عقد البيع يعتبر العقد أهم مصدر منشئ للالتزام بل أن المصادر الأخرى مجتمعة لا تتناسب معه بمفرده في الأهمية. فهو وحده ينشئ الأغلبية...
عقد البيع
يعتبر العقد أهم مصدر منشئ للالتزام بل أن المصادر الأخرى مجتمعة لا تتناسب معه بمفرده في الأهمية. فهو وحده ينشئ الأغلبية الساحقة من الالتزامات.
لم يعرف ق ل ع المغربي العقد خلافا لما فعله القانون المدني الفرنسي في المادة 1101 حيث عرف بأنه: "اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر و شخص آخر أو أكثر بإعطاء أو بعمل أو بالامتناع عن عمل شيء".
ويلاحظ أن عدم قيام المشرع المغربي بتعريف العقد يعتبر مسلكا سليما تنهجه مختلف التشريعات المدنية الحديثة، لأن التعريف مسألة فقهية يترك الأمر فيها لاجتهاد الفقه، ولا تدخل فيه مهمة المشرع.
ويمكن تعريف العقد كما يلي: " توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين، سواء كان هذا الأثر إنشاء الالتزام كما في عقد البيع (ينشئ التزامات في جانب كل من البائع والمشتري)، أو نقله كما في الحوالة ( تنقل الحق أوالدين من دائن لدائن آخر أو من مدين لمدين آخر)، أو تعديله (مثل الاتفاق على اقتران أجل بالالتزام أو إضافة شرط له)، أو إنهائه (مثل الوفاء الذي ينتهي به الدين)".
من خلال هذا التعريف يتضح أنه لقيام العقد يلزم توافر عنصرين أساسين:
• العنصر الأول: توافق إرادتين أو أكثر.
• العنصر الثاني: أن يتجه هذا التوافق إلى إحداث أثر قانوني.
والعقود لا يشملها الحصر، و لا تقف في عددها عن حد, و يظهر منها الجديد كل يوم، ويرجع ذلك إلى أن الحياة العملية في تطور مستمر, والقاعدة القانونية الثابتة أن لأفراد الحرية في إنشاء ما يرون من عقود طبقا لمبدأ سلطان الإرادة على أن لا تخالف النظام العام والآداب.
وتختلف تقسيمات العقود بحسب الزاوية التي ينظر منها إلى العقد.
أولا: من حيث تكوينها تنقسم إلى عقود رضائية وعقود شكلية وعقود عينية.
ثانيا: من حيث تنظيم الشارع لها تنقسم إلى عقود مسماة أو معينة وعقود غير مسماة أو غير معينة.
ثالثا: ومن حيث الأثر الذي تخلقه تنقسم إلى عقود ملزمة لجانبين وعقود ملزمة لجانب واحد.
رابعا: ومن حيث إمكان تحديد مدى التزام المتعاقد فيها تنقسم إلى عقود محددة القيمة وعقود احتمالية.
خامسا: ومن حيث المدة كعنصر في التنفيذ تنقسم إلى عقود فورية وعقود مستمرة أو عقود المدة.
سادسا: ومن حيث ما إذا كان عاقدها يأخذ مقابلا لما يعطي أو لا يأخذ تنقسم إلى عقود بمقابل أو عقود معاوضات، وإلى عقود بغير مقابل أو عقود تبرع.
سابعا: ومن حيث نطاق العقد حول ما إذا كان يقتصر على عملية قانونية واحدة أو يشمل عدة عمليات إلى عقود بسيطة وعقود مختلطة.
ثامنا: ومن حيث أسلوب انعقادها وكيفية حدوث التراضي بين أطرافها تنقسم إلى عقود مساومة وعقود إذعان.
تاسعا: ومن حيث إذا ما كان يتطلب قبول كل واحد من المتعاقدين أو يكتفي فيه بقبول الأغلبية إلى عقود فردية وعقود اجتماعية.
وبما أن المادة التي نحن بصدد دراستها هي العقود المسماة فإننا سنلقي نظرة موجزة على النوع الثاني من هذه التقسيمات والذي يشمل العقود المسماة والعقود الغير المسماة لأن الوقت لا يتسع لدراسة كل هذه التقسيمات.
والعقد المسمى هو ما خصه القانون باسم معين، وتولى تنظيمه لشيوعه بين الناس في تعاملهم.
ويمكن أن نعرفه بأنه "العقد الذي خصه القانون باسم معين وتولى تنظيمه بأحكام خاصة، إلى جانب القواعد العامة التي تحكم العقد بصفة عامة، وذلك لشيوعه و ... بين الناس في معاملاتهم".
أما العقد غير المسمى أو غير المعين فهو ما لم يخصه القانون باسم معين ولم يتول تنظيمه. فيخضع في تكوينه وفي الآثار التي تترتب عليه للقواعد العامة التي تقررت لجميع العقود، شأنه في ذلك شأن العقد المسمى، ولكنه لما كان أقل شيوعا لم يفصل المشرع أحكامه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة.
و الحكمة في إفراد تنظيم خاص لبعض العقود ترجع إلى أن العقود المسماة كثيرة الشيوع في المعاملات بين الناس، فرُئي تخصيصها بنصوص تفصل أحكامها تيسيرا على المتعاقدين حتى لا يضطروا إلى الخوض في تفصيلات لا يعرفون، أو لا يعرفون وضعها في عقودهم.
وعدم تسمية عقود أخرى من قبل المشرع لا يعني أنها تفتقد إلى اسم يحدد هويتها. فالواقع عندما يفرض التعامل في إطار عقد معين فهذا يعني أن الضرورة ستفرض تسمية هذا العقد لتمييزه عن العقود الأخرى التي قد تختلط به.
ومن أمثلة العقود غير المسماة عقد النشر الذي يتم بين المؤلف و الناشر، والاتفاق على إيواء نزيل في الفندق، واتفاق إدارة مستشفى مع كلية الطب على أن تضع الأولى تحت تصرف الثانية عددا من الأسرة لكي يباشر طلبة الطب فيها أبحاثهم على من يشغل هذه الأسرة من المرضى.
وقد يتبادر للذهن أن العقود غير المسماة لا تخضع لتنظيم القانون، والحقيقة أن المشرع قبل أن يبين أحكام العقود المسماة يبدأ ببيان الأحكام للعقد في نطاق نظرية عامة تشملالعقود أيا كانت صورها. وهذه الأحكام الأساسية تسري على العقود جميعها ما لم يرد بشأن بعضها حكم خاص.
وفضلا عن ذلك فالعقد الغير المسمى إنما يخضع للأحكام العامة للقانون، وللأحكام التي تستنتج عن طريق القياس بمقارنته بما قد يشابهه من العقود المسماة وهذا ما سار عليه قانون الالتزامات والعقود المغربي. فبعد أن خصص الكتاب الأول للالتزامات بوجه عام جاء في الكتاب الثاني وخصه لأحكام مختلف العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها.
وبالنسبة لق ل ع المغربي فقد راعى المشرع في تبويب العقود المسماة أن يقف عند الموضوع الذي يرد عليه العقد، فهناك عقود ترد على الملكية وهي البيع و المعاوضة والشركة والقرض والصلح، وعقود ترد على المنفعة وهي الإيجار و العارية، وعقود ترد على العمل وهي عقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة، وعقود الغرر وهي المقاصرة والمراهنة، والكفالة وهي إحدى عقود الضمان، و الرهن الحيازي.
وتعتبر القواعد التي أوردها المشرع في مجال تنظيم العقود المسماة قواعد خاصة، ولهذا فإنه يتعين الالتجاء إليها لتطبيقها على تلك العقود قبل القواعد العامة، فالنص الخاص يطبق بالأولوية على النص العام.
والعقود المسماة رغم أنها قليلة بالمقارنة مع العقود الغير المسماة التي لا تعد و لا تحصى، إلا أن أهميتها تتفاوت من عقد لآخر. ليبقى أهمها هو عقد البيع الذي يحتل مركز الصدارة ضمن قائمة العقود المسماة.
وما يؤكد هذه الأهمية أن مختلف التشريعات المدنية المعاصرة قد تناولت البيع قبل غيره من العقود الأخرى.
وهذه الأولوية في الترتيب نتلمسها أيضا في إطار الدراسات الفقهية الإسلامية التي عرضت للعقود المسماة. فغالبا ما يستهل هؤلاء الفقهاء كتاب المعاملات بباب البيوع باعتباره أهم هذه العقود جميعا. --الخصائص المميزة لعقد البيع
يتميز عقد البيع بمجموعة من الخصائص أهمها كونه عقدا ناقلا للملكية ينتمي لصنف العقود الملزمة للجانبين، وباعتباره من عقود المعاوضات، فهو ينبني على الرضائية في انعقاده كمبدأ عام.
