المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

النخب المحلية وصناعة القرار المحلي

النخب المحلية وصناعة القرار المحلي هشام العقراوي طالب باحث حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية النخبة ...


النخب المحلية وصناعة القرار المحلي

النخب المحلية وصناعة القرار المحلي

هشام العقراوي طالب باحث
حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية
النخبة المحلية وصناعة القرار المحلي.
احتلت النخب دوما مكانة مركزية في الهرم السياسي، وقد ساهمت بدرجة عليا في تدبير صراعات المجتمع المحلي وتحولاته، لذلك اعتبرت الظاهرة النخبوية من أهم المواضيع التي التهب حولها النقاش، وتزايد الحديث حول أدوارها في التوجيه والتدبير على مستوى الحقول المجتمعية.
والنخبة تعتبر من الظواهر الملازمة لكل المجتمعات البشرية كيفما كان مستوى تطورها، كما أنها لا تقتصر على المجتمع في شمولية، بل إنها لصيقة أيضا بالمجتمع المحلي، وهذا ما يجعل البحث في مفهوم النخبة ضروريا، للوقوف عند التمييز الحاصل بين النخب الوطنية والنخب المحلية ( المطلب الأول ) .
وتكتسي دراسة النخبة المحلية أهميتها من الحركة الحاصلة بين مكوناتها في احتلال المواقع، حيث تتعدد آلياتها لاكتساح دوائر القرار المحلي ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول: الإطار العام لمفهوم النخبة.
  يعتبر مفهوم النخبة من المفاهيم التي فتح النقاش حولها منذ القرن السابع عشر، وقد شكل هذا المفهوم مصدرا أساسيا لفهم انقسام المجتمع إلى فئة حاكمة وأخرى محكومة، وبذلك فإن مقاربة هذا المفهوم وتحليل كيفية تأثيره على صنع القرار يستدعي البدء في تحديد مفهوم النخبة (الفقرة الأولى) .
والجدير بالذكر أن النخبة السياسية لم تعد تقتصر اليوم على البرلمانيين والوزراء وقادة الأحزاب، بل أصبح للنخبة المحلية دورا مهما في التأثير على صناعة القرار السياسي، فما المقصود بالنخبة المحلية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ماهية النخبة.
يعتبر ماكس فيبر من الأوائل الذين انتبهوا إلى أن مفهوم النخبة يحيل إلى وجود انقسام بين أقلية سائدة وأغلبية مسودة، وذلك عند حديثه عن أنماط السيطرة، فالمشروعية الكاريزماتية بحسب ماكس فيبر تنطوي على وجود أقلية تتمتع بخصائص فوق طبيعية تمكنها من الأخذ بزمام القيادة والتوجيه[1].
إلا أن رايت ميلز" من الذين أثاروا الانتباه إلى موضوع النخب حيث سيبين في كتابه "النخبة الحاكمة " أن هناك نخبة تمسك بزمام الأمور في مقابل شعب تابع ومقصي من دوائر الاشتغال.
واصطلاحا تشير النخبة إلى الجماعة الأكثر قوة أو نفوذا أو تأثيرا في المجتمع أي النخبة الحاكمة التي تمسك بزمام الأمور والحكم، والتحكم هنا لا ينسحب فقط على حقل السلطة السياسية، بل يتفرع إلى مختلف حقول المجتمع، أما لغويا فيتضمن معنى النخبة التفضيل أو التحسين أو الاختيار، وهناك من يستبدل مصطلح النخبة بالطليعة. ويعرف باريتو النخبة بأنها مجموع الناس الذين يظهرون صفات استثنائية ويتمتعون بكفاءات عالية في بعض المجالات أو بعض النشاطات[2].
والواقع أنه بالرغم من كل هذه التمايزات تبقى النخب في شكلها العام تلك المجموعة من الأفراد التي تملك من الخصائص والموارد الرمزية كالسلطة أو النفوذ ما يجعلها تتميز عن باقي أفراد المجتمع.
هذه المجموعة تشكل في جل المجتمعات أقلية إستراتيجية تتحكم في السلطة العامة، إنها حسب "جو واتربوري" النخب السياسية التي تستطيع أن تؤثر في مجال صنع القرار والتي بمقدورها التدخل في عملية توزيع منافع الدولة وفرض مطالبها.[3]
وتتحدد النخبة المغربية تبعا للتعريفات السابقة من خلال مجموعة من الأقليات التي تتوفر لها إمكانيات صنع القرار أو على الأقل المشاركة في بلورته أو بدرجة أدنى في التأثير على معنوياته، وتضم هذه الأقليات حسب جون واتربوري كل من الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الطلابية والمصالح الخاصة والضباط والعلماء والشرفاء والأسر الكبرى.[4]
ويعتبر أحد الباحثين المغاربة على أن النخب بالمغرب يتم إنتاجها من طرف السلطة، ففي الوقت الراهن نجد بأن"الملكية الجديدة" قربت منذ البداية إلى مركز السلطة الجيل الذي تربى مع العاهل الملكي "محمد السادس "في أحضان المدرسة المولوية والفضاء الجامعي فيما بعد، وهذا الجيل يمكن تسميته بالنخبة المولوية[5].
ويمكن القول بأن شبكات العلاقات والمصالح تلعب دورا حاسما في انبثاق النخب بالمغرب والتي لها تأثير على دوائر صنع القرار المحلي، وتشكل النخب المحلية في هذا الإطار قناة مهمة للتموقع داخل صفوة المجتمع. وسوف نركز اهتمامنا على النخبة المحلية لعلاقتها بموضوع رسالتنا.
الفقرة الثانية: مفهوم النخبة المحلية.
لقد أثار مفهوم النخبة المحلية العديد من النقاشات الشيء الذي جعل الباحثين ينكبون على دراستها لفهم المجتمع في شموليته. فماذا نعني بالنخبة المحلية؟
إن النخبة المحلية لا تخرج عن الإطار العام للنخب، والذي يتمثل في وجود أقلية أوليغارشية تتحكم في تدبير وسائل الإنتاج والإكراه على الصعيد المحلي بما يكفل لها توجيه وقيادة المجتمع المحلي بالتأثير على القرار المحلي أو بالمساهمة في صناعته، بل قد يصل الأمر إلى حد اتخاذ القرارات المحلية[6].
وإذا كانت النخبة على الصعيد الوطني ترتبط بالأمة وتهتم بالقضايا الوطنية والدولية، فإن النخبة المحلية تظل أكثر ارتباطا بمجالها المحلي، فالزعيم المحلي يحصر همومه في تحقيق مصلحة مدينته والاهتمام بمشاكلها دون أن يكثرت للقضايا الوطنية أو الدولية. 
إلا أن التطورات التي عرفها العالم في الفترة الأخيرة جعلت من الفاعلين المحليين أكثر انفتاحا على كل القضايا والمستجدات الخارجية، وذلك بالدخول في إطار الشراكة أو التوأمة والاتفاقيات
وفي هذا الإطار يمكن تعريف النخبة المحلية بأنها النخبة المكونة من أفراد المجتمع المحلي ذات التوجهات والأبعاد المحلية.
وبالتالي فإن اختزال النخبة المحلية في المنتخبين المحليين يجد أساسه في كون القائد والمقدمين والشيوخ يمكن أن ندرجهم في النخبة الإدارية التي تمثل السلطة المركزية محليا. ونفس الملاحظة يمكن إثارتها بشأن رؤساء الجماعات وبحكم الصورة التي يكونها عنهم المواطن المحلي في ذهنه كأفراد ذوو أصول اجتماعية رفيعة.[7] إضافة إلى الجاه والسمعة والثروة التي يتوفرون عليها، فإنهم تجذبهم لهفة أضواء دوائر القرار المحلي، ونظرا إلى نهج العديد من الطرق في الإقناع وشراء الأصوات، فإنهم يعدون الجزء الأهم داخل تركيبات المجالس الجماعية.
ومن هنا وبناءا على الاعتبارات السالفة الذكر، نحصر النخبة المحلية في المنتخبين المحليين الذين يشكلون الوجه الآخر للأعيان المحليين، وسنعمل على الإلمام بالظاهرة النخبوية المحلية من خلال إبراز كيفية اكتساحها لدوائر القرار المحلي.
