المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

تطور الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية من خلال نظرية الموازنة 2016

تطور الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة  نزع الملكية من خلال  نظرية الموازنة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,...


تطور الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة 
نزع الملكية من خلال نظرية الموازنة

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الأستاذ عبد العزيز يعكوبي
قاضي بالمحكمة الإدارية بمكناس

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, 

مقدمة
ان نزع الملكية يعتبر اخطر اجراء يتعرض له المالكون من المواطنين، لذلك نصت الدساتير واعلانات حقوق الانسان على ان حق الملكية يعتبر حقا مقدسا لا يمكن مساسه الا من اجل المنفعة العامة.
فقد جاء في المادة 17 من التصريح العالمي لحقوق الانسان والمواطن الصادر سنة 1789 على ان حق الملكية مقدس، ولا يمكن ان يحرم أي احد منه الا اذا فرضت ذلك قطعا الضرورة العامة بصورة قانونية وشرط تعويض عادل ومسبق (1).
كما ان الفصل15 من الدستور المغربي ينص على ان حق الملكية مضمون، للقانون ان يحدد من مداه واستعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي المخطط للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية الا في الاحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون".

وينص كذلك الفصل 10 من ظهير2 يوليوز1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة على انه لا يجبر احد على التخلي عن ملكه الا لاجل المنفعة العامة ووفق القوانين الجاري بها العمل.
وتجدر الاشارة إلى انه في عهد الدولة الحارسة كان اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية محدودا للغاية، لان وظيفة الدولة في ذلك العهد كانت تقف عند حدود ممارسة وظائف السيادة ولا تتدخل في المجال الاقتصادي، والاجتماعي الذي كان مقصورا على المال الخاص، ومن ثم كان من غير المتصور كثرة اللجوء إلى هذه المسطرة، وبالتالي كانت رقابة القضاء على مشروعية قرارات الاعلان عن المنفعة العامة محدودة هي الاخرى.

لكن بعد قيام الحرب العالمية الأولى واستفحال الازمة التي شهدها العالم في اواخر العشرينات من هذا القرن، اصبح مفروضا على الدولة في ظل المستجدات التدخل في المجال الاقتصادي والاجتماعي لمواجهة معطيات الواقع الجديد، وقد استتبع ذلك كثرة اللجوء الى مسطرة نزع الملكية من طرف الادارة في اطار تسييرها للمرافق العامة (2).
وقد أدت التدخلات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وتغير فلسفة العلاقة بين الفرد والسلطة العامة، وتحول مفهوم حق الملكية على نحو يجعل له وظيفة اجتماعية إلى ظهور مفهوم جديد للمنفعة العامة. ذلك ان القاضي الاداري لم يعد في تقديره لهذه المنفعة يكتفي بالمعيار المجرد وانما تجاوز ذلك إلى رقابة الوقائع في قرار اعلان المنفعة العامة (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) la propriété étant un droit inviolable et sacré, nul ne peut en être privée si ce n'est quand la nécessité publique légalement constatée, l'exige évidement et sous la condition d'une juste et préalable indemnité.
2) Marie jose, Domestici Met, " utilité publique et utilité privée dans le droit de l'expropriation", (2) Dalloz, 1981, Chronique 227.
3) الدكتور محمد سلامة جبر " نظرية الغلط البين في قضاء الالغاء" ص 159
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتمثل الرقابة القضائية على الوقائع في دعوى الالغاء ضمانة هامة واساسية لتحقيق مشروعية تصرفات الادارة وخضوعها لحكم القانون. ذلك ان رجل الادارة في ممارسته للاختصاصات المنوطة به، يجب الا يخضع في تصرفاته وقراراته لما تمليه عليه الاهواء وانما يلزم ان يستند في كل ما يصدره من قرارات ويمارس من نشاط إلى اسباب واقعية تسوغ له ذلك ( 4).
ولما كانت الوقائع هي مدار المنازعة في كل قرار اداري بل هي أساس كل منازعة وحولها تدور الرقابة القضائية على القرار الاداري، فانه لا يكفي لتحقيق فاعلية تلك الرقابة الوقوف بها عند التحقق من صحة الوقائع المادية وانما يلزم ان يكون لهذه الوقائع وجود قانوني، أي ان يكون تكييف الإدارة لهذه الوقائع تكييفا يتفق وقصد المشرع حتى تصلح سببا لحمل قرارها.
اعتبارا لذلك، كان لزاما على القاضي الاداري أمام عجز وسائل الرقابة العادية عن استيعاب هذه التطورات وملاحقتها، ان يطور رقابته لتستجيب لتلك التغيرات وذلك حتى يستطيع اعادة التوازن إلى نصابه ليوفر الحماية لحقوق الافراد وليمنع الجوز والحيف على حرياتهم.
وفي سبيل تحديد هذه الغاية ابتدع مجلس الدولة الفرنسي نظرية الموازنة ليواجه بها حالات امتناعه عن رقابة الوقائع في قرارات الاعلان عن المنفعة العامة في مجال نزع الملكية، بل وليتجاوز نطاق هذه الحالات لينفد إلى صميم التقدير الاداري ذاته ويسلط رقابته على مجالات جديدة للعمل الاداري، على الرغم مما لقيته هذه النظرية من ترحيب واشادة، نظرا لما توفره من ضمانات لحماية حقوق الافراد، ومن طرف جانب كبير من الفقه، فان جانبا اخرا تلقاها بنوع من الحذر لما لها من مساس برقابة الملاءمة في القرار الاداري.
يتبين اذن من خلال ما ذكر، ان نظرية الموازنة تعتبر إنجازا جديدا من انجازات مجلس الدولة الفرنسي الذي يرجع له الفضل في ارساء أساس القانوني الاداري، لذلك ارتأينا البحث في موضوع هذه النظرية من خلال تطور رقابة القضاء على شرط المنفعة العامة في قرارات نزع الملكية وذلك للوقوف على هذا المسلك الجديد في مجال الرقابة. وسنعالج هذا الموضوع في فصلين، نخصص الفصل الأول للرقابة التقليدية على شرط المنفعة العامة في قرارات نزع الملكية. اما الفصل الثاني، فسنتحدث من خلاله على نظرية الموازنة ومستجدات الرقابة على هذا الشرط، وسنعتمد في كل ذلك على القرارات الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال، لكونه يعتبر المرجع الذي يعكس مظاهر هذا التطور.
الفصل الأول
الرقابة التقليدية على شرط المنفعة العامة في قرارات نزاع الملكية

