مراحل مناقشة مشروع قانون المالية من قبل البرلمان المغربي نظام الغرفتين : تخضع مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه لمسطرة طويلة و...
نظام الغرفتين :
تخضع مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه لمسطرة
طويلة ومعقدة. وتجري هذه المناقشة وفقا للأصول العامة الرعية في مناقشة وإقرار
القوانين بصفة عامة مع مراعاة الأحكام الخاصة بدراسة قوانين المالية والتصويت
عليها.
الفقرة الأولى : إيداع وتقديم المشروع : من له " حث الأولوية
"
تنص الفقرة 2 من الفصل 52 من الدستور على أن " توضع
مشاريع القوانين بمكتب أحد مجلسي البرلمان". كما تنص الفقرة 1 من المادة 33
من القانون التنظيمي رقم 7.98 على أن " يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب
أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير
".
لكن من له " حق الأولوية" ؟
لا يقر المشرع المغربي " حق أسبقية" (Droit de priorité) مجلس
على آخر في دراسة مشاريع قوانين المالية. وذلك خلافا للدستور الفرنسي الذي أكد في
مادته 39 على أن تعرض مشاريع قوانين المالية، في المقام الأول، على الجمعية
الوطنية قبل عرضها على مجلس الشيوخ.
ويبدو أن المجلس الذي تودع
مشاريع قوانين المالية لديه، أولا، يحدد في مجلس وزاري. فقد أكد وزير الاقتصاد
والمالية في معرض رده على تدخلات أعضاء مجلس النواب، بمناسبة مناقشة مشروع القانون
التنظيمي للمالية رقم 7.98، " بأن هذا المشروع (مشروع قانون المالية) ليس
كالقوانين العادية ولا يمكن إعطاء تفضيل لمجلس على الآخر لأن المسألة تحدد في مجلس
وزاري".
وقد جرت الحكومة، منذ الشروع في
تطبيق نظام الثنائية البرلمانية، على إيداع مشاريع قوانين المالية بمكتب مجلس
النواب قبل إحالتها على مجلس المستشارين.
ويودع مشروع قانون المالية
للسنة لدى مكتب أحد مجلسي البرلمان، طبقا للفقرة 2 من المادة 33 من القانون
التنظيمي، مرفقا بتقرير يتضمن الخطوط الكبرى للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج
المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات المدخلة على المداخيل والمصاريف،
ويلحق هذا التقرير بوثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات
الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية.
وتقدم الحكومة، ممثلة في شخص
الوزير المكلف بالمالية، مشروع قانون المالية أمام كل مجلس من مجلسي البرلمان في
" جلسة خاصة" يعقدها كل مجلس على حدة. ولأعضاء المجلسين حق الاستيضاح
والاستفسار عن كل مقتضى في المشروع المذكور. كما لهم الحق في أن يطلبوا من الحكومة
الوثائق ذات الصلة بالمشروع والتي لم يقع إيداعها بالمرفقات.
ويتكون هذا القانون من جزأين،
هما :
الجزء الأول : وتحصر فيه المعطيات العامة
للتوازن إنه يتضمن الإذن في استخلاص الموارد العامة وإصدار القروض، والأحكام
المتعلقة بالموارد العمومية التي يمكن أن ينص قانون المالية على إحداثها أو
تغييرها أو حقها، والأحكام المتعلقة بتكاليف الدولة وميزانيات مرافق الدولة
المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة وكذا بمراقبة استعمال الأموال
العمومية، والتقييم الإجمالي لمداخيل الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة
المسيرة بصورة مستقلة وأصناف الحسابات الخصوصية للخزينة، والحدود القصوى لتكاليف
الميزانية العامة عن كل باب ومجموع ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة
مخصصة حسب نفقات الاستثمار والحسابات الخصوصية للخزينة عن كل صنف.
الجزء الثاني : وتحصر فيه نفقات
الميزانية العامة عن كل فصل ونفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة عن
كل مصلحة ونفقات الحسابات الخصوصية للخزينة عن كل حساب (المادة 27 من القانون
التنظيمي رقم 7.98).
وتشمل الميزانية العامة على
موارد ونفقات. أما الموارد فإنها تقدم في فصول منقسمة إن اقتضى الحال إلى مواد
وفقرات (المادة 28 من القانون التنظيمي رقم 7.98) وأما النفقات فإنها تجمع في
ثلاثة أبواب هي :
الباب الأول : نفقات التسيير.
الباب الثاني : نفقات الاستثمار.
الباب الثالث : النفقات المتعلقة بخدمة
الدين العمومي.
ويتم تقديم نفقات الميزانية
العامة داخل الأبواب الثلاثة في فصول منقسمة إلى مواد وفقرات وسطور، ففيما يتعلق
بنفقات التسيير تقدم الاعتمادات المرصودة لكل قطاع وزاري أو مؤسسة في فصلين : فصل
للموظفين والأعوان وفصل للمعدات والنفقات المختلفة، وفيما يرجع لنفقات التجهيز
يخصص لكل قطاع وزاري أو مؤسسة فصل (المادة 29 من القانون التنظيمي رقم 7.98).
وأخيرا فإن النفقات الخاصة بالدين العمومي تقدم في فصلين : الأول يشتمل على
النفقات الناتجة عن فوائد وعمولات الدين العمومي. والثاني يشتمل على النفقات
المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل (المادة 30 من القانون
التنظيمي رقم 7.98).
المطلب الثاني : الجهة المختصة
بالمصادقة على قانون المالية.
المصادقة على قانون المالية
اختصاص موكول، في جميع الأنظمة المالية العاصرة، للسلطة التشريعية باعتبارها
الجهاز المسؤول عن التحقق من سلامة البرامج والسياسات الحكومية. والمصادقة هي بمثابة
إجازة أو إذن ترخص بموجبه السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية صرف النفقات العامة
وتحصيل الإيرادات العامة.
وفي المغرب فإن البرلمان يملك
دستوريا صلاحية اعتماد قانون المالية. فقد نص الفصل 50 من الدستور على أن : "
يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص عليها قانون تنظيمي....
"
إلا أن هناك حالات خاصة يتولى
فيها جلالة الملك ممارسة هذا الاختصاص، هذه الحالات، هي :
الفقرة الأولى : حالة
الاستثناء.
ترتب على الإعلان عن حالة
الاستثناء في سنة 1965، تطبيقا للفصل 35 من الدستور، حل المجلسين واستئثار جلالة الملك
بممارسة كافة مظاهر السلطة بما في ذلك سلطة المصادقة على قوانين المالية ( قوانين
مالية سنوات 1966-1967-1968-1969 و 1970).
ورغم التعديل / الإضافة الذي هم
الفصل 35 من الدستور المعدل العام 1992 و 1996 والذي أكد على أنه : " لا
يترتب على حالة الاستثناء حل البرلمان" فإن اعتماد قوانين المالية سيظل،
مبدئيا، من اختصاص السلطة الملكية، فحالة الاستثناء تخول لجلالة الملك، " على
الرغم من جميع النصوص المخالفة، صلاحية اتخاذ جميع الإجراءات التي يفرضها الدفاع
عن حوزة الوطن، ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يتطلبها
تسيير شؤون الدولة".
الفقرة الثانية : المناقشة
البرلمانية لمشروع القانون المالي.
أولا : تدخل مجلس النواب.
1-المرحلة الإعدادية : مناقشة
المشروع داخل اللجان.
اللجنة النيابة المكلفة بدراسة
مشروع القانون المالي هي " لجنة المالية والتنمية الاقتصادية" دور
اللجان النيابية الأخرى يقتصر على دراسة الميزانيات الفرعية للوزارات التي لها صلة
باختصاصها.
أ-لجنة المالية والتنمية
الاقتصادية.
تتولى لجنة المالية والتنمية
الاقتصادية، وهي إحدى اللجان الدائمة الست التي يتكون منها المجلس، دراسة مشروع
القانون المالي. ويمكن لكل لجنة أن تنتدب عضوا للمشاركة بصفة استشارية، لا
تقريرية، في أشغال لجنة المالية عند دراسة مقتضيات القانون المالي، كما يجوز لمقرر
لجنة المالية أن يستدعي عضو اللجنة المعنية بالميزانية المعروضة للدرس. ويجب أن
يتضمن تقرير المقرر جميع ملاحظات الأعضاء المدعوين من طرفه.
وتبدأ المناقشة العامة ومناقشة
مواد المشروع في ضوء العرضين المقدمين من طرف وزير المالية في الجلسة العامة
للمجلس وأمام لجنة المالية نفسها. إضافة إلى المذكرة التقديمية والتقرير الاقتصادي
والمالي حول الأوضاع الاقتصادية والمالية وآفاق تطورها بالنسبة للمدى القصير
والمتوسط المرفقين بالمشروع المذكور.
في إطار المناقشة العامة يطرح
النواب ملاحظاتهم وتساؤلاتهم واقتراحاتهم بخصوص مختلف جوانب مشروع القانون المالي،
ويتولى وزير المالية الإجابة عن القضايا العامة والسياسية وبعض القضايا الأخرى
التي سيتم التعمق فيها خلال مناقشة مواد المشروع، في حين يقوم مساعدو الوزير
بتقديم بيانات مدققة لمختلف تلك الجوانب وموضحة لجميع التدابير الواردة في
المشروع.
أما في إطار المناقشة التفصيلية
لمواد المشروع فإن اللجنة تناقش، بحضور وزير المالية، كل مادة على حدة، حيث يبدي
النواب آراءهم في شأن مقتضيات كل مادة، ثم يقدم وزير المالية التوضيحات والشروحات
المتعلقة بها، وبع>ها تنتقل اللجنة إلى دراسة المادة الموالية، وهكذا كما تقوم
الفرق والمجموعات النيابية بتقديم اقتراحات التعديلات التي ترى ضرورة الأخذ بها
قصد تحسين وإغناء المشروع المقدم من طرف الحكومة.
وتختم اللجنة أشغالها بالتصويت
على التعديلات المقترحة واحدا بعد الآخر، وعلى مواد المشروع، مادة مادة، وعلى
المشروع برمته.
ب. اللجان القطاعية :
تناط بكل لجنة من اللجان
النيابية التي يتكون منها المجلس مسؤولية دراسة " مشاريع الميزانيات الفرعية
للوزارات التي ترتبط باختصاصها" وهذه اللجان هي :
-لجنة الخارجية والدفاع الوطني: وتختص بالشؤون الخارجية،
والتعاون، والدفاع الوطني والمناطق المحتلة والحدود، والثقافة والإعلام.
-لجنة العدل والتشريع وحقوق
الإنسان : وتختص بالعدل، وحقوق الإنسان، والأمانة العامة للحكومة، والشؤون
الإدارية، والعلاقات مع البرلمان.
-لجنة الداخلية واللامركزية
والبنيات الأساسية : وتختص بالداخلية، والتعمير، والإسكان، وإعداد التراب
الوطني، والتجهيز، والبيئة، والنقل، والمواصلات.
-لجنة المالية والتنمية
الاقتصادية : وتختص بالمالية، والاستثمارات وتنشيط الاقتصاد، والخوصصة. إضافة إلى
اختصاصها العام والشامل لدراسة مشروع القانون المالي برمته.
-لجنة القطاعات الإنتاجية : وتختص بالفلاحة، والصناعة،
والصيد البحري، والسياحة، والصناعة التقليدية، والتجارة الداخلية، والتجارة
الخارجية، والطاقة والمعادن.
-لجنة القطاعات الاجتماعية
والشؤون الإسلامية: وتختص بالتعليم، والأوقاف، والشؤون الإسلامية،
والصحة، والشبيبة والرياضة، والشؤون الاجتماعية، والتشغيل، والتكوين المهني،
والتعاون الوطني، وقضايا المرأة، وقضايا المعاقين، وقضايا قدماء المقاومين وشؤون
الجالية المغربية القاطنة بالخارج.
ويتوجب على كل وزير تقديم
ميزانية القطاع الذي يسيره أمام اللجنة المختصة، كما يتعين عليه أن يضع لدى رئاسة
اللجنة، وبحسب عدد أعضاء اللجنة، ملفا يتضمن على الخصوص:
-مشروع الميزانية الفرعية بكل
تفاصيلها في مجالي التسيير والتجهيز.
-التقديم الكتابي للميزانية.
-الوثائق والبيانات التي توضح
مقتضيات الميزانية وبنودها.
-الوثائق التي يطالب بها النواب
بخصوص بلد أو مقتضى في الميزانية الفرعية.
مناقشة النواب للميزانية
الفرعية تنطلق "بمناقشة عامة للميزانية وسياسة الحكومة المرتبطة بالقطاع
موضوع الميزانية الفرعية" تتلوها مناقشة أبواب الميزانية ومقتضياتها
التفصيلية" أما أجوبة الوزير المعني على ملاحظات واستفسارات النواب فيمكن،
بحسب اختياره، أن تقدم في ختام الجلسة المخصصة للنقاش أو تنطرق إلى كل قضية أو
نقطة على حدة. وبعد رد الوزير يعلن رئيس اللجنة عن نهاية النقاش.
تجدر الإشارة أخيرا إلى أن
اللجان النيابية لا يمكن أن تصوت على الميزانيات الفرعية إلا بعد أن " يتم
التصويت في لجنة المالية على الموارد والنفقات العامة"
2-المرحلة النهائية : مناقشة
المشروع في الجلسات العامة.
يشرع مجلس النواب في مناقشة
مشروع القانون المالي في إطار الجلسة العامة بتقديم تقرير " لجنة
المالية والتنمية الاقتصادية" من طرف المقرر العام للجنة، ويتضمن هذا
التقرير المناقشة العامة التي جرت داخل اللجنة، ومنافشة مواد المشروع واقتراحات
التعديلات ونتائج التصويت عليها وعلى مواد المشروع والجداول المرتبطة بها إضافة
إلى المشروع برمته كما عدلته اللجنة، فالمشروع الذي يتداول المجلس في شأنه ليس هو
المشروع الحكومي بل المشروع المعدل من طرف لجنة المالية.
