المتابعون

Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

المتابعون

اخبار عاجلة

latest

{ads}

الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الأول

الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق  تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الأول- بنمــوسى خـــالد باحث في سلك الدكتوراه يستق...


الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق 
تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الأول-

بنمــوسى خـــالد
باحث في سلك الدكتوراه
يستقطب موضوع الجهوية اهتماما متزايدا ليس فقط بالمغرب، بل بمختلف بقاع العالم كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمجالية ، تقوم على تعبئة الموارد والطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي ، لذا حاولت مبكرا مجموعة من الدول الخروج من سياسة التركيز والمركزية واقتناء مبدأ اللامركزية كمحاولة لإشراك المواطنين وإعطائهم الفرصة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالتنمية الجهوية.
فنجاح تجربة الجهوية يتطلب عدة وسائل وإمكانات يجب أن تتوفر حتى تستطيع الجهة أن تضطلع بالدور الذي أصبح موكولا إليها وخصوصا في ظل الرهان القائم عليها كمحور للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والتي تتمثل خصوصا في الإمكانات المالية.
إن الواقع الحالي يقول ان الجهة كجماعة محلية تتوفر على استقلال مالي تعرف اكرهات على صعيد التدبير المالي و بالتالي فان هذه الاكراهات تحد من وظائفها التنموية ، اذ تعتبر الأداة التمويلية من بين أهم الوسائل التدخلية التي تتوفر عليها الهيئات المحلية لإنجاز المشاريع الخاصة ولتشجيع بعض ائلقطاعات المهمة التي تعتبر أساسية للنهوض بالتنمية المحلية والجهوية، فكل الوحدات الترابية تحتاج إلى موارد مالية مهمة من أجل إنجاز مخططاتها التنموية، لاسيما بعد ما أسند لها المشرع في إطار التعديل الدستوري لسنة 2011، اختصاصات ووظائف جديدة سواء منها الذاتية أو التحويلية، ورغم الإصلاحات المالية المتوالية التي شهدتها المنظومة المالية للوحدات الترابية، فإن هذه الأخيرة لم تصل بعد مرحلة تحقيق استقلال مالي تمكنها من التدخلات الاقتصادية، بل مازالت مرتبطة بشكل كبير بميزانية الدولة عن طريق تلقي إعانات مالية تارة في شكل إقتسام بعض الضرائب الوطنية من قبيل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات، وثارة أخرى في شكل إعانات مباشرة تكميلية.
ويرجع هذا الضعف في الإستقلال المالي للوحدات الترابية إلى عدة عوامل جوهرية، منها عجز الميزانية الذاتية عن مواجهة متطلبات التنمية المحلية، وكذا محدودية الموارد الخارجية في تمويل الميزانية المحلية.
وفي سبيل ضمان فعالية الجماعات المحلية في سياستها التدبيرية، فإنها تحتاج إلى إبتكار آليات جديدة لتقوية ميزانيتها المحلية وذلك عن طريق تفعيل الموارد المتاحة حاليا للوحدات الترابية وكذلك البحث عن طرق تفعيل تلك الموارد ضمن مقاربة تتضمن من جهة العدالة الضريبية والجبائية، ومن جهة أخرى تحقيق نوع من النجاعة في التمويل وتنفيذ المشاريع التنموية المبرمجة زيادة على إدماج بعض الضرائب في بعضها البعض وحذف أخرى بسبب مردوديتها الضعيفة، وكذا العمل على تبسيط مسطرة استخلال الضرائب والرسوم.
إن دور السياسة المحلية في التنمية يعد من الأهمية بمكان إذ لا يمكن الحديث عن تنمية محلية حقيقية في غياب سياسة مالية فعلية قادرة على تغيير الواقع الإقتصادي والإجتماعي المحلي بإتجاه ما هو أفضل.
إن الوحدات الترابية بالمغرب، وكما أشرنا إلى ذلك سابقا، لا تتحكم في مواردها حيث إن استقلالها المالي، وفي إطار الوضع الحالي، يظل مقيدا ومحاصرا، وبالتالي بعيدا عن أن يكون حقيقيا وفعليا، من حيث التدبير وتسيير شؤونها بنفسها سواء في ميدان الإنفاق أو الاستثمار.
ولذلك، فمن الضروري العمل في اتجاه تمكين الجهة من التحكم في مواردها المالية وخاصة الذاتية، نظرا للأهمية البالغة لهذه المسألة، إذ أريد للوحدات الترابية أن تساهم، عبر البرمجة والتخطيط العقلاني، في النهوض بالتنمية الجهوية والوطنية، وأن تكون قادرة على تحقيق المشاريع والعمليات والأشغال المسطرة لتلبية الحاجيات الأساسية للسكان وخاصة الأولويات منها.
فالوحدات الترابية يجب أن تكون لديها موارد مالية قارة وقادرة على التطور مستقبلا، ليستنى لها التخطيط للمشاريع التنموية بنجاح، لأن أية إستراتيجية تنموية تضعها تظل شكلية وغير مجدية، إذا لم تصاحبها الموارد المالية الذاتية والإمكانيات الممكن توفيرها من مصادر مختلفة (قروض – استغلال...)، تمكن الجهة من إخراج مضامين تلك الإستراتيجية إلى أرض الواقع.
ورغم إعتراف المشرع المغربي للوحدات الترابية بالإستقلال المالي، لكنه في الواقع اعتراف نسبي تقيده وتحد منه الوصاية وهكذا تم التكريس لعدة إصلاحات وتجاوز مختلف الإشكالات التي خلفتها الممارسة المحلية لأزيد من ثلاثة عقود، وفي سياق التحولات التي يشهدها تدبير الشأن المحلي المغربي خاصة على مستوى تحديث الترسانة القانونية إن على المستوى الجبائي بدخول القانون الجبائي المحلي 47.06 لحيز التطبيق في 2008، أو المستوى الإداري خاصة بدخول حيز التنفيذ القانون رقم 17.08 الذي يعدل ويتمم القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في 2009، جاء القانون رقم 45.00 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها بغية تحديد طبيعة الإصلاحات التي يتعين القيام بها لتحديث النظام المالي وجعله أكثر ملاءمة لمتطلبات الحكامة الجيدة للجماعات المحلية والذي يعتبر قفزة نوعية في اتجاه التركيز المالي للجماعات المحلية لتحقيق المنظور التنموي.
وعليه فإن القراءة العامة لمختلف الإصلاحات التي ارتكز عليها المشرع في سبيل تحديث التدبير المالي المحلي على ضوء القانون رقم 45.08، نجدها ترتكز على محورين أساسيين : يتعلق الأول بتبسيط وتخفيف نظام الوصاية على قرارات الجماعات المحلية الخاصة بتدبير ميزانيتها، من خلال مجموعة من الإجراءات التي تهم على وجه الخصوص التدابير التالية :
· تقليص مجال تطبيق المصادقة القبلية، والمتمثلة في حصر مجال قاعدة الرخصة على القرارات الأساسية، كالميزانية واللجوء إلى الإقتراض، وجعل بعض القرارات المتعلقة بتدبير الميزانية قابلة للتنفيذ دون اللجوء إلى المصادقة القبلية لسلطة الوصاية، ويتعلق الأمر هنا، برفع الوصاية على عمليات تحويل الاعتماد لتصبح من صلاحيات رئيس المجلس بالنسبة للتحويلات بين فصل وفصل داخل نفس الباب.
· حذف إزدواجية الوصاية فيما يخص المصادقة القبلية على القرارات بإقتراح إسنادها إلى القطاع الوصي وإلغاء تأشيرة وزارة المالية.
· مراجعة نظام مراقبة صحة الالتزامات في اتجاه حصرها على التأكد من توفر الاعتمادات قبل إصدار الالتزامات، ويهدف هذا الإجراء إلى عقلنة نظام المراقبة المالية واعتماد الفعالية في أساليبها، تمشيا مع مبدأ إقرار مسؤولية الآمرين بالصرف، واعتبارا للمقتضيات الجديدة المتعلقة بمدونة المحاكم المالية وتفعيل دور المجالس الجهوية للحسابات.
أما بخصوص المحور الثاني المتعلق بتبسيط وتحسين المساطر والإجراءات الخاصة بوضع الميزانية والمصادقة عليها وتنفيذها، فإن التدابير التي جاء بها قانون التنظيم المالي المحلي الجديد ترمي إلى إضفاء الفعالية والنجاعة على عمليات إعداد وتنفيذ القرارات، وضمان استمرارية المرفق العمومي، وتوفير الآليات اللازمة لتمكين الجماعات المحلية من أداء مهامها في أحسن الشروط، ويمكن أن نوجز هذه التدابير في العناصر التالية :
· إقرار مبدأ شمولية الاعتمادات لمنح الجماعات المحلية إمكانية ملاءمة الميزانية كلما دعت الضرورة إلى ذلك خلال السنة المالية.
· تبسيط المساطر فيما يخص تحويل الاعتمادات تمشيا مع تخفيف الوصاية على المصادقة على القرارات.
· فتح المجالات لاستعمال الترخيص بالبرامج الممكن تمويلها بواسطة الفوائض التقديرية وذلك لحث الجماعات على نهج أساليب التخطيط والبرمجة المتعددة السنوات.
· تفاديا لتراكم الديون وحفاظا على حقوق المتعاملين مع الجماعات المحلية، فقد عمل قانون التنظيم المالي المحلي الجديد على تمكينها من الاحتفاظ باعتمادات التسيير الملتزم بها وغير المؤداة، وذلك عند اختتام السنة المالية بدل إلغائها.
· ضمانا لاستمرارية المرفق العمومي، ولمعالجة حالات الشلل التي قد تطرأ بسبب عدم توفر الجماعة على الميزانية في الآجال القانونية، فقد تم اعتماد آجال محددة للتصويت على الميزانية، وإرسالها للمصادقة لضمان تنفيذها مع بداية السنة.
· لتعزيز مصداقية معاملات الجماعات المحلية مع شركائها، عمل المشرع المغربي على إدراج الالتزامات المالية الناجمة عن الاتفاقيات والعقود المبرمة من طرفها ضمن لائحة النفقات الإجبارية، إضافة إلى إعمال سلطة الحلول لصرف حوالة تم الالتزام بها بصفة قانونية في حالة امتناع الآمر بالصرف.
· اعتبارا للأهمية التي تكتسيها شفافية المعاملات في تحقيق الحكامة الجيدة والارتقاء بالشأن المحلي، فقد أولاها المشرع المغربي – من خلال هذا القانون – حيزا هاما حيث نص في هذا الإطار على إلزامية إبلاغ ونشر بعض المعطيات المتعلقة بتدبير الميزانية، وإخضاع تدبير الجماعات المحلية للتدقيق والافتحاص.
إن هذه الأهداف التي يسعى القانون رقم 45.08 المتعلق بتنظيم مالية الجماعات المحلية ومجموعاتها إلى تحقيقها، تجعل من الحكامة المالية المحلية أداة للتدبير الواعي للشؤون المالية المحلية (إيرادا وإنفاقا) وتفرض نهج أسلوب عقلاني يفضي إلى البحث الدائم عن خلق موارد جديدة من شأنها أن تساهم في تنمية مالية الجماعات المحلية بتجاوز الأسلوب الكلاسيكي في التسيير الذي رافق تجارب الجماعات المحلية السابقة، الشيء الذي جعل النفقات المحلية محكومة بهاجس الاستهلاك دون الإنتاج، وهو ما يفرض وضع خطة إستراتيجية تستهدف التدبير الفعال لمالية الجماعات المحلية على مستوى الإيرادات والنفقات من جهة، تجعل من الميزانية المحلية أداة توقيعية ترسم معالم السياسة المالية المحلية بالمغرب.
وبالموازاة مع إصلاح التنظيم المالي المحلي بقانون 45.08 لا تشك في أن إصلاح المنظومة الجبائية المحلية من خلال قانون 06.67 تشكل الدعامة الأساسية للتدبير المالي المحلي عن طريق تدعيم الموارد المالية الذاتية المحلية عبر الإصلاحات التالية :
- إلغاء بعض الرسوم ذات المردودية الضعيفة أو تلك التي تشكل ازدواجا ضريبيا مع جبايات الدولة.
- تبسيط مساطر فرض الرسوم وتصنيفها وتحصيلها وكذا توحيد الإجراءات المسطرية بالنسبة لكافة الرسوم.
- وضع هيكلة جديدة للنص القانوني المنظم للجبايات المحلية، وذلك لضمان الوضوح المطلوب والاسترسال الضروري في المقتضيات القانونية.
- اعتماد عدد محدود من الرسوم من شأنها أن توفر للجماعات المحلية موارد قارة ومنتظمة.
- اعتماد منظومة تتبنى آليات حديثة تتلاءم مع متطلبات تبسيط المساطر وخلق المناخ الملائم لتشجيع المبادرات والاستثمار.
- منح الجماعات المحلية الحرية في تحديد نسب وأسعار بعض الرسوم بين حد أدنى وحد أقصى، وذلك لتمكينها من مطابقة مستوى مواردها مع حاجيات التنمية المحلية، وكذا ممارستها للمراقبة والتفتيش وزجر المخالفات في مجال الجبايات المحلية.
هذه أهم المحاور التي بني عليها مشروع إصلاح الجبايات المحلية الذي عرض على البرلمان قصد البث فيه، والذي نأمل أن يعود على الجماعات بأموال مهمة توظفها في التنمية المحلية، وكذلك من أجل أن يكون معطى إيجابي لجلب الاستثمارات والرساميل الوطنية والأجنبية قصد استثمارها في المرافق العامة المحلية، وبالتالي تدعيم الاقتصاد المحلي وحل الإشكاليات الاجتماعية.
وكان الهدف من هذه الإصلاحات هو الرفع من مستوى الاستقلال المالي للجماعات المحلية والتخفيف من تبعية الاعتمادات المالية للدولة من طرف الجماعات المحلية ومن ثم تقليص الوصاية عن ماليتها. وإعطاء الجماعات المحلية الفرصة في التصرف وتحمل المسؤولية في التدبير المالي خصوصا في ما يرتبط بتطبيق الميزانية المحلية.
إن تدعيم الموارد المالية للوحدات الترابية، من خلال تمكينها من موارد قارة وكافية، تكون في مستوى المهام الموكولة إليها والطموحات والأمال المعقودة عليها، كما هو معمول به بالدولة المتقدمة الناجحة في سياستها الجهوية.
فبالنسبة لألمانيا، فإن نظامها المالي لا يمكن فهمه دون معرفة توزيع الاختصاصات المحدد من قبل الدستور، حيث حدد اختصاصات كل مستوى ونظام تمويل، وإعادة توزيع الموارد المالية بين مختلف المستويات. فبالرغم من إقراره باستقلال الجماعات المحلية، في إطار دولة فيدرالية، فإن الفيدرالية (Bund) والجهات (Lander) والجماعات المحلية جدمرتبطين في الحقل الجبائي وتكون الفيدرالية والجهات مستويي الدولة، حيث حدد القانون الأساسي الاختصاص التشريعي العام للجهات، في حين لم تعطيه صراحة للفيدرالية، لهذا فالفيدرالية تقريبا لا تتوفر على جهاز إداري. أيضا الجماعات المحلية مكلفة بتطبيق عدد من القوانين الفيدرالية والجهوية، عبر توجيه أو اختصاص إلزامي، بينما تعطى السلطة القضائية للقاضي وتمارس بواسطة المحاكم الجهوية.
ويتم توزيع الموارد الجبائية عموديا عبر أربعة نماذج :
· الضرائب التي يستأثر بها المستوى الفيدرالي ؛
· الضرائب الذاتية للجهات ؛
· الضرائب الذاتية للجماعات ؛
· الضرائب المشتركة.
ترتبط الإمكانيات الجبائية للفيدرالية والجهات والجماعات بتوزيع الضرائب بين مختلف مستويات الإدارة، فالتوزيع الدستوري لمداخيل الضرائب بين الفيدرالية والجهات، وموازنة النفقات بين الجهات هما التعبيرين الماليين للمبدأ الفيدرالي، ويضمن ميكانيزم التوزيع العمودي لكل جماعة الموارد الضرورية للقيام بمهامها، حسب القاعدة التي تنص على أن الذي له اختصاص يجب أن يتحمل النفقات المناسبة، إنه الشرط الأساسي لتحقيق استقلال الدولة الفيدرالية والجهات، حيث يضمن حريتها واستقلالها في ممارسة مهامها، بالنظر إلى النفقات التي تنتج عن توزيع المهام، إذ يحدد توزيع المدخول الجبائي حسب مستويات هرمية متداخلة، لكل مستوى تمنح له أهداف خاصة عند التوزيع أو التعويض، مما ينتج عنه بنية للموازنة المالية منظمة من طرف الدستور، الذي بطبيعته مرن وقابل للتكيف ولكن لا يمكن استبداله.
ويرجع حق تحديد قواعد الاقتطاع للمستوى الفيدرالي، أما بخصوص الضرائب التي تتم جباتها كليا أو جزئيا لفائدة الجهات أو الجماعات، فإن موافقة البوتسرات (Bundesrat) (مجلس الجهات) تعتبر ضرورية.
وتقوم الفيدرالية بمهمة مراقبة الحاجيات الجبائية الجهوية، بينما الجهات ليس لها حق إدارة الاقتطاع الجهوي حسب أولويتها الخاصة، إذ ليس لها استقلال جبائي، في حين المستوى الفيدرالي قادر على تحديد الضرائب التي مردوديتها فقط فيدرالية.
وعموما، فإن التوزيع العمودي للموارد الجبائية بألمانيا، يبرز أن الضرائب المشتركة تبقى الأكثر أهمية، إذ تمثل ثلاث أرباع الموارد الجبائية وتصل إلى حوالي 70 % من المردودية العامة للضرائب، ويتعلق الأمر بالضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة، وبينما يتم التوزيع العمودي للضرائب المباشرة بشكل قار، فإن مدخول الضريبة على القيمة المضافة يقسم بين الفيدرالية والجهات حسب تقنية معقدة، تأخذ بعين الاعتبار النفقات الفيدرالية والجهوية.
أما بالنسبة للتجربة الجهوية الإسبانية، فإنها تعد أكثر السياسات الجهوية تقدما على المستوى الأوربي، حيث أن السلطات التي تتمتع بها المجموعات المستقلة واسعة، سواء في المجال التشريعي أو التنفيذي أو في المجال المالي. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الإسباني منحها استقلالا ماليا كبيرا، وحدد مواردها الضريبية ونظام الإمدادات، حيث تم تصنيف الموارد إلى خمس أصناف :
· الضرائب الذاتية ؛
· الضرائب الإضافية إلى ضرائب الدولة ؛
· الضرائب المحولة من الدولة ؛
· جزء من مداخيل الدولة غير الجبائية ؛
· إمدادات وتحويلات ومساهمات مركزية.
كما أن نموذج تمويل المجموعة المستقلة، من 1997 إلى 2001، حمل تجديدا هاما في ميدان الموارد المتأتية من الدولة. فتحويل الضرائب إلى المجموعات المستقلة، يهدف تفعيل المسؤولية الذاتية لهذه المجموعات لتتجاوز العوائق التي تضمنها نموذج التمويل القديم.
وتتجلى الضرائب المحولة حسب القانون التنظيمي 3/1996 في :
· الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، في حد أقصى 30 % ؛
· الضريبة على الملكية ؛
· الضريبة على نقل الممتلكات والأعمال القانونية (التسجيل )؛
· حقوق الإرث والعطاءات ؛
· الاقتطاع العام على المبيعات بالتقسيط ؛
· الضرائب على الاستهلاك الخصوصي، باستثناء الضرائب الراجعة إلى الاحتكارات الجبائية ؛
· الضرائب على الأعالب.
وتأخذ مشاركة المجموعات المستقلة في الموارد المتأتية من الدولة شكلين :
- 15 % من الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين، لكن النموذج الجديد للتمويل منح للمجموعات إمكانية رفع هذه النسبة إلى حدود 30 %.
- المشاركة الثانية تمكن في التوزيع بين المجموعات المستقلة للموارد المتأتية من رسوم الدولة باستثناء تلك المحولة.
أما الجهات الإيطالية، فتتوفر على سلطة مالية محدودة بشكل حصري في بعض الميادين، سواء تعلق الأمر بالجهات ذات النظام الخاص (5 جهات)، أو ذات النظام العادي (15 جهة)، وإن كانت الأولى تتوفر على سلطة أوسع مقارنة مع الثانية. كما أن هذه السلطة المالية محددة بمقتضى المبادئ العامة التي تحددها قوانين المالية، بحيث أن الجهات ملزمة على احترام السياسة الاقتصادية الوطنية وقواعد المالية العمومية والاتفاقيات الدولية الإيطالية.
لكن مالية الجهة الإيطالية تعد متواضعة من حيث الأهمية، وغير كافية للامركزية الوظائف الجهوية، مقارنة مع الدولة، وهذا يرجع بالأساس إلى تواضع الموارد، وأيضا لكون أغلبها مكونة من تحويلات الدولة المحددة قبليا.
وحتى تتحمل الوحدات الترابية جزءا هاما من أعباء وتكاليف متطلبات التنمية المندمجة والمستدامة وتطبع تدخلاتها الفعالية والنجاعة والتأثير بدل أن تطلب جهاز لامركزيا لا يتجاوز حدود التداول والتمثيل، ما لم يتوفر الشروط اللازمة لتفعيل وتقوية دورها في العملية التنموية، فقد عمل المشرع المغربي من خلال التعديلات الدستورية لسنة 2011 على تدعيم الأداة التمويلية للوحدات الترابية وذلك على الشكل التالي :
1- كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له (الفصل 141).
2- يحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات بهدف التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بينها (الفصل 142).
إن التدبير الحديث للوحدات الترابية، لا يتوقف فقط على مؤهلاتها الطبيعية والمالية وطاقاتها البشرية، بل يتطلب ذلك تحسين استغلال هذه الإمكانيات وتوظيفها وتوجيهها بشكل دقيق نحو الأهداف المرسومة لها، ولا يتأتى هذا إلا بوجود برنامج محكم يشخص حاجيات الجماعة ويحدد طريقة تلبيتها، ولن يحصل هذا إلا بوجود تدبير إستراتيجي يعمل على توفير تصور متجانس للسياسات المحلية لعمل على ترتيب المشاريع المبرمجة حسب أسبقيتها طبقا لنظرة شمولية مندمجة للتنمية.
وخلال هذه السنة من البحث العلمي اشتغلنا على جمع كل المعطيات والتحاليل التي تم تدوينها بعد التعديلات الدستورية التي همت الأداة التمويلية للوحدات الترابية وعملنا على صياغة هذه المعلومات المستجدة وفق النسق التحليلي الذي نعمل وفقه، كذلك تابعنا مختلف الندوات واللقاءات التي تم تنظيمها وكان لها ارتباط مباشر بموضوع الأطروحة قصد أخذ بعض وجهات النظر، والتي استغلنا فيها حضور بعض الفعاليات المشتغلة داخل الميدان.
أما بخصوص التصميم المعتمد للإجابة على إشكالية أهمية الموارد المالية في تحقيق استقلالية الجهوية الموسعة – دراسة مقارنة – فإننا إرتأينا الإنحياز إلى عدم إيجاد تصميم مفصل افتراضي أولي واكتفينا فقط بتصنيف للمعلومات ذات الصلة بالموضوع حسب محاور معينة يمكن إلحاقها فيما بعد إما في إطار القسم الأول أو القسم الثاني من الأطروحة وذلك لاعتبارات التالية :
1- وجود مشاريع قوانين تنظيمية لم تعتمد بعد ذات صلة بموضوع الأطروحة.
2- التطلع إلى كتابات وتحاليل إضافية بالموضوع.
3- استمرارية سلسلة القراءات والدراسات الشخصية لعدة مراجع للإحاطة بالموضوع وبجميع جوانبه.
إن الاعتراف الدستوري بوجود الجهة ككيان مستقل لابد من إتمامه بتحديد قواعد التنظيم الجهوي، ذلك أن أي نجاح وفاعلية للجهوية يتوقف على مجموعة من الشروط العامة و الأساسية التي لا بد من مراعاتها ، و أهمها تحديد الموارد المالية للجهات أي منح نظام مالي يقوم على أساس التوزيع الجيد للموارد المالية بين الدولة و الجهات على أساس مالي تعاوني و شراكة بين الجهات.
فتجربة النظام الحالي للجهوية تتميز بالتباطؤ و التعثر في تفعيلها ، فأهم معوقاته كما رأينا هو محدودية الوسائل و الاعتمادات و المخصصات المالية.
فبعد مضى سنوات على نظام الجهوية ، لم تصدر بعد النصوص التطبيقية و خاصة منها المتعلقة بتحديد أدوات العمل ، و الوسائل المادية لتفعيل العمل الجهوي ، و لم يظهر المرسوم التطبيقي للنظام الضريبي الجهوي المنصوص عليه في القانون المنظم للجهة و الذي بمقتضاه تتحدد أحقية الجهة من عائدات كل من الضريبة على الشركات و الضريبة العامة على الدخل ، كمصدرين أساسين لتمويل ميزانية الجهة و تظل هذه الميزانية في الواقع محصورة في إعداد ميزانية وزارة الداخلية المرصودة للجهات.

فإشكالية العمل الجهوي راهنا هي ضعف الموارد و الوسائل الذاتية المتوفرة للجهات ، و التي تظل دون المستوى المطلوب ، و التي تعتبر أهم القيود التي تحول دون مساهمتها في التنمية على مستوى جميع القطاعات.

كم نرى أن تحديد الأسعار الجبائية و سقوفها القصوى و التحصيل الفعلي أمر ضروري حتى يتم تجنب الباقي استخلاصه ، الذي قد تعاني من عبئه الجهات ، كمظهر من مظاهر النفخ في ميزانياتها التي تعوق قدرتها التمويلية الذاتية.

وتعتبر الضريبة على القيمة المضافة من أهم المداخيل الجبائية التي يحق للجماعات المحلية الاستفادة منها بشكل أكبر.
فإذا كانت الجماعات المحلية في فرنسا يقدم لها من حصة الضريبة على القيمة المضافة نسبة %50 فإن الجماعات المحلية بالمغرب لا تستفيد إلا من نسبة %30 من الضريبة على قيمة المضافة التي تقدم لها على شكل مساعدة على الرغم من أن هذه الجماعات بحكم موقعها و دورها كفاعل محلي تعتبر مساهم رئيسي في تنمية هذه الضريبة، فإن استفادتها من هذه الضريبة تظل ضعيفة.

لذا جاءت توصيات المناظرات الوطنية تؤكد على الرفع من نسبة الضريبة على القيمة المضافة المرصودة لفائدة الجماعات المحلية، و كذا تطوير نظام توزيعها ، و تمكين الجماعات المحلية من الاعتمادات المرصودة لفائدتها ، و كذا مراجعة نظام توزيعها مع مراعاة الحالة المالية للجماعات الضعيفة.
و تتجلى أهمية هذا المورد في كونه أصبح مدخولا طبيعيا للجماعات ، و أحد الموارد التي تميز المالية المحلية. لذلك يتوجب فيها أن تكون مورد موازنة لميزانيات الجماعات المحلية التي تتسم بالعجز في أغلبها ،كما يجب أن تساهم في تغطية نفقات التسيير الجماعي و مواجهة النفقات الإجبارية ، و بالتالي يقلل و لو بنسبة معينة من ضعف مصادر التمويل الذي تعرفه أغلب الجماعات المحلية في المغرب.و الذي جعلها تبحث لنفسها عن حلول بديلة لتتجاوز بها محدودية الاعتمادات المخصصة لها من طرف الدولة و أهم ما اهتدت إليه هو آليات الشراكة و التعاون مع الفاعلين الآخرين لانجاز مشاريع مختلفة تساعدها على السير قدما نحو تحقيق التنمية المنشودة و التي كانت الدافع الأساسي لتبني نظام الجهوية.
و يمكن القول أن الجهات قد سارت بخطى حثيثة في هدا المجال و استطاعت ولو بشكل نسبي رغم وجود مختلف العراقيل سواء منها القانونية او المالية تستغل هذه الآليات الحديثة لصالحها و تنجز عددا كبير من المشاريع الهامة .

تعليقاتكم وانتقاداتكم مهمة

ليست هناك تعليقات