حقوق الإنسان في الخطاب السياسي بالمغرب: الخطاب الملكي نموذجا تقديم "لا مواطنة بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون مواطنة"؛...
حقوق الإنسان في الخطاب السياسي بالمغرب:
الخطاب الملكي نموذجا
تقديم
"لا مواطنة بدون ديمقراطية ولا ديمقراطية بدون
مواطنة"؛ فهما وجهان لعملة واحدة؛ فالمواطنة باعتبارها حياة جماعية قائمة على
روابط تشريعية وسياسية وثقافية وإنسانية، وإطارا تتحقق من خلاله الحقوق السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة للمساواة والعدالة، لا يمكن أن تصبح
فعالة وبناءة إلا بإعمالها، الذي يتحقق عن طريق مشاركة كل فرد في تدبير شؤون
مجتمعه بإبداء الرأي، والقيام بمبادرات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، والمشاركة
باعتباره ناخبا أو مرشحا في اختيار نوع السلطة التي يجب أن يخضع لها المجتمع.
وتسمح هذه المشاركة بتثبيت الديمقراطية[1].
إلا أن
التحرك نحو الديمقراطية، الذي تعرفه بعض مجتمعاتنا العربية، يظل محدودا دون
الحماية الكاملة لحقوق الإنسان، وذلك بالنهوض بهذه الحقوق وتعزيزها ونشر ثقافتها،
حيث تشكل حماية هذه الحقوق دفعة قوية، وبدونها لن يتحقق إصلاح أو تحول ديمقراطي أو
تنمية.
وباعتبار المسلسل الديمقراطي مسارا سياسيا ومجتمعيا شموليا، يسير في
اتجاه إشراك شرائح اجتماعية واسعة في اتخاذ القرار أو التأثير على مراكز صنعه، فإن
رصد مؤشرات الانتقال نحو تكريس وتعزيز حقوق الإنسان يدخل في صلب عملية متابعة
ومراقبة الانتقال الديمقراطي.
ولعل
إحدى الدواعي الرئيسية وراء اختيار تقديم هذه الورقة، التي حددنا عنوانها في موضوع
"حقوق الانسان في الخطاب السياسي بالمغرب: الخطاب الملكي نموذجا"، هو
الاهتمام الدولي والعربي بالتجربة المغربية في مسلسل التحول أو الانتقال
الديمقراطي، هذا الاهتمام الذي ارتبط بالكثافة التي طبعت مشاريع الإصلاح العام
والسياسي منها. حيث انطبع الانفتاح السياسي الذي شهده مغرب تسعينات القرن الماضي،
بسلسلة من الإصلاحات والالتزامات الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان والنهوض بثقافة
هذه الحقوق، وما يؤشر على هذا التعزيز، نذكر في هذا السياق أهم التشريعات والأحداث
والمبادرات التالية:
E تأسيس المجلس الاستشاري
لحقوق الإنسان سنة 1990 .
E إحداث وزارة حقوق الإنسان
سنة 1993 .
E تصويت العديد من أحزاب
المعارضة بالإيجاب على الإصلاح الدستوري في شتنبر 1996، الذي حملت ديباجته إحالة
واضحة على مرجعية حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا .
E إنشاء المجلس الاستشاري
لحقوق الإنسان (1990)، وما جرى مؤخرا من إعادة بنينة هذه المؤسسة (2001)،
E إحداث وزارة حقوق الإنسان
(1992)،
E خلق مركز التوثيق والإعلام
والتكوين في مجال حقوق الإنسان (2000)
E إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (2001)،
E تأسيس ديوان المظالم(2001)،
E إحداث هيئة الإنصاف
والمصالحة(2003).
E إطلاق المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية (2005).
E مؤسسة محمد السادس لإعادة
إدماج السجناء.
ففتحت
هذه الإصلاحات أوراشا مهمة ساهمت في تطوير مسار تعزيز وحماية حقوق الإنسان. وإذ
نحن اليوم بالندوة، التي اختار لها منظموها موضوع "حقوق الإنسان في الخطاب
السياسي والحقوقي المعاصر في الدول العربية"، نسعى إلى تقديم وإنتاج أفكار
نحو الارتقاء وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان على جميع الأصعدة. فإننا سنستحضر معكم ما
تم إنجازه بالمغرب من إصلاحات مؤسساتية وقانونية وسياسية ذات صلة مباشرة بتعزيز
حقوق الإنسان وحمايتها. وتتمثل تلك الإصلاحات أساسا في التأصيل الدستوري لمبدأ
المساواة بين المواطنين، وخلق آليات مؤسساتية جديدة لضمان حماية حقوق الإنسان وفي
الإصلاحات التشريعية الرامية إلى تعزيز وتكريس تلك الحقوق. ويمكن أن نذكر من ضمن
تلك الإصلاحات البارزة ما يأتي:[2]
تكريس المساواة بين الرجل
والمراة وصون حقوق الطفل:
E القانون المتعلق بالكفالة،
الرعاية القانونية للأطفال المتخلى عنهم (2002)، قانون الأسرة (2003)، قانون العمل
(2003)، قانون الحالة المدنية (2002)، قانون الجنسية المغربية (2007).
حماية الحريات العامة والفردية
وضمان المحاكمة العادلة:
E قانون المسطرة الجنائية
(2003)، القانون التنظيمي المتعلق بالحصانة البرلمانية (2004)، وقانون إلغاء محكمة
العدل الخاصة (2004)، وتعزيز الحماية الجنائية للسلامة البدنية والمعنوية للأشخاص
(تعديل القانون الجنائي مع تجريم التعدذيب (2006)، وتعديل القانون الجنائي مع
إدراج عقوبة على العنف الأسري والتحرش الجنسي (2003).