ان مفهوم المنفعة العامة في قرارات نزع الملكية عرف تطورا ملحوظا ارتبط بتطور الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. ذلك ان ازدياد الدور التدخلي للدولة، جعل النظرة الى المنفعة العامة تعرف نوعا من التوسع سواء على مستوى التشريع أو على مستوى الرقابة القضائية (5) (المبحث الأول)، لكن رغم هذا التوسع في تفسير شرط المنفعة العامة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4) jean Raux, " l'examen des jaits par le juge administratif dans le contrôle de la légalité interne de la procédure d'expropriation » A. J. D. A 1967 page 197 suivant
5) G. Peiser, "Droit administratif", p.52 Mementos Dalloz, 5e édition.
Jean- Marie Auby, Pierre Bon : Droit administratif des biens, domaine travaux publics expropriation page 317. Prexis Dalloz 1991.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فان رقابة قاضي الالغاء لم تخرج عن اطار الرقابة المجردة " le contrôle in abstracto" أي ما يعرف بالمنفعة العامة في حد ذاتها (l'utilité publique en soi) (6) دون ان تمتد إلى العناصر الواقعية المحيطة بقرار الاعلان عن هذه المنفعة،
وهذا يعكس مظهرا تقليديا في مجال الرقابة ( المبحث الثاني) مقارنة مع مسلك مجلس الدولة الفرنسي الجديد الذي استحدثه بمقتضى قرار المدينة الشرقية الجديدة الصادر في 28 ماي1971 le contrôle in concreto"

المبحث الأول : مفهوم المنفعة العامة
ان الهدف من فرض مسطرة الملكية هو القيام بعمليات أو أشغال تكتسي طابع المنفعة العامة، وهذا المفهوم لم تتعرض له التشريعات بالتحديد وتكون بذلك قد احسنت صنعا، لان هذه المهمة من اختصاص الفقه والاجتهاد القضائي نظرا لعدم دقته، فهو يساير تطور المجتمع وتغير دور العناصر الفاعلة فيه.
وباستعراض احكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد، يمكن القول ان القضاء الاداري الفرنسي في تقديره لشرط المنفعة العامة، الذي تدعيه الإدارة عند اصدارها لقرار نزع الملكية مر بثلاث مراحل (7).

المرحلة الأولى : المنفعة العامة لا تتوافر الا في حالات معينة
ان القاضي الإداري خلال هذه المرحلة كان يقرر بان المنفعة العامة لا تتوافر الا في حالة من الحالات التي حددها المشرع، والتي يجوز فيها نزع الملكية، مثال ذلك نزع الملكية للقيام باشغال عامة كاقامة الطرق أو الميادين العامة فهذه الاشغال وحدها هي التي كانت تبرر نزع الملكية (8)
ويمكن القول انه خلال المرحلة التي امتدت من تاريخ انشاء مجلس الدولة الفرنسي حتى اواخر القرن الماضي، كانت فيها حالات نزع الملكية محددة للغاية، وذلك تماشيا مع النظرة المقدسة لحق الملكية التي المحنا إليها سلفا والتي لا تسمح بنزع الملكية الا للضرورة العامة.

المرحلة الثانية : فكرة المرفق العام
خلال هذه المرحلة توسع المشرع الفرنسي في حالات نزع الملكية من اجل تحقيق المنفعة العامة. فقد اجاز المشرع نزع الملكية من اجل حماية الصحة العامة أو تحقيق اهداف اجتماعية ( كتوفير المساكن لذوي الدخل المحدود) أو رعاية الشباب ( اقامة مباني رياضية) بل ان المشرع اجاز ايضا نزع الملكية من اجل تحميل المدن ( كما لو اقتضى الامر تحميل الاماكن المحيطة بالاثار) (9).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6) G. let- Veaux, « Nouveaux développement sur l'utulité publique en soi », Revue administrative n° 96-1963, page 583.
7) الدكتورة نبيلة عبد الحليم كامل :
- " دور القضاء الإداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع الملكية ( الاتجاه الحديث لمجلسي الدولة في مصر وفرنسا" صفحة 10 وما بعدها، طبعة 1994، الناشر دار النهضة العربية.
8) Charles Debbasch, jacques Bourdon, Jean- Marie Poutter, Jean claude Ricci : " Institutions et droit administratif, 3 -biens expropriation aux travaux publics ", éditions PUF, page 231 et suivant.
9) الدكتورة نبيلة عبد الحليم كامل المرجع السابق، ص11.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وحتى يتمكن القضاء من مجاراة المشرع في هذا الصدد فقد اتخذ اتجاها جديدا مؤداه الربط ما بين " المرفق العام" " و"المنفعة العامة" وتفصيل ذلك ان الادارة إذا كانت تزاول انشطتها اليومية عن طريق تقديم الخدمات للجمهور، محققة بذلك منفعة عامة، كتوصيل المياه الجارية للمنازل والكهرباء وخدمات النقل العام، فانها تقوم بتقديم هذه الخدمات، عن طريق المرفق العام، لذلك يكون من الطبيعي ان يصبح هذا المرفق المعيار الذي به تتحدد مشروعية انشطة الادارة بمعناها الواسع.
لذلك فان الانشطة التي تقوم بها المرافق العامة، كانت تبرر استخدام هذه الوسيلة الاستثنائية المجحفة التي يعرفها القانون العام وهي نزع الملكية، وبمعنى اخر، يكون هناك مبرر لنزع الملكية( أي تكون هناك منفعة عامة) في كل مرة يتطلب الامر فيها تنفيذ انشطة المرفق العام وقيامه باداء وظيفته.
تطبيقا لذلك، قضى مجلس الدولة بصحة القرار الصادر بنزع الملكية من اجل اقامة معرض دائم (10) أو سوق مغطى (11) أو توسيع احد المعسكرات الصيفية (12) أو اقامة صالة للاحتفالات العامة (13) أو اقامة احدى بيوت الشباب (14)، فهذه المنشات تقام من اجل تحقيق منفعة عامة وتدخل ضمن انشطة المرافق العامة، وتبرز من ثم نزع الملكية.
ولكن مع تطور نظرية المرفق العام وما عرفته هذه النظرية من ازمة في تحديد نطاقها وابعادها وخاصة بعد ان اتسع تدخل الدولة في الحياة اليومية ولجوء الدولة إلى الاخذ بأساليب اخرى غير المرفق العام لتحقيق المنفعة العامة، لم يعد معيار المرفق العام صالحا في هذا المجال، فاتجه القضاء الفرنسي للبحث عن معيار جديد.

