المنظمات غير الحكومية ودورها في حماية البيئة مقدمة: تعد مشكلة البيئة من المشكلات الدولية الحديثة نسبيا في التاريخ المجتمع...
المنظمات غير الحكومية ودورها في حماية البيئة
مقدمة:
تعد مشكلة البيئة من المشكلات الدولية الحديثة نسبيا في
التاريخ المجتمعات البشرية، وهذا بعد أن اتضح جليا بأن أثار المساس بالبيئة لا
ينحصر في مجال معين بل يمتد إلى مجالات عديدة أخرى.
نتيجة لهذا أخذ البعد الدولي لموضوع حماية البيئة
مداه وازداد الاهتمام الدولي به إذ أصبح موضوع البيئة موضوع الساعة و محل اهتمام
دولي، فكثرت الدراسات وانعقدت كثير من المؤتمرات الدولية التي خرجت بجملة من
التوصيات والإعلانات كما أبرمت العديد من الاتفاقيات للحفاظ على البيئة الإنسانية
من الأخطار التي تهددها، إضافة إلى ظهور الكثير من المنظمات الدولية البيئية ذات
الصيت الإعلامي الكبير وصارت تلعب دورا هاما في مجال التحسيس والتوعية حول مشاكل
البيئة ، وقد ترتبت على ذلك العديد من القرارات والتوجهات التي تعتبر الروافد
المباشرة للقواعد القانونية الدولية المتعلقة بحماية البيئة، و من هنا بدأ القانون
الدولي للبيئة يجد أساسه القانوني في الاتفاقيات الدولية الواجب إبرامها للحفاظ
على البيئة ، و من خلال قرارات المنظمات الدولية و كذا المؤتمرات الدولية .
انطلاقا من كل هذا أصبحت المنظمات الدولية غير الحكومية
تلعب دورا نشيطا على الصعيد الدولي، بكونها تهدف و تسعى في كل مرحلة من مراحل
تطورها إلى تحقيق اتصال فعال بين الأفراد و الجماعات على المستوى الدولي،كما أصبح
النظام الدولي يعتمد المنظمات الدولية غير الحكومية كطرف في التنظيمات المؤسساتية
الدولية لتأكيد مصداقيتها و لأنها النمط الجدير بالاهتمام و به يجرى قياس الموقف
الشعبي في التجمعات العالمية،و في هذا الصدد يقول “برهان غليون” “أن المنظمات غير
الحكومية في عصر العولمة قنوات الاتصال و التواصل الرئيسية على مستوى المجتمعات و
القاعدة التي تبني عليها الإرادة العالمية الإنسانية الجديدة.”
و لقد شهدت المنظمات غير الحكومية البيئية اهتماما متزايدا على الصعيد الدولي
والوطني منذ ظهورها من خلال ما تحاول القيام به من أهداف مسطرة بغية الوصول إليها
وتحقيقها، إلى تبني مواقف تمكنها من فرض و تحديد مكانتها في نطاق عملها لإحداث
تغيير في نظرة الإنسان إلى البيئة، حيث تعمل على درء مشاكل البيئة و تبيان
انعكاساتها من خلال مساهمتها في نشر الوعي البيئي، و كذا مشاركتها في كفالة و ضمان
حق الأجيال القادمة في التمتع ببيئة ملائمة و موارد متاحة.
بهذا يمكن القول أن المنظمات غير الحكومية سواء على
المستوى الدولي أو الوطني، تمثل أحد تنظيمات المجتمع المدني الحديثة التي برزت
لمواجهة بعض المشاكل البيئية التي تفاقمت في الأونة الأخيرة مثل التلوث البيئي و
استنزاف الموارد الطبيعية، و هذا عن طريق بذلها لجملة من الجهود لتحقيق هدفها
المنشود.
و عليه فالإشكالية التي سنعالجها من خلال هذا البحث تكمن في: فيما يكمن الدور الذي
تقوم به المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال حماية البيئة و المحافظة عليها ؟
و للإجابة على هذه الإشكالية، قسمنا بحثنا إلى مبحثين
اثنين:
المبحث الأول: مساهمة المنظمات غير الحكومية في التربية
و التنمية البيئية
إن ما وصلت إليه البيئة اليوم دفع بالمنظمات غير
الحكومية إلى التحرك و دق ناقوس الخطر الذي يهدد الكرة الارضية برمتها و التي تعد
ثراثا مشتركا للإنسانية، و عليه كان على هذه المنظمات الاعتماد على أليات و ميكانيزمات
لتحقيق غرضها المتمثل في حماية البيئة والمحافظة عليها، خصوصا في ظل التدهور
البيئي المتنامي و ما خلفه من أضرار على جميع كائنات و مكونات البيئة.
المطلب الأول:المساهمة في التربيــــة البيئيــــــة
من أبرز التوصيات التي أقرها مؤتمر ستوكهولم لسنة
1972، أن التكنولوجيات والتنظيمات و التشريعات جميعها يمكن أن تعجز في سبيل تحقيق
أهدافها لإرساء سياسة بيئية ذات فعالية، نتيجة لافتقارها الوعي البيئي، و من هنا
كان لابد من البحث عن أسلوب أكثر فاعلية و استمرار من القوانين و التشريعات و ينجح
في تنظيم استغلال الإنسان للموارد و صيانة البيئة.
و هذا ما تجسد في التربية البيئية التي يقصد بها إعداد
الأفراد ليكونوا متوافقين مع بيئتهم، أي جعل الأفراد قادرين على فهم نظم البيئة، و
بعد إعتراف مؤتمر ستوكهولم 1972 بدور التربية البيئية في حماية البيئة، برزت موجة
إهتمام عارمة بالتربية البيئية، و تمثل ذلك في المؤتمرات و الندوات التي انعقدت في
مختلف مناطق العالم، و كان ميثاق بلغراد الذي تمخض عن الندوة الدولية التي عقدت في
العاصمة اليوغسلافية في أكتوبر 1975 بمثابة إطار شامل حدد أسس العمل في مجال
التربية البيئية، ثم تلاه الندوة العربية للتربية البيئية التي عقدت بالكويت في
نوفمبر عام 1976 و المؤتمر الدولي الذي عقد في تبليسي السوفياتية في أكتوبر 1977
الذي يعد أخر لقاء دولي سعى إلى تنمية التربية البيئية و وسائل نشرها.
هنا يبرز دور المنظمات غير الحكومية البيئية، التي تعمل
على تحسيس الجماهير وأصحاب القرار بالمشاكل البيئية، كما تقوم هذه المنظمات بإيصال
المعلومات المتعلقة بالبيئة وحقيقة مشاكلها للجمهور كما هي دون تحريف أو تشويه،
كما تقوم بتحذير الرأي العام وقوى الشعب بكل ما قد يتسبب في تدمير البيئة.
أولا: المساهمة في نشر الوعي البيئي
يقصد بالوعي البيئي تحسيس الأفراد بأهمية الحفاظ على
البيئة، و التعامل معها بعقلانية من خلال تدعيم دور المؤسسات التربوية و
الإعلامية، و كذا الجمعيات البيئية التي تعمل على رفع المستوى الثقافي و تنمية
الوعي لديهم للمشاركة بفاعلية في تحسين البيئة و حمايتها من التلوث.
لعل سعي المنظمات غير الحكومية في حماية البيئة من
التلوث ونشر الوعي البيئي من أهم الجهود التي تبذلها هذه المنظمات في هذا الشأن،
فمنذ مؤتمر استوكهولم عام 1972، قامت المنظمات غير الحكومية بدور لا غنى عنه في
تحديد المخاطر وتقييم الآثار البيئية، واتخاذ الإجراءات لمعالجتها، كما قامت برصد
الاهتمام العام والسياسي بالقضايا البيئية والإنمائية، فعلى سبيل المثال، يقوم عدد
من المنظمات غير الحكومية في مختلف أرجاء العالم (شيلي، كولومبيا، الهند، ماليزيا،
تركيا، والولايات المتحدة)، بنشر تقارير وطنية عن الحالة البيئية، وأصدرت منظمات
غير حكومية دولية عديدة بما فيها المعهد العالمي للمراقبة، والمعهد العالمي
للموارد، والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية تقارير هامة عن البيئة
العالمية، وبعض الجوانب المتعلقة بالبيئة والتنمية، مثل: تعليم الجماهير، والتربية
البيئية، وتحويل المشكلة البيئية من علمية إلى مشكلة سياسية.
كما تقوم المنظمات غير الحكومية في سبيل تحسيس المواطن و
نشر وعي بيئي وكذا تعريف الأشخاص بحقهم في العيش في بيئة سليمة، بإتباع جملة من
الأساليب و الطرق كالمشاركة في مختلف البرامج الإعلامية عبر مختلف وسائل الإعلام
المقروءة و المكتوبة التي تتناول مواضيع بيئية، كما تبادر بتقديم محاضرات و ندوات
و تنظيم معارض باعتبارهم من الأدوات الهامة من أجل نشر ثقافة بيئية في أوساط أفراد
المجتمع، بمساهمتهم في التبليغ عن المشاكل البيئية و تزويدهم بالمعلومات و
المعطيات اللازمة لمناقشتها و تتقديم الاقتراحات التي يرونها لازمة للمحافظة على
البيئة.
كما أنشأت المنظمات غير الحكومية معاهد متخصصة في
مجال علوم البيئة وأصبحت تحث الدول على إدراج مادة التربية البيئية بصفة مستقلة في
برامجها التعليمية الرسمية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس الوطني للحياة الجمعوية
الفرنسي قد عدد ثمانية أصناف من النشاطات الرئيسية التي تقوم بها المنظمات غير
الحكومية من بينها:
-
إعلام و تربية الجمهور.
-
تكوين أشخاص مختصين مثل المنشطين و الاداريين و المنتخبين.
-
نشر المعلومات لوسائل الإعلام.
-
إصدار نشرية أو مجلة.
و حسب تقدير الأخصائيين، فقد صارت المنظمات غير الحكومية
تلعب دورا محددا في تشكيل وعي بيئي في الهيئات الدولية للتنمية المستدامة، فالبعض
من هذه المنظمات و إن كان غير معروف إعلاميا، فإنه أنجز عملا في مجال التحسيس و
التوعية حول مشاكل البيئة و ساهم مساهمة فعالة في إعداد و متابعة كبريات الندوات
الدولية.
يمكن القول أن المنظمات غير الحكومية استطاعت و بجدارة
من بلورة الوعي البيئي، و خير دليل على ذلك مشاهد المظاهرات العارمة في مدينة
سياتل الأمريكية المناوئة للعولمة، و التي تعد أخر المظاهر الكبرى التي سجلها
القرن العشرين و التي أشارت إلى قوة الحس و الوعي البيئي و إلى تبلور حركة معارضة
قوامها حقوق الإنسان و البيئة والديمقراطية كمعايير أخلاقية جديدة مثل فيها المطلب
البيئي أحد الأبعاد الرئيسية الرامية إلى إخضاع أنظمة المنظمة العالمية للتجارة
للقوانين و المعاهدات البيئية الدولية التي تنظم الجهود والقوانين البيئية في
العالم.
أخيرا تجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 12-06 المتعلق
بالجمعيات قد أكد على دور الجمعيات على اختلاف نشاطاتها و مجال عملها، في نشر
الوعي البيئي من خلال تنظيم أيام دراسية و ملتقيات و ندوات، و إصدار المجلات و
وثائق إعلامية لها علاقة بهدفها المنشود والمتمثل في ضمان حماية البيئة و عدم
المساس بها.
ضف إلى كل هذا فإن بعض المنظمات غير الحكومية و الجمعيات
البيئية و بغية مساهمتها في نشر الوعي البيئي، قد عمدت إلى إنشاء أحزاب سياسية
شعارها حماية البيئة والتوعية بأهميتها، و من أمثلة ذلك الحزب الأخضر في ألمانيا
الذي تأسس عام 1980وحصل على نسبة ,51 % من مجموع أصوات الناخبين، و حصل في
سنة 1983 على,65 % من مجموع الأصوات و أصبح لهم وقتها 27 مقعد في البرلمان،
كما أن الحكومة الإئتلافية في فرنسا إحدى تشكيلاتها “حركة الإيكولوجيين” التي
تمكنت من الفوز بعدة حقائب وزارية في الإنتخابات منها وزارة البيئة، كما أن إحدى
نشيطاتها حصلت على مقعد في البرلمان الأوروبي أهلها إلى نقل انشغال الدفاع عن
البيئة من فرنسا إلى سائر الدول الأوروبية.
مثل هذه الحركات الخضراء لم تكن قصرا على الدول المتقدمة
فحسب، بل ظهرت كذلك في دول العالم الثالث و منها ” حزب الطبيعة و النمو” في
الجزائر و حزب الخضرالمصري، و إن كانت مثل هذه الأحزاب ما زالت بعيدة عن تحقيق
أهدافها بسبب نقص الإمكانيات المادية و البشرية من جهة و العراقيل السياسية و
البيروقراطية من جهة أخرى.
ثانيا: دور المنظمات غير الحكومية في العمل البيئي
إن المنظمات غير الحكومية البيئية و سعيا منها للحماية البيئة، تقوم باتخاذ مجموعة
من التدابير الوقائية و كذا العمل على إصلاح الضرر البيئي الحاصل.
إنطلاقا من هذا، فإن العمل التطوعي للمنظمات غير الحكومية يشكل نواة الأعمال
المادية للمنظمات و الجمعيات البيئية بمختلف مجالاته سواء تم لغرض إزالة النفايات
أو القيام بعمليات التشجير أو الحفاظ على المساحات الخضراء أو تنقية المسطحات
المائية أو كانت تلك النشاطات تتعلق بالمحافظة على التربة أو مكوناتها أو يراد
منها حماية الهواء أو بصفة عامة المساعدة في التخفيف من كل مشكلة بيئية.
و بخصوص العمل التطوعي نجد أن هيئة الأمم المتحدة قد
تطرقت إلى تعريفه بمناسبة اليوم العالمي للتطوع الموافق للخامس من ديسمبر و ذلك
لسنة 2008 في برامجها بأن “العمل التطوعي هو عمل غير ربحي لا
يقدم نظير لأجر معلوم و هو عمل غير مهني يقوم بالأفراد من أجل مساعدة و تنمية
مستوى معيشة الأخرين و المجتمعات البشرية بصفة مطلقة”.
أما المشرع الجزائري فإنه لم يعرف العمل التطوعي و ذلك نظرا لإنعدام تشريع خاص
بالعمل التطوعي من جهة، و من جهة أخرى كون التعريفات من اختصاص و مهام الفقه أكثر
من التشريع، و بالمقابل نجد أن المشرع التونسي قد عرف العمل التطوعي بموجب الفصل
الثاني من قانون رقم 26 لسنة 2010 المؤرخ في 21/05/2010 المتعلق بالعمل التطوعي
التونسي بأنه ” كل عمل جماعي يهدف إلى تحقيق منفعة عامة ينفذ في إطار منظم وفق عقد
تطوع يلتزم بمقتضاه المتطوع بصورة شخصية و تلقائية بإنجاز ما يوكل إليه من نشاط
دون أجر و بكامل الأمانة و الإنضباط و في نطاق احترام القانون و حقوق الأفراد و
كرامتهم”.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المنظمات غير
الحكومية البيئية قد أخذت على عاتقها مسألة التخفيف من حدة المشكلة البيئية المراد
معالجتها و إن أمكن الوقاية أو إصلاح الضرر البيئي، و بهذا الشأن فقد شهدت قمة
الأرض ” ريو 20+” إطلاق عدد من الشراكات و التعهدات على مستوى واسع من أجل التوصل
إلى حلول إبداعية لمشكلة التغير المناخي وهذا عن طريق تكثيف العمل البيئي التطوعي،
حيث تعهدت المنظمة التطوعية ” البيئة مباشر Environment Online” المعنية بتشجيع
الأطفال على زراعة الأشجار والنباتات، وهذه المنظمة ناشطة في حوالي سبعة ألاف
(7000) مدرسة تتوزع على مائة وخمسون (150) دولة، كما تعهدت هذه المنظمة خلال مؤتمر
الأمم المتحدة للتنمية المستدامة” ريو 20+” بزراعة مائة(100) مليون شجرة خلال
السنوات الخمس المقبلة.
أما على المستوى العربي، فقد قامت جمعية البيئة بقليبية بتونس في سنة 2002 بالقيام
بتجربة بأحد أحياء المدينة( حي الرياض) تتمثل قي عملية فرز النفايات المنزلية من
المصدر، و قد لاقت هذه العملية استحسان كل سكان الحي و الأحياء المجاورة و كذلك
البلدية و وزارة البيئة و التنمية المستديمة، الشيء الذي جعل الجمعية تتشجع لتواصل
تطبيق برنامج الفرز على مدار السنة بمساعدة الوكالة
الوطنية لحماية المحيط و بلدية القليبية و في سنة
2004 تم اختيار و تبني هذه العملية من قبل إدارة التنمية و التعاون السويسرية و
كذلك الصندوق العالمي للبيئة و صندوق الأمم المتحدة للتنمية.
نتيجة لهذا، فقد جعلت هذه التجربة قطاع النفايات مجالا واعدا للإستثمار حيث أصبح
منظومة إنتاج عوضا عن منظومة استهلاك، كما تم بفضله مقاومة التلوث الناجم عن
النفايات و محاولة الحد من أثارها السلبية على البيئة.
و عليه يمكن التأكيد على أن المنظمات الدولية غير الحكومية و الجمعيات الأهلية
البيئية، تسعى جاهدة لمعالجة المشاكل البيئية محليا و جهويا و و طنيا و عالميا، و
ذلك من خلال القيام ببرامج و حملات تطوعية يكون الهدف من ورائها المحافظة على
الموارد الطبيعية و على سلامة المحيط و استدامة التنمية، و هذا من أجل النهوض
بمقومات العيش وضمان حق كل مواطن في بيئة
سليمة.
المطلب
الثاني: التأثير في سياسات التنمية
تلعب المنظمات غير الحكومية دورا مهما في التأثير في
سياسات التنمية، لا سيما بالمتابعة الميدانية لها، و كمثال على ذلك ما تقوم به
شبكة عمل المناخ (RAK) التي تتابع عن قرب تنفيذ إجراءات بروتوكول طوكيو حول التغير
المناخي و تقدم تحاليل من أجل إتخاذ الاجراءات الممكنة لمواجهة الاحتباس الحراري.
من خلال هذا تبرز احترافية المنظمات غير الحكومية في
التفاعل مع القضايا العالمية (خاصة القضايا البيئية) و ذلك بالتفكير و التحليل و
حتى اقتراح سياسات تنموية تتماشى ومتطلبات التنمية المستدامة، فهي تطورت من مجرد
الحفاظ على البيئة، إلى الاستثمار حتى في كبريات المسائل السياسية و الاقتصادية
للتنمية المستدامة، و هناك العديد من المنظمات غير الحكومية على هيئة شبكات أفقية
في ميدان الخبرة مثل ” المركز العالمي لقانون البيئة والتنمية CIEL ” و المؤسسة من أجل
التنمية للدولة و القانون FIELD” المختصة في ميدان القانون الدولي للبيئة، و التي تقدم خبرة ذات
مستوى عال مثل إدراج قواعد البيئة في المنظمة العالمية للتجارة
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن جل اهتمامات هذه
المنظمات تتمحور حول ضرورة تحقيق الإستدامة البيئية، و دمج السياسات البيئية في
الاعتبارات التنموية، كما اتخذت مواقف أكثر شدة مع النظام الرأسمالي الذي يهدف فقط
إلى الربح السريع و لو كان ذلك على حساب البيئة الطبيعية، بالمقابل قامت العديد من
المنظمات الاقتصادية الدولية ، بإنشاء منظمات غير حكومية، مثل المركز
العالمي للتجارة و التنمية المستدامة، الذي يقوم بتنسيق تبادل المعلومات بين
المنظمات غير الحكومية و المنظمة العالمية للتجارة.
و في الدول السائرة في طريق النمو،فإن المنظمات غير
الحكومية العاملة في المجال البيئي، أصبحت هي الأخرى تفرضها متطلبات التنمية
المتزايدة، لا سيما و أن الدولة لا تستطيع بمفردها مواجهة مشكلات التخلف و كذا
الوضع البيئي المتدهور الذي تشهده العديد من هذه الدول، و في هذا الإطار فقد ظهرت
الدعوة الملحة إلى تعاون المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مواجهة متطلبات
التنمية، و على ذلك فإن جانب من المسؤولية يقع على عاتق الجمعيات و التنظيمات غير
الحكومية، في كل بلدان العالم النامي على كافة المستويات المحلية و القومية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كل هذه الجهود أدت بالجمعية
العامة للأمم المتحدة إلى إصدار عدة قرارات منها القرار رقم 2481(د-29) لسنة 1974،
المتضمن ميثاق حقوق الدول و و اجباتها الاقتصادية، و الذي جاء فيه ضرورة الربط بين
السياسة البيئية والإنمائية.
من جهة أخرى نجد أن مؤتمر القاهرة للسكان و التنمية لسنة
1994 قد أكد على الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية في مجال التأثير في
سياسات التنمية، على أساس اعتبارها شريك شرعي و فعلي للحكومات في عملية التنمية، و
بموجب هذا خُصص الفصل الخامس عشر لتوصيات المؤتمر لهذه المنظمات غير الحكومية، و
من بين ماجاء فيه” نظرا لما تقدمه المنظمات غير الحكومية من مساهمات فعلية و
محتملة يكتسب اعترافا أوضح … فمن الضروري إقامة مشاركة واسعة النطاق و فعالة بين
الحكومات و المنظمات غير الحكومية للمساعدة في وضع و تنفيذ و رصد الأهداف المتعلقة
بالسكان و التنمية”.
الجدير بالذكر أن العالم العربي يشهد كذلك حركة
ديناميكية للمنظمات غير الحكومية في تفاعلها مع القضايا البيئية، و في هذا الصدد
نظمت ” جمعية الارتقاء بالبيئة العمرانية “ في مصر العربية و ” مركز الأمم
المتحدة للمستوطنات البشرية” و ” البرنامج الإغاثي للأمم المتحدة” ملتقا عربيا حول
” دور المنظمات غير الحكومية في دعم التنمية المتواصلة للمجتمعات الفقيرة” في
القاهرة خلال الفترة بين 16-18 أكتوبر 1995.
كما نوه مؤتمر ” الدور التكاملي للمنظمات غير الحكومية و
الحكومية الدولية في التنمية المستدامة” الذي عقد في دولة قطر من 04 إلى 06 مارس
2002، على دور المنظمات غير الحكومية في التحسيس و التوعية و الممارسات تماشيا مع
أهداف التنمية المستدامة.
المبحث الثاني: مساهمة المنظمات غير الحكومية في إرساء و
تطوير القانون الدولي البيئي
نجد أن بعض المنظمات الدولية غير الحكومية قد حاولت
مؤخرا تعديل قواعد العمل الدولية الجاري التعامل بها من قبل الدول و الهيئات
الدولية في مجال البيئة، و هي ترتكز في ذلك على قوتها التجنيدية على الصعيد
الدولي، و قدرتها على التحليل و التفكير و الإقتراح، وبهذا استطاعت بالاعتماد على
جملة من السبل المساهمة في إعداد قواعد القانون الدولي للبيئة.
المطلب الأول: تطوير القانون الدولي البيئي وقت السلم
مما لا شك فيه أن انتشار المنظمات غير الحكومية و تعاظم
دورها قد أثر بشكل ملحوظ على الكثير من المفاهيم الأساسية
السائدة في ميدان القانون الدولي، و قد بدأ نطاق هذه المنظمات يتسع باطراد
خلال السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي لتحقيق أغراض متعددة منها توفير الحماية
الدولية للبيئة، و قد تمكن الأفراد مؤخرا من خلال هذه المنظمات من التأثير في
السياسات الإقليمية و الدولية إزاء البيئة.
و في نطاق القانون الدولي البيئي فإن المنظمات غير
الحكومية تقوم بنشاطات دولية متنوعة تؤثر إلى حد كبير في اتخاذ القرار السياسي في
الدول، إلى الحد الذي يمكن هذه المنظمات من مراقبة تنفيذ الدول لالتزاماتها
الدولية وفقا للاتفاقيات الدولية، و تقديم التقارير إلى الهيئات الدولية ذات
العلاقة.
بالتالي يمكن للمنظمات غير الحكومية من المساهمة
في تطوير قواعد القانون الدولي البيئي من خلال الاعتراف له بجملة من الحقوق تتمثل
فيما يلي:
- المشاركة بشكل فعال في المفاوضات الدولية المتعلقة
بالاتفاقيات البيئية الدولية سواء بمنح المنظمة غير الحكومية صفة المراقب، أو
بالاستعانة بها لتمثل الدولة ضمن الوفد الرسمي المكلف بالتفاوض و بهذا تمتلك الحق
في المشاركة باتخاذ القرار، و توفر مشاركة المنظمة غير الحكومية للدولة الاستفادة
من الخبرة العلمية و القانونية و الاقتصادية التي تمتلكها هذه المنظمات، و في نفس
الوقت تقوم المنظمة بعرض وجهة نظرها و تقديم الحلول المناسبة للمشاكل البيئية.
- تقوم الهيئات الرسمية في بعض الاتفاقيات البيئية
كالسكرتارية في اتفاقية تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي، بالتعاون مع
المنظمات غير الحكومية لتزويدها بالبحوث والدراسات العلمية و القانونية و
الاقتصادية التي تساعد في تنفيذ هذه الاتفاقيات.
- تقوم هذه المنظمات بمراقبة امتثال الدول و تنفيذها لالتزاماتها
وفقا للقانون البيئي الدولي و الاتفاقيات البيئية، و كذلك يمكن أن تقوم بمراقبة
تنفيذ الدول لالتزاماتها البيئية وفقا للقانون الوطني، ففي اتفاقية “أمريكا
الشمالية للتعاون البيئي” يمكن لأي منظمة غير حكومية أو أي شخص أن يسلم سكرتارية
الاتفاقية ما يؤكد بأن أحد الدول الأطراف قد فشلت في تنفيذ قواعد القانون الدولي
للبيئة بفاعلية ليتم اتخاذ القرارات المناسبة من قبل الهيئة المسؤولة في
الاتفاقية.
كما إن للمنظمات غير الحكومية دور مهم في التشجيع على
إيجاد صيغ قانونية مناسبة لمحاسبة الدول و الهيئات الدولية عن الأضرار التي تلحقها
بالبيئة، و قد نجحت منظمات غير حكومية في سنة 1993 بتقديم الدعم للبنك الدولي
لإنشاء فريق تفتيش يعني بتقييم الأضرار التي تصيب الأفراد و التي تسببها المشاريع
التي يقوم البنك بدعمها أو تمويلها، ليتم اتخاذ القرار المناسب في حالة وقوع الضرر
بدفع التعويض للمتضررين أو قطع أو سحب الدعم المالي للمشروع.
كما تسمح اتفاقية “المسؤولية المدنية عن الأضرار الناجمة
عن النشاطات الخطيرة على البيئة” التي تبناها المجلس الأوروبي، للأفراد و الجمعيات
المتضررين من أفعال أو نشاطات مقامة في دولة أخرى برفع دعوى أمام الأجهزة القضائية
للدولة المتسببة في التلوث العابر للحدود.
إضافة إلى هذا نوهت الأمم المتحدة بإسهامات المنظمات غير
الحكومية في تطوير القانون البيئي في معظم تقاريرها، و لا سيما القرار 8115 إذ نص
على أنه ” بهذه الوسائل أكدت المنظمات الدولية غير الحكومية داخل و خارج إطار
برنامج الأمم المتحدة على أهمية القانون الدولي البيئي للحد من الأثار الضارة على
البيئة البشرية و تسهيل مهمة الدول الأعضاء في المنظمات لإعداد تشريعات و تدابير
وطنية أو إقليمية لحماية البيئة البشرية”، ومن هنا فإن للمنظمات الدولية الحكومية
و غير الحكومية دور أساسي في تعزيز هذا القانون و النهوض به
نتيجة لكل هذا تقع على عاتق المنظمات غير الحكومية
البيئية مسؤولية وضع الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة، و يعتبر الإتحاد الدولي
للمحافظة على الطبيعة UICN[24] من المنظرين الأساسيين في إعداد الإستراتيجية
العالمية للمحافظة (Stratégie Mondiale de
Conservation) التي اعتمدت بتاريخ
05-06 مارس 1980، و حسب تعبير الرئيس الفرنسي ” جاك شيراك” فإن الإتحاد الدولي
للمحافظة على الطبيعة يتميز بمكانة مرموقة ووحيدة بين المنظمات الدولية، يجمع
الدول، الجمعيات و رجال الأعمال، اضطلع بمسؤولية وضع اتفاقيات هامة و هو يقوم
بمهام المطالبة التي هي للمنظمات الدولية غير الحكومية.
و حسب وزيرة البيئة و التهيئة العمرانية الفرنسية
السيدة ” دومينيك فواني ” فإن الإتحاد كرس المبدأ الذي عبره تستطيع المدارس
البيئية تأسيس سياسة الدول و توجيه النشاط الاقتصادي ، كما أنه رقى مبدأ الحيطة ( la principe de précaution) ، فالدور
الهام الذي يقوم به هذا الإتحاد يعد نشاطا دائما مستمرا و مؤشرا في السياسة
الدولية عامة والسياسة الوطنية في بعض الدول بصفة خاصة.
لهذا فقد عملت المنظمات غير الحكومية خلال العشرية الماضية على تعزيز تواجدها من
خلال تطوير قواعد حماية البيئة و التأثير بصورة مباشرة في إنتاج القواعد الدولية
لحماية البيئة ، و قد طرح هذا الموضوع خلال اللجنة التحضيرية الثالثة لندوة الأمم
المتحدة للبيئة في سبتمبر من عام 1991 بجنيف، كما اجتمعت مجموعة أخرى من المنظمات
غير الحكومية في فرنسا في ديسمبر 1991 و خرجت ببيان “ياونانشي YAWANANCHI ” و تم الاتفاق على
41 اتفاقية و أربعة إعلانات عامة.
و بما أن التهديد الذي تتعرض له البيئة في زمن الحرب
أكبر منه في زمن السلم، فإنه وجراء تفاقم الخطورة التي تتعرض لها البيئة أثناء
النزاعات المسلحة، أخذت المنظمات غير الحكومية على عاتقها مسألة تطوير قواعد و
مبادئ تحمي البيئة.
المطلب الثاني: تطوير القانون الدولي البيئي وقت الحرب
لقد شهدت القواعد الخاصة بحماية البيئة وقت
النزاع المسلح تطورا سريعا في السنوات الأخيرة، و كان لحرب الخليج سنة 1991 و ما
تركته من أثار بيئية مدمرة في مختلف القطاعات و ما ترتب من أثار ضارة بالغة و
مباشرة بصحة الإنسان، مما أكد في الوقت ذاته عدم ملائمة
القواعد الاتفاقية و العرفية الحالية و المكرسة في اتفاقيتي
لاهاي
( 1899-1907) و النصوص الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة
(1949) و البرتوكول الإضافي الأول (1977) المعنية بحماية البيئة، لهذه الأسباب كان
من الضروري إيجاد أدوات قانونية جديدة لضمان حماية البيئة وقت النزاع المسلح.
و عليه نجد أن جدول أعمال القرن 21 الصادر عن مؤتمر ريو
ديجانيرو لسنة 1992، قد نص في الفصل 36 من المادة 6 على أنه ينبغي النظر في اتخاذ
إجراءات تتماشى مع القانون الدولي لأجل التقليل من الأضرار الهائلة أثناء
النزاع المسلح و الذي يصيب البيئة، و الذي ليس له مسوغ من وجهة نظر القانون
الدولي، و إن الجمعية العامة و اللجنة السادسة هما الجهازان المناسبان لمعالجة هذه
المسألة، و من المناسب الأخذ بعين الإعتبار كفاءة اللجنة الدولية للصليب الأحمر و
دورها النوعي.
و في ضوء هذا التفويض نظمت اللجنة الدولية للصليب
الأحمر في جنيف ثلاثة إجتماعات بين أفريل 1992 و جوان 1993 مكرسة لموضوع
حماية البيئة في زمن النزاع المسلح، و كان العمل الذي أنجزته اللجنة هو التعبير
الواضح و الملموس عن التفويض الذي أوكله المجتمع الدولي إليها من خلال الجمعية
العامة.
و عليه بادرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تنظيم
اجتماع للخبراء لدراسة قضية حماية البيئة في زمن الحرب و ذلك في سنة 1992، و كان
الهدف من الاجتماع دراسة موضوعات أربع و هي:
- تحديد فحوى القانون المطبق.
- تحديد المشاكل الرئيسية لتطبيق هذا القانون.
- تحديد ثغرات هذا القانون.
- تحديد الإجراء الواجب إتخاذه كحل مؤقت.
وبناء على التقرير الصادر عن هذا الإجتماع تبنت الجمعية
العامة قرار رقم 47- 37 بتاريخ 25/11/1992، أكدت بموجبه على أهمية أحكام القانون
الدولي السارية على حماية البيئة في أوقات النزاع المسلح، و أعربت عن قلقها إزاء
الضرر الذي لحق بالبيئة اثناء نزاعات حدثت مؤخرا، كما أكدت على أن تدمير البيئة
الذي لا تبرره الضرورة العسكرية والمنفذ عمدا يعد أمرا يتعارض مع أحكام القانون
الدولي.
طبقا لما ورد في هذا القرار عقدت اللجنة الدولية للصليب
الأحمر اجتماعين للخبراء خلال النصف الأول من عام 1993، و قد لخصت أعمال
الإجتماعين في تقرير اللجنة الدولية، و يمكن حصر أهم ما ورد بهذا التقرير في :
- التأكيد على النصوص الرئيسية في القانون الدولي
الإنساني المطبقة مباشرة أو بصفة غير مباشرة في ميدان حماية البيئة.
- يشير التقرير إلى بعض معاهدات نزع السلاح التي يمكن أن
يساهم تطبيقها أيضا في حماية البيئة.
- الإشارة إلى القصور في ميدان حماية البيئة أثناء
النزاعات المسلحة غير الدولية.
انطلاقا من هذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها
48-30 بتاريخ 09/10/1993، الذي أكدت بمقتضاه على أهمية العامل الذي قامت به اللجنة
الدولية للصليب الأحمر بوصفها منظمة غير حكومية، كما دعت الدول إلى استعراض نص
مشروع الإرشادات المتعلقة بالأدلة العسكرية التي توضع لحماية البيئة في أوقات
النزاع المسلح.
و في مبادرة تتصل بالجهود الدولية لتدوين قواعد تتعلق
بحماية البيئة في أوقات النزاع المسلح، أعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام
1993-1994 مبادئ توجيهية بشأن الأدلة العسكرية الخاصة بحماية البيئة في أوقات
النزاع المسلح، و قد دعت الجمعية العامة في قرارها 49-50 جميع الدول الأعضاء إلى
نشر هذه المبادئ التوجيهية على نطاق واسع، و أن تولي العناية الواجبة لإمكانية
دمجها في أدلتها العسكرية و التعليمات الأخرى الموجهة إلى أفرادها العسكريين.
كما تجدر الإشارة إلى أن معالجة الأثار المترتبة على
البيئة في زمن النزاع المسلح ووضع قواعد حماية لها، لم تقتصر على الجهود المذكورة
أنفا فحسب، إذ عقدت عدة اجتماعات لمتخصصين في مجالي المنازعات المسلحة و حماية
البيئة و هذا بحضور العديد من المنظمات غير الحكومية، و من بين هذه الإجتماعات
إجتماع لندن لسنة 1991 بعنوان
” مسودة اتفاقية جنيف الخامسة حول حماية البيئة في أوقات
النزاع المسلح”، لكن هذا المؤتمر لم يصل إلى وضع حلا للخلل الذي أصاب القانون
البيئي الدولي في هذا المجال.
كذلك عقد مؤتمر برعاية وزارة الخارجية الكندية في جويلية
1992 في أوتاوا، حيث شدد على التزام الدول و جميع الأطراف في النزاع المسلح
بالإمتثال لشروط القانون المعني بحماية البيئة، كما أكد على أن قواعد القانون
الدولي البيئي المطبقة وقت السلم تبقى مطبقة وقت النزاع المسلح، و هذا ماجاء به
أيضا المؤتمر المنعقد في أكتوبر 1992 من طرف مجموعة من الخبراء و بحضور
منظمات غير حكومية و كذا المجلس الدولي للقانون البيئي.
على الرغم من هذه الجهود و غيرها المبذولة من طرف
المنظمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة و المحافظة عليها ، إلا أنه في أحيان
كثيرة تجد هذه المنظمات نفسها عاجزة عن تحقيق أهدافها التي انشأت من أجلها و هذا
نتيجة لعقبات و صعوبات و تحديات تحول دون ممارستها لوظيفتها المتمثلة أساسا في
الحد و الإصلاح إن امكن من التدهورالبيئي الذي أصاب البيئة الإنسانية في مجمل
عناصرها المكونة لها.
الخــــــاتمـــة
إن الاهتمام الدولي و الوطني بموضوع حماية البيئة نابع أساسا من الأخطار والمشاكل
التي أصبح الجميع عرضة لها، غير أن هذه الحماية لا تكتمل إلا إذا تضافرت الجهود
مجتمعة سواء من السلطات العالمية أو المحلية أو المنظمات و الجمعيات المهتمة
بحماية البيئة، حيث قامت هذه الأخيرة بدور لا غنى عنه في تحديد المخاطر
وتقييم الأثار البيئية، و اتخاذ الإجراءات لمعالجتها، كما ساهمت برصد الاهتمام
العام و السياسي بالقضايا البيئية و الإنمائية،و اكتسبت المنظمات الدولية غير
الحكومية، من خلال جهودها و إنجازاتها ونشاطاتها الميدانية في النهوض بحماية
البيئة و المحافظة عليها، شهرة و نفوذ كبيرين على الساحة الدولية، إذ أصبحت تحظى
باهتمام كبير من جانب الدول و المنظمات الدولية غير الحكومية، بل حتى من قبل
الأفراد، و هذا من أجل الاستفادة من خبراتها المميزة في مجال حماية البيئة، فهذه
المنظمات حلت محل الدول في العديد من المجالات و لاسيما المجال البيئي، و ذلك بفضل
استراتيجياتها المختلفة، و الأجهزة المكونة لها و الخبرة العلمية والميدانية التي
يتسم بها أعضاؤها و المنتسبين إليها.
كما تزداد أهمية هذه المنظمات البيئية بشكل بارز بحكم
دورها و بحكم كونها تشكل أحد المصادر الرئيسية و الأساسية التي تساهم في نشر الوعي
البيئي لأعضاء المجتمع الدولي، هذا الوعي الذي يعد بمثابة خطوة هامة لحماية البيئة
و الحفاظ عليها من خلال تكوين المجتمع الدولي و إكسابه سلوكيات إيجابية اتجاه
البيئة.
كل هذا يعود إلى الاعتراف الدولي المستمر بهذه المنظمات،
بحيث أصبحت شريكا فعالا يحسب له ألف حساب في كبريات المؤتمرات و الإعلانات و ما
ينجم عنها من اتفاقيات و معاهدات دولية تنظم و تحتوي مجمل المشكلات البيئية التي
أضحت تؤرق العالم بأسره، وهنا نجد أن المنظمات الدولية غير الحكومية قد حرصت على
تنفيذ هذه الاتفاقيات من قبل الدول المصادقة عليها، و هذا ما أسهم في تطوير
القانون الدولي البيئي و ترقيته، بل الأكثر من ذلك أخذت بعين الاعتبار ضرورة
الالتزام باحترام هذا القانون في ظل الحروب والنزاعات الدولية.
و بناء على ما تقدم يمكن تقديم مجموعة من النتائج التي
تم التوصل إليها من خلال الوقوف على مكانة المنظمات الدولية غير الحكومية البيئية
في المجتمع الدولي، و كذا من خلال الجهود المبذولة من قبل هذه المنظمات بغية
مواجهة تدهور البيئة على المستويين المحلي و العالمي و العمل على درء مشاكل البيئة
و تبيان انعكاساتها.
نتائج الدراسة:
أولا: إن مواجهة المشاكل البيئية و معالجتها و العمل على
الحد منها، لا يتم دون تضافر الجهود و تكاملها فهذه المواجهة لا تكمن في عمل
فرد واحد أو طرف واحد أو دولة واحدة أو منظمة واحدة، بل تكمن في وضع خارطة طريق
يساهم فيها الجميع، سواء كان ذلك على مستوى وطني أو إقليمي أو على مستوى عالمي.
ثانيا: لقد أدركت الدول أهمية العمل و التعاون الدولي
المشترك لصون البيئة والمحافظة عليها، فكان لازما عليها تحقيق هذا التعاون مع
مثيلاتها و كذا مع المنظمات الحكومية و غير الحكومية، لهذا عقدت المؤتمرات الدولية
والإقليمية التي كان جدول أعمالها يدور حول قضية البيئة، و بموجب ذلك أطلقت
البرامج و المقررات و التوصيات في مجال حماية البيئة، و الملفت للانتباه تأكيد جل
المؤتمرات على أهمية الدور الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية البيئية على
اختلافها، في سبيل الرقي بالبيئة و نظمها.
ثالثا: إن جهود المنظمات غير الحكومية في مجال حماية البيئة، سواء من خلال نشر
التربية البيئية أو المساهمة في عملية التنمية، أو عن طريق تطوير القانون الدولي
البيئي في مختلف الأزمنة، هذا كله يترجم أن موضوع البيئة في ربع القرن الأخير قد
أصبح ليس شغل و اهتمام المؤسسات الرسمية في الداخل أو الخارج فحسب، أنما أصبح كذلك
مركز اهتمام المنظمات غير الحكومية داخليا و خارجيا، و هذا بفعل تنامي الوعي العام
لدى هؤلاء جميعا بوجوب المحافظة على التوازن بين الإنسان و بيئته التي يحي فيها.
و بعد عرضنا لهذه النتائج، خرجنا ببعض التوصيات التي يعتقد أنها إن نفذت بالشكل
الصحيح و السليم سيكون ذلك مدعاة إلى حل الكثير من المشاكل البيئية و ضمان
حرية المنظمات غير الحكومية البيئية، مما يجعلها في منأى عن الضغوط التي يمكن لها
أن تؤثر على مرد وديتها في مجال حماية البيئة.
التوصيات:
أولا: توفير آليات التنسيق بين المنظمات غير الحكومية و الفواعل الدولية الأخرى،
وهذا عن طريق عقد اجتماعات دورية مشتركة لتنسيق جهود المتخذة في مجال حماية
البيئة، و كذلك تنسيق العمل بين جهود المنظمات الدولية غير الحكومية منها، و
الإقليمية وكذا المنظمات المحلية، و هذا من خلال
عقد المؤتمرات و اللقاءات و التشاور حول مختلف المخاطر
البيئية التي تهدد الكوكب الحي.
ثانيا: تقديم الدعم و الاهتمام بميزانية المنظمات الدولية غير الحكومية البيئية
حتى تتمكن من مباشرة أعمالها الهامة في مجال حماية البيئة
ثالثا: وجوب تقرير مبدأ إعفاء الشركات و المنشآت التي تحافظ على البيئة من بعض
الضرائب لتحفيزها على إدراج بعض الأهداف البيئية في جميع مخططاتها الاستثمارية
المستقبلية، بالمقابل ضرورة إقرار مبدأ الضرائب التصاعدية على الشركات و المنشآت
ذات السلوكات الماسة بالبيئة.
المراجع:
[1] - د. عثمان بقنيش، قانون
المجتمع الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الأولى،2012،
ص 80.
[2] – د. راتب السعود، المرجع السابق،ص
134.
[3] – مجاهد عبد الحليم، المرجع السابق، ص
21.
[4] – أ.د محمد ياسر خواجة، دور المنظمات
غير الحكومية في نشر الوعي البيئي، المركز الدولي للأبحاث و الدراسات،2009، ص 34.
[5]- JEROME FROMAGEAU, PHILIPPE GUTTINGER, droit de
l’environnement , éditions Eyrolles,Paris, 1993,p p 124-125 .
[6] – أ. صباح العشاوي، المرجع السابق، ص
ص 139-140.
[7] – تنص المادة 24 من القانون رقم
12-06 المتعلق بالجمعيات على أنه” يمكن للجمعية في إطار التشريع المعمول به القيام
بما يأتي:
- تنظيم أيام دراسية و ملتقيات و ندوات و كل اللقاءات
المرتبطة بنشاطها.
ليست هناك تعليقات