عبد اللطيف برحو:نائب برلماني كلما اقترب أجل وضع مشروع القانون المالي أمام البرلمان إلا واحتد النقاش بين الفاعلين الاقتصاديين حول الإصل...
عبد اللطيف برحو:نائب برلماني
كلما اقترب أجل وضع مشروع القانون المالي أمام البرلمان إلا واحتد النقاش بين الفاعلين الاقتصاديين حول الإصلاح الضريبي وضروراته ودوره في تخفيف الضغط الجبائي على المقاولات وتمكينها من هامش أكثر لزيادة قدرتها التنافسية.
وبمقابل ذلك عشنا نوعا آخر من الاستباق بطله وزير الاقتصاد والمالية الذي صرح مؤخرا بأن القانون المالي المقبل سيعرف إصلاحا للضريبة على القيمة المضافة، خاصة وأن السنوات السابقة عرفت إصلاحات هامة للضريبة على الدخل منذ 2009 والضريبة على الشركات منذ سنة 2013، في حين كان الأولى أن يركز على الأولويات الأساسية المرتبطة بتحفيز القطاع الصناعي والمقتضيات الضريبية المرتبطة به.
وإذا كان الرأي العام قد تابع بكثير من اللامبالاة هذه التصريحات التي جاءت خارج أي سياق، خاصة وأن النقاش حول القانون المالي المقبل لم يتم بدؤه بلجنة المالية بالبرلمان بعد، فإنه يتعين إثارة الانتباه إلى أن الإصلاح الضريبي يعتبر عملية جد معقدة وتنزيلا لبرنامج استراتيجي يرتبط بالبرنامج الحكومي ويدعم المخططات والأوراش الكبرى للدولة، مثلما يعتبر القانون المالي نفسه وعاء ماليا وميزانياتيا لتنزيل هذه البرامج والمخططات القطاعية وبرمجة اعتماداتها المالية.
وإذا كان المغرب لا زال يفتقر لحد الآن لميثاق الاستثمارات الذي انتهى أجلة سنة 2005، فإن الحكومة ووزارة المالية يجب أن تستند في إجراءاتها الكبرى على مرجعية البرنامج الحكومي للقيام بالإصلاحات الضريبية وإقرار المراجعات يجب أن يكون في إطار البرنامج الحكومي والمخططات الكبرى التي تعدها القطاعات الحكومية وتنفذها، ويتعين بالتالي أن تكون أساس إعداد المذكرة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية 2016.
فالمغرب مقبل على تنزيل مخطط تسريع التنمية الصناعية خلال الخمس سنوات القادمة، ويعيش مجموعة من الإكراهات المرتبطة بقطاعات صناعية كبرى تشغل مئات الآلاف من اليد العاملة وتعاني من ثقل كبير للضغط الجبائي وللتكاليف الاجتماعية.
وبالمقابل لا يمكن إنعاش القطاع الصناعي، وجعله قاطرة حقيقية للتصدير ولتوازن الميزان التجاري وميزان الأداءات، دون إجراءات جبائية واضحة تدعم قدراته التنافسية.
فوزارة المالية يجب أن تنكب حاليا على إعداد ميثاق جديد للاستثمارات، وفق ما هو منصوص عليه في البرنامج الحكومي، قبل أن تمر للإجراءات التفصيلية التي يتعين أن يتضمنها مثل هذا الميثاق. فصياغة نموذج جديد للنمو الاقتصادي للمملكة يمر بالضرورة عبر وضع ميثاق للاستثمارات يضع برنامجا لاعتماد الإجراءات القانونية والضريبية والمالية والميزانياتية لدعم مركبات النمو الاقتصادي، وليس الاقتصار على إجراءات ضريبية معزولة وبدون مرجعية أساسية.
وإذا كان وزير الاقتصاد والمالية قد استطاع إدراج مسألة المراجعة التدريجية لأسعار الضريبة على القيمة المضافة TVA ضمن المذكرة التوجيهية الخاصة بإعداد قانون المالية للسنة القادمة، فإنه مطالب قبل ذلك بالإسراع بإعداد قانون إطار بمثابة ميثاق للاستثمارات يواكب المخططات الاستراتيجية الكبرى للمملكة على المستوى الاقتصادي.
فمثل هذا الميثاق سيكون أساس إدراج الإصلاحات الضريبية الكبرى، خاصة على مستوى مواكبة مخطط تسريع التنمية الصناعية، وبرنامج دعم قطاع النقل واللوجستيك، ومواصلة دعم مخطط المغرب الأخضر وبرامج الطاقات البديلة، إضافة إلى تعزيز مكانة المغرب على مستوى المهن العالمية وتشجيع التصدير.
إذا كانت الحكومة عازمة على دعم تنافسية المقاولات وإنعاش الاقتصاد الوطني فإنها مطالبة بتخفيف الضغط الضريبي على المقاولات ومراجعة الضريبة على الشركات، انسجاما مع البرنامج الحكومي ومع مخطط تسريع التنمية الصناعية.
أما مراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة TVA في اتجاه توحيدها في شطرين لا تعني إلا شيئا واحدا: رفع سعر 7% ليصبح 10% ورفع سعر 14% ليصبح 20%، وهذا الإجراء بقدر ما يعتبر زيادة في الضغط الضريبي على الاستهلاك، فإن مردوده المالي الفعلي يبقى ضعيفا وأثره الاقتصادي يبقى هامشيا.
فالإصلاحات الاقتصادية الكبرى يجب أن تركز دائما على إنعاش الإنتاج ودعم الاستهلاك وليس العكس، لأن الضريبة على القيمة المضافة رغم أنها الأكثر حيادية فإنها تؤثر سلبا على الاستهلاك وبالتالي على الإنتاج، ويكون مردودها المالي سلبيا بعد استكمال دورتها الاقتصادية.
وعلى هذا الأساس يتعين التركيز في الإصلاح الضريبي على الضريبة على الشركات وعلى التمييز التدريجي بين أصناف المقاولات العاملة في مختلق القطاعات الاقتصادية، وعلى مدى مساهمتها في خلق فرص الشغل المستدامة، ومدى قدرتها على رفع وتيرة النمو وتقليص العجز المالي والاقتصادي.
أما إصلاح الضريبة على القيمة المضافة فلها آليات وأهداف أخرى تقتصر على ربط الموارد الضريبية بالاستهلاك، وهي عملية تقنية لا تعتبر ذات نفع اقتصادي كبير على المديين المتوسط والبعيد.
إن التدبير الحكومي الفعال يقتضي ربط أي إصلاح ضريبي بالأوراش الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة، ويتعين أن يأتي منسما مع البرنامج الحكومي الذي أكد على دعم القطاع الصناعي ورفع تنافسيته، وعلى تشجيع الصناعات الموجهة للتصدير، لأن هذه القطاعات تساهم بأكثر من 80% من القدرات التصديرية للمملكة.
وإذا لم يتم التركيز على دعم قطاعات صناعية كبرى عبر تخفيف الضغط الضريبي عليها وتخفيض نسبي للتكاليف الاجتماعية فإنها ستتقلص عوض أن تتوسع، وسيجد المغرب نفسه بعد أقل من عشر سنوات أمام هيمنة مطلقة لقطاع الخدمات على حجم الاقتصاد الوطني مقابل تراجع كبير لقدرات المقاولات على التوظيف وعلى خلق مناصب الشغل.
فالقطاع الصناعي يشغل أكثر من ثلاثة أضعاف ما يشغله قطاع الخدمات، ويساهم حاليا بنسبة ضخمة في القيمة المضافة عند التصدير، ويساعد على تخفيض نسب عجز الميزان التجاري وميزان الأداءات، وأية إجراءات لتخفيف الضغط الجبائي عليه ستسير في اتجاه دعم تنافسيته وطنيا ودوليا.
وبالتالي سيتمكن المغرب من إطلاق دينامية اقتصادية حقيقية ستنعش باقي القطاعات، وستؤدي بالتالي لرفع تدريجي ودائم للموارد العمومية دون اللجوء لرفع الضغط الجبائي على الاستهلاك الداخلي واستهلاك الأسر عبر مراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة.
إن الوضعية الحالية للمالية العمومية تسمح بهامش واسع للحكومة من أجل مباشرة إصلاحات ضريبية حقيقية تمكن من رفع تنافسية المقاولات ودعم التشغيل، وهما الهدفان الرئيسيان في البرنامج الاقتصادي للحكومة، وإذا تم التركيز على إجراءات هامشية مثل الضريبة على القيمة المضافة فإن الدولة قد ترفع نسبيا من الموارد العمومية لكنها لن تبني اقتصادا حقيقيا يركز على التنمية الصناعية بالموازاة مع مواصلة دعم القطاع الفلاحي واستقطاب الاستثمارات الكبرى الأجنبية.
ليست هناك تعليقات