المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

دور القضاء في تطبيق وإنفاذ الاتفاقيات الدولية في منازعات الاستثمار invistissemnt au maroc

الموضوع : دور القضاء في تطبيق وإنفاذ الاتفاقيات الدولية في منازعات الاستثمار            أعده : عبد الرحمان المصباحي رئيس غرفة بمحكمة ...


الموضوع : دور القضاء في تطبيق وإنفاذ الاتفاقيات الدولية في منازعات الاستثمار

           أعده : عبد الرحمان المصباحي رئيس غرفة بمحكمة النقض المغربية
   ( الدائرة التجارية )
تم إلقاؤه بمناسبة أشغال المؤتمر الرابع لرؤساء المحاكم العليا في الدول العربية،

 المنعقد بالدوحة بدولة قطر من 24 الى 26 شتنبر 2013
مقــدمــــــــة :
من أهم ما تحرص عليه قوانين الاستثمار والاتفاقيات الدولية الخاصة بالاستثمار، الاهتمام بالمستثمر بصفة عامة والأجنبي بصفة خاصة، وتحديد حقوقه والتزاماته وكيفية إعمالها على الواقع، وهو ما قد يجلب منازعات بين المستثمر الأجنبي والدولة المستضيفة للاستثمار.
وهذه المنازعات تتميز بطابع خاص، سببه اختلاف المركز القانوني لطرفي النزاع، إذ أحدهما دولة بمقومات السيادة، وثانيهما غالبا ما يكون شخصا طبيعيا أو اعتباريا .
ونظرا لما تتسم به عقود الاستثمار من تعقيدات، فان معالجة المنازعات التي تثور بشأنها، تتطلب سلوك وسائل ناجعة لفضها، من شأنها تحقيق التوازن بين أطرافها .
وهذه الوسائل قد تكون داخلية كالتوفيق والتحكيم أو اللجوء للقضاء الوطني للدولة المضيفة للاستثمار، غير أن المستثمر غاليا ما يساوره الشك في حيدة هذا القضاء، إضافة لجهله بقوانينه المطبقة والمساطر الجاري بها العمل. لذلك ودرءا لهذا التخوف اتجهت الارادة الدولية لابرام اتفاقات دولية، تشمل ضمانات وأساليب حل نزاعات الاستثمار بشكل عادل ومنصف.
في هذا الموضوع سأتناول دور القضاء الوطني في الفصل في منازعات الاستثمار ( المبحث الأول ) ودور الوسائل الدولية في فض المنازعات الاستثمارية ( المبحث الثاني ) ثم دور القضاء في مراقبة وإنفاذ الأحكام التحكيمية الاستثمارية واتفاقية نيويورك ( المبحث الثالث):
المبحث الأول : دور القضاء الوطني في الفصل في منازعات الاستثمار
الأصل أنه حين حدوث نزاع استثماري، لا يلجأ لقضاء التحكيم أو القضاء الدولي، إلا بعد استنفاذ الطرق القضائية للدولة، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 1803 بتاريخ 14/12/1962، وهذا التوجه كانت تنص عليه أغلب قوانين الاستثمار العربية، بيد أن التشريعات الحالية أصبحت تعطي الخيار للمستثمر للجوء لطرق أخرى كالتحكيم أو القضاء الدولي، أما تشريعات دول أوروبا فهي خصصت هيئة مستقلة للتحكيم في المنازعات التجارية التي تقوم مع المستثمرين الخواص أو الشركات الأجنبية ، وفي الولايات المتحدة أنشأت لجنة تسوية المطالبات الأجنبية .
ومهما  يكن فإن هناك توجسا لدى المستثمر الأجنبي، يجعله يشك في أحكام قضاء الدولة المستضيفة للاستثمار، تخوفا من عدم حيدة القاضي، واحتمال تأثره بالتيارات السائدة في بلده، إضافة لالتزامه بتطبيق قوانين بلده التي قد تكون موضوع تشكي من لدن المستثمر .
وهناك جانب من الفقه يفضل اختصاص القضاء الوطني بتسوية منازعات الاستثمار، باعتباره مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، ولكون هذه المنازعات تخضع لقانون الدولة الجاذبة للاستثمار، هذا فضلا عن أن تحقيق العدالة يعد وظيفة أساسية للدولة، أما ما يروج عن عدم حيدة القضاء الوطني، فهو لا أساس له ، باعتبار أن ذلك المرفق مستقل ، يطبق القانون وفق قواعد العدل والإنصاف ولا سلطان عليه لغير القانون، وهو يعد أكثر تفهما وموضوعية لنظر المنازعات الاستثمارية من أي قضاء آخر، وفي جميع الأحوال يفضل تنصيب قضاء مختص بفض النزاعات الاستثمارية الداخلية والخارجية يتمتع أعضاؤه بخبرة فنية وقانونية متخصصة تؤهلهم لإعطاء أحكام تتسم بالجودة والسرعة، ولقد تنبهت المملكة المغربية لهذا الموضوع، وأحدثت قضاء تجاريا منذ سنة 1998، يختص جانب منه بالبت في قضايا الاستثمار ، وأعطى هذا القضاء نتائج طيبة في هذا المجال .
المبحث الثاني : الوسائل الدولية لفض منازعات الاستثمار
يفضل المستثمر الأجنبي أن تسند مهمة الفصل في المنازعات التي قد تثور بينه وبين الدولة المضيفة للاستثمار إلى إحدى الوسائل  القضائية الدولية، لما تتمتع به هذه من حيادية واستقلالية أكثر مما للوسائل الداخلية، وهو ما ذهب بمختلف الدول إلى العمل على جذب               راس المال الأجنبي، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي سبيل ذلك سمحت باللجوء للوسائل الدولية لفض المنازعات الاستثمارية، لما تشيعه من ثقة واطمئنان لدى المستثمر الأجنبي، وهذا السماح أصبحت تتضمنه قوانين الاستثمار الوطنية وكذا عقود الاستثمار المبرمة بين الدول والمستثمرين والشركات الأجنبية .