إثر ذلك تبدأ مناقشة عامة
لمشروع قانون مالية السنة يتدخل خلالها رؤساء وممثلوا الفرق والمجموعات النيابية
والحزبية قصد إبداء رأيهم في مختلف التدابير التي يتضمنها هذا المشروع، كما عدلته
لجنة المالية، وبيان الاعتبارات التي تدعو كل فريق إلى تأييد أو معارضة المشروع
المذكور.
رد الحكومة على مناقشات قانون
المالية يتولاه، مبدئيا، الوزير المكلف بالمالية، ويتمحور هذا الرد، كما يظهر من
خلال جواب الحكومة على مناقشات قانون مالية السنة المالية 1998-1999، حول نقطتين،
تتضمن النقطة الأولى " ملاحظات عامة عل المناقشات". في حين تتطرق النقطة
الثانية إلى " مضمون الميزانية" و " القرارات الاقتصادية
والاجتماعية الواردة في القانون المالي بعد إغنائه بتعديلات الأغلبية
والمعارضة".
بعد ذلك ينتقل المجلس إلى
المناقشة التفصيلية لمقتضيات مشروع قانون المالية والتعديلات المتعلقة به مادة
مادة، وإذا كانت مشاريع التعديلات لا تعرض على المناقشة إلا بعد الانتهاء من
مناقشة المادة التي تتعلق بها، فإن التصويت عليها يجب أن يتم قبل التصويت على النص الأصلي.
ولا يتدخل في مناقشة كل مشروع
تعديل، بعد صاحب المشروع، إلا الحكومة ثم رئيس اللجنة المعنية بدراسته أو مقررها،
كما تعطى الكلمة في آخر الأمر لنائب " معارض" وآخر " مؤيد"
للمشروع المذكور.
وتنصب المناقشة، في البدء على
الجزء الأول من مشروع قانون مالية السنة التعلق بالإيرادات، ولا يمكن للمجلس أن
يناقش الجزء الثاني إلا بعد التصويت على الجزء الأول (المادة 36 من القانون
التنظيمي رقم 7.98).
ثانيا : تدخل مجلس المستشارين:
يقدم الوزير المكلف بالمالية
أمام مجلس المستشارين، في جلسة خاصة، مشروع قانون المالية للسنة فور التصويت عليه
من طرف مجلس النواب أو عند انصرام أجل 30 يوما الموالية لإيداعه لديه، وللحكومة أن
تعرض على المجلس النص الذي تم إقراره أو المشروع الذي قدمته الحكومة في أول الأمر
مع التعديلات المدخلة عليه من طرف مجلس النواب والمقبولة من طرفها.
وتتولى " لجنة المالية
والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية" ومختلف اللجان الدائمة المتفرعة عن
المجلس (لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، لجنة الخارجية والحدود
والمناطق المحتلة والدفاع الوطني، لجنة الداخلية والجهات والجماعات المحلية، لجنة
العدل والتشريع وحقوق الإنسان، لجنة الفلاحة والشؤون الاقتصادية) دراسة المشروع
المذكور والتصويت عليه قبل التداول في شأنه في إطار الجلسات العامة للمجلس.
وتخضع مناقشة مشروع قانون
المالية للسنة والتصويت عليه، سواء داخل لجنة المالية أو اللجان الفرعية أو خلال
الجلسات العام للمجلس، لنفس الآجال والضوابط والإجراءات المسطرية الجارية عليها في
مجلس النواب، فمجلس المستشارين يتوفر على نفس الأجل الذي يتوفر عليه مجلس النواب
لإقرار المشروع المذكور وهو 30 يوما. كما أنه يتمتع بنفس صلاحيات مجلس النواب
بخصوص الحق في تقديم التعديلات والاقتراحات. إن المسطرة التي سلكها مجلس
المستشارين في المناقشة والتصويت على قانون المالية لا تختلف في شيء عن المسطرة
السابق بيانها بالنسبة لمجلس النواب.
ويبدو أن الآلية التي اعتمدها
مجلس المستشارين في التعامل مع قوانين المالية المعروضة على أنظاره لم تسر على هدى
بعض التقاليد المتعارف عليها في بعض الدول التي تأخذ بنظام الثنائية البرلمانية
والتي تقوم على أساس ما يسمى "تسريب" مشروع قانون المالية إلى الغرفة
الثانية مباشرة لدى إيداعه بالغرفة الأولى تفاديا لضياع الوقت والجهد، ففي فرنسا
مثلا لا تقدم الحكومة مشروع القانون المالي إلا في الغرفة الأولى، وبعد ذلك
"يتسرب" إلى الغرفة الثانية، ولا تتدخل الحكومة إلا في مرحلة التعديلات.
وقد دعا أحد الفرق البرلمانية
إلى اتباع فكرة " التسريب" هاته إلا أن رئاسة المجلس وأحزاب المعارضة،
حسب بعض المصادر، قاومت ذلك وعملت على " تمطيط الوقت" وجر المجلس إلى
" مناقشات عامة لا صلة لها بالمشروع قيد المناقشة..." وفي معرض رده على
هذه المصادر أكد الرئيس السابق لمجلس المستشارين أن " غالبية الفرق متمسكة
بالحق الذي يخوله الدستور لها ولأعضاء مجلس المستشارين في مناقشة مشروع القانون
المالي بالشكل الذي يسمح لها بإبراز توجيهاتها وأفكارها منه..." و"أن
اعتماد هذا الأسلوب قد يحول مجلس المستشارين إلى غرفة للتسجيل فقط وكأن ليست له
صلاحيات في مراقبة الحكومة ولا في إقرار توجهات تركيبية ضمن أي نص...."
" لقد كان بالإمكان، يضيف رئيس المجلس، أن نعتمد أسلوب التسريب استنادا إلى
تقاليد بعض الدول كفرنسا مثلا، إلا أن ذلك لن يكون بمثابة الظاهرة الصحية ونحن في
أول تجربة لنا في إطار الثنائية البرلمانية، ذلك أننا سنكون قد قيدنا أنفسنا
بممارسة مستقاة من تجربة أجنبية لها خصوصياتها ولها ظرفها التاريخي والسياسي ولها
من الأدوات الفكرية والعملية التي قد لا تكون متوفرة لدينا في هذا
الوقت....".
إن أسلوب "التسريت"
لا يحد، في الواقع من سلطة المبادرة والتعديل المخولة دستوريا، لمجلس المستشارين،
ولا يحول هذا الأخير إلى نسخة طبق الأصل لمجلس النواب، بقدر ما يساهم في عقلنة
العمل البرلماني في مجالي التشريع والمراقبة، والرفع من مستوى أدائه، وضمان أكبر
قدر من الفعالية والمردودية وربح الوقت، إضافة إلى تمتين العلاقت بين مجلس
البرلمان، فالمجلس الثاني يحتفظ، في إطار هذه المسطرة المختصرة بحقه كاملا في
تقديم التعديلات بل وفي رفض النص المعروض على أنظاره إن اقتضى الحال.
وفي جميع الأحوال فإن المصادقة
على مشروع قانون المالية لا تكتمل إلا باتفاق المجلسين على نص موحد، وفي حالة
الخلاف فإن الحكومة تعرض النص على "لجنة ثنائية مختلطة".
الفقرة الثالثة : القيود
المفروضة على مناقشة المشروع.
إن المبادرة البرلمانية في مجال
مناقشة مشروع قانون مالية السنة، أمام اللجان البرلمانية، وكذلك في إطار الجلسات
العامة، مقيدة بموجبين دستوريين هما:
أولا : الفصل 51 من الدستور.
بموجب هذا الفصل فإن "
المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي
بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف
عمومي أو الزيادة في تكليف موجود". ويرفض مجلسا البرلمان، أي مشروع تعديل يدخل
ضمن مقتضيات هذا الفصل، وفي حالة الالتباس فإن المجلس المعني يستشير رئيس لجنة
المالية ومقررها العام قبل اتخذا قرار نهائي في الموضوع.
وبذلك فإن سلطة المبادرة
والاقتراح المخولة لأعضاء البرلمان قصد تعديل مشروع قانون المالية محدودة جدا.
إنها تقتصر على إمكانية اقتراح الزيارة في حجم المداخيل أو تخفيض النفقات العامة.
ويخفف من حدة هذا القيد أن
الممارسة البرلمانية جرت على قبول التعديلات الرامية إلى تخفيض مورد عمومي شريطة
تعويضه بآخر، وبما لا يؤدي إلى إحداث تغيير في الحجم الإجمالي للموارد العمومية من
جهة، وكذلك قبول الاقتراحات التي تدعو إلى الزيادة في حجم النفقات إذا كانت مقرونة
باقتراحات موازية من شأنها توفير المداخيل اللازمة لتغطية هذه الزيادة من جهة
أخرى.
ولا يتعارض " نظام
التعويضات" مع مقتضيات الفصل 51 من الدستور. فبموجب هذا النظام تقبل
التعديلات القاضية بالزيادة في اعتمادات وزارة معينة شريطة تعويض مقدار هذه
الزيادة باقتطاع قيمتها من الاعتمادات المرصودة لوزارة أخرى. وبالمثل فإن كل مقترح
بالزيادة في اعتمادات فصل معين من فصول ميزانية وزارة معينة يقبل إذا كان مصحوبا
باقتراح يقضي بتخفيض الاعتمادات المرصودة لفصل آخر منف صول ميزانية نفس الوزارة.
ثانيا : الفصل 57 من الدستور.
يخول هذا الفصل للحكومة، بعد
افتتاح المناقشة البرلمانية لمشروع قانون مالية السنة في الجلسات العمومية، الحق
في " ....أن تعارض في بحث كل تعديل لم يعرض من قبل على اللجنة التي يعنيها
الأمر".فالحكومة وحدها تملك صلاحية تقديم تعديلات جديد، على مشروع قانون
مالية السنة خلال الجلسات العامة.
ينضاف إلى هذين القيدين
الدستوريين قيد زمني يتمثل في أن دراسة مشروع قانون المالية والبث فيه من طرف مجلس
النواب يجب أن يتم داخل أجل 30 يوما الموالية لإيداعه، وهذه المدة قصيرة إذا ما
قورنت بالمدة الممنوحة للجمعية الوطنية الفرنسية وهي 45 يوما.
الفقرة الرابعة : إجراءات
التصويت
أولا : المسطرة العادية.
تنص الفقرة 1 من الفصل 50 من
الدستور على أن : "يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص
عليها قانون تنظيمي" ويتم التعبير عن التصويت، مبدئيا بشكل علني عن طريق رفع
اليد أو الوقوف أو استعمال الجهاز الإلكتروني المعد لذلك. غير أنه يمكن لأعضاء
البرلمان المطالبة بإجراء تصويت. سري بواسطة صناديق الاقتراع، وفي هذه ال؛الة
يتوجب على صاحب الطلب تحديد الأجزاء التي يرغب في أن يصوت عليها سريا.
ويشرع كل مجلس في التصويت أولا
على الجزء الأول المتعلق بالمداخيل قبل الانتقال إلى المناقشة والتصويت على الجزء
الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري التصويت على الجزء الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري
التصويت مادة مادة.
-التصويت على المداخيل : جري بخصوص تقديرات المداخيل
تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة
مستقلة، وتصويت عن التقديرات المتعلقة بكل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة
على حدة.
-التصويت على النفقات: يجري بخصوص نفقات الميزانية
العامة تصويت عن كل باب وعن كل فصل داخل نفس الباب. كما يجري في شأن نفقات
ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب الوزارات أو
المؤسسات التابعة لها هذه المرافق، ويصوت على نفقات كل صنف من أصناف الحسابات
الخصوصية للخزينة على حدة. وفيما يتعلق بنفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز مخطط
التنمية فإن المجلس بصوت عليها، طبقا للفقرة 2 من الفصل 56 من الدستور مرة واحدة،
وذلك عندما يوافق على المخطط، ويستمر مفعول هذه الموافقة تلقائيا على النفقات
المذكورة طيلة مدة المخطط.
-التصويت على مشروع القانون
المالي برمته : في ختام المناقشة والتصويت على تقديرات المداخيل والنفقات يجري
تصويت إجمالي على مشروع قانون المالية برمته.
ويتولى رئيس المجلس المعني، بعد
انتهاء الأمناء من عد أو فرز الأصوات، الإعلان عن مضمون كل اقتراع كما يلي:
-عدد المصوتين بنعم يساوي :
كذا.
-عدد المصوتين بلا يساوي : كذا.
-عدد الممتنعين يساوي : كذا
وعقب التصويت على المشروع برمته
يعلن الرئيس عن النتيجة النهائية لاقتراع المجلس بإحدى العبارتين التاليتين :
-إن مجلس النواب أو المستشارين
صادق على مشروع قانون المالية للسنة المالية كذا.
-إن مجلس النواب أو المستشارين
لم يصادق على مشروع القانون المالي للسنة المالية كذا.
وتجدر الإشارة إلى أن المصادقة
على القانون المالي، المعروض على التصويت، لا تتم إلا بحصوله على الأغلبية النسبية
للأصوات المعبر عنها. وفي حالة تعادل الأصوات يعاد التصويت مرة أخرى، فإذا تعادلت
الأصوات مجددا فإن القانون المعروض يعتبر غير مصادق عليه.
ثانيا : المسطرة الخاصة.
إن إقرار مشروع قانون مالية
السنة يمكن أن يتم في بعض الحالات وفق مساطر خاصة واستثنائية.
فالحكومة يمكن لها أن تطلب من
مجلس النواب، طبقا للفقرة 2 من الفصل 57 من الدستور البت بتصويت واحد (وهو ما يعرف
بالتصويت الإجمالي) على القانون المتناقش فيه، كليا أو جزئيا مع الاقتصار على
التعديلات المقترحة أو المقبولة من طرفها.
كما يمكن للوزير الأول، تأسيسا
على الفصل 75 من الدستور، أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها
بتصويت يمنح الثقة بشان مشروع القانون المقترح للمصادقة، وفي هذه الحالة لا يمكن
سحب الثقة من الحكومة أو رفض المشروع المذكور إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء
المجلس. ويؤدي سحب الثقة من الحكومة إلى استقالتها بصفة جماعية.
الفقرة الخامسة : حالة تدخل
" اللجنة الثنائية المختلطة"
تطبيقا لأحكام الفصل 58 من
الدستور والمادة 34 من القانون التنظيمي رقم 7.98 يمكن للحكومة في حالة عدمك إقرار
نص قانون المالية بعد قراءته مرتين في كلا مجلسي البرلمان أو مرة واحدة في كل
منهما، إذا أعلنت الحكومة حالة الاستعجال، تشكيل لجنة ثنائية متساوية الأعضاء
مكونة من مجلسي البرلمان لمناقشة النقط التي ما زالت محل خلاف واقتراح نص موحد
بشأنها داخل أجل لا يتعدى 7 أيام ابتداء من تاريخ عرض المسألة عليها من قبل
الحكومة.
وتتولى الحكومة عرض النص
المقترح من طرف اللجنة المذكورة والمقبول من طرفها على أنظار المجلسين قصد إقرار،
داخل أجل لا يتعدى 3 أيام، ولا يقبل في هذه الحالة، أي تعديل إلا بموافقة الحكومة.
لكن في حالة عدم توصل اللجنة
إلى نص موحد أو إذا لم يعتمد النص المقترح من طرف المجلسين، فإن الحكومة تعرض النص
المذكور، بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة
البرلمانية، على مجلس النواب الذي له الحق أن يصوت عليه بصفة نهائية شريطة أن يحصل
النص على الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس.
ما هي النتائج التي تترتب على
عدم حصول النص على الأغلبية المطلوبة؟
إذا لم يحصل النص على الموافقة
بالأغلبية المطلقة فإن الحكومة بإمكانها طلب التصويت بالرفض على النص المقترح وفي
هذه الحالة لا يرفض النص، طبقا للفقرة 2 من الفصل 75 من الدستور إلا بالأغلبية
المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. والغاية من اللجوء إلى هذا الإجراء
الدستوري هو " تجنب توقيف الأداء الحكومي وتجنب صعوبة تمرير القانون
المالي".
كما يمكن لجلالة الملك، في حالة
رفض مشروع النص من طرف البرلمان أو أحد مجلسيه، أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان
القيام بقراءة جديدة للمشروع (الفصل 67 من الدستور). وتطلب هذه القراءة الجديدة
بخطاب ملكي ولا يمكن أن ترفض (الفصل 68 من الدستور). فإذا تمسك البرلمان أو أحد
مجلسيه برفض مشروع القانون بعد قراءته قراءة جديدة حق لجلالة الملك أن يستفتي
الشعب في الموضوع، ما عدا في حالة إقرار المشروع أو رفضه في كل من المجلسين بعد
القراءة الجديدة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم (الفصل 69 من الدستور).
ولقد أصبح موضوع المناقشة
المشار إليها محل اهتمام الفاعلين البرلمانيين بشكل أكبر في ظل النظام البرلماني
الثنائي المجلسين، حيث أضحى حرصهم على تدبير الزمن مسألة ذات أولوية لما قد يكون
لها من انعكاس سلبي أحيانا على عرض النص على الموافقة النهائية للبرلمان في الوقت
الملائم، ولذلك فإن رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب (100)
أقدم ومنذ السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الممتدة من 1997
إلى 2002، على إثارة نقاش مسطري يخص المنهجية المتبعة في دراسة مشاريع قانون
المالية للسنة، وما إن كان ينبغي الاستمرار فيها بنفس الأسلوب، بعدما أصبحت
المناقشات الإجمالية التي تمهد لدراسة أي مشروع قانون مالي تأخذ حيزا وافرا من
الزمن قد تهدد بعدم إحالته على المجلس الآخر طبقا للآجال التي حددها القانون
التنظيمي رقم 7.98 المتعلق بقوانين المالية (101). وهكذا جاء في إحدى فقرات
الوثيقة التي أعدها رئيس اللجنة المذكور وهي صورة لأهم الأشواط التي تعرفها أولى
المناقشات التي تتصدر دراسة كل مشروع قانون مالي :
*لقد أصبح مطروحا بإلحاح على
لجنة المالية في أفق الإعداد لدراسة القانون المالي والقوانين التي سنحال عليها
مباشرة أو من مجلس المستشارين أن تعيد النظر في منهجية عملها وأن تعلقن وتدبر
زمنها أحسن تدبير.......... ويمكن وضع تصور لمنهجية أشغال اللجنة على الشكل الآتي
:
المنهجية الأولى : تتطابق هذه المنهجية مع
الطريقة المعتادة التي اتبعتها لجنة المالية ولا زالت تنهجها وتتلخص فيما يلي :
-تقديم عرض وزير المالية لمشروع
القانون المالي مباشرة بعد تقديمه في الجلسة العامة أمام النواب.
ولقد جرت العادة أن يستغرق هذا
العرض ما بين ساعة ونصف وساعتين ولا يأتي هنا الوزير في عرضه بأي جديد يذكر. فإنه
يكتفي فقط بإعادة مضمون العرض الذي تقدم به أمام النواب في الجلسة العامة.
-تفتح لائحة الاستفسارات
والمطالبة بالوثائق الضرورية لتفسير مشروع القانون المالي. وتستغرق هذه
الاستفسارات حسب الظروف وقتا طويلا. بحيث أحيا يكون من الصعب الشروع في دراسة
مشروع القانون المالي في غياب التوضيحات والتفسيرات والوثائق التي يتقدم بطلبها
السادة النواب.
-يجيب الوزير عن استفسارات
النواب وبدلي بالوثائق المتوفرة لديه أو التي يقرر تقديمها للنواب ويقدم في غالب
الأحيان رده مكتوبا.
-إذا لم تطرح استفسارات جديدة
وتعقيبات على أجوبة الوزير تفتح لائحة التدخلات العامة والتي جرت العادة أن يتسجل
كل نائب في اللائحة. وتجدر الإشارة هنا أنه ليس هناك أي تفضيل بين النواب سواء
كانوا أعضاء رسميين في الجنة أم فقط ملاحظين. فلكل نائب الحق أن يدلي برأيه في
مشروع القانون المالي، وقد تستغرق عملية المناقشة العامة جلسات مطولة، وقد يستمر
النقاش في اللجنة إلى ساعات متأخرة من الليل ومع ملاحظة هو أن الحضور في اللجنة
يصبح مقتصر فقط على المسجلين في اللائحة الذين ينتظرون دورهم....).
-يطلب الوزير بدوره مهلة لإعداد
الجواب كتابة على تدخلات السادة النواب والتي تكون مختلطة تغرف من التقني ومن
سياسي والإيديولوجي حسب النواب. وقد يستغرق جواب الوزير ساعات.
-يمكن أن يطلب بعض النواب فتح
لائحة أخرى للرد على جواب الوزير ....
-يشرع في مناقشة البنود مادة
مادة .........
ولعل ما سبق ذكره يعد صورة
واضحة لأبرز المراحل التي تميز المناقشات العامة التي تسبق عادة الدخول في دراسة
مواد أي مشروع قانون وهي ضمنيا انتقاد لها. علما أن المناقشات التي تخص مشاريع
قانون المالية تبقى متميزة بطبيعة الحال عن غيرها. ومن دون الانتقال إلى المناهج
الأخرى ألتي تعرض لها رئيس اللجنة المشار إليها أعلاه، فإن المرحلة التي تلي
المناقشات العامة، تتعلق عادة بعرض مواد النص على الدرس.
رابعا – دراسة المواد :
إن أهم ما يميز دراسة مواد مشروع أو مقترح القانون هو الابتعاد عن المناقشات
ذات الطابع السياسي، والاقتراب أكثر من تلك التي لها طابع تقني بنيوي ترتبط بنص
المادة في صياغتها ومدلولها في حد ذاته. لذلك فإن المتدخلين من البرلمانيين خلال
هذه المرحلة هم عادة مهنيون محترفون يطغى على مداخلاتهم الأسلوب التقني العملي
أكثر من ...
وأخيرا وهما يكن من أمر، فإن
عدد التعديلات يظل على العموم محدودا جدا في نظامنا البرلماني رغم الانتقال إلى
نظام ثنائية المجلسين. فمن خلال جرد قمنا به عن مجموع التعديلات التي تقدمت بها
مختلف الفرق البرلمانية بمجلسي النواب والمستشارين أمام اللجان المختصة ابتداء من
الدورة التشريعية لأبريل 1998 إلى دورة أكتوبر 2000، تبين لنا أنها لم تتجاوز 1228
تعديلا (167) تم قبول 452 منها، بعدما تم سحب 242 آخرين، ورفض ما تبقى. هذا في
الوقت الذي وقفنا على إحصائيات تهم مجلس الشيوخ بمفرده في فرنسا عن نفس الفترة (
سنتان تشريعيتان متتاليتان 1999-1998/1999-2000 بعدما أقر الدستور الفرنسي نظام
الدورة التشريعية الواحدة (168) حيث وجدنا أنه تم تقديم 10.296 تعديلا، تم القبول
ب 5940 منها، علما أن عدد مشاريع القوانين المعنية بهذا الجرد في المجلس الفرنسي
المذكور لم تكن تتعدى 102. بينما في مجلسي النواب والمستشارين ببلادنا 74 مشروع
قانون. وهذا الفرق يظل بالتأكيد أمرا طبيعيا إذا ما اعتبرنا أن التضخم في المجال
التشريعي عادة ما يكون مرتبطا بمدى التطور الحاصل في البنيات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية المختلفة لأي نظام قانوني.
ثانيا : القيود الموضوعية :
بالرجوع إلى أحكام الدستور،
يبدو أن القيود الموضوعية الواردة على الحق في التعديل يمكن حصرها في نوعين
أساسيين، الأول عندما يكون للتعديل انعكاس مالي، والثاني عندما يخرج التعديل عن
مجال اختصاص القانون.
1-عدم القبول المالي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 51 من الدستور الذي نص: " إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها
أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض
الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود".
وهو ما أكدته المادة 40 من
القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما تم تعديله بالقانون التنظيمي رقم
14.00 عندما نصت : " تطبيقا لأحكام الفصل 51 من الدستور، يتم بقوة القانون
حذف أو رفض المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إلى تخفيض الموارد العمومية وإما
إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود.
فيما عدا ذلك يجب أن يتم تعليل
كل مادة إضافية أو كل تعديل.
ولأجل هذا فإن نظام مجلس
المستشارين وكذا نظام مجلس النواب الملغى لسنة 1998 (لأن النظام المصادق عليه سنة
2004 قد جاء بصياغة أخرى سنعرضها فيما بعد) لم يترددا بصياغة شبيهة (الأول في
المادة 212، والثاني في المادة 236) في التأكيد على ما يلي: "إذا اتضح أن
مشروع تعديل يدخل ضمن مقتضيات الفصل الحادي والخمسين (51) من الدستور فإن المجلس
برفضه.
وفي حالة الالتباس فإن المجلس
لا يتخذ قراره النهائي إلا بعد استشارة رئيس لجنة المالية ومقررها..."
من خلال ما سبق يبدو إذن أن عدم
القبول المنصوص عليه سابقا له طبيعة مطلقة (170) وإذا كانت كل المقتضيات الواردة
أعلاه قد جاءت واضحة وصريحة فإنها رغم ذلك خاصة خلال الولاية التشريعية الممتدة من
1997 إلى 2002- قد كانت محل جدل أمام مجلسي النواب والمستشارين من طرف فرق
المعارضة التي ذهبت إلى ان أحكام الفصل 51 من الدستور المنصوص عليه أعلاه لا تحول
دون عرض أي مشروع تعديل على مسطرة المناقشة والتصويت، حيث اعتبرت أن عدم اللجوء
إلى مسطرة التصويت من أجل حسم كل خلاف في شأن التعديلات التي يدفع بعدم قبولها
المالي يعد عملا غير مطابق للدستور.
ولعل تفادي الدخول في مثل هذا
النوع من الجدل هو الذي دفع بواضعي نظامي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في فرنسا
إلى إقرار مقتضيات واضحة أكثر في هذا الشأن، خاصة وأن أحكام الفصل 40 من الدستور
الفرنسي هي نفسها التي تشكل مضمون الفصل 51 من دستور بلادنا.
فنظام الجمعية الوطنية عالج من
جهة هذا الأمر بالنسبة لمقترحات القوانين كلما كان موضوعها لا ينطبق وأحكام الفصل
40، حيث جاء في مادته 3.81 تحال مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب على مكتب
الجمعية أو على بعض الأعضاء المنتدبين من لدنه لهذه الغاية وبفرض إيداعها إذا ثبت عدم
قبولها حسب مدلول الفصل 40 من الدستور. أما في الحالات الأخرى فيعلن عن الإيداع في
جلسة عمومية. كما أنه من جهة أخرى انتقل إلى الحديث عن التعديلات في المادة 92
التي أحالت على المادة 98، التي جاء فيها:
"إذا اتضح أن المصادقة على
تعديل ما ستترتب عنه النتائج المنصوص عليها في الفصل 40 من الدستور يرفض الرئيس
إيداع ذلك التعديل. وفي حالة الالتباس لا يتخذ الرئيس قراره النهائي إلا بعد
استشارة رئيس لجنة المالية والاقتصاد العام والتخطيط أو مقررها العام، أو عضو من
المكتب يتم اختياره لهذا الغرض، وإن لم يتوصل الرئيس بالرأي المطلوب، فإنه يحيل
المسألة على مكتب الجمعية.