المطلب الثاني: آليات النخبة المحلية في اختراق دائرة القرار المحلي.
نقصد بالآليات هنا مجموع الوسائل التي تعتمد عليها النخبة المحلية لغزو دوائر القرار المحلي من أجل الوصول إلى هرم السلطة السياسية على الصعيد المحلي. ويمكن التمييز في هذا الإطار بين القنوات الحزبية (الفقرة الأولى )، وأيضا العلاقات الزبونية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأحزاب السياسية.
تلعب الأحزاب السياسية دورا أساسيا في تمثيل المواطنين و التعبير عن احتياجاتهم. وبذلك فإن تواجد الأحزاب يهدف إلى قيادة وتوجيه الأفكار والإمكانيات والمقدرات توجيها مؤسساتيا منظما. وبذلك يشكل الانتماء إلى الحزب عادة الخضوع لنظام من التربية والتنشئة في سبيل إنتاج نخب ذات كفاءة، ومتمرسة في مجالات شؤون الحياة العامة وتوزيعها على مختلف المواقع بدءا بالمواقع المحلية[8].
و في هذا الإطار تشير الدراسات المنشغلة بتأصيل الظاهرة الحزبية بالمغرب إلى الأزمة البنيوية التي تعرفها الأحزاب،[9] فالحزب كمؤسسة مجتمعية لا يظهر له أثر في المغرب خارج الأطروحات الرسمية فكرا وممارسة، ويمكن تفسير أزمة الأحزاب السياسية المغربية بالإحالة على الدور الذي لعبته السلطة السياسية في تعميق الأزمة الحزبية في سياق محاولتها ضبط بعض التوازنات بناءا على حسابات سياسية خاصة مما أدى إلى وجود تعددية حزبية وليس تعددية سياسية.[10]
لقد أبانت التجربة الحزبية بالمغرب عن فشلها من خلال تفككها في العديد من اللحظات الحاسمة وعدم تعبئتها، بالإضافة إلى عدم توفرها على رؤية واضحة.[11]
إن كل هذه العوامل مجتمعة تحول دون إنتاج نخب محلية قادرة على تحمل مسؤولياتها، وحتى نقف عند حقيقة تخلف الأحزاب عن دورها الدستوري، وإبراز حجم الشرخ الحاصل
رغم أن المؤسسة الحزبية لازالت تعتبر أحد المعايير الرئيسية التي تقود نحو صالونات النخبة، ونحو كعكة المخزن،[12]  فإن طرق الحصول على التزكية غالبا ما يتم وفق طرق ملتبسة كالوساطة والشراء، فالحزب لا يتردد في قبول انضمام أي شخص كيفما كانت سيرته وهذا يؤدي حتما إلى عدم التزام النخبة المحلية بالبرنامج الحزبي وعدم الانضباط لفلسفته،
وبالتالي تتحول أغلب المعارك الانتخابية إلى منافسات بين المرشحين تكون فيها لعبة الشخصيات أهم من لعبة الأحزاب، [13] وتصبح بذلك الاستحقاقات الانتخابية تظاهرات تعمها الألوان والرموز مما يضفي عليها مظهرا احتفاليا يغطي على البرامج، هذه الأخيرة التي وصلت درجة كبيرة من التشابه، فالأحزاب بمختلف تكويناتها ترفع تقريبا نفس الشعارات






الفقرة الثانية: العلاقات الزبونية
تعد العلاقات الزبونية من بين المسارات التي يتبعها الأعيان المحليون، بعد عبور القناة الحزبية للحصول على عضوية المجلس الجماعي. تبقى العلاقات الزبونية هي الأكثر هيمنة بالمنطقة.
وتكمن إستراتيجية الأعيان المحليين في بناء وتدعيم العلاقات الزبونية عن طريق تعبئة وتجنيد بعض الفئات الاجتماعية عبر تبادل المصالح والمنافع، حيث تبقى مؤازرتهم ضرورية بالنسبة للنتائج التي يبحث عنها.[14] وبالتالي فإن وزن الأعيان المحليين يتحدد من خلال حجم وفعالية الشبكة الزبونية التي يتوفرون عليها، وبالتالي فعادة ما تبدأ هذه الإستراتيجية انطلاقا من الأنشطة التجارية الممارسة. وبما أن طالب السلطان الذي يراهن على العلاقات الزبونية كوسيلة لتحقيق مطلبه، فإن أول ما يقوم به هو انتقاء الزبناء من الذين يتعامل معهم.[15]
ولهذا فالأعيان المحليون يحاولون استقطاب ذوو التأثير و النفوذ داخل المنطقة بما يضمن ولاء وتبعية أفراد جدد منخرطين مسبقا ضمن هذه الشبكة من أغنياء البلد.
إن هذه الإستراتيجية المتمثلة في توطيد العلاقة الزبونية وتكوينها ليست حكرا على الأعيان المحليين، بل إن بعض الأحزاب التي تنادي بالديمقراطية لم تتوان بمجرد وصولها إلى الحكم  في إغراق الإدارات العمومية بالأطر المحسوبة عليها تعزيزا لنفوذها داخل تلك الإدارات و خارجها، وبالتالي فإن الكفاءة والشفافية والخبرة لا تكفي في هذا المجال للترقي في السلم المهني والاجتماعي.[16]
فعلى سبيل المثال في فرنسا، يقر "جون باديولو" Jean Padioleau   بأن الحزب الشيوعي الفرنسي(PCF)  ظل يعتمد في الحصول على مقاعده على صعيد البلديات الفرنسية على الإستراتيجية الزبونية، بتجنيد وتعبئة مناصريه داخل البلديات لتحويل الناخبين إلى زبناء.
أما في المغرب فقد استخدمت السلطة المركزية هذه الإستراتيجية خلال العديد من المحطات الحساسة، كما هو الشأن بالنسبة لحالة الاستثناء،  فأمام سوء تنظيم وغياب إستراتيجية واضحة للأحزاب السياسية المعارضة، وأمام الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، نجحت السلطة المركزية في تكريس قواعد تنبني على الزبونية[17].
وفي هذا الإطار نجد أن التقرب من الشخصيات وربط الاتصالات بها لازال حاسما في الحصول على وظيفة أو ترقية. وتذهب"أمينة المسعودي" في سبيل الفهم وهزم عسر المعنى بخصوص الإستوزار إلى القول بأن هذا الأخير يتوقف في جانب كبير على الرضا المخزني، بما يفيد أن التقرب من المخزن و الولاء له وربط علاقات معه، بدءا بتبادل المصالح مع النخبة الإدارية المحلية يعد أحد المسارب الأساسية لبلوغ القمة[18].
إن بلوغ مركز القرار ببناء علاقات زبونية، يمتد للتأثير في المواطن المحلي العادي، وتلجأ في هذا الإطار النخبة المحلية إلى عملية الإطعام الجماعي السالفة الذكر، واستخدامها في الحصول على أصوات انتخابية. وفي هذا الاطار يستغل الأعيان المحليين عادة فترة الانتخابات وخاصة أثناء الحملة الانتخابية أو قبلها ببضعة أسابيع لإقامة بعض الأعراس العائلية كحفلات الزفاف أو حفلات الختان لتقديم الكرم الزائد. وذلك بهدف كسب المزيد من الاصدقاء ذو النفوذ من أجل تسخيرهم لمصلحتها أثناء الانتخابات.
وفي الأخير نخلص إلى أن إستراتيجيات النخبة المحلية وقنوات اشتغالها تختلف من بلد إلى آخر، ففي فرنسا مثلا و بالرغم من بعض الاستثناءات كما رأينا مع الحزب الشيوعي الفرنسي، نلمس أن اللامركزية تعتبر نموذجا ثقافيا جديدا، يختلف عن ثقافة الأعيان التقليديين، حيث برزت طبقة سياسية محلية جديد في المجتمع الفرنسي، تتحدد هويتها في تنشئتها السياسية، فهي منسجمة أكثر وتقتسم إيديولوجيات المقاولة والتغيير.[19]
المبحث الثاني: النخبة المحلية بين رهان التمثيل ونجاعة التدبير
تجدر الإشارة إلى أن نشوء وتكون النخبة المحلية قد ساهمت فيه عوامل متعددة منها ما يرتبط بالإستراتيجيات الشخصية لأعضاء النخبة المحلية التي سبق أن تحدثنا عنها، ومنها ما يرتبط بالوضعية التي أرادها لها النظام السياسي (المطلب الأول)، مما يجعل التساؤل عن فعالية و كفاءة النخبة المحلية مشروعا، خصوصا وأنها أصبحت مدعوة للمساهمة في تحقيق التنمية المحلية والإجابة عن المطالب الاجتماعية للساكنة (المطلب الثاني) .