أولا: البيع عقد ناقل للملكية.
نقل الملكية من البائع إلى المشتري يعد من أهم الخصائص المميزة لعقد البيع، حتى أن هناك من يسميه بالعقد الناقل للملكية. وإذا كانت هذه الخاصية محل إجماع فقهي وتشريعي في الوقت الحاضر، فإن الأمر لم يكن كذلك في التشريعات القديمة كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم حيث لم يكن البيع ناقلا للملكية ولا منشأ للالتزام بنقلها. كل ما كان من أثر البيع اتجاه البائع هو أن يرتب في ذمة هذا الأخير التزاما بتمكين المشتري من وضع يده على المبيع دون مانع، أما نقل الملكية إلى المشتري فكان يتم نتيجة إتباع إجراءات شكلية معينة مستقلة عن عقد البيع هي الإشهاد أو التنازل القضائي أو التسليم.
وعند صدور مدونة نابليون سنة 1804م أول ما تم إصلاحه هو جعل عقد البيع ينقل الملكية مباشرة من البائع إلى المشتري دون حاجة للتقيد بأي إجراء شكلي ما عدا في الحالات الاستثنائية التي يتطلب فيها سلوك إشهار أو كتابة رسمية من نوع خاص.
وقد سار ق ل ع المغربي على نفس النهج معتبرا أن عقد البيع يكفي لوحده لنقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري، وهذا ما يستخلص بوضوح من الفصل 491 ق ل ع الذي ينص على أن المشتري يكتسب بقوة القانون ملكية الشيء المبيع بمجرد تمام العقد بتراضي طرفيه.
ثانيا: البيع عقد ملزم لجانبين.
يدخل عقد البيع ضمن دائرة العقود الملزمة للجانبين. فهو ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من البائع والمشتري، فيصبح كل منهما دائنا ومدينا اتجاه الآخر.
وهكذا يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع وتسليمه للمشتري، في مقابل التزام هذا الأخير بتسليم المبيع ودفع ثمنه نقدا.
ويترتب عن وجود مثل هذه الالتزامات المتبادلة بين البائع والمشتري عدة نتائج نذكر منها:
- أنه إذا وقع التزام أحد الطرفين باطلا لأي سبب كان بطل التزام الطرف الآخر. وإذا انقضى التزام أحدهما لاستحالة الوفاء انفسخ العقد وانقضى التزام الطرف الأخر.
- إذا لم ينفذ أحد الطرفين التزاماته فإنه يجوز للطرف الآخر أن يطالبه ولو قضاءا بالتنفيذ العيني أو بفسخ العقد مع حقه في الحصول على التعويض.
ثالثا: البيع عقد رضائي كأصل عام.
ينص الفصل 488 ق ل ع على أنه: "يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى".
ومن خلال هذا الفصل يتبين لنا أن عقد البيع كمبدأ عام لا يحتاج لأي إجراء شكلي لانعقاده، بل يكفي فيه حصول التراضي بين البائع والمشتري على المبيع والثمن.
لكن رضائية البيع ليست من النظام العام. فقد يتفق المبايعان على أن البيع لا ينعقد إلا إذا تم في شكل يتفقان عليه كتدوينه في ورقة رسمية أو عرفية.. وفي هذه الحالة لا يكون العقد رضائيا، أي لا يكفي لانعقاده مجرد رضا الطرفين، ولا ينعقد إلا باستيفاء الشكل المتفق عليه.
كما أن الرضائية لا تكفي بالنسبة لبعض الأنواع من العقود كالبيع الوارد على العقار أو الحقوق العينية العقارية، أو الأشياء التي تكون موضوعا للرهن الرسمي، حيث أوجب المشرع تدوين هذه العقود كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون لهذا الغير أثر في مواجهة لغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون (الفصل 489 ق ل ع).
رابعا: البيع عقد معاوضة المقابل فيه نقدا.
يعتبر عقد البيع من عقود المعاوضات، ذلك أن كلا من طرفيه يأخذ مقابلا لما يعطيه. المشتري يحصل على ملكية المبيع، والبائع يحصل على الثمن الذي يلتزم أن يكون نقدا.
لذلك يعتبر عقد البيع من قبيل التصرفات القانونية الدائرة بين النفع والضرر يحتاج طرفيه إلى التوفر على أهلية التصرف.
ليست هناك تعليقات