لاشك أن موضوع حماية المال العام والرقابة عليه، ظل من القضايا الشائكة التي أخذت حيزا مهما في النقاش العمومي منذ فجر الاستقلال،نظرا لكون...
لاشك أن موضوع حماية المال العام والرقابة عليه، ظل من
القضايا الشائكة التي أخذت حيزا مهما في النقاش العمومي منذ فجر الاستقلال،نظرا
لكون المال العام يعد الوسيلة الأساسية لعمل الدولة وسير مرافقها الضرورية.كما
يشكل العنصر الأساس لسد الحاجيات اليومية لمختلف مؤسساتها ومن خلالها حاجيات مختلف
الفئات الاجتماعية،إلا أن تحقيق ذلك غالبا ما يصطدم بواقع مرير،واقع تتجسد فيه
مجموعة من الممارسات والاختلالات التي تهم تدبير ومراقبة تحصيل وصرف الأموال العمومية،وهو
ما قد يترتب عنه مجموعة من الاختلالات،ذات
نتائج وعواقب وخيمة على كل المستويات،السياسية،الاجتماعية والاقتصادية،كما يمكن أن
يتحول ذلك إلى احتقان اجتماعي مرده المطالبة بالإصلاحات.
إن ثورات الربيع العربي أو
الديمقراطي كما يحلو للبعض تسميتها، رفعت شعارات قوية تطالب فيها بإسقاط الفساد و
الاستبداد،واستغلال المال العام ، والمطالبة برحيل رموز الفساد و مناهضة
الافلات من العقاب لمرتكبي جرائم نهب المال العام والحق في الكرامة، والانتفاع من
ثروات البلاد ومواردها الطبيعية،وأين كانت الأسباب الواضحة والخفية التي تقف وراء
هذا الحراك،فان بعض تجلياته يبدو من خلالها
تزايد الوعي الحقوقي بمسألة حماية المال العام لدى الشعوب العربية.
والمغرب بدوره ليس استثناء،حيث رفعت مطالب بإسقاط الفساد وبتخليق الحياة العامة وتفعيل اليات المحاسبة
والمساءلة في تدبير الشأن العام وإعمال مبادئ الشفافية والنزاهة في الانتخابات
وتحريك المتابعة الجنائية في حق رموز الفساد الاقتصادي الذين يستفيدون من سياسة
الريع،واستغلال النفوذ،وهي كلها صور لجرائم
تمس حرمة المال العام وهيبته.
استنادا لما سبق ولمجموعة من التراكمات السلبية في تدبير
المالية العمومية،اخترنا موضوع المال
العام بين الحماية القانونية والضمانات الرقابية،لنلامس
من خلاله المنظومة القانونية والمؤسسات
الرقابية ودورهما في ضمان جو الشفافية وتكريس مجموعة من المبادئ من
قبيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمساواة بغرض إرساء دعائم دولة القانون والعمل
على تخليق الحياة العامة بغية تحقيق التنمية المستدامة[1]
.
فإشكالية
حماية المال العام هي اليوم في قلب الحدث والتجاذب القانوني والسياسي بعد عرض
الصحافة الوطنية للائحة المستفيدين من مأذونيات النقل عبر الحافلات ومقالع الرمال
ومناجم الغاسول وقيام القضاء بتحريك اليات التحقيق والمتابعة الجنائية في حق بعض
المسؤولين المتهمين في قضايا الاختلاسات في المؤسسات العمومية،من قبيل المكتب
الوطني للمطارات والبك العقاري والسياحي،كما أن التقارير السوداء التي ينشرها المجلس الأعلى للحسابات والتي عرفت وثيرة صدورها تطورا مضطردا مند
التقرير الأول الذي جمع ما بين سنة 2003و2004،وتضمن تقيم المستجدات الواردة في
قانون 13 يونيو 2002،وتم بموجبه اعادة
هيكلة الغرف وتنصيب المجالس الجهوية للحسابات والتي اسندت اليها مهام مراقبة مالية
الجماعات المحلية،هذا الاختصاص الذي أنيط بالمجالس الجهوية للحسابات،يأتي بالموازاة
مع ما قام به المغرب من إصلاحات في مجال اللامركزية الادارية.