المرحلة الثالثة : فكرة المصلحة العامة
في هذه المرحلة تطور قضاء مجلس الدولة الفرنسي في مجال الرقابة على قرارات نزع الملكية، تطورا هائلا، حيث قرر بان شرط المنفعة المبرر لنزع الملكية يتوافر حيث تكون هناك مصلحة عامة يستند إليها قرار نزع الملكية، في قضية Gambiero كتب مفوض الدولة يقول : " ليس من الضروري لتبرير نزع الملكية التمسك بنظرية المرفق العام، يكفي توافر المصلحة العامة " (15).

وبذلك لم يعد من الضروري ان يستند قرار نزع الملكية على نص صريح يقرر ان الهدف الذي يسعى القرار إلى تحقيقه يتوافر فيه شرط " المنفعة العامة" فهذا الشرط يعتبر متوافرا، متى كان القصد من وراء القرار تحقيق " المصلحة العامة" وينبني على ذلك، انه متى توافرت فكرة تحقيق المصلحة العامة لاحد المشروعات، فان هذا يضفي على القرار الصادر بنزع الملكية من اجل اقامة هذا المشروع، مشروعية تمتد لتشمل ايضا ملحقات المشروع.
بل ان مجلس الدولة الفرنسي، ذهب في هذا الاتجاه إلى حد اعتماد فكرة " المصلحة العامة غير المباشرة" وكان ذلك في القضية المعروفة باسم ( Peugeot )، فقد اصدرت الادارة بناء على طلب شركة ( Peugeot ) للسيارات قرارا بنزع الملكية من اجل تعديل مسار طريق كان يمر بين المصانع التابعة للشركة، بحيث يسمح التعليل الجديد من اجراء توسعات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10) C.E. février 1923, Farges Rec 144.
11) C.E décembre 1923, Dechizeaux, Rec. 1138.
12) C.E. août 1923, Ceiros, Rec. 684.
13) C. E 29 juillet, sieur Roche et autres, Rec. 824.
14) C. E, 10 décembre 1938, Rec, 602.
15) الدكتور نبيلة عبد الحليم كامل، المرجع السابق، ص 12 وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضرورية للمصانع، وقد قرر مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد، " ان المصلحة العامة تتوافر في هذه الحالة، اذ تدعو إليها في ان واحد، ضرورة تطوير الطرق العامة ومتطلبات تطوير مجمع صناعي على درجة كبيرة من الاهمية لما يساهم به في دعم الاقتصاد المحلي (16).
من خلال ما ذكر يتبين ان مجلس الدولة الفرنسي اعطى للمنفعة العامة مفهوما موسعا يتماشى ومتطلبات الحياة العامة. لكن رغم هذا التوسع في التفسير، فان المجلس ظل قبل قضاء " المدينة الشرقية الجديدة" يكتفي في رقابته لشرعية الطعون المقدمة ضد قرارات الاعلان عن المنفعة على المعيار المجد( ( contrôle in abstracto (17).
المبحث الثاني : مظاهر التقليد في الرقابة على شرط المنفعة العامة 
وقف مجلس الدولة الفرنسي في قضائه التقليدي لرقابة الشرعية الداخلية لقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة ـ في الغالب ـ عند فحص عيب انحراف السلطة رغم ما يكتنفه اثبات من صعوبة.

ولذلك كانت توصف رقابة المجلس بانها رقابة ضيقة وضعيفة، وان سلطة القاضي الاداري بشان القرارات المذكورة سلطة محدودة تتمثل في بحث ما إذا كانت الحالة محل نزع الملكية ترد ضمن الحالات التي حددها القانون وما إذا كان من شان العملية تحقيق المنفعة العامة ام لا.
لذلك، فان تقدير مجلس الدولة لتحقيق المشروع للمنفعة العامة كان يتم بصفة مجردة، بمعنى ان ينظر إلى العملية في ذاتها ( l'utilité en soi) (18) بغض النظر عن الظروف المحيطة بها والاضرار التي تلحقها بالملكية الخاصة أو بمصالح عامة اخرى أو بتكاليف المشروع واعبائه المالية. وذلك لتعلق هذه الامور بالملاءمة المحضة التي لا يراقبها، ومعنى ذلك ان حدود الرقابة التقليدية لمجلس الدولة كانت ترجع إلى اعتماده على مفهوم مجرد وذاتي للمنفعة العامة ورفضه رقابة أوصاف ونتائج نزع الملكية.
ومجلس الدولة كان يرفض دارسة وفحص مضمون المشروع وبصفة خاصة اختيار القطع المنزوع ملكيتها، فقد رفض بمناسبة نزع الملكية بعض القطع لانشاء الطريق السيار بحث التخطيط الذي اخذت به الادارة واكتفى بمراجعة ما إذا كان المشروع في حد ذاته وبصرف النظر عن مزاياه الخاصة محققا للمنفعة العامة.
وفي قضية اخرى بعد ان تحقق مجلس الدولة من ان مشروع انشاء مطار بالقرية محقق للمنفعة العامة ورفض رقابة مدى تناسب المشروع مع إمكانيات القرية وحاجة السكان سواء بالنسبة للنقل الجوي أو لممارسة رياضة الطيران باعتبار ان هذه الامور تدخل في نطاق تقدير الملاءمة التي لا يمكن التمسك بها أمام قاضي تجاوز السلطة (19).
كما ان عملية توسيع مكتب بريد من شانها ان تبرر قرار نزع الملكية للمنفعة العامة، واكتفى مجلس الدولة بشرعية هذا الهدف لنزع الملكية ولم يقم ببحث ما إذا كانت ظروف الحاجة إلى خدمة بريدية متزايدة تدعو إلى هذا الاجراء وما إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16) C. E, 20 juillet 1971, ville de Sochaux, AJDA, 1972, p.227 not. A. Homont.
17) احكام المبادئ في القضاء الاداري الفرنسي، ترجمة الدكتور احمد يسري، ص. 637، الناشر منشاة المعارف
بالاسكندرية.
18) G. Liet Veaux : " Nouveaux développement sur l'utilité publique en soi, R.A, n° 96, 1963, page 583-584.
- le tribunal administratif considère comme le conseil d'Etat l'utilité publique en soi, « un tel projet est de ceux qui peuvent motiver légalement l'expropriation ».
19) الدكتور محمد سلامة جبر، المرجع السابق، ص 155-156.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت هناك اماكن اخرى يمكن ان تحقق الغرض المطلوب ام لا، فمجلس الدولة كان يكتفي ببحث هذه المصلحة العامة بغض النظر عن الظروف الملموسة والمحيطة بالمشروع ايا كانت اثارها وما تحققه من مزايا واضرار.
هذا المظهر التقليدي في رقابة شرط المنفعة العامة تجاوزه مجلس الدولة الفرنسي في الحكم المعروف باسم " المدينة الشرقية الجديدة" فابتداء من هذا الحكم بدا المجلس ياخذ بنظرية الموازنة بين المصالح والأضرار في تقديره لشرط المنفعة العامة.

