مستجدات قانون المالية المغربي لسنة 2025 يندرج قانون المالية لسنة 2025 في سياق وطني ودولي تلغب عليه مجموعة من التحديات الاقتصادية الكب...
مستجدات قانون المالية المغربي لسنة 2025
يندرج قانون المالية لسنة 2025 في سياق وطني
ودولي تلغب عليه مجموعة من التحديات الاقتصادية الكبرى، لا سيما في ظل مجموعة من
الصراعات ونقط التوتر التي تنامت خلال السنوات الأخيرة، اما على المستوى الوطني
فتمت توجه عام يروم مواصلة العمل على تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية مع الحفاظ على
التوازن المالي والاقتصادي. يتضمن المشروع العديد من الإجراءات والإصلاحات في
مجالات مختلفة، مثل الجانب الضريبي، الحماية الاجتماعية، وتشجيع الاستثمار. في هذه
القراءة المتعمقة، سنتناول أهم الأرقام والمعطيات التي تضمنها المشروع، مع تحليل
دلالاتها بشكل نقدي، ومعرفة تأثيراتها على الاقتصاد المغربي.
أولا – مالية 2025: إصلاحات ضريبية ونمو اجتماعي
وفقًا لمشروع قانون المالية، تواصل الحكومة
العمل على تحسين الإيرادات الجبائية من خلال توسيع الوعاء الضريبي ومكافحة التهرب
الضريبي. يشمل ذلك استيفاء الضرائب والرسوم المخصصة للدولة وللجماعات الترابية
والهيئات العمومية. وعليه، تم تحديد عدة إصلاحات فيما يخص الضرائب غير المباشرة
والرسوم الجمركية، مما سيؤدي إلى زيادة متوقعة في الموارد العامة.
هناك توقع بزيادة إيرادات الضرائب المباشرة
وغير المباشرة بنسبة 4% مقارنة بسنة 2024، مع استمرار فرض رسوم جمركية على واردات
معينة وتخفيف الرسوم على بعض المنتجات مثل اللحوم المستوردة والأدوية.
كما يهدف هذا القانون إلى تقليص العجز
المالي من خلال تحسين كفاءة الإنفاق العمومي وإدارة الدين العام. من المتوقع أن
تستمر الدولة في اللجوء إلى الاقتراض لتمويل المشاريع الكبرى، مع التركيز على
تحسين أداء القطاعات الحيوية. فمن المتوقع أن يصل العجز المالي إلى 4.5% من الناتج
المحلي الإجمالي في سنة 2025، وأن يصل الدين العام إلى 75% من الناتج المحلي
الإجمالي، مع تركيز الجهود على خفض نسبة العجز تدريجيًا.
كما أن تعزيز الحماية الاجتماعية يمثل أحد
أبرز محاور قانون المالية 2025. تهدف الحكومة إلى توسيع نظام الحماية الاجتماعية
ليشمل فئات جديدة من المواطنين، وتطوير برامج لدعم الفئات الهشة. يشمل ثانون
المالية تخصيص استثمارات ضخمة في البنية التحتية لتحفيز النمو الاقتصادي. فمن
المتوقع أن يتم تخصيص 30% من الميزانية العامة لبرامج الحماية الاجتماعية وزيادة
الاستثمارات في البنية التحتية بنسبة 10% مقارنة بسنة 2024، مع التركيز على مشاريع
النقل والطاقة المتجددة.
من جهة أخرى، يولي قانون المالية أهمية
كبيرة للاستثمار في الطاقات المتجددة، بهدف تعزيز الاستقلال الطاقي للمغرب وتقليل
الانبعاثات الكربونية. ستُخصص استثمارات جديدة لمشاريع الطاقة الشمسية والريحية،
مع توقع زيادة بنسبة 15% في الاستثمارات المخصصة لمشاريع الطاقة المتجددة مقارنة
بالسنة السابقة، وخفض انبعاثات الكربون بنسبة 5% بحلول عام 2025 بفضل تعزيز
استخدام الطاقات النظيفة.
في الجانب الجبائي: مواصلة الإصلاحات وتحسين العدالة
الضريبية
يعمل قانون المالية على مواصلة الإصلاحات
الجبائية بهدف تحسين العدالة الضريبية وتخفيف العبء عن الشركات الصغرى والمتوسطة.
كما يتضمن إجراءات لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تسهيلات للمستثمرين وتبسيط
الإجراءات الإدارية.
يتضمن قانون المالية لسنة 2025 مجموعة من
المستجدات التي تهدف إلى تحسين العدالة الضريبية وتقليل العبء على الفئات المتوسطة
والمنخفضة الدخل، حيث سيتم تعديل جدول حساب الضريبة على الدخل، إذ تم إعادة هيكلة
الشرائح الضريبية لتخفيض العبء الضريبي على ذوي الدخل المتوسط والمنخفض. ووفقًا للوثيق
الأولية المتعلقة بالمشروع، فإن الشريحة التي تصل إلى 40,000 درهم سنويًا ستكون
معفاة بالكامل من الضريبة على الدخل.
ويكون جدول معدلات الضريبة الجديد كالآتي:
- من 40,001 إلى 60,000 درهم: 10%
- من 60,001 إلى 80,000 درهم: 20%
- من 80,001 إلى 100,000 درهم: 30%
- من 100,001 إلى 180,000 درهم: 34%
- ما يزيد على 180,000 درهم: 37%
أما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات، فإن قانون
المالية لسنة 2025 يحتوي على العديد من المستجدات، بهدف تحسين العدالة الضريبية،
تشجيع الاستثمار، وضمان التوازن بين الموارد المالية للدولة ومتطلبات النمو
الاقتصادي.
أول هذه المستجدات هو إعادة هيكلة معدلات
الضريبة على الشركات، حيث تسعى الحكومة إلى تقليل العبء الضريبي على الشركات
الصغيرة والمتوسطة، مع الإبقاء على معدلات مرتفعة على الشركات الكبرى. يأتي هذا
التوجه في إطار تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة ودعمها لتعزيز دورها في الاقتصاد
الوطني.
فالشركات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق
أرباحًا أقل من 300,000 درهم ستستفيد من تخفيض في معدلات الضريبة، مع فرض نسبة 10%
على هذه الفئة. أما الشركات التي تحقق أرباحًا تتراوح بين 300,000 درهم و1,000,000
درهم، فستكون نسبة الضريبة عليها 20%، في حين أن الشركات الكبرى التي تحقق أرباحًا
تفوق 1,000,000 درهم ستخضع لمعدل ضريبة يبلغ 30%.
ولتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية
مثل الصناعة والطاقة المتجددة، يقدم مشروع قانون المالية 2025 العديد من الإعفاءات
الضريبية لهذه الشركات. ستتمتع المشاريع الصناعية والاستثمارات في الطاقة المتجددة
بإعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات، وذلك بهدف تشجيع الاستثمار في هذه المجالات.
يشمل المشروع أيضًا إجراءات تهدف إلى توسيع
الوعاء الضريبي من خلال إدماج بعض الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ضمن النظام
الضريبي، مع تحسين آليات المراقبة الجبائية وتقليل فرص التهرب الضريبي. يسعى
المشروع إلى تحقيق عدالة ضريبية أكبر من خلال تخفيف العبء عن الشركات الصغيرة
وتحميل الشركات الكبرى مسؤولية أكبر في تمويل ميزانية الدولة.
مالية 2025: تحديات ورؤية مفقودة
رغم أن مشروع قانون المالية 2025 يسعى إلى
تحفيز الاقتصاد والاستجابة للتحديات الفورية، إلا أنه قد يفتقر إلى رؤية طويلة
الأمد، خصوصًا فيما يتعلق بالتحولات الهيكلية. لا يزال النموذج الاقتصادي المغربي
يعتمد بشكل كبير على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة، التي تبقى هشة أمام
الصدمات الخارجية. ويُنتقد المشروع لغياب إصلاحات جذرية قادرة على إعادة هيكلة
الاقتصاد بشكل عميق لجعله أكثر صلابة وتنوعًا.
كما أن التزامات الإنفاق الاجتماعي، مثل
تعميم الحماية الاجتماعية والاستثمارات في التعليم والصحة والبنية التحتية، قد تجعل
ضبط العجز المالي صعبًا. الحجم الكبير للنفقات العمومية المتوقعة قد يؤدي إلى
تفاقم الدين العمومي إذا لم يكن مصحوبًا بإصلاحات ضريبية جذرية أو تحسين فعالية
إدارة الموارد.
يعد توسيع الوعاء الضريبي أحد الأهداف
الرئيسية لهذا المشروع، وهو التزام جدير بالاهتمام، إلا أن غياب آليات صارمة
لمكافحة التهرب الضريبي ونقص الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات جذرية في النظام
الضريبي المعقد يجعل تحقيق هذا الهدف صعبًا. يبقى العبء الضريبي يثقل كاهل الطبقة
المتوسطة والشركات الصغيرة.
ورغم التزام المغرب المتزايد بالانتقال
الطاقي، إلا أن بعض الانتقادات تشير إلى أن الجهود في هذا المجال ليست بالمستوى
المطلوب لمواجهة التحديات. فالاستثمارات في الطاقات المتجددة، رغم تشجيعها، لا
تترافق مع سياسة طموحة لتقليل انبعاثات الكربون في قطاعات أخرى مثل الصناعة
والنقل. كما تبقى التدابير التحفيزية لاستهلاك أكثر استدامة محدودة.
يواصل مشروع قانون المالية 2025 تشجيع
الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية، وهو ما قد يبدو
جذابًا لتخفيف العبء على المالية العامة، إلا أن الاعتماد المفرط على هذه الشراكات
يحمل مخاطر، مثل تحويل الأعباء إلى الشركاء الخواص على حساب الدولة. كما أن
التركيز على جذب الاستثمار الأجنبي لدفع عجلة النمو قد يكون إشكاليًا إذا لم
يترافق مع تعزيز الموارد المحلية وتطوير الكفاءات الوطنية.
ختامًا، رغم أن مشروع قانون المالية لسنة
2025 يسعى إلى تحقيق توازن بين احتياجات تحفيز الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، إلا
أنه قد يفتقر إلى رؤية جريئة طويلة الأمد وإصلاحات هيكلية عميقة. قد تشكل إدارة
العجز المالي والدين تحديًا إذا لم يتم إجراء تعديلات، ويبدو أن الطموحات في مجالي
الانتقال الطاقي والابتكار لا تزال غير كافية في مواجهة التحديات الحالية. أخيرًا،
تسلط الفوارق المستمرة والاعتماد على رؤوس الأموال الأجنبية الضوء على التحديات
التي سيواجهها المغرب لضمان نمو أكثر شمولاً واستدامة.
بتصرف عن الاستاذ يونس بلمليح، استاذ بجامعة
مولاي اسماعيل بمكناس.
ليست هناك تعليقات