تعليق على حكم ميلود العتماني I بطاقة الحكم 1. الفكرة العامة دعاوى التعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها أعمال و نشاطات أشخاص القانو...
تعليق على حكم
ميلود العتماني
I بطاقة الحكم
1. الفكرة العامة
دعاوى التعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام، و التي تختص المحاكم الإدارية بالنظر فيها طبقا للمادة 8 من القانون المحدث لها، تندرج في إطارها الدعوى المنصوص عليها في الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات و العقود ، و المتعلقة بدعاوى مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل للأطفال و الشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابة المعلمين و موظفي الشبيبة و الرياضة بسبب الخطأ أو الإهمال أو عدم الحيطة الذي يحتج به على هؤلاء الموظفين
2. الأطراف و الوقائع
الأطراف
بين
السيد محمد نفيل و السيدة السعدية اكطيب
من جهة
و بين
* الدولة المغربية في شخص السيد الوزير الأول.
* السيد وزير التربية الوطنية.
* السيد الوكيل القضائي للمملكة.
من جهة أخرى
الوقائـع
تتلخص وقائع النازلة في أن طفل المدعيين قد توفى إثر تسلقه لجدار القسم كان من المفروض أن يكون تحت رعاية المعلمة التي غادرت القسم قبل انصرام أجل الوقت القانوني.
فالمقال الافتتاحي المقدم للمحكمة الابتدائية بمراكش، و المرفق بنسخة من محضر الضابطة القضائية، يطلب فيه المدعيان إقرار مسؤولية الدولة التي تحل محل موظفي التعليم العمومي طبقا لمقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات و العقود، كما يلتمسان تعويضا ماديا عن الضرر الذي أصابهما.
3. الحيثيـات
• حيث يهدف الطلب إلى تحميل الدولة المغربية مسؤولية الحادث الذي وقع لابن المدعين و تسبب في وفاته.
• و حيث أن دعاوى التعويض عن الإضرار التي تتسبب فيها أعمال و نشاطات أشخاص القانـون العام، و التي تختص المحاكم الإدارية بالنظر فيها طبقا للمادة 8 من القانون المحدث لها تندرج في إطارها الدعوى المنصوص عليها في الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات و العقود.
• و حيث أن خطأ المعلمة عزيزة النحيلي يتمثل في إهمال التلاميذ الموجودين في عهدتها و عدمالقيام بمراقبتهم أثناء الوقت المخصص للدراسة.
• و حيث أن صعود ابن المدعين إلى سطح القسم و سقوطه منه تسبب في وفاته نتيجة خطأ المعلمة.
• و حيث أن الضرر اللاحق بالمدعين نتج مباشرة عن الخطأ المتمثل في الإهمال و عدم المراقبة.
• و حيث إنه تبعا لذلك تكون عناصر المسؤولية الإدارية ثابتة طبقا لمقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون العقود و الالتزامات الذي يستغرقه الفصل 8 من القانون 90-41.
4. منطوق الحكم
في الشكل : بقبول الطلب.
في الموضوع: بالحكم على الدولة المغربية في شخص وزارة التربية الوطنية بادعائها لفائدة المدعين تعويضا معنويا قدره ثلاثين ألف ( 30.000 درهم ) لكل واحد منهما، و لفائدة المدعي محمد نفيل تعويضا ماديا قــدره ثلاثة آلاف ( 3.000 درهم ) مع الفوائد القانونية من تاريخ الحكم و رفض باقي الطلبات و تحميل المدعي الصائر.
5. إحاطة عامة بالنازلة
قبل مباشرة تعليقنا على هذا الحكم ، تجدر الإشارة إلى أن مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية تعتبر حالة من حالات التنظيم الخاص بالمسؤولية الإدارية، لأن إقرارها و تقنينها جاء خارج القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود، حيث نظمت بالقانون الصادر في 26 أكتوبر 1942 المتعلق بالتعويض عن الحوادث المدرسية التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات التعليمية.
الاختصاص :
تجدر الإشارة أن هناك اجتهاديين قضائيين متباينين حول المسؤولية الإدارية عن الحوادث المدرسية، فالإتجاه الأول على غرار ما جاء في حيثيات الحكم الذي نحن بصدد التعليق عليه يمنح الاختصاص للمحاكم الإدارية طبقا للمادة 8 من القانون 90-41 المحدث لها و بالتالي تختص هذه المحاكم بدعوى التعويض المنصوص عليها في الفصلين 85 و 85 مكرر من قانون الالتزامـات و العقود و المتعلق بدعاوى مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل للأطفال و الشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابة المعلمين و موظفي الشبيبة و الرياضة بسبب الخطأ أو الإهمال أو عدم الحيطة الذي يحتج به على هؤلاء الموظفين. و يستند رأي هذا الاتجاه إلى كون المشرع لم يلغ صراحةاختصاص هذه المحاكم و لو أراد فعل ذلك لنص عليه صراحة على غرار الحوادث التي تتسبب بها مركبات أشخاص القانون العام.
أما بخصوص الاتجاه الثاني، فيعطي الصلاحية للمحاكم العادية طبقا لما جاء في ظهير 26 أكتوبر 1942 الذي يحيلنا بدوره على الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامـات و العقود و الذي ينص على أن المسؤولية الإدارية في إطار دعاوى الحوادث المدرسية هي من صلاحية المحاكم العادية. و للإشارة فالمجلس الأعلى يعزز هذا الرأي و ينيط بالمحاكم العادية البث في دعاوى المسؤولية عن الحوادث المدرسية.
المبـدأ
تضمن الدولة التعويض عن الحوادث المدرسية التي تقع للتلاميذ المسجلين بصفة قانونية في مؤسسات التعليم العمومي خلال المدة التي يكونون فيها تحت مراقبة أو حراسة أعوانها. و يمتد هذا الضمان إلى الأطفال المقيدين في سجلات مخيمات الاصطياف التي تنظمها و تسيرها وزارة التربية الوطنية. و لا يرتبط التعويض بحسن أو سوء سير المرفق و لكنه يرتبط فقط بكون الحادثة وقعت خلال الفترة الدراسية، بالإضافة إلى أن التعويض يكون إجماليا، و إذا تبين للمتضرر أو ذوي الحقوق أن مبلغ التعويض الإجمالي (الجزافي) الممنوح من طرف اللجنة غير كاف جاز الحصول على تعويض عن مجموع الضرر الحقيقي غير أن الأمر يقتضي إثبات وقوع الخطأ أثناء مزاولة المهنة. و عملابمقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامـات و العقود يعتبر رجال التعليم العمومي مسؤولين عن الأضرار التي تحلق بالأطفال الذين يوجدون تحت رعايتهم إلا أن المسؤولية الدولة تحل تلقائيا محل مسؤوليتهم.
II التعليـق
المسؤولية عن الخطأ هي النظام القانوني العادي للمسؤولية الإدارية لانعقادها وجب توفر ثلاثة شروط، الضرر، العلاقة السببية و وجود خطإ. لكن من غير الصحيح أن يعتبر الخطأ أساسا للمسؤولية الإدارية بحث يكفي أن يثبت المتضرر وجود علاقة بين نشاط الإدارة و الضرر للحصول على تعويض. و يجب بل يكفي إثبات وجود الضرر الناتج عن تسيير المرفق العام و هذا ما اقترحه المفسرون الأوائل للفصل 79 من قانـون الالتزامـات و العقود لتعميم المسؤولية بدون خطأ.
إن واجب الرعاية والحراسة هو العمود الفقري لمسؤولية المعلم والتي تتأثر بمقدار و مدى الإخلال به ومدى احترامه، و في الحالة التي بين أيدينا نلاحظ توفر الشروط اللازمة لإدانة الدولة في شخص وزير التربية الوطنية حيث أن إهمال التلاميذ من طرف المعلمة و عدم القيام بمراقبتهم ( خطأ شخصي ) أدى إلى وفاة الطفل إثر سقوطه من سطح القسم، و بناء على الاستنتاجات الكتابية للوكيل القضائي للمملكة، الذي أقر تحميل الدولة المسؤولية عن الحادث، فإن المحكمة الإدارية قد أدانت الدولة المغربية في شخص وزارة التربية الوطنية.
و من منطوق الحكم يتبين أن هناك إقرار مسؤولية للدولة في شخص وزارة التربية الوطنية، و التي تحل محل مسؤولية موظفيها مع أن هناك خطأ شخصي لا علاقة له بأي خطإ مرفقي.
إلى أي حد تعتبر الدولة ( الإدارة ) مسؤولة عن فعل موظفيها ؟ سيتركز تحليلنا على الخطأ الشخصي المرتكب من طرف المعلمة في إطار الفصل 80 من قانون العقـود و الالتزامات.
1) المسؤولية عن فعل الغير
المقصود بالمسؤولية عن فعل الغير : الالتزام بالتعويض الملقى على عاتق شخص عن فعل ارتكبه شخـص آخر و قد نظمها الفصل 85 من ق.ع.ا، و إذا كانت مسؤولية الأب أو الأم عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون يستقل بها القانون المدني إذ لا يوجد لها مقابل في القانون الإداري، فإن حالة مسؤولية من يكلف غبره بمهمة كانت مجالا لتطور قضائي هام. ومن مميزات القانون العام في الموضوع أن مسؤولية الأشخاص العامة لا يمكن أن تكون إلا مسؤولية عن فعل الغير. إن مسؤوليةالأشخاص العامة عن أعمال موظفيها التي سببت ضررا للغير تعد مسؤولية غير مباشرة، فللمتضرر الخيار في رفع الدعوى على الدولة أو على المتسبب في الضرر.
غير أن مسألة دقيقة تبرز في هذا الصدد و تتجلى فيما إذا كان من الممكن أن تدان الإدرة و الموظفين على وجـه التضامن. و يظهر إن إحنمال هذا التضامن غير مستساغ نظريا لأنه كيف يعقل أن يكون هناك تداخل بين دعوى مرتكزة على القانون الإداري و بين دعوى مرتكزة على قانون مدني أي بين دعوى مقامة على الإدارة من جهة و دعوى مقامة على أحد الخواص من جهة أخرى. و إذا كانت الأسس القانونية للقضيتين المذكورتين مختلفة تماما فإن التضامن يؤدي إلى التسليم باحتمالأداء مجموع التعويض من لدن أحد الطرفين في حالة إعسار الطرف الآخر. أفلا يتعارض هذا مع النص الصريح للفصل 80 من ق.ل.ع. و الذي ينص على عدم مطالبـة الدولة و البلديات نتيحةالأضرار الناتجة عن الأخطاء الجسيمة لموظفي الإدارة.
و تطبيقا لما سبق على النازلة التي بين أيدينا، فإن المعلمة قد أقدمت على خطإ فادح و غير مغتفر و هذا يحرف الخطأ المرفقي بصورة تامة و يكتسي من الخطورة ما يجعله يتحول إل خطأ شخصي صرف، يستلزم معه رفع المتضرر ( الأب و الأم ) دعوى مدنية، لتعويض الضرر المرتكب من طرف الشخـص لا من طرف الموظف. و هذا هو الحل الذي جرى اعتماده في فرنسا في حالة الجمع بينالمسؤوليتين بحيث متى قدم المرفق للموظف و سائل ارتكاب خطئه الشخصي و متى كان المرفق مناسبا لارتكاب هذا الخطأ و كانت لهذا الأخير علاقة بتنفيذ المهمة المعهود بها إلى الموظف، تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظف، و هذه فائدة عظمى للمتضرر تتجلى في أنها تبعد احتمالإعسار الموظف.
هذا التحليل يكون صحيحا في حالة إحلال مسؤولية الدولة محل مسؤولية رجال التعليم مع إبقاء المسؤولية الخطئية. و هذا الذي كان معمولا به سابقا في فرنسا و لكن مع صدور قانون 5 أبريل 1937 الذي ألغى المسؤولية الخطئية لرجال التعليم، و للإشارة فإن قانون 26 أكتوبر 1942 مستمد من القانون الفرنسي السابق الذكر ( مع بعض الاختلافات إن لم نقل بعض النواقص).
2) النظام المعمول به في المغرب.
أما بخصوص المغرب فإن إصدار ظهير 26 أكتوبر 1942 قد حصر المسؤولية في الحوادث المدرسية بنظامين:
ϖ النظام الاحتياطي: حيث تتكفل الدولة بمقتضيات تعويض الضرر الذي أصيب به الطفل و هو تحت رعاية المعلم كيفما كان سببه و في حدود معينة.
ϖ النظام القانـوني: فهو قانوني صرف يعالج كيفية التعويض الكامل عن الضرر الناتج عن مسؤولية المعلم الثابتة و ذلك من خلال المفهوم المنطقي و القانوني للمسؤولية، و في نطـاق النظرية العامـة للالتزامات.
و الآن سنتناول كل نظام على حدة في حدود مميزاته.
أ) النظام الاحتياطي : أحدث بمقتضى ظهير 26/10/1942 نظام احتياطي لسد نقص القواعد العامة للمسؤولية المدنية. و الغرض منه تعويض الخسائر الناتجة عن الحوادث المدرسية التي تصيب التلاميذ في المدارس العمومية ماداموا تحت عهدة موظفي المدرسة، تعويضا جزئيا على شكل إيراد يستحق إذا كان العجز الناجم عن الحادث يفوق % 10 و لم يكن التلميذ مؤمنا لدى مؤسسة تأمين خاصة، و تناط بتحديد هذا الإيراد من طرف لجنة خاصة لا يقبل أي اعتراض على قراراتها. و مميزات الإيراد هي كالتالي :
• غير قائم على مسؤولية مبنية على الخطإ المثبت ( و لو كان الخطأ تلقائيا )
• إصابة بعجز تفوق % 10 .
• غير ملزم للدولة.
• تعويض جزئي.
• إمكانية الحصول على تعويض كلي.
و تجدر الإشارة أن هذا النظام الاحتياطي لا يمنع المتضرر من رفع دعوى التعويض الكامل ضد الدولة في نطاق المسؤولية المدنية. حيث ينص الفصل الثامن من هذا النظام صراحـة على أن مقتضياته لا تمنع المتضرر أو ذوي الحقوق من ممارسة الدعـوى ضد الدولـة في نطاق الفصل 85 مكرر من قانون العقود و الالتزامات، سواء قد استفادوا من النظام الاحتياطي أم لم يستفيدوا غير أنه في حالة الاستفادة من النظام الاحتياطي يجب أن يقتطع مبلغ التعويض من القدر المحكوم به.
غير أن هناك من فهمه أنه ليس بنظام احتياطي و إنما هو نظام التأمين على المخاطر فذهبت بعض المحاكم لإخضاعه قياسا لمقتضيات حوادث الشغل لا لشيء إلا أنه يتحدث عن الإيراد.
و هذا النظام يخول للدولة حق الرجوع على الغير المسؤول عن الحادثة محل المصاب في حدود ما أدته للضحية من صوائر و تعويض عن الحادث. (Action Récursoire)
ب) أما بخصوص النظام القانوني:
إلى غاية 04 ماي 1942 كانت مسؤولية المعلم مبنية على قرينة الخطأ المفترض و تشمل جميع الأضرار التي يتسبب فيها التلاميذ أو تلحق بهم مع إمكانية دفع مسؤوليته هذه بإثبات أنه لم يتمكن من الحيلولة دون وقوع الفعل الضار. فجاء ظهير 04/05/1945 فألغى قرينة الخطأ المفترض في حق المعلم فأصبح منذ ذلك الوقت لا يسأل إلا عند إثبات خطئه أو عدم احتياطه أو إهماله. و من هنا نستشف أن طبيعة مسؤولية المعلم هي مسؤولية تقصيرية تمتد على إثبات الخطإ أو الإهمال أو عدم الاحتياط. و يجب أن نأكد على عنصر العلاقة السببية الذي يلعب دورا أساسيا في حالة تحديد المسؤولية الشخصية للمعلم.
ج) إحلال الدولة محل المعلم في المسؤولية:
عندما تكون مسؤولية المعلم قائمة و ثابتة فإن مسؤولية الدولة تحل تلقائيا محله بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال مقاضاة المعلم من طرف المتضرر أمام المحاكم المدنية. هذا المنع من التقاضي ضد المعلم مباشرة هو من النظام العام بحيث يجب مباشرة التقاضي ضد الدولة وحدها لا غير في شخص الوزير الأول. و هذه المقاضاة تكون سواء أن صدر الفعل الضار من التلميذ أم ضده.
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل إحلال مسؤولية الدولة محل مسؤولية المعلم يتم حتى في حالة مسؤوليته الشخصية؟
قي خالة وجود الخطأ الشخصي و انعدام الخطأ المرفقي شريطة أن تكون أسماء التلاميذمسجلة بالمؤسسات التعليمية العمومية وذلك في الفترة التي يكونون فيها تحت حراسة المكلفين بهم،حاز للمتضررين أو ذوي الحقوق أن يقاضوا المعلم في إطار مسؤوليته الشخصية طبقا للفصل 77 من قانون العقـود و الالتزامـات. لكن بناء علـى الفصـل 85 مكرر من ق.ع.إ، الذي بدوره ينص صراحة على أن مسؤولية الدولة تحل محل مسؤولية رجال التعليم، في هذه الحالة فالدولة مسؤولة مسؤولية كاملة إزاء المتضررين عن الحوادث المدرسية. وحكمة المشرع من منع المتضرر من مقاضاة المعلم في حالة مسؤوليته المهنية ترجع إلى حصانة المؤسسة التعليمية من النزاعات بين المعلم و تلاميذه و أولياء الأمور من جهة، و من جهة أخرى و إعمالا لمقتضيات الفصل 80 من ق.ع.إ الذي ينص على أن " مستخدمو الدولة و البلديات مسؤولين شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو الأخطـاء الجسيمـة الواقعـة منهـم في أداء وظائفهم، و لا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عنـد إعسـار الموظفين المسؤولين عنها ".
فالمنع واضح و ليس قابلا للمناقشة لأن إلقاء المسؤولية الشخصية على عاتق الموظفين ( الأعوان ) يقصي مسؤولية الإدارة في حالة انعدام الخطأ المرفقي، غير أن الفقرة الأخيرة من هذا الفصل تمنع نظام الجمع بين المسؤوليتين و هذه نقطة مهمة لأنه في حالة إعسار الموظف تتابع الإدارة من أحل التعويض عن الأضرار.
و يخالجنا شك حول أن إمكانية مقاضاة المعلم تتم فقط أمام المحاكم المدنية أو أن هذا المنع يمتد إلى مقاضاته أيضا أمام المحاكم الزجرية في حالة ثبوت خطأ المعلم الموجـب لإثـارة الدعـوى العمومية في حقـه ؟
غير أن تعبير المحاكم العادية الوارد في الفصل 85 مكرر يقصد به المحاكم العادية المحاكم و الزجرية لأن هذه الأخيرة تتحول إلى محاكم مدنية في حالة بثها في الدعوى المدنية، و بالتالي فالمنع يطال المحاكم الجنائية كما يطال طبعا المحاكم العادية. للاستئناس و قصد تعميق تعليقنا نورد بإيجاز بعض قضايا الحوادث المدرسية التي بث فيها المجلس الأعلى.
د) كيفية تعامل المجلس الأعلى مع نوازل الحوادث المدرسية
من أجل تحديد أوجه مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية، وجب دراسة كيفية تعامل المجلس الأعلى مع مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية. رغم كون هذا الموضوع من ضمن الحالاتالاستثنائية التي تدخل فيها المشرع لتنظيم مسؤولية الدولـة فيهـا( ظهير 26 أكتوبر 1942 ) إلا أن موقف المجلس الأعلى من خلال القضايا المعدودة المعروضة عليه لا يتسم بالثبات و لا ينم عن تأكيد مسؤولية موضوعية عن الإضرار الناتجة عن هذه الحوادث.
جاء في حكم : الفيلالي بتاريخ 22 يونيو 1972 الذي يتعلق بحريق شب في إحدى المدارس فتسبب في حروق للطفل. فإذا كان ظهير 1942 ينص صراحة على إمكانية رفع المتضرر دعوى للمطالبة بتعويض عن الضرر طبقا لمقتضيات الفصل 85 مكرر من ظهير الالتزامـات و العقودبالإضافة إلى التعويض الممنوح له بنـاء على الفصل 8 من ظهير 26 أكتوبر 1942 إلا أن المجلس الأعلى يشترط " أن يسقط من المبلغ المحكوم به القدر الممنوح أولا من طرف اللجنة" تطبيقا للفصل الثامن من قانون 26 أكتوبر 1942 مما يحد من مبلغ التعويض.
نلاخظ أن موقف المجلس الأعلى في هذا الحكم جاء متناقضا مع مضمون ظهير 1942 الذي يهدف أساسا إقرارا الضمان الاجتماعي بالنسبة للتلاميذ و المعلمين. و لا أدل على ذلك إحلال مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين حتى في حالة خطأ هؤلاء و مساءلتهم بناء علـى الفصلين 85 و 85 مكـرر من قانـون العقـود و الالتزامات.
و يتبين أن المجلس الأعلى تراجع عن موقفه السابق في حكم آخر يتعلق بنفس الموضوع فلم يشر إلى الشرط الإضافي في حكم السيد القادري نيابة عن ابنته الطفلة وفاء الذي جاء بحيثياته : "....فيما يخص الوسيلة الأولى المستدل بها :
بناء على الفصل 8 من ظهير 26 أكتوبر 1942 المتعلق بالحوادث المدرسية التي يتعرض لها تلاميذ المؤسسات العمومية.
حيث ينص هذا الفصل على أن مقتضيات الظهير المذكور لا تمنع من ممارسة دعوى المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الفصلين 85 و 85 مكرر من ظهير العقود و الالتزامات.
حيث تنص هذه الفقرات على أنه يسأل المعلمون و موظفو الشبيبة و الرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال و الشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم، و الخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الذي يحتج به عليهم، باعتباره السبب في حصول الفعل الضار، يلزم المدعي بإثباته وفقا للقواعد القانونية العامة. و في جميع الحالات التي تقوم فيها مسؤولية رجال التعليم و موظفي إدارة الشبيبة و الرياضة نتيجة ارتكاب فعـل ضار . في نفس الأحوال تحل مسؤولية الدولة محل مسؤولية الموظفين السابقين الذين لا تجوز مقاضاتهم أبدا أمام المحاكم المدنية من المتضرر أو من يمثله.
و حيث يستفاد من أوراق الملف أن نسبة العجز الدائم لا تقل عن % 10 مـع المصروفات الطبية و العلاجية القانونية إصلاحا يغطي النقص الحاصل في معيشة الضحية أو ذويه نتيجة الحادث علىشكل إيراد أنيط تحديده بلجنة خاصة تكون مقرراتها نافذة و غير قابلة لأي إعتراض و هذه المسؤولية لا تغطي كافة الأضرار طبقا لظهير 26 أكتوبر 1942 و يبقى المجال مفتوحا لمسائلة الدولة و المطالبة بتعويضات تكميلية في إطار الفصل 85 مكـرر من قانـون العقـود و الالتزامات.
حيث أن محكمة الاستئناف عندما لم تقبل دعوى التعويض المقدمة في نطاق الفضل 85 مكرر لم تكن على صواب لكون اللجوء إلى مسطرة ظهير 26 أكتوبر 1942 اختيارية و لا يوجد أي فصل منه يوجب عدم قبول الدعوة المقدمة في نطاق القانون العام إلا بعد سلوك مسطرة الظهير الشريف و أنه على العكس فأن الفصل 8 منه ينص صراحة على أن مقتضياته لا تمنع من ممارسة دعوى المسؤولية المدنية المنصوص عليها في الفصلين 85 و 85 مكرر من قانون العقود و الالتزامات.
و دائما في نفس سياق الحوادث المدرسية نورد موقف المجلس الأعلى من مسؤولية الدولة عن إعطاء أدوية و رغم أن المجلس الأعلى لم يقر بهذه المسؤولية إلا إذا وجدت علاقة سببية و مباشرة بين الخطأ و الضرر في قضية الداودي التي جاء في حيثياتها : "حيث أن الدولة مسؤولية عن الإضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، و أنه يجب لإثبات هذه المسؤولية أن يكون الخطأ هو السبب في الضرر...
و حيث أن الحكم المطعون فيه لم يبين العلاقة السببية بين الخطأ المدعى ارتكابه...."
لكن نلاحظ إن المجلس الأعلى في إقرار مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية مؤخرا و خاصة في قصية زويند أنه يبدي نوعا من التوسع إذ وضع المجلس مبادئ يمكن إجمالها في ما يلي :
* تعتبر الدولة مسؤولية في شخص الصحة المدرسة.
* عندما تخفض محكمة الاستئناف مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا لكونه مبالغا فيه، عليها أن تبين وجه المبالغة و إلا كان قرارها معيبا.
خلاصــة
حاولنا من خلال هذا التحليل أن نبين أن المسؤولية الإدارية عن الحوادث المدرسية هي مبدئيا مسؤولية بدون خطإ. حيث يكفي أن يكـون هناك ضـرر له علاقة بنشـاط مؤسسـة تعليمية لتقـر مسؤولية الدولة. فظهير 26 أكتوبر 1942 اقتصر على ضمان الدولة للتعويض عن الحوادث المدرسية التي يتعرض لها التلاميذ، مشترطا أن تكون أسماؤهم مسجلة بانتظام بالمؤسسة التعليمية العمومية وذلك فقط أثناء الوقت الذي يوجدون فيه تحت حراسة المكلفين بهم، فضلا على أن المسؤولية فعلية و ليست قانونية مما يحد من مجال مسؤولية الدولة. فهذا الظهير ما هو إلا نظام احتياطي مؤقت فرضته ظروف اجتماعية خاصة ترجع إلى انعدام التأمين الخاص عن الأخطار المدرسية لدى التلاميذ، فتدخلالمشرع لجعل الدولة كفيلة احتياطيا بتولي التعويض عن الأضرار التي تلحق التلاميذ من الحوادث التي تصيبهم في المدرسة كيفما كان سببها هو نظام خاص بمعزل عن مسؤولية المعلم عن الأضرار التي تصيب التلاميذ أو يتسبب فيها التلاميذ للغير و هم تحت حراسة و رعاية المعلم. و إذا كان الفصل 85 مكرر من قانون العقود و الالتزامات ينص صراحة على حلول مسؤولية الدولة محل مسؤولية موظفي التعليم العمومي إثر ارتكابهم خطأ شخصي تنم على أن المشرع قد أعطى صبغة خاصة للمسؤولية الإدارية أمام الحوادث المدرسية، كما تجدر الإشارة أن الفصل الثامن من قانون 26/10/1942 قد نصح صراحة أن بإمكان المتقاضي اللجوء إلى القضاء للحصول على تعويض كامل في حالة عدم اقتناعه بالتعويض الجزافي و في هذه يجب عليه إثبات الخطأ المرتكب من طرف الموظف كما تجدر الإشارة إلى " أن يسقط من المبلغ المحكوم به القدر الممنوح أولا من طرف اللجنة".
المراجع المعتمدة:
• دعوى القضاء الشامل، أمينة جبران البخاري، المنشورات الجامعية المغاربية PUMG الطبعة الأولى ، 1994.
• القانون الإداري المغربي، إدريس البصري، ميشال روسي، جان كرانيون و أحمد بلحاج، المطبعة الملكية، الطبعة الأولى 1988.
• ظهيـر 26 أكتوبـر 1942.
• قانـون العقـود و الالتزامات.
ليست هناك تعليقات