الفصل الثاني
نظرية الموازنة ومظاهر الاستحداث في مجال
الرقابة على شرط المنفعة العامة
ان تطور مفهوم المنفعة العامة واتساع نطاقه، وازدياد الدور التدخلي للدولة بعد انهيار مفهوم الدولة الحارسة، دفع بالقاضي الاداري إلى اعادة النظر في رقابته التقليدية لقرارات اعلان المنفعة العامة، وذلك بالعدول عن النظرة المجردة لتقدير المنفعة إلى بحث واقعي لها ياخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بها وما تحققه من فوائد وتحدثه من اضرار وتستلزمه من تكاليف واعباء مالية(20).

وكانت ثمرة اجتهاد الفقه والقضاء في هذا الصدد، الاعلان عن مبدأ الموازنة بين المزايا والاضرار المترتبة على القرارات الإدارية، بحيث يتعين المقارنة الصريحة بينها، فاذا انتهت الموازنة إلى ترجيح المزايا، اعلن القاضي مشروعية القرار. اما إذا كانت الأضرار هي المرجحة تعيين الحكم بالغاء هذا القرار لعدم مشروعيته (21).
ولقد كان فاتحة القضاء الإداري في هذا الصدد حكم المجلس الصادر في 28 ماي 1971 في قضية " المدينة الشرقية الجديدة" (22) وبذلك يكون مجلس الدولة الفرنسي قد خرج عن قضائه التقليدي ليخضع الإدارة في ممارستها للسلطة التقديرية للرقابة، مما حدا ببعض الفقهاء، إلى القول بان القضاء الاداري ليس قضاء مشروعية فحسب. بل انه قضاء ملاءمة.

وقد علق مفوض الحكومة ( Braibant) على هذا التطور الجديد في قضاء مجلس الدولة الفرنسي بقوله " ان هذه الرقابة التي بدا يمارسها مجلس الدولة على الادارة العاملة، هدفها ان تفرض قدرا اقل من المنطق وحسن التقدير على رجال الادارة، فاذا كان في وسعهم ان يختاروا فليس معنى ذلك ان يفعلوا ما يشاؤون " ( Même lorsqu'elles ont le pouvoir de faire ce qu'elles veulent elles ne doivent pas être autorisées à faire n'importe quoi ) (23).
يتبين مما ذكر، ان مجلس الدولة استحدث مجالا جديدا للرقابة على شرط المنفعة العامة ولضبط مظاهر هذا الاستحداث يتعين أولا ان نحدد مفهوم نظرية الموازنة مع الإشارة الى التطبيقات القضائية لها (المبحث الأول) لنخلص بعد لك إلى تقييم هذه النظرية من خلال الجدل الذي اثارته داخل الاوساط الفقهية والقضائية ( المبحث الثاني).
المبحث الأول : تحديد ماهية الموازنة مع التطبيقات القضائية لها 
قبل ان نشير إلى الاحكام القضائية التي طبق فيها مجلس الدولة الفرنسي نظرية الموازنة، يجب في البداية ان نحدد مفهومها على المستوى النظري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20) Guy Braibant, le principe de proportionnalité" , mélange oferts à Marcel Waline, page 297 et suivant, ( L.G.D.J., Paris, 1974)
21) الدكتور سامي جمال الدين، قضاء الملاءمة والسلطة التقديرية للادارة" ص 233.
22) "احكام المبادئ في القضاء الاداري الفرنسي" ترجمة الدكتور احمد يسري ص 632.
23) الدكتور سليمان محمد الطماوي، " النظرية العامة للقرارات الإدارية، دارسة مقارنة، ص 83، الطبعة السادسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

I. مفهوم نظرية الموازنة
تعني نظرية الموازنة انه لتقدير شرعية مشروع أو عملية ما واعتبارها من المنفعة العامة، يتعين معرفة ما تحققه من مزايا وفوائد والوقوف على ترتبه من اضرار واعتداءات على الملكية الخاصة وما تستلزمه من نفقات وتكاليف مالية، مع الاخذ في الاعتبار الأضرار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع واقامة موازنة بين هذه العناصر بحيث لا يمكن اقرار المشروع إذا جاءت الأضرار والاعباء المترتبة عليه مفرطة بالنسبة للمزايا والمصلحة التي يحققها (24).