وتتعلق النصوص
التشريعية
الجديدة
أيضا بتحسين ظروف الاحتجاز (إصلاح التشريع المتعلق بالسجون، ١٩٩٩)؛ ومكافحة الأشكال الجديدة للإجرام (تعديل القانون الجنائي من أجل مكافحة الإرهاب؛ والجريمة
المنظمة،
٢٠٠٥ ؛ وغسل الأموال، ٢٠٠٧ )، وتوسيع نطاق الحريات العامة (إصلاح قانون الحريات العامة، والقانون المتعلق بالأحزاب السياسية، ٢٠٠٦ ). وثمة نصوص أخرى قيد الإعداد، مثل نص تعديل قانون الصحافة ومشروع قانون مكافحة العنف الممارس ضد المرأة.
ومن الطبيعي أن نتساءل عن مضمون هذه الإصلاحات ورهاناتها وعلاقتها
بتطور الحقل السياسي في المغرب، فرغم القيمة الاعتبارية لهذه التدابير، ورغم أنه من
السهل انتقاء نماذج ناجحة لتعزيز حقوق الإنسان في أي بلد عربي، لكن هذه النماذج لا
تعكس واقع حماية حقوق الإنسان، كما أن ظاهر مجالات الاصلاحات المذكورة أعلاه، في
حقيقة الأمر، يوهم بأن الإنسان المغربي، صار مصون الحقوق، في حين أن عدد من
الانتهاكات لبعض الحقوق لازال قائما.
فعلى الرغم من الانتهاكات الممارسة على بعض الحقوق، فإن المتتبع
للفعل السياسي بالمغرب، يسجل وعي المملكة المغربية بأهمية حقوق الإنسان في بعدها
العالمي، فإﻧﻬا جعلت من هذه المسألة إحدى أولوياﺗﻬا الكبرى. وهي ماضية قدماً ، على نحو لا رجعة فيه، على درب توطيد سيادة القانون والديمقراطية والحكم الرشيد والتنمية البشرية المستدامة، مراعية مقوماﺗﻬا الأساسية وسلامتها الإقليمية وصون أمن جميع المواطنين المغاربة .وكُرّس هذا الالتزام عند تعديل الدستور في عام ١٩٩٢ ، وأكده صاحب الجلالة الملك محمد السادسن في عدة مناسبات، كما أعيد تأكيده في التصريحات الحكومية . ومنذ عام ١٩٩٠ ، بدأت على نحو ملموس أعمال كبرى مختلفة ﺗﻬدف إلى وضع مؤسسات وآليات وتعزيز حقوق الإنسان، وذلك بالاقتران مع تحديث التشريعات تدريجياً واعتماد سياسات ملائمة.
وباعتبارنا بأن الواقع السياسي في أي مجتمع ما هو إلا انعكاس للخطاب
السياسي الذي يسود في هذا المجتمع ويتحكم به، فإننا سنحاول رصد واقع حقوق الإنسان
بالمغرب من خلال خطاب أهم فاعل سياسي، المتمثل في المؤسسة الملكية. وقبل المرور
إلى هذا الرصد لا بأس من التعرف على مكانة المؤسسة الملكية ضمن النسق السياسي
المغربي، مرورا بخصائص الخطاب الملكي بالمغرب.
1- مكانة المؤسسة الملكية
ضمن النسق السياسي المغربي.
تحتل المؤسسة الملكية مكانة سامية في النسق السياسي المغربي كمؤسسة محورية
وفاعل رئيسي لاعتبارات عدة: دستورية، تاريخية، وطنية، سياسية، دينية، تنموية،
كاريزمائية، ...، فقد حصها الدستور بوضعية مميزة ومنحها سلطات واسعة تمارسها بشكل
منفرد أو بمشاركة سلطة أخرى[3].
والمؤسسة الملكية بالمغرب تسود وتحكم في نفس الوقت، على أساس أن الحكم كل لا
يتجزأ. فالملك سلطة فوق جميع السلط، ومبدأ السلط لا ينطبق عليه، إذ أنه يمارس
اختصاصاته بصفته سلطة عليا بالنسبة لكل السلطات[4]،
سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، كما يصعب تصنيفه ضمن هذا الجهاز أو ذلك.
لقد حدد الفصل 19 من الدستور المغربي المعدل في 13 شتنبر 1996 الإطار العام
لكل الاختصاصات –المهام- التي يمارسها الملك، ووضعيته المتميزة عندما نص على أن
"الملك أهير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة
واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق
وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة
في دائرة حدودها الحقة". وإذا كان الفصل 19 قد صيغ في عبارات عامة، فإنها
جاءت كذلك لتكريس سمو المؤسسة الملكية بالنظر لحمولته الدينية، والدستورية،
والتاريخية،...، إلى حد أنها جعلت البعض يعتبر الفصل 19 فصل كل الاحتمالات[5].
أو يمنحه بعدا يكاد يهمش الوثيقة الدستورية بما تتضمنه من مقتضيات وأحكام ويختزلها
في هذا الفصل.
وبناء على الفصل 19 فالملك لا يعتبر سلطة بالمعنى الضيق المتعارف عليه،
وإنما هو سلطة فوق السلطات الدستورية، وهذا ما أكده عليه الملك الحسن الثاني:
"قلت وكررت ولازلت أكرر أنه بالنسبة لعبد الله الضعيف، خادم المغرب الأول،
عبد ربه، بالنسبة لي ليس هناك فصل في السلطة، أنا أب الجميع، أب المشرع وأب
المنفذ"[6].