المطلب الأول: وضعية النخبة المحلية داخل النظام السياسي المغربي.
لقد عرف المجتمع المغربي تطورات سوسيوسياسية ساهمت بشكل كبير في تحديد طبيعة العلاقات التي تربط السلطة بالمجتمع، وغيرت بذلك علاقة السلطة المركزية بالنخبة المحلية، واتسمت هذه العلاقة على مدى تاريخ المغرب بالتذبذب، إلا أن دور السلطة في صنع أو تدمير النخبة المحلية يبدو واضحا ( الفقرة الأولى )، وفي أحسن الأحوال تكتفي النخبة المحلية بلعب دور وسائطي بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور السلطة المركزية في صناعة النخبة المحلية.
بالرجوع إلى تاريخ العلاقات بين السلطة المحلية والمخزن نجد أن التعيين والعزل يأتيان على رأس قائمة الوسائل التي كان يلجأ إليها هذا الأخير لإيصال بعض الزعامات إلى
مواقع السلطة ولإبعاد أو إضعاف أو تدمير غيرها، والأمثلة على هذا المعطى ليست بقليلة[20]، والحقيقة أن بعض تلك الأساليب ما يزال معمولا بها إلى يومنا هذا.
ويبقى السؤال المطروح هنا: هو كيف تعمل السلطة المركزية على صنع النخبة المحلية وإعادة إنتاجها؟
إن السلطة المركزية في إنتاجها للنخبة المحلية تلجأ إلى العديد من الوسائل، ويبقى مدها بالدعم المادي والمعنوي أهمها دون منازع. فالسلطة المركزية ممثلة في السلطة المحلية لا تتوانى في حمل بعض الفعاليات المحلية إلى واجهة الساحة السياسية المحلية و تقريبها منها، وإعطائها الحظوة لديها، والاستجابة لبعض طلباتها وطلبات زبنائها، حتى ولو كانت بعض تلك الطلبات حقوقا واجبة، كالحصول على وثيقة إدارية في وقت وجيز مثلا أو دون الإدلاء ببعض الوثائق اللازمة للحصول عليها.  وبفعلها هذا، تعمل السلطة على تعزيز نفوذ هذه الفعاليات والزيادة من شهرتها. ويكفي في بعض الأحيان، أن يقرب إداري (وخاصة القائد أو الباشا)شخصا، ويسمح له بالدخول عليه من غير استئذان، والمثول بجانبه أمام العامة في بعض المناسبات الخاصة، والاستقبالات الرسمية مثلا، لترى العامة تحوم من حول ذلك الشخص وتسعى إلى التقرب إليه بجميع الوسائل[21].
أما اليوم فإن دعم السلطة لبعض مكونات النخبة المحلية أو ما تسميه "أمينة المسعودي" بالرضا المخزني يتخذ أشكالا أكثر حداثة، حيث تحظى هذه النخبة بحصة الأسد من الرخص التجارية ورخص النقل والمقالع واستغلال المعادن والصيد البحري وإنجاز التجزءات"[22].
والجدير بالّذكر أن السلطة المركزية في إطار عملية إنتاج وإعادة إنتاج فئة اجتماعية محددة من المقربين من النخبة المحلية، إنما يكون بهدف استخدامها للقيام بدور المساندة المطلقة للعب دور الوساطة بينها وبين المجتمع المحلي، فكيف تمت هذه الوساطة؟
الفقرة الثانية: النخبة المحلية ودورها الوسيطي.
