جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية بطنجة ماستر القانون والعلوم الادارية للتنمية السنة الجامعية: 20...
جامعة عبد المالك السعدي
كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية بطنجة
ماستر القانون والعلوم الادارية للتنمية
السنة الجامعية: 2013
"الآليات القانونية والمؤسساتية لحماية المال العام بالمغرب ورهانته"
لقد عرف المغرب صيرورة تاريخية ومحطات مهمة في تحديث منظومة الرقابة ، وبث أنفاس جديدة إليها والتي تعبر عن رغبة المشرع في الرفع من مستويات الرقابة لحماية قصوى للمال العام . إضافة إلى بلوغ الأهداف المرجوة من ترشيد الموارد والنفقات بشكل معقلن ، وتدبير جيد للأموال العامة وتحسين جودة الأداء وتخليق المرفق والإدارة واعتماد المقاربة التشاركية في مكافحة مختلف تمظهرات الفساد الإداري والمالي . ومن هذا المنطلق أصبحت الإدارة المغربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في طرق وآليات عملها وأهدافها وعلاقاتها بمحيطها وهياكلها وخاصة هيئاتها الرقابية التي تستدعي تطوير تقنياتها الرقابية ومناهج التدقيق والاستشارة المعمول بها على الصعيد الدولي. وبالانسجام مع الإصلاح الدستوري العميق الذي شكل منعطفا تاريخيا في المسار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب لترسيخ مبادئ فصل السلط وتوازنها ، وإقراره للجهوية الموسعة ، وتعزيزه لمبادئ الحكامة الجيدة في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية .
فمسلسل الإصلاح التدريجي في مجال تدبير المالية العمومية الذي انخرطت البلاد فيه منذ سنة 2001 ، يهدف بالأساس إلى تكريس الرقابة البعدية على حساب الرقابة القبلية وذلك في أفق خلق منظومة رقابية تستطيع تحسين التدبير المالي ، بمعنى آخر أن المغرب يعرف جميع أنواع الرقابات من حيث التعدد في الطبيعة والاختلاف الزمني لتدخلها والأجهزة المسؤولة عن تنفيذها ، وهذا توجه يعلق آماله على اعتماد المراقبة اللاحقة والتخفيف من وطأة الرقابة السابقة .
وعليه تطرقنا في موضوع بحثنا إلى الحديث بالتفصيل عن مجمل ومختلف الآليات القانونية والمؤسساتية ذات الارتباط الرقابي ومدى إمكانياتها في تحقيق حماية فعالة للأموال العمومية ، إذ أن فعالية الرقابة تتطلب وجود هيئات تتولى مراقبة الأموال وتتبع طرق الصرف والتحصيل ومراقبة ملائمة الإنفاق العام للأهداف المرجوة منه . لذلك قمنا بدراسة مهمة حول مدى قدرة وإمكانية هذه الآليات سواء القانونية منها أو المؤسساتية في فرض رقابة صارمة تحول دون هدر الأموال العامة بالمغرب ، في محاولة منا لرصد الأسباب والدواعي لمظاهر الضعف والقصور الرقابي والإصلاحات التي تواترت على المالية العامة والرقابة المالية في ظل النقاش والجدل المتزايد الذي تشهده الساحة الدستورية والسياسية ببلادنا، وذلك حول ترسيخ مبادئ المساءلة والمحاسبة والتواصل واعتماد المقاربة التشاركية في استصدار النصوص القانونية المتطورة وإحداث بنيات قوية على مستوى الهياكل الرقابية ، في مواجهة استفحال ظاهرة الفساد المالي ومختلف أشكاله .
وحرصا من المغرب على التصدي لظاهرة الفساد الإداري واستباحة الأموال العمومية ، باستغلال الإثراء غير المشروع ، أصبح من المنطقي أن يبحث المشرع المغربي عن وسائل فعالة قادرة على مراقبة مرافق الدولة في الميدان المالي ،ومتابعة تنفيذ بنود الميزانية العامة من خلال الاستخبار حول تدبير المال العام بالمؤسسات العمومية ومنشآت الدولة ووحداتها الإدارية والمالية .
فالأهمية التي يثيرها موضوعنا " الآليات القانونية والمؤسساتية لحماية المال العام بالمغرب ورهاناته " تتمثل في معرفة الصعوبات التي تعترض حماية المال العام سواء على المستوى المحلي أو الوطني ، مع العلم أن الترسانة القانونية توجد تحت مجهر المتابعة والتحديث بغية توفير نمو اقتصادي ممكن للبلاد وضمان الاستقرار الاجتماعي وتحقيق التنمية. إذ نجد على أرض الواقع فراغا كبيرا بين الكلمة والممارسة العملية ، بين النصوص القانونية والفعل الرقابي ، ودليل ذلك استفحال مختلف أشكال الفساد المالي على مستوى العددي من المنشآت ومؤسسات الدولة ، الأمر الذي زاد من تأزم الوضع فيما يتعلق بثقة المواطن في مصداقية ومشروعية الإدارة المغربية .