وهذه الوسائل الدولية هي القضاء الدولي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بتسوية هذا النوع من المنازعات.
أولا : القضاء الدولي : يتجلى هذا القضاء في محكمة العدل الدولية، ومحكمة التحكيم الدائمة ومحكمة الاستثمار العربية .
 1- محكمة العدل الدولية
بالرغم من ان النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يجيز تشكيل لجنة من ثلاث قضاة لفحص أشكال معينة من القضايا، بيد أن المادة 34 منه تحدد اختصاصها في الفصل في المنازعات بين الدول فقط، ومن ثم لا يستطيع المستثمر الظهور بصفته الشخصية أمام اللجان القضائية المقترحة للبت في نزاعه ، لاعتبارات خارجة عن إراداته ، تتجلى في إمكانية قبول دولة المستثمر تبني قضيته ، لذلك لا ينبغي اللجوء المباشر لهذه المحكمة لعدم ملاءمة أسلوبها وإجراءاتها لحسم قضايا الأفراد الاستثمارية .
2- محكمة التحكيم الدائمة
أنشأت محكمة التحكيم الدائمة بموجب اتفاقية التسوية السلمية للمنازعات الدولية، التي توصل إليها مؤتمر السلام الدولي الذي عقد بلاهاي في 29 يوليوز 1899، وغايتها حل نزاعات الدول المسجلة بالطريقة الدبلوماسية وإن فشلت يتم اللجوء للتحكيم المنعقد داخلها .
ومنذ عقد الخمسينات أصبحت المحكمة تنظر حتى في النزاعات القائمة بين الدول والشركات في دول أخرى، إذ أضحى من حق هذين الطرفين الإشارة في شرط التحكيم المضمن بعقد معاملة رابط بينهما الى إسناد  الاختصاص لهذه المحكمة للبت فيما قد ينشب بينهما من نزاع بخصوصه، والهدف من التحكيم في هذا النوع من الاستثمارات هو حصول الشركات المتعاقدة على دعم دولها، بالضغط ديبلوماسيا للوصول لما لها من حقوق، كما ولو أن النزاع قائم بين دولتين، وبهذا التغيير تم الرفع من عدد القضايا المعروضة لتصل الى حوالي 300 قضية استثمار منذ سنة 1950.
وفي هذا المجال عرضت على المحكمة قضايا التأميم الواردة من دول أمريكا الجنوبية المقدمة من طرف شركات التنقيب عن المعادن التي أممت الدول أنشطتها .
كما قدمت قضايا من أوروبا الشرقية بمناسبة خوصصة مقاولاتها وانصبت المنازعات حول سعر الاقتناء والمطالبة بالفرق بين المبلغ المقترح والمبلغ المحدد أوروبيا.
والملاحظ أن قرارات هذه المحكمة ملزمة، غير أنه لا توجد وسائل إنفاذ لقراراتها، بينما يتم إكساؤها بالصيغة التنفيذية حسب اتفاقية نيويورك لسنة 1958، وهو ما سيتم الحديث عنه فيما بعد .
من خلال هذا العرض الوجيز عن هذه المحكمة أرى بأنه من الأفيد للشركات الوطنية المتعاقدة مع دول أخرى في قضايا استثمارية، أن تسند في شرط التحكيم، نظر النزاعات التي تنشب بشأنها، الى المحكمة الدائمة للتحكيم، بدل غرف التحكيم الأخرى، حتى تكتسب دعم دولتها الدبلوماسي، وتتجنب أتعاب التحكيم الباهظة في جهات غيرها، علما أنه منذ يونيو 2001 أصبح بالإمكان مقاضاة المغرب أمامها .
3- محكمة الاستثمار العربية
أنشئت محكمة الاستثمار العربية بموجب الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية سنة 1980، وتم وضع نظامها الأساسي من طرف الهيئة العربية للاستثمار سنة 1985، وتم تشكيلها بمقتضى قرار المجلس الاقتصادي عام 1991، وتتخذ من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة مقرا لها، وتتكون من خمسة قضاة أصليين على الأقل,  وعدد من الاحتياطيين ينتمي كل واحد منهم الى جنسية عربية مختلفة، يختارهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجماعة الدول العربية من بين القانونيين العرب الذين ترشحهم دولهم ممن يتمتعون بالكفاءة العلمية المتميزة .
ومن بين صلاحيات هذه المحكمة، إمكانية نظر المنازعات التي قد تنشأ بين المؤسسة العربية للاستثمار وبين المستثمرين المؤمنين على استثماراتهم لديها.
ومن حيث طبيعتها القانونية، فهي تختص بصفتها القضائية في المنازعات الاستثمارية الخاصة بتطبيق أحكام الاتفاقية، ومن جانب آخر تعمل كهيئة فتوى، على تقديم الآراء الاستشارية في المسائل القانونية الداخلة في اختصاصها .