وقد بدأ الاهتمام الفعلي بموضوع حماية المال العام في المغرب
بعدما ورث مؤسسات إدارية ورقابية ضعيفة من المستعمر،وهو ما دفعه آنذاك لاتخاذ
خطوات جريئة في اتجاه إقرار هيئة عليا
للرقابة على المال العام،وقد كانت البداية مع
إحداث اللجنة الوطنية للحسابات،ليتواصل بعد ذلك مسلسل البحث عن وجود مؤسسات
رقابية ناجعة،حيث تخلل عملية البحث هاته المرور بمجموعة من المحطات الحاسمة في
تاريخ تطوير أنظمة تدبير الأموال العمومية
بالمغرب،وذلك من خلال مجموعة من المبادرات والبرامج التي قامت بها الدولة في سبيل
تحقيق طفرة نوعية تستهدف ايجاد مقاربة ناجعة لموضوع حماية الأموال العامة، خاصة
على المستوى القانوني والمؤسساتي.وقد اجمعت العديد من التقارير الدولية على تصنيف
المغرب في المراتب المتدنية في مؤشر التنمية بفعل ارتفاع جرائم الفساد المالي، حيث
أضحت بعض المؤسسات والمجالس الجماعية المنتخبة وسلطات الوصاية مجالا لسوء التدبير
والفساد المالي والتلاعب بالأموال العمومية واستنزاف الموارد وتهريب الصفقات
والاستفادة من الإعفاءات الضريبية، مما أدى إلى تعطيل العديد من القطاعات الحيوية
العمومية من خلال تعقيد المساطير الإدارية وفتح المجال لسلطة الرشوة والزبونية
والمحسوبية واستغلال النفوذ.
إن تخليق الحياة العامة و مواجهة
سياسة الريع يستدعي تفعيل آليات المراقبة المالية والإدارية ومناهضة الإفلات من
العقاب في حالة استغلال النفوذ والثراء غير المشروع، بإعمال المراجعة القبلية
والبعدية والمصاحبة لمالية المسؤولين الممارسين لمختلف المهام الإدارية والمنتخبين
في المجالس الجماعية والبلدية، وكذلك توظيف الضريبة على الثروة لتستفيد الدولة من توفير
سيولة مالية اضافية.
كما
تمثل انشغال واهتمام المنظمات الدولية والإقليمية بموضوع حماية المال العام وقدمت
بشأنه غير ما مرة توصيات وملاحظات مهمة للمغرب،كما هو الشأن بالنسبة للأنتوساي (المنظمة
الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية
والمحاسبة)، ألأرابوساي(المنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية
والمحاسبة)[2]،والتي تمحورت مجمل توصياتها حول البحث عن
السبل الناجعة لحماية ومراقبة المال العام لتخطي مجموعة من الهفوات والأخطاء
المرتكبة في هذا الصدد،ولتقوية دور الدولة ومؤسساتها في بسط رقابتها على أموالها،
تفاديا لإعادة انتاج الإكراهات التي اعاقت
صيرورة تطور الدولة وازدهارها،حيث أعاقت الدولة
في البحث عن حلول وخطط اصلاحية كفيلة بتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.وهو ما
أضاع على المغرب سنوات وفرص كثيرة في مواضيع اعتبرت اهدارا للجهد وللإمكانيات التي
كان من المفترض أن تستثمر فيما يعود بالنفع العام.
