تحديد مفهوم اللامركزية ودورها في التنمية المحلية تختلف النظرة إلى مفهوم اللامركزية من بلد لآخر نظرا لتباين الاستراتيجيات المتبعة من طرف...
تحديد مفهوم اللامركزية ودورها في التنمية المحلية
تختلف النظرة إلى مفهوم اللامركزية من بلد لآخر نظرا لتباين الاستراتيجيات المتبعة من طرف الدول، وبصفة إجمالية يمكن القول بأن اللامركزية – التي تمثل بالنسبة للعديد من الدول أداة لتنفيذ سياسة تهيئة المجال – هي عملية ترمي إلى نقل أنشطة اقتصادية وخدمية من منطقة مركزية مسيطرة إلى أقاليم قليلة النمو.
فهذا النقل للصلاحيات الإدارية يمكن الأقاليم من مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وتسيير الاستثمارات العمومية، وينبغي أن يكون تحويل السلطات إلى الأقاليم مصاحبا بتوفير الوسائل المالية الضرورية للتنمية الإقليمية اللامركزية.
وهناك أيضا من يعتبر اللامركزية مسار أو سياقا يتخلى بموجبه مركز عن جزء من سلطاته وامتيازاته، لصالح مجالات أخرى، فهي بهذا المعنى تحويل جزء من الصلاحيات إلى سلطات أدنى.
ويشترط لقيام اللامركزية عناصر أساسية هي:
* وجود مصالح محلية ذاتية تتمتع بالشخصية المعنوية، فإلى جانب المرافق التي تؤمنها الدولة (كالدفاع والبريد…)، توجد أيضا خدمات تؤمنها إدارة محلية كتوزيع الكهرباء والماء في الأقاليم، وتتولى الدولة في هذا المجال عملية تحديد المرافق العامة التي تعتبرها وطنية وتلك التي تعتبرها محلية.
ولكي تتمكن وحدات الإدارة المحلية من إدارة شؤونها يجب أن يكون لديها موظفون وأملاك وموازنة خاصة، وأن تمتلك حق التقاضي أي أن تتمتع بالشخصية المعنوية.
* تنظيم مجالس إدارية محلية مستقلة تنتخب من بين الناخبين المسجلين في المنطقة ومن قبل هؤلاء الناخبين.
* أن لا تخضع أجهزة السلطة المحلية لرقابة صارمة من قبل السلطة المركزية، حيث تحقق اللامركزية نوعا من الاستقلال الذاتي غير المطلق، بمعنى أن السلطة المحلية تبقى خاضعة لرقابة السلطة المركزية أو لرقابة ممثليها المحليين، إلا أن هذه الرقابة لا ينبغي أن تكون حادة..
اللامركزية كإطار ملائم لتخطيط وتنفيذ التنمية المحلية
إن الجانب الإداري في عملية إعداد وتنفيذ ومتابعة خطط التنمية عامةً، والتنمية المحلية خاصة قضية يجب التعامل معها على أنها أساسية وضرورية لنجاح هذه الخطط في تحقيق أهدافها، إذ أن فشل كثيـر من خطط التنمية وبالذات الريفية منها في العديد من دول العالم النامي ناجم بالأساس عن الأساليـب الإداريـة المتبعـة في إدارة خطـط التنمية أثناء تنفيذها وليس عن فقـر في محتوى عملية التخطيـط نفسهـا.
على صعيد آخر فإن الإدارة هي التي تبرز أهمية التخطيط اللامركزية مقارنة بالتخطيط القطاعي، وهي الوسيلة الوحيدة التي يتم من خلالها تحويل الأهداف القطاعية إلى إطار عام يصلح كإستراتيجية تنمية محلية تسمح بتحقيق المشاركة الشعبية، وتضمن الترابط والانسجام والتكامل بين الهيئات والمؤسسات المعنية بإعداد وتنفيذ خطط التنمية المحلية، لذلك فإن هيئات التخطيط الرسمية في المستوى الإقليمي والمحلي يجب أن تمتلك السلطة والكفاءة الإدارية العالية التي تمكنها من القيام بدورها على أكمل وجه.
إن عملية التخطيط في ظل اللامركزية الإدارية يجب أن تعني تفعيل المشاركة الشعبية ودور المجموعات المستهدفة في عمليات إعداد وتنفيذ خطط التنمية المحلية، وهذا ما يعرف بأسلوب التخطيط من أسفل، فالتخطيط والبناء من أسفل يعمل على تحقيق مبدأ رئيس من مبادئ التنمية الناجحة كما يراها إيمانويل صن وهذا المبدأ يتمثل في تعزيز الحرية، ولكن ليس بمفهومها السياسي فقط، وإنما بمفهومها الإنساني الشامل الذي يسمح ويعظم من قدرة الإنسان على الاختيـار.
كما أن التخطيط من أسفل يساعد في تحديد أهداف التنمية الإقليمية التي تعكس خصوصية الإقليم قيد التخطيط، ودائماً هناك فرق كبير بين أهداف التنمية الإقليمية التي تضعها هيئات ومؤسسات تخطيط إقليمية، وأهداف التنمية الإقليمية التي تضعها هيئات التخطيط المركزي، وإن كانت الأولى يجب أن تكون مكملة ومنسجمة مع الثانية وغير متناقضة معها.
إن تطبيق الإدارة اللامركزية بفاعلية في مجال التخطيط والتنمية المحلية، يعمل على تطويع برامج التنمية بسهولة إزاء حاجات السكان المحليين ومتطلباتهم، نظراً لأنها تسمح بمشاركة سكان الوحدات الإدارية المختلفة في عملية إعداد وتنفيذ الخطط التنموية لمناطقهم، كما أنها توفر دعماً ضرورياً لحشد الطاقات وتعبئة الموارد، وهذا يهيئ فرص النجاح لخطط التنمية الوطنية في تحقيق أهدافها بشكل متوازن يضمن توفير حياة ملائمة لجميع السكان في جميع المناطق داخل الدولة، ويسهم هذا النجاح في تحقيق التوازن الإقليمي وتقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية، وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على توزيع سلطة صنع القرار بين هيئات التنمية والتخطيط المركزية ونظيرتها المحلية، وذلك على اعتبار أن توزيع الاستثمارات والموارد ورصدها في مجتمع ما له علاقة وثيقة بتوزيع سلطة صنع القرار فيه.
تحديات تطبيق سياسة اللامركزية
إن اللامركزية بحد ذاتها لا تضمن إدارة أفضل للحكم، ففي الواقع تخلق اللامركزية غير الفاعلة أو غير الملائمة من المشكلات أكثر مما تحل، ولذا يتحتم تطبيق اللامركزية بعناية من أجل ضمان فاعلية للمؤسسات المحلية.
فقد تكون اللامركزية غير ملائمة أحيانا، وبالتالي تقود إلى تدني نوعية إدارة الحكم، ففي الدول الصغيرة جدا يحقق الحكم المركزي فاعلية أكبر عبر تنسيق عمل الحكومة المركزية، بدلا من إيجاد كيانات محلية مستقلة ذاتيا، وقد تقود اللامركزية إلى خسائر في وفورات الحجم وإلى عدم الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي. كما يمكن للامركزية الضريبية أن تستنزف الإيرادات المركزية حين تعجز الحكومة الوطنية عن ضبط الإنفاق العام. وقد تفتقر الحكومات المحلية إلى القدرة والخبرة الموجودتين لدى المؤسسات الوطنية.
لكن في المقابل قد يؤدي تطبيق اللامركزية من دون الانتباه الدقيق للامركزية الضريبية إلى انتكاس جهود الإصلاح فمن دون سيطرة أجهزة الحكم المحلي على إيراداتها وميزانياتها لن تتمكن من العمل باستقلال ذاتي، فالإيرادات المحلية تخلق قدرة رأسمالية يمكن إعادة توزيعها على البنية التحتية العامة وعلى الاقتصاد العام.
إن تنفيذ خطط ضريبية وخطط فاعلة للإيرادات تفترض مسبقا عملية تاريخية طويلة في مجال بناء الدولة، مما يعزز أهمية وفاعلية التخطيط والتصميم عند تطبيق اللامركزية.
من جهة ثانية توجد حجج متعارضة حيال تأثير اللامركزية على وحدة الدولة؛ إذ يذهب الكثير من الباحثين إلى أن اللامركزية تشكل خطرًا على الوحدة الوطنية لأنها تضعف الولاء للدولة، وتشجع ظهور حركات انفصالية. بينما يرى آخرون أن اللامركزية تزيد “الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية عبر السماح للمواطنين بالتحكم في البرامج السياسية بشكل أفضل على المستوى المحلي”.
ليست هناك تعليقات