وهو ما يجعل الملك يسود ويحكم دون تحمل المسؤولية السياسية والجنائية، كما أن
المؤسسة الملكية تجمع بين سمات الخلافة الإسلامية والأعراف المغربية في الحكم[7]،
فلقب الملك لا يقتصر على إمارة المؤمنين بل تنضاف إليه ألفاظ "رمز"
و"حامي" و"ضامن" وهي ألفاظ تحمل في طياتها مغزى سياسيا ودينيا
ورمزيا معبرا[8]،
وهذا فإن الفصل 19 –كمنظومة- يجعل من المؤسسة الملكية محركا أساسيا للحياة
المؤسساتية، وفاعلا محوريا في النسق السياسي المغربي. واعتبارا للمكانة الخاصة
التي للملك في المغرب ومسؤولياته الجسيمة، كان من الطبيعي أن يكون الاتصال بين
الملك والمواطنين أو بين الأمير والمؤمنين اتصالا مباشرا، مستديما وغنيا
بالدلالات، وفي هذا تندرج الخطب والكلمات الملكية العديدة بالإضافة إلى زيارات
الملك الشخصية إلى المدن والأرياف، هذه الزيارات التي يعتبرها الملك محمد السادس بأنها
"شيء طبيعي أن يقوم ملك المغرب بزيارة رعاياه الأوفياء في كل الأقاليم سواء
كانت في الشمال أو الجنوب وهي زيارة درجنا على القيام بها لنتعرف عن قرب على
اهتمامات وقضايا مواطنينا وهذه سنة قديمة دأب عليها أسلافنا الميامين"[9].
وبما أن الملك هو الممثل الاسمى للأمة وممثل الدولة على المسرح العالمي والمدافع
الأول عن المصالح القومية المغربية، فيظل جلالته هو المخاطب الأول للرأي العام الوطني
والدولي[10].
2-
خصائص الخطاب الملكي
بالمغرب
ولما كان الخطاب discours يُطرح عادة،
باعتباره مجموعة من المفاهيم والتصورات التي تتمظهر في نصوص و"كلام وكتابة
وغيرها بشمله لكل انتاج ذهني سواء أكان...، منطوقا أو مكتوبا فرديا او جماعيا،
ذاتيا أو مؤسسيا." بهدف الوصول إلى أهداف معينة أو بدائل عن وضعيية بعينها أو
مجموع القضايا المطروحة على الساحة السياسية، فإننا سنعتمد في إبراز رؤية الملك
محمد السادس لحقوق الإنسان انطلاقا من قراءة في الخطاب الملكي، هذا الخطاب الذي
يتكون من خطب وكلمات سامية ورسائل.
فالخطب الملكية منها ماهو موجه إلى الأمة مباشرة أو إلى أعضاء مجلسي
البرلمان، أو إلى جهة بعيناها، فهذه الخطب تعد إرادة سياسية وتشريعية ملزمة، لأن
رغبات جلالة الملك هي في حد ذاتها أوامر يجب على السلطات الثلاث تنفيذها. ولا
تكتسي جميع الخطب الملكية نفس القيمة القانونية والسياسية، بل إن الخطاب الملكي قد
لا يأخذ به كلية وإنما فقط ببعض نصوصه، بعض جمله، إشاراته ورموزه... ذلك أن أهمية
الخطاب تبقى رهينة بظرفيته، بمضمونه، بأسلوبه، بانفعاليته، ببعده الإيجابي،
وبغائيته...[11]
فخطاب العرش يكتسي كل سنة أهمية بالغة لكونه يرصد أحوال الأمة ويرسم معالم العمل
المستقبلي، كما تحظى الخطب الملكية الموجهة إلى البرلمان أهمية بالغة، من حيث
طقوسها (تلاوة آية قرآنية، ارتداء الزي التقليدي المغربي، ...) ولا من حيث
مضامينها (توجيهات سامية، أوامر، اقتراحات، برنامج عمل...)، فيحين باقي الخطب
الملكية الملقاة بمناسبة المسيرة الخضراء أو عيد الإستقلال أو عيد الشباب... لا
يمكن مقارنتها مثلا بتلك الخطب الملقاة بمناسبة إجراء التحكيم سواء كان دستوريا أو
سياسيا، ذلك أن الخطب التحكيمية التي تتضمن فصلا نهائيا ولا رجعة فيه تعتبر في
أعلى مرتبة من كل الخطب الملكية الأخرى لأنها تعتبر صادرة عن الملك بوصفه الحكم
الدستوري والسياسي الأول في المغرب[12].
فالخطاب الملكي لا يتصف في روحه ومنطوقه بصلابة مطلقة، بل هو خطاب تأسيسي
يسمح لجلالته بإعطاء تصوراته وفقا لما يفرضه عليه واجبه الدستوري، هذه التصورات
والتوجيهات يعرضها على بباقي الفاعلين السياسين من أجل بلورتها وترجمتها وتنزيلها
على أرض الواقع.