وتعتبر أحكام هذه المحكمة نهائية وغير قابلة للطعن، وتنفذ في الدول الأعضاء في الاتفاقية ، مثل ما يعمل به بالنسبة لتنفيذ أحكام محاكمها الوطنية، واللافت للنظر هو أن المستثمر العربي يستطيع اللجوء المباشر إلى هذه المحكمة بصفته الشخصية في المنازعات التي تنشب بينه وبين الدولة المضيفة للاستثمار، وهي إمكانية تمنح للمستثمر الثقة لاستثمار أمواله في العالم العربي، سواء كان مستثمرا خاصا أو دولة أو إحدى مؤسساتها، وبصرف النظر عن جنسيته، أي أنه يجوز للمحكمة نظر حتى المنازعات التي تقوم بين مستثمر أجنبي ودولة عربية، أو تلك التي تثار بين مستثمر عربي ودولة أجنبية .
ومادامت أحكام هذه المحكمة نافذة مثل الأحكام الوطنية، فان دور القاضي الوطني يبقى قاصرا في تطبيقها وإنفاذها، اللهم إلا ما يتعلق بممارسة إجراءات التنفيذ الجبري والإجراءات التحفظية السارية على كل الأحكام القابلة للتنفيذ .
ثانيا : الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتسوية منازعات الاستثمار
نظرا لعدم الإقبال على القضاء الدولي لفض منازعات الاستثمار ، سعى البنك الدولي للتنمية والإعمار الى إنشاء اتفاقية دولية متعددة الأطراف بتاريخ 18 مارس 1965، أحدثت مركزا دوليا لتسوية منازعات الاستثمار عن طريق التوفيق والتحكيم.
وعلى المستوى العربي، أبرمت الدول العربية بتاريخ 10 يونيه 1974 اتفاقية " تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية ومواطني الدول العربية الأخرى " وهذه الاتفاقية نشأ عنها مجلس عربي لتسوية المنازعات الاستثمارية.
وعليه سأعرض لدراسة الهيئتين المذكورتين كل على حدة :
1- المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار
   ( اتفاقية واشنطن المؤرخة في 18 مارس 1965)
 دخلت اتفاقية واشنطن حيز التنفيذ بتاريخ 14 أكتوبر 1966 بعد أن صادقت عليها عشرون دولة، والملاحظ أن أولى الدول المتعاقدة كانت في غالبيتها دولا في طور النمو من بينها دول افريقية كالمغرب .
ثم تنامت وثيرة الانضمام الى الاتفاقية مع مرور السنوات، بحيث ارتفع عدد الدول الأعضاء الى 135 دولة سنة 2002، وانضافت إليها 17 دولة أخرى قامت بالتوقيع على الاتفاقية ومازالت لم تصادق عليها بعد إلى حينه .
وقد انضمت كافة الدول الصناعية الكبرى للاتفاقية باستثناء كندا، وكذلك الشـأن بالنسبة لأغلب الدول الإفريقية والعربية والأسيوية .
كما قامت العديد من الجمهوريات السوفياتية السابقة ومنها روسيا الاتحادية ، بالتوقيع على الاتفاقية دون المصادقة عليها .
أما فيما يخص دول أمريكا اللاتينية، فقد أبدت تحفظا كبيرا أثناء تحرير الاتفاقية وتجاهلتها الى غاية سنة 1980، ليزول هذا التحفظ مع انضمام أغلب دول أمريكا اللاتينية والجنوبية للاتفاقية باستثناء البرازيل والمكسيك .
والملاحظ أن المركز بت في أول نزاع عرض عليه سنة 1974، ثم تغيرت الأمور بشكل ملحوظ، وبالضبط منذ تسعينات القرن الماضي، حيث لوحظ تزايد كبير في عدد القضايا المعروضة على المركز، بحيث يلاحظ حاليا أنه يحال عليه ملف جديد في كل شهر.
والملاحظ أنه لا تطبق اتفاقية واشنطن إلا في النزاعات التي تجمع دولة منظمة للاتفاقية بأحد رعايا دولة أخرى منظمة بدورها للاتفاقية المذكورة، ويبقى المشكل مطروحا بالنسبة للنزاعات التي لا يتوفر فيها شرط الانضمام للاتفاقية في الدولة المتلقية للاستثمار أو في الدولة التي ينتمي إليها المستثمر .
أمام هذا الواقع ، فقد تم إحداث آلية جديدة في سنة 1978 قصد تقديم وسائل تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات في الحالة التي تكون فيها الدولة المتلقية للاستثمار أو الدولة التي ينتمي إليها المستثمر وحدها دون الأخرى، قد أنظمت الى الاتفاقية .
وتوفر اتفاقية واشنطن مزايا عديدة  مقارنة مع التحكيم الخاص، لأنها تمكن من إجراء التحكيم عن طريق جهاز منظم يطبق قواعد إجرائية محددة للفصل في النزاعات ، كما أنها تضمن، من جهة أخرى، تسيير المسطرة والاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه .
كما يضمن تحكيم المركز عددا من المزايا سواء بالنسبة للمستثمر أم بالنسبة للدولة المتلقية للاستثمار، بحيث يمكن لأي من الطرفين أن يحيل النزاع على المركز، ويشير تقرير مديري البنك الدولي المرفق بالاتفاقية إلى توازن المصالح بما نصه :
" 13. إذا كان الغرض الأساسي من الاتفاقية هو تشجيع الاستثمارات الدولية الخاصة، فان مقتضيات الاتفاقية تصب في اتجاه المحافظة على التوازن بين مصالح المستثمرين والدول المتلقية للاستثمار، فضلا عن أن الاتفاقية تبيح لكل من المستثمر ودولة الاستثمار أن يفتتحا مسطرة التحكيم على حد سواء "
وتظهر المزايا بالنسبة للمستثمر في تمكينه من اللجوء الى منتدى دولي فعال في حالة نشوب أي نزاع بينه وبين الدولة المتعاقد معها .