لذا فتفعيل نظام مراقبة متعدد الأشكال ومختلف المستويات ، أصبحت حماية المال العام ضرورة ملحة لما تشكله موارد الدولة والجماعات الترابية والأجهزة الأخرى من أهمية في البناء الديمقراطي وانتقال الحكامة المالية من مجرد مفهوم إلى نموذج واقعي في تدبير المالية العمومية
فاختياري لموضوع البحث هذا ، نابع من قناعتي بضرورة إضفاء قيمة مضافة على حقل الرقابة ولو بشكل بسيط ، أود من خلال هذه المساهمة – التي لا تخلو بطبيعتها من بعض الثغرات – في إغناء البحث العلمي / الجامعي ، حيث أن الرقابة المالية وآليات تدبيرها القانونية والمؤسساتية في إطار ترشيد النفقات وحماية الأموال العامة ، تكتسي أهمية علمية في أدبيات المالية العامة ، وذلك بحكم التحولات العميقة التي تعرفها منظومة الإنتاج فكرا وفلسفة من خلال تداعي الحدود وتلاشي المسافات واحتدام المنافسة ، واختياري للموضوع جاء نتيجة مزجه لجانبين مهمين " الآليات القانونية " و " الآليات المؤسساتية " في إطار الرقابة على لحماية الأموال العامة وصيانتها ، مما حرك في دوافع الجد والبحث في مواضيع الساعة نظرا للمستجدات التي تطرأ على المنظومة كل حين والتي صارت موضع نقاش واسع بين المنتديات الفكرية التي تعنى بإشكالية الرقابة المالية بالمغرب، مما سيغني دائرة المعارف في هذا المجال .
إن البحث في موضوع الرقابة على المال العام وآلياتها القانونية والمؤسساتية ليس بالأمر اليسير لاعتبارات عدة نجملها فيما يلي:
*لأنه موضوع متجدد ومستمر فالبحث في رحابه يتطلب المتابعة والمواكبة لكل المستجدات التي تطرأ على تحيين الآليات القانونية والمؤسسات المكلفة بمراقبة المال العام ، لعجز هذه الآليات عن الوصول إلى حلول شاملة ومقبولة لحماية المال العام من الفساد من جهة و لمختلف الإشكالات التي يطرحها على المستوى النص القانوني والممارسة العملية من جهة ثانية.
*لأنه موضوع يفرض الغوص في كنهه امتلاك معرفة بالمفاهيم المعتمدة في حقل الرقابة المالية، ونتيجة لذلك، فالباحث في هذا الموضوع يواجه تحديين، الأول يكمن في فك شفرة المفاهيم السائدة في مجال الرقابة من تدقيق وتقويم وأداء ومختلف التقنيات الحديثة التي تدخل على المنظومة ، والثاني يتطلب الإلمام بالجانب القانوني المتصل بكافة الوسائل التنظيمية المتصلة بالرقابة على المال العام ، و كلنا ندرك الصعوبات التي تعترض الباحث في هذا الصدد.
إضافة إلى ما ذكر فإن من الصعوبات التي تفرض نفسها في هذا الإطار، نجد انه رغم وجود كم لا بأس به من المراجع القانونية التي تناولت موضوع الرقابة على المال العام ، فإن هناك صعوبة جمة في الوصول إليها، خاصة مع افتقار المكتبات المغربية لها، و الحصول على هذه المراجع غير متيسر لضيق وقت إنجاز البحث ، ولعل ما يزيد من صعوبات الأمر هو تشتت وتفرق الدراسات التي تناولت موضوع الرقابة على المال العام ببلادنا على حد ما لمسناه ولاحظناه خلال رحلة بحثنا عن المراجع في أرجاء المملكة .
ومع ذلك استطعت بعون الله أن أصل إلى مجموعة لا بأس بها من المراجع، مكنتني من الإحاطة بمختلف النقاط المحورية للبحث، دون أن أدعي أنها كافية للإجابة على جميع الإشكاليات التي يطرحها موضوع البحث .
فطول الموضوع الذي أنجزته يعود إلى رغبتي في تجميع المواضيع التي تعنى بالرقابة المالية على المستويين القانوني والمؤسساتي بالإضافة إلى رصد الدواعي والنتائج التي آلت إليها هذه المنظومة العريضة في الوقت الرهن .
وفي هذا السياق فان تناول إشكالية الرقابة على المال العام بنصوصها القانونية و التنظيمية وأجهزتها المكلفة بهذا المجال يرجع بالأساس إلى الأهمية التي يكتسيها على مستويات مختلفة :
المستوى الأول كونه من المواضيع التي تنصب على الأموال العمومية التي تشكل عنصر أساسي للحفاظ على كيان الدولة واستقرارها،و كذا تحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية والاجتماعية. كما يعتبر من بين المواضيع المرتبطة بالسياسة المالية وعلم المالية التي تثير النقاش حول ترسيخ مبادئ الرقابة والمساءلة والتدقيق، بالإضافة إلى كونه ينصب في غمار الأمور التي تستدعي الدراسة والتقييم وإعادة النظر في طرق وآليات وتقنيات الرقابة ومناهج التدقيق تماشيا مع أهداف الهيئات الدولية للرقابة العليا.
المستوى الثاني كون الهيئات العليا للرقابة على المالية العمومية أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالمساهمة في عقلنة وتحسين التدبير العمومي.
المستوى الثالث كون الأموال العامة الوسيلة التي تستعين عليها الدولة لتحقيق أهدافها والقيام بوظائفها، من خلال تلبية الحاجات وتقديم الخدمات لمختلف الفئات الاجتماعية، ومن هذا الأساس يجب إعطاء الأولوية للمال العام، من خلال تطوير آليات وأساليب العمل الرقابي على الأموال العمومية.
من خلال مقاربتنا لموضوع البحث قيد الدراسة وجدنا صعوبة في وضع إشكالية متكاملة الحيثيات وشاملة للمضامين تقدم معالجة موضوعية ، وذلك نظرا لتداخل العلوم وتشابك المجالات المرتبطة بالموضوع لدرجة يصعب معها حصر معالم الدراسة وجزئياتها إلا أن البحث يهدف إلى الإجابة على مختلف التساؤلات التي سنقوم بحصرها في إشكالية رئيسية :
إلى أي حد عمل المشرع المغربي على ملائمة وتكييف آليات الرقابة المالية وفق التطورات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في الوقت الراهن من أجل حل أزمة الحكامة المالية وتحقيق التنمية ؟ وما مدى فعالية الترسانة القانونية وقدرة المؤسسات الرقابية الوطنية على حماية المال العام ؟
ب خطة البحث
في سبيل الإجابة عن الإشكالية السالفة الذكر، سنعمل على اعتماد منهج يجمع بين الدراسة البنيوية والوظيفية و التحليلية و النسقية.
المنهج البنيوي الوظيفي: حيث رصدنا من خلاله البنية المتعددة لمختلف الهيئات والمؤسسات المكلفة بمراقبة المال العام وحمايته ، ومحاولة دراسة وظائفها الرقابية في إطار الاختصاصات التي تمارسها بحكم القانون .
المنهج الوصفي والتحليلي: عمدنا من خلاله إلى دراسة مفصلة عن مختلف الإشكالات التي تطرحها الرقابة على المال العام من خلال آليات اشتغالها وإبراز مكوناتها .
المنهج النسقي : من خلال اكتشاف التفاعل الحاصل بين مكونات النسق وبين النسق ومكوناته ، بالإضافة إلى النسق ومحيطه الخارجي . لذلك فإن تطبيق هذا المنهج على البحث يأتي من ضرورة دراسة مختلف أنساق الظاهرة الرقابية ومكوناتها والمحيط الذي تعمل فيه جميع الأجهزة الرقابية .
المنهج الاستقرائي : لتسطير الوضعية السليمة التي يجب أن تكون عليها منظومة الرقابة المالية وتوافر الشروط اللازمة لقيامها من خلال الاستفادة من أخطاء الماضي وتصحيح المسار الرقابي لتجنبها في المستقبل .
بناءا على ما تقدم، فدراستنا لموضوع الرقابة على المال العام كانت من خلال إتباع تقسيم ثنائي وفق الخطة التالية:
الفصل الأول : خصصناه لتشخيص وضعية منظومة الرقابة لحماية المال العام بالمغرب التي تتسم بالتعدد تعدد في الآليات القانونية والمؤسساتية مقابل قصور في الأداء الرقابي لدى الأجهزة المكلفة بالمراقبة ، وقد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين رئيسين ، الأول حاولنا إبراز محددات وعوامل ضعف الأداء الرقابي بشكل عام ونقصد ( عوامل تنظيمية وبشرية ومادية وقانونية كان لها تأثير مباشر على فعالية أداء المؤسسات المراقبة ) أما المبحث الثاني فقد قمنا بالكشف عن مسببات أخرى تضعف من فعالية الأجهزة على المستوى الخاص ، من خلال رصد طرق اشتغال الآليات الرقابية وتدخلاتها المرحلية المتعددة من قبيل المراقبة الإدارية والسياسية والقضائية ، ومن من حيث تعريف كل جهاز على حده واختصاصاته و تطوره التاريخي، وأنماطه ومجالات تطبيقه، إلى جانب تأثيراته الإيجابية والسلبية .
الفصل الثاني : تناولنا فيه حصيلة الأداء الرقابي المحدود للأجهزة وكشف الفرق بين جمود النصوص وضعف الممارسة حيث ركزنا في المبحث الأول على انعكاسات قصور فعالية الوظيفة الرقابية من سوء التدبير المالي على مستوى الإدارات العمومية وضعف تسيير الشأن العام المحلي و اختلالات صارخة على مستوى المؤسسات العمومية ومنشآت الدولة بينما خصصنا في المبحث الثاني: تدابير هامة لتقوية الرقابة في اتجاه ترسيخ الحكامة المالية .
وقد مكنتني هذه الدراسة من الخروج بجملة من النتائج أوجزها في النقط التالية:
*إن اعتماد الرقابة المالية على آليات ووسائل قديمة تتسم بالجمود ، يجعلها رهينة الصعوبات والمشاكل التي تعرقل أدائها أمام التطورات التي تلحق هذه الأخيرة، وهذا ما يجعل من محاولات ضبطها قانونا أمرا شاقا ومرهقا أمام تعدد أنواع المخالفات وأشكال الفساد المالي والإداري،حيث نتج عن ذلك اختلالات خطيرة أثرت بشكل كبير على المنظومة المالية بالبلاد".
* أن الوضع الحالي للرقابة على المال العام يعكس التغيير الذي طرأ في مضمون تدبير المالية العمومية وطرائق تنفيذها، وبالتالي التغيير في المفاهيم التقليدية المتعارف عليها في القوانين المتعلقة بهذا المجال ، من قبيل ركن التبعية الذي يشكل ركيزة العمل التابع، والذي أصبح يطرح أكثر من علامة استفهام، إضافة إلى ذلك فالعمل عن بعد ساهم في خلق تعدد أزمنة وأمكنة العمل، ونتيجة لذلك فرض تعدد القواعد التي يجب اعتمادها في التعامل مع كل أجير على حده .
* أن تعدد العوامل والمؤثرات المختلفة وعلى مستويات عدة التي تقيد أداء الأجهزة الرقابية تجعل من فعالية الرقابة المالية محدودة جدا في ظل غياب تام في التنسيق والتعاون والتواصل فيما بين المؤسسات الرقابية ، مع غياب استراتيجيات واضحة تهتم بوظيفة التفتيش ودعم قنوات الانفتاح على المحيط الخارجي عبر وسائل الإعلام بالإضافة إلى المحددات المشتركة بين الأجهزة كالضعف الكمي والنوعي للموارد البشرية وقلة الوسائل المالية والمادية المرصودة لهذا الغرض ، في مشهد يوحي بتشابه في القصور القانوني والهيكلي المعيق لعمل الأجهزة الرقابية ، وهذا أمر يستلزم معه الدعوة إلى الاهتمام بدرأ كل ما يمكنه الحد من قدرات الهيئات في بسط رقابتها وأجرأتها فعليا على الواقع ، وذلك في مسلسل إصلاحي مكثف ومستمر من إزالة الشوائب والأعطال التي تسبب الوهن لأداء الأجهزة لوظيفتها الرقابية .
*إن الفعالية المحدودة للمنظومة الرقابية لأداء الأجهزة و الإكراهات التي تحوم حولها أبانت عن انعكاسات خطيرة ونتائج مختلة أثرت بشكل سلبي على العمل الرقابي وحالت دون تحقيق الفعالية والنجاعة ، بالرغم من تعدد مستويات المراقبة المالية على الصعيدين المحلي والوطني وقد تعددت مظاهر وأشكال الاختلالات داخل الدوائر والوحدات الإدارية بصورة تدل على تأزم الوضع العام للتدبير المالي ، فمن سوء تدبير وغياب الشفافية وتفاوت في مستوى الأجور وغموض في النفاق العمومي داخل الإدارات العامة ،إلى تفويت للصفقات العمومية بشكل غير مشروع مع استمرار تهميش الدور التنموي للجماعات الترابية في ظل استمرار ممنهج لظاهرة رفض الحسابات الإدارية وتبذير الأموال العمومية في مشاريع متعثرة وأخرى لا طائل منها . هذا مع تواصل استنزاف الأموال داخل مؤسسات الدولة التي تثقل كاهل وعبئ الخزينة العامة من خلال إنقاذها من الافلاس عبر ضخ أموال كثيرة وكما كشفت عنه تقارير الإفتحاص والتدقيق للأجهزة المكلفة بالمراقبة وتتبع تدبير المال العام .
*أن الإصلاحات التي تواكب منظومة الرقابة على المال العام لا ترقى إلى المستوى المأمول منه حتى يتسنى للمؤسسات الرقابية بسط إفتحاصها على جميع العمليات المالية المتعلقة بتدبير المال العمومي بدون استثناء . إذ أن هذه الإصلاحات كغيرها ممن سبقتها تتسم بالجزئية والظرفية وهذا ما يحد من فعالية الأداء الرقابي ويجعله يتراجع أمام استفحال الفساد المالي والإداري وتعدد أشكاله داخل الوحدات الإدارية ومصالح الدولة
ونورد هذه الاقتراحات كما يلي:
أ- ضرورة السعي لإعادة النظر في تشريعنا الوطني المتعلق بالشأن الرقابي وتحيينه بغية جعله مواكبا للمستجدات التي تطرأ على المنظومة وملائمتها لمقتضيات الدستور الجديد .
ب - تعزيز مكانة المالية العامة عبر إصدار قانون تنظيمي جديد للمالية : حيث أن تعديل القانون التنظيمي سيساهم إلى حد كبير في تطوير منظومة مراقبة النفقات العمومية عبر التخفيف التدريجي للمراقبة القبلية وتعزيز الرقابة الداخلية والمراقبة البعدية التي تعتمد على تقييم الأداء وكذا التطبيق التدريجي لمبدأ شمولية الاعتمادات والتدبير المرتكز على النتائج فضلا عن تحديث النظم المحاسبتية والمعلوماتية .
ج – إيلاء تقارير أجهزة الرقابة المالية الاهتمام والعناية اللازمين من طرف السلطات العمومية ، والعمل على الارتقاء بممارسة الأجهزة إلى مستوى جسامة المهام الملقاة على عاتقها .
ت – عدم اقتصار أجهزة الرقابة على اكتشاف المخالفات والمعوقات ، وإنما الاعتناء أيضا باقتراح ووسائل للإصلاح
د – إيجاد صيغة للتعاون والتنسيق بين مختلف أجهزة الرقابة والهيئات الوطنية والمركزية ذات الاهتمام المشترط في إطار المنظومة الرقابية من خلال مأسسة هيئة عليا للتنسيق وتوحيد الجهود تتمتع باستقلال تام عن السلطة التنفيذية والتشريعية .
ت – ضرورة العمل على تخليق الحياة العامة من خلال:
1 - إعتماد سياسة حازمة لمكافحة الفساد المالي والإداري عبر إعادة النظر في صيغة واختصاصات الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة لمنحها دورا فعليا في مكافحة الرشوة ، على غرار التجارب الدولة الناجحة في هذا المجال .
2 - ضمان انفتاح الهيئات الرقابية على الرأي العام ، وخاصة منظمات المجتمع المدني والصحافة المهتمين بقضايا التدبير العمومي للعمل المشترك على توفير المناخ الملائم للحكامة الجيدة والتدبير الشفاف والمراقب.
3 - تحريك المتابعة الجنائية لمجرمي المال العام :لأنها السبيل الوحيد لتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب في سياق سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والدفع بالدولة لوضع قواعد جديدة لعمل المؤسسات تروم تأصيل المساءلة في نطاق القانون وتخضع لرقابة السلطتين القضائية والتشريعية .
ح – وأخيرا فالإرادة السياسية دعامة حقيقية لتنزيل آليات تخلق الحياة العامة وقطع سلوكيات الفساد المالي والاقتصادي والإداري وإهدار المال العام . مما يعزز بدون شك استمرار مسلسل الإصلاح الحقيقي والجذري لمنظومة الرقابة وتأهيل التدبير المالي بشكل يهدف إلى تعزيز دولة والقانون وتحديث الهياكل الاقتصادية للبلاد وتعزيز تنافسيتها ، وكذا تنمية التضامن الاجتماعي وإرساء دعائم الحكامة بغية الرفع من فعالية ونجاعة التدبير العمومي نحو الحكامة المالية التي أرسى دعائمها دستور المملكة الجديد .
ليست هناك تعليقات