وقد
صنفت منظمة الشفافية الدوليةTransparency في تقرير لها نشر سنة 2003 المغرب ضمن المراتب المتأخرة على مستوى
الشفافية ومعدلات الفساد بها حيث جاء في المرتبة 74 عالميا ضمن 130 دولة شملها
التقرير،فيما تصدرت سلطنة عمان ترتيب الدول العربية ألأكثر شافية على مستوى تدبير
الشأن العام.
وارتباطا
بتحديد مفهوم وتعريف المال العام،فقد كان
الفقه القانوني المصري سباقاً إلى وضع نصوص قانونية خاصة بالمال العام على المستوى
العربي، كما أن القضاء المصري كان السباق ولازال،للفصل في قضايا المال العام
وأحكامه،ويعد الفقه المصري مرجعا اساسيا للباحث العربي في هذا المجال،لكن يبقى
القانون الفرنسي وكذا الاجتهاد القضائي الفرنسي
الأعرق والأسبق والأكثر اجتهاداً في قضايا المال العام.
وقد
نشأت النظرية التقليدية للأموال العامة في فرنسا في القرن التاسع عشر حيث بدا
التميز بين نوعين من الأموال المملوكة للدولة هي الأموال العامة والأموال الخاصة
بعد أن أصبحت ممتلكات التاج ممتلكات الأمة في أعقاب الثورة الفرنسية.
وكان هذا التمييز بين الأموال العامة والخاصة للإدارة من بنات أفكار الفقه الفرنسي الذي ميز بين شروحاته وتعليقاته على المواد (538) وما بعدها من القانون المدني الفرنسي بين الأموال العامة المخصصة للانتفاع العام وبين أموال الدولة الخاصة. وقد انتقلت فكرة التميز بين نوعين من أموال الدولة إلى الفقه الإداري العربي واخذ بها المشرع في بعض الأقطار العربية ومنها مصر.
وكان هذا التمييز بين الأموال العامة والخاصة للإدارة من بنات أفكار الفقه الفرنسي الذي ميز بين شروحاته وتعليقاته على المواد (538) وما بعدها من القانون المدني الفرنسي بين الأموال العامة المخصصة للانتفاع العام وبين أموال الدولة الخاصة. وقد انتقلت فكرة التميز بين نوعين من أموال الدولة إلى الفقه الإداري العربي واخذ بها المشرع في بعض الأقطار العربية ومنها مصر.
وقد
عرف المشرع المصري المال العام بكونه ذلك المال الذي تمتلكه الدولة أو أحد أشخاص
القانون العام والمخصصة للمنفعة العامة بقانون أو بقرار أو بفعل، ومن أمثلة ذلك الطرق
والجسور والشوارع ومباني الوزارات والمؤسسات والأنهار والبحار...الخ،وهنا تكون
ملكية الدولة لهذه الأشياء ملكية عامة..وهناك ملكية خاصة للدولة أيضا أي تمتلك بعض
الأشياء شأنها في ذلك شأن ملكية الأفراد الطبيعيين لها ومن أمثلة ذلك الأراضي غير
المزروعة التي لا مالك لها وأموال القطاع العام وكذا أموال الشركات المساهمة ما لم
يوجد نص بخلاف ذلك وجميع الأشياء العامة التي تم تحويلها الى اشياء خاصة وذلك
بزوال تخصيصا للمنفعة العامة بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص أو
بالفعل أو بانتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة
فيما
لم يختلف المشرع المغربي في تعريفه للمال العام كثيرا عن نظيره المصري،حيث عرف الأموال العامة على أنها كل ما
تملكه الدولة والأشخاص المعنوية الأخرى من أموال عقارية ومنقولة،والتي يتم تخصيصا
لتحقيق المصلحة العامة،سواء بنص تشريعي صريح أو بطبيعتها،أو بتهيئة الانسان لها.