وهكذا يتطلب مبدا الموازنة بين الأضرار والمنافع ان يضع القاضي الاداري الآثار الناجمة عن القرار الاداري في ميزان العدالة، مزاياه في كفة وأضراره في الكفة الاخرى وذلك قبل ان يقرر ايهما أولى بالرعاية.
والميدان الذي ولد فيه مبدأ الموازنة ـ ويمثل مجاله الرئيسي في التطبيق ـ يتمثل في مسالة نزع الملكية للمنفعة العامة، وعلى الاخص قرارات اعلان المنفعة العامة فيها. فقبل1971 لم يكن للقاضي الإداري ان يفحص الظروف المحيطة بنزع الملكية في كل حالة على حدة، وانما كان يعتمد على التأكد فقط من هدف هذه العملية، وهو بالطبع تحقيق المنفعة العامة(25) مثل بناء مستشفى أو مدرسة أو شق طريق وعموما كافة المتطلبات العقارية اللازمة لسير المرافق العامة.
هذا القضاء انتهى نتيجة حكم بالغ التطور اصدر مجلس الدولة الفرنسي في 28/5/1971 وبمقتضاه، فان المنفعة العامة في مشروع نزع الملكية لن تقدر بصورة منعزلة عن الظروف المحيطة به ( أي بالمشروع). حيث اصبح للقضاء الاداري ان يقدر مدى تحقق هذه المنفعة في ضوء الأضرار التي تلحق بالملكية الخاصة، علاوة على التكلفة المالية للمشروع اضافة إلى المضار ذات الطابع الاجتماعي المحتمل وقوعها (26)

وتاسيسا على ما ذكر عندما يتم الطعن في قرار اعلان المنفعة، يقوم قاضي الالغاء بالتاكد أولا من ان هناك منفعة عامة تبرر نزع الملكية فاذا توافرت هذه المنفعة عليه ثانيا ان يقدر ما إذا كان من شان تنفيذ مشروع نزع الملكية ان يرتب من الأضرار المالية أو الاقتصادية والاجتماعية ما يفوق كثيرا المنفعة العامة المستهدفة بصورة مفرطة ام لا ليخلص بعد ذلك إلى تقدير توافر عنصر المنفعة العامة من عدمه.
ويذهب جانب من الفقه إلى عدم التمييز بين نظرية الموازنة ونظرية الغلط البين ويرى بان الموازنة لا تعدو في الواقع سوى ان تكون درجة اشد من درجات تطبيق نظرية الغلط البين يركن إليها مجلس الدولة الفرنسي في الحالات التي يصعب عليه رقابة الغلط البين. غير ان الراي الغالب في الفقه الفرنسي يتجه إلى التمييز بين النظريتين. فمبدأ الغلط البين يرد على صحة تقدير الادارة للوقائع أي لعنصر السبب في القرار. اما الموازنة فهي تنصب على عملية اختيار مضمون القرار. فالفارق بينهما ليس فرقا في درجة الرقابة بل هو فارق في طبيعة الرقابة وموضعها لكل منهما (27) وفي هذا المجال يقول الدكتور سامي جمال الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24) الدكتور محمود سلامة جبر، المرجع السابق ص159
25) الدكتور سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 234 و235.
26) Marcel Waline, Revue de droit public, 1972 IT, page 454, " c'est seulement au - delà d'un certains seuil dans le cas d'un coût financier ou social anormalement élevés, et dépourvu de justifications, que vous devez intervenir. Ce qui importe, c'est que votre contrôle permette de censurer les décisions arbitraires de raisonnables ou mal étudiés », ailleurs, il invite le conseil d'Etat à exercer son contrôle avec tact et mesure.
27) الدكتور محمود سلامة جبر، المرجع السابق، الصفحة 178 وما يليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

" ومن الجلي في تقديرنا ان مبدا الموازنة ين الأضرار والمنافع يختلف عن مبدا التناسب ونظرية الغلط البين فالنظرية الأخيرة ليست سوى وسيلة فنية قضائية لاثبات عيب الغاية في القرار الاداري وخاصة عند مباشرة السلطة التقديرية اما مبدا التناسب فهو... وجوب مراعاة التناسب بين محل القرار وسببه في حين ان مقتضى مبدا الموازنة... وجوب مراعاة عدم رجحان اضرار القرار الاداري على منافعه. وهذه الأضرار وتلك المنافع انما تتصل بعنصر المحل وحده في القرار الإداري ولا علاقة له البتتة بعنصر السبب، وان كانت ذات علاقة غير مباشرة بعنصر الهدف من القرار الاداري (28)
بعد تحديد ماهية الموازنة وتمييزها عن النظريات التي تخالطها في المعنى، يتعين التعرف على التطبيقات القضائية لها من خلال حكم المدينة الشرقية الجديدة والاحكام التي لحقته.

2. التطبيقات القضائية لنظرية الموازنة
ان بعض عناصر نظرية الموازنة سبق لمجلس الدولة الفرنسي ان طبقها قبل قضاء المدينة الشرقية الجديدة، ففي قضية BO اقر مجلس الدولة شرعية قرار نزع الملكية للمنفعة العامة لتوسع حلقة لسباق الخيل لمجموعة قرى تطل على البحر لما يؤدي إليه من المساهمة في التنمية الاقتصادية والسياحية لقرى نيس NICE وكان Cagnes مجتمعة. وقد خلص المجلس إلى هذا القرار بعد قيامه بدارسة خاصة لظروف الدعوى والمنطقة ومجموعة القرى.
هذه العناصر لمبدا الموازنة التي عرفها مجلس الدولية قبل 1971 شكلت ارهاصات اولية لحكمه المعروف باسم " المدينة الشرقية الجديدة" التي اعطى فيها مفهومها معمقا وواسعا لهذه النظرية.

وتتلخص وقائع هذه القضية(29) انه سنة 1966 قررت الحكومة القيام بتجزئة عمرانية في مدينة ليل، قاصدة في نفس الوقت نقل الجامعة من وسط المدينة نظرا لما يسببه وجودها من مشكلات في المواصلات والمرور وتواجد عدد كبير من طلاب الجامعة بكافة كلياتها ومعاهدها ومبانيها وخدماتها إلى شرق المدينة مع اقامة حي جديد متكامل يتسع لعدد من السكان يتراوح ما بين 20 و 25 الف نسمة.
وكان هذا التخطيط الجديد يقتضي نزع ملكية ما يقرب من 5000 هكتار من الاراضي بتكلفة تبلغ مليار فرنك فرنسي. غير ان تنفيذ المشروع كان يقتضي نزع ملكية وازالة 250 منزلا كان بعضها حديث البناء بل ان بعضها كان مقاما وفقا لتراخيص بناء لم يمض عليها اكثر من عام وامام الاحتجاج الصارخ من جانب اصحاب المنازل خطت الادارة نحو التخفيف من حدة الآثار التي تترتب على تنفيذ المشروع فقامت الادارة باجراء تعديل في التخطيط الذي وضعته ابتداء بحيث يسمح هذا التعديل بخفض عدد المنازل المطلوب ازالتها إلى 88 منزلا فقط.
ولكن الإدارة في نفس الوقت رفضت تعديلا تقدمت به جمعية الدفاع عن منازل السكان المراد نزع ملكيتهم ويرمي هذا التعديل إلى تجنيب هدم أي منزل من المنازل الواقعة بالمنطقة.
وبالفعل اصدرت الإدارة قرارها باقامة المشروع ونزع ملكية 88 شخصا وازالة منازلهم التي تعوق تنفيذ المشروع وفقا للتخطيط الموضوع له. هذا ما دفع " جمعية الدفاع عن السكان" التي اقيمت خصيصا لهذا الغرض ـ إلى الطعن في القرار المشار إليه.

وقد دعا مفوض الحكومة ( Braibant) مجلس الدولة إلى موازنة مزايا ومضار قرار نزع الملكية لتقدير توافر شرط المنفعة العامة من عدمه وقد جاء في تقريره... " ... لم يعد يوجد فقط السلطة العامة والصالح العام في ناحية وفي الاخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28) الدكتور سامي جمال الدين، المرجع السابق، ص 234.
29) الدكتورة نبيلة عبد الحليم كامل، المرجع السابق، ص 17 وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الملكية الخاصة، فتوجد في حالات عديدة خلف نازعي الملكية والمنزوعة ملكيتهم مصالح عامة مختلفة، بل وقد يحدث ان يكون وزن المصالح الخاصة المستفيدة من العملية اكثر ثقلا في إجراءات القرار وتكوينه من المصالح العامة التي قد تضار من ذلك. فلا يمكن اذن الاكتفاء بمعرفة ما إذا كانت العملية تمثل بنفسها منفعة عامة، بل يجب ايضا ان يوضع في الميزان مضارها مع مزاياها وتكاليفها مع عائدها وكما يقول الاقتصاديون عدم نفعها مع نفعها".
واضاف في تقريره : " فمشروع مصالح على مستوى منطقة او هيئة كبيرة لن يكون كذلك بالنسبة لبلدية صغيرة بل يكون عبئا ثقيلا جدا عليها.... وفي وقت يكثر فيه السؤال عن البيئة، يجب تجنب قيام مشروعات وان كانت نافعة من ناحية التي تزيد التلوث أو تدمر جزءا من الذمة الوطنية والتقانية للبلاد " (30).
واتفاقا مع التقرير، قررت الجمعية العامة للقسم القضائي بمجلس الدولة من حيث المبدأ انه لا يمكن قانونا اعتبار عملية ما ذات منفعة عامة الا إذا كانت ما تتضمنه من مساس بالملكية الفردية وكانت التكاليف المالية والمضار الممكنة على المستوى الاجتماعي غير باهضة بالنسبة للمصلحة التي تمثلها. ثم حكمت في واقعة القضية بانه " بالنظر إلى اهمية مجموعة المشروع فليس من شان ظرف اختفاء مائة مسكن نزع صفة المنفعة العامة عن العملية".
وقد حظي مبدا التوازن الذي ارساه قرار المدينة الشرقية بتطبيقات لاحقة. ففي قضية la société Saint- marie de l'assomtion اخذ مبدا الموازنة مفهوما جديدا. فلم تعد الموازنة قائمة بين مصلحة عامة ومصلحة خاصة كما هو الشان في قرار المدينة الشرقية الجديدة. وانما اتسعت لمجال جديد هو الموازنة بين مصلحة عامة ومصلحة اخرى. وتتعلق هذه القضية باقامة طريق للسيارات يصل بين مدينة مرسيليا وايطاليا، وكان يقتضي انشاؤه هدم جزء من مبنى مستشفى للامراض العقلية.
وقد قام التعارض يبن مصلحتين عامتين هما : مصلحة اقتصادية وسياحية متمثلة في اقامة الطريق، ومصلحة الصحةالعامة تبدو في استمرار المستشفى في اداء دوره وعدم هدم جزء كبير منه كان يقتضيه انشاء الطريق (31).
وقد تابع مجلس الدولة مفوض الحكومة ( Morisot) واجرى نوعا من التحكيم بين المصالح العامة محل البحث، ولم يبد له هدم مبنى به 80 سريرا يتضمن ضررا باهضا بالنسبة إلى الفائدة المنتظرة من ربط طريق السيارات شمال الكتلة السكنية وبالمقابل لم يقر وصلة الربط ولا البديل رغم فائدة هذه الانشاءات للمرور لانها تخلق حول المستشفى منطقة مرور كثيفة وتحرم المؤسسة من المساحات الخضراء وكل امكانية للتوسع، ولهذا الغى جزئيا مرسوم المنفعة العامة فيما يتعلق بإنشاء وصلة الطريق والبديل.