وقد ذهب نظام مجلس الشيوخ في
نفس الاتجاه عندما نص خاصة في المادة 1.45: "للحكومة ولجنة المالية واللجنة
المختصة ولكل عضو من أعضاء المجلس الدفع بعدم قبول أي تعديل تؤدي المصادقة عليه
إما إلى تخفيض مورد عمومي دون تعويضه بمورد آخر، وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو
الزيادة في تكليف موجود ويعلن حتما عن عدم القبول دون إجراء أية مناقشة إذا أكدته
لجنة المالية، ويعرض التعديل للمناقشة إذا لم تؤكد لجنة المالية عدم القبول.
يبدو إذن أن نظامي مجلسي
البرلمان بفرنسا كانا أكثر وضوحا في هذا الشأن من ألمقتضيات التي جاء بهما
النظامان الداخليان لمجلسي النواب والمستشارين، اللذين لم ينجحا حسب رأينا في
ترجمة غاية المشرع من مضمون المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 7.98 السابق ذكرها
والذي جعل من رفض كل تعديل يتناقض ومضمون الفصل 51 من الدستور، إجراء يتم بقوة
القانون. أي أنه يفتح الباب أمام إمكانية رفضه من لدن أجهزة المجلس الأخرى (المكتب
خاصة) دونما حاجة إلى عرضه على أنظار المجلسي ككل. ولعل غموض الصياغة في النظامين
المذكورين هو الذي دفع بفرق المعارضة بمجلس النواب إلى تضمين طلب الإحالة الموجه
إلى المجلس الدستوري بخصوص قانون المالية رقم 44.01 الذي صادق عليه البرلمان
بتاريخ 26 دجنبر 2001 للبث في مدى مطابقته للدستور، طعنا في استعمال الحكومة
لأحكام الفصل 51 السابق ذكره والدخول في إعطاء تأويلات له.
-إذ ورد في طلب الإحالة (171) :
(وحيث إن الحكومة دفعت مرارا
بالفصل 51 عندما تقدم النواب بتعديلات بشأن بعض مواد مشروع القانون المالي وذلك
بعلة...
" وحيث إن الفصل 51 لم ينص
على عبارة " مشروع القانون المالي" وإنما نص على عبارة" القانون
المالي،
"وحيث إن الدستور نص على
عبارة "مشروع قانون المالية" في الفصل 50، وذكر عبارة "القانون
المالي" في الفصل 51، علما بأن المشرع الدستوري منزه عن العبث في صياغة
النصوص القانونية، إذ قصد من هذا التمييز أن مشروع قانون المالية يكون في إطار
المناقشة داخل اللجان البرلمانية وداخل الجلسات العامة، ويحق لأعضاء البرلمان تقديم
كل الاقتراحات بشأنه حتى وإن كان لها وقع على التوازنات المالية المقترحة، ما دام
أن القانون يصدر عن البرلمان، وفي حالة إذا اعترضت الحكومة على مقترحات أعضاء
البرلمان يتم اللجوء إلى التصويت لحسم الخلاف، وأن هذا الإجراء من اختصاص البرلمان
ويدخل في نطاق وظيفته التشريعية).
ومن وجهة نظرنا، أن طلب الإحالة
المشار إليه أعلاه لم يكن على صواب (172)، خاصة وأن :
-المجلس الدستوري لما أصدر
قراره رقم 250.98 السابق ذكره- حيث لم يكن ذلك بمناسبة أي طعن في استعمال المادة
51 من الدستور، وإنما بمطابقة القانون التنظيمي رقم 7.98 لأحكام الدستور كما
اسلفنا- لمح صراحة وهو بيت في المادة 40 من هذا الأخير أن مضمون الفصل 51 يقصد
"مشروع قانون المالية ...".
-ثم إن المشرع لما أراد أن يحد
من صلاحيات أعضاء البرلمان للقيام بكل تعديل لقوانين المالية نص على ذلك صراحة في
المادتين الثانية ثم 32 من القانون التنظيمي رقم 7.98 فخص الحكومة وحدها بذلك وهذا
تأكيد على أن الفصل 51 يقصد مشروع قانون المالية.
-ثم أخيرا، فإن المشرع الدستوري
إذا كان بالنسبة لحالة الدفع بعدم القبول التشريعي كما جاء ذلك في الفصل 53 من
الدستور قد سمح للحكومة بأن لا تلجأ إلى استعماله- كما سنرى ذلك لاحقا- فإن صيغة
الفصل 51 قد جاءت آمرة وجعلت من رفض المقترحات والتعديلات التي يكون لها انعكاس
مالي سلبي إجراء يتم بقوة القانون ولو لم تعترض الحكومة على ذلك. وهذا ما جعل
المجلس الدستوري يعطي لنفسه الحق في إجراء مراقبة في هذا الشأن بصفة تلقائية بخصوص
مقترح القانون الوارد ذكره في الحيثية بعده، فجاء في القرار الصادر عنه بتاريخ 30
مارس 2000 تحت رقم 2000-386 (173) :
" وحيث إن عدم إعمال
الحكومة للحق المخول لها في نطاق القانون التنظيمي لقانون المالية قبل مناقشة
مقترح القانون المغير للمادة 20 من قانون المالية المذكور، ليس من شأنه أن يحول
دون مراقبة دستورية قبل إصداره لمدى ارتباطه بالقواعد الدستورية"
من أجل هذا، وردا على موضوع
الإحالة المشار إليها أعلاه، فإننا نرى أن المجلس الدستوري قد كان على صواب في رده
بخصوص ما جاء حول استعمال الحكومة للمادة 51 من الدستور، خاصة عندما صرح:
"لكن حيث إن التأويل الذي
أعطته رسالة الإحالة للفصل 51 من الدستور لم يدقق بما فيه الكفاية في الأحكام
المتعلقة بعبارة قانون المالية الواردة فيه، والتي تعتبر امتدادا لعبارة مشروع
قانون المالية، المنصوص عليها في الفصل 50، إذ يتعلقان معا بمرحلة التصويت على
مشروع قانون المالية وهو التأويل الذي كرسه المجلس الدستوري في قراره رقم 250.98
الصادر في 24 أكتوبر 1998 من جهة، وهو كذلك المدلول الذي كرسه وزكاه الفصل الثاني
من القانون التنظيمي لقانون المالية المتعلق بطريقة التصويت على قانون المالية في
المادة 40 منه، وإن القصد من الفصل 51 المذكور، هو تقنين حق التعديل المخول لأعضاء
البرلمان من أجل الحفاظ على التوازنات المالية التي يعتمدها قانون المالية"
(174).
ولعل النقاش الذي احتدم خاصة
بمجلس النواب في هذا الشأن، قبل أن يتم إقرار النظام المصادق عليه سنة 2004، هو
الذي دفع بواضعيه إلى تقديم صياغة أكثر غموضا في هذا الموضوع.
وهكذا تم التخلي عن الوضوح
النسبي الذي كانت تشكله المادة 212 السابق ذكرها من النظام الملغى لسنة 1998 وتم
تعويض مقتضياتها بالمادة 104 التي جاءت تنص على ما يلي:
"لا يمكن أن تعرض بعد ذلك
للمناقشة والتصويت إلا حالة واحدة هي الدفع بعدم القبول الذي يكون الغرض منه
الإقرار بأن النص المعروض يتعارض مع مقتضى أو عدة مقتضيات دستورية، ولا يتدخل في
مناقشته إلا أحد الموقعين على هذا الدفع والحكومة ورئيس أو مقرر اللجنة المختصة،
وينتج عن المصادقة على الدفع بعدم القبول رفض النص المشار بشأنه الدفع".
وهكذا تم السكوت عن كل ما يشير
أو بذكر بأحكام الفضل 51 من الدستور، التي كان ينبغي تفصيلها في اتجاه إعطاء
صلاحيات أكبر لرئيس المجلس أو "المكتب الذي يرأس أعماله من أجل الرفض
التلقائي لكل مشروع تعديل يتناقض –بشكل لا يدع مجالا للمناقشة- ومضمون الفصل 51
السابق ذكره، وعدم عرضه على أنظار المجلس ككل.
2-عدم القبول التشريعي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 53 من الدستور الذي نص : "للحكومة أن تدفع بعدم القبول كل اقتراح أو
تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية.
وكل خلاف في هذا الشأن يفصل فيه
المجلس الدستوري في ظرف ثمانية أيام بطلب من أحد مجلسي البرلمان أو من
الحكومة".
وقد تمت مقتضيات نظامي مجلسي
النواب والمستشارين بشكل موجز أحكام الفصل المذكور أعلاه، وهكذا نصت المادتان 227
و 228 على التوالي من نظام مجلس المستشارين على ما يلي:
عندما تعارض الحكومة في مقترح
قانون أو تعديل قبل الشروع في مناقشة عمومية معتمدة على الفقرة الأولى من الفصل
الثالث والخمسين (53) من الدستور، تعرض القضية على المجلس، وإذا خالف المجلس رأي
الحكومة فلمها أن ترفع القضية للمجلس الدستوري، ولمجلس المستشارين نفس الحق".
"إذا ما أعلنت الحكومة عن
تعرضها بشأن مقترح قانون أو تعديل خلال المناقشة، فللرئيس أن يوقف المناقشة، ويطلب
رأي مجلس المستشارين في التعرض الحكومي في الوقت ذاته.
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق
بين الحكومة ومجلس المستشارين بشأن مقترح أو تعديل ما تتوقف مناقشة ذلك المقترح أو
التعديل وترفع النازلة حالا إلى المجلس الدستوري"
أما نظام مجلس النواب فقد تعرض
للموضوع في المادة 105 التي نصت على ما يلي:
"يمكن للحكومة أن تدفع
بعدم القبول كل اقتراح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية استنادا للفصل
الثالث والخمسين من الدستور، وإذا لم يتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن تتوقف المناقشة
ويرفع الرئيس النازلة إلى المجلس الدستوري للفصل فيها طبقا لأحكام الفقرة الثانية
من الفصل الثالث والخمسين من الدستور".
تخضع مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت عليه لمسطرة
طويلة ومعقدة. وتجري هذه المناقشة وفقا للأصول العامة الرعية في مناقشة وإقرار
القوانين بصفة عامة مع مراعاة الأحكام الخاصة بدراسة قوانين المالية والتصويت
عليها.
الفقرة الأولى : إيداع وتقديم المشروع : من له " حث الأولوية
"
تنص الفقرة 2 من الفصل 52 من الدستور على أن " توضع
مشاريع القوانين بمكتب أحد مجلسي البرلمان". كما تنص الفقرة 1 من المادة 33
من القانون التنظيمي رقم 7.98 على أن " يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب
أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير
".
لكن من له " حق الأولوية" ؟
ويبدو أن المجلس الذي تودع
مشاريع قوانين المالية لديه، أولا، يحدد في مجلس وزاري. فقد أكد وزير الاقتصاد
والمالية في معرض رده على تدخلات أعضاء مجلس النواب، بمناسبة مناقشة مشروع القانون
التنظيمي للمالية رقم 7.98، " بأن هذا المشروع (مشروع قانون المالية) ليس
كالقوانين العادية ولا يمكن إعطاء تفضيل لمجلس على الآخر لأن المسألة تحدد في مجلس
وزاري".
وقد جرت الحكومة، منذ الشروع في
تطبيق نظام الثنائية البرلمانية، على إيداع مشاريع قوانين المالية بمكتب مجلس
النواب قبل إحالتها على مجلس المستشارين.
ويودع مشروع قانون المالية للسنة
لدى مكتب أحد مجلسي البرلمان، طبقا للفقرة 2 من المادة 33 من القانون التنظيمي،
مرفقا بتقرير يتضمن الخطوط الكبرى للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل
عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات المدخلة على المداخيل والمصاريف، ويلحق هذا
التقرير بوثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة
وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية.
وتقدم الحكومة، ممثلة في شخص
الوزير المكلف بالمالية، مشروع قانون المالية أمام كل مجلس من مجلسي البرلمان في
" جلسة خاصة" يعقدها كل مجلس على حدة. ولأعضاء المجلسين حق الاستيضاح
والاستفسار عن كل مقتضى في المشروع المذكور. كما لهم الحق في أن يطلبوا من الحكومة
الوثائق ذات الصلة بالمشروع والتي لم يقع إيداعها بالمرفقات.
ويتكون هذا القانون من جزأين،
هما :
الجزء الأول : وتحصر فيه المعطيات العامة
للتوازن إنه يتضمن الإذن في استخلاص الموارد العامة وإصدار القروض، والأحكام
المتعلقة بالموارد العمومية التي يمكن أن ينص قانون المالية على إحداثها أو
تغييرها أو حقها، والأحكام المتعلقة بتكاليف الدولة وميزانيات مرافق الدولة
المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة وكذا بمراقبة استعمال الأموال
العمومية، والتقييم الإجمالي لمداخيل الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة
المسيرة بصورة مستقلة وأصناف الحسابات الخصوصية للخزينة، والحدود القصوى لتكاليف
الميزانية العامة عن كل باب ومجموع ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة
مخصصة حسب نفقات الاستثمار والحسابات الخصوصية للخزينة عن كل صنف.
الجزء الثاني : وتحصر فيه نفقات
الميزانية العامة عن كل فصل ونفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة عن
كل مصلحة ونفقات الحسابات الخصوصية للخزينة عن كل حساب (المادة 27 من القانون
التنظيمي رقم 7.98).
وتشمل الميزانية العامة على
موارد ونفقات. أما الموارد فإنها تقدم في فصول منقسمة إن اقتضى الحال إلى مواد
وفقرات (المادة 28 من القانون التنظيمي رقم 7.98) وأما النفقات فإنها تجمع في
ثلاثة أبواب هي :
الباب الأول : نفقات التسيير.
الباب الثاني : نفقات الاستثمار.
الباب الثالث : النفقات المتعلقة بخدمة
الدين العمومي.
ويتم تقديم نفقات الميزانية
العامة داخل الأبواب الثلاثة في فصول منقسمة إلى مواد وفقرات وسطور، ففيما يتعلق
بنفقات التسيير تقدم الاعتمادات المرصودة لكل قطاع وزاري أو مؤسسة في فصلين : فصل
للموظفين والأعوان وفصل للمعدات والنفقات المختلفة، وفيما يرجع لنفقات التجهيز
يخصص لكل قطاع وزاري أو مؤسسة فصل (المادة 29 من القانون التنظيمي رقم 7.98).
وأخيرا فإن النفقات الخاصة بالدين العمومي تقدم في فصلين : الأول يشتمل على
النفقات الناتجة عن فوائد وعمولات الدين العمومي. والثاني يشتمل على النفقات
المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل (المادة 30 من القانون
التنظيمي رقم 7.98).
الفقرة الثالثة : القيود
المفروضة على مناقشة المشروع.
الفقرة الرابعة : إجراءات
التصويت
أولا : المسطرة العادية.
تنص الفقرة 1 من الفصل 50 من
الدستور على أن : "يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص
عليها قانون تنظيمي" ويتم التعبير عن التصويت، مبدئيا بشكل علني عن طريق رفع
اليد أو الوقوف أو استعمال الجهاز الإلكتروني المعد لذلك. غير أنه يمكن لأعضاء
البرلمان المطالبة بإجراء تصويت. سري بواسطة صناديق الاقتراع، وفي هذه ال؛الة
يتوجب على صاحب الطلب تحديد الأجزاء التي يرغب في أن يصوت عليها سريا.
ويشرع كل مجلس في التصويت أولا
على الجزء الأول المتعلق بالمداخيل قبل الانتقال إلى المناقشة والتصويت على الجزء
الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري التصويت على الجزء الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري
التصويت مادة مادة.
-التصويت على المداخيل : جري بخصوص تقديرات المداخيل
تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة
مستقلة، وتصويت عن التقديرات المتعلقة بكل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة
على حدة.
-التصويت على النفقات: يجري بخصوص نفقات الميزانية
العامة تصويت عن كل باب وعن كل فصل داخل نفس الباب. كما يجري في شأن نفقات
ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب الوزارات أو
المؤسسات التابعة لها هذه المرافق، ويصوت على نفقات كل صنف من أصناف الحسابات
الخصوصية للخزينة على حدة. وفيما يتعلق بنفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز مخطط التنمية
فإن المجلس بصوت عليها، طبقا للفقرة 2 من الفصل 56 من الدستور مرة واحدة، وذلك
عندما يوافق على المخطط، ويستمر مفعول هذه الموافقة تلقائيا على النفقات المذكورة
طيلة مدة المخطط.
-التصويت على مشروع القانون
المالي برمته : في ختام المناقشة والتصويت على تقديرات المداخيل والنفقات يجري
تصويت إجمالي على مشروع قانون المالية برمته.
ويتولى رئيس المجلس المعني، بعد
انتهاء الأمناء من عد أو فرز الأصوات، الإعلان عن مضمون كل اقتراع كما يلي:
-عدد المصوتين بنعم يساوي :
كذا.
-عدد المصوتين بلا يساوي : كذا.
-عدد الممتنعين يساوي : كذا
وعقب التصويت على المشروع برمته
يعلن الرئيس عن النتيجة النهائية لاقتراع المجلس بإحدى العبارتين التاليتين :
-إن مجلس النواب أو المستشارين
صادق على مشروع قانون المالية للسنة المالية كذا.
-إن مجلس النواب أو المستشارين
لم يصادق على مشروع القانون المالي للسنة المالية كذا.
وتجدر الإشارة إلى أن المصادقة
على القانون المالي، المعروض على التصويت، لا تتم إلا بحصوله على الأغلبية النسبية
للأصوات المعبر عنها. وفي حالة تعادل الأصوات يعاد التصويت مرة أخرى، فإذا تعادلت
الأصوات مجددا فإن القانون المعروض يعتبر غير مصادق عليه.
ثانيا : المسطرة الخاصة.
إن إقرار مشروع قانون مالية
السنة يمكن أن يتم في بعض الحالات وفق مساطر خاصة واستثنائية.
فالحكومة يمكن لها أن تطلب من
مجلس النواب، طبقا للفقرة 2 من الفصل 57 من الدستور البت بتصويت واحد (وهو ما يعرف
بالتصويت الإجمالي) على القانون المتناقش فيه، كليا أو جزئيا مع الاقتصار على
التعديلات المقترحة أو المقبولة من طرفها.
كما يمكن للوزير الأول، تأسيسا
على الفصل 75 من الدستور، أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها
بتصويت يمنح الثقة بشان مشروع القانون المقترح للمصادقة، وفي هذه الحالة لا يمكن
سحب الثقة من الحكومة أو رفض المشروع المذكور إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء
المجلس. ويؤدي سحب الثقة من الحكومة إلى استقالتها بصفة جماعية.
الفقرة الخامسة : حالة تدخل
" اللجنة الثنائية المختلطة"
تطبيقا لأحكام الفصل 58 من
الدستور والمادة 34 من القانون التنظيمي رقم 7.98 يمكن للحكومة في حالة عدمك إقرار
نص قانون المالية بعد قراءته مرتين في كلا مجلسي البرلمان أو مرة واحدة في كل
منهما، إذا أعلنت الحكومة حالة الاستعجال، تشكيل لجنة ثنائية متساوية الأعضاء
مكونة من مجلسي البرلمان لمناقشة النقط التي ما زالت محل خلاف واقتراح نص موحد
بشأنها داخل أجل لا يتعدى 7 أيام ابتداء من تاريخ عرض المسألة عليها من قبل
الحكومة.
وتتولى الحكومة عرض النص
المقترح من طرف اللجنة المذكورة والمقبول من طرفها على أنظار المجلسين قصد إقرار،
داخل أجل لا يتعدى 3 أيام، ولا يقبل في هذه الحالة، أي تعديل إلا بموافقة الحكومة.
لكن في حالة عدم توصل اللجنة
إلى نص موحد أو إذا لم يعتمد النص المقترح من طرف المجلسين، فإن الحكومة تعرض النص
المذكور، بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة
البرلمانية، على مجلس النواب الذي له الحق أن يصوت عليه بصفة نهائية شريطة أن يحصل
النص على الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس.
ما هي النتائج التي تترتب على
عدم حصول النص على الأغلبية المطلوبة؟
إذا لم يحصل النص على الموافقة
بالأغلبية المطلقة فإن الحكومة بإمكانها طلب التصويت بالرفض على النص المقترح وفي
هذه الحالة لا يرفض النص، طبقا للفقرة 2 من الفصل 75 من الدستور إلا بالأغلبية
المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. والغاية من اللجوء إلى هذا الإجراء
الدستوري هو " تجنب توقيف الأداء الحكومي وتجنب صعوبة تمرير القانون
المالي".
كما يمكن لجلالة الملك، في حالة
رفض مشروع النص من طرف البرلمان أو أحد مجلسيه، أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان
القيام بقراءة جديدة للمشروع (الفصل 67 من الدستور). وتطلب هذه القراءة الجديدة
بخطاب ملكي ولا يمكن أن ترفض (الفصل 68 من الدستور). فإذا تمسك البرلمان أو أحد
مجلسيه برفض مشروع القانون بعد قراءته قراءة جديدة حق لجلالة الملك أن يستفتي
الشعب في الموضوع، ما عدا في حالة إقرار المشروع أو رفضه في كل من المجلسين بعد
القراءة الجديدة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم (الفصل 69 من الدستور).
ولقد أصبح موضوع المناقشة
المشار إليها محل اهتمام الفاعلين البرلمانيين بشكل أكبر في ظل النظام البرلماني
الثنائي المجلسين، حيث أضحى حرصهم على تدبير الزمن مسألة ذات أولوية لما قد يكون
لها من انعكاس سلبي أحيانا على عرض النص على الموافقة النهائية للبرلمان في الوقت
الملائم، ولذلك فإن رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب (100)
أقدم ومنذ السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الممتدة من 1997
إلى 2002، على إثارة نقاش مسطري يخص المنهجية المتبعة في دراسة مشاريع قانون
المالية للسنة، وما إن كان ينبغي الاستمرار فيها بنفس الأسلوب، بعدما أصبحت
المناقشات الإجمالية التي تمهد لدراسة أي مشروع قانون مالي تأخذ حيزا وافرا من
الزمن قد تهدد بعدم إحالته على المجلس الآخر طبقا للآجال التي حددها القانون
التنظيمي رقم 7.98 المتعلق بقوانين المالية (101). وهكذا جاء في إحدى فقرات
الوثيقة التي أعدها رئيس اللجنة المذكور وهي صورة لأهم الأشواط التي تعرفها أولى
المناقشات التي تتصدر دراسة كل مشروع قانون مالي :
*لقد أصبح مطروحا بإلحاح على
لجنة المالية في أفق الإعداد لدراسة القانون المالي والقوانين التي سنحال عليها
مباشرة أو من مجلس المستشارين أن تعيد النظر في منهجية عملها وأن تعلقن وتدبر
زمنها أحسن تدبير.......... ويمكن وضع تصور لمنهجية أشغال اللجنة على الشكل الآتي
:
المنهجية الأولى : تتطابق هذه المنهجية مع
الطريقة المعتادة التي اتبعتها لجنة المالية ولا زالت تنهجها وتتلخص فيما يلي :
-تقديم عرض وزير المالية لمشروع
القانون المالي مباشرة بعد تقديمه في الجلسة العامة أمام النواب.
ولقد جرت العادة أن يستغرق هذا
العرض ما بين ساعة ونصف وساعتين ولا يأتي هنا الوزير في عرضه بأي جديد يذكر. فإنه
يكتفي فقط بإعادة مضمون العرض الذي تقدم به أمام النواب في الجلسة العامة.
-تفتح لائحة الاستفسارات
والمطالبة بالوثائق الضرورية لتفسير مشروع القانون المالي. وتستغرق هذه
الاستفسارات حسب الظروف وقتا طويلا. بحيث أحيا يكون من الصعب الشروع في دراسة
مشروع القانون المالي في غياب التوضيحات والتفسيرات والوثائق التي يتقدم بطلبها
السادة النواب.
-يجيب الوزير عن استفسارات
النواب وبدلي بالوثائق المتوفرة لديه أو التي يقرر تقديمها للنواب ويقدم في غالب
الأحيان رده مكتوبا.
-إذا لم تطرح استفسارات جديدة
وتعقيبات على أجوبة الوزير تفتح لائحة التدخلات العامة والتي جرت العادة أن يتسجل
كل نائب في اللائحة. وتجدر الإشارة هنا أنه ليس هناك أي تفضيل بين النواب سواء
كانوا أعضاء رسميين في الجنة أم فقط ملاحظين. فلكل نائب الحق أن يدلي برأيه في
مشروع القانون المالي، وقد تستغرق عملية المناقشة العامة جلسات مطولة، وقد يستمر
النقاش في اللجنة إلى ساعات متأخرة من الليل ومع ملاحظة هو أن الحضور في اللجنة
يصبح مقتصر فقط على المسجلين في اللائحة الذين ينتظرون دورهم....).
-يطلب الوزير بدوره مهلة لإعداد
الجواب كتابة على تدخلات السادة النواب والتي تكون مختلطة تغرف من التقني ومن
سياسي والإيديولوجي حسب النواب. وقد يستغرق جواب الوزير ساعات.
-يمكن أن يطلب بعض النواب فتح
لائحة أخرى للرد على جواب الوزير ....
-يشرع في مناقشة البنود مادة
مادة .........
ولعل ما سبق ذكره يعد صورة
واضحة لأبرز المراحل التي تميز المناقشات العامة التي تسبق عادة الدخول في دراسة
مواد أي مشروع قانون وهي ضمنيا انتقاد لها. علما أن المناقشات التي تخص مشاريع
قانون المالية تبقى متميزة بطبيعة الحال عن غيرها. ومن دون الانتقال إلى المناهج
الأخرى ألتي تعرض لها رئيس اللجنة المشار إليها أعلاه، فإن المرحلة التي تلي
المناقشات العامة، تتعلق عادة بعرض مواد النص على الدرس.
رابعا – دراسة المواد :
إن أهم ما يميز دراسة مواد مشروع أو مقترح القانون هو الابتعاد عن المناقشات
ذات الطابع السياسي، والاقتراب أكثر من تلك التي لها طابع تقني بنيوي ترتبط بنص
المادة في صياغتها ومدلولها في حد ذاته. لذلك فإن المتدخلين من البرلمانيين خلال
هذه المرحلة هم عادة مهنيون محترفون يطغى على مداخلاتهم الأسلوب التقني العملي
أكثر من ...
وأخيرا وهما يكن من أمر، فإن
عدد التعديلات يظل على العموم محدودا جدا في نظامنا البرلماني رغم الانتقال إلى
نظام ثنائية المجلسين. فمن خلال جرد قمنا به عن مجموع التعديلات التي تقدمت بها
مختلف الفرق البرلمانية بمجلسي النواب والمستشارين أمام اللجان المختصة ابتداء من
الدورة التشريعية لأبريل 1998 إلى دورة أكتوبر 2000، تبين لنا أنها لم تتجاوز 1228
تعديلا (167) تم قبول 452 منها، بعدما تم سحب 242 آخرين، ورفض ما تبقى. هذا في
الوقت الذي وقفنا على إحصائيات تهم مجلس الشيوخ بمفرده في فرنسا عن نفس الفترة (
سنتان تشريعيتان متتاليتان 1999-1998/1999-2000 بعدما أقر الدستور الفرنسي نظام
الدورة التشريعية الواحدة (168) حيث وجدنا أنه تم تقديم 10.296 تعديلا، تم القبول
ب 5940 منها، علما أن عدد مشاريع القوانين المعنية بهذا الجرد في المجلس الفرنسي
المذكور لم تكن تتعدى 102. بينما في مجلسي النواب والمستشارين ببلادنا 74 مشروع
قانون. وهذا الفرق يظل بالتأكيد أمرا طبيعيا إذا ما اعتبرنا أن التضخم في المجال
التشريعي عادة ما يكون مرتبطا بمدى التطور الحاصل في البنيات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية المختلفة لأي نظام قانوني.