لقد لعبت النخبة المحلية في تاريخ المغرب أدوارا مهمة في توجيه السياسة والحفاظ على استقرار النظام السياسي. وبذلك شكلت النخبة المحلية وخصوصا القروية منها، ورقة رابحة للنظام السياسي المغربي في السنوات الأولى للاستقلال.[23] وخلال النصف الثاني من القرن العشرين اتسم المجتمع المغربي بالعلاقة التصارعية  بين نخب وطنية ذات أصول مدينية وتتمثل في الحركة الوطنية، ونخب قروية تقليدية تم وصفها بأنها مناهضة للتحديث.
وقد نجحت السلطة المركزية في استعمال العالم القروي عبر وساطة النخب المحلية للوقوف كسلطة مضادة أمام باقي القوى السياسية، وذلك بإدماج الأعيان المحليين في الشبكة الإدارية كأعضاء، وإعطاء أبعاد سياسية للاستشارات الجماعية وبالتالي جعل القيادة السياسية بيد الملكية[24].
وقد كانت النخبة القروية تعتبر مالكة، بل محتكرة لملايين الهكتارات من الأراضي الفلاحية، و قد أثبتت بعض الدراسات أن أغلب رؤساء المجالس الجماعية القروية هم الأعيان الأكثر شهرة، و الذين ينتمون إلى عائلات مهمة ومنبثقة من القبائل الأكثر غنى ونفوذا، وبعضهم أحد أبناء أو حفدة قواد سابقين وكثيرا منهم يستفيدون من عدة امتيازات، وهو ما أهلهم للعب عدة أدوار تمثيلية على الأقل على المستوى الرمزي، لكن يمكن القول أن مهامهم انحصرت في مراقبة المجتمع المحلي كشبكة موزعة على الإدارة السياسية  والتقنية وهو معطى كافي ليؤكد وزنهم داخل النظام[25].
والواقع أن النخبة المحلية مازالت تلعب دور الوسيط إلى الآن وبصيغ مختلفة عن السابق، وفي هذا الإطار يسمح لنا هذا البحث الميداني بمدينة ابن جرير بالوقوف عند التمثلات الاجتماعية التي يحملها المنتخبون المحليون، حيث يتمثل هؤلاء أنفسهم بمجرد نجاحهم في الانتخابات الجماعية بأنهم ولجوا الدائرة المخزنية وانخرطوا بالتالي ضمن الأدوار التقليدية للنخبة المحلية، حيث يحصرون مهامهم الانتدابية في لعب دور الوساطة بين السكان والسلطة المحلية، وهو ما يفيد في تمثلاتهم و ممارساتهم أن السلطة الإدارية المحلية تعتبر بحق مركز القرار المحلي.
المطلب الثاني: مدى نجاعة النخبة المحلية في التدبير المحلي.
لقد أدى اتباع نظام اللامركزية إلى الاعتراف بالوجود القانوني لمؤسسات عمومية، عهد إليها بتدبير شؤون الجماعة، وتضم هذه المؤسسات أعضاء يتغير عددهم حسب الأهمية السكانية للجماعة. ونقصد بالنخبة المحلية الأعضاء الجماعيين، الذين يشاركون بقوة القانون قي تدبير شؤون الجماعة، والمطالبين بالمساهمة في تحقيق التنمية المحلية.
فإلى أي حد استطاعت النخبة المحلية الإجابة عن المطالب الاجتماعية المحلية (الفقرة الأولى)، وكيف تؤثر طبيعة التركيبة البشرية السياسية والسوسيو اقتصادية على أداء النخبة المحلية ( الفقرة الثانية ). 
الفقرة الأولى: النخبة المحلية ومنطق التدبير الفعال.
إن النخبة المحلية وفي مسايرتها لمتطلبات الدينامية الاجتماعية المحلية تقوم بالمساهمة المباشرة في عملية صناعة القرار المحلي عبر مختلف المقترحات والمبادرات والتعديلات التي تتقدم بها بهدف ضمان فعاليتها وكفاية مردوديتها، لكي تتناسب مع حاجيات المجتمع المحلي . ولهذا فالمنتخب ملزم بأن يصبح منفذا استراتيجيا لأهم الاختيارات المعروضة، فهذه الأخيرة هي المسألة المهمة بالنسبة للمقرر السياسي حيث تمكن المنتخب من وضع حد لانتظارات عدد كبير من الناخبين. فالمواطنون بصفتهم أفراد داخل الجماعة يتوخون تحقيق فعالية وكفاية مطالبهم تجاه النخبة المحلية التي أكسبوها مشروعية التفكير والتخطيط باسمهم فيما يخص مصالحهم.