وما يميز خطاب الملك محمد السادس في معالجته لقضايا حقوق الإنسان، بأنه خطاب
حقيقي، حيث يجسد مقولات جلالته على أرض الواقع، بإشرافه الشخصي على عدد
من المبادرات الحقوقية[13]،
بل جعل من خطابه محطة للإعلان ومتابعة هذه المبادرات (مدونة الأسرة، التعليم، هيئة
الإنصاف والمصالحة،...) كما يلامس هذا الخطاب الحقائق بوضوح وشفافية، وهو خطاب
متوازن في منطلقاته وتصديه للازمات، وينبنى على مرجعيات متعددة، والمتمثلة في "مرجعيتنا
الاسلامية، التي تعد أحد الروافد الأساسية للمرجعية الكونية، الرائدة في تكريسها
للكرامة والمساواة بين الناس، واعتبار طلب العلم فريضة، وتلازم الحرية بالمسؤولية
والعدل والشورى والتضامن والانفتاح والتسامح والاجتهاد"[14]
وحسب الخطاب الملكي فإن ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية الرفيعة، تشكل جوهر
حضارة المغربية، قبل أن تكون مرجعية كونية.
وسنسعى على الإجابة على سؤال محوري، والمثمتل في ماهي رؤية الملك محمد
السادس لحقوق الإنسان؟ ومن خلال اعتمادنا على قراءة في الخطاب الملكي منذ تولي
محمد السادس كرسي العرش، سنحاول الإجابة عن هذا السؤال عبر ثلاث محاور:
المحور
الأول: الحقوق المدنية والسياسية في خطاب ملك المغرب
المحور الثاني:
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في خطاب ملك المغرب
المحور الثالث:
حقوق الفئات الأولى بالرعاية في خطاب ملك المغرب
المحور الأول: الحقوق المدنية
والسياسية في خطاب ملك المغرب
أولا: الحقوق الأساسية
يعتبر
الخطاب الملكي بأن بناء الدولة المغربية العصرية, على أسس الملكية الدستورية الديمقراطية
والاجتماعية القائمة على توطيد دولة الحق والمؤسسات والالتزام بمبدإ فصل السلط
وترسيخ سيادة القانون وإقامة العدل والإنصاف, بأنها من وظائف الإمامة العظمى. التي
يقول عنها " الإمامة العظمى التي نحن على القيام بها مؤتمنون, وعلى محجتها
البيضاء سائرون, ذوداً عن المقدسات والحرمات, وصونا للسيادة والوحدة الوطنية,
وسهراً على الأمن والطمأنينة والاستقرار, وحماية للحقوق والحريات الفردية
والجماعية وهو ما نحن, بصفتنا أميرا للمؤمنين, مؤتمنون عليه, وحريصون على ترسيخه,
وفاء لعهد البيعة المقدسة, والتزاما بأحكام دستور المملكة. ملتزمين بضمان استقلال
القضاء وإصلاحه, لما له من دور حيوي, في توطيد أسس الديمقراطية, وتحقيق الأمن
القضائي, وترسيخ الثقة اللازمة لتحفيز الاستثمار, والنهوض بالتنمية. وكما أكدنا
ذلك, وخاصة في خطاب العرش الأخير وافتتاح البرلمان, فإننا حريصون على القيام بإصلاح
عميق وشامل لقطاع القضاء"[15] ودون الخوض في الحقوق المندرجة ضمن الحقوق الأساسية نقف عند الحقوق
التالية:
·
الحق في المساواة
·
الحق في المحاكمة العادلة
·
الحق في الجنسية
1. الحق في المساواة
ركز الخطاب الملكي على تكريس مبدأ المساواة في الواجبات والحقوق، ويعتبر
الخطاب هذا المبدأ حلقة أساسية للنهوض بقيم المواطنة. والملك دقيق في اختيار نوعية
الخطب التي تحدث فيها عن تعزيز مبدا المساواة، هذه الخطب التي تمكن جلالته من
التوجه المباشر للأمة، حيث يقول "ستجد، شعبي العزيز، في خديمك الأول، ملكا مواطنا، ملتزما
بقضاياك، متفانيا في خدمة وطننا الغالي، وفاء للبيعة المتبادلة بيننا. سبيلنا،
الذي لا رجعة فيه، تعزيز المواطنة الكاملة لكافة المغاربة، الذين أعتبرهم سواسية،
حيثما كانوا، وكيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية. لا فرق بين فرد وآخر، إلا بقدر ما
يجسده من وطنية صادقة، ونهوض بالمسؤولية، وتمثيل مشرف لبلدنا، الذي نعتز بالانتماء
إليه، والعمل الجماعي من أجل صيانة وحدته، وتوطيد عزته. فالمغاربة، ويشرفني أن
أكون واحدا منهم، وخديمهم الأول، سواسية بالنسبة لي، في حقوق المواطنة وواجباتها،
أمام الله والأمة والتاريخ"[16] وانتقضت خطب عدة التمييز بين الرجال والنساء في تقلد الوظائف والراتب
والعلاوات والمميزات المرتبطة بالوظيفة، معتبرة هذا التمييز معيقا للتنمية
المنشودة، حيث جاء في إحدى الخطب " لقد اختار المغرب، وبكل عزم، اعتماد إصلاحات عميقة
تهم كافة جوانب حياة الأمة من خلال إشراك جميع مواطنيه نساء ورجالا، في ظل تكافىء
الفرص والمساواة في الحقوق، وذلك اقتناعا منه باستحالة تحقيق تنمية مستدامة، طالما
لم يواكب التضامن الاجتماعي التنمية الاقتصادية"[17]
2. الحق في
المحاكمة العادلة
يعتبر الخطاب الملكي العدالة هي "الضامن الأكبر للأمن والاستقرار
والتلاحم الذي به تكون المواطنة الحق. وهي في نفس الوقت مؤشر فاعل في تخليق
المجتمع وإشاعة الطمأنينة بين أفراده وإتاحة فرص التطور الاقتصادي والنمو
الاجتماعي وفتح الباب لحياة ديمقراطية صحيحة تمكن من تحقيق ما نصبو إليه من آمال
وإذا كان الجميع مطالبا بمضاعفة الجهود وبذل اختصاصاتهم الدستورية أن يواصلوا أداء
رسالتهم المقدسة بما يتناسب وما تفرضه التعاليم شريعتنا السمحة من عدل وانصاف
واستقامة وكرامة وحماية للقانون وتمسك بالفضائل الخلقية السامية التي ينبغي أن
تتحكم في السلوك والتي أنتم –يتوجه للقضاة- لاشك مثلها والقدوة"[18]
حمل الخطاب الملكي في عهد محمد السادس قيمة مضافة إلى المجتمع الدولي في
مجال حقوق الإنسان وطي صفحة الماضي بكل معاييرها وأبعادها السياسية، ومعالجة ملف
حقوق الإنسان من منظور إسلامي ودولي، وتجسد ذلك بإحداث هيئة تحكيم مستقلة بجانب
المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لتحديد التعويض المترتب عن الضرر المادي والمعنوي
لضاحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء والاعتقال التعسفي، وذلك بناء على
الرأي الاستشاري الذي رفعه المجلس للجناب الشريف بتاريخ 18 ربيع الول 1420ه،
الموافق لثاني يوليوز 1999م.[19]
"أما هيئة الإنصاف والمصالحة فهي لجنة للحقيقة أسندت لها صلاحيات واسعة، وكلفت في الفترة بين عامي ٢٠٠٤ و ٢٠٠٦ بإكمال عمل هيئة التحكيم المستقلة للتعويض عن الضرر الذي لحق ضحايا الاختفاءات القسرية١٩٩٩ ). وقد نظرت الهيئة في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبت - والاحتجاز التعسفي ( ١٩٩٦خلال الفترة التي تلت استعادة الاستقلال، ﺑﻬدف كشف الحقيقة وجبر الضرر الحاصل، استناداً إلى قواعدالإنصاف، ولتعويض ضحايا الانتهاكات. وقامت هيئة الإنصاف والمصالحة، التي شكلت خطوة حاسمة في مسار عم لية الانتقال الديمقراطي في المغرب، بأبحاث بالتشاور مع السلطات العمومية والضحايا وأسرهم أو ممثليهم والمنظمات غير الحكومية المعنية .
وسعت الهيئة إلى كشف الحقيقة عن طريق إجراء تحقيقات، وتلقي شهادات، وتنظيم جلسات عامة للاستماع إلى الضحايا وجلسات استماع مغلقة بح ضور شهود ومسؤولين سابقين، وبحث المحفوظات الرسمية وجمع البيانات من جميع المصادر المتاحة.
واستطاعت هيئة الإنصاف والمصالحة بذلك أن تحدد طبيعة وخطورة وسياق الانتهاكات في ضوء مبادئ ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، مع مراعاة البعد الجنساني، وأن تكشف حالا ت اختفاء قسري، وتوصي بإجراءات لتسوية القضايا وإغلاق ملفاﺗﻬا في حالات المختفين الذين ثبتت وفاﺗﻬم، وتسهم في توضيح بعض الأحداث التاريخية التي تسببت في انتهاكات لحقوق الإنسان، وتحدد مسؤوليات أجهزة الدولة، وتحدد، في حالات خاصة، فاعلين غير حكوميين ضالعين في الانتهاكات التي كانت موضع تحقيقات.
وفيما يتعلق بالتعويض، نظرت هيئة الإنصاف والمصالحة في الطلبات المقدمة من ضحايا الانتهاكات وأصحاب الحقوق وبتت فيها؛ وقدمت أيضاً توصيات تتعلق بالرعاية الطبية والنفسية، وإعادة الإدماج الاجتماعي، وتسوية المشاكل القانونية والإ دارية والمهنية. وانطلاقاً من ملاحظة مفادها أن بعض المناطق واﻟﻤﺠتمعات المحلية ترى أﻧﻬا عانت جماعياً ، على نحو مباشر أو غير مباشر، من تبعات الانتهاكات، أفردت الهيئة مكانة خاصة للتعويض اﻟﻤﺠتمعي، الذي يمثل خطوة مبتكرة كبرى على الصعيد الدولي في مجال العدالة الانتقالية.
وأعدت الهيئة تقريراً ﻧﻬائياً يضم نتائج واستنتاجات التحقيقات والتحليلات المتعلقة بالانتهاكات وسياقها، وتوصيات بشأن الإصلاحات التي من شأﻧﻬا صون ذكرى ما حدث وضمان عدم تكرار الانتهاكات الماضية ومحو آثارها وإعادة الثقة في المؤسسات واحترام سيادة القا نون وأحكام حقوق الإنسان وتعزيزها . وأوصت باعتماد ودعم برامج التنمية الاجتماعية - الاقتصادية والثقافية بما يخدم عدة بلدات ومناطق، كما أوصت بتغيير استخدام مراكز الاحتجاز غير القانوني السابقة"[20].
ثانيا: الحريات العامة
1. حرية الراي
والتعبير
ربط خطاب الملك محمد السادس بين الحرية والمسؤولية في العمل
الصحافي، حيث يقول "وعندما نقول الحرية, فلأنه لا سبيل لنهوض وتطور صحافة
جيدة دون ممارسة لحرية التعبير. كما أن التأكيد على ملازمة المسؤولية للحرية, مرده
الى اعتبار أنه لايمكن للإعلام أن يكتسب المصداقية الضرورية, وأن ينهض بالدور
المنوط به, ويتبوأ المكانة الجديرة به في حياتنا العامة, ما لم تمارس هذه الحرية
في نطاق المسؤولية،...، فالحرية والمسؤولية هما عماد مهنتكم, ومنبع شرفها. فعليكم
رعاكم الله, أن تمارسوها بكل إقدام وحكمة وموضوعية, متحلين بفضيلتها الأولى ,
المتمثلة في الروية وعمق التبصر"[21] كما
يركز الخطاب على اهمية دورالصحافة، كفاعل أساسي في الحياة العامة، وشريك في بناء
الصرح الديمقراطي.
ونجد الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق التي تناولها
الخطاب الملكي بالرصد والتحليل والمتابعة الملكية الميدانية لضمان وصيانته "وما
كان للمغرب, الذي يعرف تطورا متواصلا على درب الحداثة والديمقراطية, أن يكون مشهده
السمعي البصري غير مواكب لهذا التطور, بما يستجيب لحاجة المواطن, لمشهد إعلامي,
يجمع بين المعاصرة والجاذبية, واحترام ثوابت الأمة.
ونهوضا بالتزامنا الدستوري بصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيآت, عملنا على إعداد ظهير شريف, يقضي باحداث هيأة عليا للاتصال السمعي البصري, كمؤسسة مستقلة متوفرة على الوسائل الضرورية للنهوض بمهامها بكل تجرد. وقد توخينا من ذلك ضمان الحق في الإعلام, من خلال تكريس حرية إحداث صحافة ووسائل سمعية بصرية مستقلة وإنهاء احتكار الدولة لهذا النوع من الإعلام, مع توفير مرفق عام للإذاعة والتلفزة جدير بضمان التعبير عن مختلف الاتجاهات. وذلك في نطاق احترام قيمنا الدينية ومقومات هويتنا الوطنية, وقوانين المملكة."[22]
ونهوضا بالتزامنا الدستوري بصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيآت, عملنا على إعداد ظهير شريف, يقضي باحداث هيأة عليا للاتصال السمعي البصري, كمؤسسة مستقلة متوفرة على الوسائل الضرورية للنهوض بمهامها بكل تجرد. وقد توخينا من ذلك ضمان الحق في الإعلام, من خلال تكريس حرية إحداث صحافة ووسائل سمعية بصرية مستقلة وإنهاء احتكار الدولة لهذا النوع من الإعلام, مع توفير مرفق عام للإذاعة والتلفزة جدير بضمان التعبير عن مختلف الاتجاهات. وذلك في نطاق احترام قيمنا الدينية ومقومات هويتنا الوطنية, وقوانين المملكة."[22]
وقد أنشئت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في عام ٢٠٠٣ من أجل الإسهام في حماية الحقوق والحريات التي يكرسها
الدستور، ولا سيما الحق في الإعلام، الذي يعد عنصرًا أساسيًا في التبليغ الحر للأفكار والآراء. ويتسنى ذلك عن طريق صحافة مستقلة ووسائل سمعية بصرية يمكن تأسيسها بحرية والتعبير بواسطتها على الآراء بحرية، وعن طريق خدمة إذاعية وتلفزيونية عم ومية يمكنها أن تكفل التعددية في مختلف تيارات الرأي، في إطار
احترام القيم الحضارية الأساسية للمملكة وقوانينها، ولا سيما تلك التي تتعلق بحماية الشباب وباحترام شرف وكرامة
الأشخاص[23].
المحور الثاني: الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية في خطاب ملك المغرب
يصرح الخطاب الملكي بأن المغرب قد عرف "منذ
استقلاله تقدما ملحوظا في مختلف الميادين وهو يعرف تنمية اقتصادية أكيدة وإن كان
النمو لم يرق بعد إلى المستوى الذي نأمله لبلدنا. غير أن هذه التنمية لم تستفد
منها كافة شرائح السكان بحيث أن من بينها من لا زال يعيش في عوز. فهي محرومة
من التربية والتكوين ولا تتوفر على أي مصدر للرزق. وإضافة إلى ذلك فقد أدى التطور
الذي عرفه المغرب إلى تغيرات اجتماعية هامة وتحولات على مستوى قيم وسلوكات كل
مكونات المجتمع وخاصة على مستوى العائلة التي أصبحت دائرتها تضيق. وقد ترتب عن ذلك
تفاقم حرمان الأشخاص الذين كانت وضعيتهم في الأصل هشة وفي المقام الأول الأطفال
والنساء ربات الأسر الفقيرة والمعاقون والأشخاص المسنون وغيرهم. وإذا كانت
الشبكات الاجتماعية العمومية تعرف إقبالا متزايدا فإنها ليست كافية لتلبية كل
الحاجيات. ومن هنا جاء انخراطي شخصيا لإحداث التغيير الضروري بحيث لا يظل الأمر
مقتصرا على الجهود التي سبق بذلها من أجل إنعاش الشغل وتنمية الثروات وتسريع
وتيرة النمو بالمغرب[24] إن هذا الانخراط الشخصي للملك محمد السادس يجد
مدخل له في تأهيل موارد البشرية, التي هي ثرواتنا الأساسية ضمن منظور يحرر طاقاتها
الخلاقة, لخوض أوراش الإنتاج بتنافسية واقتدار. ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا اعتبرنا
أن اقتصاد السوق ليس شرا, والربح ليس عيبا, والعولمة ليست خطرا. بل إن حسن
تعاملنا معها من شأنه أن يجعل من هذه العوامل كلها مصدرا للثروة ومدخلا للعدالة
الاجتماعية.
