دور النخب السياسية والأعيان في صناعة القرار السياسي الباحث : العثماني العاقل باحث بسلك الدكتوراه جامعة عبد المالك السعدي ت...
دور النخب السياسية والأعيان في صناعة القرار السياسي
تقديم:
لا شك أن هناك علاقة جدلية بين النخب السياسية
والإدارية والأعيان ودورهما في رسم معالم السياسات العمومية، بمختلف مستوياتها
القطاعية والترابية، فالنخبة السياسية تعتبر من بين الظواهر الجديرة بالاهتمام والدراسة
والتحليل، نظرا لتأثيرها البالغ في المشهد السياسي عموما والفعل السياسي خصوصا،
فتقدم الدول وازدهارها ورفاهيتها رهين بمدى توفرها على نخب سياسية وادارية فاعلة
في شتى المجالات والميادين، واستعدادها الى الانخراط بكل مسؤولية في منظومة القيم
الاجتماعية والاقتصادية خدمة للصالح العام، لتلعب دورا هاما في صناعة القرار
وتوجيه السياسات العمومية على الرغم من قلتها وصعوبة وصولها لمركز صناعة القرار، وتشمل
هذه النخب مجموعة متنوعة من الشخصيات والمؤسسات التي تمتلك الخبرة والتأثير في
المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما يمثل الأعيان الطبقة التي تحظى
بمكانة اجتماعية مرموقة، نتيجة توفرها على الثروة التي ترتبط أساسا بالأصل
الاجتماعي، ويمكن لبعض الفاعلين السياسيين أن يجمعوا بين الصفتين معا، صفة الاعيان
وصفة النخبة، لاعتبارات اقتصادية، تاريخية وبناء على التجارب التي يراكمنها طيلة
مساراتهم المهنية، حيث تتصدر هاتين الفئتين المشهد السياسي على المستوى العالمي،
وتتحكمان في صناعة القرار الاقتصادي الذي يقودهم في النهاية الى التحكم في صناعة
القرار السياسي، حيث يقوم القادة السياسيون والمؤسسات الحكومية التي يشرفون على
تدبيرها، بوضع السياسات الاقتصادية، مثل الضرائب، والاستثمارات العامة، والتجهيزات
والبنيات التحتية الأساسية المرتبطة بالقطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والتشغيل،
وغيرها، والتي تؤثر بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي، وتوزيع الثروة في المجتمع،
كما يلعب الاقتصاد بدوره، أدوارا محورية وأساسية في وصول الأعيان الى السلطة،
واكتساب مكانة عمومية مرموقة، تنضاف الى مواقعهم الاجتماعية والاقتصادية، وبذلك،
فان النخب السياسية، الادارية والأعيان، يشكلان معا ثنائية التدبير العمومي، في
مختلف التجارب والأنظمة السياسية العالمية، على الرغم من العلاقة المتشنجة التي
يطبعها صراع اثبات الذات بين الطرفين من أجل المسيطرة والمهيمنة على الواقع
السياسي بتمفصلاته الاجتماعية والاقتصادية، ففي كثير من التجارب السياسية
الدولية، ساهم تشنج العلاقة بين النخب الأعيان
في احداث شروخ وانقسامات أدت في الأخير الى تعطيل الحياة السياسية، وهو ما أدى في
الأخير الى انتاج اوضاع اجتماعية تطلبت الكثير من المقاربات الاستعجالية لتجاوز
أثارها السلبي.
وعليه، سنحاول ضمن هذا المقال، دراسة تأثير النخب
السياسية والاعيان في صناعة القرار السياسي، انطلاقا من السياق العام للظاهرتين
وتمثيلاتها ضمن عدد من التجارب السياسية، منها التجربة المغربية، باعتبارها واحدة
من التجارب الرائدة على المستوى الافريقي والدولي في مجالات اللامركزية واللاتمركز
ومشاركة الرأي العام بمختلف مكوناته في صناعة السياسية العمومية والبرامج
والمشاريع ذات البعد المحلي.
أولا: تأثير النخب السياسية في صناعة
القرار السياسي
تعتبر النخبة السياسية من بين الظواهر الجديرة
بالاهتمام والدراسة والتحليل، نظرا لتأثيرها البالغ في المشهد السياسي عموما وعلى
الفعل السياسي خصوصا، فتقدم الدول وازدهارها ورفاهيتها رهين بمدى توفرها على نخب
مؤهلة في شتى المجالات، واستعدادها الانخراط بكل مسؤولية في منظومة القيم، لتلعب دورا
هاما في صناعة القرار وتوجيه السياسات العمومية على الرغم من الصعوبات التي
تواجهها في الوصول لمراكز صناعة القرار، وتشمل هذه النخب مجموعة متنوعة من
الشخصيات التي تمتلك التكوين والخبرة المناسبة، للتأثير في المجالات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية.
أ- مكانة النخب في الخريطة
السياسية المغربية
تعتبر نظرية النخبة واحدة من نظريات المرحلة
الانتقالية ما بين السلوكية والتقليدية، وتنطلق نظرية النخبة من افتراض أن الظاهرة
السياسية ظاهرة تابعة لظواهر أخرى، ومن ثم فانه لا يمكن فهمها في ذاتها وانما يتم
فهمها من خلال تحليل الظواهر المستقلة التي اوجدتها[1]، فتواجد النخبة
السياسية داخل نظام سياسي معين أمر حتمي وضروري لممارسة السلطة ولتدبير الشأن
العام، وتعرف النخبة السياسية بكونها جماعة بشرية تمارس السلطة، أو قريبة منها
وتتشكل هذه الجماعة أساسا من صفوة المجتمع وأطره المنتخبة، أو المعينة في إطار
النظام السياسي، ففي المغرب تعتبر الأحزاب السياسية على اختلافها وتباينها،
المدرسة الأولى للنخب السياسية، بالرغم من أن هناك بعض الحالات تصنع فيها النخب
خارج النسق الحزبي ويتم تأهيلها لقيادة أحزاب معينة، وهي الأحزاب التي تصنف في
خانة الأحزاب الإدارية، أو أحزاب الوسط ويتمحور دورها الأساسي في إعادة التوازن
للمشهد السياسي وكبح جماح الأحزاب السياسية الخارجة عن طاعة السلطة، ومن جهة أخرى
نخب إدارية فاعلة في مجال التنمية، كالولاة والعمال الذين تعتبر مكانتهم محورية في
هرم السلطة وفي التنظيم الإداري للمملكة، لما تتمتع به هذه الفئة من سلطات إدارة
واسعة، فالإضافة لاختصاصاتهم المباشرة التي يحددها القانون، فالولاة والعمال
يتمتعون أيضا بسلطة الحلول ويقومون مقام رؤساء الجماعات الترابية في حالة وجود
عارض يمنعهم من ممارسة اختصاصاتهم، كما يساعدونهم في أداء مهامهم ويمارسون الرقابة
على نشاطاتهم[2]،
فهذه الصلاحيات والسلط لا تقتصر على جوانب ومواضيع بعينها، بل تشمل جميع المجالات
والأنشطة.
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أيضا إطارات جديدة
لصناعة النخب وتتمثل أساسا في جمعيات المجتمع المدني، اذ أصبحت هذه الأخيرة تساهم
بقوة في انتاج نخب مؤهلة وعلى درجة عالية من التكوين والتأطير وتساهم في الترافع
عن قضايا كبرى ومصيرية، كقضية الوحدة الترابية وقضايا التنمية وتدبير الشأن العام
المحلي إلى غيرها من القضايا التي كانت إلى وقت قريب تناقش في اطار دوائر ضيقة
ومحاطة بالسرية، لكن مشاركتها هاته تبقى محدودة في مواضيع وقضايا يتناولها الرأي
العام وتعرف تغطية إعلامية مكثفة، بينما على الرغم من وجود قوانين ومراسيم تؤطر
مشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار وتقديم الاقتراحات ورؤى للسبل الكفيلة
بتحقيق التنمية المستدامة، فهناك مجالات وسياسات غير والجة للمجتمع المدني ويصعب
عليه ابداء الرأي والتأثير في صناعة القرارات المرتبطة بها، مما يبقي على هذه
النخب خارج المحور المؤثر فيها.
