تقرير حول أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص بعنوان: ضمان التوازن الاقتصادي لعقود الاستثمار في إطار التحكيم الدولي تقديم : ...
تقرير حول أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص بعنوان:
ضمان التوازن الاقتصادي لعقود الاستثمار في إطار التحكيم الدولي
تقديم:
تعتبر التنمية الاقتصادية من أبرز وأكبر الرهانات التي تسعى أي دولة إلى تحقيقها. لذلك أدركت معظم هذه الدول، على اختلاف نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أهمية الاستثمار الأجنبي في هذا المجال، لكونه يستطيع أن يلعب دورا أساسيا في تحقيق الخطط التنموية للدولة المضيفة له، فهو يمكنها من استغلال مواردها الطبيعية، كما يسهم في تحسين بنيتها التحتية، وتطوير مختلف القطاعات الإنتاجية من خلال ما يقدمه من أصول متنوعة منها رأس المال والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج، وما يوفره من إمكانية الانفتاح على الأسواق الدولية.
كما أن العولمة باعتبارها نظاما تجاريا واقتصاديا حيث تساهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية، وزيادة نسب النمو، ولاسيما في دول العالم الثالث، عن طريق تكثيف المبادلات التجارية وما يرافقها من تطور وسائل الاتصالات والتكنولوجيا ، مما ترك أثره على كافة الدول سلبياً أو ايجابياً ، لقيت اهتماماً بارزًا في الآونة الأخيرة بعد أن أصبحت تستند لاتفاقيات دولية تعقد بإرادة الدول، وتوجهها مؤسسات ومنظمات دولية وشركات متعددة الجنسيات تخضع لسيطرة بعض الدول المتقدمة.
بالنسبة للمملكة المغربية، وتنفيذا للتوجيهات الملكية ، الذي حث على "مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل، وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات"، كما أمر بتنوير مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ بين التجار، فقد تم اتخاذ عدة تدابير تهدف إلى إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار وتشجيع المبادرة الحرة للمستثمرين المغاربة والأجانب، حيث تم العمل على تحسين فرص جاذبية الاستثمار من خلال اتخاذ إجراءات اقتصادية وقانونية ومؤسساتية.
وفي ظل هذا المناخ ظهر التحكيم الدولي كأهم وسيلة من الوسائل البديلة يرغب المتعاملون في ميدان التجارة الدولية اللجوء إليه لحسم خلافاتهم الناتجة عن تعاملاتهم، كما أنه لا يوجد عقد من عقود التجارة الدولية خاليا من شرط أو اتفاق ينص على إتباع التحكيم عند حدوث نزاع أو خلاف يتعلق بإنشاءه وتفسيره أو تنفيذه أو إنهائه.
أولا: أهمية الموضوع و أسباب اختياره
أعضاء اللجنة المحترمين إن أهمية الموضوع لا تنبع من قناعة شخصية، وإنما ترتكز على اعتبارات اقتصادية قانونية وعملية في نفس الوقت، حيث يمكن تحديد أهمية هذا الموضوع :
- على المستوى الاقتصادي: انطلاقا من الهدف الأساسي الذي تسعى اتفاقية واشنطن ذاتها إلى تحقيقه والمتمثل في المساعدة على تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي، حيث جاءت من أجل توفير مناخ ملائم للاستثمارات الدولية. ويتضح ذلك من خلال ديباجة الاتفاقية التي ورد فيها ما يلي: " مراعاة لضرورة التعاون الدولي لأجل التنمية الاقتصادية والدور الذي تلعبه الاستثمارات الدولية الخاصة في هذا المجال".
- على المستوى القانوني: تأتي أهمية هذا الموضوع من أن التحكيم أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار له عدة خصوصيات بالمقارنة مع غيره من مؤسسات التحكيم. فتحكيم المركز يتميز بخاصية الكفاية الذاتية، بمعنى أنه لا يتطلب أي تدخل من أية جهة خارجية. وبالتحديد لا تتمتع المحاكم الوطنية بأية سلطة تفرضها على العملية التحكيمية، إذ أن اتفاقية واشنطن فرقت الارتباط بين التحكيم الذي يجري أمام المركز وبين القضاء الوطني للدول المتعاقدة.
- على المستوى العملي: تبرز أهمية البحث في هذا الموضوع من كون اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار كان في بدايته محدودا للغاية، غير أن الأمور تغيرت بشكل ملحوظ، وبالضبط منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث لوحظ تزايد كبير في عدد القضايا المعروضة على المركز، ثم كون المغرب يملك تجربة مفيدة أمام هذا المركز.
- التعرف على مفهوم العولمة الاقتصادية وما أفرزته من تكثيف المبادلات التجارية و تعاظم مبالغ الاستثمارات الأجنبية، وما رافقها من تغيرات في التجارة الدولية والإقليمية، والأدوات التي تستخدمها القوى الفاعلة من أجل نشر هذه الظاهرة، والمجالات التي تتأثر بها، بهدف الحفاظ على توازن عقود الاستثمار الدولية، في إطار الحرية الاقتصادية وفتح الأسواق وترك الأسعار للعرض والطلب .
- أهمية عقود الاستثمار، نظرا للدور الذي تلعبه في الاقتصاد القومي لكل من الدول المضيفة للاستثمار والدول التي ينتمي إليها المستثمرون.
- ما شهده العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين من تطورات بالغة الأهمية تتصل بالتحكيم الدولي كوسيلة لتسوية منازعات عقود الاستثمار.
يعنى هذا البحث بدراسة ضمان التوازن المالي لعقود الاستثمار في إطار التحكيم الدولي، علما بأن دراسة هذه العقود في إطار القانون الدولي الخاص قد أثارت من الخلاف والجدل.
كما أن الإشكال الأساس في هذه العقود، يتمثل في كيفية التوفيق بين الأهداف العامة التي تسعى الدولة المضيفة لتحقيقها و التي تحرص في أغلب الأحيان على ممارسة حقوقها في السيادة والسلطة فيما يتعلق بمواردها الطبيعية، ومصيرها الاقتصادي من جهة، وبين الأهداف الشخصية التي يسعى لتحقيقها الطرف الخاص المتعاقد معها من جهة أخرى؟
ويترتب عن الإشكال الأساس لهذا الموضوع بعض التساؤلات الفرعية التي أجبت عنها خلال دراستي لهذا البحث، ويتعلق الأمر بتعرض العقد إلى خلل في توازنه ولكن لا يستدعي إلغاءه وإنما إعادة النظر فيه والتفاوض مجددا بشروطه، ولهذا يعمد الأطراف في معظم الأحيان إلى وضع شرط في عقدهم وهو شرط القوة القاهرة، ولكن بالرغم من ذلك فإن إدراج مثل هذا الشرط لا يمنع حصول نزاع بين الأطراف، فما هو الغرض من إدراج مثل هذا الشرط ؟ وكيف يحل التحكيم المنازعات الناتجة عن حدوث قوة قاهرة في عقود الاستثمار الدولية ؟ هل القوة القاهرة في مجال عقود الاستثمار الدولية لها خصوصية تميزها عن القوة القاهرة في مجال العقود الداخلية ؟ ما المقصود بشرط إعادة التفاوض "Hardship" ؟ ما علاقته بنظرية الظروف الطارئة التي تعرفها بعض القوانين ؟ وما علاقته بنظرية القوة القاهرة ؟ .
ثالثا: منهج البحث
نظرا لخصوصية موضوع البحث وتشعب القضايا التي يتطرق إليها، فقد اعتمدنا بشكل أساس على منهجين علميين يكمل إحداهما الآخر بقصد إغناء موضوع البحث ومحاولة الإلمام بجميع تفاصيله، ولأجل تحقيق هذه الغاية فقد اتبعت المنهج الاستقرائي والمنهج التطبيقي.
المنهج الاستقرائي: بمقتضاه سنقوم بعرض النصوص القانونية المنظمة للتحكيم الدولي، وقد اعتمدت على هذا المنهج من أجل استعراض مختلف الآراء الفقهية المتعلقة بموضوع البحث وتحليلها والمقارنة فيما بينها وترجيح أحدها والانحياز إليها مع بيان الأسباب والمبررات التي تقتضي ذلك.
المنهج التطبيقي: طبقا لهذا المنهج سنسعى عند عرض كل فكرة إلى تدعيمها بالتطبيقات العملية التي تؤيدها وتساهم في توضيحها، سواء كانت هذه التطبيقات العملية من واقع العقود المبرمة بين الدول والمستثمرين الأجانب أو من أحكام القضاء والتحكيم ، أو من واقع الاجتهادات القضائية.
وإذا كان كل بحث لا يخلو من صعوبات حيث يتفاوت حجم هذه الصعوبات ومدى تأثيرها على مسار البحث وقيمته، فإن أهم الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث. منها ما يتعلق بطبيعة الموضوع نفسه من حيث الحيز الزمني الذي لم يسعفني لوضع تقييم متكامل لدور التحكيم الدولي في الحفاظ على التوازن الاقتصادي لعقود الاستثمار، كذلك عدم وجود دراسات حول الموضوع خصوصا من الجانب المغربي،عدا بعض المقالات في الجرائد والمجلات الورقية والالكترونية والتي لا تتناول الموضوع في عمقه، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المراجع والكتب المختصة بعقود الاستثمار وخلو مكتباتنا منها لعدم الاهتمام بها، وبالتالي اللجوء إلى المراجع باللغة الأجنبية والتي تخلق بعض الصعوبات كعدم سهولة الحصول عليها من جهة، ومشاكل الترجمة إلى اللغة العربية وما يستغرقه ذلك من جهد ووقت من جهة ثانية.
رابعا: تقسيم البحث
يقتصر هذا البحث على دراسة موضوع ضمان التوازن المالي لعقود الاستثمار في إطار التحكيم الدولي، وبالتالي كان لزاما علي التعرض لكافة الأفكار المتعلقة بموضوع البحث، من جهة، ومن جهة أخرى بيان دور التحكيم الدولي في الحفاظ على التوازن الاقتصادي لعقود الاستثمار ، لذلك فقد قسمته على النحو التالي:
الباب الأول : التحكيم الدولي كوسيلة لتسوية منازعات عقود الاستثمار
الفصل الأول : أهمية التحكيم في منازعات عقود الاستثمار
الفصل الثاني : دور المركز الدولي في تسوية منازعات الاستثمار
الباب الثاني : التحكيم الدولي والحفاظ على التوازن الاقتصادي لعقود الاستثمار
الفصل الأول : التحكيم الدولي والمنازعات الناتجة عن التغيير في شروط التعاقد
الفصل الثاني : التحكيم الدولي والإجراءات التي تتخذها الدولة المضيفة للاستثمار
تطرقت في الفصل الأول من الباب الأول، إلى أن استهداف الدولة جذب الاستثمارات الأجنبية إلى إقليمها يقتضي أن يقر القانون فيها ( خصوصا تشريع الاستثمار ) مبدأ جواز عرض منازعات الاستثمار على جهاز يثق المستثمر في حياده، مثل أجهزة التحكيم في إطار ما يقع الاتفاق عليه مع المستثمر أو في إطار الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة
أما بخصوص أهمية الالتزام بسرية إجراءات التحكيم، فإن السرية تعتبر أمرا هاما في منازعات عقود الاستثمار، لذلك نعتقد بضرورة وضع شروط إضافية لضمان سرية إجراءات التحكيم عند صياغة اتفاق أو شرط التحكيم بشأن منازعات عقود الاستثمار، سواء عن طريق الأطراف في شكل شروط عقدية أو عن طريق المحكمين في شكل أمر إجرائي، أو في عقد التحكيم، أو عن طريق تضمين التشريعات و قواعد التحكيم النص صراحة على التزام السرية في التحكيم.
هناك في المقابل تيار فكري و سياسي يعمل على ضمان مزيد من الشفافية للتحكيم – في إطار مطلب الشفافية في التحكيم التجاري – و ذلك عبر نشر وثائق ومناقشات وجلسات وقرارات هيئات التحكيم، وخاصة تلك التي تفض المنازعات التي تنشب بين المستثمرين الأجانب ( الشركات المتعددة الجنسية) و دول استقبال ( الدول النامية)؛ و الهدف من ذلك تخليص دول الاستقبال الضعيفة من ضغوطات الشركات العملاقة من جهة، و ضمان الشفافية على مستوى تدبير المال العام و الموارد الطبيعية الوطنية من جهة أخرى، و نظرا لانخراط المؤسسات العامة في التحكيم التجاري من جهة ثالثة.
هذا التيار تبناه الدكتور عبد الحق جناتي إدريسي: التحكيم التجاري بين ميزة السرية و مطلب الشفافية، المجلة المغربية للمنازعات القانونية، العدد 9، ص: 12
كما خلصت مما تقدم أنه إذا قبلت الدولة مقدما اللجوء إلى التحكيم فإنها لا تستطيع أن تتمسك فيما بعد بقانونها الوطني لتقضي ببطلانه، حيث إن مبدأ استقلالية شرط التحكيم في العلاقات الدولية يجعل اتفاق التحكيم في هذا المجال خاضعا للنظام العام الدولي وحده،
و من جانبنا نعتقد بأن اتفاق التحكيم بذاته لا يفيد تنازل الدولة الطرف فيه عن حصانتها القضائية أمام قضاء غيرها من الدول، نظرا لأن تنازل الدولة عن حصانتها القضائية لا يفترض، بل لابد أن يكون واضحا و مؤكدا، و التنازل المصرح به إنما تحقق بصدد إجراء خاص بذاته هو التحكيم، و من تم فلا أثر له خارج نطاق التحكيم في مجال آخر هو القضاء.
طرحنا تساؤلا هل بعد صدور الحكم التحكيمي قد تتمسك الدولة المتعاقدة في سعيها لعرقلة عملية التحكيم، بحصانتها في مواجهة إجراءات تنفيذه، وهنا يتم التساؤل التالي: هل مجرد إبرام الدولة لاتفاق التحكيم الذي تتنازل فيه عن حصانتها القضائية، فهل يعني ذلك تنازلها أيضا عن حصانتها ضد تنفيذ الحكم التحكيمي ؟
أما فيما يتعلق بالحصانة ضد التنفيذ، فإنه بموافقة الدولة على التحكيم تعتبر بمثابة تنازل ضمني عن حصانتها ضد تنفيذ حكم التحكيم، حيث يمثل ذلك خطوة كبيرة لضمان تنفيذ أحكام التحكيم ضد الدولة مما يكون له أثر كبير في تطور التحكيم الدولي الذي تكون أحد أطرافه دولة.
و من خلال دراستنا للفصل الثاني من الباب الأول، تبين لنا أن هناك خصوصيات تنفرد بها عقود الاستثمار والمتمثلة في آجالها الطويلة وارتباطها الوثيق بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، علاوة على ما تتمتع به الدولة في هذه العقود من سلطات سيادية وامتيازات السلطة العامة، وهو ما يعطي للمنازعات المتولدة عنها طابعا خاصا أكدت هذه الدراسة على ملائمة التحكيم وقدرته على تسويتها والفصل فيها.
نستخلص من خلال دراستنا للفصل الأول من الباب الثاني أنه في حالة غياب شرط صحيح خاص بالقوة القاهرة يحدد نتائجها، أو في حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف حول هذه النتائج، فإن تحديد أثر هذه القوة القاهرة على حياة العقد يدخل في الاختصاص الأصيل لهيئة التحكيم، فتختص هذه الهيئة بإعادة ضبط العلاقة القانونية بين أطرافها وإعادة التوازن للعقد مرة ثانية.
كما يبدو من خلال بحثنا لموضوع شرط اعادة التفاوض في ميدان التجارة الدولية أن ثمة نتائج يتعين على المتعاملين في ميدان التجارة الدولية وضعها في حساباتهم عند ابرام العقود على اختلاف أنواعها كما ان ثمة مقترحات نرى ان من المفيد مراعاتها عند اعداد الشرط المذكور لاسيما من قبل محرري عقود التجارة الدولية أو من تسند لهم مهمة صياغة تلك العقود.
اولاً : نتائج البحث
1- إن شرط إعادة التفاوض يدرجه الأطراف في عقود التجارة الدولية يرومون من خلاله تعديل بنود العقد من خلال إعادة التفاوض فيه عندما تقع أحداث معينة تؤدي إلى اختلال توازن العلاقات العقدية على نحو يؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد المتعاقدين.
2-إن إعمال شرط إعادة التفاوض يؤدي إلى تداخل الحدود بين مرحلة إبرام العقد ومرحلة تنفيذه. إذ أنه يؤدي إلى إعادة التفاوض من أجل الاتفاق على شروط جديدة للعقد أثناء مرحلة تنفيذه؛ أي بعد أن يكون ذلك العقد قد دخل مرحلة التنفيذ من قبل الأطراف.
3- إن شرط إعادة التفاوض يأخذ في الواقع، بعض ملامحه من نظرية القوة القاهرة، ويأخذ بعض ملامحه الأخرى من نظرية الظروف الطارئة، ليكون بحد ذاته فكرة مستقلة عن كل منهما .
وتتجلى مظاهر الاقتراب بين كل من شرط إعادة التفاوض والقوة القاهرة من حيث الشروط الواجب توافرها في الحدث وأثر كل منهما على تنفيذ العقد.
إذ يجب أن يكون الحدث الذي يواجهه شرط إعادة التفاوض مستقل عن إرادة المدين وعدم ممكن التوقع ومستحيل الدفع. وهذه هي ذاتها شروط الحدث المكون للقوة القاهرة. كما أن إعمال شرط إعادة التفاوض يؤدي إلى وقف العقد. وكذلك الحال في القوة القاهرة إذا كانت مؤقتة، هذا مع اختلاف المرحلة التي تلي الوقف في الحالتين، إذ يعقب الوقف في حالة إعمال شرط اعادة التفاوض – إعادة التفاوض في العقد بهدف تعديله. في حين يعقب الوقف – في حالة إعمال نظرية القوة القاهرة – تنفيذ العقد بنفس بنوده وشروطه .
أما وجه الشبه بين شرط إعادة التفاوض ونظرية الظروف الطارئة فيتجسد في درجة تأثير كل منهما على توازن العقد إذ يؤدي كل منهما إلى خلق اختلال في التوازن الاقتصادي للعقد وعلى نحو يؤدي إلى إلحاق ضرر فادح أو جسيم بأحد الأطراف أو بكليهما .
ثانياً : المقترحات
1- نشجع المتعاملين في ميدان التجارة الدولية على الأخذ بشرط إعادة التفاوض في عقودهم ونرى أن يفصح الأطراف، على نحو صريح، لا يشوبه اللبس أو الغموض عن رغبتهم في تبني الشرط المذكور لما يحققه من حفاظ على العقد من الزوال وتوافق وتراضي من قبل الأطراف على تنفيذ عقدٍ اعترض تنفيذه حدث أثر في قدرتهم على التنفيذ.
2- كما نرى ضرورة أن يتفق الأطراف على وقف تنفيذ العقد عند إعمال شرط إعادة التفاوض على نحوٍ يتناول بدقة ملامح ذلك الوقف من حيث مدة الوقف، والتزامات المتعاقدين خلال تلك المدة، لاسيما فيما يتعلق بالتزامهم بالحفاظ على العقد بطرق معينة، والتزامهم بالسعي لاستئناف سريان العقد.
3- يبدو أنه من الأفضل اتفاق الأطراف على إعادة التفاوض في العقد خلال مدة معينة بعد وقفه. ويجب أن يتضمن الاتفاق تحديد مدة المفاوضات والمكان الذي يجب أن تتم فيه والتزامات كل طرف خلال فترة المفاوضات، لاسيما تلك الالتزامات الناجمة عن حسن النية وما يفرضه من اتباع سلوكيات معينة اثناء المفاوضات، وجزاء مخالفة ذلك .
من خلال دراستنا للفصل الثاني من الباب الثاني، اتضح أن هناك سمات خاصة باتفاق الاستثمار، متمثلة في آجالها الطويلة، وتعلقها في كثير من الأحيان باستغلال مصادر الثروة الطبيعية في الدولة المضيفة، وارتباطها عادة بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد علاوة على ما تتمتع به الدول من سلطات سيادية، امتيازات السلطة العامة، هذه السمات الخاصة باتفاقات الاستثمار قد أورثت المنازعات المتولدة عنها طابعا خاصا أكدت هذه الدراسة على ملائمة أسلوب التحكيم وقدرته على تسويتها والفصل فيها.
فإذا كانت المنازعات التي تثور بسبب التغير في الظروف التي صاحبت اتفاقات الاستثمار وضرورة إعادة التوازن الاقتصادي إليها، لا تقوم على اعتبارات قانونية، وهو ما يجعل لأسلوب التوفيق دوره في معالجتها، فهذه المنازعات لا تأبى بطبيعتها أن تكون محلا للتسوية بطريق التحكيم خاصة إذا ما كان لهيئة التحكيم المختصة سلطة فض هذه المنازعات على أساس قواعد العدل والإنصاف.
واختلال التوازن في اتفاقات الاستثمار قد لا يكون مرجعه التغير في ظروف لا إرادية فرضت نفسها على أطرافه، وإنما قد يحدث هذا الاختلال نتيجة السلطات الواسعة التي تملكها الدولة والتي يكون لها تأثيرها على حياة هذه الاتفاقات ومضمونها.
إن الاستقرار الذي ينشده المستثمر في تعامله مع الدولة المضيفة ليس الاستقرار الاقتصادي وحده وإنما يسعى إلى الاستقرار التشريعي أيضا.
بيد أنه يتعين في النهاية الإشارة إلى ثلاثة أمور جوهرية، يتعين أن تدخل في الاعتبار عند صياغة العقود وحفاظا على توازنها الاقتصادي، و هي:
أولا: تحديد الأحداث أو المتغيرات التي تدفع لطلب إعادة التفاوض خاصة إن كانت هذه الأحداث غير متوقعة وخارجة عن سيطرة أطراف العقد؛
ثانيا: هذه الأمور تتعلق باختيارهم للقانون الواجب التطبيق وكون هذا الأخير يعترف لهيئة التحكيم بالقدرة على إعادة ضبط العقد إذا أخفق الأطراف في الوصول إلى اتفاق حول هذه المسألة؛
ثالثا: يتعين أن يتوافر لهيئة التحكيم المعيار الذي يمكنها استخدامه لإعادة التوازن الاقتصادي للعقد.
خاتمة عامة:
من خلال التعرض لبعض القضايا المتعلقة بالتحكيم الدولي كوسيلة لتسوية منازعات عقود الاستثمار، خلصت إلى بعض النتائج:
- أن عقود الاستثمار هي تلك الطائفة من العقود الدولية التي تبرمها الدولة أو الأجهزة التابعة لها مع شخص خاص أجنبي طبيعي أو اعتباري و يلتزم بمقتضاها المستثمر الأجنبي بنقل قيم اقتصادية إلى الدولة المضيفة لاستغلالها في مشروعات على أراضيها و التي تتعدد نماذجها بحسب حاجة الدولة لتنفيذ خططها التنموية بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية للدولة المضيفة للمستثمر الأجنبي؛
- على الرغم من أهمية الوسائل الأخرى في حسم منازعات عقود الاستثمار، فإن التحكيم مازال يمثل الوسيلة الأكثر قبولا لحسم منازعات هذه العقود، و التي أصبحت لا تتم بغير وجود اتفاق تحكيم من شأنه أن يحيل المنازعات الناجمة عن هذه العقود إلى التحكيم، لدرجة يمكن معها اعتباره أمرا حتميا بشأن هذه الطائفة من العقود، و أنه أصبح القضاء الطبيعي في هذا المجال، و حرصا من البلدان النامية على جذب الاستثمارات الأجنبية فقد أقرت التحكيم كوسيلة لفض منازعات الاستثمار.
- إن التحكيم في منازعات عقود الاستثمار يصادف العديد من المشاكل الناجمة عن كون أن أحد أطراف العقد – الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية المنبثقة عنها – يتمتع بوضع مميز يسعى للحفاظ عليه سواء قبل بدء إجراءات التحكيم، أو أثناءه، أو حتى بعد صدور الحكم.
تلكم إذن أهم محاور هذا البحث المتواضع، وأختم هذا العرض بمقولة لعماد الدين الأصفهاني: " إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو ترك هذا لكان أفضل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".
والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته
ليست هناك تعليقات