Header Ads

قراءة في أهم مستجدات قانون المالية لسنة 2021

 قراءة في أهم مستجدات قانون المالية لسنة 2021



الكاتب: مدير مجلة العصامي
البريد الاليكتروني Al3isami@gmail.com

لا شك أن قوانين المالية السنوية تشكل آلية مهمة وأساسية في تنزيل السياسات والبرامج التي سطرتها الحكومة ضمن ولاياتها الممتدة على مدى ست سنوات، لا سيما وأنها تستمد مرجعتيها من التوجيهات الملكية السامية ومن الدستور والقانون التنظيمي للمالية ومضامين السياسة العامة والظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي تمر منها البلد والتي تتسم هذه السنة بطابع خاص، حيث ألقـت الجائحـة المرتبطة بانتشـار فـروس” كوفيـد- 19 ”بتداعياتهـا على الاقتصاد الوطني وأثـرت بشـكل قـوي عـلى الوضـع الاقتصـادي والاجتماعـي للأسر، حيث من المتوقع أن تسجل نسبة النمو تراجعا مهما برسم سنة 2021.

أولا: السياق العام لقانون المالية السنوي

يعتبر قانون المالية السنوي الوثيقة القانونية التي يتم اعدادها من قبل السلطة التنفيذية والمصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية وفق الإجراءات والتدابير المعمول بها، ويتم تحديد مالية كل سنة من خلال كمية المبالغ التي تخص موارد الدولة والمصاريف المنتظر تنفيذها، حيث يعد بمثابة التنزيل الرقمي والفعلي للتعهدات التي يتضمنها البرنامج الحكومي خلال كل سنة مالية، اذ يقدم تفصيلات لما سيتم الوفاء به والالتزامات الملقاة على عاتق الحكومة والمؤشرات الرقمية المزمع تحقيقها في جميع القطاعات والمجالات وحجم النفقات والاستثمارات والمبالغ المالية المرصودة لتغطيتها وديون الدولة الخارجية، حيث يشكل بذلك خارطة الطريق والوثيقة القانونية التي تلتزم بموجبها السلطة التنفيذية أمام السلطة التشريعية بالقيام بمجموعة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية خلال سنة مالية، ويشكل الإطار المالي العام للسياسات والبرامج الحكومية والمرجع الأساسي للاستثمارات العمومية التي تعد بمثابة رافعة أساسية للتنمية ويتوقف نجاح أي سياسة عمومية على مدى نجاح هندسة قوانين المالية السنوية التي تحتاج بدورها إلى مساهمة مختلف مكونات الأغلبية والمعارضة بكيفية فعالة وبناءة[1]، لإنتاج قانون مالي متكامل وفعال، فأي خلل على مستوى هذه الآليات والأجهزة أو تهميش لدورها بعدم منحها الأهمية الضرورية من إطارات قانونية ومؤسساتية توضح اختصاصاتها وتعمل على تقويتها للاضطلاع بمهامها وتراعي في مضمونها مسألة الالتقائية ستجعلها غير قادرة على مباشرة صلاحياتها، حيث سيكون الفشل هو النتيجة الحتمية لهذه السياسات[2]، فالمقاربة التشاركية التي تعتمد على التكامل والتنسيق والالتقائية، أصبحت اليوم تشكل حجر الزاوية والرافعة الأساسية للتنمية وقاعدة لدعم الاستثمار العمومي، حيث يلاحظ في السنوات الأخيرة أن الاستثمار العمومي في المغرب عرف تطورا لافتا منذ سنة2008 ، فابتداء من سنة 2010 أصبحت تعرض هيكلة تكلفة الاستثمار العمومي في شكل مركب يضم الاستثمار الخاص بالمقاولات والشركات العمومية61%، متبوعا بنفقات التجهيز المرصدة في قانون المالية 33%، ونفقات التجهيز المرصدة في الميزانيات الجماعية 4%، والباقي الذي يغطي حصة الحسابات الخصوصية للخزينة ومصالح الدولة المسيرة بطريقة مستقلة [3]، حيث تأخذ هذه الاستثمارات شكل إنشاء مشاريع جديدة ومبتكرة أو تملك حصص في رأسمال شركات قائمة في ملكية مستثمرين محليين، على أن تقترن هذه الملكية بالقدرة على التأثير في إدارة هذه الشركات والرفع من موقعها في السوق، حيث تقدم الدول والحكومات حوافز مهمة لجذب الاستثمارات الخارجية من خلال التودد إلى المستثمرين العالميين والشركات المتعددة الجنسيات عبر رزمة من الحوافز، على أمل استقطابهم والظفر بحصة من استثماراتهم، لاعتقادها أن ذلك سيكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية إيجابية وتقوم بإدراج هذه السياسات ضمن قوانين المالية السنوية، خاصة على مستوى توفير فرص شغل ونقل المعرفة، مما يساهم في خلق دينامية وحركية اقتصادية مهمة، حيث تشكل الاستثمارات الداخلية والخارجية معا الآليات والعناصر الأساسية لتنشيط الحياة الاقتصادية، بفعل تظافر جهود مختلف المتدخلين، من مؤسسات عمومية، جماعات ترابية والمصالح الإدارية المعنية، لتوفير البنيات التحتية الاقتصادية كالطرق والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والطرق السريعة لدفع المستثمرين الأجانب إلى توظيف أموالهم في مشاريع ذات قيمة مضافة، كما تحتاج بالدرجة الأولى إلى اجتهاد الحكومة والبرلمان في تقديم قوانين مالية سنوية فيها ابداع ومرونة أكثر وتفاعل مع القضايا الراهنة.

 ثانيا: الرهانات التنموية على ضوء قانون المالية لسنة 2021

تتميز السنة المالية 2021، بكونها تأتي في سياق دولي ووطني صعب ومطبوع بمجموعة من الاكراهات والصعوبات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، مثيرة معها مناخا مطبوعا بالتخوفات والشكوك وانعدام اليقين، والذي يساهم في جعل الآفاق على المديين القريب والمتوسط أكثر ضبابية، لذلك يظل من الصعب الإحاطة بالانعكاسات الحقيقية لهذه الجائحة، كما أن عودة الأمور الاجتماعية سابق عهدها ستبقى مرتهنة من جهة بمدى قدرة بلادنا على الحد والتخفيف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة، إن على مستوى تعبئة الموارد أو بلورة وتنزيل الاستراتيجيات، ومن جهة أخرى نجاعة المنظومة الصحية الوطنية، لذلك فقانون المالية لسنة 2021 أعطى الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم، حيث خصص لهما اعتمادات مالية مهمة بلغت قيمتها 92 مليار درهم، تتوزع بين 75 مليار درهم لقطاع التعليم و 20 مليار درهم لقطاع الصحة، حيث سيخصص جانب مهم من هذه الاعتمادات لتوظيف أطر وكفاءات جديدة في محاولة لسد الخصاص الحاصل في الموارد البشرية بالنسبة للقطاعين معا.

كما سيتم بموجب هذا القانون احداث الحساب المرصود لأمور خصوصية المسمى " صندوق الاستثمار الاستراتيجي" والذي أطلق عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس "صندوق محمد السادس للاستثمار، بالإضافة لتخصيص القانون المالي جانب مهم من الاعتمادات المبرمجة لدعم الاستثمار العمومي، بغلاف مالي يقدم ب 230 مليار درهم، بما في ذلك 45 مليار درهم برسم صندوق محمد السادس للاستثمار وذلك بهدف تسريع خطة إنعاش الاقتصاد الوطني وإعطاء دينامية جديدة لبرنامج انطلاقة ومضاعفة القروض الممنوحة لفائدة المقاولات، كما سيتم ضمن هذا القانون اعتماد تدابير جمركية جديدة، لا سيما تمكين البضائـع المسـتوردة بعـد حصولهـا عـلى الأصل المغربي إثـر تحويلهـا تحـت الأنظمـة الاقتصاديـة في الجمــرك، مــن الاســتفادة مــن رســم استراد ادنى بنســبة 5,2 % والعمل على ملائمـة رسـوم الاستيراد المطبقة عـلى الاطـارات المطاطيـة ولـو كانـت مركبـة عـلى أطـواق، مـن أجـل دعـم النقل البري والسلامة الطرقية وتشجيع الفلاحة والمناولة الصناعية.



[1] - الفصل 10 من دستور 2011، للمملكة المغربية.

[2] - عادل تميم، " البعد الجهوي في سياسة تدبير الاستثمار وانعكاساته على التنمية – على ضوء الجهوية المتقدمة، مرجع سابق، ص 116.

[3] - رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي " التوزيع المجالي للاستثمار العمومي في أفق الجهوية المتقدمة، ودور المراكز الجهوية للاستثمار في إعداد وبلورة المخططات التنموية على الصعيد الجهوي وتعزيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال على صعيد الجهة"، إحالة رقم 2015/17، ص 7.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.