وقد اكد مفوض الحكومة ( Morisot) في مذكرته الخاصة بهذه القضية على ان " فكرة المنفعة العامة فكرة نسبية فلا يمكن تقديرها، وبالتالي تقييمها،الا إذا اخذنا في الاعتبار كافة العناصر المحيطة بها. وهو ما يؤدي بالضرورة إلى الموازنة بين العناصر الايجابية والسلبية للمشروع وطالما ان المنفعة العامة العائدة منه هي الشرط الاساسي لمشروعية القرار الصادر بنزع الملكية، فان الرقابة التي يمارسها القاضي على هذه المنفعة بكل عناصرها هي رقابة مشروعية.
وفي قضية ( Grassin) وتتعلق بإنشاء مطار باحدى القرى الغى مجلس الدولة قرار اعلان المنفعة العامة المرتبط به استنادا إلى عدم التناسب بين النفقات التي يتكلفها المشروع مع موارد القرية وإمكانياتها، فضلا عن وجود مطار اخر غير بعيد عن القرية (32).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
30) " احكام المبادئ في القضاء الاداري الفرنسي" ص 632 وما بعدها.
31) الدكتورة نبيلة عبد الحليم كامل، المرجع السابق، ص24.
32) الدكتور محمود سلامة جبر، المرجع السابق، ص 165.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من خلال ما ذكر، يتبين ان نظرية الموازنة حظيت بتطبيقات مهمة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي لكن رغم المكاسب التي اتت بها في مجال تعميق الرقابة على القرارات الإدارية فانها قوبلت بنوع من الحيطة والحذر بل ومن النقد احيانا من طرف جانب من الفقه.
المبحث الثاني : تقييم نظرية الموازنة (33)
لا شك ان القضاء المدينة الشرقية الجديدة، يعتبر مسلكا جديدا في قضاء مجلس الدولة الفرنسي مقارنة مع الرقابة التقليدية على قرارات اعلان المنفعة العامة التي كانت تقف عند الرقابة المجردة غير ان هذا الاستحداث في مجال الرقابة على الرغم من اهميته على مستوى حماية حقوق الافراد من تعسفات الإدارة المحتملة واذا كان قد قبول بإشادة وترحيب بالغين من طرف غالبية الفقه، فان جانبا اخرا من الفقه لاحظ ان من شان هذا الاتجاه توسيع سلطات رقابة القاضي لتمتد الى جانب الملاءمة وفي ذلك مساس بمبدا الفصل بين السلطات. ذلك ان تطبيق نظرية الموازنة قد يؤدي بالقاضي الاداري إلى القيام بتقديرات فنية صعبة يستحيل عليه احيانا القيام بها بالنظر إلى وسائل التحقيق التي توجد بين يديه.

وقد اعتبر المعلق المجهول على قرار ( Grassin) بان تطور الاجتهاد القضائي في اتجاه تقليص حدود السلطة التقديرية للادارة لا يعني شيئا اخرا سوى تدخل القاضي في نشاط الادارة. واذا كان التوسع في الرقابة القضائية يمنح للمواطنين ضمانات جوهرية، فليس معنى ذلك ان التقدير الذاتي للقاضي يمنح حماية اكثر من تقدير الادارة بل يمنح حماية اقل بالنظر لكون المنازعة تكون بعيدة عن مصادر الاعلام وبالنظر الى الطبيعة الفنية الدقيقة لبعض المشاريع (34).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
33) jeanne Lemasurier, " Vers un nouveau principe général du droit ?".
-18 le principe " Bilan- coût - avantages ".
-19 Mélanges offerts à Marcel Waline, page 552.
34) cette jurisprudence a été diversement appréciée par la doctrine et certains l'on jugée sévèrement le commentateur de l'arrêt « Sieur Grassin « estime que cette évolution de la jurisprudence dont l'objet semble être de reculer constamment les limites du pouvoir discrétionnaire de l'administration n'est pas autre chose qu'une ingérence des juges dans l'action administrative, si l'extension continue du contrôle juridictionnel apporte aux administrés des garanties substantielles, ce n'est que la subjectivité du juge offre en elle - même plus - de sécurité que celle de l'administration elle en offre moins, dans la mesure ou le contentieux est plus éloigné des sources d'information. Pour cet auteur c'est seulement lorsque le juge s'élève de la sphère des appréciations subjectives à celles des jugement d'objectifs C. Ad fondés sur une règle, et qu'en s'astreignant - lui même à cette discipline, il contraint l'administration à se mouvoir. A son tour dans un réseau de règles ordonnées, dont l'ensemble constitue la légalité, qu'il y a vraiment œuvre de justice. Or selon cet auteur, il n'existe rien de semblable dans la décision «sieur Grassin » si ce n'est une opinion subjective de la section du conseil d'Etat ».
chateaureynaud - philippe, « le contentieux administratif de l'expropriation », thèse de Doctorat, Parie I, 1977, p. 259.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ورغم هذا النقد الذي وجه لنظرية الموازنة من طرف بعض الفقهاء، فان الجانب الكبير من الفقه يذهب إلى ان الرقابة التي استحدثها مجلس الدولة الفرنسي في قضاء " المدينة الشرقية الجديدة" على الرغم مما تحمله في طياتها من تدخل القاضي لبحث الملاءمة في محل القرار فانها لا تخرج عن اطار رقابة المشروعية. اذ ان هذا البحث ليس سوى وسيلة للتاكد من مشروعية قرار اعلان المنفعة العامة بمطابقته لمبدا الموازنة باعتباره من المبادئ القانونية العامة التي تلتزم الادارة باحترامها وإلا بات قرارها المخالف لهذه المبادئ غير مشروع.
والقاضي الاداري هنا لا يلغي القرار لعدم الملاءمة وانما لعدم المشروعية، وهو لا يحل محل الادارة في اتخاذ القرار الملائم في هذا الشان، وانما يعيد الامر إليها لاعادة التقدير مرة اخرى، فهو لن يفرض على الإدارة ان تبني حاجتها من العقار في شمال المدينة أو غربها، ولن يجبرها على ان يمر الطريق في هذا الاتجاه أو ذاك أو عبر منطقة معينة بذاتها، ولن يشير عليها بنزع ملكية قطع محددة من الارض بدلا من المتنازع عليها، وبذلك فانه سيحتفظ للادارة رغم حكمه بالغاء القرار الاداري، بسلطتها التقديرية في هذا الشان.
ويبقى مؤكدا بعد ذلك ان هذا المبدأ يزود القضاء بسلاح فعال لحماية المشروعية ضد عسف الإدارة ليس فقط على مستوى حق الملكية الخاصة وانما ايضا على مستوى المصالح الاقتصادية مثل ممارسة مهنة معينة، أو نشاط تجاري أو صناعي، يكون من شان قرار نزع الملكية الأضرار بها ـ ومن ثم فان نظرية الموازنة بما تضعه من ضوابط على ممارسة السلطة التقديرية للادارة في مجال نزع الملكية، على نحو يجعلها سلطة مقيدة تخضع في ممارستها لشروط واضحة فانه يقدم ضمانا للافراد ضد تجاوزات السلطة التقديرية للادارة.
الخاتمة
الواقع ان القاضي الإداري في الدول التي اخذت بنظام ازدواجية القضاء يتردد احيانا بين التوسع في مدى رقابته على حرية الادارة في التقدير، وبين التضييق من نطاق هذه الرقابة وذلك برفض التعقيب على تقدير ملاءمة العمل الإداري الا في حدود عيب الغاية أو الانحراف بالسلطة.

ومن غير شك ان الحرص على الحقوق والحريات العامة للافراد، وهو من انبل واسمى ما يهدف إليه كل فقيه أو قاضي. يدفع إلى المطالبة بالمزيد من الرقابة الفعالة لضمان حقوق الافراد تجاه النشاط الاداري. ولكن مع الحرص في الوقت ذاته على الا يتجاوز القضاء الاداري المخول له اداء هذه الرقابة حدود سلطة فيغوص بعيدا في مجال الملاءمة.
وينبغي في هذا المجال التمييز بين الملاءمة الخالصة والملاءمة المقيدة للشرعية l'opportunité pure et l'opportunité qui conditionne la légalité) اذ يتعين على القاضي الاداري عدم تسليط رقابته على القرارات المرتبطة بالملاءمة الخالصة، لان من شان ذلك ان يمس بمبدا الفصل بين السلطات ويجعل القاضي يمارس نشاطا اداريا le juge administrateur وبذلك يخرج عن نطاقه الوظيفي الذي ينحصر في الرقابة القضائية.
اما فيما يتعلق الملاءمة المقيدة للشرعية، فان القاضي الاداري يجب ان يمدد رقابته إليها لان تقدير شرعية القرار تتوقف عليها وفي اعتقادنا ان نظرية الموازنة على الرغم من النقد الذي وجه إليها من طرف بعض الفقهاء، لا تعني ان القضاء الاداري الفرنسي قد تخطى حاجز الملاءمة في القرار الاداري ـ خارقا بذلك المبادئ المتعارف عليها ـ وانما حاول فقط توسيع رقابته لتمتد إلى العناصر الواقعية في القرار، لانه من غير المعقود تقدير بشرط المنفعة العامة بمعزل عن الظروف الواقعية المتحكمة فيه. صحيح ان خطوط التمييز بين الملاءمة والشرعية دقيقة جديدة و وتتداخل احيانا، لذلك ينبغي ان يكون القاضي على جانب كبير من الحيطة والحذر في تطبيقه لهذه النظرية، وان يقف بها عند حدود الملاءمة المقيدة للشرعية، وقد حرص مفوض الحكومة Braibant في قضية المدينة الشرقية الجديدة على ان يؤكد بان القاضي الاداري في ممارسة رقابته على قرارات نزع الملكية قد يقترب من حدود الملاءمة دون ان يكون له الحق في الدخول في دائرتها، وانه اذ يمارس هذه الرقابة فلابد ان يكون ذلك " بحيطة وحذر avec tact et mésure"
ونشير في الختام اننا لم نعثر قي قضاء الغرفة الإدارية بالمجلس الاعلى على تطبيق لنظرية الموازنة ومرد ذلك بالاساس إلى محدودية الطعون بالالغاء الموجه ضد قرارات اعلان المنفعة العامة. اما القضاء المصري فقد عرف تطبيق هذه النظرية في قضية تتعلق برفع الاعتداء عن ملك الدولة معروف باسم قضية " عزبة خير الله" كما طبقها أيضا في قضية " سوق روض الفرج" وتتعلق بالغاء تراخيص مزاولة نشاط تجاري بالجملة(35).

وخلاصة القول لا نملك الا ان نؤيد هذا المسلك الجديد في الرقابة لانه من غير المستساغ تقدير شرعية القرار الاداري بمعزل عن الظروف الواقعية المنتجة له، اذ القول بخلاف ذلك قد يجعل من رقابة الشرعية رقابة صورية أو على الاقل محدودة وضيقة، ولكن هذا التاييد يجد حده الطبيعي في عدم تخطي مجال الملاءمة الخالصة في القرار الاداري.
المراجع
1. الدكتور محمد سليمان الطماوي، " النظرية العامة للقرارات الإدارية"، دراسة مقارنة، الطبعة السادسة1991.
2. الدكتور محمود سلامة جبر، " نظرية الغلط البين في قضايا الالغاء"
3. الدكتورة نبيلة عبد الحليم كمال، " دور القاضي الاداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة في حالة نزع
الملكية ( الاتجاه الجديد لمجلس الدولة في مصر وفرنسا) 1994"
4. الدكتور سامي جمال الدين، " قضاء الملاءمة والسلطة التقديرية للادارة "، دراسة تحليلية مقارنة للسلطة
التقديرية للادارة في اصدار القرارات الإدارية والرقابة القضائية عليها.
5. احكام المبادئ في القضاء الاداري الفرنسي ترجمة الدكتور احمد يسري.
6. Charles Debbasch et autre, institutions et droit administratif : 3 Biens - expropriation -
travaux public" P.U.F
7. Château Rey naud - Philipe, « le contentieux administratif de l'expropriation », Thèse
de doctorat, Paris, 1997
8. André de Laubadire, « le contrôle juridictionnel du pouvoir discrétionnaire dans la
jurisprudence récente du conseil d'Etat. Mélange offertes à Marcel Waline T. P 531 Et
suivant.
9. Jean Waline : le rôle du juge administratif dans la détermination de l'utilité justifiant.
L'expropriation », mélange offerts à Marcel Waline T., page 811 et suivant.
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات