نشأ مفهوم الالتقائية، السياق والمرجعيات العثماني العاقل دكتوراه في السياسات العمومية لا شك أن تحديد نشأ مفهوم الالتقائية وبعض خصائصه ومميزا...
العثماني العاقل
دكتوراه في السياسات العمومية
لا شك أن تحديد نشأ مفهوم الالتقائية وبعض خصائصه ومميزاته وتجلياته، في ظل ندرة أو غياب دراسات وأبحاث متخصصة، سيطرح اشكالا حقيقيا، من أجل الكشف عن أسرار وخبايا هذا المفهوم الشائك، لذلك اعتمدنا في تأصيل نشأة المفهوم على مرحلة استعماله في دراسة وتحليل ظاهرة النمو الاقتصادي، أواسط سنوات الخمسينات وتجربته في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث سنحاول أن نساهم في تبسيطه والتعريف بخصائصه ومبادئه، مما قد يجعل بحثنا هذا مدخلا مهما للدراسات والأبحاث العلمية المرتبطة بإشكاليه الالتقائية التي أصبحت تشكل عنوانا أساسيا للمرحلة الحالية، فالمقالات والبحوث التي تناولته، اقتصر معضهما على دراسة وتحليل المفهوم في علاقته بالنمو الاقتصادي فقط، في حين أن بحثنا هذا يتناول أبعاد، خصائص ومميزات المفهوم في الجانب المتعلق بالسياسات العمومية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تبدو الالتقائية كمقاربة إدارية تقنية فعالة لدعم جهود التنمية.
الفقرة الأولى: نشأ مفهوم الالتقائية
ومراحل تطوره
لقد شكلت دراسة إشكالية العلاقة
بين الالتقائية والنمو الاقتصادي واحدا من المواضيع الشائكة التي شغلت الرأي العام أواسط سنوات الخمسينات،
وذلك بفضل مجموعة من الدراسات والأبحاث التي أجريت خلال هذه المرحلة، حيث تعد هذه
الفترة بمثابة المرحلة التأسيسية لظهور مفهوم الالتقائية واشعاعه في المجال
الاقتصادي، من خلال نموذج النمو الاقتصادي «لروبير سولو"[1]، حيث
تطرق في دراسته لإشكالية النمو الديمغرافي وعلاقتها بالنمو الاقتصادي وعن المحركات
الأساسية لهذا النموذج.
أولا: المرحلة التأسيسية لنشأ مفهوم الالتقائية
يمكن القول إن مصطلح الالتقائية، جديد نسبيا مقارنة بمصطلحات ومفاهيم أخرى،
وقد اقترن ظهوره بمرحلة تطور الرأسمالية وما صاحبها من تغيرات تقنية وتراكم لرأس المال، مما أدى إلى تحولات اقتصادية واجتماعية جوهرية وهي التحولات
التي فرضت على صناع القرار البحث عن آليات وبدائل حقيقية، لاستيعاب طبيعة وحجم هذه
التحولات ومواكبتها من خلال تنسيق الجهود على المستويين الداخلي والخارجي، للتغلب
على الاكراهات والعراقيل المطروحة، وقد استحوذ موضوع الالتقائية على الجزء الأكبر من تحليل جوانب من
نظرية النمو الاقتصادي، رغم أنه لا يمكن الجزم بوجود تصور التقائي معين لمقاربة جل
الإشكالات المطروحة وإنما هناك تصورات ومقاربة التقائية متعددة، تختلف باختلاف
الواقع المجتمعي[2]، وقد نُشِرَ
مقال "روبير سولو" في مرحلة دقيقة تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية،
حيث كانت الحاجة ماسة لمقاربة جديدة لتطوير أدوات الفعل الاقتصادي وذلك باعتماد الالتقائية
كخيار استراتيجي يمكن من خلاله إيجاد صيغة مناسبة للتغلب على الاكراهات والعراقيل
التي يصعب تخطيها بالطرق التقليدية، معتمدا في ذلك على مجموعة من المؤشرات
والعوامل التي أعتبرها محددا ومرجعا أساسيا لفهم الإشكالات المطروحة، وقد عمل على
تفسير ذلك من خلال بعض الشواهد التاريخية حول أنماط النمو الاقتصادي، حيث أظهرت تلك الشواهد عدداً من الحقائق النمطية وتباين في دخل الأفراد بين مختلف أقطار العالم [3]، حيث إن تحقيق الالتقائية بين
نموذجين اقتصاديين، يتطلب التوفر على خصائص ومميزات مشتركة، أهمها تساوي الناتج
الوطني ومستوى خبرة وتجربة الموارد البشرية المتوفرة والموارد المالية المرصودة،
حيث يرجح أن اقتصادات الدول الفقيرة تميل أكثر للنمو من نظيرتها الغنية[4]، وهي
الفرضيات التي تصدى لها بعض المفكرين الاقتصاديين، لصعوبة القبول بفرضية نمو
اقتصادات الدول الفقيرة على حساب الدول الغنية.
ثانيا: سيرورة ومراحل تطور مفهوم الالتقائية
انطلقت المرحلة الأولى لتداول مفهوم الالتقائية فعليا أواسط
سنوات الخمسينات من خلال مقال للمفكر الاقتصادي "روبير سولو" في دراسته
للعلاقة بين النمو الاقتصادي والالتقائية في إطار العلاقات الدولية، اعقبته عدة
دراسات وأبحاث تطرق بعضها لأهمية إعمال الالتقائية، لا سيما منها المتعلقة بتدارك
الفوارق الاقتصادية بين الدول الفقيرة والدول الغنية، حيث أن هناك دول استطاعت
اللحاق بركب الدول المتقدمة باعتمادها خصائص ومميزات الالتقائية في نسج سياساتها
وبرامجها التنموية كالصين وكوريا الجنوبية[5]، لكن
دراسات أخرى أجريت لاحقا، على غرار الدراسة المقارنة بين اقتصاديات دول افريقيا
جنوب الصحراء ودول أمريكا اللاتينية، رفضت الإقرار بهذه الفرضية ونتائجها، لا سيما
منها فرضية الالتقائية المطلقة التي سنأتي على ذكرها لاحقا، بل اعتبرت أن المعايير
والمؤشرات المعتمدة في الوصول لهذه الخلاصات غير دقيقة، ولا تجيب بشكل واضح عن عمق
الإشكالية الرئيسية للإلتقائية وتأثيرها في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي التي
تسمح بتدارك هذه الفوارق بهذه السرعة والكيفية، وقد ساهم ذلك في تضارب وجهات النظر
وصرف الاهتمام عن تطوير المفهوم[6]
وجعله مركز اهتمام الفاعلين وصناع القرار، لكن مع بداية التسعينات عاد مفهوم الالتقائية إلى
الواجهة، من خلال دراسات وأبحاث جديدة حول الاستراتيجيات المطروحة لمواكبة
التحولات السياسية التي شهدتها هذه المرحلة، والتي تميزت بتغيرات جدرية في
العلاقات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحطيم جدار برلين وتوحيد المانيا،
بالإضافة إلى نشوب حروب هددت السلم والاستقرار الدوليين، حيث ساهمت هذه التحولات
في انجاز دراسات جديدة لبلورة مقاربة جديدة
ودراسة انعكاساتها على التنمية، وقد استمر النقاش بشأن الخصائص والابعاد
المتحكمة في التقائية السياسات والاستراتيجيات التنموية إلى بداية سنة 2005[7]، وهي السنة
التي شكلت حدث انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية[8] في المغرب، حيث استطاعت المساهمة
في توليد الشعور بالرضى في صفوف فئات اجتماعية عريضة، في حين يصعب العثور على
دراسات وتجارب متخصصة حول الالتقائية الترابية والقطاعية على غرار ما سنتطرق له في
هذا البحث، باستثناء تأويل بعض الأنماط اللامركزية والسياسات القطاعية التي
يباشرها أعضاء الحكومة كل حسب اختصاصاته والتقائية قطاعه مع قطاعات أخرى بصور وأشكال
تقليدية وتلقائية شأنها في ذلك شأن الاختصاصات الموكلة للجماعات الترابية.
الفقرة الثانية: بروز مفهوم الالتقائية
في التجربة المغربية
شكل حدث انطلاقة المبادرة
الوطنية للتنمية البشرية في 18 ماي من سنة 2005، المرحلة التأسيسية لتداول مفهوم الالتقائية بالمغرب
ومدخلا أساسيا لدراسة وتحليل تأثير إعمال هذا المفهوم في تحديد الخيارات الاستراتيجيات
الممكنة لتجاوز معيقات التنمية البشرية، لا سيما المرتبطة منها بتنمية المناطق
النائية والفقيرة بالعالم القروي والأحياء الهامشية والناقصة التجهيز بالمجال
الحضري والشبه حضري.
أولا: السياق العام والمرجعيات الأساسية
لا شك أن عدد سكان العالم شهد خلال السنوات العشرين الأخيرة، نموا ملحوظا، بفعل بمجموعة من الأسباب
والعوامل، منها الجهود التي بذلت لتوفير الظروف الأساسية للعيش وتحسين شروط الحياة
اليومية، حيث أن 90 في المائة من هذا النمو، سجل في البلدان ذات الدَّخل الضعيف، أو المتوسط وفي أفق سنة2050 ، سيعيش 70 في المائة من سكان العالم في المراكز الحضرية وكبريات المدن[9]، وقد أظهر الإحصاء العام
للسكن والسكنى بالمغرب خلال سنة 2014، نفس منحى التغيير على مستوى البنية السكانية
للعالمين القروي والحضري، فمند أول إحصاء عام للسكن والسكنى، ظل دائما عدد السكان
في البوادي أكبر من سكان المدن، لكن هذه القاعدة ستعرف تغييرا جذريا بداية الألفية
الحالية[10]، وهو ما يعني أننا سنكون
مطالبين أكثر من أي وقت مضى، بملائمة محتوى الإصلاحات مع المتغيرات التي ستعرفها
المرحلة القادمة، فرغم المجهودات التي بذلت، فإن المغرب ما زال يصنف في مراتب
متأخرة في سلم التنمية البشرية، بفعل التراكمات السلبية والاخفاقات المتتالية
للسياسات العمومية، فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريره الصادر سنة 2016، صنف
المغرب في المرتبة 123 عالميا في سلم التنمية البشرية، من أصل 193 دولة[11]، نظرا للإرث
الثقيل للممارسات السلبية وعوامل أخرى ترتبط بتوالي سنوات الجفاف وضعف البنيات
التحتية والمركزية المفرطة وحالات التخبط التي رافقت تنفيذ مجموعة من البرامج
وسياسة التقويم الهيكلي والخوصصة ومسار الانتقال الديمقراطي والإصلاحات السياسية، الاقتصادية
والاجتماعية المتوالية، وبروز أسئلة ونقاشات عميقة، حول ضرورة تطوير الأساليب والمقاربات
التنموية لتخطي الصعوبات والعراقيل المطروحة، من خلال ابتكار رؤى جديدة، تشغل فيها
الالتقائية مكانة محورية، يمكن من خلالها توفير العناصر المناسبة للإجابة عن عدد
من الأسئلة الأنية واستشراف المديين المتوسط والبعيد بثقة أكبر[12].
ثانيا: الالتقائية على ضوء
التجربة المغربية
لقد شكل حدث انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية[13]، نقطة تحول مهمة في مسار التنمية، لا سيما وأن هذه الانطلاقة جاءت بعد التقويم الاسترجاعي لمسار التنمية البشرية واستشراف افاق سنة 2025، وهو التقويم الذي مكن من تغذية النقاش العمومي، حول السياسات العمومية التي يتعين تفعيلها على ضوء الدروس المستخلصة من إخفاقات الماضي، كما أتت أيضا لتعكس مضامين الدراسات والأبحاث المنجزة في مجال التنمية البشرية قبل سنة 2005، حيث أجمعت تلك الدراسات والتوصيات على ضرورة ابتكار آليات ومقاربة جديدة للتعاطي مع الاشكالات والظواهر الاجتماعية التي تمس المجتمع، لا سيما ما يتعلق منها بمحاربة الفقر، الهشاشة والاقصاء الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الجهات، حيث اتخذت من الالتقائية كأساس ومنهج لتنفيذ استراتيجيتها. وقد توالت بعد هذه المرحلة اللقاءات والندوات والأيام الدراسية التي نظمت من طرف مجموعة من الهيئات والمؤسسات العمومية والخاصة، لتسليط الضوء على هذا المفهوم الشائك، كان أولها الندوة الوطنية حول التقائية البرامج القطاعية وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي احتضنتها مدينة بني ملال سنة 2007، ثم المناظرة الوطنية الأولى للحكامة حول التقائية الاستراتيجيات والبرامج القطاعية في فبراير من سنة 2013، كما نظمت بمدينة فاس سنة 2015 ندوة وطنية حول ” الالتقائية في السياسات العمومية حول التشغيل”[14]، وقد اتخذ المجلس الأعلى لإعداد التراب الوطني موضوع " التقائية السياسات العمومية رهان اعداد التراب" شعارا لدورته الثانية خلال سنة 2016[15]، كما نظم مجلس المستشارين الدورة التأسيسية للملتقى البرلماني للجهات والذي تميز بمشاركة وازنة لعدد من الشخصيات السياسية بالقارة الافريقية، واختار لهذا الملتقى موضوع "من أجل جهات ضامنة للإلتقائية السياسات العمومية"[16]، اما على المستوى المحلي نظمت جمعية الرائد لرعاية الأشخاص في وضعية إعاقة حركية بإقليم الفحص أنجرة، يوما دراسيا تحت شعار ""من أجل سياسات قطاعية وترابية التقائية وضامنة للنهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة".
[1]-A.henri
otrou, la convergence des niveaux de vie dans les pays de l'union Economique et
monétaire ouest Africaine, Article publié en revue
de CAMES-Nouvelle série B, Vol.007 N° 1-2006 (1 er Semestre)
[2]-R.kahn,
la convergence constitue-t-elle le seul critère d’évaluation de la politique
européenne de cohésion économique et sociale ?, article, l’économie
européenne en 2004.
[3] -Pierre
guei, convergence des politiques macroéconomiques et croissance économique en
UEMOA, T.D,
soutenue en 2013, Université François – Rabelais de tours, p (16).
[4]-J.gallo,
disparités géographiques et convergence des Régions européennes: une approche
par l'économétrie spatiale, T.D, soutenue en 2002, Université de bourgogne, p3.
[5] -Rabih
zotti, " y-a-t-il convergence du développement en Europe? …concepts,
mesures et politique de développement ", thèse de doctorat en science
économiques, Faculté des sciences économiques et sociales-Ecole Doctorale
Sésam-Lile1, année universitaire 2013-2014, p 83.
[6] -
Pierre guei, "convergence des politiques Macroéconomiques et croissance
économique en UEMOA", Référence précité, p16.
[7] - Etude sur le suivi
des progrès en
matière de politique macroéconomique
et de convergence institutionnelle
en Afrique de l’ouest, ONU, commissionde CEA/BSR-AO, Mars 2014, P74.
[8] - لقد شكل حدث الإعلان عن انطلاقة المبادرة الوطنية
للتنمية البشرية بتاريخ 18 ماي 2005، نقطة تحول فارقة في تاريخ المغرب، خصوصا
وأنها أتت بعد التقويم ألاسترجاعي لمسار التنمية البشرية، وهو التقويم الذي مكن من
تغذية النقاش العمومي، حول السياسات العمومية التي يتعين تفعيلها على ضوء الدروس
المستخلصة من إخفاقات الماضي ونجاحاته، بالإضافة إلى نتائج وخلاصات عمل هيئة
الانصاف والمصالحة حول انتهاكات سنوات الرصاص، لتشكل بذلك دفعة مهمة لمسلسل
الانتقال الديمقراطي الذي كان المغرب قد دشنه أواخر سنوات التسعينات من خلال دستور
سنة 1996 وتشكيل حكومة التناوب التوافقي، حيث شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
فرصة للاجتهاد والإبداع والتجديد في آليات
وأساليب العمل الاجتماعي ومقاربة القضايا المطروحة محليا.
[9] - رأي، المجلس
الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "إنجاح الانتقال نحو المدن
المستدامة"، إحالة ذاتية رقم 32/2017، ص 7.
[10] - حسب
نتائج الإحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2014، فان نسبة التمدن بالمملكة المغربية،
قد ارتفعت إلى 60,3 في المائة، بعد ما كانت 55,1 في المائة سنة 2004، مما أصبح معه
معدل النمو الديمغرافي بالمدن 2,1 في المائة مقابل ناقص 0,01 في المائة بالوسط
القروي.
-[11]
تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
حول مستويات التنمية البشرية في الدول التي شملها التقرير، برسم سنة 2016
[12] - تقرير التقويم الاسترجاعي لخمسين
سنة من التنمية البشرية وأفاق سنة 2025.
[13] - تنفيذا لتعليمات الملكية
السامية الواردة في الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره
الله بتاريخ 18 مايو 2005 الذي حدد أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أعطيت
انطلاقة لهذا الورش الاجتماعي الواعد والذي يعتبر أول ورش اجتماعي تنموي حقيقي،
حيث رصدت له إمكانات مالية مهمة
[14] -ارضية الندوة الوطنية حول موضوع
" التقائية السياسات العمومية ورهان اعداد التراب"، من تنظيم مرصد
الالتقائية وحكامة الأعمال بشراكة مع وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، بمدينة
فاس بتاريخ 12 دجنبر2015.
ليست هناك تعليقات