ب-
النخب السياسية الواقع والممارسة
لا يخفى على أحد الأهمية والدور الكبير للنخب
السياسية والإدارية في صناعة القرار، انطلاقا مما تملكه من مميزات وكفاءة علمية
وقدرتها على إبداع الحلول والاقتراحات المناسبة للإشكالات المطروحة، لكن واقع
النخب السياسية الحالي، لا يرقى لمستوى التطلعات ولمستوى النخب الادارية، لاعتبارات
ترتبط أحيانا بطبيعة النظام السياسي، وأحيانا أخرى بالنخب نفسها التي يفضل أغلبها
البقاء خارج دائرة السياسة وصناعة القرار بشكل عام، وذلك في ظل بيئة سياسية استعصى
عليها استيعاب طبيعة تحديات المرحلة.
ومعلوم أن
النخب السياسية تعلب دورا رائدا ومحوريا في إنجاح التفعيل الحقيقي للمؤسسات
الدستورية، نظرا لامتلاكها وسائل وآليات مبتكرة تؤهلها لتعلب دورا مهما وحاسما في
بلورة نموذج مغربي جديد للمؤسسات الدستورية وبسطه على أرض الواقع[3]،
والمساهمة في دعم مسلسل التنمية المستدامة الذي يحتاج دائما إلى نخب متملكة لمشاريع وبرامج تنموية
حقيقية وقابلة للتنزيل والتطبيق، فالسعي لرفع المطالب الاجتماعية إلى مركز القرار
والمشاركة في بلورتها بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها، يتطلب ضرورة التوفر على
نخب مؤهلة وفاعلة في جميع مراحل العملية السياسية، سواء من خلال المشاركة في الاستحقاقات
الانتخابية واختيار الكفاءات المناسبة للتمثيل المحلي، أو الوطني، أو من خلال
المشاركة الفاعلة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني، فالسياسة لا تمارس في فراغ
وانما داخل حيز مكاني وجغرافي له سماته الفردية وبنيته الاجتماعية التي لها أيضا خصائص
ومميزات ثقافية واجتماعية معينة، هذه العناصر شكلت سمات وعوامل من شأنها أن تؤثر
بشكل كبير في العملية السياسية وفي تحقيق التماسك الاجتماعي الذي يبقى الهدف
الاسمى لجل السياسات والمقاربة التنموية[4]، لا سيما في ظل
الأرقام المسجلة بخصوص عزوف الشباب والنساء عن المشاركة السياسية، حيث تساءل هذه
الأرقام النخب السياسية والمجتمع المدني والسلطات العمومية التي ينبغي أن تعمق
التفكير في نظرة الشباب إلى الأحزاب السياسية ومستوى ثقتهم فيها، وأن تعمل على تكثيف المبادرات
الرامية إلى تعبئة الشباب والأطر والنساء وإشراكهم في الحياة السياسية، بما يكفل النهوض بمشاركة
المواطنين والمواطنات[5]، فشباب اليوم وان
كانوا بحاجة للتجربة والممارسة، فهم نخب الغد، بل منهم نخب شابة يمكنها المساهمة
في تقديم الإضافة للمجتمع.
في المقابل ورغم أن المغرب حاول بشتى الوسائل
العمل على تجديد النخب من خلال مجموعة من الإصلاحات والمبادرات الرامية لدعم
المشاركة السياسية للنساء والشباب من خلال الكوطة، والتي لا ينكر أحد، أنها حققت
بعض المكاسب المهمة لهاتين الفئتين، غير أن الممارسة السياسية في المغرب، ما تزال
تشكو من مجموعة من النواقص، حيث يعجز بعض المنتخبين عن فهم دورهم وممارسة اختصاصاتهم
لضعف تكوينهم العلمي وعدم استطاعتهم فهم وتفسير النصوص القانونية والاطلاع
بأدوارهم التمثيلية، كما ينضاف إلى ذلك نمط الاقتراع الذي يساهم بدوره في تكريس
هذا الوضع، حيث يصعب على الناخبين من خلال النمط الحالي اختيار الأشخاص الذين
تتوفر فيهم الكفاءات المناسبة لتدبير الشأن العام، نظرا لكون عدد من الأحزاب
السياسية تعتمد على الاعيان كواجهة للوائح الانتخابية لربح المعارك الانتخابية، وهي
كلها عوامل تبقي دور النخب السياسية والشابة دورا ثانويا وغير مؤثرا في صناعة
القرار السياسي.
ثانيا: دور الأعيان في الحقل السياسي المغربي
ارتبط الحقل السياسي المغربي خلال مختلف مراحله وعبر مختلف المحطات التي مر
منها، سواء قبل الحماية أو خلالها أو بعد بزوغ فجر الاستقلال، بعدد من الوجوه
السياسية والأعيان التي شكلت جزء من صمام الأمان ومصدرا من مصادر المقاومة، التي
ساهمت بدورها الفعال في التأسيس للتجربة السياسية المغربية في مراحلها الأولى، كما
ساهمت أيضا في مواكبة هذه التجربة وتطويرها[6].
وعليه، سنعمل خلال هذا الجزء، على تناول مفهوم الأعيان في سياقه العام وعلى
ضوء التجربة المغربية، باعتبارها تجربة غنية في جانبها المرتبط بالأعيان، ودورها في
الحقل السياسي المغربي، لا سيما خلال العقود السبعة الأخيرة، لنتعرف على مساهماتها
وأدوارها بإيجابياتها وسلبياتها، فالكثيرون يأخذون مفهوم الاعيان بشكل سلبي فقط،
ويعلقون على جميع الإخفاقات السياسية والتنموية التي حصلت خلال مراحل مختلفة،
بينما الحقيقة، أن بعض المنتسبين هذه الفئة، كان لهم اسهامات فعلية وحقيقية في
مجالات التنمية.
أ-
مساهمة الأعيان في تطوير الحقل السياسي المغربي
يشكل الأعيان الطبقة الأرستوقراطية والنبيلة داخل المجتمعات، حيث يحضون
بمكانة اجتماعية واقتصادية مرموقة تجعلهم محط اهتمام وقادرين أكثر من غيرهم على ولوج
عالم السياسة وتحمل متاعبها المالية، بفعل انتماءاتهم الاجتماعية وامتيازاتهم
الاقتصادية، التي تجعل تحملهم لعدد من الاكراهات المرتبطة بالعملية السياسية، أمرا
ممكنا وربما سهلا، حيث يساهم الأعيان بدورهم في العملية السياسية في علاقة تأثير
وتأثر متبادلة، غير أن هذه المساهمة، ظلت على مر التاريخ محاطة بعدد هائل من
الأسئلة وعلامات الاستفهام، لا سيما وأن عدد منهم ليسوا بحاجة للسياسة، حتى يحصلوا
على امتيازات مالية أو عينية هم في الغالب يتوفرون عليها.
ان التعريف البارز لمفهوم الأعيان مبني على أساس المعيار المهني، والذي
يفترض فكرة ممارسة بعض المهن التي تؤثر بشكل مباشر في اكتساب مكانة وحظوة اجتماعية
والقدرة على تمثيل الساكنة[7]،
حيث يكتسب الشخص ضمن نسق ونمط معين رمزية خاصة داخل محيطه وهو ما يجعله شخصية مؤثرة،
تتسابق الكثير من الأحزاب السياسية على كسب وده ودعمه لها في اكتساح الساحة السياسية، لا سيما المناطق
التي يحظى فيها بتقدير الساكنة، بينما يستغل الاعيان هذه الثقة السياسية، لزيادة
مكانتهم الاجتماعية من خلال ربط علاقات جديدة واكتساب شعبية إضافية، بمصوغات وأسباب
مختلفة.
ب-
مكانة الاعيان في الحقل السياسي المغربي
لا يختلف اثنان على أن التجربة السياسية المغربية
في علاقتها بالنخب والأعيان، لا تختلف عن التجارب السياسية الأخرى، سواء من حيث
تأثيرها في المشهد السياسي أو مكانتها او حضورها ضمن المؤسسات الدستورية، باختلاف
واقع الممارسة والخلفيات النظرية التي تؤطر تأويلاتهم لأدوار ظاهرة الاعيان،
فظاهريا يدافع الفاعلين في المشهد السياسي المغربي، على اختلافهم باستماتة على
مفهوم انتاج النخب، لما لهذا المفهوم من رمزية اجتماعية وفكرية،
ويعتبرون مسألة تصدر النخب لواجهة الأحداث،
أمرا ضرورية لتجسيد القطيعة مع ممارسات
الماضي التي طبعت ممارسات سلبية، ربطها البعض بفئة خاصة من الأعيان، حيث أن مفهوم
الأعيان في التجربة السياسية المغربية، يتميز بنوع من الخصوصية والملاحظات التي قد
لا تحضر في تجارب أخرى، رغم عالمية المفهوم وشموليته في كل التجارب السياسية.
كما يعتبر البعض أن الرهان اليوم يجب أن
يكون على النخب لما لها من تأثير على المشهد السياسي وامتلاكها لوسائل وإمكانات
مهمة تجيب عن الكثير من التساؤلات التي تطرحها الظرفية السياسية بالمغرب، وأن
استمرار الأعيان في تصدر المشهد السياسي يعتبر بمثابة سطو على الحياة السياسية.
2-جدلية النخب والاعيان وأسئلة التنمية
وجدت الممارسة السياسية لتؤدي أدوار مختلفة داخل
الدولة، منها أن تكون همزة وصل بين السلطة والجمهور، غير أن العملية السياسية
مفتوحة في وجه جميع أطياف المجتمع، سواء كان الشخص طالبا أو فلاحا أو من فئة
الاعيان أو نخبة، فذلك ليس عائقا أو امتيازا أمام هذه الفئة أو تلك لولوج عالم
السياسة وممارسة الفعل السياسي.
أ- أوجه الخلاف والتكامل بين النخب والاعيان
ان دفاع البعض عن مفهوم النخب وترجيح كافته على
مفهوم الأعيان واعتباره الخيار الأرجح تكذبه المؤشرات التي يزخر بها المشهد السياسي
في المغرب، حيث يتأكد من خلال الاستحقاقات الانتخابية للجماعات الترابية التي
شهدها المغرب سنة 2015، وتلك التي أجريت سنة 2021، أن حديث الفاعلين السياسيين
والمواطنين العاديين عن مفهوم النخب لا يعدو أن يكون حماسة زائدة وأن الأعيان لا
زالوا هم المتحكمون في زمام ألأمور وأن التغيير المنشود في التعاطي مع النخب لا
زال حبيس الوثائق وأرضيات المؤتمرات الحزبية، وأن تفكير الفاعلين السياسيين ينصب
دائما حول تصدر المشهد السياسي بما توفر من وسائل واليات وان الأعيان هم من يوفرون
هاته الوسائل والآليات لما لهم من تأثير ورمزية في محيطهم، بينما يفقد مفهوم النخب
قوته لافتقاده للوسائل والإمكانات المتوفرة لدى الأعيان، خصوصا وأن الأعيان
يستمدون قوتهم في استمالة الناس من نسبة الأمية في الأوساط الفقيرة واستعماله
لخطابات بسيطة تجيب عن انتظارات أنية ومحدودة لن يكون بوسع النخب الالتزام بها.
وهنا يتأكد أن العلاقة الجدلية بين مفهومي الأعيان
والنخب هي علاقة غير قابلة للفصل أو التجزيء وان هيمنة هذا المفهوم أو ذاك مسألة
غير ممكنة، حيث أن للأعيان رمزية خاصة وتأثير في الساحة السياسية، بينما للنخب دور
أساسي في تحقيق الدينامية المطلوبة وأن المزج بين المفهومين وحده الكفيل بتجاوز كل
ما من شأنه أن يعيق تحقيق الأهداف المرجوة وأن الصراع الذي يطغى على المشهد
السياسي والذي يرجح كافة هدا المفهوم عن ذاك لا يمكنه في أي حال من الأحوال أن
يخدم العملية السياسية والتنموية في شئ.
ب-
محورية الفعل السياسي في تحقيق التنمية المستدامة
ان الفعل السياسي في المغرب، فعل مركب والعلاقات
السياسية فيه بالغة التعقيد ولا تعكس الممارسة الحزبية فيه برامج ومشاريع سياسية
واضحة المعالم، فالعمل السياسي يبقى في غالبيته رهين اللحظة وتفاعلاتها على
المستويين الوطني والمحلي، فعلى الرغم من كون الممارسة الحزبية في المغرب، تقارب
قرن من الزمن، لكن الواقع الحزبي ما زال يتخبط في العديد من التناقضات الصارخة،
ولا زال النقاش محتدما حول مواضيع وقضايا هامشية، تجسد لخطابات سياسية سلبية،
يفترض ان تكون متجاوزة، وأن تنصب حول كفاءة النخب ومؤهلاتها وتكوينها ودورها في فهم طبيعة النظم السياسية، وقياس مدى تطوّرها على سلّم التقدم الديموقراطي، الذي يمكن استنباطه من حجم
المشاركة المتاحة في صناعة القرار السياسي، عبر الآليات التي توفرها للأنظمة السياسة بأنواعها،
إذ يمكن القول إنه كلّما اتسعت دائرة المشاركين في عملية صنع القرار السياسي
سواء كأفراد، أو
مؤسسات، كلّما شكّل ذلك مؤشراً على التطوّر الديموقراطي[8]،
وكلما كان المشاركون في صناعة القرار على مستوى من الخبرة والمؤهلات، كلما كان
لهذا القرار تأثير ووقع إيجابي، لذلك فإن جميع مدخلات العمليات التنموية في أي
بلد، بحاجة ماسة لنخب سياسية وإدارية على درجة عالية من التكوين والخبرة
والممارسة، لتطلع بدورها في جميع مراحل صياغة، تنفيذ وتتبع السياسات العمومية وتقييمها،
وأن تكون هذه النخب منبثقة من داخل قواعد الأحزاب السياسية، وراكمت مجموعة من
التجارب والمهام الحزبية، حيث أن أغلب المناصب الوزارية السيادية يتقلدها
التكنوقراط، بوصفهم فئة من الخبراء والمتخصصين في المجالات التقنية والإدارية،
ويتميزون بخبرة عملية ومعرفة متخصصة في مجالات معينة مثل الاقتصاد، والتخطيط،
والتنمية، والتشريع، مما يجعل المحاسبة السياسية أمرا صعبا، لكونهم لا ينتمون
للأحزاب السياسية المشكلة للحكومة والتي من المفترض أنها تخضع للمراقبة المباشرة
للمواطنين عن طريق صناديق الاقتراع ومراقبة المؤسسات الدستورية، مما يجعل العديد
من الفرضيات المرتبطة بأزمة النخب تعيد طرح نفسها بقوة، فعلى مدى ستة عقود ظل
المغرب يشكو أزمة النخب وظلت التقارير الوطنية والدولية المرتبطة بتجديد النخب
وبقيمة الرأسمال اللامادي تقدم معطيات ومؤشرات سلبية وتدق ناقوس الخطر بخصوص المنظومة
التعليمية، باعتبارها المؤثر المباشر على عملية انتاج النخب وتجديدها، وبلورة خطاب
سياسي جديد ومتفاعل مع القضايا والاشكالات اليومية للمواطنين والمواطنات.
وقد فرضت هذه الوضعية، بروز فاعلين أخرين في
العملية السياسية، تمثلت أساسا في الفاعلين من خارج الأحزاب السياسية، سواء تعلق
الأمر بالكفاءات المجربة في مناصب المسؤولية للإدارات العمومية والقطاع الخاص، أو
بالفاعلين المنتمين للنسيج الجمعوي، حيث برز الفاعلين الجمعويين والحقوقيين بقوة
في الحياة السياسية، فعلى الرغم من محاولات الاستقطاب التي تقوم بها بعض الأحزاب
السياسية لتطعيم هياكلها، فهناك فاعلين يرفضون اصباغ مساراتهم بألوان سياسية معينة،
لاعتبارات ترتبط أحيانا باختياراتهم الشخصية، واعتبارات أخرى ترتبط بتخبط المشهد
السياسي في مجموعة من المشاكل والصراعات الهامشية، والتي لا تخدم في أي حال من الأحوال
المصالح العامة للمواطنين، فما تشهده جلسات البرلمان بغرفتيه من مشاحنات وصراعات
حول مواقف وقضايا هامشيا، يظل بعضها خارج الأدوار الأساسية لهذه المؤسسة الدستورية
المحورية، تجسد جزء من الصورة التي ترسخت لدى المتتبع للشأن السياسي، والعازفين عن
ممارسة السياسة، حيث الرهان على اصلاح هذه الصورة، من خلال تخليق الخطاب السياسي
وجعله مؤسساتيا وخاضعا لضوابط وإجراءات صارمة.
خاتمة:
ان الممارسة السياسية مجال مفتوح في وجه النخب
والأعيان وعامة الناس الذين يرغبون في ممارسة حقهم في التعبير والتمثيل السياسي
للمواطنين والمواطنات، سواء كان داخل الأجهزة التقريرية للأحزاب السياسية أو داخل
المجالس المنتخبة والمؤسسات الدستورية الأخرى، حيث يحدد الدستور والقوانين
التنظيمية والمراسيم التطبيقية، شكل وطبيعة المساهمة السياسية ومنهجية ممارستها
وفق ضوابط وقواعد واضحة، لذا فمن غير المعقول توجيه انتقادات للأعيان على حساب
النخب، اعتمادا على الانتماء الطبقي للأعيان وتميز النخب ببعض الصفات والخصوصيات
التي قد لا تخدم في جوهرها العملية السياسية وقد تكون محددا أساسيا لإنجاحها، لذا
فان اغلب الاتجاهات تميل الى اعتماد الاتجاهين معا في العملية السياسية، لتحقيق
نوع من التوازن والتكامل والالتقائية داخل الساحة السياسية.
[1] - أحمد عمرو "صناعة النخب"، دار النشر رسالة البيان للنشر والتوزيع، الطبعة
الأولى، سنة 2019.
[2] - أحمد
شوقي شاهدي " المراكز الجهوية للاستثمار في المغرب – مكامن الخلل ومداخل
الإصلاح"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس
بالرباط – كلية العلوم القانونية والاقتصادية – أكدال، الموسم الجامعي 2019-2020،
ص 59
[3] - يونس مليح " مسار بناء المؤسسات
الدستورية الحصيلة والرهانات"، مجلة مسالك، عدد 39/40، ص 34
[4] -
خالد بنجدي، "مدخل إلى علم السياسة"، مطبعة طوب بريس-الرباط،
الطبعة الأولى 2009، ص 153.
[5] - رأي المجلس
الاقتصادي والاجتماعي حول "إنجاح الانتقال نحو المدن المستدامة"، إحالة
ذاتية رقم 2017/32، ص 11.
[6] - تركيب شخصي انطلاقة من مراجعة مجموعة من
التقارير الوثائق التاريخية التي وثقت لمراحل تطوير الحقل السياسي في المغرب،
ومساهمة عدد من الوجوه والاعيان في التجربة السياسية المغربية، سواء في علاقتها
برئاسة الأحزاب السياسية أو الحكومات المغربية المتعاقبة أو الحقائب الوزارية
للقطاعات الحكومية المعنية.
[7] - Florence
Haegel « Réflexions sur le ralliement des notables parisiens à Jacques
Chirac », Edition Hal open science p 40.
[8] - زهرة
صالح "صناعة القرار السياسي"، مقال منشور بسلسلة كتابات برلمانية لعام
2016، معهد البحرين للتنمية السياسية، ص 5.
ليست هناك تعليقات