج شرط التحكيم بالعقود الإدارية يعد باطلا ، وإدراجه لا يعد عائقا في اللجوء إلى القضاء الإداري مباشرة .
الفقرة الثانية : التحكيم كوسيلة لفض النزاع
إذا كان قانون المسطرة المدنية يضع قاعدة عامة مفادها عدم إمكانية اللجوء إلى التحكيم كلما تعلق الأمر بعقود يحكمها القانون العام فإنه بالرجوع إلى مرسوم 30/12/1998 والمتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بمراقبتها وتدبيرها نجد الفصل الثاني ينص على انه : يمكن الحيد عن مقتضيات هذا القانون فيما يتعلق بالصفقات العمومية المبرمة في إطار الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها المغرب مع هيئات دولية أو دول أجنبية إذا نصت هذه الاتفاقية أو المعاهدة صراحة على تطبيق شروط وأشكال خاصة بإبرام الصفقات .
و الملاحظ ان هذه المادة تتعلق بالصفقات التي تبرم مع طرف أجنبي ، حيث يجوز في هذه الحالة اللجوء إلى التحكيم ، ولعل المشرع ابتغى من وراء ذلك حل بعض المشاكل والمتعلقة أساسا بالقانون الواجب التطبيق ، وكذا التزاما منه باتفاقية نيويورك المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي ، وقد سارت العديد من الدول في نفس المنحى كما هو الشأن بالنسبة للمشرع التونسي ، الذي اعتبر في حكم ان الدفع ببطلان شرط التحكيم في العقد المبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية و إحدى الشركات الفرنسية لا يعتد به على اعتبار أن التحكيم يعد صحيحا وملزما حتى مع وجود نص تشريعي يضع قيدا على ذلك [10] .
المطلب الثاني : اختصاص المحاكم في المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية
سنتطرق في هذا المبحث للجهة المختصة نوعيا للبت في النزاع (الفقرة الأولى ) وما يطرحه هذا الموضوع من إشكالات (الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : الاختصاص النوعي
إذا كان المشرع قد أجاز سواء للمتعاقد أو لغيره اللجوء إلى الطعن لإلغاء القرارات المنفصلة [11] عن العملية العقدية ، فإنه مباشرة بعد التعاقد يطرح السؤال عن الجهة المختصة للنظر في المنازعات التي قد تنجم عن عقد الصفقة ، خاصة أن الإدارة ونظرا للامتيازات التي تتمتع بها والمستمدة أساسا من مهمتها المتمثلة في الحفاظ على المصلحة العامة ، قد تعمد إلى إصدار قرارات تضر بمصلحة الطرف المتعاقد .
بالرجوع إلى المادة 8 [12] من القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية نجدها تسند الاختصاص للمحاكم الإدارية كلما كان النزاع ناشئا عن عقد إداري ، وبما أن الصفقة العمومية عقد إداري بقوة القانون ، فإن النزاعات الناشئة عن هذا العقد يدخل في الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية ، أي القضاء الشامل بالمحاكم الإدارية ، وهذا الاختصاص يمتد ليشمل جميع المنازعات المتعلقة بالإجراءات التي تتخذها جهة الإدارة بعد التعاقد حتى ولو انصب النزاع على إلغاء قرار اتخذته الإدارة المتعاقدة أثناء تنفيذ العقد وأساس ذلك أن ما تصدره الإدارة م قرارات تنفيذا للعقد مثل القرارات الصادرة بتوقيع أي من الجزاءات العقدية أو فسخ العقد أو إنهائه [13] ، وتكون المنازعات المتولدة عن تلك القرارات والإجراءات هي منازعات حقوقية تدخل في نطاق القضاء الشامل دون قضاء الإلغاء ، ويترتب عن ذلك أن كل نزاع نشأ عن علاقة تعاقدية بين الإدارة والمتعاقد معها يخضع للقضاء الشامل ، وقد تم تكريس هذا المبدأ من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية حيث اعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط [14] أن : المنازعة حول قيام الإدارة بفسخ عقد إداري هي منازعة تنصب حول العقد ، وبالتالي يبقى القضاء الشامل هو المختص بالنظر فيها ، وأن القرار الإداري القاضي بفسخ عقد الصفقة هو قرار متصل بالعقد الإداري لا منفصل عنه ، وبالتالي لا يجوز تقديم دعوى الإلغاء في مواجهته نظرا لوجود دعوى موازية ، وقد ذهبت نفس المحكمة في اجتهاد آخر [15] إلى : عدم قبول طلب إلغاء قرار صادر عن الإدارة في إطار تنفيذ العقد معللة حكمها بأنه : حيث إن القرار المطعون فيه لا يعتبر قرارا منفصلا ، وإنما متصل ، وما دام النزاع ينحصر حول تنفيذ بنود العقد ، الشيء الذي يتعين معه على الطاعن تقديم دعواه في إطار القضاء الشامل .....
