إشكالية تمسك الدائن المرتهن بشرط منع المدين الراهن من تفويت العقار المرهون الدكتور حسن فتوخ قاض بمحكمة النقض ورئيس قسم التوثيق وا...
إشكالية تمسك الدائن المرتهن بشرط منع المدين الراهن من تفويت العقار المرهون
الدكتور حسن فتوخ
قاض بمحكمة النقض ورئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي
من الثابت أن الرهن الرسمي حق عيني عقاري يخول للدائن المرتهن ميزتي الأولوية والتتبع بمقتضى نص المادتين 197 و 199 من مدونة الحقوق العينية. ومعنى ذلك، أن تفويت العقار المرهون من طرف المدين الراهن إلى الغير لا يحرم الدائن المرتهن من حق التنفيذ على العقار، إذ إن حق التتبع هو ميزة تظهر عند التنفيذ على المرهون عندما يجد المرتهن أن المرهون قد خرج من ملكية المدين الراهن، بل إنه يمكن للدائن المرتهن استرداد حيازة العقار المرهون مؤقتا في انتظار التنفيذ إذا تعلق الأمر طبعا بدين لفائدة مؤسسات الائتمان المستفيدة من المرسوم الملكي المؤرخ في 17 دجنبر 1968 كالقرض العقاري والسياحي والتجاري وفا بنك.
ذلك، أن النتيجة التي ستترتب كأثر للتنفيذ الجبري من طرف الدائن المرتهن المتمثلة في بيع العقار المرهون بالمزاد العلني، تستلزم بقوة القانون تقييد محضر إرساء المزاد بالرسم العقاري ونقل الملكية إلى المشتري الراسي عليه المزاد، وذلك تكريسا لقاعدة التطهير المنصوص عليها في المادة 220 من مدونة الحقوق العينية من جهة، وتحقيق الجدوى من الضمان العيني من جهة أخرى.
غير أنه، وفي حالة انتقال الملك للغير فإن الدائن المرتهن له حق تتبع الملك المرهون في يد أي حائز له لاستيفاء دينه عند حلول أجل الوفاء به تطبيقا للمادة 199 من مدونة الحقوق العينية.
وبالمقابل، فإن المشتري للعقار المرهون يكون من حقه مطالبة البائع المدين من أجل رفع الرهن المضمن بالرسم العقاري، ونقل حق الملكية إليه مطهرا من جميع الرهون التي تثقله. وهذا ما أكدته محكمة النقض في أحد قراراتها كما يلي:
".. حيث إن المحكمة لما صرحت أن البائع ملزم بضمان نقل المبيع للمشتري للحصول على النتائج القانونية المترتبة عن البيع، وذلك بتقييد عقد البيع في الرسم العقاري، وأن امتناعه عن رفع الرهن يعتبر إخلالا منه بالالتزام بضمان نقل حق المبيع، كان قرارها معللا وما بالوسيلة غير جدير بالاعتبار..".
ومعلوم أن المشرع خول للغير الحائز للعقار المرهون عن طريق التفويت إمكانية مقاضاة المدين الأصلي (البائع) بتطهير العقار المرهون عن طريق المطالبة برفع الرهن الذي يثقله، كما قرر في نفس الوقت الحماية للدائن المرتهن في استيفاء الدين المضمون بضمان عيني ولو انتقل العقار المرهون إلى الغير عن طريق التفويت، الشيء الذي يفيد عدم أحقية الدائن المرتهن في التمسك في مواجهة المشتري للمرهون بشرط منع المدين من التصرف في عقاره المرهون، لكون ذلك يتنافى مع خصائص الرهن الرسمي المتمثلة في حق الأولوية والتتبع من جهة، والمقتضيات التشريعية المنصوص عليها في الفصل 1077 من ق.ل.ع من جهة أخرى. وهو الأمر الذي أكده العمل القضائي في أحد القرارات كما يلي :
"حيث إن المشرع أعطى الحق للمرتهن في تتبع العقار المرهون في أي يد انتقل إليها ..، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون لحق التتبع أي معنى إذا لم يكن من حق الراهن بيع الشيء المرهون.
وحيث إن هذا التأويل يزكيه القانون العام وهو قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر نصا عاما يلجأ إلى تطبيقه عند عدم وجود النص الخاص في الظهير المذكور، الذي لم ينظم سوى الرهن الرسمي الذي يعتبر تقييده وسيلة تقوم مقام قبض المرهون في الرهن الحيازي، فالغاية منهما واحدة وهي حفظ المرهون ضمانا للدائن وتأمينا لمصلحته.
وحيث بناء على كون الغاية واحدة من الرهنين معا، فإن المشرع المغربي إذا كان قد سمح للراهن بتفويت العقارات المرهونة رهنا حيازيا طبقا للفصل 1177 من ق.ل.ع، فإنه بالمقابل لم يمنع تفويت ما رهن رسميا ضمن القيود الواردة في هذا الفصل، والفصل 1178 من نفس القانون، اللذين لا تتعارض مقتضياتهما مع ما ورد في الفصل 185 من ظهير 2 يونيو 1915، ولا مذهب الجمهور في الفقه المالكي... إنه بناء على ذلك، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بإصدار أمر للسيد المحافظ المختص بتقييد رسم السيد (...) بالرسم العقاري مع الإبقاء على الرسمين المذكورين مثقلين بحقوق المرتهنين جميعا".
وبذلك نخلص إلى القول إن الدائن المرتهن لا يمكنه أن يتمسك في مواجهة من انتقل إليه العقار المرهون بشرط منع المدين الأصلي من التفويت، كما لا يمكن للموثق أن يدرج هذا الشرط في عقد القرض من جهة، ويجب على المحافظ على الأملاك العقارية تقييد عقد الشراء بالرسم العقاري دون تكليف طالب التقييد بالادلاء بموافقة البنك الدائن من جهة أخرى، ما دام حق الملكية يبقى مثقلا بحق الدائن المرتهن الذي يتتبع العقار موضوع الضمان العيني في أي يد انتقل إليها.
ليست هناك تعليقات