جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية طنجة تحت إشراف الأستاذ: v د...
جامعة عبد المالك السعدي
كلية
العلوم القانونية
و
الاقتصادية و الاجتماعية
تحت إشراف الأستاذ:
v
د، الحاج شكرة
هذا التصميم شبيه في محتواه بتصميم التهيئة٬ فهو وثيقة ملزمة تندرج في إطار
التعمير التنظيمي٬ تهدف إلى مد الأجهزة العمومية بأداة مبسطة وواضحة تمكن من توجيه
نمو التكتلات القروية نموا سليما٬ على أن تسري في نطاق زمني قدره عشر سنوات قابلة
للتمديد لمدة مماثلة بعد إجراء بث عمومي مدته شهر واحد قصد اطلاع السكان على
المقتضيات المراد تمديد اجلها وتدوين ملاحظاتهم.
غير أن النطاق المكاني الذي
تغطيه هذه الوثيقة يتسم بنوع من الغموض حيث اكتفى مشرع ظهير 1960 بالقول أن
التكتلات القروية هي تلك التي لا يشملها قانون التعمير٬مما يخول للإدارة سلطة
تقديرية في عملية الانتقاء من عدمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ظهير
شريف رقم 630.60.1 الصادر في 30 ذي الحجة 1379 الموافق ل25 يونيو 1960 ٬الجريدة
السمية عدد 9842 بتاريخ 1380 محرم 1380 موافق ل 8 يوليوز 1960.ص 2098.
و أمام هذا اللبس التشريعي٬ وتحت ضغط اكراهات تعدد المراكز القروية و قلة الإمكانات
المتوفرة٬ بادرت وزارة التعمير و السياحة و البيئة إلى إصدار منشور مؤرخ في 29مارس
1979 تقترح فيه جملة من المعايير المساعدة على اختيار المراكز القروية التي يتعين
أن تحظى بالأسبقية على غيرها في مجال التزود بتصاميم التنمية و يتعلق الأمر ب :
- المناطق التي تشهد تطور ديموغرافي ملحوظ نظرا
لموقعها الجغرافي أو طبيعة أنشطتها.
- المناطق
المجاورة للطرق الوطنية للحيلولة دون مضايقة السير.
- المناطق الطبيعية التي تشهد حركية سياحية
حيث يستلزم الأمر المحافظة عليها.
- المناطق ذات العمارات المبعثرة بقصد جعلها
مراكز للاستقرار و الاستقطاب.
إن هذه المعايير تدفع إلى تشكيل قناعة مفادها
أن النطاق الترابي المشمول بتصاميم التنمية يدور ضيقا أو اتساعا تبعا لارتقاء
الكتل العمرانية القروية إلى درجة مركز محدد الخاضع لتصاميم التهيئة المؤطرة
بقانون 09-12 و هو ما عبر عنه الأستاذ محمد محجوبي بالقول: " إن العالم
الحضري يتوسع على حساب المناطق القروية و بموازاة مع ذلك يتوسع فضاء قانون التعمير"(2).
تأسيسا على ما تقدم ذكره يكون
التساؤل مشروعا حول الإجراءات المسطرية المتبعة لإعداد هذه الوثيقة التعميرية؟ و
حول محتواها و المرحلة الموالية المصادقة عليها خاصة من حيث الآثار القانونية
الناشئة عنها؟كما أن الحديث عن تصميم النمو مقرون وجودا و عدما بمناقشة القيمة المضافة
التي يحققها في مسلسل التنمية ٬وبالاكراهات التي تحد من فعاليته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)- ذ.محمد محجوبي"قراءة عملية في قانون التعمير
المغربية" الطبعة الأولى 2006٬ دار النشر المغربية٬ الدار البيضاء. ص: 19.
المبحث الأول: تصميم التنمية ( المسطرة-المحتوى-الآثار
القانونية).
تجد مسطرة إعداد التنمية و آثاره القانونية مرجعيتهما
القانونية في الفصل الثالث من ظهير 25 يونيو 1960 ٬كما أن محتوى الوثيقة مؤطر
بمضمون الفصل الثاني من نفس الظهير.
المطلب
الأول : الإجراءات المسطرية لإعداد تصميم التنمية
تعمل المصالح التابعة للسلطة الحكومية المكلفة
بالتعمير و بتعاون و تنسيق مع مصالح السلطة الحكومية المكلفة بالفلاحة على تهيئة مشروع
تصميم التنمية.
وبعد موافقة رئيس مقاطعة
الهندسة القروية يعرض المشروع الذي وضعته مصلحة التعمير على المجلس الجماعي الذي
يتعين عليه إبداء رأيه فيه في ظرف شهر واحد.
ويخضع مشروع التصميم بعد ذلك
إلى بحث علني يدوم شهرا واحدا يطلع خلاله عموم السكان للتعرف على منافعه و مضاره٬
مع السماح لهم بتدوين ملاحظاتهم في سجل معد لهذا الغرض.
ويستشار المجلس القروي من جديد
في المشروع ٬ في حالة عدم تطابق رأيه مع ما جاءت به ملاحظات السكان٬ و ذلك بقصد
اغناء الوثيقة بكل ما من شانه أن يجعلها مسايرة للنمو العمراني الخاص بالجماعة.
بعد ذلك يصادق على التصميم
بموجب قرار لعامل الإقليم ٬ مع توجيه نسخة منه مرفقة بالتصميم إلى وزير الداخلية
بغية الموافقة عليه ٬ليتم في الأخير نشره بالجريدة الرسمية.
المطلب
الثاني: محتوى تصميم التنمية
يتألف تصميم التنمية من وثيقتين
الأولى تهم الإطار القانوني المؤسس لتوجهات التصميم ٬ و الثانية تتخذ شكل تصميم
بياني للمناطق و التجهيزات التي ينص عليها.
ويهدف تصميم التنمية بوجه خاص إلى تحديد المعطيات
التالية :
1-
المناطق المخصصة لسكنى الفلاحين٬
و تشييد مرافق خاصة بالاستغلال الفلاحي.
2-
المناطق المخصصة للسكنى من نوع
غير فلاحي٬وللتجارة و الصناعة التقليدية و العصرية.
3-
المناطق التي يمنع فيها كل
بناء.
4-
تخطيط الطرق الرئيسية للسير.
5-
الأمكنة المخصصة للساحات
العمومية و المساحات العارية و الغراسة.
6-
الأمكنة المخصصة للبنايات و
المصالح العمومية٬ و الحياة الاجتماعية و لاسيما بالسوق و ملحقاته.
المطلب
الثالث : آثار تصميم التنمية
يستفاد من مقتضيات الفقرة الأخيرة الفصل
الثالث من ظهير 25 يونيو 1960 أن قرار المصادقة على تصميم التنمية هو بمثابة
التصريح بان الأشغال و العمليات العمومية٬ الضرورية لانجاز هذا التصميم تعتبر من
المصلحة العمومية و هذا ما يعني انه عقب المصادقة على التصميم فانه يصبح منتجا
لآثار قانونية اتجاه السلطات العمومية و إزاء الخواص.
فمن حيث قوته القانونية أمام الإدارات العمومية٬
فهو في حكم القرار التنظيمي الملزم ٬وهذه الإدارات مطالبة بالسهر على احترام
مقتضياته و تنفيذ توجيهاته٬ في مجال رخص التعمير عملا بمبدأ :القرار الأدنى من
تصميم التنمية هو قرار مساير له لا مختلف عنه.
أما من حيث قوة التصميم إزاء الأفراد ٬ فهم
يتحملون تخصيص أراضيهم لنوع الارتفاق حسب ما هو مضمن في الوثيقة٬ و بالتالي فهم
مطالبون بالحصول المسبق على الرخصة للقيام بتجزئة عقار أو بناء مسكن أو إحداث
مؤسسات مضرة بالصحة أو الطمأنينة العامة٬ و مما تجدر الإشارة إليه أن تقسيم
الأراضي بغرض الاستغلال الفلاحي لا يخضع إلى إذن مسبق.
المبحث
الثاني : دور تصميم النمو في تهيئة المراكز القروية
لا يخفى على بال احد أن المراكز القروية عانت
من سياسة استعمارية تهميشية ٬ فجاءت تصاميم النمو بعد الاستقلال للعمل على تجاوز هذا
الغبن من خلال تنميتها و تهيئتها ( المطلب الأول) ٬غير أن هذه التصاميم تعاني من
جملة من العيوب تحد من فعالية أدوارها ( المطلب الثاني).
المطلب
الأول : مزايا تصاميم النمو
تعمل تصاميم النمو على التحديد الدقيق
لمناطق تلعب دورا كبيرا في الارتقاء بنمط الحياة داخل التجمعات القروية٬حيث تم
تقسيم هذه المراكز إلى مناطق تبعا للأغراض المخصصة لها وتحديد أهم طرق المواصلات و
إحداث اتفاقات التعمير.
* فبالنسبة
لمناطق السكنى٬ تشمل المساكن المحاذية للبنايات الإدارية و المنشات الاقتصادية و
المرافق الاجتماعية٬ حيث يتم تنظيمها بشكل متتابع(3) ٬شريطة تجاوز القطع
الأرضية لمساحة 100 متر مربع.
و أما
خارج هذا النطاق فان الإدارة تنصح باعتماد ثلاثة أنواع من مناطق السكنى المختلفة
عن بعضها و هي :
-
مناطق متميزة بإنتاج منتجات
فلاحية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)-
منشور صادر عن وزارة الأشغال العمومية
بتاريخ 3 دجنبر 1964.
-
مناطق خاصة بالفيلات في القرى
ذات المؤهلات السياحية أو المنجمية.
-
مناطق مخصصة لسكنى الفلاحين
شريطة أن تكون مساحة العقار المراد البناء به هكتار واحد على الأقل.
* أما
بالنسبة لمناطق النشاطات التجارية و الصناعية٬ يأذن أن تقام داخل المراكز القروية٬
شريطة تحديد حجمها من قبل التصميم بشكل مسبق٬ كذلك شريطية تصنيفها ضمن محلات
التجارة و الصناعة التقليدية ٬غير أن المناطق الصناعية يمكن إقامتها بعد الحصول
على رخصة.
* وفيما
يخص طرق المواصلات فقد جاءت تصاميم التنمية لتحديدها و تحديد الساحات و الحدائق
العامة٬ شريطة أن تقتصر على المسالك الرئيسية التي تضع المعالم العامة لتوسيع
العمارات القروية.
* وعلى
مستوى ارتفاقات التعمير٬ فان تصميم التنمية لم ينص صراحة إلا على ارتفاق عدم
البناء٬ لكنه أشار ضمنيا إلى أن كل الارتفاقات التي لها علاقة ضمنيا بالتخطيط شان
النظافة و جمال المكان يمكن أن تحددها هذه الوثيقة.
وتجدر
الإشارة إلى أن الوكالة الحضرية يمكن لها أن تتدخل في السكن و التجزئة القروية في فرضيتين
:
1-
فرضية وجود تجمعات قروية متوفرة
على تصاميم تنمية مصادق عليها.
2-
فرضية وجود مناطق خارج هذه
التجمعات على طول السكك الحديدية.
وهذا التدخل يظهر لنا في مظهرين أساسيين(4) :
الأول : يخص الدراسات٬ حيث تهدف
الوكالة إلى تغطية جل المراكز و الجماعات القروية بوثائق التعمير٬ إما بشراكة مع
الجماعات المحلية القروية أو بالإمكانيات الذاتية للوكالة.
الثاني: يخص التاطير حيث تقدم الوكالة الدعم و
المساعدة التقنية لمختلف الجماعات و خصوصا منها القروية ٬وذلك بتتبع المشاريع
الإنمائية في ميدان البناء و التجهيز و التهيئة.
المطلب
الثاني : عيوب تصاميم النمو
في هذا الإطار يمكن التمييز بين عيوب مرحلة
الإعداد و عيوب مرحلة التنفيذ :
* فبالنسبة للمرحلة الأولى
يلاحظ أن مشاركة الجماعات القروية شبه مغيبة تقتصر فقط على الاستشارة و التوسط بين
الدولة و الساكنة المحلية في عملية البحث العلني أكثر ما هي مرتبطة بادوار التقرير
و الحسم.
و من أجل إعطاء الاستشارة العمومية لمعناها الحقيقي يمكن
القول أن اجل الشهر الواحد يظل غير كافيا للاستماع إلى إفادات السكان في ظروف
ايجابية٬و من ناحية أخرى يمكن أن نلاحظ أن البحث العلني لا يتم تهييئه ولا تصاحبه حملة إخبارية و تحسيسية من اجل
إظهار أهمية وثائق التخطيط العمراني للمواطن٬ ويمكن للمسئولين الإداريين أن
يستعملوا الأساليب العصرية٬نذكر منها الوسائل السمعية البصرية و تقنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4)- د.الحاج شكرة "الوجيز في قانون التعمير
المغربي" الطبعة الثالثة 2008.دار القلم للطباعة و النشر.ص: 130
المعارض٬ كما يمكن أن تتبنى تقنية البحث بالإصغاء أو
الاستماع٬بدل أن تكتفي فقط بتعليق إعلان عن ذلك في مقر دار الجماعة ووضع دفتر
للملاحظات.
* أما بالنسبة لمرحلة التنفيذ٬
فهي تعاني من عيوب غياب التنسيق بين الإدارات المعنية بالتصميم٬ إضافة إلى غياب
دراسات واقعية وميدانية تكشف عن الرصيد العقاري للدولة و الجماعات المحلية و تعقد
مسطرة اقتناء الأراضي٬ كذلك ضعف الإمكانيات المتوفرة لانجاز مضمون التصاميم.
هذا إضافة إلى الخروقات التي يتعرض لها تصميم
التنمية و المتمثلة في سوء المراقبة و الفساد الإداري حيث يقع التواطؤ و التغاضي
من طرف الإدارة و المخالف على تجاوز قوانين البناء و أنظمته(6).
وينضاف إلى ذلك مشكل النقص في الموارد البشرية
المكلفة بمراقبة تنفيذ ضوابط و أنظمة التصميم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5)-
د.محمد اليعقوبي مشاركة المواطنين في
التهيئة الحضرية بالمغرب.المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ٬العدد
32.ماي-يونيو 2000.ص 92-94.
(6)-
د.الحاج شكرة ٬ مرجع سابق.ص: 132
و في الختام يمكن القول،أن هذه
الوثيقة التعميرية قد أصبحت غير قادرة على مسايرة التطورات التي يعرفها المشهد
العمراني لمغرب الألفية الثالثة،إذ من الأولى أن يتم إدماجها في إطار مدونة
التعمير إسوة بزميلاتها من وثائق التعمير الأخرى،بدل أن تظل محتكمة لنص قانوني متجاوز.
و من أجل إعطاء شحنة قوية لدور
تصميم التنمية،يتعين كذلك جعل المجالس الجماعية القروية فاعلا مؤثرا في صياغة هذه
الوثيقة،و تخويل الساكنة المحلية حيزا زمنيا كافيا لإبداء رأيها،و في نفس السياق
يستلزم الأمر تمكين الجماعات من الرصيد العقاري و الوسائل المالية و البشرية بقصد
إعداد و تنفيذ أفضل لتصميم التنمية حتى ينظر إليه كوثيقة متكاملة لتأطير و تنظيم
الحياة العمرانية القروية.
ليست هناك تعليقات