ثانيا : القيود الموضوعية :
بالرجوع إلى أحكام الدستور،
يبدو أن القيود الموضوعية الواردة على الحق في التعديل يمكن حصرها في نوعين
أساسيين، الأول عندما يكون للتعديل انعكاس مالي، والثاني عندما يخرج التعديل عن
مجال اختصاص القانون.
1-عدم القبول المالي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 51 من الدستور الذي نص: " إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها
أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض
الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود".
وهو ما أكدته المادة 40 من
القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما تم تعديله بالقانون التنظيمي رقم
14.00 عندما نصت : " تطبيقا لأحكام الفصل 51 من الدستور، يتم بقوة القانون
حذف أو رفض المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إلى تخفيض الموارد العمومية وإما
إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود.
فيما عدا ذلك يجب أن يتم تعليل
كل مادة إضافية أو كل تعديل.
ولأجل هذا فإن نظام مجلس
المستشارين وكذا نظام مجلس النواب الملغى لسنة 1998 (لأن النظام المصادق عليه سنة
2004 قد جاء بصياغة أخرى سنعرضها فيما بعد) لم يترددا بصياغة شبيهة (الأول في
المادة 212، والثاني في المادة 236) في التأكيد على ما يلي: "إذا اتضح أن
مشروع تعديل يدخل ضمن مقتضيات الفصل الحادي والخمسين (51) من الدستور فإن المجلس
برفضه.
وفي حالة الالتباس فإن المجلس
لا يتخذ قراره النهائي إلا بعد استشارة رئيس لجنة المالية ومقررها..."
من خلال ما سبق يبدو إذن أن عدم
القبول المنصوص عليه سابقا له طبيعة مطلقة (170) وإذا كانت كل المقتضيات الواردة
أعلاه قد جاءت واضحة وصريحة فإنها رغم ذلك خاصة خلال الولاية التشريعية الممتدة من
1997 إلى 2002- قد كانت محل جدل أمام مجلسي النواب والمستشارين من طرف فرق
المعارضة التي ذهبت إلى ان أحكام الفصل 51 من الدستور المنصوص عليه أعلاه لا تحول
دون عرض أي مشروع تعديل على مسطرة المناقشة والتصويت، حيث اعتبرت أن عدم اللجوء
إلى مسطرة التصويت من أجل حسم كل خلاف في شأن التعديلات التي يدفع بعدم قبولها
المالي يعد عملا غير مطابق للدستور.
ولعل تفادي الدخول في مثل هذا
النوع من الجدل هو الذي دفع بواضعي نظامي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في فرنسا
إلى إقرار مقتضيات واضحة أكثر في هذا الشأن، خاصة وأن أحكام الفصل 40 من الدستور
الفرنسي هي نفسها التي تشكل مضمون الفصل 51 من دستور بلادنا.
فنظام الجمعية الوطنية عالج من
جهة هذا الأمر بالنسبة لمقترحات القوانين كلما كان موضوعها لا ينطبق وأحكام الفصل
40، حيث جاء في مادته 3.81 تحال مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب على مكتب
الجمعية أو على بعض الأعضاء المنتدبين من لدنه لهذه الغاية وبفرض إيداعها إذا ثبت
عدم قبولها حسب مدلول الفصل 40 من الدستور. أما في الحالات الأخرى فيعلن عن
الإيداع في جلسة عمومية. كما أنه من جهة أخرى انتقل إلى الحديث عن التعديلات في
المادة 92 التي أحالت على المادة 98، التي جاء فيها:
"إذا اتضح أن المصادقة على
تعديل ما ستترتب عنه النتائج المنصوص عليها في الفصل 40 من الدستور يرفض الرئيس
إيداع ذلك التعديل. وفي حالة الالتباس لا يتخذ الرئيس قراره النهائي إلا بعد
استشارة رئيس لجنة المالية والاقتصاد العام والتخطيط أو مقررها العام، أو عضو من
المكتب يتم اختياره لهذا الغرض، وإن لم يتوصل الرئيس بالرأي المطلوب، فإنه يحيل
المسألة على مكتب الجمعية.
وقد ذهب نظام مجلس الشيوخ في
نفس الاتجاه عندما نص خاصة في المادة 1.45: "للحكومة ولجنة المالية واللجنة
المختصة ولكل عضو من أعضاء المجلس الدفع بعدم قبول أي تعديل تؤدي المصادقة عليه
إما إلى تخفيض مورد عمومي دون تعويضه بمورد آخر، وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو
الزيادة في تكليف موجود ويعلن حتما عن عدم القبول دون إجراء أية مناقشة إذا أكدته
لجنة المالية، ويعرض التعديل للمناقشة إذا لم تؤكد لجنة المالية عدم القبول.
يبدو إذن أن نظامي مجلسي
البرلمان بفرنسا كانا أكثر وضوحا في هذا الشأن من ألمقتضيات التي جاء بهما
النظامان الداخليان لمجلسي النواب والمستشارين، اللذين لم ينجحا حسب رأينا في
ترجمة غاية المشرع من مضمون المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 7.98 السابق ذكرها
والذي جعل من رفض كل تعديل يتناقض ومضمون الفصل 51 من الدستور، إجراء يتم بقوة
القانون. أي أنه يفتح الباب أمام إمكانية رفضه من لدن أجهزة المجلس الأخرى (المكتب
خاصة) دونما حاجة إلى عرضه على أنظار المجلسي ككل. ولعل غموض الصياغة في النظامين
المذكورين هو الذي دفع بفرق المعارضة بمجلس النواب إلى تضمين طلب الإحالة الموجه
إلى المجلس الدستوري بخصوص قانون المالية رقم 44.01 الذي صادق عليه البرلمان
بتاريخ 26 دجنبر 2001 للبث في مدى مطابقته للدستور، طعنا في استعمال الحكومة
لأحكام الفصل 51 السابق ذكره والدخول في إعطاء تأويلات له.
-إذ ورد في طلب الإحالة (171) :
(وحيث إن الحكومة دفعت مرارا
بالفصل 51 عندما تقدم النواب بتعديلات بشأن بعض مواد مشروع القانون المالي وذلك
بعلة...
" وحيث إن الفصل 51 لم ينص
على عبارة " مشروع القانون المالي" وإنما نص على عبارة" القانون
المالي،
"وحيث إن الدستور نص على
عبارة "مشروع قانون المالية" في الفصل 50، وذكر عبارة "القانون
المالي" في الفصل 51، علما بأن المشرع الدستوري منزه عن العبث في صياغة
النصوص القانونية، إذ قصد من هذا التمييز أن مشروع قانون المالية يكون في إطار
المناقشة داخل اللجان البرلمانية وداخل الجلسات العامة، ويحق لأعضاء البرلمان
تقديم كل الاقتراحات بشأنه حتى وإن كان لها وقع على التوازنات المالية المقترحة،
ما دام أن القانون يصدر عن البرلمان، وفي حالة إذا اعترضت الحكومة على مقترحات
أعضاء البرلمان يتم اللجوء إلى التصويت لحسم الخلاف، وأن هذا الإجراء من اختصاص
البرلمان ويدخل في نطاق وظيفته التشريعية).
ومن وجهة نظرنا، أن طلب الإحالة
المشار إليه أعلاه لم يكن على صواب (172)، خاصة وأن :
-المجلس الدستوري لما أصدر
قراره رقم 250.98 السابق ذكره- حيث لم يكن ذلك بمناسبة أي طعن في استعمال المادة
51 من الدستور، وإنما بمطابقة القانون التنظيمي رقم 7.98 لأحكام الدستور كما
اسلفنا- لمح صراحة وهو بيت في المادة 40 من هذا الأخير أن مضمون الفصل 51 يقصد
"مشروع قانون المالية ...".
-ثم إن المشرع لما أراد أن يحد
من صلاحيات أعضاء البرلمان للقيام بكل تعديل لقوانين المالية نص على ذلك صراحة في
المادتين الثانية ثم 32 من القانون التنظيمي رقم 7.98 فخص الحكومة وحدها بذلك وهذا
تأكيد على أن الفصل 51 يقصد مشروع قانون المالية.
-ثم أخيرا، فإن المشرع الدستوري
إذا كان بالنسبة لحالة الدفع بعدم القبول التشريعي كما جاء ذلك في الفصل 53 من
الدستور قد سمح للحكومة بأن لا تلجأ إلى استعماله- كما سنرى ذلك لاحقا- فإن صيغة
الفصل 51 قد جاءت آمرة وجعلت من رفض المقترحات والتعديلات التي يكون لها انعكاس
مالي سلبي إجراء يتم بقوة القانون ولو لم تعترض الحكومة على ذلك. وهذا ما جعل
المجلس الدستوري يعطي لنفسه الحق في إجراء مراقبة في هذا الشأن بصفة تلقائية بخصوص
مقترح القانون الوارد ذكره في الحيثية بعده، فجاء في القرار الصادر عنه بتاريخ 30
مارس 2000 تحت رقم 2000-386 (173) :
" وحيث إن عدم إعمال
الحكومة للحق المخول لها في نطاق القانون التنظيمي لقانون المالية قبل مناقشة
مقترح القانون المغير للمادة 20 من قانون المالية المذكور، ليس من شأنه أن يحول
دون مراقبة دستورية قبل إصداره لمدى ارتباطه بالقواعد الدستورية"
من أجل هذا، وردا على موضوع
الإحالة المشار إليها أعلاه، فإننا نرى أن المجلس الدستوري قد كان على صواب في رده
بخصوص ما جاء حول استعمال الحكومة للمادة 51 من الدستور، خاصة عندما صرح:
"لكن حيث إن التأويل الذي
أعطته رسالة الإحالة للفصل 51 من الدستور لم يدقق بما فيه الكفاية في الأحكام
المتعلقة بعبارة قانون المالية الواردة فيه، والتي تعتبر امتدادا لعبارة مشروع
قانون المالية، المنصوص عليها في الفصل 50، إذ يتعلقان معا بمرحلة التصويت على
مشروع قانون المالية وهو التأويل الذي كرسه المجلس الدستوري في قراره رقم 250.98
الصادر في 24 أكتوبر 1998 من جهة، وهو كذلك المدلول الذي كرسه وزكاه الفصل الثاني
من القانون التنظيمي لقانون المالية المتعلق بطريقة التصويت على قانون المالية في
المادة 40 منه، وإن القصد من الفصل 51 المذكور، هو تقنين حق التعديل المخول لأعضاء
البرلمان من أجل الحفاظ على التوازنات المالية التي يعتمدها قانون المالية"
(174).
ولعل النقاش الذي احتدم خاصة
بمجلس النواب في هذا الشأن، قبل أن يتم إقرار النظام المصادق عليه سنة 2004، هو
الذي دفع بواضعيه إلى تقديم صياغة أكثر غموضا في هذا الموضوع.
وهكذا تم التخلي عن الوضوح
النسبي الذي كانت تشكله المادة 212 السابق ذكرها من النظام الملغى لسنة 1998 وتم
تعويض مقتضياتها بالمادة 104 التي جاءت تنص على ما يلي:
"لا يمكن أن تعرض بعد ذلك
للمناقشة والتصويت إلا حالة واحدة هي الدفع بعدم القبول الذي يكون الغرض منه
الإقرار بأن النص المعروض يتعارض مع مقتضى أو عدة مقتضيات دستورية، ولا يتدخل في
مناقشته إلا أحد الموقعين على هذا الدفع والحكومة ورئيس أو مقرر اللجنة المختصة،
وينتج عن المصادقة على الدفع بعدم القبول رفض النص المشار بشأنه الدفع".
وهكذا تم السكوت عن كل ما يشير
أو بذكر بأحكام الفضل 51 من الدستور، التي كان ينبغي تفصيلها في اتجاه إعطاء
صلاحيات أكبر لرئيس المجلس أو "المكتب الذي يرأس أعماله من أجل الرفض
التلقائي لكل مشروع تعديل يتناقض –بشكل لا يدع مجالا للمناقشة- ومضمون الفصل 51
السابق ذكره، وعدم عرضه على أنظار المجلس ككل.
2-عدم القبول التشريعي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 53 من الدستور الذي نص : "للحكومة أن تدفع بعدم القبول كل اقتراح أو
تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية.
وكل خلاف في هذا الشأن يفصل فيه
المجلس الدستوري في ظرف ثمانية أيام بطلب من أحد مجلسي البرلمان أو من
الحكومة".
وقد تمت مقتضيات نظامي مجلسي
النواب والمستشارين بشكل موجز أحكام الفصل المذكور أعلاه، وهكذا نصت المادتان 227
و 228 على التوالي من نظام مجلس المستشارين على ما يلي:
عندما تعارض الحكومة في مقترح
قانون أو تعديل قبل الشروع في مناقشة عمومية معتمدة على الفقرة الأولى من الفصل
الثالث والخمسين (53) من الدستور، تعرض القضية على المجلس، وإذا خالف المجلس رأي
الحكومة فلمها أن ترفع القضية للمجلس الدستوري، ولمجلس المستشارين نفس الحق".
"إذا ما أعلنت الحكومة عن
تعرضها بشأن مقترح قانون أو تعديل خلال المناقشة، فللرئيس أن يوقف المناقشة، ويطلب
رأي مجلس المستشارين في التعرض الحكومي في الوقت ذاته.
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق
بين الحكومة ومجلس المستشارين بشأن مقترح أو تعديل ما تتوقف مناقشة ذلك المقترح أو
التعديل وترفع النازلة حالا إلى المجلس الدستوري"
أما نظام مجلس النواب فقد تعرض
للموضوع في المادة 105 التي نصت على ما يلي:
"يمكن للحكومة أن تدفع
بعدم القبول كل اقتراح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية استنادا للفصل
الثالث والخمسين من الدستور، وإذا لم يتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن تتوقف المناقشة
ويرفع الرئيس النازلة إلى المجلس الدستوري للفصل فيها طبقا لأحكام الفقرة الثانية
من الفصل الثالث والخمسين من الدستور".
الفقرة الثالثة : القيود
المفروضة على مناقشة المشروع.
الفقرة الرابعة : إجراءات التصويت
أولا : المسطرة العادية.
تنص الفقرة 1 من الفصل 50 من
الدستور على أن : "يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص
عليها قانون تنظيمي" ويتم التعبير عن التصويت، مبدئيا بشكل علني عن طريق رفع
اليد أو الوقوف أو استعمال الجهاز الإلكتروني المعد لذلك. غير أنه يمكن لأعضاء
البرلمان المطالبة بإجراء تصويت. سري بواسطة صناديق الاقتراع، وفي هذه ال؛الة
يتوجب على صاحب الطلب تحديد الأجزاء التي يرغب في أن يصوت عليها سريا.
ويشرع كل مجلس في التصويت أولا
على الجزء الأول المتعلق بالمداخيل قبل الانتقال إلى المناقشة والتصويت على الجزء
الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري التصويت على الجزء الثاني المتعلق بالنفقات. ويجري
التصويت مادة مادة.
-التصويت على المداخيل : جري بخصوص تقديرات المداخيل
تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة
مستقلة، وتصويت عن التقديرات المتعلقة بكل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة
على حدة.
-التصويت على النفقات: يجري بخصوص نفقات الميزانية
العامة تصويت عن كل باب وعن كل فصل داخل نفس الباب. كما يجري في شأن نفقات
ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب الوزارات أو
المؤسسات التابعة لها هذه المرافق، ويصوت على نفقات كل صنف من أصناف الحسابات
الخصوصية للخزينة على حدة. وفيما يتعلق بنفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز مخطط التنمية
فإن المجلس بصوت عليها، طبقا للفقرة 2 من الفصل 56 من الدستور مرة واحدة، وذلك
عندما يوافق على المخطط، ويستمر مفعول هذه الموافقة تلقائيا على النفقات المذكورة
طيلة مدة المخطط.
-التصويت على مشروع القانون
المالي برمته : في ختام المناقشة والتصويت على تقديرات المداخيل والنفقات يجري
تصويت إجمالي على مشروع قانون المالية برمته.
ويتولى رئيس المجلس المعني، بعد
انتهاء الأمناء من عد أو فرز الأصوات، الإعلان عن مضمون كل اقتراع كما يلي:
-عدد المصوتين بنعم يساوي :
كذا.
-عدد المصوتين بلا يساوي : كذا.
-عدد الممتنعين يساوي : كذا
وعقب التصويت على المشروع برمته
يعلن الرئيس عن النتيجة النهائية لاقتراع المجلس بإحدى العبارتين التاليتين :
-إن مجلس النواب أو المستشارين
صادق على مشروع قانون المالية للسنة المالية كذا.
-إن مجلس النواب أو المستشارين
لم يصادق على مشروع القانون المالي للسنة المالية كذا.
وتجدر الإشارة إلى أن المصادقة
على القانون المالي، المعروض على التصويت، لا تتم إلا بحصوله على الأغلبية النسبية
للأصوات المعبر عنها. وفي حالة تعادل الأصوات يعاد التصويت مرة أخرى، فإذا تعادلت
الأصوات مجددا فإن القانون المعروض يعتبر غير مصادق عليه.
ثانيا : المسطرة الخاصة.
إن إقرار مشروع قانون مالية
السنة يمكن أن يتم في بعض الحالات وفق مساطر خاصة واستثنائية.
فالحكومة يمكن لها أن تطلب من
مجلس النواب، طبقا للفقرة 2 من الفصل 57 من الدستور البت بتصويت واحد (وهو ما يعرف
بالتصويت الإجمالي) على القانون المتناقش فيه، كليا أو جزئيا مع الاقتصار على
التعديلات المقترحة أو المقبولة من طرفها.
كما يمكن للوزير الأول، تأسيسا
على الفصل 75 من الدستور، أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها
بتصويت يمنح الثقة بشان مشروع القانون المقترح للمصادقة، وفي هذه الحالة لا يمكن
سحب الثقة من الحكومة أو رفض المشروع المذكور إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء
المجلس. ويؤدي سحب الثقة من الحكومة إلى استقالتها بصفة جماعية.
الفقرة الخامسة : حالة تدخل
" اللجنة الثنائية المختلطة"
تطبيقا لأحكام الفصل 58 من
الدستور والمادة 34 من القانون التنظيمي رقم 7.98 يمكن للحكومة في حالة عدمك إقرار
نص قانون المالية بعد قراءته مرتين في كلا مجلسي البرلمان أو مرة واحدة في كل
منهما، إذا أعلنت الحكومة حالة الاستعجال، تشكيل لجنة ثنائية متساوية الأعضاء
مكونة من مجلسي البرلمان لمناقشة النقط التي ما زالت محل خلاف واقتراح نص موحد
بشأنها داخل أجل لا يتعدى 7 أيام ابتداء من تاريخ عرض المسألة عليها من قبل
الحكومة.
وتتولى الحكومة عرض النص
المقترح من طرف اللجنة المذكورة والمقبول من طرفها على أنظار المجلسين قصد إقرار،
داخل أجل لا يتعدى 3 أيام، ولا يقبل في هذه الحالة، أي تعديل إلا بموافقة الحكومة.
لكن في حالة عدم توصل اللجنة
إلى نص موحد أو إذا لم يعتمد النص المقترح من طرف المجلسين، فإن الحكومة تعرض النص
المذكور، بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة
البرلمانية، على مجلس النواب الذي له الحق أن يصوت عليه بصفة نهائية شريطة أن يحصل
النص على الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس.
ما هي النتائج التي تترتب على
عدم حصول النص على الأغلبية المطلوبة؟
إذا لم يحصل النص على الموافقة
بالأغلبية المطلقة فإن الحكومة بإمكانها طلب التصويت بالرفض على النص المقترح وفي
هذه الحالة لا يرفض النص، طبقا للفقرة 2 من الفصل 75 من الدستور إلا بالأغلبية
المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. والغاية من اللجوء إلى هذا الإجراء
الدستوري هو " تجنب توقيف الأداء الحكومي وتجنب صعوبة تمرير القانون
المالي".
كما يمكن لجلالة الملك، في حالة
رفض مشروع النص من طرف البرلمان أو أحد مجلسيه، أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان
القيام بقراءة جديدة للمشروع (الفصل 67 من الدستور). وتطلب هذه القراءة الجديدة
بخطاب ملكي ولا يمكن أن ترفض (الفصل 68 من الدستور). فإذا تمسك البرلمان أو أحد
مجلسيه برفض مشروع القانون بعد قراءته قراءة جديدة حق لجلالة الملك أن يستفتي
الشعب في الموضوع، ما عدا في حالة إقرار المشروع أو رفضه في كل من المجلسين بعد
القراءة الجديدة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم (الفصل 69 من الدستور).
ولقد أصبح موضوع المناقشة
المشار إليها محل اهتمام الفاعلين البرلمانيين بشكل أكبر في ظل النظام البرلماني
الثنائي المجلسين، حيث أضحى حرصهم على تدبير الزمن مسألة ذات أولوية لما قد يكون
لها من انعكاس سلبي أحيانا على عرض النص على الموافقة النهائية للبرلمان في الوقت
الملائم، ولذلك فإن رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب (100)
أقدم ومنذ السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الممتدة من 1997
إلى 2002، على إثارة نقاش مسطري يخص المنهجية المتبعة في دراسة مشاريع قانون
المالية للسنة، وما إن كان ينبغي الاستمرار فيها بنفس الأسلوب، بعدما أصبحت
المناقشات الإجمالية التي تمهد لدراسة أي مشروع قانون مالي تأخذ حيزا وافرا من
الزمن قد تهدد بعدم إحالته على المجلس الآخر طبقا للآجال التي حددها القانون
التنظيمي رقم 7.98 المتعلق بقوانين المالية (101). وهكذا جاء في إحدى فقرات
الوثيقة التي أعدها رئيس اللجنة المذكور وهي صورة لأهم الأشواط التي تعرفها أولى
المناقشات التي تتصدر دراسة كل مشروع قانون مالي :
*لقد أصبح مطروحا بإلحاح على
لجنة المالية في أفق الإعداد لدراسة القانون المالي والقوانين التي سنحال عليها
مباشرة أو من مجلس المستشارين أن تعيد النظر في منهجية عملها وأن تعلقن وتدبر
زمنها أحسن تدبير.......... ويمكن وضع تصور لمنهجية أشغال اللجنة على الشكل الآتي :
المنهجية الأولى : تتطابق هذه المنهجية مع
الطريقة المعتادة التي اتبعتها لجنة المالية ولا زالت تنهجها وتتلخص فيما يلي :
-تقديم عرض وزير المالية لمشروع
القانون المالي مباشرة بعد تقديمه في الجلسة العامة أمام النواب.
ولقد جرت العادة أن يستغرق هذا
العرض ما بين ساعة ونصف وساعتين ولا يأتي هنا الوزير في عرضه بأي جديد يذكر. فإنه
يكتفي فقط بإعادة مضمون العرض الذي تقدم به أمام النواب في الجلسة العامة.
-تفتح لائحة الاستفسارات
والمطالبة بالوثائق الضرورية لتفسير مشروع القانون المالي. وتستغرق هذه
الاستفسارات حسب الظروف وقتا طويلا. بحيث أحيا يكون من الصعب الشروع في دراسة
مشروع القانون المالي في غياب التوضيحات والتفسيرات والوثائق التي يتقدم بطلبها
السادة النواب.
-يجيب الوزير عن استفسارات
النواب وبدلي بالوثائق المتوفرة لديه أو التي يقرر تقديمها للنواب ويقدم في غالب
الأحيان رده مكتوبا.
-إذا لم تطرح استفسارات جديدة
وتعقيبات على أجوبة الوزير تفتح لائحة التدخلات العامة والتي جرت العادة أن يتسجل
كل نائب في اللائحة. وتجدر الإشارة هنا أنه ليس هناك أي تفضيل بين النواب سواء
كانوا أعضاء رسميين في الجنة أم فقط ملاحظين. فلكل نائب الحق أن يدلي برأيه في
مشروع القانون المالي، وقد تستغرق عملية المناقشة العامة جلسات مطولة، وقد يستمر
النقاش في اللجنة إلى ساعات متأخرة من الليل ومع ملاحظة هو أن الحضور في اللجنة
يصبح مقتصر فقط على المسجلين في اللائحة الذين ينتظرون دورهم....).
-يطلب الوزير بدوره مهلة لإعداد
الجواب كتابة على تدخلات السادة النواب والتي تكون مختلطة تغرف من التقني ومن
سياسي والإيديولوجي حسب النواب. وقد يستغرق جواب الوزير ساعات.
-يمكن أن يطلب بعض النواب فتح
لائحة أخرى للرد على جواب الوزير ....
-يشرع في مناقشة البنود مادة
مادة .........
ولعل ما سبق ذكره يعد صورة
واضحة لأبرز المراحل التي تميز المناقشات العامة التي تسبق عادة الدخول في دراسة
مواد أي مشروع قانون وهي ضمنيا انتقاد لها. علما أن المناقشات التي تخص مشاريع
قانون المالية تبقى متميزة بطبيعة الحال عن غيرها. ومن دون الانتقال إلى المناهج
الأخرى ألتي تعرض لها رئيس اللجنة المشار إليها أعلاه، فإن المرحلة التي تلي
المناقشات العامة، تتعلق عادة بعرض مواد النص على الدرس.
رابعا – دراسة المواد :
إن أهم ما يميز دراسة مواد مشروع أو مقترح القانون هو الابتعاد عن المناقشات
ذات الطابع السياسي، والاقتراب أكثر من تلك التي لها طابع تقني بنيوي ترتبط بنص
المادة في صياغتها ومدلولها في حد ذاته. لذلك فإن المتدخلين من البرلمانيين خلال
هذه المرحلة هم عادة مهنيون محترفون يطغى على مداخلاتهم الأسلوب التقني العملي
أكثر من ...
وأخيرا وهما يكن من أمر، فإن
عدد التعديلات يظل على العموم محدودا جدا في نظامنا البرلماني رغم الانتقال إلى
نظام ثنائية المجلسين. فمن خلال جرد قمنا به عن مجموع التعديلات التي تقدمت بها
مختلف الفرق البرلمانية بمجلسي النواب والمستشارين أمام اللجان المختصة ابتداء من
الدورة التشريعية لأبريل 1998 إلى دورة أكتوبر 2000، تبين لنا أنها لم تتجاوز 1228
تعديلا (167) تم قبول 452 منها، بعدما تم سحب 242 آخرين، ورفض ما تبقى. هذا في
الوقت الذي وقفنا على إحصائيات تهم مجلس الشيوخ بمفرده في فرنسا عن نفس الفترة (
سنتان تشريعيتان متتاليتان 1999-1998/1999-2000 بعدما أقر الدستور الفرنسي نظام
الدورة التشريعية الواحدة (168) حيث وجدنا أنه تم تقديم 10.296 تعديلا، تم القبول
ب 5940 منها، علما أن عدد مشاريع القوانين المعنية بهذا الجرد في المجلس الفرنسي
المذكور لم تكن تتعدى 102. بينما في مجلسي النواب والمستشارين ببلادنا 74 مشروع
قانون. وهذا الفرق يظل بالتأكيد أمرا طبيعيا إذا ما اعتبرنا أن التضخم في المجال
التشريعي عادة ما يكون مرتبطا بمدى التطور الحاصل في البنيات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية المختلفة لأي نظام قانوني.
ثانيا : القيود الموضوعية :
بالرجوع إلى أحكام الدستور،
يبدو أن القيود الموضوعية الواردة على الحق في التعديل يمكن حصرها في نوعين
أساسيين، الأول عندما يكون للتعديل انعكاس مالي، والثاني عندما يخرج التعديل عن
مجال اختصاص القانون.
1-عدم القبول المالي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 51 من الدستور الذي نص: " إن المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها
أعضاء البرلمان ترفض إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة للقانون المالي إما إلى تخفيض
الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود".
وهو ما أكدته المادة 40 من
القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية كما تم تعديله بالقانون التنظيمي رقم
14.00 عندما نصت : " تطبيقا لأحكام الفصل 51 من الدستور، يتم بقوة القانون
حذف أو رفض المواد الإضافية أو التعديلات الرامية إلى تخفيض الموارد العمومية وإما
إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود.
فيما عدا ذلك يجب أن يتم تعليل
كل مادة إضافية أو كل تعديل.
ولأجل هذا فإن نظام مجلس
المستشارين وكذا نظام مجلس النواب الملغى لسنة 1998 (لأن النظام المصادق عليه سنة
2004 قد جاء بصياغة أخرى سنعرضها فيما بعد) لم يترددا بصياغة شبيهة (الأول في
المادة 212، والثاني في المادة 236) في التأكيد على ما يلي: "إذا اتضح أن
مشروع تعديل يدخل ضمن مقتضيات الفصل الحادي والخمسين (51) من الدستور فإن المجلس
برفضه.
وفي حالة الالتباس فإن المجلس
لا يتخذ قراره النهائي إلا بعد استشارة رئيس لجنة المالية ومقررها..."
من خلال ما سبق يبدو إذن أن عدم
القبول المنصوص عليه سابقا له طبيعة مطلقة (170) وإذا كانت كل المقتضيات الواردة
أعلاه قد جاءت واضحة وصريحة فإنها رغم ذلك خاصة خلال الولاية التشريعية الممتدة من
1997 إلى 2002- قد كانت محل جدل أمام مجلسي النواب والمستشارين من طرف فرق
المعارضة التي ذهبت إلى ان أحكام الفصل 51 من الدستور المنصوص عليه أعلاه لا تحول
دون عرض أي مشروع تعديل على مسطرة المناقشة والتصويت، حيث اعتبرت أن عدم اللجوء
إلى مسطرة التصويت من أجل حسم كل خلاف في شأن التعديلات التي يدفع بعدم قبولها المالي
يعد عملا غير مطابق للدستور.
ولعل تفادي الدخول في مثل هذا
النوع من الجدل هو الذي دفع بواضعي نظامي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في فرنسا
إلى إقرار مقتضيات واضحة أكثر في هذا الشأن، خاصة وأن أحكام الفصل 40 من الدستور
الفرنسي هي نفسها التي تشكل مضمون الفصل 51 من دستور بلادنا.
فنظام الجمعية الوطنية عالج من
جهة هذا الأمر بالنسبة لمقترحات القوانين كلما كان موضوعها لا ينطبق وأحكام الفصل
40، حيث جاء في مادته 3.81 تحال مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب على مكتب
الجمعية أو على بعض الأعضاء المنتدبين من لدنه لهذه الغاية وبفرض إيداعها إذا ثبت
عدم قبولها حسب مدلول الفصل 40 من الدستور. أما في الحالات الأخرى فيعلن عن
الإيداع في جلسة عمومية. كما أنه من جهة أخرى انتقل إلى الحديث عن التعديلات في
المادة 92 التي أحالت على المادة 98، التي جاء فيها:
"إذا اتضح أن المصادقة على
تعديل ما ستترتب عنه النتائج المنصوص عليها في الفصل 40 من الدستور يرفض الرئيس
إيداع ذلك التعديل. وفي حالة الالتباس لا يتخذ الرئيس قراره النهائي إلا بعد
استشارة رئيس لجنة المالية والاقتصاد العام والتخطيط أو مقررها العام، أو عضو من
المكتب يتم اختياره لهذا الغرض، وإن لم يتوصل الرئيس بالرأي المطلوب، فإنه يحيل
المسألة على مكتب الجمعية.
وقد ذهب نظام مجلس الشيوخ في
نفس الاتجاه عندما نص خاصة في المادة 1.45: "للحكومة ولجنة المالية واللجنة
المختصة ولكل عضو من أعضاء المجلس الدفع بعدم قبول أي تعديل تؤدي المصادقة عليه
إما إلى تخفيض مورد عمومي دون تعويضه بمورد آخر، وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو
الزيادة في تكليف موجود ويعلن حتما عن عدم القبول دون إجراء أية مناقشة إذا أكدته
لجنة المالية، ويعرض التعديل للمناقشة إذا لم تؤكد لجنة المالية عدم القبول.
يبدو إذن أن نظامي مجلسي
البرلمان بفرنسا كانا أكثر وضوحا في هذا الشأن من ألمقتضيات التي جاء بهما
النظامان الداخليان لمجلسي النواب والمستشارين، اللذين لم ينجحا حسب رأينا في
ترجمة غاية المشرع من مضمون المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 7.98 السابق ذكرها
والذي جعل من رفض كل تعديل يتناقض ومضمون الفصل 51 من الدستور، إجراء يتم بقوة
القانون. أي أنه يفتح الباب أمام إمكانية رفضه من لدن أجهزة المجلس الأخرى (المكتب
خاصة) دونما حاجة إلى عرضه على أنظار المجلسي ككل. ولعل غموض الصياغة في النظامين
المذكورين هو الذي دفع بفرق المعارضة بمجلس النواب إلى تضمين طلب الإحالة الموجه
إلى المجلس الدستوري بخصوص قانون المالية رقم 44.01 الذي صادق عليه البرلمان
بتاريخ 26 دجنبر 2001 للبث في مدى مطابقته للدستور، طعنا في استعمال الحكومة
لأحكام الفصل 51 السابق ذكره والدخول في إعطاء تأويلات له.
-إذ ورد في طلب الإحالة (171) :
(وحيث إن الحكومة دفعت مرارا
بالفصل 51 عندما تقدم النواب بتعديلات بشأن بعض مواد مشروع القانون المالي وذلك
بعلة...
" وحيث إن الفصل 51 لم ينص
على عبارة " مشروع القانون المالي" وإنما نص على عبارة" القانون
المالي،
"وحيث إن الدستور نص على
عبارة "مشروع قانون المالية" في الفصل 50، وذكر عبارة "القانون
المالي" في الفصل 51، علما بأن المشرع الدستوري منزه عن العبث في صياغة
النصوص القانونية، إذ قصد من هذا التمييز أن مشروع قانون المالية يكون في إطار
المناقشة داخل اللجان البرلمانية وداخل الجلسات العامة، ويحق لأعضاء البرلمان
تقديم كل الاقتراحات بشأنه حتى وإن كان لها وقع على التوازنات المالية المقترحة،
ما دام أن القانون يصدر عن البرلمان، وفي حالة إذا اعترضت الحكومة على مقترحات
أعضاء البرلمان يتم اللجوء إلى التصويت لحسم الخلاف، وأن هذا الإجراء من اختصاص
البرلمان ويدخل في نطاق وظيفته التشريعية).
ومن وجهة نظرنا، أن طلب الإحالة
المشار إليه أعلاه لم يكن على صواب (172)، خاصة وأن :
-المجلس الدستوري لما أصدر
قراره رقم 250.98 السابق ذكره- حيث لم يكن ذلك بمناسبة أي طعن في استعمال المادة
51 من الدستور، وإنما بمطابقة القانون التنظيمي رقم 7.98 لأحكام الدستور كما
اسلفنا- لمح صراحة وهو بيت في المادة 40 من هذا الأخير أن مضمون الفصل 51 يقصد
"مشروع قانون المالية ...".
-ثم إن المشرع لما أراد أن يحد
من صلاحيات أعضاء البرلمان للقيام بكل تعديل لقوانين المالية نص على ذلك صراحة في
المادتين الثانية ثم 32 من القانون التنظيمي رقم 7.98 فخص الحكومة وحدها بذلك وهذا
تأكيد على أن الفصل 51 يقصد مشروع قانون المالية.
-ثم أخيرا، فإن المشرع الدستوري
إذا كان بالنسبة لحالة الدفع بعدم القبول التشريعي كما جاء ذلك في الفصل 53 من
الدستور قد سمح للحكومة بأن لا تلجأ إلى استعماله- كما سنرى ذلك لاحقا- فإن صيغة
الفصل 51 قد جاءت آمرة وجعلت من رفض المقترحات والتعديلات التي يكون لها انعكاس
مالي سلبي إجراء يتم بقوة القانون ولو لم تعترض الحكومة على ذلك. وهذا ما جعل
المجلس الدستوري يعطي لنفسه الحق في إجراء مراقبة في هذا الشأن بصفة تلقائية بخصوص
مقترح القانون الوارد ذكره في الحيثية بعده، فجاء في القرار الصادر عنه بتاريخ 30
مارس 2000 تحت رقم 2000-386 (173) :
" وحيث إن عدم إعمال
الحكومة للحق المخول لها في نطاق القانون التنظيمي لقانون المالية قبل مناقشة
مقترح القانون المغير للمادة 20 من قانون المالية المذكور، ليس من شأنه أن يحول
دون مراقبة دستورية قبل إصداره لمدى ارتباطه بالقواعد الدستورية"
من أجل هذا، وردا على موضوع
الإحالة المشار إليها أعلاه، فإننا نرى أن المجلس الدستوري قد كان على صواب في رده
بخصوص ما جاء حول استعمال الحكومة للمادة 51 من الدستور، خاصة عندما صرح:
"لكن حيث إن التأويل الذي
أعطته رسالة الإحالة للفصل 51 من الدستور لم يدقق بما فيه الكفاية في الأحكام
المتعلقة بعبارة قانون المالية الواردة فيه، والتي تعتبر امتدادا لعبارة مشروع
قانون المالية، المنصوص عليها في الفصل 50، إذ يتعلقان معا بمرحلة التصويت على
مشروع قانون المالية وهو التأويل الذي كرسه المجلس الدستوري في قراره رقم 250.98
الصادر في 24 أكتوبر 1998 من جهة، وهو كذلك المدلول الذي كرسه وزكاه الفصل الثاني
من القانون التنظيمي لقانون المالية المتعلق بطريقة التصويت على قانون المالية في
المادة 40 منه، وإن القصد من الفصل 51 المذكور، هو تقنين حق التعديل المخول لأعضاء
البرلمان من أجل الحفاظ على التوازنات المالية التي يعتمدها قانون المالية"
(174).
ولعل النقاش الذي احتدم خاصة
بمجلس النواب في هذا الشأن، قبل أن يتم إقرار النظام المصادق عليه سنة 2004، هو
الذي دفع بواضعيه إلى تقديم صياغة أكثر غموضا في هذا الموضوع.
وهكذا تم التخلي عن الوضوح
النسبي الذي كانت تشكله المادة 212 السابق ذكرها من النظام الملغى لسنة 1998 وتم
تعويض مقتضياتها بالمادة 104 التي جاءت تنص على ما يلي:
"لا يمكن أن تعرض بعد ذلك
للمناقشة والتصويت إلا حالة واحدة هي الدفع بعدم القبول الذي يكون الغرض منه
الإقرار بأن النص المعروض يتعارض مع مقتضى أو عدة مقتضيات دستورية، ولا يتدخل في
مناقشته إلا أحد الموقعين على هذا الدفع والحكومة ورئيس أو مقرر اللجنة المختصة،
وينتج عن المصادقة على الدفع بعدم القبول رفض النص المشار بشأنه الدفع".
وهكذا تم السكوت عن كل ما يشير
أو بذكر بأحكام الفضل 51 من الدستور، التي كان ينبغي تفصيلها في اتجاه إعطاء
صلاحيات أكبر لرئيس المجلس أو "المكتب الذي يرأس أعماله من أجل الرفض
التلقائي لكل مشروع تعديل يتناقض –بشكل لا يدع مجالا للمناقشة- ومضمون الفصل 51
السابق ذكره، وعدم عرضه على أنظار المجلس ككل.
2-عدم القبول التشريعي :
إن أساس المبدأ قد تم تحديده في
الفصل 53 من الدستور الذي نص : "للحكومة أن تدفع بعدم القبول كل اقتراح أو
تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية.
وكل خلاف في هذا الشأن يفصل فيه
المجلس الدستوري في ظرف ثمانية أيام بطلب من أحد مجلسي البرلمان أو من
الحكومة".
وقد تمت مقتضيات نظامي مجلسي
النواب والمستشارين بشكل موجز أحكام الفصل المذكور أعلاه، وهكذا نصت المادتان 227
و 228 على التوالي من نظام مجلس المستشارين على ما يلي:
عندما تعارض الحكومة في مقترح
قانون أو تعديل قبل الشروع في مناقشة عمومية معتمدة على الفقرة الأولى من الفصل
الثالث والخمسين (53) من الدستور، تعرض القضية على المجلس، وإذا خالف المجلس رأي
الحكومة فلمها أن ترفع القضية للمجلس الدستوري، ولمجلس المستشارين نفس الحق".
"إذا ما أعلنت الحكومة عن
تعرضها بشأن مقترح قانون أو تعديل خلال المناقشة، فللرئيس أن يوقف المناقشة، ويطلب
رأي مجلس المستشارين في التعرض الحكومي في الوقت ذاته.
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق
بين الحكومة ومجلس المستشارين بشأن مقترح أو تعديل ما تتوقف مناقشة ذلك المقترح أو
التعديل وترفع النازلة حالا إلى المجلس الدستوري"
أما نظام مجلس النواب فقد تعرض
للموضوع في المادة 105 التي نصت على ما يلي:
"يمكن للحكومة أن تدفع
بعدم القبول كل اقتراح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية استنادا للفصل
الثالث والخمسين من الدستور، وإذا لم يتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن تتوقف المناقشة
ويرفع الرئيس النازلة إلى المجلس الدستوري للفصل فيها طبقا لأحكام الفقرة الثانية
من الفصل الثالث والخمسين من الدستور".
ليست هناك تعليقات