ويمكن
القول من كل ذلك أن العنصر الطاغي على تحديد عمومية الأموال يجد تفسيره في تخصيصه
للمصلحة العامة كركن أساسي،والتميز بين ملكية الدولة للأموال العامة كما تملك
أموال خاصة مثل ما هو عليه الشأن بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.لكن في المقابل وعلى الرغم من الاجتهادات الفقهية
والقانونية المرتبطة بالمال العام،إلا
أنها لم تواكب التطور الذي عرفته أشكال وطرق الاعتداءات والجرائم التي تنال من
حرمته.
كما
ان منظومة الرقابة على المال العام وتعددها
تطرح بدورها أكثر من سؤال،خاصة في الجانب المتعلق بمسؤولية ألأجهزة
الرقابية على الأموال العمومية.حيث تأخذ الرقابة على المال العام أشكال وصور
مختلفة،منها على الخصوص ما يتعلق بالرقابة الادارية،الرقابة البرلمانية والرقابة القضائية،وهناك
من يتحدث عن رقابة المجتمع المدني التي تشكل الحلقة الأضعف داخل المنظومة الرقابية
بحكم عدم وجود نصوص قانونية واضحة في هذا الباب.
فالرقابة
الادارية هي شكل من أشكال الرقابة على اعمال الادارة،ووسيلة من وسائل الحفاظ على
الشرعية،وبالمغرب فان وزارة المالية تشغل حيزا هاما في اطار الرقابة الإدارية من
خلال السلطات المخولة لآليات التفتيش وأجهزة الرقابة التابعة لها وعلى رأسها
المفتشية العامة للمالية،التي تختص بالقيام بكل التحريات التي تهم تدبير المال
العام،وتعتمد في عملها على عنصر المفاجأة اذ تقوم بدورات تفتيش مفاجئ للإدارات تحدد حسب دواعي الاختيار،اما بناء على
طلبات التدخل من وزراء أو مسؤولي مصالح معينة،أو بناء على تلقي شكايات أو اشاعات
مؤكدة أو استنادا الى اقتراح من المفتش العام بإجراء كل تحقيق يراه مفيدا ويحدد
موضوعه بموافقة وزير المالية،وتحيط هذه المراقبة بكافة جوانب المصلحة موضع البحث
وتتوج بمحضر شامل يسجل نتائج التفتيش.
وتعد الرقابة البرلمانية على المال العام
والمساءلة عن كيفية إنفاقه أهم الأسس التي يقوم عليها أي نظام سياسي ديمقراطي ،
فالمساءلة وإطلاع الرأي العام على كيفية وطرق استعمال الدولة للمال العام اصبح يعتبر حقا من حقوق الإنسان.وتجري
هذه المراقبة من طرف البرلمان باعتباره هو الذي يرخص للحكومة بتحصيل الموارد
والقيام بصرف النفقات عند مصادقته سنويا على القانون المالي،بالإضافة الى كون
الحكومة تعتبر بمقتضى الدستور مسئولة سياسيا أمام جلالة الملك وأمام
البرلمان،ويتوفر هذا الأخير على مجموعة من الوسائل لمراقبة هذا النشاط المالي
للحكومة أثناء تنفيذ القانون المالي،كما يعتمد على وسائل أخرى لمراقبة النشاط بعد
تنفيذ القانون.
وتكاد
جميع الدول تجمع على مسألة إحداث المراقبة السياسية على تنفيذ ألميزانية وتختلف
درجة قوة هذه المراقبة من بلد لآخر وذلك حسب درجة التقدم الديمقراطي والفصل بين
السلط،وينص دستور المملكة على مراقبة البرلمان لعمل الحكومة وتقييم السياسات
العمومية،كما يصدر قانون المالية بعد تصويت البرلمان بالأغلبية.[3]
ويمكن تقسيم هذه المراقبة إلى مراقبة سابقة على
تنفيذ الميزانية والتي بموجبها يصوت البرلمان على قانون المالية أو يصوت برفضه،
والمراقبة المصاحبة التي يقوم بها البرلمان من خلال الأسئلة المقدمة للحكومة
واللجان البرلمانية ولجان تقصي الحقائق،بالإضافة الى المراقبة اللاحقة التي تهم
بالأساس قانون التصفية،والتعديلات التي يمكن أن تطرأ على قانون المالية خلال
تنفيذه.