وهذا ما يقتضي نهج سياسة اقتصادية ومالية متناسقة, ذات منظور واضح وأسبقيات محددة في برامج تعاقدية بين السلطات العمومية والقطاع الخاص , مع مواصلة نهوض صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدور الرافعة القوية في هذا المجال. ومن شأن الإسراع بتأهيل اقتصادنا وتحويله من اقتصاد ريعي انتظاري إلى اقتصاد السوق, أن يجعلنا نكسب رهان اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي, والولايات المتحدة الأمريكية ودول جنوب المتوسط, الموقعة على إعلان أكادير, وندعم دور المغرب كقطب محوري لمبادلات القارات الثلاث. وفي هذا الصدد, فإن تفعيل المراكز الجهوية للاستثمار وتنفيذ مختلف التوجيهات الواردة في رسالتنا لوزيرنا الأول, بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار, وما ينبغي أن يواكبه من إصلاحات قضائية وإدارية وتشريعية ومالية واجتماعية, أن يجعل من السنة المقبلة, إن شاء الله, سنة التأهيل الاقتصادي بامتياز. وإذا كنا قد سجلنا إيجابية بعض المؤشرات الاقتصادية, فإن الواقع العنيد يظل يسائلنا بإلحاح.. لماذا تجد بلادنا صعوبة في تحويل هذه المؤشرات إلى حركية اقتصادية.
إننا معنيون جميعا بهذا الواقع. ويتعين علينا أن نكسر أغلال الشك المحبط, والتخوف غير المبرر, ونستبعد الانتظارية, التي طالما أضعفت اقتصادنا وعرقلت تطوره. إن الإيمان بما لدينا من طاقات, وبما يحركنا من حوافز, للمضي قدما على درب التقدم والرخاء, لا يتجسد بمجرد خطاب أو قرار سياسي, وإنما هو رهين بمدى الإرادة الذاتية والمبادرة المقدامة. وذلك ما نفتقر إليه. لذا, يجب أن ننطلق من تقييم واقعي متبصر لأوضاعنا الاقتصادية, ومن تصور واضح وتحديد دقيق للأهداف, التي يجب علينا تحقيقها بجد وحزم, للإسراع بوتيرة النمو الاقتصادي لبلادنا وتوسيع دائرته. لقد آن الأوان لوضع تقييم محكم, وتخطيط عقلاني لما يلزم القيام به في المستقبل, حتى يتحقق التطابق المأمول والانسجام المنشود, وحتى نتمكن من حسن استثمار ما تحقق من تقدم, في المجالين السياسي والاقتصادي, مع الالتزام بالفعالية والمردودية, وترتيب الأولويات وفق جدول زمني محدد. وكل ذلك في نطاق التقيد بسياسة حسن تدبير الشأن العام, التي اعتمدتها المملكة من أجل تحقيق التحديث الاقتصادي والتنمية المستدامة."[25]
وهذا ما يقتضي نهج سياسة اقتصادية ومالية متناسقة, ذات منظور واضح وأسبقيات محددة في برامج تعاقدية بين السلطات العمومية والقطاع الخاص , مع مواصلة نهوض صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدور الرافعة القوية في هذا المجال. ومن شأن الإسراع بتأهيل اقتصادنا وتحويله من اقتصاد ريعي انتظاري إلى اقتصاد السوق, أن يجعلنا نكسب رهان اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي, والولايات المتحدة الأمريكية ودول جنوب المتوسط, الموقعة على إعلان أكادير, وندعم دور المغرب كقطب محوري لمبادلات القارات الثلاث. وفي هذا الصدد, فإن تفعيل المراكز الجهوية للاستثمار وتنفيذ مختلف التوجيهات الواردة في رسالتنا لوزيرنا الأول, بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار, وما ينبغي أن يواكبه من إصلاحات قضائية وإدارية وتشريعية ومالية واجتماعية, أن يجعل من السنة المقبلة, إن شاء الله, سنة التأهيل الاقتصادي بامتياز. وإذا كنا قد سجلنا إيجابية بعض المؤشرات الاقتصادية, فإن الواقع العنيد يظل يسائلنا بإلحاح.. لماذا تجد بلادنا صعوبة في تحويل هذه المؤشرات إلى حركية اقتصادية.
إننا معنيون جميعا بهذا الواقع. ويتعين علينا أن نكسر أغلال الشك المحبط, والتخوف غير المبرر, ونستبعد الانتظارية, التي طالما أضعفت اقتصادنا وعرقلت تطوره. إن الإيمان بما لدينا من طاقات, وبما يحركنا من حوافز, للمضي قدما على درب التقدم والرخاء, لا يتجسد بمجرد خطاب أو قرار سياسي, وإنما هو رهين بمدى الإرادة الذاتية والمبادرة المقدامة. وذلك ما نفتقر إليه. لذا, يجب أن ننطلق من تقييم واقعي متبصر لأوضاعنا الاقتصادية, ومن تصور واضح وتحديد دقيق للأهداف, التي يجب علينا تحقيقها بجد وحزم, للإسراع بوتيرة النمو الاقتصادي لبلادنا وتوسيع دائرته. لقد آن الأوان لوضع تقييم محكم, وتخطيط عقلاني لما يلزم القيام به في المستقبل, حتى يتحقق التطابق المأمول والانسجام المنشود, وحتى نتمكن من حسن استثمار ما تحقق من تقدم, في المجالين السياسي والاقتصادي, مع الالتزام بالفعالية والمردودية, وترتيب الأولويات وفق جدول زمني محدد. وكل ذلك في نطاق التقيد بسياسة حسن تدبير الشأن العام, التي اعتمدتها المملكة من أجل تحقيق التحديث الاقتصادي والتنمية المستدامة."[25]
" وفي هذا السياق، قام المغرب
باتخاذ مبادرات مقدامة وخلاقة، وبإصلاحات عميقـة، مـكـنـتـه مـن تـحـقـيـق
مـكـاسـب هـامـة، عـلـى درب تـرسـيـخ الـديـمـقـراطـيـة، والنـهـوض بـحـقـوق
الإنـسـان، وبـنـاء اقـتـصـاد عـصـري، مـنـفـتـح ومـنـتـج، وتـعـزيـز الـتـضـامـن،
فـي مـجـتـمـع المـعـرفـة والاتـصـال.
ولـتـوطـيـد الـتـمـاسـك الاجـتـمـاعـي،
أقـدمـنـا، مـؤخــرا، عـلـى إطـلاق المـبـادرة الـوطـنـيـة للتـنـمـيـة
البـشـريـة، فـي إطـار الـمـنـظـور المـتـجـدد، الـذي يجـعـل مـن الإنسـان محـور
وغـاية كـل سيـاسـة تنـمـويـة.
وتـقـوم هـذه الـمـبـادرة عـلـى بـرامـج
عـمـلـيـة مـضـبـوطـة، فـي إطـار سـيـاسـات عـمـومـيـة مـنـدمـجـة، تـعـتـمـد
الـمـشـاركـة الـديـمـقـراطـيـة والـحـكـم القـويـم، والاجـتـهـاد والابـتـكـار،
غـايـتـهـا تـقـلـيـص الـفـوارق الاجـتـمـاعـيـة والـمـجـالـيـة، ومـحـاربـة
الفـقـر والإقـصـاء والـتـهـمـيـش، وتـشـجـيـع الأنـشـطـة الـمـدرة لـفـرص
الـشـغـل."[26]
·
الحق في العيش الكريم
·
الحق في العمل
·
الحق في التعليم
·
الحق في السكن
·
الحق في الصحة
المحور الثالث: حقوق الفئات الأولى
بالرعاية في خطاب ملك المغرب
·
حقوق المرأة
·
حقوق الطفل
·
حقوق ذوي الإعاقة
·
حقوق العمال
خلاصلاات
[1] - جمال بندحمان، الديمقراطية وأنماط المشاركة في تدبير الشأن العام بالعالم
العربي، مجلة رهانات، العدد 3 ربيع 2007، ص 15.
[2] - تقرير وطني للمغرب مقدم وفقاً للفقرة ( ١٥ (أ) من مرفق 1/ قرار مجلس حقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة الأولى، 18 نيسان/أبريل
[4] - Sehimi . M, La prépondérance du pouvoir royal
la constitution marocaine, in revue de droit public mois 7-8- 1984 p 976.
[5] -
Amalou Abderrahman, L’évocation de l’article 19 de la constitution à la
frontière de la 3eme et 4eme législature% RMPRD, N° 4, 1983, P29.
[9] - الاستجواب الذي خص به صاحب الجلالة الملك محمد
السادس أربع مجلات لبنانية مجلة (الحوادث) ومجلة (لاروفي دو ليبان) ومجلة
(مانداي مورنينغ) عشية انعقاد القمة العربية ببيروت - بيروت 21/ 3/ 2002
[10] - محمد أشركي، الوزير الأول: مركزه ووظيفته في النظام
المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدارالبيضاء، أكتوبر 1985.
[12] - نجيب الحجوي، سمو المؤسسة الملكية بالمغرب –دراسة
قانونية-، جامعة محمد الخامس –أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية الرباط، ص
[13] - "وإذا كانت المنافسة الديمقراطية ضرورية فإن
لها حدا هو المصلحة العليا للبلاد. لذلك عملنا على مواكبة توسيع فضاء
الحريات العامة, وحقوق الإنسان, بتوفير الأجهزة المكلفة بحمايتها, وتحديد شروط
ممارستها, بما يلزم من وسائل وضمانات وفي هذا الصدد, سنقوم, في الأسابيع
المقبلة, بحول الله, بتنصيب كل من المجلس الاستشاري الجديد لحقوق الإنسان وديوان
المظالم. كما أننا عازمون على تعميق روح
الطمأنينة لدى المواطن, بتدعيم سلطة مؤسسات الدولة, حول ثوابت الأمة, في إطار دولة
قوية, تسهر على الاحترام الصارم للقانون, وسيادته, ومساواة الجميع أمامه".
مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش المجيد30- 7 –
2002.
[15] - نص الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد
السادس إلى المشاركين في الندوة الدولية حول
""مستقبل العدالة في القرن21 "" الرباط 21/11/2007
[16] -
نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة بمناسبة الذكرى الخمسينية
لعودة محمد الخامس وعيد الاستقلال الرباط 16 – 11 - 2005
[17] -
النص الكامل للخطاب الملكي السامي الدي القاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال
مأدبة العشاء الرسمي التي أقامها جلالته بالقصر الملكي بفاس على شرف عاهل
بلجيكا جلالة الملك ألبير الثاني والملكة باولا (فاس 05/10/2004)
[19] - يوسف سونة، المغرب وحقوق الإنسان والمواطن بين
التشريع والتطبيق والممارسة، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى،
2002، ص 208
[21] -
جلالة الملك يوجه رسالة سامية الى أسرة الصحافة والإعلام بمناسبة اليوم الوطني
للإعلام الرباط 15 نونبر 2002
[23] - تقرير وطني للمغرب مقدم وفقاً للفقرة ( ١٥ (أ) من مرفق 1/ قرار مجلس حقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة الأولى، 18 نيسان/أبريل
ليست هناك تعليقات