المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

دور الضبط في تقييد حرية الرأي والتعبير في الجزائر

دور الضبط في تقييد حرية الرأي والتعبير في الجزائر مقدمة: تعد حرية الرأي والتعبير من أهم الحريات السياسية الأساسية المقررة للمواطن،...


دور الضبط في تقييد حرية الرأي والتعبير في الجزائر


مقدمة:
تعد حرية الرأي والتعبير من أهم الحريات السياسية الأساسية المقررة للمواطن، وذلك باعتبارها احدى الركائز الأساسية لتجسيد مبدأ الديمقراطية في أرض الواقع، اذ لا مجال للحديث عن الديمقراطية ودولة القانون بدون حرية التعبير والرأي بمختلف أشكالها.
غير أن ممارسة هذه الحرية ليست مطلقة بل تحدها جملة من القيود، من بينها ضرورة الخضوع لاعتبارات النظام العام، الذي تسهر سلطات الضبط الاداري على تجسيده في الميدان من خلال تقييد حرية الرأي والتعبير في حالة ما اذا كان من شأنها المساس بالنظام العام في الدولة. غير أن الاشكال الذي يثور من الناحية العملية هو كيفية التوفيق بين حماية النظام العام دون انكار حرية الرأي والتعبير؟
أولا: التكريس القانوني لحرية الرأي والتعبير
تعد حرية الرأي والتعبير العمود الفقري للحريات السياسية، مما دفع بالمجتمع الدولي الى التعبير صراحة على ضرورة تكريسها في القوانين الداخلية للدول والعمل على وضع الاطر القانونية لتسهيل ممارستها.
1/ تكريس حرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية:
يعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1948 اللبنة الأولى لحرية الرأي والتعبير، حيث نصت المادة 19 صراحة على أن:" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، وبشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".[1]
نفس المبدأ أكدت عليه العهد الدولي للحقوق والمدنية والسياسية في المادة 19:" لكل انسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. لكل انسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".[2]
2/ تكريس حرية الرأي والتعبير في الدستور:
كما اعتنق المؤسس الجزائري هذا التوجه منذ الدستور الأول للجمهورية الجزائرية لسنة 1993 حيث نصت المادة 19 منه على أن:" تضمن الجمهورية حرية الصحافة، وحرية وسائل الاعلام الأخرى، وحرية تأسيس الجمعيات، وحرية التعبير...".[3] كما أكد المؤسس الجزائري على تكريس حرية الرأي والتعبير في دستور 1976 وذلك في المادة 53 التي جاء فيها:" لا مساس بحرية المعتقد ولا بحرية الرأي". وكذلك في المادة 55 التي جاء فيها:" حرية التعبير والاجتماع مضمونة...".[4]
لقد أدت الأحداث التي عرفتها الجزائر في نهاية الثمانينات الى اعادة النظر في النظام السياسي والاقتصادي الذي انتهجته الدولة الجزائرية، وذلك لمواجهة الازمة المتعددة الجوانب ومواكبة التطورات في شتى الميادين. ولعل أهم اصلاح يكمن في اعادة النظر في المنظومة القانونية انطلاقا من الدستور باعتباره الوثيقة الاساسية التي تبين القيم والمبادئ والمقومات التي تقوم عليها الأمة الجزائرية.
يعد دستور 1989 دستورا تحرريا لما تضمنه من نقلة نوعية في مجال تكريس دولة القانون[5]، وذلك بتكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز الحقوق والحريات، ومن بينها حرية الرأي والتعبير حيث نصت المادة 35 على أنه:"  لا مساس بحرية المعتقد وحرمة حرية الرأي". وتضيف المادة 39 بأنه:" حريات التعبير .... مضمون للمواطن".[6]
نفس التوجه أكد عليه المؤسس الجزائري في الدستور الحالي وذلك في المادة 42:" لا مساس بحركة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي". والمادة 48:" حريات التعبير ... مضمونة للمواطن".[7]
يتضح جليا أن المؤسس الجزائري أعطى لحرية الرأي والتعبير المكانة التي يليق بها لكونها ركيزة الحريات السياسية، ومرآة تعكس مدى تبني أي نظام لمبادئ الديموقراطية، ودولة القانون.
غير أن النص في القوانين على حرية الرأي والتعبير لا يمع الدولة من خلال سلطات الضبط الاداري من تقيدها في حالة ما اذا كان لممارستها تشكل تهديدا للنظام العام.
ثانيا: تقييد حرية الرأي والتعبير لاعتبارات النظام العام
تعتبر الحرية حقا طبيعيا للإنسان ومبدأ دستوريا، إذ أن أغلب دساتير الدول الديموقراطية المعاصرة كرستها، و وضعت لها مجموعة من الضمانات قصد صيانتها من كل الإعتداءات، لاسيما في مواجهة السلطات الإدارية. إلا أن تكريس هذه الحريات في الدستور بإعتباره القانون الأسمى في الدولة لا يعني إطلاقها بلا قيد وضابط، بل هي نسبية تخضع ممارستها للقيود التي يقررها القانون، كحماية حقوق وحريات الغير، ومراعاة متطلبات النظام العام.
1/ الأساس القانوني لسطة المشرع في تقييد حرية الرأي والتعبير
لقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 10-12-1948، على هذا الإلتزام حيث نصت المادة 29 على أنه: " يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الإعتراف بحقوق الغير وحرياته وإحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديموقراطي."
       ومن هذا المنطلق، فإن المشرع هو المختص أصلا في تحديد الإطار القانوني الذي تمارس في ظله تلك الحقوق والحريات المعترف بها للأفراد والمكرسة في الدستور.[8]
       ولعل السبب في ذلك يكمن في كون المشرع لا يميل إلى الطغيان أو التضييق على الحريات، لأنه هو المعبر عن إرادة الشعب، وهو حريصا في قوانينه على أن يضمن للأفراد ممارسة حرياتهم. 
       بالرجوع إلى الدستور الجزائري الصادر في 28-11-1996 المعدل والمتمم نجد أن المشرع أكد صراحة هذا المبدأ، وذلك من خلال نص المادة 140 الفقرة 1 التي جاء فيها: " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، وكذلك في المجالات الآتية:"
- حقوق الأشخاص و واجبا تهم الأساسية لاسيما نظام الحريات العامة...".
       إلا أن المشرع ليس الوحيد الذي يتدخل في مجال تنظيم ممارسة الحريات العامة، بل للسلطة الإدارية دورا لا يستهان به في هذا المجال، بإعتبارها المسؤولة عن حماية وصيانة النظام العام بما لها من سلطة الضبط الإداري.[9]
2/ تقييد حرية الرأي والتعبير من طرف سلطات الضبط الاداري
 يقصد بالضبط الإداري كل الأعمال والإجراءات والأساليب القانونية والمادية، التي تتخذها السلطات الإدارية المختصة، وذلك بهدف ضمان المحافظة على النظام العام بطريقة وقائية منتظمة ودائمة.[10]
       ومهما كانت الجهة المكلفة بممارسة نشاط الضبط الإداري، فإن هذا الأسلوب يعد أشد أساليب تدخل السلطة الإدارية وطأة على الحرية، وذلك لما تتمتع به السلطات الإدارية الضبطية من إمتيازات السلطة العامة، كإصدار القرارات الإدارية الضبطية بالإرادة المنفردة.  ولها من القوة ما يكفل لها حق تنفيذها بالطرق المباشرة والجبرية دون حاجة للجوء إلى القضاء.
أ/ مفهوم النظام العام
إذا كان النّظام العام هو الهدف الوحيد لنشاط الضّبط الإداري، ومعيارا لتحديد نطاقه    وحدوده، فإن الفقهاء لم يختلفوا في أمر كإختلافهم في تعريف النظام العام وتحديد مضمونه. حيث تعددت التعريفات تعداد يكاد لا ينتهي، وتباين بالتالي النظام العام من حيث مضمونه ونطاقه. 
       ومرد ذلك كون النظام العام مفهوم مرن يتأثر بالأفكار الدينية، الفلسفية، والنظم الإجتماعية، الإقتصادية والسياسية السّائدة في المجتمع، وهذا بإختلاف الأزمنة والأمكنة ومن نظّام حكم لآخر.
       لقد إرتبط مفهوم النظام العام بمفهوم وظيفة الدولة، حيث كان دورها التقليدي يكمن في الدفاع وحماية المجتمع من كل الإضطرابات، دون التدخل في مجال النشاطات الفردية المتروكة للمبادرة الحرة للأفراد. وعليه، جاء المفهوم الكلاسيكي للنظام العام مفهوما سلبيا يقتصر على عدم وجود الإضطراب.
يقصد بالنظام العام وفقا للفقه التقليدي عدم وجود الفوضى والإضطراب. فهو ذلك النظام المادي الذي يستهدف تحقيق حالات واقعية ملموسة. ولقد أكد الفقيه هوريو على هذا المعنى بقوله أن: "النّظام العام حالة فعلية معارضة للفوضى.[11]
إلا أن هذا المفهوم الكلاسيكي لم يعد يغطي كل جوانب تدخل سلطات الضبط الإداري، التي لم تتوقف عند حد حماية و كفالة الحياة المادية للأفراد، بل أيضا حماية الحياة المعنوية والأخلاقية إستجابة للأفكار الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع. كما توسع نشاط الضبط الإداري، ومنها مضمون النّظام العام ليشمل الجانب الجمالي الذي أصبح مطلبا عالميا، تحت تأثير المنظمات والجمعيات المدافعة عن البيئة والطبيعة. فحماية البيئة والطبيعة، وجمال المدن، أصبح   مطلبا   أساسيا، لا سيما في الدول المتحضرة.
يتضح جليا أن فكرة النظام العام فكرة مطاطة تتغير بتغير ظروف الزمان والمكان، مما بحيث ما يمكن اعتباره مساسا بالنظام العام في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر، وما يمكن اعتباره مساس بالنظام العام في زمن ما قد لا يكون كذلك في وقت آخر.
ومهما كان اتساع أو ضيق مجال ودائرة النظام العام، فان سلطات الضبط الاداري يحق لها اتخاذ التدابير التي ترها ضرورية بهدف صيانته بصفة وقائية من كل ما من شأنه أن يؤدي الى تعكيره بسبب ممارسة المواطنين لحقوقهم وحرياتهم لاسيما حرية الرأي والتعبير.
ب/ التزام سلطات الضبط الإداري بالتوفيق بين حرية الرأي والتعبير وإعتبارات النظام العام
تلتزم سلطات الضبط الإداري الوطنية والمحلية بالتوفيق بين مقتضيات صيانة وحماية النظام العام، وضرورة حماية الحريات العامة المقررة والمضمونة للأفراد ومنها حرية الرأي والتعبير[12]، وذلك طبقا لقاعدة مفادها أن الحرية هي الأصل والتقييد هو الاستثناء.[13]
إذا كان هذه المسألة تبدو للوهلة الأولى أنها مسألة بسيطة فانه من الناحية العملية مسألة معقدة للغاية، لكون تدخل سلطات الضبط الإداري ينصب على حريات عن طريق جملة من الاجراءات والتدابير التي تتضمن في فحواها تقييد وتضييق نطاق ممارسة هذه الحريات.
لقد ترتب على خطورة أساليب الضبط الإداري على حرية الرأي والتعبير إلى تقرير مبدأ اخضاع جل تصرفات وإجراءات الضبط الإداري الى رقابة القضاء، بإعتبار هذا الاخير الحامي للحقوق والحريات.
خاتمة:
يتبين من خلال هذه الدراسة مدى أهمية حرية الرأي والتعبير باعتبارها من أهم الحريات الأساسية للمواطن، مما يساهم في تجسيد وتعزيز دولة القانون. هذا ما دفع المؤسس الجزائري الى النص عليها صراحة في الدستور باعتباره القانون الأسمى في الدولة.
غير أن حرية الرأي والتعبير ليست حرية مطلقة، بل تخضع الى تقييد سواء من طرف المشرع عن طريق القانون، او من طرف سلطات الضبط الاداري عن طريق جملة من التدابير والإجراءات الادارية.
ومن اجل تفادي اتجاوز سلطات الضبط الاداري لحدودها، وعدم تسييس النظام العام خدمة لمصالح معينة فان المؤسس الجزائري أقر صراحة مبدأ خضوع اجراءات الضبط الاداري المقيدة لحرية الرأي والتعبير لرقابة القضاء الاداري.
الهوامش:





[1]- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د- 3) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948.
[2]- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي إعتمد وعرض للتوقيع والمصادقة والإنضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 23 مارس 1976.
صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 16 ماي 1989، ج. ر عدد 20، صادر بتاريخ 17 ماي 1989.

[3]- دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية لسنة 1963، ج. ر عدد 64  صادر في  10 سبتمبر 1963.
[4]- دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية لسنة 1976 صادر بموجب أمر رقم 76-97 مؤرخ في 22 نوفمبر 1976، يتضمن إصدار دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، ج. ر عدد  94 صادر في 24 أكتوبر 1976.
[5]- راجع كذلك: مفهوم ومضمون الحريات الأساسية في الدستور الجزائري"، مداخلة ألقيت ضمن أشغال الملتقى الدولي الثالث بعنوان:" دور القضاء الإداري في حماية الحريات الأساسية"، المنظم من طرف المركز الجامعي بالوادي، معهد العلوم القانونية والإدارية أيام 28-29 أبريل 2010.
- BEKHECHI (M.A), « Variation autour d’un demi-siècle de production juridique algérienne », in: Cinquante ans après, la part du droit, ouvrage collectif sous la direction de LAGGOUNE (W), t1, Ed Ajed, 2013, p 176.
[6] - دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية لسنة 1989 صادر بموجب مرسوم رئاسي رقم 89-18 مؤرخ في 28 فيفري 1989 يتعلق بنشر نص تعديل الدستور الموافق عليه في إستفتاء 23 فيفري 1989، ج. ر عدد 9 صادر في 1 مارس 1989.
[7]- دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية لسنة  1996 صادر بموجب مرسوم رئاسي رقم 96-438 مؤرخ في 07 ديسمبر 1996 يتعلق بإصدار نص تعديل الدستور، المصادق عليه في إستفتاء 28 نوفمبر 1996، ج. ر عدد 76 صادر في 08 ديسمبر 1996. معدل ومتمم بموجب قانون رقم 02-03 مؤرخ في 10 أبريل 2002، ج. ر عدد 25 صادر في 14 أبريل 2002، وبموجب قانون رقم 08-19 مؤرخ في 15 نوفمبر 2008، ج. ر عدد 63 صادر في 16 نوفمبر 2006، معدل ومتمم بموجب القانون رقم 16-01 المؤرخ في 05 مارس 2016، ج. ر عدد 14 صادر في 07 مارس 2016.

[8] - LAJOIE Jean-louis, "La Troisième Constitution Algérienne : L’abandon de la référence socialiste, ou le citoyen contre le militant – travailleur", In Revue de Droit Public, Septembre-Octobre 1989, p 1329.
[9]- رقية المصدق، الحريات العامة و حقوق الإنسان، الطبعة الأولى، النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1999، ص 94. 
[10]- عمارعوابدي، " الجوانب القانونية لفكرة البوليس الإداري"، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية، الإقتصادية والسياسية، العدد 04، 1987، ص 1031.
[11]- موريس هوريو، مطول القانون الإداري، باريس، 1950، ص 25. عن: عمور سيلا مي، الضبط الإداري البلدي في الجزائر، بحث لنيل شهادة الماجستير في الإدارة والمالية العامة، معهد العلوم القانونية و الإدارية، جامعة الجزائر، 1988،   ص 55.
[12] - ROBERT Jacques, « Terrorisme, ideologie sécuritaire et libertés publiques », In Revue de Droit Public, Novembre - Décembre 1986, p 1651.
[13] - MORANGE Jean, Droits de l’homme et libertés publiques, 2eme édition, P.U.F, Paris, 1995,    p 80.
تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات