حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
مقدمة:
يعد السلم والأمن إحدى المقومات التي
يرتكز عليها المجتمع الدولي في الوقت الراهن، ويسهر على تجسيده في أرض الواقع من
خلال مجموعة من المبادئ التي رسمتها منظمة الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات، ومن
بينها عدم إستعمال القوة في
العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النزاعات مهما كانت
طبيعتها بالطرق السلمية.
غير أن هذه المبادئ لم تمنع في الواقع من نشوب العديد من النزاعات الدولية،
لاسيما في إفرقيا وآسيا، وذلك
لأسباب عديدة أهما إعادة رسم الخريطة
السياسية للعالم من طرف القوى العظمى لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكذلك
البحث عن مصادر الثروة في هذه الدول بهدف فرض منطق التبعية السياسية والإقتصادية.
وإلى جانب النزعات
الدولية هناك العديد من النزاعات غير الدولية في الكثير من الدول مثل سوريا
والعراق وكذلك في مالي وذلك بإسم مكافحة ومحاربة الإرهاب الدولي، حيث عملت
القوى العظمى على تكوين تحالف دولي بهدف محاربة المنظمات الإرهابية، بإعتباره الهدف المعلن
عنه رسميا، غير أنه في حقيقة الأمر هناك
أهداف إسترتيجية خفية من كل
عملية عسكرية.
والحالة الثالثة هي تلك الدول التي عرفت ثورات بإسم ما اصطلح عليه
بالربيع العربي لاسيما مصر وتونس وليبيا، بحيث إذا تمكنت البعض منها
من إعادة الإستقرار النسبي فإن حالة ليبيا مازالت
تشكل بؤرة توتر وخطر للسلم والأمن في المنطقة.
ومهما كانت طبيعة النزاع، فإن النتيجة واحدة، بحيث
يؤدي إلى المساس بأهم حق من
حقوق الإنسان والمتمثل في الحق
في الحياة. كما أن العمليات العسكرية تشكل تهديدا حقيقيا لكل الأفراد، بحيث لا
تفرق بين المحاربين وغيرهم من المدنين الذين لا علاقة لهم بالعمليات العسكرية، بل
يشكلون فئات هاشة لاسيما الأطفال والنساء والشيوخ.
يقصد بالطفل كل إنسان
لم يبلغ السنة الثامنة عشرة (18)[1].
ويشكل الأطفال الفئة الأكثر تضررا من العمليات العسكرية أثناء النزاعات المسلحة،
وذلك بسبب عدم قدراتهم على مواجهة تلك الظروف، لاسيما بسبب إستعمال الأسلحة
الثقيلة التي تؤدي عادة الى تدمير المدن بكاملها وهلاك كل سكانها، وإستعمال أسلحة محظورة
دوليا كالأسلحة الكيماوية، بل إستغلال الأطفال في
العملية العسكرية ذاتها كجنود. كل هذه الإعتداءات بمختلف
أشكالها دفعتنا إلى التساؤل عن انعكاسات
النزاعات المسلحة على الأطفال وماهية الآليات التي وضعها المجتمع الدولي لضمان
حمايته؟
المبحث الأول: انعكاسات
النزاعات المسلحة على الأطفال
يشكل الأطفال الفئة الهاشة في المجتمع التي تتأثر بصفة مباشرة بأعمال العنف
بصفة عامة والعمل المسلح على وجه الخصوص، ويتخذ هذا الإعتداء
صور كثيرة تختلف باختلاف طبيعة النزاع وأهميته.
المطلب الأول: مفهوم
النزاع المسلح
يقصد بالنزاعات المسلحة الدولية تلك النزاعات التي تتواجه فيها دولتان أو
أكثر[2].
وتنطبق على هذه النزاعات مجموعة موسعة من القواعد تشمل تلك الاحكام الواردة في
اتفاقيات لاهاي لعامي 1889 و 1907 و اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949، والبروتكول
الاضافي الأول.[3]
أما النزاعات المسلحة
غير الدولية فهي تلك قتال يتشب داخل اقليم دولة واحدة فقط فيما بين القوات المسلحة
النظامية وجماعات مسلحة منشقة، أو فيما بين جماعات مسلحة تتقاتل فيما بينها[4].
المطلب الثاني: صور
المساس بحقوق الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
يعتبر الأطفال الفئة الأكثر ضعفا وإستهدافا
في أوقات النزاعات المسلحة، فهذه النزاعات تكون نتائجها وخيمة على هذه الفئة،
فالنزاعات المسلحة تؤدي إلى
قتل الملايين من الأطفال وكذلك إصابتهم وإعاقتهم،
والملايين منهم قصد يصبحون أيتاما متشردين خارج بلدانهم، وتتركهم هذه النزاعات بلا
مأوى ولا تعليم ولا رعاية صحية، وغيرها من المآسي التي تخلفها هذه النزاعات
ويكونون هم أول ضحاياها.
كما أن هؤلاء الأطفال لم يعودوا مجرد ضحايا لهذه النزاعات، بل ألعد من ذلك
اصبحوا يلعبون أدوارا ايجابية في النزاعات المسلحة، ويستغلون في العمليات العسكرية
بصفة مباشرة من خلال تجنيدهم أو بصفة غير مباشرة كإستعمالهم
كجواسيس وغيرها من صور الإستغلال.
أولا: قتل الأطفال
وحرمانهم من حقوقهم الأساسية
بالرجوع الى العديد من التقارير الصادرة من الهيئات المهتمة بقضية الأطفال
أثناء النزاعات المسلحة، نلاحظ أنه من بين أهم الإنتهاكات
التي مست الأطفال أثناء النزاعات المسلحة تتمثل في قتلهم وتشويههم، العنف الجنسي،
الإختطاف، الحرمان من
المساعدات الإنسانية...الخ.
وفي آخر إعلان للممثلة الشخصية للأمين العام
للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فإن أكثر من مليونين طفل قتل في النزاعات المسلحة وأكثر من
ستة ملاين أخر أصيب بعاهة مستديمة[5].
كما تشكل ظاهرة الإعتداء
الجنسي إحدى الإنتهاكات الخطيرة غير الإنسانية التي تترك بصمات الحزن والسى حتى
بعد نهاية النزاع، بحيث يجد الأطفال الذين كانوا محل الإعتداء أنفسهم في حالة نفسية قد يستحيل
عليهم إعادة الإندماج في المجتمع بصفة طبيعية.[6]
ثانيا: ظاهرة تجنيد
الأطفال
لقد أصبحت مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة ظاهرة منتشرة وملفتة للنظر
في أرجاء عديدة من العالم، إذ يتسم إستغلالهم من قبل كيانات حكومية وغير
حكومية تجبرهم على المشاركة في الأعمال العدائية، بتدريبهم على القتل وإستخدامهم في نقل المعدات والأسلحة. كما إدى إستعمال الأسلحة نصف الأوتوماتيكية على
نطاق واسع، أصبح من السهل على الأطفال أن يحملوا السلاح، وهو ما يؤدي إلى تزايد
عدد الأطفال الذين يتم تجنيدهم بشكل غير قانوني، إذ يشير تقرير صادر عن منظمة
العفو الدولية إلى اشتراك صبيان وصبايا دون الثامنة عشرة من العمر في القتال، في
أكثر من عشرين من الصراعات الكبرى في العالم منذ عام 2000م، قاتل بعض هؤلاء في
صفوف الجماعات المسلحة، والبعض الآخر في صفوف القوات الحكومية، وكان الأطفال في
طليعة المقاتلين في جبهات القتال في كل من: ( بوروندي، وجمهورية الكونغو
الديمقراطية، وميانمار (بورما)، وفي بلدان أخرى مثل: (إسرائيل، وإندونيسيا،
ونيبال)، كما عمدت حكومات إلى إستخدام الأطفال بصورة غير مباشرة في أعمال: مخبرين أو جواسيس أو
متعاونين [7].
أمام
كل هذه الصور السلبية فإن العام مطالب بالإلتزام بتقديم حماية أكبر لهؤلاء الأطفال، حيث أن ظاهرة تجنيدهم
واستخدامهم في النزاعات المسلحة لم تعد تشكل تهديدا فقط لحياتهم ومستقبلهم والتي
تخلق منهم جيلا ضائعا مشوها يعاني من الأثار الجسدية والنفسية والعزلة الاجتماعية،
بل أصبحت أيضا تشكل تهديدا للمجتمع الدولي من حيث خلق جيل يتسم بالعنف والعدوانية
لم يتعلم شيئا من مهارات الحياة ولا يجيد عمل شيئ سوى القتال.[8]
المبحث الثاني: وسائل
حماية الأطفال في النزاعات المسلحة
يشكل النزاع المسلح سواء كان دوليا أو غير دولي خطرا على السلم والأمن
الدوليتين، مما يستلزم البحث عن السبل الكفيلة للتقليل من حدته وإنتشاره،
والتخفيف من اثاره عن طريق وضع قواعد عامة يستوجب تطبيقها من كل الأطراف المتنازعة
باعتبارها الحد الأدنى الذي لا يمكن التنازل عليه.
وأمام عدم امكانية منع حدوث هذه النزاعات، باعتبارها شر لابد منه، تم اصدار
العديد من النصوص الدولية والإقليمية لضمان حماية بعض الفئات الأكثر تضررا من
ويلات الحرب والنزاعات المسلحة لاسيما فئة الأطفال.
المطلب الأول:
المواثيق الدولية والاقليمية لحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة
الفرع الأول: المواثيق
الدولية
أولا: الاعلان العالمي
لحقوق الطفل
يعد هذا الاعلان من أهم الوثائق الدولية التي تم تبنيها في مجال حماية حقوق
الطفل، ولقد تبع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، وقد زاوج هذا الإعلان بين وجود الطفل الجيد والمجتمع
الجيد، كما دعا الجنس البشري أن يقدم أفضل ما لديه للطفل، إذ إستهل هذا الإعلان مبادئه بأن أوصى الوالدين والحكومات بالاعتراف بحقوق الطفل وحرياته،
وذلك بتطبيق البنود العشرة التي نصت عليها هذه الوثيقة....
ثانيا: اتفاقية حقوق
الطفل لسنة 1989
أكدت الإتفاقية في الديباجة على أنه للطفولة
الحق في رعاية ومساعدة خاصتين.[9]
كما أكدت الإتفاقية على
ضرورة حماية وصيانة الأطفال لاسيما في النزاعات المسلحة وذلك بموجب المادة 38
والتي جاء فيها:
° تتعهد الدول الأطراف
بأن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في
النزاعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن إحترام هذه القواعد.
° تتخذ الدول الأطراف
جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم تبلغ سنهم خمسة
عشرة (15) سنة إشتراكا مباشرا في الحرب.
° تمتنع الدول الاطراف
عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه عشرة (10) سنة في قواتها المسلحة. وعند التجنيد من
بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة (15) سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة (18)
سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا.
° تتخذ الدول الأطراف،
وفقا لالتزاماتها بمقتض القانون الدولي الإنساني
بحماية السكان المدنين في النزاعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن
حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح".
ثالثا: الاعلان
العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه لسنة 1999
إجتمع قادة العالم وزعماء الدول في شهر سبتمبر من عام 1999،
وقد إنتهى ذلك الإجتماع من أجل الإعلان الأطفال إلى إعلان عالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، وما إرتبط بهذا الإعلان من خطة عمل تمثل برنامجا طويل
المدى لقد التسعينيات، وما يعقبه والذي يضع الطفولة في مقدمة أولويات الدول التي
تنشد بلوغ القرن الحادي والعشرين وقد حققت انجازا تنمويا يدفع بعجلة التقدم في
المقابل بخطوات تساوي العصر وتتماشى مع طموحات وآمال جيل الغد.
وقد إرتبط بهذا الإعلان العالمي لبقاء الطفل ونمائه خطة
عمل ترتكز على الإجراءات
التنفيذية المحددة لذلك منخلال عدة توصيات، أهمها:
° تشجيع التصديق على
اتفاقية حقوق الطفل بأسرع وقت ممكن،
° حماية الأطفال خلال
النزاعات المسلحة...الخ.
رابعا: اعلان عالم
جدير بالأطفال لسنة 2002
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في المدة ما بين 8 الى 10 مايو 2001
دورة إستثنائية خاصة بالطفولة، صدر عنها اعلان
عالم جدير بالأطفال، مصحوبا بخطة عمل لتنفيذه. إذ ناشد القادة والرؤساء جميع أعضاء المجتمع الإنضمام إليهم في حملة عالمية تساعد على بناء عالم جدير بالأطفال من
خلال الالتزام بمبادئ وأهداف المؤتمر التي مجملها في ما يأتي:
° الرعاية لكل طفل،
° حماية الأطفال من
الأذى والاستغلال،
° حماية الأطفال من
الحروب...الخ.
الفرع الثاني: حماية
الأطفال على المستوى الاقليمي
تعد الدول العربية والمغاربية في الوقت الراهن من بين الدول التي يعاني
فيها الأطفال بطش الحرب والنزاعات المسلحة كأطفال سوريا والعراق وليبيا ومالي
وغيرها من الدول الإفريقية الآخرى، مما يفرض على هذه الدول
ضمن تكتلاتها الإقليمية
البحث عن الوسائل الكفيلة لضمان الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لفئة الفئة
الأطفال أثناء نشوب نزاعات مسلحة، ولقد توجت هذه الجهود بإصدار العديد من الإعلانات والمواثيق المتعلقة مباشرة
بالطفل سواء أثناء النزاعات أو في الظروف العادية.
غير أن هذه المواثيق هي عبارة عن مجموعة من الوثائق الدولية التي لا تتمتع
بالقوة القانونية الملزمة، ولكنها تشكل وثائق دولية تسترشد بها الدول الأعضاء في إتخاذ
الإجراءات اللازمة لحماية
حقوق الأطفال بصفة عامة.
أولا: ميثاق حقوق
الطفل العربي لسنة 1983
تم إقراره من قبل مجلس وزراء الشؤون الإجتماعية العرب سنة 1983، يتكون من مقدمة
وخمسين بندا، وقد وافقت على هذا الميثاق سبع دول عربية وهي: اليمن، فلسطين، سوريا،
العراق، ليبيا، الأردن، مصر.
لقد أكد ممثل الدول المعنية في ديباجة هذا الإعلان
أن الى عدم كفاية الإجراءات
المتخذة من قبل الدول العربية لضمان صيانة حقوق الطفل ومن ثم ضمان تنميته بصفة
طبيعية بإعتباره عنصر من
عناصر التنمية، بل هو جوهر التنمية في حد ذاتها، لأنه يمثل المستقبل.
ثانيا: الميثاق الإفريقي
لحقوق الطفل لسنة 1999
لقد تم تبني الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل
ورفاهيته يعد أقل من سنة من تاريخ إعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق
الطفل، وذلك في شهر جويلية 1990، أثناء المؤتمر السدس والعشرون (26) لرؤساء دول
وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية،
في أديس أبابا باثيوبيا، ودخل الميثاق حيز النفاذ في 29 نوفمبر 1999، بعد ايداع
ويثقة التصديق الخمسة عشر (15) الضرورية قانونا لدخوله حيز التطبيق.
وقد إرتبط إعتماد الميثاق بإعلان حقوق ورفاهية الطفل الإفريقي الذي تم تبنيه في جمعية رؤساء دول وحكومات
منظمة الوحدة الإفريقية
المجتمعة في دورتها السادسة عشر (16) بمنروفيا في ليبيريا بين 17 و 29 جويلية
1979، والذي يعترف بإتخاذ
كل التدابير المناسبة من أجل ترقية ورفاهية الطفل الإفريقي وحمايته. وفي 12 فيفيري 2003 بلغ
عدد الدول التي صدقت على الميثاق 28 دولة، من بين أعضاء عددهم 53 دولة في منظمة الإتحاد الإفريقي حاليا، وهذا الأمر يختلف عن التصديق على الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تم إعتمادها ودخولها حيز النفاذ في أقل من
سنة واحدة من تاريخ التوقيع عليها، وهي تضم كل الدول الإفريقية ما عدا الصومال.
ويعد هذا الميثاق من أولى الوثائق الاقليمية الشاملة لحقوق الطفل، ويرجع
السبب في تبنيه إلى واقع المشاركة الضعيفة للدول الإفريقية في الاتفاقية الدولة لحقوق الطفل
أثناء المفاوضات والمناقشات، كما أن بعض المسائل الخاصة بالطفل الافريقي بقيت
معلقة وخارج النقاش، نظرا لإختلاف
وجهات النظر وتشعبها، كما أن هذه المسائل مرتبطة بوضعية الطفل الإفريقي على وجه الخصوص، فلم يمنح لها
الاهتمام اللازم، ما أدى بالدول الافريقية الى ابرزها اقليميا.[10]
لقد ورد في الديباجة الميثاق أن الدول الافريقية قلقة بشأن معظم الأطفال
الأفارقة الذي يبدو خطيرا بسبب العوامل الفريدة لظروفهم الإجتماعية
والإقتصادية والثقافية،
والكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة والإستغلال....الخ".
ومن أهم الحقوق المنصوص عليها في هذا الإتفاق حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، حيث تنص
المادة 22 التي جاءت تحت عنوان النزاعات المسلحة على مايلي:
° تتعهد الدول أطراف
في هذا الميثاق إحترام وضمان إحترام قواعد القانون الدولي الإنساني واجب التطبيق في النزعات المسلحة
التي تؤثر على الطفل.
° تتخذ الدول أطراف في
هذا الميثاق كافة الاجراءات اللازمة لضمان ألا يشارك أي طفل بدور مباشر في أعمال
العنف، والإحجام على وجه الخصوص عن تجنيد أي طفل.
° تقوم الدول أطارف في
هذا الميثاق- طبقا لإلتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني- بحماية السكان المدنين أثناء
النزاعات المسلحة، وتتخذ كافة الإجراءات الملائمة لضمان حماية ورعاية الأطفال الذين يتأثرون بالنزاعات
المسلحة، وتطبق كذلك مثل هذه القواعد على الأطفال في حالة النزاعات والتوترات
الدولية المسلحة.
المطلب الثاني: حماية
الأطفال بموجب قواعد القانون الدولي الانساني
يقصد بالقانون الدولي الإنساني مجموعة القواعد التي تحمي في
أوقات الحرب والنزاعات المسلحة أشخاص معينين وممتلكات معينة. والهدف الأساسي لهذا
القانون هو الحد من معاناة الإنسان وتفاديها في النزاعات المسلحة. ومن أهم النصوص التي تشكل مجموعة متكاملة للقانون الدولي
الإنساني نذكر إتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبرتوكولات الاضافية لعام 1977.
الفرع الأول: حماية
الأطفال بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الاضافي
يعد تجنيد الأطفال في القوات الحكومية المسلحة أو في المليشيات أو خيرها من
المنظمات الارهابية من بين أخطر انتهاكات حقوق الأطفال، هذا ما دفع بالمجتمع
الدولي الى اتخاذ موقف واضح بشأن هذه المسألة وهو حظر التجنيد.
بالنسبة للنزاعات المسلحة الدولية فان المادة 77 من البروتوكول الإضافي
الأول لإتفاقية جنيف ألزمت
أطراف النزاع بإتخاذ كافة
التدابير الممكنة التي تكفل عدم إشراك الأطفال، الذين لم يبلغوا بعد سنة الخامسة عشرة في الأعمال العدائية
بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف بالتحديد الإمتناع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة، ويجب على
أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا سنة
الثامنة عشرة أنم تسعى لإعطاء الأولية لمن هم أكبر سنا.
أما بالنسبة للنزاعات المسلحة الداخلية فقد تعرض اليها البروتوكول الإختياري
الثاني حيث نص صراحة في المادة الرابعة منه على عدم جواز تجنيد الأطفال دون سن
الخامسة عشرة في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، ولا يجوز السماح بإشتراكهم في العمليات العدائية[11].
إن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الشأن هو أن ضيق نطاق
الحماية بموجب البروتوكول الإضافي الأول وذلك لكونه يحصر الحماية في منع الأطفال من حمل السلاح، بينما
نجد أن البروتوكول الثاني وسع من نطاق حماية الأطفال ليشمل كل ما له علاقة بالنزاع
المسلح سواء من خلال حمل السلاح والمشاركة بصفة مباشرة في القتال، أو إستغلال الأطفال في العمليات ذات الصلة
بالنزاع المسلح كتموين أطراف النزاع بالذخائر وغيرها من المعدات، أو القيام بدور
الإستطلاع والتجسس...الخ.
كما يجب أن نشير الى استعمال
الأطفال من طرف المنظمات الإرهابية في عمليات
انتحارية عن طريق المتفجرات، وهذا يشكل إعتداء خطير على هؤلاء الأطفال، بل تصرف غير إنساني. ولقد بين لنا الكاتب بن جلون
طاهر كيفية إاقناع الأطفال
للقيام بعمليات تفجير، وكذا البيئة الاجتماعية التي تساعد على تسهيل اقناع هذه
الفئة للإنظمام الى
المنظمات الإرهابية أو
الجهادية[12].
الفرع الثاني: دور
اللجنة الدولية للصليب الحمر في حماية الأطفال اثناء النزاعات المسلحة
تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 1863، بإعتبارها
كحارس للقانون الدولي الإنساني[13].
وتجد الأساس القانوني لممارسة عملها في العديد من المصادر يأتي على رأسها إتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949
والبروتوكولان الإضافيان
لسنة 1977[14].
فبالرجوع لنص المادة الخامسة من النظام الأساسي نجد أنه تنص صراحة على أن دور
اللجنة هو الاضطلاع بالمهام الموكلة اليها بموجب اتفاقيات جنيف، والعمل على
التطبيق الدقيق للقانون الدولي الانساني المنطبق في النزعات المسلحة الدولية،
وتلقي أية شكوى بشأن الإنتهاكات
المزعومة لذلك القانون...الخ.
الفرع الثالث: حماية
الأطفال من خلال تقارير الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأطفال
والنزاعات المسلح.
تعد قضية حماية الأطفال
أثناء النزاعات المسلحة من بين أهم انشغالات المجتمع الدولي، الأمر الذي دفع بهيئة
منظمة الأمم المتحدة إلى إاستحداث ممثل شخصي للأمين العام معني بالأطفال والنزاع
المسلح وذلك بموجب لائحة مجلس الأمن رقم 77-51 وذلك عقب نشر تقرير السيدة غراسا ماشيل
بشأن أثر النزاع المسلح على الأطفال.
ونشير في هذا الصدد إلى
أهمية دور هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة من خلال التقارير الدورية التي تقدمها
لكل من الأمين العام ومجلس الأمن حول حالات الأطفال في مختلف النزاعات التي يعرفها
العالم اليوم وتسجيل كل الخروقات
والإنتهاكات للقواعد القانونية الدولية المتصلة بهذه المسالة.
ولابد أن نشير في هذا الصدد
إلى آخر اعلان الممثلة الشخصية للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح
السيدة راديكا كوماراسوامي (Radhika Coomaraswamy) التي نشادت المجتمع الدولي بضرورة العمل أكثر بهدف ضمان
تنفيذ القواعد المتعلقة بحماية الأطفال أثناء النزاع المسلح، وهذا يتطلب إرادة
سياسية قوية، تضع مسألة الأمن والسلم العالميين فوق كل إعتبار.
ولقد أكدت الممثلة الأممية
على الدور السلبي لغالبية أعضاء المجتمع الدولي الذين يكتفون في بعض الحالات بمجرد
التنديد بانتهاكات التي تمس الأطفال دون العمل على تغير مجريات الأحداث ودفع الدول
الكبرى الى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وهذا يدفعنا الى القول ان قانون
القوة هو الذي يتحكم اليوم في العلاقات الدولية[15].
الخاتمة:
يتضح من خلال الدراسة أنه رغم كل الجهود المبذولة من
طرف الأمم المتحدة لتفادي اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، بل حتى لحل
المشاكل والخلافات الداخلية، لم تفلح وذلك لتعقيد طبيعة العلاقات الدولية في الوقت
الراهن وإختلاف المصالح التي كثيرا ما تكون متعارضة.
ومن جهة اخرى نجد أن العديد
من النزاعات المنتشرة في العالم اليوم عبر مختلف القارات سببها في غالبية الحالات إشباع
أطماع ومصالح الدول العظمى، التي تتخذا من هذه الصراعات لإبرام صفقات إقتصادية،
وتوسيع دائرة تأثيرها في العلاقات الدولية لاسيما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية
وروسيا.
ومن أجل تخفيف الألم على بعض الفئات في المجتمع أثناء
النزاعات المسلحة، لاسيما تلك الفئات التي لاعلاقة لها بالنزاع، تم وضع جملة من
الآليات على المستوى الدولي والإقليمي لضمان الحد الأدنى من الحماية.
تعد فئة الأطفال من بين
الفئات الأكثر تضررا من النزاعات المسلحة، مما حتم على المجتمع الدولي منحهم الأولوية
في الحماية، عن طريق الزام الأطراف المتنازعة بضرورة إتخاذ كل الإجراءات الوقايئة
التي تهدف إلى منع إستغلال الأطفال في النزاع بأية صفة كانت، ومن ثم السهر على
ضمان بقائهم حيا وتوفير لهم كل ما هو ضروري لحياة كريمة تطبيقا لمبدأ الإنسانية في
النزاعات المسلحة.
غير أنه رغم كل هذه الجهود
إلا أن الواقع يثبت فشل المجتمع الدولي بمختلف هيئاته بفرض إحترام قواعد القانون
الدولي ذات الصلة بالنزاع المسلح، وعدم إحترام الأطراف المتنازعة سواء كان نزاع
دولي أو داخلي للقواعد السارية المفعول في هذا الشأن.
إن ما يحدث اليوم في سوريا
والعراق خير دليل على تواطأ القوى العظمي في تدمير وتجويع هذه الشعوب بإسم مكافحة
المنظمات الإرهابية والتحكم في مصير ومستقبل هذه الشعوب. لقد حان الوقت لتعيد
الدول العربية حساباتها، من خلال حل مشاكلها وخلافاتها داخليا بالطرق السلمية،
وعدم منح الفرصة لهذه الدول للتدخل في شؤونها وتدميرها كلية.
إن مستقبل الأطفال في خطر
متزايد، يتطلب ارادة سياسية قوية لفرض منطق قوة القانون وليس قانون القوة، فالأمن والسلم
الدوليين عنران متلازمان لأي حياة وتقدم للمجتمعات. وإذا كانت الصراعات والنزاعات
مصدر الثروة والتطور بالنسبة للقوى العظمى، فإنها في القوت ذاته مصدر الدمار
والتخلف للدول المعنية.
الهوامش:
[1]- تنص المادة الأولى من الاتفاقية
الدولية للطفل على انه:" لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل انسان لم
يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق
عليه". كما نصت المادة الثانية من الميثاق الافريقي لحقوق ورفاهية الطفل لسنة
1990 على أنه:" لأغراض هذا الميثاق، الطفل هو كل انسان تحت سن الثامنة
عشرة".
[2]- للمزيد من التفاصل راجع:
- CICR, 28ème Conférence internationale
de la Croix-Rouge et du Croissant Rouge, « Le droit international
humanitaire
et les défis posés par les conflits armés contemporains », rapport préparé par
le comité
international de la croix rouge,
Genève, Décembre 2003, p.8.
- GRIGNON Julia, « le début de
l’application du droit international humanitaire. Discussion autour de quelques
défis », Revue international de la Croix-Rouge,
volume 96, 2014, p 111.
[3]- انضمت الجزائر الى اتفاقيات جنيف
لعام 1949 في عهد الحكومة المؤقتة بتاريخ 11 -06- 1960. كما انضمت الى البروتوكول
الاختياري الأول بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-86 المؤرخ في 16 -06-1989، الجريدة
الرسمية رقم 20 الصادرة في 17-05-1989.
[4]- للمزيد من التفاصيل راجع :
KREB Claus, « Vers un nouveau
développement du droit des conflits armés non internationaux : une
proposition pour un jus in bello interno et un nouveau jus contra bellum
internum », Revue international de la Croix-Rouge, volume 96, 2014, p 29.
[6]- للمزيد من التفاصيل حول مطاهر
الاعتداء الجنسي وانعكاساته على حياة الأطفال راجع:
- SALAS Denis, «
Reconnaitre la victime : le cas du viol », in victimes de guerre en
quête de justice, l’harmattan, Paris, 2004, p 89.
[7]- أمل سلطاني محمد الجراد، الجوانب
القانونية الدولية لظاهرة الطفل المقاتل، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير
في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة القاهرة،
2012، ص 1.
[8]- أمل سلطاني محمد الجراد، المرجع
السابق، ص 2.
راجع كذلك:
-GOULET PARADIS Catherine, « Un fléau qui perdure : les
enfants-soldats », http://perspective.usherbrooke.ca 12
novembre 2013.
[9]- تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 44/25
المؤرخ في 20 نوفمبر 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي دخلت حيز النفاذ في مدة قياسية
وهي تسعة (9) أشهر من تاريخ اعتمادها أي في 2 سبتمبر 1990، كما لاقت الاتفاقية
قبولا واسعا من الدول، اذ صادقت عليها غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدةتمثل
هذه الاتفاقية أكثر اتفاقيات حقوق الانسان انضماما اذ انضمت اليها أكثر الدول
ماعدا دولتين وهما: الصومال والولايات المتحدة والأمريكية، الأمر الذي لم يحدث لأي
اتفاقية دولية من قبل.
[10]- نصيرة نهاري،" الحماية
الافريقية للطفل أثناء النزاعات المسلحة: دراسة في النصوص والآليات"، منشور
على موقع: http://www.qiraatafrican.com
[11]- للمزيد من التفاصيل حول هذا
الموضوع راجع: -GOABIN CHANCOCO Ginette, La problématique
de l’effectivité du droit de l’enfant à la santé et à l’éducation dans les
situations de conflit armé interne en Afrique : réflexions à la lumière de
la crise en Cote d’Ivoire, mémoire en vue de l’obtention du grade de maitre en
droit, Faculté des études supérieure et postdoctorales, Université de Montréal,
Canada, Aout 2014, p 2.
[12]- راجع في هذا الموضوع:
- BEN JELLOUN Tahar , « Le terrorisme expliqué aux enfants », in http://www.lemonde.fr.
[13]- ايف ساندور،" اللجنة
الدولية للصليب الحمر بصفتها حارسا للقانون الدولي الإنساني"، منشور على
موقع: https://www.icrc.org
[14]- شريف عتلم، دور اللجنة الدولية
للصليب الأحمر في انماء وتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني، منشورات اللجنة
الدولية للصليب الأحمر، جنيف، 2010، ص 141.
[15]-
للمزيد من التفاصيل راجع تقرير الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المعنية
بالأطفال والنزاع المسلح المؤرخ في 06 أوت 2008، منشور على موقع: https://www.un.org
التعليقات على الموضوع