أما فيما يخص الرقابة القضائية التي تمارسها المحاكم
المالية على الأموال العمومية فهي تشكل محورا أساسيا من رسالتنا هاته،لذلك ارتأينا ترك
الحديث عنها بشكل مفصل في محاور ضمن هاته الرسالة.
وعموما فان الرقابة على الأموال العمومية في المغرب،مرت
بمجموعة من المحطات التاريخية والحاسمة،بداية باللجنة الوطنية للحسابات ومرورا
بالقانون المحدث للمجلس الأعلى للحسابات في نسخته الأولى(القانون 12-79) وصولا الى
دستور 1996 الذي اسس لمرحلة تاريخية
وحاسمة في مسار الرقابة العليا على المال العام، والتي همت بالأساس التنصيص داخل
الوثيقة الدستورية على مؤسسة المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات،والتي اصبحت
تلعب دورا مهما في الرقابة على المال العام سواء في بعده الوطني أو المحلي،حيث
ترصد التقارير السنوية للمحاكم
المالية،جملة من الاختلالات و الملاحظات المرتبطة بالتدبير الاداري و المالي
للعشرات من المؤسسات العمومية و الشبه العمومية،إلا أن المجهودات المبذولة من طرف
قضاة المحاكم المالية غالبا ما كانت تصطدم بمجموعة من المعيقات،سواء منها ما
يرتبط بشساعة التراب الوطني أو عدم تغطية
المجلس لمجموعة من الجهات،حيث يتوفر على تسع مجالس جهوية في ظل ستة عشرة
جهة،بالإضافة إلى بعض الإكراهات الموجودة على مستوى بعض المرافق العمومية لعدم
توفرها على أرشيف واضح يبين تفاصيل
عملياتها،كما أن المسؤولين عن بعض الاختلالات إما انتقلوا أو أحيلوا على
التقاعد،وهو ما يجعل مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة تطرح أكثر من علامة استفهام.
وتجب الإشارة هنا أن مجلس الأعلى للحسابات لم يصدر تقاريره إلا
سنة 2004،وهو ما تعذر معه الاطلاع على مجموعة من الاختلالات التي شابت السنوات
الماضية،خاصة وأن المجلس الأعلى في صيغته الأولى لسنة 1979،والتي تم تدعيمها بدسترة
1996 سنة، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يبقى عمله محصورا في بعض الملفات المركزية
التي لا تفيد في أي من الأحوال في تكوين صورة واضحة ودقيقة عن عمل المجلس،باعتباره
هيئة عليا للرقابة على الأموال العمومية،كما هو الشأن بالنسبة للمجالس الجهوية
للحسابات التي ظلت تحمل هذا الاسم فقط مند
دسترتها إلى تاريخ إصدار أول تقرير
للمجلس الأعلى للحسابات.
·
المال العام
كل ما تملكه الدولة وسائر الأشخاص المعنوية العامة من أموال عقارية ومنقولة، تخصص
لتحقيق المنفعة العامة سواء بطبيعتها أو بتهيئة الإنسان لها أو بنص تشريعي صريح[4]،
وتسمى الدومين العام وتخضع لنظام قانوني متميز وقواعد قانونية مختلفة، وإسباغ صفة
العمومية من مال على أموال الإدارة العمومية يقتضي إخضاعه لمجموعة من القواعد
القاننونية التي لا نجد نظيرا لها بالنسبة لأموال الأفراد نظرا لتخصيص هذا المال
للنفع العام وأهم هذه القواعد :عدم جواز التصرف في المال العام وعدم جواز تملك
المال العام بالتقادم وعدم قابلية الأموال العامة للحجز.
·
التمييز بين
الملك العمومي والملك الخاص للدولة:لم يكن المغرب يعرف الملك
العمومي بالشكل الذي هو عليه الآن،إلا بعد
الدخول الفرنسي أي بعد سنة 1912،إلا أن دلك لا يعني أن المغرب لم يكن يعرف مفهوم
الأموال العمومية،إلا أنها لم تكن تعرف معيار قار يمكن الاستناد إليه في التمييز بين
الأموال العامة والخاصة للدولة.ومباشر بعد إقامة الحماية الفرنسية بادرت السلطات
العمومية إلى استصدار نصوص تهدف إلى تكوين الملك العمومي وحمايته،وهكذا اصدر الصدر
الأعظم منشورا سنة 1922 يذكر فيه بالميزة الأساسية للملك العمومي والمتمثلة في عدم
قابليته للتصرف.بعد دلك صدر النص الرئيسي الذي لا زال ساري المفعول لحد الآن والدي
أقام حدا فاصلا ما بين الملك العمومي والملك الخاص الجماعي كي يميز الملك العمومي
عن الملك الخاص للدولة..
·
الـمـحـاكم
الـمـالـيـة المنصوص عليها في القانون رقم 62.99 ليست محاكم
بالمفهوم المصطلح عليه ولا تدخل ضمن منظومة التنظيم القضائي للمملكة، لأن الغاية
من تأسيس هذه المحاكم كما تم التنصيص عليها في أحكام الفصول 147 و148 و149 من
دستور الفاتح من يوليوز 2011 "هو ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين
المالية ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة
لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها ويتخذ عند الاقتضاء عقوبات
عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة".
ولا تكتسب المحاكم المالية الصبغة القضائية إلا عندما
تنظر في قضايا المخالفات التي يرتكبها المسؤولون أو الموظفون أو الأعوان بأحد
الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس، أي عندما تصدر أحكاما بالعقوبة على المتابع، وهذه
العقوبات التي تقضي بها هذه المحاكم عقوبات مالية فقط، ولا تعفي المتابع إذا كانت
الأفعال التي قام بها تدخل في نطاق القانون الجنائي العام،حيث تصدر الماحكم
المالية تقارير سنوية تبين من خلالها الاختلالات التي تشوب تدبير وتسيير المرافق
العمومية،وعلى اثر هذه التقارير يمكن للنيابة العامة أن تحرك مسطرة المتابعة في حق
المخالفين.[5]
أهمية
الموضوع :
إن اختيار موضوع المال العام بين الحماية القانونية
والضمانات الرقابية يأتي في سياق مجموعة من المتغيرات التي تعرفها المملكة والمنطقة العربية برمتها،خاصة بعد ما
سمي بالربيع العربي الذي عرف تغير أنظمة عمرت في سدة الحكم لمدد طويلة،غالبا ما
كانت تتهم بالفساد واستغلال المال العام،كما يأتي هذا البحث أيضا في ظل المطالب المرتبطة بتنزيل مضامين دستور
2011،وما يتعلق منها بواقع تدبير ملف المال العام من قبل الدولة ومطالب الحركات الاجتماعية
والفعاليات المدنية والحزبية الداعية إلى تكريس دولة القانون وصيانة حرمة المال
العام باعتباره ملكا للجميع.
كما أن تناولنا لهذا الموضوع يأتي في ظل تزايد الضغوط الخارجية المرتبطة أساسا بالمؤسسات
المالية الدولية، التي ما فتأت تقاريرها تتحدث عن اختلالات مهمة تتعلق بالمال
العام في المغرب وانعكاساتها على معدل النمو، وتكريسها لمنطق الحظوة الاجتماعية في
مقابل عدم وصول درجة الاستفادة إلى الشرائح الاجتماعية البعيدة عن السلطة .
وتزداد أهمية الموضوع أيضا عندما نتمعن في الأرقام
الخالية للأموال العمومية المنهوبة والمعلن عنها في مجموعة من المناسبات،حيث توجد
بشأنها ملفات أمام القضاء،فيما لم يستطيع القضاء الوصول للكثير منها بفعل مجموعة
من المعيقات.
فما يفوق 661 مليون سنتيم متعلقة ب8 ملفات فقط أمام
استئنافية طنجة برسم سنة 2012،فيما توجد قضايا أخرى مبالغها غير محددة وأشخاصها
مجهولة قيد الدرس.ان تعميم هذه الأرقام على باقي استئنافيات المملكة قد يفيد في
تحديد حجم الأموال التي تطالها مختلف صور الجرائم التي سنعرض للبعض منها في رسالتنا
هاته.
وموضوع المال العام بين الحماية القانونية والضمانات
الرقابية يكتسي أهمية كبيرة نظرا لقيمة المال العام وارتباطه الوثيق بكيان الدولة،فحدوث
أي خلل في النظام الاقتصادي يؤدي إلى آثار سيئة على المستوى السياسي للدولة، كما
أن أمن الدولة الداخلي والخارجي لم يعد اليوم مرتبط بقدراتها العسكرية فحسب ولكن
بقدراتها الاقتصادية أيضا .
وتناول هذا الموضوع يقتضي بالضرورة استحضار المنظومة
القانونية والمؤسسات الرقابية المتدخلة في
أوجه هذه الحماية. .
ومن تم نجد أنفسنا مطالبين بالبحث والتحليل في القوانين
التي تهم حماية المال العام ومدى مسايرتها للتطورات التي عرفها المغرب من جهة،ومن
جهة أخرى الدور الذي تضطلع به المؤسسات الرقابية في مراقبة وتقييم تدبير صرف
الأموال العمومية، والتي تنطوي دراستها
على أهمية بالغة اعتبارا لعدة لما تطرحه
اشكالية تفعيل القوانين ومدى مطابقتها وتحيينها حتى تؤدي الدور المنوط بها.
كما تتجسد أهمية هذا الموضوع في محاولة إيجاد أوجه
التكامل بين الحماية القانونية من جهة والمؤسسات الرقابية من جهة
أخرى.
وفضلا عن ما سبق ذكره، تبقى للموضوع أهميته العملية التي
تتجلى في ضبابية مجموعة من النصوص القانونية المرتبطة بحماية المال العام،وطبيعة
مستويات التعاون بين المحاكم المالية والمحاكم العادية لردع كل المتلاعبين بالمال
العام خاصة فيما يخص ضمانات سلطة الإحالة المكفولة لوزارة العدل،وسؤال استقلالية
المجلس الأعلى للحسابات التي نص عليها الدستور.
دوافع اختيار الموضوع:
*يمكن إجمال هده الدوافع إلى
ذاتية وموضوعية:
دوافع ذاتية:
الدافع الأساسي المتعلق بالذات في اختيار هدا الموضوع يرجع بالأساس إلى الرغبة في الاهتمام
بما يقع مؤخرا من تغيرات على مستوى النقاش العمومي المتعلق بقضايا المال العام.
دوافع موضوعية:
إن ارتفاع مطالب محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة،لكسب رهان تنمية حقيقية
ومستدامة شكلت أهم الركائز الموضوعية لاختيارنا هدا الموضوع.
صعوبات
البحث:
لاشك أن موضوع المال العام بين الحماية القانونية والضمانات
الرقابية،يحتاج الى دراسة دقيقة تفرض على الباحث عدة إشكالات تتمثل في ضرورة تدليل مختلف
العقبات التي تعترض سبيله خاصة تلك التي تتعلق بعدم توفر الإحصاءات الرسمية المتعلقة
بحجم الأموال التي تفتقدها الدولة سنويا بفعل الجرائم والمخالفات المرتكبة في
حقها،فحتى تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تصدر في نفس السنة،بل بعد مضي سنتين
وذلك راجع لطبيعة عمل المجلس التي تفرض التدقيق في الحسابات،وهو ما يغيب هذه
ألأخيرة في حينها،كما أن هناك صعوبات وإشكاليات أخرى على مستوى ايجاد صورة موحدة
تجمع الشق القانوني بالمؤسساتي،وعدم وضوح المساطر المتبعة،خاصة في ظل العمل على
تكريس مبدأ استقلالية القضاء.
إشكالية
البحث:
مما سبق التطرق إليه،يمكن
القول أن إشكالية هذا البحث تكمن أساسا في كيفية إرساء آليات فعالة للرقابة على
المال العام وجعلها تحظى بثقة الرأي العام، ومن ثم تؤدي دورها في إرساء آليات
شفافة ونزيهة في رقابة تدبير الأموال العمومية،وتساعد في زيادة كفاءة وفاعلية أداء
التدبير العمومي، إن سعي المغرب إلى مكافحة الفساد الإداري والمالي من خلال
الرقابة الإدارية والمالية ووجود جهاز رقابي متكامل، والتغلب على جميع
المشاكل،رهين بمدى الإجابة عن مجموعة من التساؤلات المحورية التي بإمكانها أن تميط
اللثام عن سياسات ومقاربات قانونية ومؤسساتية واضحة،وهو ما سنحاول التطرق إليه من
خلال هذا البحث،مستعينين في ذلك بسؤال مركزي:
إلى
أي حد استطاع المشرع المغربي أن يوفق بين العمل على تحديث الآليات القانونية
وجعلها متكاملة وبين مؤسسات رقابية ناجعة في حماية المال العام؟
كما سنحاول أن نقارب هذه الإشكالية بدورها من خلال مجموعة
من التساؤلات من قبيل:
هل استطاع المشرع المغربي الإحاطة بكل جوانب
حماية المال العام،وذلك بالعمل على إيجاد
ترسانة قانونية متكاملة؟
هل مستوى الرقابة العليا على المال العام في
المغرب تجيب عن سؤال ترسيخ مبادئ شفافة وواضحة في تدبير الشأن العام؟
-إلى أي حد تمت بلورة مبدأ استقلالية الهيئات
العليا للرقابة على المال العام؟
-ماهي صور وأسباب الاعتداء على المال العام؟
هل استطاعت المقاربة الزجرية في موضوع المال العام
تأدية دورها؟
كيف نفسر استمرار تنامي ظاهر الاعتداء على
المال العام في ظل المقاربات القانونية الحالية؟
وما هي الأسباب التي تدفع الموظف العمومي
لارتكاب جرائم المال العام؟
وماهي الإجراءات والخطوات الكفيلة بردع
المخالفين؟
هل يمكن الحديث عن أفق جديد لحماية المال العام
في المغرب بعد دستور 2011؟
كيف يمكن بلورة استقلالية حقيقية للهيئة
العليا للرقابة على الأموال العمومية؟
[1] - Benzidia(A), « le contrôle des finances
locales et développement économiques et sociales Au Maroc : contraintes et
perspectives », Thése de doctorat d’études en droit public, faculté de
droit, Rabat Agdal 1999, P 86.
[2] عديلة الوردي،رقابة المجلس الأعلى
للحسابات على المال العام بالمغرب"،منشورات مجلة الحقوق المغربية،سلسلة
المعارف القانونية والقضائية،الطبعة الأولى 2012.،ص205-206.
[3] الفصل
75 من دستور 2011،الصادر
بالجريدة الرسمية عدد 5964،بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 شعبان
1432(29 يوليوز 2011).
[4]-
مليكة الصروخ، " القانون الإدري دراسة مقارنة"، الطبعة السابعة مع آخر
المستجدات، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، سنة 2010، ص 373 .
ليست هناك تعليقات