أما فيما يخص الدولة المتلقية للاستثمار، فإن فتح باب اللجوء إلى المركز يزيد من إمكانية استقطاب الاستثمارات الدولية، من جهة، ويحمي الدولة المعنية من باقي وسائل تسوية النزاعات الدولية ومن الحماية الدبلوماسية التي توفرها دولة المستثمر المتعاقد معه لهذا الأخير، من جهة ثانية .
وتعتمد اتفاقية واشنطن على كل من التحكيم والتوفيق من أجل تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات .
ويعتبر التوفيق مسطرة مرنة يشارك فيها الأطراف من أجل التوصل إلى حل النزاع باتفاق مشترك فيما بينهم، وينتهي بتحرير تقرير غير قابل للتنفيذ بين الأطراف يتم فيه اقتراح الحلول الكفيلة بتسوية الخلاف.
أما التحكيم فهو عبارة عن مسطرة شكلية تستدعي مواجهة بين الأطراف، يمكن أن ينتهي، بحسب الأحوال، إما بإبرام اتفاق بين أطرافه، وإلا فعبر إصدار حكم تحكيمي يفصل في النزاع ويكون قابلا للتنفيذ .
ويفضل الأطراف في الجانب العملي اللجوء إلى مسطرة التحكيم مقارنة مع مسطرة التوفيق، فالملاحظ في هذا الصدد قلة عدد مساطر التوفيق المعروضة على المركز مقارنة مع مساطر التحكيم، ومرد ذلك أن الأطراف تفضل تسخير جهودها ونفقاتها في مسطرة تنتهي بإصدار حكم قابل للتنفيذ ، عوض اللجوء إلى مسطرة التوفيق التي لا تمكن من ذلك.
ويختص المركز أساسا بالبت في النزاعات الناتجة بصفة مباشرة عن الاستثمار ، نظرا  لأن اتفاقية واشنطن تتعلق بالنزاعات المتعلقة بالاستثمارات. إلا أن النقص الذي يعتري الاتفاقية في هذا الصدد، هو أنها لم تحدد مفهوم الاستثمار .
ومفهوم الاستثمار واسع جدا في الجانب العملي، لأنه يشمل العديد من الأنشطة المرتبطة بالجوانب الاقتصادية، والتي يمكن أن تتحد طبيعتها الاستثمارية بالنظر إلى مجموعة من المعايير الأساسية كمدة استمرار النشاط ودورية الأرباح والنتائج ومدى وجود مخاطر اقتصادية والتزامات مهمة فضلا عن أهمية المشروع في تحقيق التنمية والتطور في الدولة المتلقية للاستثمار .
وتقتصر اتفاقية واشنطن على تحديد مسطرة تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات دون أن تشير إلى القواعد الموضوعية المطبقة لفض هذه النزاعات. ذلك أن أي محاولة لتقنين القواعد الموضوعية المطبقة على الاستثمارات الأجنبية، سواء في إطار اتفاقية واشنطن أم غيرها، ستخلق بلا شك عددا من المعيقات المستحيل تجاوزها بالنظر إلى خصوصيات النظام القانوني الخاص بكل دولة على حدة .
غير أن الاتفاقية تتضمن قاعدة للتنازع تمكن المحاكم التحكيمية من تحديد القانون الواجب التطبيق على مختلف النزاعات المعروضة عليها. وبموجب هذه القاعدة يتعين على المحكمة أن تطبق قانون الإرادة، أي القانون الذي اتفق عليه الأطراف، وفي حالة عدم الاتفاق ، فالقانون المطبق هو قانون الدولة المتلقية للاستثمار والقانون الدولي.
هذا، ولعبت مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق دورا أساسيا في تجربة المركز، مادامت شرعية الحكم وقانونيته تستلزمان اعتماد المحكمة على القانون الصحيح تحت طائلة إمكانية التصريح ببطلان الحكم بسبب تجاوز السلطة .
ولكن ذلك لا يعني أن المركز لا يبت في النزاع إلا عن طريق إعمال القواعد القانونية، لأن بإمكانه أن يفصل بتطبيق قواعد العدالة متى خوله الأطراف صراحة هذه الصلاحية.
وعديدة هي النزاعات التي طبقت فيها محاكم المركز قواعد القانون الدولي، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالاستثمار أو الأعراف الدولية أو المبادئ العامة للقانون الدولي أم السوابق القضائية لمحاكم المركز .
إلا أن هذه الأخيرة لم تغفل أهمية القانون الوطني للدولة المتلقية للاستثمار، حيث تقدمه في التطبيق على القانون الدولي كلما تجاذب القانونان المذكوران مجال التطبيق ، مع الاعتراف للقانون الدولي بدور القانون المكمل في حالة خلو القانون الوطني من الحل .
وبالرجوع إلى مقتضيات الاتفاقية ، سيتم الوقوف على أن المسطرة تكون دائما مختلطة بحيث يكون أحد الطرفين هو الدولة المتلقية للاستثمار التي انضمت للاتفاقية ويكون الطرف المستثمر من بين رعايا إحدى الدول الأخرى المتعاقدة .
وإذا كان الأصل أن الدولة كشخص اعتباري للقانون العام هي التي يمكنها ان تكون طرفا في النزاع، فيمكن للدولة المتعاقدة أن ترخص لأحد أشخاص القانون العام التابعة لها أو لإحدى وكالاتها بالتقاضي باسمها أمام المركز .
