التدبير المفوض بالمغرب بين النظرية والتطبيق مقدمة: عمل المغرب في ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم وكذلك في سياق الشر...
التدبير المفوض بالمغرب بين النظرية والتطبيق
عمل المغرب في ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم وكذلك في سياق الشراكة المغربية الأوربية على الأخذ بطريقة التدبير المفوض للمرافق العمومية خاصة المحلية منها وقد اعتمد هذا الأسلوب بالموازاة مع إدخال ثقافة اقتصادية جديدة، والشروع في تنفيذ سياسة الخوصصة، وقد تجلى ذلك من خلال تقنية تحرير القطاع وخصخصة بعض القطاعات الأخرى والتعاون مع القطاع في تدبير بعض المرافق.
وهكذا عمل المغرب من خلال سنة 2006 على تحسين الإطار القانوني المنظم للتدبير المفوض، تماشيا مع المستجدات التي تعرفها البيئة الخارجية التي أدت إلى إملاء تقنية التدبير المفوض، من خلال جولة لأورغواي، التي دعت إلى تحرر الدول من سوق الخدمات وتفويته للقطاع الخاص.[1]
هذا وقد اختلف المتتبعين من الناحية النظرية في الحكم على أسلوب التدبير المفوض يبن من أقر بنجاعته في تجاوز العجز الحاصل نتيجة التدبير المباشر، وبين من اعتبره أسلوبا فاشلا، بناءا على فكرة أساسية مفادها أن العقود معطى ثابت والمرفق العام معطى متحرك لارتباطه بديناميكية المصلحة العامة، ومن تم لا يمكن للعقود أن تواكب المستجدات.
هذا وقد أخذ المغرب بهذا الأسلوب، لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية باعتبارها رهانات كبرى يجب كسبها، تلبية لاحتياجات شرائح واسعة من المجتمع المغربي في أفق تأهيل المغرب.
وبخصوص السياق التاريخي لاعتماد أسلوب الشراكة مع القطاع الخاص في تدبير المرافق العمومية يرجع إلى مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 وقد مر هذا الأخير بمجموعة من المراحل إلى أن انتهى بإصدار القانون 54.05 الصادر سنة 2006 وذلك في محاولة لتفادي تلك الثغرات القانونية التي كان يعرفها هذا المجال.
ومن خلال هاته المقدمات يطرح سؤال منطلق في التحليل مفاده هل استطاع التأطير القانوني للتدبير المفوض بالمغرب أن يفي بالغرض في إيجاد صيغة توفيقية بين ما هو اقتصادي واجتماعي في تدبير المرافق العمومية.
وهو سؤال منطلق يؤدي إلى صياغة إشكالية هذه الورقة البحثية وهي كالآتي.
نجاعة التدبير المفوض بالمغرب بين النص القانوني وواقع التطبيق العملي.
وهو ما سنحاول توضيحه وفق التصميم الأتي ذكره:
المبحث الأول : المقاربة النظرية لمفهوم التدبير المفوض
المبحث الثاني :التدبير المفوض بالمغرب بين القانون والواقع العملي
المبحث الأول : المقاربة النظرية لمفهوم التدبير المفوض
يتميز التدبير المفوض بتوفير الموارد المالية الناتجة عن إحداث وسائل جديدة للتمويل من قبل القطاع الخاص، والربط بين تكاليف الإستثمارات والتعريفة مع تبسيط تسيير المرافق العمومية وبفضل هذه المزايا، وبفضل هذه المزايا يعرف هذا النمط من الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص إقبالا متزايدا على حساب التدبير المباشر من لدن الدولة والجماعات المحلية.
هذا ويثير مفهوم التدبير المفوض صعوبة منهجية على مستوى تحديد تعريف دقيق لتداخله مع مجموعة من المفاهيم المتقاربة معه، واختلافا في تحديد طبيعته القانونية، وهذا ما سنحاول تناوله في هذا المبحث.
المطلب الأول: مفهوم التدبير المفوض
تعتبر الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من بين أهم أساليب التدبير العصري للمرافق العمومية، ويعتبر التدبير المفوض أحد أشكال هذه الشراكة التي أصبحت ظاهرة عالمية تهم جميع الدول، ويشترط تفعيلها شرطين أساسيين[2]:
تقريب هدف الجهة المفوضة للتدبير التي تسعى إلى تقديم الخدمة بأحسن جودة وبتكلفة ملائمة وهدف الجهة المفوض لها والتي تسعى للحصول على ربح ملائم لتكلفة الإنتاج.
خلق مناخ تنافسي بين المرشحين لتدبير المرفق العام وإبرام عقود متوازنة بين الطرفين.
إذن التدبير المفوض نمط من أنماط الشراكة بين القطاعين، وتعتبر فرنسا مهد هذا الأسلوب في التدبير العمومي، حيث استعمل الفقه والمشرع الفرنسيين المصطلح منذ ثمانينيات القرن الماضي ويعني في مفهومه العام تيسير مشاركة الخواص في تسيير المرافق العامة، تمت الإشارة إليه أول مرة في اللوائح التنظيمية الفرنسية سنة 1987 من خلال دورية وزارة الداخلية الصادرة في 7 غشت 1987 المتعلقة بتدبير الجماعات المحلية لمرافقها والتي جاءت بعد أن أصدر مجلس الدولة الفرنسي رأيه حول حقل تطبيق التدبير المفوض[3].
بعد ذلك تمت الإشارة إليه في مجموعة من النصوص، قانون 6 فبراير 1992، المتعلق بالإدارة اللامركزية للجمهورية، وبعده قانون 29 يناير 1993، وقانون 8 فبراير 1995[4] و كل هاته النصوص القانونية كانت مصاحبة بنقاش داخل البرلمان الفرنسي، وقد أسفرت عن مقاربة تختلف عن المقاربة الكلاسيكية في التدبير العمومي المرتبطة بالتدبير المباشر، غير أنها جعلت من التدبير المفوض مصطلحا شاملا لكل الأساليب التدبيرية التي ينخرط فيها الخواص في تدبير المرافق العمومية[5]، وهو نفس ما نجده لدى بعض الفقه الفرنسي E .Dicarp مثلا يرى أن هذا المصطلح يسمح بإدراج جميع الحالات التي لا تعمل فيها الجماعات المحلية على تامين تدبير مرفق من المرافق بالكيفية مباشرة، وإنما يتولى ذلك شخصا قانونيا أخر سواء كان من الأشخاص العامة أو الخاصة[6].
هذه النقاشات جعلت من التدبير المفوض في تلك الفترة أسلوبا تدبيريا تندرج تحته مجموعة من الأشكال الأخرى المتقاربة معه كعقد الامتياز le concession والإيجار l’affermage و عقد التسيير la gérance، وجاءت هاته النصوص القانونية الفرنسية تركز على أن عقود التدبير المفوض تراعى فيها ثلاث مقتضيات أساسية : شروط إبرام العقد ومدته التي يجب أن يحافظ فيها على التوازن المالي للعقد ثم طرق المراقبة، والملاحظ هو أن المشرع الفرنسي لم يعط تعريفا دقيقا للتدبير المفوض، بل اكتفى بآراء الفقه وقضاء مجلس الدولة في تحديد مكونات التدبير المفوض المتمثلة في الآتي[7]:
· التعاقد بشأن تدبير مرفق عام
· السلطة المفوضة التي تشارك في الإستثمار بصفة فعلية في تسيير المرفق العام
· مفوض له يقوم بالتدبير بمقابل يحصل علية من خلال نتائج تقديم الخدمات
نفس التعريف نجده في القانون الفرنسي المؤرخ في 11 دجنبر 2001 المتعلق بالإجراءات الاستعجالية ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية، حيث عرفه في المادة 3 أنه :" عقد بمقتضاه يعهد شخص معنوي عام تدبر مرفق تحت مسؤوليته إلى مفوض له من أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص، ويكون الأداء مرتبط بنتائج الاستغلال، وقد يكلف المفوض له بإحداث أو الحصول الضرورية للمرفق[8].
نفس الأمر يلاحظ بخصوص تناول الموضوع في بعض كتابات الباحثين المغربة، حيث لم يحدد الفقه المغربي تعريفا واحدا لمفهوم التدبير المفوض، يعرف الأستاذ عبد القادر باين بأنه يقترب من الامتياز ويعتبر شكلا جديد في تدبير المرفق العام، يتم بواسطة عقد بمقتضاه تعهد الإدارة بتدبير مرفق عام وتساهم في ذلك بتقديم بعض المنشآت أو المعدات التي كانت تستعملها لذات الغرض، وتستفيد في ذلك الإدارة ببعض الامتيازات، ويتلقى المفوض إليه مقابل تدبيره للمرفق العام ربحا أو تعريفات من المرتفقين[9]، يعتبره الأستاذ عبد الله حداد كذلك أسلوب تدبيري يتشابه مع الامتياز في الطبيعة القانونية لكن يختلف عنه، وبالنسبة للأستاذ محمد اليعقوبي، فيرى أنه كل تدبير للمرفق العام بواسطة شخص معنوي غير الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية المنظمة للمرفق، وغالبا ما يكون الخواص هم الجهة المفوض لها في إطار هذا النوع من العقود، أما الأستاذ أحمد بوعشيق يعتبر التدبير المفوض أسلوب قانوني في تدبير المرفق تعاقدي بين طرفين أو عدة أطراف يهدف إلى خوصصة أسلوب تدبير المرافق العامة من اجل تحسين وتوسيع جودة الخدمات، وذلك تحت مراقبة السلطة المفوضة، وهو نف الأمر نجدة عند الأستاذ محمد الأعرج حيث هو الأخر لم يحد عن التعريف القانوني المقدم لهذا المصطلح، الذي يعطى له من خلال القانون 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض[10].
وباختزال هاته التعاريف الفقهية يمكن القول بأن التدبير المفوض عقد إداري تتعهد بمقتضاه السلطة المفوضة وغالبا ما تكون الجماعات المحلية، إلى جهة تدعى المفوض له وقد يكون شخصا معنويا عاما أو خاصا داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض، باستغلال وتدبير مرفق عام لمدة محددة تنتهي بإحدى مسببات انتهاء العقد، تحت مسؤولية المفوض مقابل حصول المفوض له على رسوم أو أرباح أو هما معا من المرتفقين،وهو تعريف يتماشى وذاك المقدم في إطار النص القانوني 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض، حيث اكتفى فيه المشرع بتحديد مكونات عقد التدبير المفوض على غرار المشرع الفرنسي:
· أطراف العقد وهما المفوض والمفوض له
· موضوع العقد تدبير مرفق عام ، و يمكن أن يكون محل العقد انجاز أو تجهيز منشأة أو هما معا
· المدة محددة
للمفوض حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو ربح أو هما معا
كل ما سبق ذكره يقود إلى ملاحظتين أساسيتين، الأولى تتمثل في أن مصطلح التدبير المفوض في مفهومه الواسع يشمل كل الأساليب التدبير الغير المباشر للمرفق العام، وهو أمر يؤكد قوله ما ورد في المادة 39 من الميثاق الجماعي، حيث تشير إلى اختصاص المجلس الجماعي بالتقرير في طرق تدبير المرافق العمومية المحلية عن طريق مختلف اطرق التدبير المباشر أو كل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، والنص هنا يشير إلى تعدد طرق التدبير المفوض،وهي مسألة نجدها حتى في بعض كتابات وزارة المالية ذات الصلة[11] أما الملاحظة الثانية فتنحدر من الأولى، و تتمثل في أن استكمال تحديد مفهوم التدبير المفوض بتم بتحديد تلك المفاهيم المتداخلة معهم أو المقتربة منه والمندرجة معه في نفس الحقل الدلالي، وكذلك تحديد طبيعته القانونية.
المطلب الثاني: الحقل الدلالي للتدبير المفوض
نقصد بالحقل الدلالي للتدبير المفوض منضمة المفاهيم التي تتداخل مع مصطلح التدبير المفوض، وتستعمل معه في نفس مجال التطبيق أو تلك التي تتشابه معه لكنها تختلف عنه ونعني بالذكر الإمتياز والإيجار والتحرير والخوصصة.
أولا الإمتياز: le concession
يعتبر الأسلوب الأكثر شيوعا في تدبير المرفق العمومي خلال القرن 20، وتتميز هذ1ه التقنية بخصائص تتمثل في الطبيعة القانونية المزدوجة لعقد الإمتياز واستثنائه من مسطرة إبرام الصفقات العمومية، وإن كانت هذه ميزة يلتقي فيها التدبير المفوض بالامتياز، فإن الأخير يختلف عن الأول في أن التمويل والمستخدمين يكونا على مسؤولية المتعهد أو الممنوح له الإمتياز، وبالعكس من ذلك يستفيد المفوض له من المعدات والمنشآت التي كان يستغلها المفوض في تدبير المرفق موضوع التفويض، وكذلك بالنسبة للمدة حيث تكون طويلة في عقود الإمتياز وهو رأي نجده عند الأستاذ "عبد الله حداد"[12]
ثانيا: الإيجار l’affermage
عقد بموجبه تكلف الإدارة مقاولة بتدبير مرفق أو تجهيز عمومي تتحمل المقاولة فيه تبعات الربح والخسارة، وتتقاسم مع الجماعة الربح المحصل عليه، ولا يمول المتعاقد مع الإدارة المسائل الأساسية لسير المرفق كما أن مدته تكون قصيرة.
ثالثا: التحرير libéralisation
يعني تحرير القطاع فك احتكار الدولة كفاعل رئيسي ووحيد في قطاع ما، والسماح بمقابل ذلك لفاعلين آخرين ذاتيين كانوا أو معنويين بالاشتغال في المجال وتكتفي الدولة بموجب ذلك بدور الضابط المنظم.
رابعا: الخوصصة Privatisation
وتعني نقل ملكية الدولة لقطاع معين إلى الخواص، سواء كلا أو جزءا.
من هاته المفاهيم، قد نخلص إلى أن التدبير المفوض كأسلوب في التدبير العمومي جاء في إطار تحرير قطاع تدبير الخدمات العمومية والمحلية خصوصا، حيث نجد أنه تم الحديث عن مفهوم التدبير المفوض في إطار تدبير الشأن العام المحلي دون الحديث عنه على مستوى الدولة، ويعتبر نوعا من التحرير لأن الأخير في مضمونه يعني السماح للخواص بمشاركة الدولة في الفعل لبعض المجالات، دونما أن يعني ذلك تنازل الدولة عن القطاع وهو ما نلمسه في جوهر التدبير المفوض، مما يسمح لنا بالقول أن الأخير يعتبر نوعا من تحرير تدبير المرفق العمومي ولا يعتبر خوصصة، وهنا قد نختلف مع ما ورد في رأي أستاذنا "أحمد بوعشيق" حينما اعتبر أن التدبير المفوض خوصصة لأسلوب تدبير المرفق العام، حيث أن الخوصصة كما اتضح تستدعي نقل الملكية، والحال أن السلطة المفوضة لا تنقل ملكية المرفق أو تدبيره إلى الجهة المفوض لها، وإنما تمنح في إطار توزيع ثانوي للاختصاص يحدد بناءا على مدار التفويض المبين في العقد، صلاحيات تدبير مرفق معين لشخص قانوني عام أو خاص.
هذا ويمكن القول أن التدبير المفوض قد ينسحب من الناحية اللغوية على تطبيقات كالامتياز وعقد الإيجار وعقد التسيير، على اعتبار أن هاته الأشكال في نهاية المطاف تبقى عقودا تبرمها الإدارة في إطار تدبير المرافق العامة، وبمقتضاها تعهد لجهة معينة بحسب تسمية كل شكل وفي مدة محددة بتدبير مرافق عامة تبقى في الأصل تحت مسؤولية الجهة المفوضة، وبمعنى آخر أن كل هاته العقود تندرج تحت نفس التكييف القانوني الذي يعطى للتدبير المفوض في إطار تحديد طبيعته القانونية.
المطلب الثالث: الطبيعة القانونية لعقد التدبير المفوض[13]
تباين الآراء في تحديد الطبيعة القانونية لعقد التدبير المفوض بين من اعتبره عقد إذعان مبني على الإرادة المنفردة للإدارة بما لها من صفة أمر يخضع لها المفوض له لقبوله، والإدارة لها حق التدخل متى شاءت هذا من جهة، من جهة أخرى هناك رأي ثاني يقول بأن عقد التدبير المفوض له طبيعة العقود الخاص أو تلك التي تبرمها الدولة ومؤسساتها مع الخواص على قدم المساواة لكن يبقى القول هذا قد لا يجانب للصواب لأمرين اثنين هما: أن الإدارة لها حق التعديل في أجزاء من مكونات العقد. بناءا على إدارتها المنفردة وبدون العودة إلى إرادة المتعاقد معها وهذه مسألة تمس جهود مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، أما السبب الثاني فيكمن في المسطرة التي يتميز بها عقد التدبير المفوض من حيث الإبرام وهي غير مسطرة إبرام العقود بين الخواص هذا فضلا عن أن الدولة تتصرف بصفتها صاحبة السلطة من خلال مجال رقابتها على التدبير المفوض وأمام هذا، نجد تكييف قانوني آخر لهذا النوع من العقود، يقول بالطبيعة المزدوجة للعقد بحجة أن الأخير يتضمن شروط تعاقدية تخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ولا يمكن للإدارة تعديله إلا باتفاق مع الطرف المتعاقد معها، وشروط تنظيمية يحق للإدارة تغييرها وتعديلها بما يتماشى ومبدأ قابلية المرفق للتكيف والتغيير أو يعطى للإدارة هذا الحق باعتبارها المسؤول الأصيل عن المرفق لأن التدبير المفوض لا يعتبر تنازلا عن المرفق، هذا والمفوض يصادق على دفتر التحملات دون مناقشته، وتكييف عقد التدبير على هذه الطبيعة المزدوجة هو الرأي السائد.
هذه المقدمات المرجعية نجدها في مثن موضوعنا، كأرضية تمكن من تحديد مؤشرات على ضوئها يمكن تتبع المعطيات النظرية والعملية المرتبطة بالتجربة المغربية ، وهذا سيكون موضوع المبحث الثاني.
المبحث الثاني :التدبير المفوض بالمغرب بين القانون والواقع العملي
إن تحليل الأسباب التي أدت إلى اعتماد أسلوب التدبير المفوض كتقنية في التدبير العمومي، إلى جانب تأطيرها القانوني، يمكن القول أن التدبير المفوض له جوانب إيجابية خصوصا وإذا ما نظرنا إلى تطبيقاته في بعض التجارب المقارنة غير أن واقع الحال بالمغرب قد يدفع بالباحث إلى إعادة النظر في هذه الخلاصة التي يمكن أن يصل إليها
المطلب الأول: أسباب وسياق إعتماد التدبير المفوض بالمغرب
أولا: أسباب إعتماد التدبير المفوض
من خلال ما جاء في بعض الكتابات ذات الصلة يمكن القول أن أسباب اللجوء إلى التدبير المفوض تكمن في الآتي:
تخفيف العبئ على الدولة: لقد أبانت كل أساليب تسيير المرافق العمومية، وفق المقاربة الكلاسيكية في إطار تجارب الاستغلال المباشر، عن انعدام المردودية وغياب الجودة في تدبير القطاعات خصوصا قطاع الخدمات فإذا ما أخذنا قطاع النظافة بالرباط على سبيل الاستئناس لا الحصر، وقفنا عند وضعية هذا القطاع بالمدينة خصوصا بعد اعتماد وحدة المدينة حيث أضحت هناك 5 مقاطعات كما هو مبين بالجدول[14].
المقاطعة
|
أكدال الرياض
|
الرباط حسان
|
السويسي اليوسفية
|
يعقوب المنصور
|
عدد السكان (نسمة)
|
97385
|
160.000
|
218393
|
217826
|
حجم النفايات (طن)
|
45978
|
54.259
|
628897
|
61220
|
وإذا ما نظرنا إلى كل التدابير المتخذة لتحسين جودة خدمات هذا القطاع حيث رصد غلاف مالي سنوي يتراوح بين 16.000.000 درهم 22.000.000 بتكلفة إجمالية تتراوح بين 250 و300 درهم للطن وكذلك الإجراءات العملية الموازية بالمقارنة مع مردودية تدبير مجلس النفايات الصلبة 70%، سيتضح حجم العبئ الذي تتحمله المؤسسات في تدبيرها المباشر للمرافق العمومية، حيث أن الشركات تخفف هذا العبئ بالنظر إلى ما تتوفر عليه من خبرة وتقنيات عالية في مجال التدبير.
هذا من ناحية وناحية أخرى، يعتبر هذا الأسلوب وسيلة تمويلية إضافية للمحفظة المالية للدولة، كما أنه يبقي الدولة بمعزل ولو جزئيا عن تحمل المسؤولية التقصيرية للمرفق المدار في إطار التدبير المفوض كون أن من يتحمل هاته المسؤولية إلى جانب الخسارة والمخاطر هو المفوض له (الدولة كمراقب)
الإمكانات التقنية والبشرية التي تمتلكها الشركات حيث أن هذه الأخيرة لها من الإمكانيات التقنية واللوجيستيكية ما يؤهلها لتسير بعض القطاعات الكبرى، وهو ما يصعب إلى حد ما على الدولة التحكم فيها وتوفير الجودة وأداء الخدمات في حينها كما أن الشركات المفوض لها بناء على خبراتها تقوم بإعادة تأهيل المجالات التي تتدخل فيها لتجديد شبكات المياه، تأهيل القنوات، إصلاح الطرق.
الإكراهات الاقتصادية: تخفيف العبئ المالي، المجهودات التي قد يبدلها القطاع الخاص قد تساهم في تقوية الاقتصاد المحلي الاستثمارات التي توظفها في مجال البنيات التحتية وتشغيل اليد العاملة والبنوك تقوم بترويج الرسائل المحلية، وهو أسلوب يمكن من الحفاظ على الموارد المالية وتخصيصها لقطاعات اجتماعية أخرى.[15]
العوامل الخارجية: التحولات الكبرى للنظام العالمي الجديد، إكراهات المؤسسات المالية الدولية لاسيما البنط العالمي، صندوق النقد الدولي تجاه الدول النامية، التي كان عليها مواكبة هذه التحولات عبر التخلي عن بعض الوظائف التي كانت بالأمس القريب حكرا على الدولة، والمغرب واحد من هذه الدول، حيث نذكر هنا برنامج مبدأ في إطار شراكة المغرب مع الاتحاد الأوربي، حيث استفاد المغرب من 51 مليار لإعادة هيكلة القطاع العام و وخصصته.
هذا الواقع وجه الفلسفة التي من خلالها عملت المديرية العامة للجماعات المحلية للتأكيد على أهمية التدبير المفوض مع بداية الألفية الثالثة لما أبرزت أن التشريعات الاقتصادية وإكراهات السوق، ألزمت المديرين العامين وطنيا
ومحليا على مراجعة أشكال الهيكلة وأساليب التدبير وكذا طرق ومصادر تمويل المرافق.
وبحسب الوثائق المتعلقة بهذه السياسة في تدبير المرافق العمومية يظهر التدبير المفوض وسيلة تندرج في إطار تبني الإمكانات المرنة والرفع من المردودية ولتقليص تكلفة الإنتاج والتوزيع لاسيما أن العمل الأساسي للجماعات المحلية ينصب على تنمية المرافق العمومية الأساسية.
لتحقيق هذا الهدف دفع بالمسؤولين بناء على توصيات المناظرة الوطنية للجماعات المحلية إلى الإقرار بأهمية وضرورة وضع إستراتيجية جديدة تمكن من إعادة هيكلة أفضل للمرافق العمومية تعتمد بالأساس بلورة سياسة قطاعية واضحة واقعية.
اعتماد توازن مالي و أثمنة حقيقية. دعم الإطار القانوني، إنعاش المنافسة، وضع إطار قانوني ملائم.
ثانيا: كرنولوجيا التدبير المفوض بالمغرب
يعود استعمال التدبير المفوض بالمغرب بشكله الحالي إلى سنة 1997 حيث شهدت هذه السنة تطبيقا لمفهوم التدبير المفوض على أرض الواقع من خلال اتفاقية للمجوعة الحضرية الدار البيضاء والشركة الفرنسية "ليونيز دي زو" بتاريخ 28/4/1997 وتتعلق بتكليف الشركة بتدبير قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بولاية الدار البيضاء لمدة ثلاثين سنة[16].
غير أن هذه التقنية كانت معروفة، وإن بأشكال مختلفة خلال فترة الحماية حيث وفقها تم إنجاز العديد من الأوراش الكبرى في مختلف المجالات (النقل الحضري، السكك الحديدية، توزيع الماء والكهرباء)[17]، وقد جسدت السنوات الأولى من استقلال المغرب ظهور شركات أجنبية عهد إليها بتدبير قطاع الكهرباء على الرغم من احتواء توجيه المكتب الوطني للكهرباء على الجزء المهم منه، وفي العقد الأخير من القرن العشرين عرف هذا الأسلوب امتدادا في التطبيق في أكبر المدن المغربية(مراكش، الرباط، طنجة، الدار البيضاء ...)، وبات بذلك النموذج الأكثر استعمالا، الأمر الذي اقتضى من المشرع التدخل لإحاطته بضوابط قانونية تؤطره، وقد كانت سنة 2006 سنة ميلاد قانون جديد يستعرض مختلف الجوانب التي تنظم التدبير المفوض في خمسة أبواب مفصلة.
عموما يمكن القول أن تاريخ التدبير المفوض بالمغرب، هو تاريخ المغرب الحديث الذي ابتدأ مع بداية القرن العشرين وعرف تطورات ليصل إلى ما هو عليه، ويمكن إجمال هاته التطورات في ست مراحل[18] :
المرحلة الأولى: توقيع معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906 التي أسفرت في مادتيها 105 و106 على اللجوء إلى أموال أجنبية من اجل إستغلال مرافق عمومية وتحديد ميكانيزمات المزايدة العمومية لمنح الإمتياز.
المرحلة الثانية: الاتفاقية الدولية لسنة 1911 بين فرنسا وألمانيا، وتشير إلى إمكانية إستغلال المرافق من طرف الدولة أو في إطار منح الإمتياز للخواص.
المرحلة الثالثة: معاهدة الحماية 1912، أتاحت إبرام عقود الإمتياز، وبمقتضاها تم إنشاء عدة مرافق مسيرة من قبل شركات فرنسية مثلا (1914 منح الإمتياز SMD إنتاج وتوزيع الماء بأربع مدن مغربية، 1916 عقد امتياز لاستغلال الخط السككي الرابط بين طنجة و فاس، 1920 منح الإمتياز لاستغلال الخط السككي الرابط بين فاس ومراكش...).
المرحلة الرابعة: هي المرحلة ما بين 1947 و1950 تمديد منح الإمتياز ل SMD بعشرين مدينة أخرى، وتكليف الشركة بإنجاز المركب بتزويد مدينة الدار البيضاء بالماء.
المرحلة الخامسة: 1956 عرفت هذه المرحلة التدبير في إطار الوكالات والمكاتب الوطنية (وكالة توزيع الماء والكهرباء الدار البيضاء ADEEC 1961، المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للسكك الحديدية 1963، وكالة توزيع الماء والكهرباء بالرباط 1964).
المرحلة السادسة: تبتدئ من سنة 1980 وخلالها بدأ الاهتمام بالتسيير الخاص للمرافق العمومية خصوصا بمجال النقل الحضري سنة 1986 الطريق السيار سنة 1990، إنتاج الكهرباء 1997، توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات في المرحلة ما بين 1997 و2002 بالعديد من المدن المغربية، ليستكمل المشرع هذا المسار بإصدار نص قانوني خاص بالتدبير المفوض للمرافق العمومية وهو القانون 54.05 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5404 بتاريخ 16/03/2006، ويعد الأخير بمثابة الأرضية المنطلق لتأطير مشاركة الخواص في تدبير المرافق العمومية.
يتوفر المغرب منذ بداية القرن 20 على تجربة مهمة في ما يخص إشراك القطاع الخاص في تدبير المرفق العام واستغلال المنشآت العمومية، غير أن الملاحظة هو غياب الأساس القانوني للتدبير المفوض طيلة سنوات التطبيق، مما يجعلنا ونحن نقف عند محطة 2006 في مسار التدبير المفوض، أمام مشروعية تساؤل ما إن كان النص القانوني المؤرخ له في 14 فبراير 2006، قد استوحى قواعده الضابط من واقع الممارسة المغربية في المجال، بمعنى هل يستجيب النص القانوني لحاجية تأطير وضبط مجال التدبير المفوض
المطلب الثاني: التأطير القانوني للتدبير المفوض
لقد عمل المغرب على تطبيق تقنية التدبير المفوض في التدبير العمومي سنوات في غياب تام لنص قانوني يعنى بتأطير وضبط قواعد هذا الأسلوب إذا ما استثنينا الإمتياز الذي نصت عليه معاهدة الجزيرة الخضراء وظل بذلك الفراغ التشريعي قائما إلى حين سنة 2006، التي شكلت سنة ميلاد أول نص يخص التدبير المفوض كأساس قانوني، وقد كان الإعداد لهذا النص على مراحل بدءا من الإشارة للتدبير المفوض في الميثاق الجماعي سنة 1976 من خلال المادة 30 منه، مرورا بسنة 1988 حيث عرفت إحداث لجنة وزارية معنية بالموضوع، وفي سنة 1999 أجريت دراسة لشروط منح وتتبع التدبير المفوض للمرافق العمومية، وفي سنة 2000، أقيمت مناظرة وطنية بخصوص الموضوع، وبعدها تم إطلاق عمليا إعداد مشروعي قانون من لدن خبير مغربي وآخر كندي[19].
وفي سنة 2004 بدأت وزارة المالية في إعداد مشروع قانون التدبير المفوض، وعرضته على اللجنة الوزارية للتدبير المفوض وبعدها للأمانة العامة للحكومة في 20/11/2005 وبعدها عرض على المجلس الوزاري المنعقد في 23/11/2005، وبحسب المذكرة التقديمية لهذا القانون، فقد استوحى مقتضياته من التشريعات المعمول بها في الدول الأوروبية بتكييفها و ملاءمتها مع الخصوصيات المغربية، وذلك لإعطاء رؤية واضحة للمجموعات المالية الدولية والمستثمرين حول انفتاح الإقتصاد المغربي.
لقـــــــد حدد هذا القانون مجموعة من المبادئ التي يحتكم إليها إبرام عقود التدبير المفوض (المساواة، الشفافية، التوازن المالي للعقد) وقد خص نطاق تطبيقه على الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية في استثناء تام للدولة، كما تناول هذا القانون من خلال أربع وثلاثين مادة موزعة على خمس أبواب، حددت مضمون العقد وطرق المصادقة، النشر و النظام المحاسبي والقانوني لأموال التدبير المفوض وكذلك تفويت العقد وانتهائه، ومسألة اللجوء إلى مسطرة التسوية في حالة النزاعات.
يفرض القانون الشخصية المعنوية في المفوض إليه، ويحصر مجال التدبير في مبدأ الاختصاص مع إمكانية إستغلال الأنشطة التكميلية، هذا فضلا عن التنصيص على الاحتفاظ بالمستخدمين مع الحفاظ على حقوقهم المكتسبة.
عموما يمكن أن نجمل مضمون هذا القانون في خمسة نقط:
أولا: شروط إبرام عقد التدبير المفوض
يتعين في إبرام عقود التدبير المفوض احترام شرطين أساسين بموجب القانون، وهما الصفة الشخصية ويقصد بها المزايا الشخصية التي على أساسها تم التعاقد مع المفوض له، حيث لا يجوز لهذا الأخير تفويت عقد التدبير المفوض إلى الغير إذا تم التعاقد بشان التدبير مع الجماعات المحلية، أما إن كان المفوض مؤسسة عمومية فالتفويت يكون مشروطا بالإذن المسبق المدون في شروط العقد[20]، وشاني هاته الشروط يرتبط كذلك بالشركة المفوض لها، إذ يجب أن تكون حصص الشركة المفوض لها أو الأسهم سندات اسمية ما عدا تلك المسعرة في البورصة، كما يجب انحصار عرض الشركة في تدبير المرفق في ما تم تحديده في العقد[21] .
ثانيا: طرق إبرام عقد التدبير المفوض
حدد المشرع من خلال القانون 54.05 طرق إبرام هذا النوع من العقود بحسب ما إن كانت فرضيات إبرام العقد تدخل في الظروف العادية أم الاستثنائية، ففي الحالات العادية لا يبرم العقد إلا بدعوة للمنافسة، وتقوم الدعوة هذه على أساس المساواة بين المرشحين والاعتماد على معايير موضوعية في الاختيار، شفافية العمليات وعدم التحيز في اتخاذ القرارات، كما يجب تحديد أشكال وكيفيات إعداد وثائق الدعوة للمنافسة بشكل مسبق من لدن السلطة الحكومية المختصة بالنسبة لعقود الجماعات المحلية، والمجلس الإداري بالنسبة للمؤسسات العمومية[22].
أما في الحالات الاستثنائية فيجوز للسلطة المفوضة للجوء إلى مسطرة التعاقد المباشر بناءا على تفاوض مع المتعهد، غير أن باب اللجوء إلى هذه المسطرة محدد بحالات خمس على سبيل الحصر[23]:
إذا اقتضت استمرارية المرفق حالة الاستعجال
لأسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام
في حالة الأنشطة التي يختص باستغلالها حاملي براءات الاختراع أو الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بإنجازها إلا لشخص بعينه.
إذا لم يتم تقديم أي عرض أو تم الإعلان عن جدوى المنافسة.
إذا كان القطاع المعني أو النشاط أو عدد مستعملي المرفق لا يسمح بتطبيق هذا القانون
هذا ويمكن إبرام العقد بناءا على الاقتراحات التلقائية التي يتقدم بها الأشخاص الذين يجيدون استعمال تقنية أو تكنولوجيا، شريطة أن يكون ذلك مفيدا في تدبير المرفق، في الحالة هذه يجوز لهؤلاء التقدم بمقترحاتهم بصفة تلقائية مع تبيان جدوى العرض الذي يقدمونه إلى السلطة المختصة[24].
ثالثا: مكونات عقد التدبير
الاتفاقية: تحدد الالتزامات التعاقدية لكل من أطراف العقد، بما في ذلك تحديد طبيعة الأعمال المطلوبة و الإستثمار الذي يجب أن ينجز، وتحديد المدة التي لا يمكن أن تتجاوز المدة العادية لاستهلاك الإنشاءات أن كان المفوض له هو من مول انجازها.
دفتر التحملات: يتضمن البنود الإدارية والتقنية التي تبين كيفية وشروط الاستغلال، كما تحدد واجبات والتزامات المرفق المفوض تدبيره وكذلك العقوبات التي تتضمن الجزاءات والتعويضات الناجمة عن عدم احترام الالتزامات التعاقدية ويمكن ان تصل إلى إسقاط حق المفوض له[26] .
الملحقات: نصت عليها الفقرات 4،5،6 من المادة 12 وتعني جميع المستندات التي يمكن أن ترفق بالاتفاقية ودفتر التحملات وتخص جرد الأموال المنقولة والعقار المنقول للمفوض له وكذلك المستخدمين ووضعيتهم الإدارية وعرض المفوض له
رابعا: حقوق و واجبات المفوض والمفوض له
لقد سبق أن أشرنا أن تفعيل التدبير كون نوع من الشراكة بين القطاعين، يقتضي شرطين من بينهما شرط التقريب بين هدفي أطراف العقد، وبناءا عليه يلزم القانون الطرفان بالسهر على الحفاظ على التوازن المالي للعقد، مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات المرفق والأجرة المنصفة للمفوض إليه، وقد كفل النص حقوق لكل طرف وألزم بالمقابل كلاهما بالتزامات.
وبخصوص حقوق المفوض أو بالأحرى الامتيازات التي تتمثل في السلطة الممنوحة للمفوض تجاه المفوض له، تتجسد في قيام المفوض بالمراجعة الدورية من خلال عقد وفق فترات منتظمة[27]، ومن خلال سلطته في مراقبة التدبير على المستوى الإقتصادي أو المالي التدبيري أو الاجتماعي، بخصوص احترام الالتزامات التعاقدية سواء كان ذلك عبر المستندات أو الميدان، من اجل التأكد من سلامة حسن التسيير، وقد نص القانون على ضرورة التنصيص على الوثائق الواجب الإدلاء والمعلومات والجزاءات المترتبة عن عدم تقديمها[28]
وبنسبة لالتزامات المفوض، تتمثل في اتخاذ الأخير جميع الإجراءات الضرورية ، لأجل حسن سير تنفيذ التدبير المفوض، والمترتبة على الالتزامات التعاقدية، ولاسيما في مجال التعريفات[29].
وقد خص القانون المفوض له بمجموعة من الحقوق، تتمثل في حقه في استغلال الملك العام المرتبط بالعقد طيلة مدة العقد، يستفيد من مساعدة المفوض من ممارسة هذا الحق، كما له حق التعاقد من الباطن، يكون بترخيص بناءا على العقد بصفة تبعية بشأن جزء من الالتزامات، ويمكن للمفوض له استغلال أنشطة تكميلية فبالرغم من أن الأصل هو حصر عرض الشركة بحسب المطلوب بالعقد غير أن هذا الاستثناء على القيد الذي يعتبر حقا للمفوض له، كما يحق للمفوض له معاينة مخالفات المرتفقين، وتمارس من الأعوان المحلفين التابعين للمفوض له والحاملين لسند قانوني[30].
تحمل المسؤولية والمخاطر
الاحتفاظ بمستخدمي التدبير المفوض مع الإبقاء على حقوقهم المكتسبة، غير أن ما يلاحظ أن هذا الالتزام يمكن الحد منه عبر العقد بالتنصيص على إمكانية نص عقد التدبير على خلاف واجب التزام المفوض له بالحفاظ على المستخدمين وحقوقهم المكتسبة
الحصول على التراخيص
تغطية المخاطر
الالتزام بوضع نظام للمراقبة الداخلية، بما في ذلك وضع نظام أساسي للمستخدمين يحدد بشكل خاص شروط التوظيف ودفع الأجرة وسير الحياة المهنية لمستخدمي التدبير المفوض، ويجب وضع نظام يحدد الهياكل التنظيمية للتدبير والتدقيق الداخلي والإشهاد على الجودة، كذلك نظام يحدد شروط انجاز الصفقات وكيفيات تدبيرها ومراقبتها، و وضع دليل يصف إجراءات سير هياكل المراقبة الداخلية والإشهاد على الجودة.
خامسا: النظام المحاسبي والقانوني لأموال التدبير المفوض
يحيل القانون 54.05 على القواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها كما نظمها القانون 9.88، ويجب أن تبرز محاسبة المفوض له مجموع الذمة المالية الموضوعة في التفويض من قبل المفوض والتي من قبل المفوض له أو من قبلهما معا، وسواء تعلق الأمر بأموال الرجوع أو الاسترداد يجب قيدها في الأصول التابتة على أساس قيمتها وقت وضعها رهن تصرف المفوض إليه ، كما تبين المحاسبة الاستهلاكات المتعلقة بتدني القيمة و الاستهلاكات المتعلقة بالتقادم والمخصصات الضرورية للحفاظ على القدرة الإنتاجية للإنشاءات والمنشآت المفوضة وعندما تفوض عدة أنشطة أن تعكس هذه الأمور في قوائم تركيبية سنوية منفصلة عن حالة كل نشاط ، وقد ألزم المشرع المفوض له بنشر هاته القوائم في الستة أشهر الموالية للاختتام السنة المالية وتوضع رهن إشارات المواطن
تتكون أموال التدبير المفوض من أموال الرجوع وأموال الاسترداد، تتضمن أموال الرجوع الأراضي والبنايات والإنشاءات والمعدات المنقولة والموضوعة رهن تصرف المفوض له أو التي اشتراها المفوض وفقا لشروط العقد وهي أموال الملك العام التي تساهم جوهريا في سير المرفق المفوض، وه\ه لا يمكن أن تكون موضوع رهن باستثناء ما تنص عليه أحكام المادة 8 والمتعلق بالعقود المبرمة من قبل المؤسسات العمومية حيث يمكن أن تكون هاته الأموال موضع رهن، وتتعلق أموال الاسترداد بتلك الأموال المرصودة للمرفق عند نهاية عقد التدبير، تكون ه\ه الأموال ملكا لمفوض له خلال مدة التفويض حيث يمكن أن تصير في ملك المفوض إذا ما لجأ الأخير إلى إحدى إمكانيات الاسترداد المنصوص عليها في عقد التدبير[32]
والجدير بالإشارة إليه هنا، انه إلى جانب الافتحاص الخارجي التي تقوم به لجان الضبط و آليات الافتحاص الخارجي والتدقيق بمبادرة من وزير الداخلية و رقابة المفوض والرقابة الداخلية الواجبة على المفوض له في إطار التزاماته القانونية، تمارس المحاكم المالية بناءا على المادة 118 في فقرتها الثانية من القانون المتعلق بالمحاكم المالية رقابتها على شركات التدبير المفوض في إطار رقبتها للتدبير، وهو ما جسده تقرير المجلس الأعلى للحسبات سنة 2009، والذي سجل مجموعة من التجاوزات والمخالفات الاختلالات المرتبطة بسوء التدبير والتي قد تجعل من ملاحظتنا بخصوص القواعد المتعلقة بضبط التدبير المفوض تروم نحو ضرورة وضع إطار قانوني يواكب المستجدات ويستدرك ثغرات أسفر عنها الواقع العملي لتطبيق التدبير المفوض بالمغرب.
المطلب الثالث: الواقع العملي للتدبير المفوض
لقد أسفرت التجربة العملية لأسلوب التدبير المفوض بالمغرب عن واقع مخالف لما كان مرجوا من الأسلوب على مستوى تحسين جودة الخدمات بتكلفة ملائمة،وهو ما ترتبت عنه انعكاسات اجتماعية تمس الحياة اليومية للمواطنين.
أضحت سياسة تفويض قطاعات حيوية بالمغرب إلى شركات أجنبية خاصة "موضة" مغرب العهد الجديد، إذ تكاثرت هذه الشركات المفوض لها بشكل كبير وبتكاليف عالية ولكن دون نتائج ملموسة وذات فائدة بالنسبة للمواطنين الذين يشتكون يوميا من تسيير وتدبير هذه الشركات. وهو الأمر الذي أكده التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عندما قام برصد جملة من التجاوزات و الاختلالات التي تقوم بها هذه الشركات المفوض لها خاصة في مجال الماء والكهرباء والصرف الصحي.
تجاوزات ليدك في تقرير المجلس الأعلى للحسابات[33]
أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن أداء شركة ليدك لم يكن مطابقا لمقتضيات العقد خلال العشر سنوات الأولى من التفويض، إذ أن استغلال الملف الخاص بالاستثمارات يثبت أن إنجازات المفوض له في ما يتعلق بالبنية التحتية وأشغال التقوية لا تتجاوز 100 350 مليون من أصل مليون مبرمجة. مسجلا من خلال التتبع المادي، أن ما يفوق ثلاثين مشروعا لم يتم إنجازها من بينها مشروع مكافحة التلوث بمبلغ يتجاوز مليون درهم 1010. بالإضافة إلى عشرات المشاريع في طور الإنجاز تعاني من التأخير.
وكشف وجود أحياء يتم تزويدها بماء مشبع بالصدأ، وهو ما يسمى "بالمياه الحمراء" مضيفا أن هذه الظاهرة ترجع إلى قنوات الفولاذ الرمادي العتيقة التي تسرب مادة الصدأ في الماء الصالح للشرب. وقد تم تسجيل عدة شكايات منذ سنة 2006 لم يتم أخذها بعين الاعتبار إلى حدود نهاية مهمة المراقبة. وعوض إرساء سياسة جادة وفعالة لتجديد شبكات التوزيع، كما ينص على ذلك العقد، يلجأ المفوض له إلى حلول ترقيعية كالضخ بالماء والتنقيب عن مواقع التسربات.
وأوضح المصدر ذاته، أن المشاريع التي تخص محاربة التلوث ومعالجة المياه العادمة، لازالت في طور الدراسات. مبرزا أن هدف الربط الشامل لكافة الأسر بشبكات الماء والتطهير لم يتم تحقيقه، ويظهر الفرق واضحا بالنسبة للربط الاجتماعي. وكشف المصدر ذاته، عن اختلافات بين متوسط السعر الحقيقي للكهرباء حسب صيغة العقد ومعطيات ليدك ومتوسط السعر المعلن من قل ليدك، مسجلا وجود اختلالات في تسيير مداخيل صندوق الأشغال: فقد تم ضبط مداخيل مخصصة للصندوق لم يتم تسجيلها من لدن ليدك، منها مبلغ 172 مليون درهم برسم شراء مخزون الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء.
وفي سياق ذي صلة، شدد تقرير الميداوي، على غياب التتبع المادي للمشاريع المنجزة جزئيا أو كليا، بالإضافة إلى نقصان الملف التقني في غياب وثائق كدراسات الجدوى والصفقات ومحاضر التسلم. كما تم الوقوف على اختلالات فيما يخص تدبير وحفظ ملفات الصفقات إذ أن قاعدة البيانات الخاصة ب "ليدك" لا تخزن المعلومات الخاصة بالصفقات أو سندات الطلب مما يحول دون إرساء قواعد الشفافية في التتبع والتنفيذ.
وبخصوص الملف الخاص بالتجهيزات لسنة 2006 فأشار التقرير إلى أنه تبين أن 44 بالمائة من الإنجازات المعلنة من قبل المفوض له عبارة عن مصاريف المالية المرتبطة بالنشاط الكلي للشركة وحصة جزافية تمثل 10 بالمائة من مصاريف الإدارة العامة واليد العاملة، موضحا أنه عوض 687 مليون درهم المعلن عنها، فإن الإنجازات المادية قد لا تتعدى 358 مليون درهم مما يدل على أن الإنجازات المادية قد تم تضخيمها بنسبة بالمائة 78.
وأبرز التقرير مخالفة الشركة لعقد التدبير المفوض، إذ لم يتم التحرير الكلي لرأسمال الشركة بمبلغ 800 مليون درهم إلا في سنة 2003 عوض الأجل التعاقدي المحدد في عام 1999، مضيفا أن ليدك قامت باستعمال الأموال الخاصة بالمدينة كتعويض عما تعتبره الشركة ضررا ناتجا عن عدم الترخيص لها بالزيادة في التعريفة، مما يشكل خرقا للقوانين والأنظمة المعمول بها. وقد بلغ المبلغ المذكور 16 مليون درهم بين و 2002 2005.
وأكد أن التعويض الجزافي برسم المساعدة التقنية المستمرة يعتبر بمثابة تحويل للأرباح بين الشركة ومساهميها، إذ بلغ حسب المعطيات المحاسبية لليدك 927 مليون درهم بين و 1997 2008 دون احتساب الرسوم التي تتحملها "ليدك". وقد مكن هذا التعويض الذي حددته "ليدك" من جانب واحد المساهمين من استرجاع ما يعادل الرأسمال المستثمر في أقل من عشر سنوات.
تقرير المجلس الأعلى يعدد عثرات أمانديس[34]
كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير عن مجموعة من الاختلالات التي شابت طرق تدبير قطاع التدبير المفوض لمرافق التطهير السائل وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء على صعيد ولاية طنجة، إذ رصد التقرير عدم احترام البنود التعاقدية المتعلقة بأداء تكاليف الربط، فباستثناء الربط الاجتماعي والربط المنضوي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تقوم أمانديس بفرض أداء المبلغ الكلي لتكاليف الربط على طالبي الربط العادي بشبكات التطهير السائل والماء الصالح للشرب والكهرباء قبل بدء الأشغال، في خرق لمقتضيات الفصول 72 من دفتر التحملات المتعلق بالتطهير السائل و 35 من دفتر التحملات المتعلق بالماء الصالح للشرب و 34 من دفتر التحملات المتعلق بالكهرباء، مضيفا أن المفوض إليها تستفيد دون سند قانوني من تسبيقات مجانية على الأشغال المزمع إنجازها وذلك منذ تاريخ أداء مقايسات الربط بالشبكات إلى حين إنجاز الأشغال.
ونبه التقرير، إلى وجود توزيع غير قانوني للأرباح خلال السنوات الخمس الأولى للتدبير المفوض، إذ قامت المفوض إليها بتوزيع الأرباح ثلاث مرات في سنة 2005 (28 مليون درهم) وسنة 2006 (21 مليون درهم) وسنة عام 2007 (22.7 مليون درهم) أي ما مجموعه 71.7 مليون درهم. وسجل التقرير، عدم دفع أمانديس لهامش ربح السلطة المفوضة برسم السنة المالية 2002 الذي وصل إلى ما يناهز مليون درهم 9. مضيفا أن أمانديس لم تشرع في تنفيذ ما يناهز 264 مشروعا استثماريا تمت برمجته خلال الفترة 2002-2008 832 بقيمة مليون درهم (دون احتساب الرسوم).
وأوضح التقرير، أن أمانديس تقوم بفوترة واستخلاص تكاليف صورية للربط بالشبكات، إذ بعد أخذ فواتير المتعاقدين خلال الفترة الممتدة مابين و 2002 2007 بعين الاعتبار، تبين أن "أمانديس" فوترت واستخلصت تكاليف صورية للربط بالشبكات بمبلغ 5،1 مليار سنتيم (دون احتساب الرسوم). مشيرا إلى تكرار فوترة واستخلاص إتاوات المساهمة في البنى التحتية إبان الإقامة الأولية: خلال الفترة الزمنية الممتدة من سنة إلى أبريل 2006 2008 التي تبين خلالها أن أمانديس قامت باستخلاص إتاوات المساهمة في البنى التحتية المتعلقة بالإقامة الأولية مرتين بقيمة 4726250 درهم من قبل أشخاص طبيعيين ، على الرغم من أن هذه الإتاوات سبق أداؤها من طرف المنعشين المجزئين.
ووفق المصدر ذاته، فإن أمانديس أقدمت على فوترة واستخلاص تكاليف صورية تتعلق بوضع وإزالة العدادات وتجميد العدادات التي لا تتم إزالتها بعد إنهاء عقود الانخراط. وقد بلغت قيمة تكاليف وضع وإزالة العدادات المستخلصة بطريقة غير قانونية خلال الفترة الممتدة من 2002 2007 وفبراير مبلغ مليون درهم 4. مضيفا أن قيمة إتاوات التطهير السائل التي تم تطبيقها بطريقة غير قانونية ما بين أكتوبر 17 و 05 2005 2009 نونبر حوالي 2.6 مليون درهم.
وأبرز تقرير الميداوي، أن استخلاص تكاليف صيانة وكراء العدادات الكهربائية دون مقابل بلغت قيمتها المفروضة على المستهلكين دون مقابل والمستخلصة عن طريق نظام المعلومات الحالي المتعلق بالتدبير المندمج للزبناء ما بين 17 أكتوبر 2005 و 31 أكتوبر 2008 حوالي 10 ملايير سنتيم، مضيفا أن قيمة حقوق التمبر المفروضة والمستخلصة دون سند قانوني ما بين و 2004 2008 31 دجنبر تقدر بما يزيد عن 1.5 مليون درهم. كما بلغت قيمة تكاليف تحصيل فواتير استهلاك الماء الصالح للشرب والكهرباء التي تم فرضها وتحصيلها من لدن المرتفقين دون سند قانوني ما بين ماي 2007 2009 وماي ما يناهز2 مليون درهم.
كما أشار التقرير، إلى عدم احترام الدورات التعاقدية لقراءة عدادات استهلاك الماء والكهرباء، خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2006 حتى غشت 6 مارس 2008 364 522 إذ أن عدادا تمت قراءتها في تجاوز لأجل 66 يوما للاستهلاك. بالإضافة إلى عدم التصريح بالمبالغ المستخلصة لضريبة النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني واشتراك التقاعد وحقوق التمبر والضريبة على القيمة المضافة، مضيفا أن تم اقتطاع تكاليف غير قانونية تتعلق بتحصيل ديون الوكالة المستقلة الجماعية للتوزيع بطنجة: وقد بلغت قيمة المبالغ المقتطعة بطريقة غير قانونية من ديون الوكالة المستخلصة ما يناهز 2مليون درهم.
وفي السياق ذاته، سجل التقرير، أداء تكاليف صورية تتعلق بالتكوين من خلال قيام أمانديس ما بين و 2004 2007 بأداء تكاليف صورية تتعلق بالتكوين بقيمة 3،2 مليون درهم. بالإضافة إلى فتح غير قانوني لحساب خاص ثان BNRV وأداء غير قانوني لنفقات الإنارة العمومية: وقد بلغت قيمة النفقات المؤداة بطريقة غير قانونية انطلاقا من الحساب BNRV ما بين و 2006 2007 ما يناهز 4،9 مليون درهم إصدار سندات طلب لفائدة أقارب الرئيس السابق للمصلحة الدائمة للمراقبة دون احترام مبدأ المنافسة ونظام الصفقات، كما قامت أمانديس بشراء أدوات المكتب والمواد والعتاد المعلوماتي بمبلغ 29.6 مليون درهم عن طريق سندات طلب تم إصدارها لفائدة شركة في ملك زوجة وأقارب الرئيس السابق للمصلحة الدائمة للمراقبة.
وعلى صعيد آخر، أشار التقرير إلى أنه تم أداء أجور مستخدمين في غياب إنجاز الخدمة، مضيفا أن مجموعة من المستخدمين النظاميين يتقاضون أجورهم كاملة، زيادة على علاوات الحركية من التدبير المفوض لطنجة، بالرغم من أنهم يعملون إما لكامل الوقت أو جزئيا لصالح مؤسسات تابعة للشركة الأم للمفوض إليها، وذلك في غياب لأي سند قانوني ودون فوترة الخدمات المقدمة لفائدة هاته المؤسسات. وقد بلغت قيمة الأجور الصافية التي تم صرفها لهؤلاء المستخدمين على حساب مالية التدبير المفوض ما بين و 2004 2009 30 يونيو ما يناهز 47 مليون درهم.
وكشف المصدر ذاته، عن نقل مستخدمين نظاميين للعمل بالخارج لدى مؤسسات تابعة للشركة الأم للمفوض إليها دون سند قانوني، وتوظيف وإلحاق مستخدمين أجانب دون مصادقة السلطة المفوضة، إذ تم تعيين وإلحاق مستخدمين أجانب دون مصادقة السلطة المفوضة في خرق لمقتضيات الفصل 29 من اتفاقية التدبير المفوض. وبلغت من 7 17 31 دجنبر حتى أكتوبر 2005 2007 التكاليف المالية التي تحملتها مالية التدبير المفوض بطريقة غير قانونية بين و 2002 2007 132 حوالي مليون درهم.
التقرير يكشف ثغرات ريضال الرباط سلا تمارة الصخيرات[35]
رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، جملة من الخروقات والاختلالات التي تعرفها شركة ريضال من بينها عدم موثوقية المعلومات المقدمة من قبلها في ما يخص إنجاز الاستثمارات، إذ تم الوقوف على فوارق بين الوضعية المتعلقة بإنجاز المشاريع الممسوكة من طرف ريضال وتلك التي تم إرسالها إلى السلطة المفوضة المصلحة الدائمة للمراقبة. حيث يصل مبلغ هذه الفوارق غير المبررة من طرف ريضال إلى 51.2 مليون درهم، بالإضافة إلى الغياب المادي للملفات والوثائق المدعمة للوضعيات المالية المنجزة. بالإضافة إلى أن المراجعات المتعلقة بالتعريفات التي قامت بها "ريضال" تثير عددا من الملاحظات، منها: عدم تطابق المعطيات المقدمة مع تلك المضمنة في أنظمة المعلومات مما يشكك في مصداقية المعطيات التي على أساسها يتم احتساب نسبة الإنجازات.
ونبه التقرير إلى وجود قصور في مد السلطة المفوضة بالمعلومات والتواصل معها، إذ لا ترقى العلاقة بين السلطة المفوضة والمفوض لها إلى درجة الشراكة، حيث أن اختلالات مهمة تشوب قنوات التواصل بينهما، و تؤثر بالتالي على صحة المعلومات المنقولة إلى السلطة المفوضة، ومن بين هذه الاختلالات عدم وضع نظام للتواصل من طرف المفوض إليه يمكن من الحصول داخل أجل معقول على معلومات شمولية وسهلة الاستعمال والاستغلال. ويضيف التقرير أن هذا القصور على مستوى المعلومات يجعل من المراقبة مهمة صعبة المنال وبالتالي يولد تراكما على مستوى تأخير إنجاز الاستثمارات) اعتماد الميزانية و تحديد الفوارق ما بين ما تم تحقيقه وما تم الالتزام بتحقيقه بمقتضى العقد إلخ ..
وأشار إلى أن ريضال سجلت سنة 2008 17714 حالة انقطاع للكهرباء جزئية غير مبررة موزعة على 2100 حالة تجاوزت فيها مدة الانقطاع ساعات 10، 4721 حالة تجاوزت فيها هذه المدة ساعات 6، 8173 حالة سجلت انقطاعات لمدة ساعات 4. وهو ما يلزم ريضال بأداء درهم 2813456. وخلال سنة وإلى غاية 18 2009 2009 نونبر سجلت 12268 حالة توقف جزئي غير مبرر من قبل مصالح ريضال، وهو ما يقابل غرامة بمبلغ درهم 1846158. وهكذا فإن، ريضال ملزمة بأداء غرامة تقدر ب 6348578 درهم بالنسبة للسنوات 2007 و و 2008 2009، غير أن السلطة المفوضة لم تطبق أي جزاء بهذا الخصوص على ريضال.
وأوضح التقرير، أنه تم احتساب مبالغ متجاوزة للميزانيات المقررة ضمن مبالغ الإنجازات، دون تقديم التبريرات اللازمة للسلطة المفوضة قصد المصادقة عليها، وذلك خلافا للمقتضيات التعاقدية خاصة المادة 53 من عقد التدبير المفوض، وذلك بما قدره 197 مليون درهم. مشيرا إلى احتساب تكاليف ضمن بند "مختلفات" في غياب الوثائق المثبتة اللازمة لهذه المصاريف، والتي تقدر بمبلغ 112 مليون درهم.
وعلى مستوى الصفقات كشف تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات، عن وجود مجموعة من الخروقات منها على سبيل المثال إعطاء صفقة متعلقة ب 8000 توصيل بكهرباء الجهد المنخفض لشركة حليفة وذلك بمبلغ 2.7 مليون درهم مع احتساب الرسوم، في حين أن العرض المالي لشركة أخرى تمثل في 1،1 مليون درهم.
وأبرز التقرير، أن ريضال قامت باحتساب المبلغ المستحق لجمعية الأعمال الاجتماعية على أساس 0،75 بالمائة من موارد الاستغلال بدلا من 1 بالمائة المقررة، وذلك في غياب لأية موافقة من طرف الجمعية المذكورة. مضيفا أنها حققت تأخرا كبيرا في إنجاز مجموعة من المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية تقدر بمبلغ محين بقيمة 900 مليون درهم. بالإضافة إلى أنها لا تقوم بأي عمل من شأنه الحد من التلوث البيئي، على مستوى المجال الطبيعي وفي سواحل البحر، الناتج عن صرف المياه العادمة بطرق غير قانونية وكذا صرف المياه الصناعية.
ويكشف أنه بناء على مراجعة التعريفات التي أذن بها للمفوض إليه في سنة 2006 وقصد تجنب تطبيق التعريفات الجديدة بأثر رجعي، قررت لجنة المتابعة منح تعويض حدد له مبلغ 25.87 مليون درهم موزعة على شهرا 14، غير أن ريضال، في واقع الأمر، عملت على استخلاص هذا التعويض من تلقاء نفسها وذلك بواسطة حساب "صندوق التقاعد المشترك" بمبلغ يقدر ب 29،11 مليون درهم، أي بزيادة غير مستحقة تصل إلى 2.23 مليون درهم.
وبخصوص المعاملات المطبقة من طرف ريضال، أبرز تقرير قضاة المجلس الأعلى أنها تكون في بعض الحالات، أقل من تلك المتفق عليها والمضمنة في بنود العقد، خاصة بالنسبة لسنة 2004. مضيفا أن القاعدة المقترحة من طرف ريضال فيما يخص التحيين بالنسبة للفترة الممتدة من 2008 فصاعدا لا تتطابق مع تلك المنصوص عليها في بنود العقد، حيث أن الفارق المتوسط بين طريقة حساب تغيرات المعدل المطبقة انطلاقا من سنة 1999 وطريقة حساب معدل التغييرات المقترحة من طرف ريضال (بالنسبة للفترة الممتدة ما بين و 1998 2009) 2.2555٪ يقدر ب بالنسبة للتطهير السائل و 0.3002٪ 4.35% بالنسبة للماء و بالنسبة للكهرباء و 1.2312٪ - بالنسبة لوسائل الاستغلال.
وعلى صعيد أخر، أكد التقرير، أنه تمت صياغة التركيبة المالية لعقد التدبير المفوض بطريقة تجعل مجمل التكاليف غير المباشرة، الناتجة عن الاستثمارات الممولة من طرف الشركة المفوض لها، تندرج في إطار ميزانية التسيير. و تمثل تكاليف الإدارة ومراقبة الأشغال 2٪ من الكلفة الإجمالية للأشغال برسم السنة المعنية فيما تحتسب تكاليف الدراسات المتعلقة بالأشغال بنسبة 5٪ من الكلفة الإجمالية للأشغال المتعلقة بالتطهير السائل. أما في ما يخص الماء الصالح للشرب والكهرباء، فلم يتم اعتماد أي تفصيل بهذا الشأن.
أن عرضنا لهذه الحالات ليس من باب الأطناب، ولكن هي محاولة لوضع القارئ كمشارك في استخلاص النتائج، المرتبطة بالمقارنة بين ما تم التسطير له على المستوى التشريعي وما تم التوصل إليه من نتائج على أرض الواقع العملي، وهو ما يكشف عن وجود إشكال بنيوي في التعامل مع هذه التقني في التدبير العمومي وقلنا بنيوية لأنها لا ترتبط بخلل قانوني أو أي وحدة من الوحدات المكونة لمنظومة التدبير المفوض، وهذا ما كان له انعكاسات اجتماعية على المواطن وخصوصا تلك المتعلقة بتكاليف الخدمات على المستهلك وكذا تسريح العمال، كما أن النص القانوني المنظم يطرح مجموعة من الصعوبات المسطرية على الجماعات القروية نظرا لما يتطلبه هذا النوع من العمليات من خبرة وكفاءة عالية.
أن المشكلة التي تواجهها الجماعات المحلية بخصوص عقود التدبير المفوض بصفة عامة ترتبط بضعف قدرتها الرقابية و الإشرافية، ومنه عدم قدرتها على تقييم عمل هاته الشركات وجديتها في تطوير أداء مهمتها، كما أن الدولة بانسحابها من تدبير المرافق الحيوية لقطاع الماء والكهرباء والتطهير والنظافة وقطاع النقل الحضري، تعلن استقالتها من تسيير الشأن العام، و تفوضه للاستثمار الأجنبي الذي بدأ نفوذه يتزايد بوتيرة مخيفة، و أصبح المواطن والحالة هذه، تابع سياسي لدولة يتراجع دورها باستمرار، وتابع اقتصادي لشركات ومجموعات مالية أجنبية تتحكم في مصيره بشكل متصاعد[36]
لائحة المراجع
· سعيد النكاوي،" التدبير المفوض بالمغرب على ضوء القانون 54.05 "، دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع ، مطبعة الامنية –الرباط 2010
· عبد القادر باينة، " أشكال النشاط الإداري" مشورات زاوية ، مطبعة الأمنية الرباط، 2007
· حنان بن قاسم ،" التدبير المفوض بين التنظير والتطبيق"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات العدد 61\ 2005
· محمد الأعرج، " نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي"، منشورات المجلة الغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة أعمال ومؤلفات جامعية، ع 73 ، النهار المغربية ، الطبعة الثانية 2007
· أحمد بوعشيق "المرافق العامة الكبرى" دار النشر المغربية 2010
· حنان بنقاسم ،" المؤسسات العمومية في المغرب بين الترشيد والتفويث" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية الحقوق الرباط أكدال 2002,2003
· مليكة الصروخ،"القانون الإداري، دراسة مقارنة" الشركة المغربية لتوزيع الكتاب ، الطبعة السادسة 2005
· محمد يحيى،" قراءة نقدية لمفهوم التدبير المفوض على ضوء مستجدات القانون 54.05" منشور على موقع المجله الإيلكتورنية
www.almajalh.com
· القانون 54.05 الصادر بتنفيذه الظهير 1.06.15 قي 15 محرم ، الموافق 14 فبراير 2006، الصادر بالجريد الرسمية عدد 5404 بتاريخ 2006
· التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسبات، 2009، الجزء الثاني
· مجلة المالية ، ملف التدبير المفوض، تصدر عن وزارة المالية ، العدد 11 شتنبر 2009
JB Auby «bilan et Limites de l'analyse juridique de Gestion Déléguée du de service public »REMALD série« thémes Actuels »n ° 30
حنان بن قاسم ،" التدبير المفوض بين التنظير والتطبيق"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات العدد 61\ 2005، ص 61 [3]
لمقصود هنا: القانون رقم صادر في 125.92 فبرایر6 1992 والمتعلق بالإدارة اللامركزیة للجمهوریة. [4]
2] و122.93القانون رقم المتعلق بالوقایة من الرشوة وشفافية الحياة الاقتصادیة] 29الصادر يناير 1993
و المتعلق بالصفقات العمومية و المساطر العمومية 127.95 والقانون رقم وتفویض المرفق العام الصادر في 8 فبراير 1995
2] و122.93القانون رقم المتعلق بالوقایة من الرشوة وشفافية الحياة الاقتصادیة] 29الصادر يناير 1993
و المتعلق بالصفقات العمومية و المساطر العمومية 127.95 والقانون رقم وتفویض المرفق العام الصادر في 8 فبراير 1995
[6] E. Picard: J.C.P éd B.I 3621 n ° 18. 1993 www.4shared.com نقلا عن بحث الأسس النظرية للتدبير المفوض بفرنسا منشور
[7] JB Auby «bilan et Limites de l'analyse juridique de Gestion Déléguée du
de service public »REMALD série« thémes Actuels »n ° 30 p 143
de service public »REMALD série« thémes Actuels »n ° 30 p 143
[12] محمد الأعرج، " نظام العقود الإدارية والصفقات العمومية وفق قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي"، منشورات المجلة الغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة أعمال ومؤلفات جامعية، ع 73 ، النهار المغربية ، الطبعة الثانية 2007 ص 38
[13] راجع في ه\ا الصدد محمد الأعرج، مرجع سابق ، ص41 وما بعدها، وكذلك أحمد بوعشيق "المرافق العامة الكبرى" دار النشر المغربية 2010
[15] سعيد النكاوي، مرجع سابق ص 44 وما بعدها، ويراجع في هذا الصدد حنان بنقاسم ،" المؤسسات العمومية في المغرب بين الترشيد والتفويث" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية الحقوق الرباط أكدال 2002,2003
[17] محمد يحيى،" قراءة نقدية لمفهوم التدبير المفوض على ضوء مستجدات القانون 54.05" منشور على موقع المجله الإيلكتورنية www.almajalh.com
[20] المادة 15 من القانون 54.05 الصادر بتنفيذه الظهير 1.06.15 قي 15 محرم ، الموافق 14 فبراير 2006، الصادر بالجريد الرسمية عدد 5404 بتاريخ 2006
ليست هناك تعليقات