وبما أن اختصاص القضاء الإداري للبت في منازعات الصفقات العمومية شامل لكل ما يتعلق بتكوين العقد أو تنفيذه أو إنهائه ، فإنه يشمل كذلك المنازعات المتفرعة عن هذا العقد ، ومن بينها المنازعات التي يمكن رفعها في إطار طلبات استعجالية ، وفي هذا الصدد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش [16] أن : اختصاص القضاء المستعجل الإداري رهين بانعقاد الاختصاص في الأصل للمحكمة الإدارية الذي هو فرع منها ، وفي نفس المنحى اتجهت المحكمة التجارية بالرباط [17] حيث ذهبت إلى : أن الصفقات العمومية موضوع عقود إدارية تختص بها المحاكم الإدارية ، وتبعا لذلك لا يكون القضاء التجاري المستعجل مختصا بإصدار أوامر وقتية ، اما بالنسبة لاختصاص قاضي المستعجلات الإداري في النزاعات الناشئة عن عقد الصفقة ، فإنه وما دام القانون المحدث للمحاكم الإدارية قد أحال بخصوص الموضوع على مقتضيات المسطرة المدنية فإن القضاء المغربي أكد على ذلك من خلال العديد من المناسبات حيث اتجه إلى : اعتبار النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية والصفقات العمومية لايختص بالنظر فيها قاضي المستعجلات الإداري إذا كان البت فيها فيه مساس بالجوهر ، وذلك تطبيقا للمواد 7و19 من القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية والفصل 152 من ق م م .
الفقرة الثانية : الإشكالات المرتبطة بالاختصاص النوعي
بمقتضى المادة 72 من مرسوم 30/12/1998 فإن الإدارة يمكنها القيام مباشرة باقتناء توريدات تسلم في الحال أو إنجاز أشغال أو خدمات في حدود مائة ألف درهم 100.000.00 درهم وبرسم سنة واحدة مع إمكانية رفع هذا المبلغ بقرار يتخذه الوزير الأول بعد استطلاع رأي الوزير المكلف ، وهذا الأسلوب من التعاقد طرح إشكالات قانونية حول الجهة القضائية المختصة نوعيا للبت في النزاع الناشيء بين الإدارة و المقاول أي التعاقد عبر سندات الطلب ، وهكذا فقد اتجهت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في إحدى قراراتها [18] إلى انه : بما أن العقد لا تتوفر فيه مقومات الصفقة العمومية ، وبما أن قيمة المعاملة قد حددت مبدئيا في 90.481.75 درهم ، وبما أنه رخص للإدارات والجماعات الحق في إبرام تعاقدات في إطار القانون الخاص وعن طريق سندات الطلب ، فإنه رغم الهدف المتوخى من وراء التعاقد و المتمثل في المصلحة العامة فإن الاختصاص ينعقد للقضاء العادي طبقا للقانون الخاص وليس لجهة القضاء الإداري ، إلا أن هناك اتجاه آخر للقضاء الإداري المغربي يرى أن مجرد تنصيص الفصل الثاني يمن المرسوم المشار إليه أعلاه على استبعاد العقود التي تبرمها أي إدارة طبقا لشكليات القانون العادي من نطاق تطبيقه ، يعني أن لجوء الإدارة إلى التعاقد عبر سندات الطلب من اجل اقتناء توريدات أو إنجاز أشغال تعدو وبامتياز من مواضيع الصفقات العمومية لا يخرج النزاع من اختصاص القضاء الإداري ، وفي هذا الصدد اتجهت الغرفة الإدارية [19] إلى : انه ورغم عدم إبرام الأشغال – التي تعدت قيمة 100.000.00 درهم في الشكل و الإطار الذي حدده مرسوم 30/12/1998 فإن ذلك لا ينزع عنه صبغة العقد الإداري ، إذ يكفي الاعتماد على مقتضيات المرسوم لاعتبار موضوع ند الطلب عقدا إداريا ، والنزاع بشأنه ينعقد للقضاء الإداري .
وفي اعتقادي المتواضع فإن الرأي الأخير حري بالتأييد ، على أساس أن التعامل مع الإدارة هو من الخطورة بمكان ، لهذا السبب أوجد المشرع المحاكم الإدارية التي تراقب سلطة الإدارة في مختلف تصرفاتها ، و أن منح الإدارة لإمكانية إبرام صفقات دون اللجوء إلى المسطرة المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية كان له ما يبرره ، إذ أن استمرارية المرفق والسرعة تقتضي تجاوز المساطر، إلا أن هذا لا ينبغي أن يتم على حساب المتعاقد ، الذي قد لا يسعفه القضاء العادي في الكثير من الأحيان في الحصول على حقوقه خاصة خلال مرحلة التنفيذ ، على خلاف القضاء الإداري الذي حدت قراراته واجتهادا ته من الامبالات التي اتخذتها الإدارة لسنوات عدة تجاه أحكام القضاء .
التعليقات على الموضوع