أما بالنسبة للطرف المستثمر، فيمكن أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا، شريطة أن يتوفر فيه شرط الجنسية طبقا لما تنص عليه الاتفاقية. ومن بين شروط اختصاص المركز وتطبيق الاتفاقية، ألا يكون المستثمر من رعايا الدولة المتلقية للاستثمار، على أنه في الحالة التي ينجز فيها المستثمر الأجنبي مشروعه من خلال شركة مؤسسة في هذه الدولة، يمكن اعتبار هذه الشركة الأخيرة بمثابة مستثمر أجنبي على اعتبار ان مراقبتها مناطة بشركة أجنبية لا وطنية .
كما يتعين أن تكون كل من الدولة المتلقية للاستثمار والدولة التي ينتسب إليها المستثمر قد صادقتا على اتفاقية واشنطن قبل تاريخ تحريك مسطرة التحكيم، وفي حالة انتفاء هذا الشرط لا يتم اللجوء إلى المركز، وإنما الى الآلية الإضافية المشار إليها أعلاه، وذلك بعد توفر عدد من الشروط .
ولا يؤدي الانضمام إلى اتفاقية واشنطن إلى الموافقة التلقائية على الاحتكام إلى المركز، بل لابد من موافقة كتابية خاصة لطرفي النزاع .
وتظهر الموافقة من خلال عدد من الطرق من بينها الاتفاق المباشر بين المستثمر والدولة المتلقية للاستثمار كما هي حال عقود الامتياز، كما يمكن أن ينتج الاتفاق عن إيجاب عام تضمنه دولة الاستقبال في إحدى تشريعاتها الداخلية أو توافق عليه بمناسبة إحدى الاتفاقيات الدولية التي تتضمن شرطا تحكيميا يمنح الاختصاص لمركز، يتم قبوله من طرف المستثمر فيما بعد بعدة وسائل أبسطها عرض النزاع على أنظار المركز .
على أنه إذا كان الأمر كذلك، فان الموافقة على التحكيم تقيد إرادة كل واحد من الطرفين وتمنعه من التراجع بصفة انفرادية .
غير أن الذي تجدر الإشارة إليه، هو أن الاتفاقية تفتح الإمكانية أمام الدول المنضمة إليها للتحفظ بشأن الموافقة على عرض بعض النزاعات على تحكيم المركز، كما أن من حق هذه الدول أن تقلص حدود موافقتها على التحكيم، بأن تقصرها مثلا على نزاعات معينة، أو أن تقرن اللجوء إلى التحكيم بضرورة سلوك إجراءات مسبقة للصلح من أجل إيجاد تسوية حبية للنزاع .
ويعتبر الدعم المؤسساتي الذي يقدمه المركز من خلال تحمل عدد من المهام المتعلقة بالتحكيم ، أحد أهم مزايا مسطرة التحكيم المنصوص عليها في اتفاقية واشنطن.
ذلك أن الأمين العام للمركز يتوفر على لائحة تضم أهم المعلومات عن مشاركة الدول المتعاقدة في الاتفاقية، ويمسك لوائح لهيئات المحكمين وسجل طلبات التحكيم الذي يتضمن كافة التفاصيل المسطرية المهمة، فضلا عن أرشيف يحتوي على النصوص الأصلية لكافة الوثائق والسندات المتعلقة بالمساطر.
كما يقدم كل من الأمين العام للمركز والطاقم الملحق بالأمانة العامة مساهمة إدارية فعالة في سير مساطر التحكيم، تتمثل في توفير مقر لانعقاد المحاكم التحكيمية سواء في المركز أم خارجه، وفي تأمين أعمال الترجمة والنسخ ، وفي القيام بمهام كتابة الضبط لكل محكمة تحكيمية من خلال اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل عقد الجلسات وتحرير محاضرها وتحضير مشاريع الأحكام الإجرائية والقيام بدور حلقة الربط بين الأطراف والمحكمين .
ويقوم الأمين العام بتحديد المصاريف المستحقة للمركز ويستشير المحكمين بخصوص أتعاب ومصاريف التحكيم، كما يستخلص كافة الأداءات التي يسبقها الأطراف ومصاريف الخدمات التي يقدمها المركز ويسهر على تسديد المبالغ اللازمة لسير المسطرة.
ويتولى الكاتب المعين لمساعدة المحكمة التحكيمية القيام بهذه المهام لحساب الأمين العام في بعض المساطر الخاصة .
وعملا بأحكام اتفاقية واشنطن، تتسم المساطر بطابع الاستقلالية عن كل تدخل أجنبي، بحيث يمتنع على المحاكم الوطنية بصفة خاصة أن توقف سير المساطر أمام المركز ولا أن تؤثر عليها بأي طريقة كانت ولا أن تبطل الأحكام الصادرة عنه ولا أن تراجعها .
كما لا يمكن لمحاكم المركز أن تلتجأ إلى المحاكم الوطنية من أجل الحصول على وسائل الإثبات، وهو ما يعكس ويؤكد ما جاء في الاتفاقية من انعدام أدنى أثر قانوني وعملي لمقر المحكمة على التحكيم وإجراءاته.
ولكن ذلك لا يحول دون إمكانية اتخاذ بعض التدابير المؤقتة من طرف المحاكم الوطنية في الحالات التي يوافق فيها الأطراف على ذلك .
الصبغة التنفيذية للمسطرة
إن أهم ميزة تختص بها مسطرة التحكيم أمام المركز هي استقلالها عن تأثير الأطراف.
فإذا كان من حق هؤلاء أن يتدخلوا أثناء جميع مراحل المسطرة فان امتناعهم عن القيام بدورهم في هذا المجل لا يؤدي الى توقيف مسطرة التحكيم، ذلك أن الاتفاقية تحدد نظاما خاصا يطبق في الحالة التي يمتنع فيها أحد الأطراف عن إتمام المسطرة بحيث يتولى المركز تعيين المحكمة مثلا متى تخلف الطرف المعني عن القيام بهذا التعيين، كما أن عدم تقديم المذكرات أو الغياب عن الجلسات لا يمكن أن يؤثر على سير المسطرة ولا أن يعطلاها .
ومن جهة أخرى، فالمحكمة التحكيمية هي صاحبة الصلاحية للبت في مدة اختصاصها دون تدخل ولا تأثير من الأطراف .
كما لا يمكن للأطراف بأي طريقة كانت أن يمنعوا تنفيذ وتطبيق الحكم التحكيمي الذي يتمتع بالقوة التنفيذية والذي يكون نهائيا وتتعذر مراجعته إلا في حالات خاصة منصوص عليها في الاتفاقية .
وتعتبر مخالفة الدولة للحكم التحكيمي وعدم تقيدها بمقتضياته، خرقا للاتفاقية يؤدي إلى استعادة دولة المستثمر لكل الوسائل التي توفرها الحماية الدبلوماسية.
هذا، وتضع الاتفاقية نظاما فعالا من أجل تطبيق الأحكام التحكيمية، إذ تعتبر هذه الأخيرة نهائية في جميع الدول المتعاقدة، ويتعين تنفيذ الالتزامات المالية الناشئة عنها بنفس طريقة تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم الوطنية في جميع الدول المنضمة للاتفاقية .
كما يمتنع على المحاكم الوطنية أن تراجع أحكام المركز بمناسبة تطبيقها، ولكن ذلك لا يحول دون تطبيق بعض القواعد المتعلقة بحصانة التنفيذ بمناسبة تنفيذ الحكم التحكيمي ضد الدولة ، كما لو تعلق الأمر بممارسة إجراءات التنفيذ ضد الأموال العامة التي لا يمكن مباشرة إجراءات التنفيذ ضدها .
وهكذا يستنتج من كل ما سبق أن الفعالية القصوى لنظام التحكيم الذي يوفره المركز راجعة بالأساس إلى عدد من العوامل أهمها عدم إمكانية الرجوع في الموافقة على تحكيم المركز بصفة انفرادية من قبل أحد الأطراف، والصبغة التنفيذية للمسطرة التي تحول دون عرقلة هذه الأخيرة في حالة امتناع أحد الأطراف عن المشاركة في المسطرة ، والقوة التنفيذية التي يكتسيها الحكم التحكيمي بمجرد صدوره دون حاجة إلى ضرورة سلوك أي إجراء تنفيذي في الدولة المطلوب فيها التنفيذ .
وبالمناسبة لا بد من الحديث عن التجربة المغربية أمام المركز حسب القضايا الآتية :
قضية هوليداي إينز (HOLIDAY INNS)
يعتبر المغرب أول دولة تمت مقاضاتها أمام إحدى المحاكم التحكيمية التابعة للمركز وذلك في إطار نزاع جمعه مع مجموعة فنادق " هوليداي إينز " ملف رقم 1/72/ARB
يستفاد منه أن مجموعة " هوليداي إينز " ادعت أنها تعرضت لإجراءات مماثلة لإجراءات نزع الملكية حسب اتفاقية واشنطن، مطالبة الحكم على الدولة المغربية بتعويض الضرر المترتب لها عن هذه الإجراءات .
سجلت القضية بكتابة المركز بتاريخ 13 يناير 1972، وتم تكوين المحكمة التحكيمية بتاريخ 28 مارس 1972، برئاسة محكم سويدي وعضوية محكمين اثنين، أحدهما من جنسية فرنسية والآخر من جنسية هولندية .
ونظرا لأن الطرفين تمكنا خلال جريان المسطرة من الوصول الى حل حبي للنزاع، فقد أصدرت المحكمة التحكيمية قرارا بتاريخ 17 أكتوبر 1978 أشهدت من خلاله على التنازل عن المسطرة عملا بأحكام المادة 43/1 من نظام تحكيم المركز .
وبعد مرور أكثر من عشرين سنة عن هذه القضية، تمت مقاضاة المغرب من جديد أمام المركز من طرف مستثمرين أجانب في إطار قضيتين جديدتين تتعلقان ببناء جزء من الطريق السيار .
         قضية "ساليني كوستريكتوري وإيطالستراد SALINI COSTRUTTORI ET ITALSTRADE
تهم أولى هاتين القضيتين الجديدتين مجموعة إيطالية مكونة أساسا من شركتي " ساليني كوستريكتوري"  و" إيطالستراد " ملف 4/11/ARB، ادعت أنها تضررت من رفض الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب منحها تعويضات بسبب رداءة أحوال الطقس وبسبب الأشغال الإضافية والتمست من المركز تبعا لذلك الحكم على الدولة المغربية بمنحها التعويضات المذكورة جبرا للضرر الناتج عما اعتبرته تصرفات لأحد " أعوان الدولة " .
سجلت هذه القضية بكتابة المركز بتاريخ 13 يونيو 2000، وتم تشكيل المحكمة التحكيمية بتاريخ 25 شتنبر 2000 من رئيس سويسري ومحكمين اثنين أحدهما جنسية اسبانية في حين يحمل الثاني الجنسيتين الفرنسية واللبنانية .
وبتاريخ 23 يوليوز 2001، أصدرت المحكمة التحكيمية حكما تحكيميا أولا يتعلق بالاختصاص بتت فيه باختصاصها للنظر في النزاع، شريطة أن تقدم المجموعة المدعية الحجة على خطأ ارتكبته الإدارة المغربية يمكن اعتباره خرقا من جانب الدولة المغربية للاتفاقية الثنائية المبرمة بين المغرب وإيطاليا والتي تتضمن شرطا تحكيميا لفائدة المركز .
ونظرا لأن الطرفين تمكنا خلال جريان المسطرة، من الاتفاق على حل حبي للنزاع، فان المحكمة التحكيمية أصدرت بتاريخ 4 فبراير 2004 حكما بالإشهاد على التنازل ، عملا بأحكام المادة 43 (1) من نظام تحكيم المركز .
قضية " ر.ف.س.س " ( RFCC)
أما القضية الثالثة التي تم رفعها ضد المغرب ، فتتعلق بمجموعة مكونة من عدة شركات ايطالية تدعى " ر.ف.س.س " (RFCC)، أسست طلباتها على نفس الأساس الذي اعتمدته مجموعة " ساليني وايطالستراد "  ملف رقم 6/00/ARB
تم تسجيل هذه القضية بكتابة المركز بتاريخ 28 يونيو 2000 وتم تشكيل المحكمة التحكيمية بتاريخ 25 شتنبر 2000 من نفس المحكمين المعينين في قضية " ساليني وإيطالستراد ".
وبتاريخ 16 يوليوز 2001 صدر حكم التحكيمي أول يتعلق بالاختصاص نحا نفس منحى الحكم التمهيدي المتعلق بالاختصاص الصادر في قضية مجموعة " ساليني وايطالستراد "  .
وبتاريخ 22 دجنبر 2003، صدر الحكم التحكيمي المتعلق بموضوع النزاع قاضيا برفض طلبات مجموعة " ر.ف.س.س " استنادا إلى كون هذه المجموعة لم تقدم الدليل على أن أخطاء الإدارة المغربية – حتى على فرض ثبوتها – تشكل خرقا من جانب الدولة المغربية للاتفاقية المبرمة بين المغرب وإيطاليا.
وعلى اثر صدور هذا الحكم التحكيمي لجأت مجموعة " ر.ف.س.س " الى مسطرة الإبطال التي نادرا ما يتم اللجوء إليها في إطار اتفاقية واشنطن .
وقد تم وضع طلب الإبطال لدى كتابة المركز بتاريخ 30 ابريل 2004 وتم تشكيل اللجنة المختصة للبت فيه بتاريخ 8 يونيو 2004 من رئيس بلجيكي وعضويين أحدهما من جنسية يونانية والآخر من جنسية بريطانية .
فأصدرت اللجنة المذكورة بتاريخ 18 يناير 2006، حكما قاضيا بتأييد الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ 22 دجنبر 2003 الذي كان قد قضى برفض طلبات مجموعة " ر.ف.س.س. " (R.F.C.C).
وختاما يتضح مما سبقت الإشارة إليه أعلاه، أن فض النزاعات بفعالية بين الدول المتلقية للاستثمارات  والمستثمرين الأجانب يعتبر من أهم أوجه الحماية القانونية للاستثمارات الأجنبية .
وتظهر هذه الفعالية، في أن وجود وسيلة فعالة لحل النزاعات كاف لوحده قصد التأثير في سلوك الأطراف ومنعهم من افتعال عدد من النزاعات متى تيقنوا أنهم سيخسرون الدعوى لا محالة في نهاية المطاف .
وعلاوة على ذلك ـ فان إمكانية صدور حكم في غير صالح أحد الأطراف ، يقوي رغبتهم في حل نزاعاتهم حبيا، وتعتبر التجربة المغربية في هذا المجل خير دليل على ذلك، إذ أن قضيتين من ضمن القضايا الثلاث التي تم عرضها على المركز تمت تسويتهما حبيا أثناء جريان المسطرة .
ومادامت أحكام المركز قابلة للتنفيذ دون ضرورة إكسائها بالصيغة التنفيذية، فان دور القاضي الوطني يتجلى في مواكبة تنفيذها دون إخضاعها لأي رقابة قبلية.
2- المجلس العربي لتسوية منازعات الاستثمار
أبرمت سنة 1974 في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية اتفاقية  تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية ومواطني الدول الأخرى، تمخضت عن ميلاد المجلس العربي لتسوية منازعات الاستثمار، التي تنشأ بين دولة متعاقدة، ومستثمر يحمل جنسية دولة متعاقدة أخرى، وذلك عن طريق التوفيق أولا تم التحكيم.
والملاحظ أن هذه الاتفاقية تشبه في قواعدها ومضمونها اتفاقية واشنطن، غير أن هدفها يقتصر على جذب مستثمري الدول الأعضاء في مجلس الوحدة الاقتصادية العربية .
ويتطلب اللجوء لهذا المجلس رضى الأطراف، ولا يترتب عن مصادقة الدولة على الاتفاقية، إلزامها بضرورة تسوية منازعاتها الاستثمارية أمامه، بل لابد من موافقة الدولة والمستثمر.
ولولوج المجلس يلزم تقديم طلب من أحد أطراف النزاع لأمينه، ويبلغ الطلب للطرف الآخر للحصول على موافقته على عرض النزاع أمام هذه الجهة، ثم تشكل لجنة للتوفيق خلال 45 يوما من تاريخ تسجيل الطلب، على أن يكون عددها فرديا، وإن تعذر قيامها بالمطلوب، تشكل هيئة للتحكيم داخل أجل ثلاثين يوما من  تاريخ الطلب .
وبالنسبة للجنة التوفيق يقتصر نظرها على إصدار توصيات لحث الأطراف على إيجاد تسوية للنزاع، وفي حالة تعذر ذلك فإنها ترفع تقريرا إلى أمين المجلس حول إنهاء مهامها .
وبعد انتهاء مهمة هذه اللجنة تتولى هيئة التحكيم الفصل في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي يتفق عليها الأطراف، وفي حالة عدم اتفاقهم يطبق قانون الدولة المضيفة للاستثمار، وكذا قواعد القانون الدولي ذات الصلة.
وحسب المادتين 25 و26 من الاتفاقية فان قرار هيئة التحكيم يكون ملزما لأطراف النزاع وواجب التنفيذ في الدول المضيفة للاستثمار كما ولو أنه صادر عن محاكمها، غير أنه يجوز إصدار حكم تصحيحي أو تكميلي له، كما يجوز طلب إصدار حكم ببطلانه، إن كان هناك عيب في تشكيل الهيئة التحكيمية، أو تجاوزت اختصاصاتها، أو وقع تأثير على أحد أعضائها، أو خلا حكمها من ذكر الاسباب التي بني عليها ، أو خالفت الهيأة قاعدة إجرائية أساسية .
مما ذكر يتبين أن القاضي الوطني ملزم بتطبيق وإنفاذ الاتفاقية المذكورة بخصوص ما يصدر من مقررات تحكيمية عن المجلس العربي لتسوية منازعات الاستثمار المنبثق عنها، وتنحصر رقابته في التأكد من توفر إحدى الحالات المبررة للاستجابة لدعوى بطلان المقرر التحكيمي.
المبحث الثالث: دور القضاء في مراقبة وإنفاذ الأحكام التحكيمية الاستثمارية واتفاقية نيويورك
لو كان القضاء الوطني هو الوسيلة الوحيدة لاقتضاء الحقوق، لأحجم المستثمر الأجنبي عن استثمار أمواله في تلك الدولة، وحجته في ذلك جهله بقوانينها وإجراءات التقاضي أمامها، مع إمكانية اعتبارها خصما وحكما في ذات الوقت، لذلك ابتكر نظام التحكيم لبعث الطمأنينة لدى المستثمر الأجنبي ودفعه للإسهام في تدفق الاستثمارات الى الدول، وهكذا  نجد أن أغلب الدول تنص في قوانينها الاستثمارية  على إمكانية اللجوء للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات الاستثمارية، كما أفردت قوانين خاصة مستقلة أو مضافة لمساطرها المدنية تنظم مساطر التحكيم الوطنية والدولية .
وبالنسبة للمغرب، فقد أصدر المشرع سنة 1995 مدونة للاستثمارات أكد فيها على المبادئ الأساسية للامتيازات الضريبية والإدارية المقدمة للمستثمرين المحليين والأجانب، وفتح عبرها المجال للجوء الى التحكيم في إطار اتفاقيات الاستثمار التي توقعها الحكومة المغربية .
وبتاريخ 30 نونبر 2007 تم سن قانون للتحكيم ، نظم إجراءات التحكيم الداخلي والدولي ، وكيفية منح الصيغة التنفيذية للمقررات الصادرة بشأنهما .
وبالإضافة لما ذكر يمنح المغرب للمستثمر الأجنبي الضمانات القانونية الواردة بالاتفاقيات الثنائية للاستثمار، التي تتضمن مقتضيات موضوعية وإجرائية لحماية المستثمرين، وصل عددها الى حوالي 30 اتفاقية للاستثمار، أشارت لإمكانية اللجوء إلى التحكيم للفصل في النزاعات الاستثمارية .
وفي هذا الصدد فان الأحكام التحكيمية الصادرة في مجال الاستثمار، وفي غير ما هو صادر عن القضاء الدولي وعن قضاء تحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار أو المجلس العربي لتسوية منازعات الاستثمار، تبقى خاضعة لإجراءات اتفاقية نيويورك التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة بتاريخ 10/6/1958، والتي أصبحت هي الإطار القانوني لمنح الصيغة التنفيذية من طرف القضاء الوطني للأحكام التحكيمية الأجنبية.
ومن بين ما نصت عليه هذه الاتفاقية أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وأن تكون المنازعة مما يجوز التحكيم فيه، وأن يطلب الخصوم إحالة الأمر إلى التحكيم، وأن يكون اتفاق التحكيم صحيحا وقابلا للتطبيق، كما تطرقت إلى إجراءات طلب التنفيذ والشروط الشكلية الواجب توفرها لتنفيذ حكم تحكيمي أجنبي وإجراءات طلب وقف التنفيذ، ونصت الاتفاقية على شروط إصدار الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي، وهي تأكد القاضي الوطني المانح للصيغة التنفيذية من صحة اتفاق التحكيم، ومن عدم خرق حقوق دفاع أي من طرفي النزاع، وأن لا يكون  المحكمون قد تجاوزا اتفاق التحكيم، أو بتوا في أمر لم يتفق عليه، وأن لا تكون هناك مخالفة في تشكل هيئة التحكيم، أو مخالفة إجراءاته للقانون أو الاتفاق، وأن لا يكون حكم التحكيم غير نهائي.
وفي غير الحالات المذكورة الواردة باتفاقية نيويورك، فانه يجوز لقضاء الدولة بسط رقابته على المقررات التحكيمية الأجنبية، في حالتين وهما إن كان قانون الدولة لا يجيز حسم النزاع عن طريق التحكيم في مسالة معينة، وثانيهما إن خالف الحكم التحكيمي النظام العام الوطني.من خلال هذا العرض المختصر يتبين الدور المحوري الذي يضطلع له القضاء الوطني في تطبيق وإنفاذ الاتفاقيات الدولية في مجال منازعات الاستثمار، خاصة ما يتعلق برقابته على الأحكام التحكيمية الصادرة في هذا الميدان ودعم إنفاذها، وفي ذلك فهو يمارس مهامه بكل مسؤولية  واقتدار .
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات