دعم الاقتصاد الأخضر بالمغرب من خلال الاستثمار في تربية الابقار الحلوب.

تحرير ادارة المجلة

لقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة قلة في التساقطات المطرية بفعل التغيرات المناخية الناجمة عن حرارة الارض والأنشطة الصناعية المضرة بالبيئة وعوامل أخرى طبيعية وبشرية تؤثر بشكل سلبي على تقلبات المناخ وميلها للجفاف، بالإضافة الى بروز عدد من نقط التوتر والحروب في مجموعة من مناطق العالم، لا سيما في بعض المناطق التي يعتبر فيها القطاع الفلاحي المزود الرئيسي للأسواق العالمية، كالنزاع الدائر بمنطقة القوقاز بين روسيا وأوكرانيا التي تعد المزود الرئيسي للسوق العالمية بالحبوب، حيث ساهمت هذه العوامل في افراز ظرفية اقتصادية صعبة ومعقدة، أثرت بشكل مباشر على استقرار الأسعار وارتفاعها بشكل صاروخي، حيث تأتي مادة الحليب ومشتقاته في مقدمة المواد التي عرفت أسعارها ارتفاعا وندرة في بعض الفترات قبل أن تعود للاستقرار خلال الفصل الثاني من سنة 2022.

ان ارتفاع الطلب على مادة الحليب ومشتقاته باعتبارها مادة أساسية بمائدة المستهلك المغربي، واعتبارا لكون هذه المادة لا يمكن الاستغناء عنها في إعداد مجموعة من الوجبات والوصفات التي تعدها المعامل والمصانع المختصة في انتاج مشتقات الحليب ومنتوجات أخرى يدخل الحليب ضمن مكوناتها، فان الاستثمار في مجال تربية الابقار الحلوب وتطويرها انتاجها وتحسين سلالتها من خلال انجاز أبحاث علمية وبيطرية، سيساهم لا محالة في توفير عناصر الإجابة عن متطلبات السوق المغربية والدولية.

واستحضارا لهذه المعطيات المهمة وللظرفية الاقتصادية الصعبة الناجمة عن قلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف، وارتفاع الطلب على مادة الحليب وما يفره ذلك من فرص الاستثمار وخلق دينامية اقتصادية متواصلة، فالحديث يجرنا لمعرفة أكثر سلالات الأبقار انتاجا لمادة الحليب، مميزاتها، خصائصها، متطلباتها وسبل الاستثمار فيها وجعلها رافعة للتنمية ودعم تزويد السوق المغربية بالكمية الكافية من هذه المادة الحيوية، فانه لا يمكن الحديث هنا الا عن سلالة الهولشتاين باعتبارها أكثر السلالات انتاجا ووفرة لمادة الحليب.

تعد أبقار سلالة الهولشتاين من أشهر سلالة أبقار في العالم، موطنه الاصلي شمال غرب ألمانيا، حيث عرفت هذه السلالة انتشارا وتطورا كبيرا خلال الألفية الحالية، حيث أصبحت السلالة الرئيسية في مزارع إنتاج الحليب في مختلف انحاء العالم، نظراً لغزارة إنتاجها من الحليب، حيث تقدر كمية الحليب التي يمكن أن تنتجها كل بقرة ما بين عشرون وأربعون لترا يوميا.

وتتطلب تربية ابقار سلالة الهولشتاين، تحقيق مجموعة من الشروط التقنية الموضوعية، منها على الخصوص توفير مكان عيش مناسب لها، توجد فيه شروط التهوية والنظافة الكافية، فهذه السلالة سريعة التأثر بكل ما يدور حولها، سواء كان التلوث او تقيد حريتها أو جعلها بدون ماء لمدة طويلة أو عدم تمكينها من أكل متوازن وغني بالبروتينات.

تستهلك ـأبقار الهولشتاين كميات كبيرة من المياه الطبيعية والكلاء بشكل يومي، لذلك فقبل التفكير في اقتناء هذه الابقار لتربيتها، وجب التفكير أولا في القدرة على توفير احتياجاتها اليومية، حيث تستهلك قرابة مائة لتر من الماء وما بين سبعون ومائة درهم لكل بقرة يوميا.

لذا، فرغم غزارة انتاج الحليب من طرف أبقار هذه السلالة، فان متطلباتها التقنية ومصاريفها المالية اليومية تظل بالغة الأهمية، كما أن عنصر الخبرة والتجربة في تربية هذا النوع من السلالات يعد عاملا أساسيا ومهما، خصوصا في طريقة التعامل معها بشكل يومي، حيث يمنع ربطها او حبسها في مكان ضيق، فهذا الأمر يساهم في ضعف انتاجها للحليب ويعرضها للأمراض.

ان تربية سلالة ابقار الهولشتاين وسلالات أخرى مماثلة يتطلب بالضرورة الحرص على رعايتها مثل طفل صغير، يحتاج للرعاية والمراقبة اليومية والمستمرة والتوفر على خبرة بيطرية مهمة او الاستشارة الدائمة للطبيب البيطري واقتناء بعض الأدوية وتعلم كيفية استعمالها، مما سيساعد على توفير العناية اللازمة للقطيع والعمل على تطوير انتاجه.

ان توالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات المطرية وصعوبة الاعتماد على سلالة الابقار المحلية، اعتبارا لكونها تعتمد على الرعي المباشر في الحقول وفي ظل قلة انتاجها لمادة الحليب، حيث لا يتجاوز الإنتاج اليومي لسلالة الابقار المحلية على ابعد تقدير عشرة لتر، مهما كانت نسبة وطبيعة المجهودات المبذولة، لذلك فالتوجه نحو سلالة الهولشتاين او المونبيليير يعد خيارا استراتيجيا لضمان التزويد المستمر للسوق المحلية بمادة الحليب ومشتقاته، وبتجاوز مشكلة قلة التساقطات المطرية ولو بنسبة ضعيفة، لا سيما في ظل اعتماد هذه الأبقار بنسبة كبيرة على الاعلاف المركبة وعلى بعض المكونات الأخرى، رغم أن وفرة التساقطات المطرية تظل أولا وأخيرا عاملا أساسيا والضامن لنجاح تطوير المشاريع الفلاحية، منها على الخصوص تربية الابقار الحلوب.