الفقرة الثانية: تأثير التركيبة السوسيوسياسية والمهنية على أداء النخبة المحلية.
تعتبر المحددات القانونية والمؤسساتية غير كافية لإبراز دور النخبة المحلية في التأثير على القرارات المحلية، بل إن سلوك وطريقة عمل المنتخبين المحليين بالإضافة إلى الشروط الموضوعية التي ينبغي توفرها فيهم، تبقى المحدد الأساسي لفهم وتقدير مبدأ فعالية النخبة المحلية في مزاولتها لمهامها داخل المجالس الجماعية.
وعلى هذا الأساس فالمؤهلات الدراسية تعد من أهم العوامل التي ينظر إليها بعين الاعتبار عند دراسة النخب. وهو ما يدفعنا للحديث عن المستويات التعليمية للمنتخبين المحليين بالجماعة الحضرية لابن جرير، وذلك كمدخل لفهم طبيعة مساهمتهم في الشأن المحلي.
:





[1].ابراهيم أبراش: " علم الاجتماع السياسي"، الطبعة الأولى 1998  ، دار الشروق للنشر و التوزيع،عمان ـ الاردن، ص:121 .
[2] مرجع سابق ،ص 124 .
[3] جون واتربوري: :  مرجع سابق ،ص :135 .
 [4]: مرجع سابق ،ص :135 .
[5] عبد الرحيم المنار اسليمي : "موت نخب الاستقلال وميلاد نخبة مولوية جديدة " وارد في وجهة نظر العدد 11 ،2002 ، ص :15 .
[6] يوسف الخزاعي : مرجع سابق، ص:105 ـ106.
[7]   حماني اقفلي: مرجع سابق ،ص :23 .
[8] محمد لمساعدي: "تمثلات الديمقراطية عند الشباب المغربي، دراسة ميدانية بمنطقة ابن جرير"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة القاضي عياض،كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية، مراكش 2003ـ2004 ،ص: 81 .

[9] محمد ضريف : " الأحزاب السياسية المغربية من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1934 ـ1949" ، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي ، مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء ،2002 ،ص:2 .
[10] محمد ضريف : مرجع سابق ،ص: 6 ـ7 .
[11]  Sallah edine Berrahou :  op,cit, p:170 .
[12]   عبد الرحيم العطري : مرجع سابق، ص : 69 .

[13]  محمد معتصم : " الحياة السياسية المغربية (1962 ـ1991 )"، الطبعة الاولى ، 1992 مؤسسة ايزيس للنشر، الدارالبيضاء، ص :123 .
[14].عبد القادر الناجي:"    مرجع سابق، ص: 76 .
                           
[15]  حماني اقفلي : مرجع سابق ، ص : 310 .
[16] عبد القادر الناجي: مرجع سابق،ص77 .
[17] Sallah edine Berrahou : op.cit, p : 195
[18]  أمينة المسعودي: مرجع سابق، ص: 87.
[19] عبد المالك ورد : " الفعل العمومي المحلي رهان السياسات العمومية "، وارد في وجهة نظر ، العدد 27 شتاء 2005 ،ص : 23
[20] رحمة بورقية :" الدولة والسلطة والمجتمع "، دراسة  في الثابث و المتحول في علاقة الدولة بالقابل في المغرب، دار الطليعة، بيرووت، الطبعة الأولى،1992 ، ص: 72 .
[21] حماني أقفلي: مرجع سابق، ص: 23 .
[22] أمينة المسعودي : مرجع سابق، ص:86 .
[23] مصطفى مكتوب :" محددات القرار السياسي: مساهمة سوسيولوجية لصناعة القرار السياسي: المغرب/ الجزائر"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام مراكش 2001ـ2002 ، ص :186 .
[24] Sallah edine Berrahou : op.cit, p :203-210 . 
[25] مصطفى مكتوب: مرجع سابق، ص 187 .
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات