الطرق والوسائل البديلة لحل النزاعات مقـدمة : أصبح اللجوء للوسائل البديلة لحل النزاعات في وقتنا الحالي أمراً ملحـاً، وذلك لتلبية ...
الطرق والوسائل البديلة لحل النزاعات
مقـدمة :
أصبح اللجوء للوسائل البديلة لحل النزاعات في وقتنا الحالي أمراً ملحـاً، وذلك لتلبية متطلبات الأعمال الحديثة، والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد.
فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات، وحاجة إلى السرعة والفعالية في بث الخلافات، وتخصصية من قبل من ينظر بهذه الخلافات أو يسهم في حـلها، نشأت الحاجة لوجود آليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفـعّال، مع منحهم مرونة وحرية لا تتوفر عادة في المحاكم.
فلا غرو إذن أن تعرف الوسائل البديلة لحل النزاعات اهتماما متزايدا على صعيد مختلف الأنظمة القانونية و القضائية، وذلك لما توفره هذه الأخيرة من مرونة و سرعة في البت و الحفاظ على السرية وما تضمنه من مشاركة الأطراف في إيجاد الحلول لمنازعاتهم.
ونظرا لما تحتله الوسائل البديلة لحل النزاعات من مكانة بارزة في الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي،وما شهده العالم مند نصف قرن ويزيد من حركة فقهية و تشريعية لتنظيم الوسائل البديلة ، وما تمثله في الحاضر من فعل مؤثر على صعيد التقاضي كان من الطبيعي أن تعمل الدول جاهدة لإيجاد إطار ملائم يضمن لهذه الوسائل تقنينها ثم تطبيقها لتكون بذالك أداة فاعلة لتحقيق وتثبيت العدالة وصيانة الحقوق.
تعريف الوسائل البديلة لحل المنازعات
الوسائل البديلـة لفـض المنازعـات (ADR Alternative Dispute Resolution ) ، أو الطرق المناسبة لفض المنازعات كما تسمى في الوقت الحاضر Appropriate Dispute Resolution ، ويعبر عنها أحيانا "فض المنازعات" Dispute Resolution (DR) ، و هي تلك الآليات التي يلجأ لها الأطراف عوضاً عن القضاء العادي عند نشوء خلاف بينهم، بغية التوصل لحل لذلك الخلاف.
و انطلاقا من هذا المعنى يخرج التقاضي عن إطار هذا التعريف، فهــولا يعد وسيلة بديلة لحل الخلافات بل وسيلة أصيلة، إذ أن الأصل في الأطراف اللجوء إلى المحاكم ومحاولة حل الخلافات التي بينها عبر التقاضي في حال نشوء خلاف بينها.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أدى ازدياد لجوء المتنازعين إلى هذه الوسائل في الفترة الأخيرة إلى عدم جواز تسمية تلك الوسائل بـ "البديلة"، ذلك أن كثرة اللجوء إليها أدت إلى تحولها في كثير من الأحيان إلى وسائل أصيلة يلجأ لها الأطراف ابتدءا ، مستفيدين من مزاياها في سرعة حسم النزاع ،والحفاظ على السرية ،وخفض التكاليف في أوضاع كثيرة، إضافة إلى مرونتها من حيث إجراءات حل النزاع والقواعد المطبقة عليه.
وجدير بالذكر أن الوسائل البديلة لحل المنازعات، قد أصبحت من الوسائل الملائمة للفصل في مجموعة هامة من المنازعات، كما هو الشأن في منازعات التجارة الدولية وحماية المستهلك، والمنازعات الناشئة في بيئة الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، والملكية الفكرية في العصر الرقمي وغيرها من المنازعات(2) ، حتى أصبح يطلق على هذه الوسائل بالنظر لطابعها العملي " الطرق المناسبة لفض المنازعات". بل لقد أصبح اللجوء إلى التحكيم مشروطا في غالب الأحيان بضرورة اللجوء مسبقا إلى الوساطة أو التوفيق
التطور التاريخي للوسائل البديلة :
كان القضاء مند القدم ولا يزال الوسيلة الأساسية لحل النزاعات، لكن مع تطور ظروف التجارة والاستثمار الداخلي والدولي أخذت تنشأ إلى جانب القضاء وسائل أخرى لحسم المنازعات ، وبذلك ظهر التحكيم فتطور مع تطور التجارة الدولية والتوظيفات الدولية ، تطور بإجراءات المحاكمة التي اقتربت كثيراً من إجراءات المحاكمات القضائية، ثم بشكلياته التي قربته أكثر من المحاكم القضائية ، ثم جاءت المعاهدات الدولية لتحصنه وتحصن أحكامه ، بحيث لم يعد من المبالغة القول بأن التحكيم لم يعد وسيلة بديلة لحسم المنازعات المدنية والتجارية بل أصبح أو يكاد يصبح الوسيلة الأساسية لحسم منازعات التجارة الدولية.
وإلى جانب التحكيم ظهرت الوساطة والتوفيق وهذا الشكل من العدالة قديم جدا وهو أقدم من عدالة الدولة، وإذا كانت الوساطة تتم في السابق بشكل بسيط قائم على إصلاح ذات البين ونابعة من العادات والتقاليد السائدة في المجتمع ، فقد كانت مطبقة في العهد القديم في فرنسا بمفهوم المصالحة واستخدمت من جديد بعد الثورة الفرنسية عام 1789 ، وقد ظهرت في الولايات المتحدة خلال الأعوام 1965-1970 ، وأدخلت الوساطة العائلية إلى فرنسا بتأثير من وسطاء مقاطعة الكيبيك في كندا ، وأعد القانون العام أول قانون يتعلق في هذا الموضوع في 3/1/1973 وتبعه قانون 24/12/1976 الذي تم بموجبه تعيين وسيط الجمهورية.
فقد أخذ التوفيق والوساطة طريقهما ليصبحا أيضاً من الوسائل البديلة لحسم النزاعات، هكذا وضعت اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار مفاوضات الوساطة والتوفيق وسيلة بديلة لحسم النزاع يرجع إليها لحسم النزاع قبل اللجوء إلى التحكيم.
وكذلك فعلت اتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى ففتحت باب التوفيق قبل التحكيم ونصت على إجراءات لذلك باعتباره وسيلة أخرى من وسائل حسم المنازعات بطريقة ودية.
وكذلك نص نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية على نظام المصالحة الاختيارية ووضع له إجراءات.
وكذلك وضعت اليونسترال (لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية) قواعد للتوفيق كان لها وقع في المنازعات الدولية وكان لها أثر في نشر التوفيق كوسيلة لحسم المنازعات وديا ، ولكن التوفيق والوساطة بقيا وسيلتين بديلتين لحسم المنازعات ، بديلتين عن القضاء وعن التحكيم إلا أنهما بقيتا وسيلتين نظريتين غير عمليتين وبقى القضاء هو الوسيلة الأساسية ، والتحكيم هو الوسيلة البديلة لحسم المنازعات إلى أن كان عام 1977 في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء منذ ثلاث سنوات، وكان هناك محامون ومرافعات وخبراء وجلسات ومستندات ونفقات خبرة ونفقات قضائية وأتعاب محامين، وأرهقت الدعوى الطرفين بالوقت والمصاريف، ثم طرحت فكرة وسيلة بديلة لحسم هذا النزاع لماذا لا تؤلف محكمة مصغرة من كل طرف يختار أحد كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع ثم يختار الموظفان رئيساً محايداً.
وراقت الفكرة للطرفين وأوقفت إجراءات المحاكمة القضائية وعقدت المحكمة المصغرة جلسة ليست إلزامية في شيء ، واستمرت الجلسة نصف ساعة أدلى بعدها رئيس المحكمة المحايد برأي شفهي لعضوي المحكمة ثم دخل موظفا الطرفين أي عضوي المحكمة إلى غرفة جانبية فدخلا في مفاوضة استمرت نصف ساعة وخرجا ليعلنا اتفاقهما وانتهت الدعوى على خير وسلام ووقف نزيف الوقت والنفقات والرسوم والأتعاب. وكانت ولادة ما سمي في الولايات المتحدة بـ Alternative Disputes Resolution واختصرت وعرفت بالـ A.D.R أي الوسيلة البديلة لحسم النزاع.
وتطورت هذه الوسيلة وتركزت وأخذت عدة أشكال وانتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية انتشارا كبيراً ، لاسيما وأن التحكيم في الولايات المتحدة لم يعرف التقدم الذي وصل إليه في أوروبا ، لأن الأميركيين ما زالوا يجلون المؤسسة القضائية ولم يسلموا بسهولة بعد بالتحكيم كوسيلة بديلة لحسم المنازعات كما فعلت أوروبا التي بقى إجلالها للقضاء على حاله، بل تطوع القضاء للأخذ بيد التحكيم للنهوض وليلعب دوره كوسيلة بديلة لحسم المنازعات تخفف عن القضاء كثيراً من الأعباء وتبقي في كل حال تحت رقابته بعد صدور الحكم.
والوساطة كوسيلة لحل المنازعات في الولايات المتحدة تأتي بميزتين: أولا: اختصار الوقت فأطول وساطة تستمر من شهر إلى ستة أشهر ، بينما الدعوى أمام القضاء تبقى سنوات طويلة ، وثانياً: فإذا كانت الدعوى مرهقة وثقيلة في النفقات والمصاريف فإن الوساطة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات تبدو خفيفة الظل.
وشهدت الوساطة ازدهارا لم يكن منتظراً ولا متوقعاً وتقبلتها أوساط النزاعات القضائية الأمريكية وأقبلت عليها بجدية واهتمام ، حتى قدرت نسبة الحالات التي أسفرت عن مصالحة بفضل الوساطة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات بطريقة ودية بـ 8.% في الولايات المتحدة و 37% في بلدان الشرق الأقصى وتقدمت في الصين وكندا وأستراليا ، ولكن دول القوانين المدنية الأوروبية بقيت حذرة ولم تقبل على هذه الوسيلة البديلة لحسم المنازعات بطريقة الوساطة ، فمحكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس تلقت سنة 1990 ثماني طلبات لحل النزاع بالصلح في حين تلقت 365 طلب تحكيم.
التحكيم
مقدمة عامة:
أدى التطور الهائل في معدلات التنمية الاقتصادية، وانتشار التجارة البينية بين الدول، إلى ظهور روافد جديدة وأساليب حديثة في مجال التجارة الدولية، ومع تشعب العلاقات التجارية والاقتصادية واختلاف مصالحها وأهدافها، ظهرت العديد من المشكلات نتيجة لهذه العلاقات، فكان لابد من استحداث أساليب جديدة لفض هذه المشكلات، بما يتناسب مع هذا التطور السريع وبما يحقق العدالة السريعة التي يتطلبها هذا النوع من المعاملات، ومع عدم مسايرة القوانين الوطنية عن مواكبة هذا التطور السريع، بالإضافة إلى عدم تفهم قضائها للأعراف والعادات التجارية والدولية التي أصبحت تحكم هذه العلاقات فقد أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى بنظام التحكيم كأسلوب من أساليب فض المنازعات بالطرق السلمية بعيدا عن القضاء العادي، وذلك باختيار أطراف النزاع حكما يحكم بينهم فيما تنازعوا فيه فيصير حكمه ملزما لهم باترا لأوجه النزاع.
ومع انتشار نظام التحكيم كأسلوب من أساليب فض المنازعات بالطرق السلمية، ظهرت الحاجة إلى توحيد قواعده الإجرائية والموضوعية، حتى لا يكون هناك تضارب بين الأحكام، ومن هنا ظهرت محاولات الأمم المتحدة لتوحيد هذه القواعد فصدر منها ما يعرف بقواعد “اليونسترال” « UNCITRAL LAW » والقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي” MODEL LAW ” ، فأقرت معظم الدول تلك القواعد وعملت على تضمينها في قوانينها الوطنية، حتى أصبحت هذه القواعد جزء هاما في شرائعها، إيمانا منها بدور التحكيم الفعال في تهيئة الجو المناسب لخلق مناخ جديد لتنمية العلاقات التجارية بين الدول.
كما ظهر أيضا ما يسمى بالهيئات أو المراكز الدولية للتحكيم، والتي ساعدت كثيرا على التأكيد على هذه القواعد الدولية، وذلك إما بتضمينها في نظامها الداخلي بحيث تطبق على كافة التحكيمات المعروضة عليها، وإما بإضافة بعض المبادئ القانونية والأعراف الدولية المستخلصة من تطبيق هذه القواعد من الناحية العملية، حتى أصبحت تلك القواعد تمثل الشريعة العامة للتحكيم على المستوى الدولي والمحلي، نظرا لتطورها المستمر، وتشعب سبل العلاقات التجارية الدولية.
والمغرب كغيره من الدول يعمل بنظام التحكيم خصوصا في المواد المدنية والتجارية وذلك من خلال توقيعه على اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري والتي أقرها مجلس وزراء العدل العرب في دورته الخامسة بالقرار رقم 80/ د 5 بتاريخ 14 أبريل 1987، كما أصدر قانونا يحمل رقم 05-08 منشور في الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007 الذي يقضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية لكي يكون بمثابة قانون منفرد للتحكيم في المغرب يطبق على كافة المنازعات، مهيئا بذلك المجال أمام الأفراد المدنيين والمستثمرين على السواء في الداخل أو الخارج الاستفادة من نصوص هذا القانون، لحل منازعاتهم بطريقة سهلة وسريعة تواكب روح التطور العصري في تنوع أساليب فض المنازعات بالطرق السلمية.
ونظرا للأهمية التي بات يحتلها نظام التحكيم تتبادر إلى الذهن مجموعة من التساؤلات تشكل في مجموعها، إشكالية الموضوع لعل أهمها ما يلي:ما المقصود بنظام التحكيم كأسلوب بديل لحل المنازعات؟ وماهي خصائصه؟ ومميزاته ؟ وما هي أنواعه ؟ ثم ما هي إجراءات اللجوء إليه ؟ وماهي الموضوعات التي يجوز التحكيم فيها وتلك التي لا يجوز أن تكون محلا لهذا التحكيم ؟ إتفاق التحكيم؟ وأخيرا هل يمكن اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية عموما وصفقات الدولة خصوصا ؟
للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها إرتاينا تقسيم موضوعنا هذا إلى مبحثين وذلك على النحو التالي:
التحكيم :
هو تولية الخصمين حكما يحكم في النزاع بينهما. وهو نظام قديم لفض المنازعات ويمثل التطور الطبيعي لنظام العدالة الفردية التي كانت تسودالمجتمعات القديمة، في ظل غياب السلطة السياسية والتشريعية التي تنظم أمور الدولة.
أولا: مدلول التحكيم
لقد عمل الفقه والتشريع على تحديد المقصود “بنظام التحكيم” كأسلوب بديل لحل النزاعات، وبناء عليه سوف نحاول تحديد ما المقصود بنظام التحكيم من خلال ما ورد في التشريع المغربي والفقه المنشغل بالتحكيم ثم نحاول من خلال هذه التعاريف تبيان الخصائص المميزة لهذا النظام.
أ- التعريف القانوني:
لقد تعرض المشرع المغربي في القانون رقم 05-08 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 6 دجنبر 2007 في الجريدة الرسمية عدد 5584، الصفحة 3895 ولا سيما في الفصلين 306 و 307 منه لتعريف التحكيم، وهكذا جاء في الفصل 306 على أنه “يراد بالحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق تحكيم”.
أما الفصل 307 فجاء فيه “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشـأ أو قد ينشـأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية”.
من خلال هذين الفصلين يتضح أن اتفاق التحكيم يتخذ شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم.
ب- التعريف الفقهي:
اهتم الفقه المنشغل بالتحكيم بوضع تعريف لما هو المقصود بنظام التحكيم فذهبوا في ذلك مذاهب متعددة تبعا لوجهة نظر كل فقيه.
فالأستاذ الفرنسي « Motulsky » ذهب إلى تعريف التحكيم بأنه “التحكيم في منازعة بواسطة أشخاص يتم اختيارهم كأصل عام، بواسطة أشخاص آخرين وذلك بموجب اتفاق”.
أما الأستاذ Jean Robert فعرف التحكيم بأنه “يقصد بالتحكيم تحقيق العدالة الخاصة، وهي إليه وفقا لها يتم سلب المنازعات من الخضوع لولاية القضاء العام، لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه المهمة في واقعة الحال” في حين عرف الأستاذ « M. De Boisseson » التحكيم بأنه النظام الذي بمقتضاه تخول الأطراف المعنية للمحكمين بحرية بواسطتهم، مهمة الفصل في المنازعات المتعلقة بهم.
بينما عرف الأستاذ R.DAVID التحكيم بأنه “آلية تهدف إلى الفصل في مسألة تتعلق بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص – المحكم والمحكمين- والذين يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص و يفصلون في المنازعة بناء على هذا الاتفاق، دون أن يكونوا مخولين بهذه المهمة من قبل الدولة”.
ويعرف جانب من الفقه السويسري التحكيم بأنه “آلية خاصة لفض المنازعات تجد مصدرها في اتفاق الأطراف، وتتميز بإخضاع المنازعة لأشخاص عادية، تختار بشكل مباشر أو غير مباشر بواسطة أشخاص آخرين” ويفضل هذا التعريف المستخدم في إطار التحكيم الدولي عن ذلك المعتمد في إطار التحكيم الداخلي والذي يغلب عليه الطابع السلبي بتركيزه على أن الخاصية الأساسية للتحكيم تتعلق بعدم خضوع المنازعة لاختصاص القضاء العام”.
أما الأستاذة حفيظة السيد الحداد فتعرف التحكيم “بأنه نظام خاص للتقاضي ينشأ من الاتفاق بين الأطراف المعنية على العهدة إلى شخص أو أشخاص من الغير بمهمة الفصل في المنازعات القائمة بينهم بحكم يتمتع بحجية الأمر المقضي به”.
يستفاد من هذا التعريف الأخير أن التحكيم يتميز بالخصائص الآتية:
- التحكيم قضاء خاص.
- التحكيم يجد مصدر في اتفاق الأطراف
- التحكيم وظيفته حسم النزاع الناشئ بين الأطراف.
- إلزامية الحكم الصادر عن المحكم لطرفي النزاع.
1-التحكيم قضاء خاص:
بمعنى أنه على الرغم من كون المحكم يقوم في واقع الأمر بأداء وظيفة لا تختلف عن تلك التي يقوم بها القاضي المعين من طرف الدولة، ألا وهي الفصل في المنازعات المعروضة عليه بحكم يتمتع بحجية الشيء المقضي به تحول دون إعادة طرح ذات النزاع الذي فصل فيه أمام هيئة تحكيم أخرى، أو أمام القضاء نفسه، فإن ذلك لا ينف عن نظام التحكيم أنه نظام يختلف عن القضاء الذي تنظمه الدولة، لأن التحكيم ينبع من اتفاق الخصوم على اتخاذه وسيلة لحل نزاعاتهم، بينما يتسم القضاء بأنه سلطة من سلطات الدولة العامة تتولى هذه الأخيرة تنظيمه بما يحقق إقامة العدل بين الناس ويستمد القاضي ولايته من الدولة كموظف يقوم على أداء العدالة في جهاز القضاء ورغم هذا الاختلاف فإن التحكيم لا يظل بمعزل عن قضاء الدولة إذ تفيد دراسة التشريعات الحديثة الخاصة بالحكيم أن هناك روابط التعاون والرقابة التي يساهم بها قضاء الدولة ذلك أن الحكم الذي يصدر عن المحكم لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا بعد إصدار الأمر بالتنفيذ الذي يصدر بطبيعة الحال عن القضاء الوطني للدولة المطلوب التنفيذ فيها.
2-التحكيم يجد مصدر في اتفاق الأطراف:
فالتحكيم كآلية فنية لحسم النزاعات الناشئة بين الأفراد يختلف عن القضاء العام، فهذا الأخير يحد مصدره في سلطة الدولة التي تفرضه على الأشخاص إذا ما نشئت نزاعات بينهم، بخلاف التحكيم الذي يستمد وجوده من إرادة الأطراف.
3- التحكيم وظيفته حسم النزاع الناشئ بين الأطراف.
فالمحكم بمجرد قبوله للمهمة يصبح قاضي النزاع يباشر مهامه مستقلا عن الأطراف، هذه الخاصية تعتبر من الخصائص الجوهرية المميزة لنظام التحكيم لأنه يهدف إلى الفصل في المنازعة بين الأطراف بحكم قاطع.
4-إلزامية الحكم الصادر عن المحكم لطرفي النزاع.
فعلى الرغم من أن التحكيم نظام قضائي خاص، إلا أن المحكم يقوم بذات الوظيفة التي يقوم بها القاضي، ويصدر حكما ملزما للخصوم ويتمتع بالحجية على نحو يؤدي إلى عدم إمكانية عرض المنازعة التي صدر بشأنها حكم التحكيم على القضاء العام مرة أخرى أو على قضاء التحكيم.
وعليه فيمكن تلخيص مميزات التحكيم في أنه:
1-يساهم في خدمة مصالح الدولة بعدم تكدس القضايا
2-يساير الأنظمة الدولية الحديثة التي تعمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية
3-يخفف الأعباء والتكاليف المالية والاقتصادية على أطراف النزاع.
4-سرعة البث في المنازعات وبالتالي توفير الوقت والجهد المستغرق في حل النزاعات.
5-يحافظ على سرية المنازعات.
6-يقوم على الحرية في اختيار المحكمين.
فهل التحكيم خاصة في مضمونه الاصطلاحي حديث النشأة كما هو الحال بالنسبة لعدة الانظمة قانونية ,أم انه نظام قديم ,قدم البشرية ؟
التطور التاريخي لنظام التحكيم
عرف التحكيم في بلاد الشرق القديمة عند الآشوريين والبابليين والسومريين، حيث كان التحكيم يجري بواسطة الكهنة.وكذلك عرف الإغريق التحكيم في فض المنازعات التي كانت تنشأ بين الدويلات اليونانية بشأن الحدود والعلاقات المدنية والتجارية المحلية والخارجية، وقد كان الهدف الأساسي من التحكيم تخفيف العبء عن المحاكم الشعبية والتي جعلت محاكم استئناف ضد قرارات المحكمين.أما الرومان فعرفوا التحكيم خاصة في العقود الرضائية.
والعرب قبل الإسلام اعتادوا التحكيم لدى شيوخ القبائل وحكمائها،فلطالما أسند لهؤلاء التحكيم في مسائل تتعلق بالتجارة والأراضي وحدودها وما إلى ذلك من الأمور.
ولقد أقرت الشريعة السمحاء التحكيم كوسيلة لفض المنازعات، حيث يستمد التحكيم شرعيته من قوله تعالى:﴿ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ﴾"سورة النساء أية 35"، وقد جاء وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه على حمار فلما دنا للمسجد قال للأنصار قوموا على سيدكم أو خيركم فقال هؤلاء نزلوا على حكمك فقال تقتل مقاتلهم وتسبي ذراريهم قال قضيت بحكم الله وربما قال بحكم الملك).
وبظهور الدولة الحديثة تطور تنظيم القضاء وازداد دوره وتوسع، ورغم ذلك حافظ التحكيم على أهميته كوسيلة لفض المنازعات وتم تطويره وربطه بالقضاء، حيث أضحت أحكام التحكيم الأجنبية تحوز قوة النفاذ بموجب أمر قضائي، فازدهر التحكيم وتطورت أحكامه وأصبح الحل الأنسب لتسوية المنازعات المتعلقة بالتجارة المحلية والدولية، لما له من سمات ومزايا هامة تشجع الخصوم على اللجوء إليه لفض المنازعات ولاسيما التجارية منها
ميزات التحكيم
لقد نشأ التحكيم كوسيلة لفض المنازعات قبل قيام الدولة المنظمة وقبل قيام المحاكم وسن التشريعات وتعيين القضاة . لكن بعد قيام الدولة وسن التشريعات وإنشاء المحاكم ، لم يتم إلغاء التحكيم كوسيلة بديلة لفض المنازعات بل تم سن قواعد وتشريعات خاصة بالتحكيم لتقنينه وتطويره وبجانب القضاء فإن أطراف العلاقة خاصة في المعاملات المدنية والتجارية يفضلون الإحتكام إلى التحكيم بدلاً من القضاء خاصة في المسائل ذات العلاقة الدولية ويرجع كل ذلك لميزات في التحكيم نذكر منها على سبيل المثال:
* السرعة:
التجارة على وجه الخصوص تعتمد على عنصر السرعة لتدارك التقلبيات والتطورات التي قد تكون سلبياً أو إيجاباً ربحاً أو خسارة وفي حال نشوء النزاع يريد أطراف التعامل التعرف على وجه السرعة من هو الذي أخل بإلتزاماته العقدية ومن الذي يكون الحكم لصالحه لتحديد مصير المسائل المالية التي تفوق مليارات الدولارات في بعض المعاملات.
الوسيلة المناسبة لهذه السرعة هي اللجوء إلى التحكيم الذي يتميز بالسرعة لوجود دور للمتنازعين فيها حيث يتم إبتداءاً تحديد مدة معينة للفصل في النزاع ملزم لهما ويلزمان بها الأشخاص المكلفون بالفصل في النزاع- وهذه السرعة لا تتوافر في القضاء حيث لايدري القاضي ولا أطراف النزاع متى يتم الفصل في النزاع.
* عدم الثقة في قضاء الدولة والقانون الواجب التطبيق:
على الرغم من ثقة المواطن في قضاء الدولة والقانون الواجب التطبيق على النزاع إلا أن أطراف التعامل الدولي دائماًَ يتخوفون من ذلك إما لعدم ثقتهم في عدالة القضاة لإنحيازهم للطرف الوطني أو لعدم مواكبة القانون لنوع المعاملة أو النزاع أوعدم توافقه مع ديانته أو مع معتقداته.
* الخبرة :
يفضل أطراف النزاع خاصة الدوليين حل النزاع عن طريق التحكيم بسبب خبرة المحكمين الذين لهم دور مباشر في تعيينهم حسب طبيعة النزاع إذا كان يتعلق بإنشاءات هندسية مثلاً فالأقدر الوصول إلى حل النزاع في الجانب الفني هو المهندس وذلك ربما خلال ساعات اليوم الواحد أو أسبوع وكذلك في بقية المجالات المتخصصة غير ذات الطابع القانوني البحث.
* المرونة:
في التحكيم هنالك مرونة في إجراءات نظر النزاع من حيث الزمان والمكان ومن حيث تطبيق القانون الواجب التطبيق وإجراءات ضبط الجلسات – حيث لا يتقيد المحكمون أو أطراف النزاع ومحاميهم بإرتداء زي معين أو الترافع وقوفاً ولا يضيع حق أحد الأطراف بسبب التأخير اليسير عن الجلسة ، كما لا يتقيد الأطراف والمحكمين بإجراء التحكيم في مكان أو قاعة معينة- بعكس التقاضي أمام المحكمة الذي تحكمه إجراءات معينة ملزمة للكافة.
* السرية:
يفضل أطراف المنازعات خاصة التجارية الحفاظ على سرية المعاملات التجارية وبالتالي المنازعات الناشئة عنها لأن للأسرار التجارية قيمة مادية كبيرة قد تفوق أحياناً ما يبذل من جهد مادي أو بدني أو فكري ، ونجد أن التاجر أحياناً بدلاً من أن تنشر أسراره التجارية عن طريق التقاضي يفضل تسوية النزاع بأية طريقة قد تكون بالوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو حتى بالتخلي عن المطالبة – والتحكيم يوفر هذه السرية إذ يقوم المتنازعان بتعيين المحكمين وتستمر الإجراءات في مكان مغلق دون إتاحة الفرصة للغير للحضور بعكس القضاء حيث يتم التقاضي في المحاكم التي يرتادها عدد كبير من المتقاضين وأحياناً غير المتقاضين.
* إستمرار العلاقة:
يفضل أطراف العلاقة التجارية اللجوء إلى الوسائل التي تحل نزاعهم بطريقة أقرب إلى الود والتصالح لا الفصل والقطع كل ذلك حفاظاً على إستمرار العلاقات والمعاملات التجارية القائمة أو المستقبلة والتي نجدها في بعضاً منها بأموال طائلة – بعكس القضاء حتى ولو كان الحكم عدلاً إلا أن الضغائن والأحقاد قد تستمر لفترة من الزمان وربما للأبد.
*قلة التكاليف المالية:
يفضل البعض اللجوء للتحكيم لقلة التكاليف المالية المتعلقة بالرسوم والأتعاب ، لأن الأتعاب خاصة في تحكيم الحالات الخاصة Ad hoc يتم تحديدها وسدادها بإتفاق بين طرفي النزاع وهيئة التحكيم بغض النظر عن طبيعة النزاع أو قيمته المالية ، لكن هذه الميزة أنكرها البعض بحجة أن تكاليف التحكيم ( مصروفات + أتعاب) أحياناً تكون عالية ومكلفة خاصة في التحكيم المنظم الذي يكون عبر مراكز التحكيم المستقلة والمتخصصة.
نظام التحكيم والانظمة المتشابهة
الفرق بين التحكيم والوسائل الأخرى لحل النزاعات
اذا كان معنى التحكيم هو اتفاق الاطراف على اقصاء خصومة معينة عن القضاء وعرضها على محكمين ,فان من ممكن اختلاطه ببعض الانمة متشابهة كالقضاء , والصلح ,التوفيق
أولاً : التحكيم والقضاء :
القضاء هو الطريق الأصيل والطبيعي لحل المنازعات إذ يلجأ إليها الكافة ولا يمتنع عن المثول أمامها الكافة إلا ما إستثناه القانون أو أي إتفاقية ملزمة لها قوة القانون وفي القضاء هنالك قضاة معينون من قبل الدولة يقومون بالفصل في المنازعات بموجب القانون ، أما التحكيم فهو طريق إستثنائي بموجب إرادة طرفي العقد أو النزاع يتم حل النزاع عن طريقه ويقومان بتعيين محكم أو أكثر مهمتهم الفصل في هذا النزاع فحسب وقرارهم الصادر نهائي وملزم وفقاً للقواعد أو القانون الذي إحتكما إليه
ان القضاء و التحكيم يتفقان في كونهما جهات مختصة للحل المنزعات الا انهما يختلفان في : القضاء هو جهة رسمية تابعة لوزاره العدل يلجاء اليه اطراف ا من اجل فض منازعتهم التي تشب بينهم في مختلف الفروع منها العقارية و المدنية ، شؤون الاسرة ، التجارية ، الادارية ، الاجتماعية ...الخ و يقوم بهذا المهام قضاة مختصين يعينون من طرف وزارة العدل و احكامهم و قرارتهم الزامية التنفيذ بقوة القانون اما التحكيم يعد قضاء ثناوي ينشاء بالاتفاق من الاطراف ، و يكون اطراف النزاع الدولة مضيفة ، و المستثمر ، و الاطراف النزاع في التحكيم لهم الحرية في اختيار الجهة المختصة بالتحكيم التى تنظر في نزاعهم ، كما ان محكمة التحكيم لها اختصاصات محددة تنظر فقط في النزاعات المتعلقة بالتجارة دولية كما ان ان قرارتها غير الزامية تنفيذ على الدولة ط التي تكون طرف في النزاع اذ ان القاضي التابع لهذه الدولة له السلطة واسعة في توقيف قرار التحكيم في حالة ما اذا لهذه الدولة رأيها في كونه يمس النظام العام
إذا كان القضاء والتحكيم يتفقان في كونهما جهات للفصل في المنازعات إلا انهما يختلفان التحكيم يعد قضاء ثانوياً بجانب القضاء الرسمي.
بينما القضاء هو الطريق الأصيل والطبيعي لحل المنازعات ويلجأ إليها الكافة
والقضاء الرسمي حق مقرر لجميع أفراد المجتمع، بل ويجبر من لا يستجيب لدعوة القاضي على المثول أمامه أو الحكم عليه وينفذ الحكم جبراً عن طريق السلطات العامة، فالسلطة القضائية أحد مظاهر سيادة الدولة وللقضاء الرسمي ولاية عامة فهو مختص بنظر جميع القضايا التي تعرض عليه والفصل فيها حسب الأنظمة المعمول بها في الدولة. أما اللجوء إلى التحكيم فلا يكون حقاً مقرراً لجميع الناس ولا يشمل كل المواضيع، فهناك قضايا أو مسائل لا يجوز اللجوء إلى التحكيم لحل النزاعات الناشئة عنها. وولاية التحكيم لا تقوم إلا برضا أطراف النزاع عن طريق اتفاق التحكيم الذي يتضمن اتفاق أطراف الخصومة على اللجوء إلى التحكيم، والذي بدوره
أيضاً يحدد نوع الخصومة والإجراءات التي يجب إتباعها لإنهاء تلك الخصومة
ثانياً : التحكيم والتوفيق
التوفيق هو تقريب وجهات النظر للوصول إلي إتفاق بين المتنازعين بصورة ودية وللموفق حق إبداء المقترحات الكفيلة بحل يرتضيه الأطراف ، وقد يتم إحتيار الموفق أو الموفقين بإرادة الطرفين أو بواسطة أي جهة قضائية أو تحكيمية طلب منها الأطراف ذلك ، لكن القرار الذي يصدر من الموفق غير نهائي أو ملزم إلا برضى الطرفين بعكس التحكيم حيث لا يوجد دور كبير للمحكم لإيصال الإطراف إلى إتفاق، كما أن القرار الصادر من المحكمين نهائي وملزم إلا عن طريق الطعن بالبطلان حسب ما ذهبت عليه معظم التشريعات والإتفاقيات
ثالثاً : التحكيم والوساطة:
الوساطة تختلف عن التوفيق وعن التحكيم وعلى الرغم من أن إختيار الموفق أو الموفقين يتم بحسب إرادة طرفي النزاع كما في التحكيم والتوفيق إلا أن دور الوسيط يقتصر على تقديم المساعدة وتقريب وجهات النظر وصولاً للحل كما لا يقوم بعقد جلسات رسمية بل يعقد إجتماعات ولقاءات فردية وثنائية ولا يقوم بإصدار قرار في الموضوع إلا على ما إتفق عليه المتنازعين.
رابعاً : التحكيم والصلح
الصلح يعرف بأنه عقد به يحسم المتنازعان نزاعاً قائماً أو محتملاً يترك بموجبه أي منهما جزءاً من إدعاءاته على وجه التقابل لإرضاء الآخر، وقد يقوم المتنازعان بتعيين من يقوم بدور المصالح وقد يتدخل المصالح أو المصالحين من تلقاء أنفسهم بعكس التحكيم الذي يتم تعيين المحكمين بواسطة طرفي النزاع أو حسب الإتفاق وينظر المحكمون في النزاع وفقاً للقانون أو قواعد العدالة
خامسا: التحكيم والوكالة:
تختلف الوكالةAgency عن التحكيم من حيث أن الوكالة عقد بمقتضاه يخول شخص غيره يسمى (الوكيل) القيام بعمل قانونى بإسمه ولحسابه ويسمى
( الموكّل ) فهو يعمل لمصلحة موكله وفى حدود الوكالة على عكس التحكيم الذى يعين فيه شخص أجنبي عن طرفي النزاع ولا يخضع فى نظر النزاع لموجهات أحد الطرفين بل يحكم ضميره ويطبق قواعد القانون الذى إرتضاه الطرفان ، كما أن الوكيل قابل للعزل بواسطة موكله على عكس المحكم الذى يتعذر عزله إلا بإتفاق الخصوم
فاذا كان نظام التحكيم نظاما قانونيا ,يختلف عن كثير من مؤسسات المتشابهة فماهي طبيعة القانونية كخاصية اسساسية مميزة عن تلك المؤسسات ؟
الطبيعة القانونية للتحكيم
اذا كان هدف التحكيم هو الوصول إلى حل النزاع يشبه الى حد كبير الاحكام الصادرة عن القضاء الرسمي فان هناك جدلا فقهي حول طبيعة التحكيم وهو السؤال الذي يطرح بكثرة في مجال دراسات وقضايا التحكيم بغرض تحديد القواعد العامة التي يخضع لها نظام التحكيم في وجود قواعد خاصة به في نصوصه(المطلب الاول) والتحكيم في المغرب له خصوصيته خاصة بعد خروج قانون 05-08 الى حيز التطبيق، والذي رغم ايجابياته فانه لا يخلو من عدة هفوات ستعيق بالتاكيد تطبيق التحكيم بالمغرب (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الطبيعة القانونية للتحكيم
إلى جانب القضاء الرسمي الذي أناط به الدستور مهمة الفصل في النزاعات التي تحصل بين المتقاضين عموما، توجد هناك موازاة معه طرق بديلة لتسوية المنازعات ولعل من أبرزها مؤسسة التحكيم مما يجعل من الصعب تحديد طبيعة القانون لهذه الأخيرة.
ولأهمية تحديد طبيعة التحكيم يطرح تساءل حول ما هي الطبيعة القانونية للتحكيم، وذلك لغرض تحديد القواعد العامة التي يخضع لها نظام التحكيم في حالة عدم وجود قواعد خاصة به في نصوصه، أي تعيين قانون الواجب التطبيق واختيار المحكمين وتحديد المواد القابلة للتحكيم، وفي هذا الصدد وجدت محاولات فقهية حول تحديد طبيعة القانونية للتحكيم في أربع نظريات تتمثل في أن التحكيم ذو طبيعة تعاقدية (الفقرة الأولى) والثانية تقول بأنه ذو طبيعة قضائية (الفقرة الثانية) والثالثة ذو طبيعة مختلطة، أما الرابعة فهي ذو طبيعة خاصة (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : النظرية العقدية في التحكيم
شاعت هذه النظرية في إيطاليا ووجدت لها بعض الأنصار في فرنسا وفي مصر، وهي تدرج التحكيم ضمن المعاملات الخاصة للأفراد التي تستند إلى مصدر عقدي بإدراج شرط التحكيم في بنود العقد، أو مشارطة التحكيم الذي يحدد جهة التحكيم ومهمتها، والموضوع الذي سينصب عليه التحكيم والإجراءات، وكذلك القانون الذي سيتم تطبيقه على النزاع، مما يعني أن اتفاق التحكيم يشكل في حد ذاته مصدرا لقرارات التحكيم، وضرورة تنفيذها.
أي أن قرار المحكمين يستمد حجيته بالنسبة للأطراف من عقد التحكيم الذي يلتزم فيه الطرفان بالخضوع لهذا القرار، ويستندوا أصحاب هذه النظرية إلى الدور الكبير الذي تؤديه الإرادة في التحكيم، فهي المحرك الأساسي لعملية التحكيم وهذا يتوافق والطبيعة العقدية، فالعقد شريعة المتعاقدين والرضائية هي الركن الأساسي فيه وبتالي فقرارات التحكيم الصادرة على أساس اتفاق تحكيم تشكل وحدة واحدة وتشاركه في خاصية الاتفاق. وذلك لكون التحكيم عقد مسمى يخضع للقواعد الخاصة لعقد التحكيم والنظرية العامة للعقد.
ولو رجعنا إلى بعض النصوص في ق.م.م. لوجدنا أن مشرعنا جنح إلى الأخذ بالطبيعة الاتفاقية للتحكيم من خلال مجموعة من الفصول]، أما على مستوى القضاء فقد ذهب القضاء المغربي في بعض اجتهاداته إلى تبني هذه النظرية بحيث جاء في قرار لمحكمة استئناف الدار البيضاء "تبعا لذلك فإن حكم المحكمين المطابق لاتفاقية الأطراف لها طبيعة تعاقدية، ولا تصل إلى درجة القرارات القضائية".
وبتالي ما يمكن استخلاصه من هذه النظرية أن أصحابها يستندون على الحج اللآتية:
1-أن المحكمين ليسو قضاة تعينهم الدولة لأنهم أفراد عاديين
2-أن مصدر سلطتهم في القضاء يرجع إلى طابع تعاقدي وهو رضاء الأفراد بحكمهم
3-أن الإرادة هي التي تطبق لمعرفة القانون الواجب التطبيق على أحكام المحكمين الأجنبية.
4-أن المحكمين يستطيعون رفض التحكيم دون أن يكونوا منكرين للعدالة كما أنهم لا يستطيعون توقيع جزاءات على الخصوم.
5-أن المحكمين لا يمتعون بسلطة الأمر التي يتمتع بها القضاء ويتقيدون بالأشكال الإجرائية.
إلا أن هذه النظرية انتقدت من لدن بعض الفقه في كونها بالغت في دور الإرادة للأطراف، هذا فضلا على أن التحكيم وإن كان يستند إلى اتفاق الخصوم، فإن الالتجاء إلى القضاء يستند إلى إرادة الخصوم والمتمثلة في المطالبة القضائية، وطلبات الخصوم، ولا يحكم إلا بناء على هذه الطلبات، وفي حدودها، كما يمكن لأطراف الخصومة الاتفاق على نزع الاختصاص من محكمة وتثبيته لمحكمة أخرى.
كما أن هذه النظرية تجاهلت حقيقة الوظيفة التي يؤديها المحكم، فالمحكم يقوم في الواقع بالوظيفة ذاتها التي قوم بها القاضي وهو ينتهي في هذا الشأن إلى حكم مشابه للحكم الذي يصدر عن القاضي.
ويترتب عن هذا الاتفاق الذي يرد في شكل عقد، أثار قانونية مهمة في ذمة عاقديه ومن يحل محلها وفي حقوقيهما والتزاماتهما، ولعل من أبرزها نزع الاختصاص عن المحاكم القضائية وجعل هيئة التحكيم هي المختصة. ويطرح هذا السحب جملة من التساؤلات نناقشها في أربع حالات:
-الحالة الأول: تمسك أحد الأطراف باتفاق التحكيم أمام القضاء:
يثير لجوء أحد الأطراف إلى القضاء رغم وجود اتفاق على التحكيم خلافا حول الموقف الذي ستتخذه المحكمة هل تقضي بعدم الاختصاص أم تقضي بعدم قبول الطلب؟
وقد حسم المشرع في تعديل لقانون المسطرة المدنية من خلال قانون 05-08 الأمر فنص الفصل 327 "عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم، على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاذ مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم" .
الحالة الثانية : هل تملك المحكمة حق التصدي لنزاع قضت ببطلان إجراءاته المسطرية المتعلقة بالتحكيم؟
هنا المحكمة التي أبطلت إجراءات التحكيمية لا يمكن لها أن تنظر في النزاع وذلك لكون عندما تبطل المحكمة هذه الإجراءات لا يعني أن اتفاق التحكيم يبطل بتبعية، لكونه منفصل عن إجراءات التحكيم فيبقى صحيحا وقائما بذاته رغم بطلان إجراءات التحكيم، ويبقى منتجا لإثارة السلبي في سلب ولاية المحكمة العامة بنظر في النزاع الأمر الذي يرتب عدم صلاحية المحكمة التي أبطلت الإجراءات التحكيمية أن تنظر في النزاع.
الحالة الثالثة: هل يحق للأطراف اللجوء إلى قاضي المستعجلات لطلب اتخاذ إجراءات تحفظية أو وقتية؟
إذا كان وجود اتفاق التحكيم ينزع الاختصاص عن المحكمة القضائية فإنه لا يمنع أطراف الحكم من صون حقوقهم من الضياع في الأمور التي لا يمكن الانتظار البث فيها من قضاء الموضوع، لكن التساؤل المطروح هنا هل اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة مشروط بعدم افتتاح إجراءات التحكيم أمام هيئة التحكيم؟
بالرجوع إلى الفصل 149 من ق.م.م [67] نجد أن جميع الإجراءات الاستعجالية تكون من اختصاص قاضي المستعجلات ولو كان النزاع قد أحيل على قاضي الموضوع وكذلك الأمر بنسبة للتحكيم، وهذا ما أكده قانون 05-08 المعدل للمسطرة المدنية من خلال الفصل 1-327 حين نص صراحة "لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفضي وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون ويجوز التراجع عن تلك الإجراءات بالطريقة ذاتها" وهو ما كرسه العمل القضائي حيث جاء في أمر استعجالي عدد 665/325 صادر بتاريخ 5-7-1976 في الملف رقم 721 عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الذي "رد الدفع بعدم اختصاصه بناء على مقتضيات المادة 149 من ق.م.م بالرغم من أن النزاع في الموضوع معروض على هيئة التحكيم بالغرفة التجارية الدولية بباريس" .
الحالة الرابعة: اتفاق التحكيم وفتح مسطرة صعوبة المقاولة:
يختلف تأثير اتفاق التحكيم على مسطرة صعوبة المقاولة حسب نشأته قبل فتح هذه المسطرة أو بعد فتحها.
ففي الحالة التي يتم الاتفاق على التحكيم قبل صدور الحكم بفتح مسطرة صعوبات المقاولة فالفقه والقضاء مجمعون على إمكانية استمرار التحكيم ولو بعد الحكم بفتح مساطر صعوبات المقاولة.
ففي قرار لمحكمة النقض الفرنسية جاء فيه أنه في الحالة التي لم تكن قد انعقدت فيها هيئة التحكيم أمام القاضي المنتدب فيجب على هذا الأخير أن يتحقق من صحة الشرط وبقابليته للتطبيق ثم يقول بعدم اختصاصه.
وهو ما سارت عليه حتى الهيئات التحكيمية ففي قرار صدر سنة 1991 بصدد نزاع نشأ بين شركة سورية وأخرى فرنسية بشأن عقد تسليم وبناء، وخلال إجراءات التحكيم وضعت الشركة الفرنسية قصد التصفية القضائية، فذهب المحكمون أن تصفية الشركة الفرنسية لا تعفيهم من ضرورة إصدار قرار تحكيمي .
أما في الحالة التي يتم اتفاق على التحكيم بعد افتتاح مساطر صعوبات المقاولة فهو يكون باطلا وذلك لتعلقه بالنظام العام وبإجراءات جوهرية وذلك لحرص أغلب التشريعات الحديثة أن تسند هذا الاختصاص حصريا للمحاكم الوطنية، ومنها التشريع المغربي الذي جعل من مادة صعوبة المقاولة من اختصاص المحاكم التجارية
فهل نجحت النظرية القضائية لنظام التحكيم؟
الفقرة الثانية : النظرية القضائية لطبيعة التحكيم
وهي النظرية السائدة يكاد يشبه الإجماع في الفقه والقضاء، بحيث ترى أن المحكم يعتبر قاضيا بحكم وظيفته وهي الفصل في المنازعات وهو يصدر حكما حقيقيا في المنازعة، أي يؤدي عملا قضائيا يحوز حجية الأمر المقضي .
وهو لا يستمد سلطته من عقد التحكيم وحده وإنما من إرادة المشرع التي تعرف به وتجعل لحكمه حجية الأمر المقضي، ومن خلال التأمل في مقتضيات قانون 05-08 نجده أخذ كذلك بهذه النظرية على غرار النظرية السابقة من خلال مجموعة من الفصول خاصة عند وضع الصيغة التنفيذية وكذلك عند تعذر اتفاق الهيئة التحكيمية على حكم موحد وكذلك في اختيار هذه الهيئة .
وكذلك الأمر بالنسبة للتشريع الفرنسي يمكن القول أنه أسبغ على التحكيم طابعا قضائيا، سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع، الأمر الذي يقطع دابر الجدل حول طبيعة التحكيم.
فمن حيث الشكل يعد حكما لأن المحكمين ملزمين باحترام حقوق الدفاع ، ومن حيث الموضوع يعد حكما لأنه يحسم المنازعة.
وتأييدا لهذه النظرية ، أشارت المحكمة العليا الفرنسية إلى أن التحكيم يعتبر قضاء استثماريا، يملك فيه المحكم سلطة ذاتية ومستقلة للفصل في النزاعات التي يطرحها عليه الخصوم .
وكما هو الشأن في النظرية التعاقدية لطبيعة التحكيم فإن النظرية القضائية هي الأخرى تطرح عدة إشكاليات، لعل أبرزها تمسك أحد أطراف باتفاق التحكيم أمام القضاء، وذلك راجع إلى كون عقد التحكيم يرتب أثاران أحدهما سلبي، وآخر إيجابي.
الآثر الإيجابي والذي لا يطرح إشكالا فهو إنهاء النزاع بطريقة التحكيم والاعتداء بالحكم الصادر فيه واعتباره كأنه قد صدر من المحكمة المختصة بالنزاع.
وكذلك الأمر عند رفع دعوى بطلان اتفاق التحكيم أمام القضاء تحسبا لتمسك الطرف الآخر به وذلك استنادا إلى القواعد العامة في الأحوال التي يكون فيها التحكيم باطلا لانعدام الأهلية اللازمة لعقد الاتفاق ،أو إذا كانت إرادة أحد الطرفين مشوبة بعيب من عيوب الرضا وإذا كان محل اتفاق التحكيم مخالفا لنظام العام أو مما لا يجوز اللجوء بشأنه إلى التحكيم بنص القانون .
أما الآثر السلبي والذي يطرح الإشكال هنا ،يتجلى في حرمان أحد أطراف العقد من الإلتجاء إلى القضاء بصدد النزاع الذي اتفقوا فيه على التحكيم لنزولهم عن اللجوء إليه بمحض إرادتهم وبإختيارهم.
وبذلك إذا ثار نزاع بصدد تنفيذ عقد ورد فيه شرط التحكيم ورفع أحد الطرفين النزاع إلى المحكمة المختصة جاز للطرف الثاني أن يدفع بوجود شرط التحكيم ويتمسك به وتكون المحكمة ملزمة باستجابة إلى طلبه، والتساؤل الذي يطرح هنا هل يعتبر هذا الدفع دفعا بعدم الاختصاص أم دفعا بعدم القبول؟
إذا رجعنا إلى قانون 05-08 نجده يجعل هذا الدفع دفعا بعدم القبول، عكس المشرع الفرنسي الذي نص في المادة 1458 من ق.م.م.ف لسنة 1980 بأنه " إذا رفع أمام المحكمة القضائية نزاع معروض أمام هيئة التحكيم بموجب اتفاق تحكيمي فعليها أن تصرح بعدم اختصاصها، غير أنه لا يمكن للمحكمة القضائية أن تعلن عدم اختصاصها من تلقاء نفسها".
عكس ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في قرار لها " بأن الاتفاق على التحكيم لا يتعلق بالاختصاص وإنما يتناول إرادة الأطراف في اللجوء إلى القضاء من عدمه، وهو بذلك لا ينزع الاختصاص عن المحكمة، وإنما يحول دون قبول الدعوى" .
ورغم تبني أغلب الفقه المغربي لهذا الاتجاه وعلى رأسه أستاذنا الدكتور عبد الله درميش والذي نوه باعتبار المشرع المغربي أخذ بد فع بعدم القبول وليس بعدم الاختصاص.
إلاأن الجانب من الفقه المغربي يسير عكس هذا الاتجاه ، ومنهم الأستاذ رحال البوعناني والذي يرى أن الاتفاق على التحكيم يؤدي إلى سلب الاختصاص عن المحكمة المختصة أصلا بالنظر في النزاع إلى عدم قبول الدعوى، نظرا لكون الاتفاق على التحكيم ينشئ لنا محكمة يمكن نطلق عليها محكمة التحكيم، وبموجب هذا الاتفاق كذلك يتم نزع الاختصاص عن المحكمة القضائية وإسناده إلى محكمة التحكيم التي تكون مختصة وحدها بالنظر في النزاع مادام هذا الاتفاق قائما، وإذا زال سبب من الأسباب فإن الاختصاص يعود إلى القضاء الرسمي للدولة .
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن الدفع بعدم اللجوء إلى شرط التحكيم من الدفوع الشكلية التي يجب أن تثار قبل كل دفع في الجوهر، وهو ما أقره المجلس الأعلى في إحدى قراراته بحيث جاء فيه "أن الدفع بعدم اللجوء إلى شرط التحكيم هو من الدفوع الشكلية التي يجب أن تثار قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر وإلا كانت غير مقبولة، ولا يمكن إثارتها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ما لم يتعلق الأمر بالنظام العام، وما لم يكن الحكم صدر غيابيا في حق المتمسك به، إذ أن عقد التحكيم كدفع شكلي لا يخرج عن نطاق القاعدة المنظمة بمقتضى الفصل 49 من ق.م.م. من حيث وجوب التمسك به قبل أي دفع أو دفاع في الجوهر .
ولكن إذا لم يثر الطرف الثاني شرط التحكيم أمام المحكمة، فإن هذه الأخيرة لا تثيره من تلقاء نفسها وتبث في النزاع إن كان شرط التحكيم غير موجود، ولا يمكن إثارة التحكيم أمام محكمة الاستئناف إلا إذا لم يحضر مثيره أمام المحكمة الابتدائية .
الفقرة الثالثة: النظرية المختلطة والخاصة لطبيعة التحكيم
على غرار النظريتين التقلديتين السابقتين،تبنى الفقه الحديث نظريتين أكثر موضوعية،وهما النظرية المختلطة (أولا)، والنظرية الخاصة لطبيعة التحكيم(ثانيا)
أولا: النظرية المختلطة
اتجه عدد كبير من الفقهاء إلى التوفيق بين النظريتين السابقتين، بالقول أن كلا منهما قد أصابت جزءا من الحقيقة، والتحكيم في الحقيقة ذو طبيعة مختلطة أو مركبة عقدية وقضائية، فهو يبدأ باتفاق الأطراف وينتهي بحكم قضائي يحوز حجية الأمر المقضي به، وهكذا يبدأ عقدا وينتهي قضاءا .
يعلل أصحاب هذه النظرية توجههم هذا بما تقتضيه مصلحة التجارة التي تتطلب إطلاق حرية الاتفاق على التحكيم وبدايته،ثم تحويله في المرحلة الأخيرة إلى القضاء ليكتسب القرار الذي صدر فيه حجية بداية، فلا يحتاج إلى دعوى يعقبها حكم يضفي عليه هذه الحجية .
بمعنى أن حكم المحكمين يحوز الحجية ولو كان قابلا للطعن فيه وتجد الإشارة إلى أن حكم المحكمين يصدر في الأصل نهائيا في القانون المغربي، وتأكيدا لذلك فقد قضت المحكمة بعدم جواز الطعن بالاستئناف في حكم المحكمين قبل الأمر بتنفيذه لأن الاستئناف لا يوجه إلا إلى العمل القضائي، والحكم قبل الأمر بتنفيذه ليس كذلك .
وفي قرار آخر بمحكمة النقض الفرنسية التي عللت بكون قرار التحكيم أجنبي له نفس مرتبة قرار التحكيم الوطني، فهو ليس في حاجة لتنفيذه لرفع دعوى إلى محكمة بل يكفي تقديم طلب لرئيس المحكمة قصد تذييله بالصيغة التنفيذية .
وعلى الرغم من محاولة هذه الإتجاه التقريب بين النظريات السابقة وتفادي النقض الموجه لها، إلا أنه لم يأتي بجديد وإنما أقر شيئا موجودا، لأن وجود العقد والتحكيم أمر مسلم به ولا خلاف فيه.وحسب تعبير أحد الفقهاء فإن هذا الإتجاه حاول الهروب من مواجهة الحقيقة بإبعادها لأن القول بالطبيعة المختلطة لا معنى له، إذ يجب تحديد هذه الطبيعة وليس الإكتفاء بالقول إنها مختلطة حتى يمكن معرفة النظام القانوني الذي يحكم التحكيم .
ثانيا: النظرية الخاصة للتحكيم
ترى هذه النظرية أن التحكيم قد ظهر في المجتمعات البدائية قبل القضاء ونشأ نشأة مستقلة عنه، واستمر قائما بعد ظهور القضاء لأنه يشبه حاجة اجتماعية مختلفة لا يحققها القضاء، وهذا يقتضي تمييزه عن القضاء وخضوعه لنظام خاص، يحتفظ له بمرونته بعيدا عن نظام القضاء بضماناته الشكلية الكثيرة وقواعده الجامدة.
وبذلك فالتحكيم هو عمل قضائي من نوع خاص لأنه لا يصدر عن السلطة القضائية ولا تتبع بصدده الإجراءات القضائية المتبعة أمام المحاكم، ولا يصدر في ذات الشكل المقرر للأحكام القضائية، ومن ناحية أخرى لا تطبق بصدده قواعد القانون التقليدية المقننة، وإنما يمكن أن يرجع في صدوره إلى العرف والعدالة .
وتجدر الإشارة هنا أن اختلاف التحكيم عن قضاء الدولة لا يفهم منه أن التحكيم يظل بمعزل عن القضاء الرسمي بل يحتفظ القضاء بدوره بالمساعدة والمراقبة في جميع مراحل العملية التحكيمية .
وخلاصة القول بالنسبة لهذه المسألة أن جميع النظريات السابقة قد لامست جانب من الصواب، إلا أننا نزكي أصحاب النظرية الخاصة التي نرى أنها أقرب إلى الصواب والمنطق لما يتمتع به التحكيم من ذاتية خاصة ينفرد به عن القضاء، وكذلك لا يمكن اعتبار العقد جوهر التحكيم بدليل أنه لا يوجد في التحكيم الإجباري.
وهكذا يمكن القول أن القانون ينظم نوعين من القضاء، قضاء المحاكم وقضاء التحكيم، أو بعبارة أخرى قضاء الدولة وقضاء خاص، والتحكيم يعتبر بذلك نوعا خاصا من القضاء.
أنواع التحكيم
إذا كان التحكيم نظام يقوم أساسا على مبدأ سلطان الإدارة بمعنى أن اللجوء إليه يتم باختيار طرفي النزاع وبمحض إرادتهما الحرة، فإنه وباستقراء بعض القوانين المتعلقة بالتحكيم وتطبيقات المراكز والهيئات المتخصصة في شأنه يأخذ في العمل أكثر من نوع واحد.
نظرا للأهمية المتزايدة لنظام التحكيم على الصعيدين الدولي والداخلي، وتأكيدا لرغبة الأفراد في انتشار هذا النظام باعتباره الوسيلة المثلى لحل المنازعات بالطرق السلمية، وكذا رغبة الدول في تشجيع الاستثمار، لذلك ظهرت الحاجة لوجود عدة أنواع للتحكيم لتغطي كافة المنازعات وخيارات الأفراد، فمن ناحية قد يكون التحكيم حرا وقد يكون مؤسسيا، وقد يكون اختياريا وقد يكون إجباريا وأخيرا قد يكون التحكيم وطنيا وقد يكون دوليا، وسوف نبين في بحثنا هذا أنواع التحكيم المختلفة في عجالة سريعة تمكننا من معرفة أهمية كل نوع ووظيفته لحل المنازعات المختلفة بالطرق السلمية.
أ- التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي
1- التحكيم الحر:
هو ذلك التحكيم الذي يعطي الحرية الكاملة للخصوم في تحديد القواعد والإجراءات التي يتبعها المحكم الذي يختارونه لكي يفصل في النزاع المطروح عليه وفقا لهذه القواعد سواء كانت إجرائية أو موضوعية وفي المكان الذي يحددونه بما لا يتعارض مع القواعد الآمرة أو النظام العام.
وقد ظهر التحكيم الحر قبل ظهور التحكيم المؤسسي، وفيه يعطي حرية كبيرة للأفراد في اختيار المحكمين الذين يضعون فيهم ثقتهم اعتمادا على خبرتهم في حل النزاع، وقد تكون القواعد والإجراءات المتبعة لحل النزاع أكثر مرونة وواقعية عنها في قواعد التحكيم المؤسسي، كما أن عامل السرية والسرعة في حل النزاع، قد يكون أكثر ما يميز هذا النظام، كما أن الاعتماد على مؤسسة أو هيئة لحل النزاع القائم، قد يأتي بكثير من القواعد والإجراءات التي قد تكون على عكس توقعات الأفراد والتي قد تساعد على إطالة زمن التحكيم لتأخر فهم الخصوم لها وما يتبعها من تحضير مستندات، ودفوع تستطيع الرد على هذه القواعد والإجراءات.
2-أما التحكيم المؤسسي
فهو ذلك التحكيم الذي تتولاه هيئات ومنظمات دولية أو وطنية، وفق قواعد وإجراءات موضوعة ومحددة سلفا، تحددها الاتفاقيات الدولية أو القرارات المنشئة لهذه الهيئات، وقد شاع انتشار مراكز التحكيم، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد عظمت أهميتها بعد انتشار الاقتصاد الحر والتجارة الدولية، ومن هذه المراكز ما هو متخصص في مجال معين كتجارة القطن أو الحبوب مثلا، ومنها ما هو عام يتولى التحكيم في مختلف أوجه النشاط التجاري، ومنها ما هو وطني مثل غرفة التحكيم بباريس، ومنها ما هو دولي كغرفة التجارة الدولية بباريس (CCI ) ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري.
وكل هذه المؤسسات السالفة الذكر توصف بالتخصص والدوام لأن التحكيم هو وظيفتها الوحيدة، وهي أيضا دائمة لأنها لا تقف عند عملية تحكيم بعينها بل هي مستمرة لتلقي ما يعهد إليها من عمليات تحكيمية.
ولقد أصبح التحكيم المؤسسي هو الأساس في مجال التجارة الدولية، فالأطراف عادة ما يفضلون الاستعانة بأنظمة التحكيم المؤسسي لما تكلفه من تنظيم مسبق ومفصل لمعظم مسائل التحكيم، مما يمكنهم من تفادي مسألة عدم الخبرة في وضع قواعد وإجراءات التحكيم واستهلاك مزيدا من الوقت في الاتفاق على هذه القواعد كما هو الحال في نظام التحكيم الحر، هذا فضلا عن الإمكانيات الإدارية والمالية والتنفيذية التي تتمتع بها تلك الهيئات وتضعها بين أيدي الأفراد، وكذا الخبرة التي تتمتع بها تلك الهيئات نظرا لوجود قواعد عملية وواقعية ثم تجربتها وثبت نجاحها في العديد من المنازعات التي فصلت فيها.
ب- التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري:
1- التحكيم الاختياري
يكون التحكيم اختياريا متى كان للأفراد حرية كاملة في طرح نزاعاتهم في مسألة معينة أمام القضاء أو الاتفاق على عرضها أمام هيئة التحكيم موضحين في اتفاقهم كيفية قيام التحكيم وإجراءاته وكيفية تعيين المحكمين، ففي مصر مثلا صدر القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية ونص في المادة الرابعة في فقرتها الأولى على أنه “ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفي النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك”، ومؤدى هذه المادة أن التحكيم الذي تسري عليه أحكام هذا القانون هو التحكيم الاختياري، أي التحكيم الذي يتم اللجوء إليه بإرادة الطرفين.
وعلى صعيد التجارة الدولية فالأمر الغالب هو التحكيم الاختياري إذ تتعالى الأصوات بتحقيق مبدأ سلطان الإرادة على وجه يشمل كافة التعاملات بما فيها الاتفاق على التحكيم، وقد سعت الدول إلى توحيد قواعد التحكيم فيما بينها حتى ظهر ما يسمى بالقانون النموذجي (Mode law) والقواعد الموحدة للجنة القانون التجاري الدولي بالأمم المتحدة (Uncitral law) وقد لاقت قواعد هذا القانون قبولا عارما من المجتمع الدولي إذ أن القانون قد قدم للتجارة الدولية نظاما قانونيا موحدا يتلافى عدم ملائمة القوانين المحلية لنظم وإجراءات التحكيم في التجارة الدولية.
2- أما التحكيم الإجباري
ففيه تنعدم إرادة الأطراف سواء فيما يتعلق باللجوء إليه أو فيما يتعلق باختيار الجهة التي تباشره ويصبح التحكيم نظاما مفروضا عليهم، وفي معظم الأحيان يطبق التحكيم الإجباري بناء على قاعدة آمرة تتعلق بالنظام العام، والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.
والتحكيم الإجباري قد يأخذ صورتين، فهو إما أن يكتفي المشرع بفرض التحكيم ويترك للخصوم حرية اختيار المحكم وتعيين إجراءات التحكيم، وإما أن يتدخل المشرع فيضع تنظيما إلزاميا لإجراءات التحكيم ككل، فلا يكون لإرادة الخصوم أي دور في التحكيم.
ومثال التحكيم الإجباري القانون المصري رقم 97 لسنة 1983 بإصدار قانون هيئات القطاع العام وشركاته فقد قضى في المادة 56 منه “بأن تختص هيئات التحكيم المنصوص عليها في هذا القانون دون غيرها بنظر المنازعات التي تنشأ بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى”
وعلى الصعيد الدولي فقد نجد التحكيم الإجباري موجودا في بعض الاتفاقيات الدولية أو في صورة شروط عامة يجب إتباعها في بعض المجالات، كما هو الشأن في الشروط التي وضعها مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة (الكوميكون) في عام 1968 وهي تلك التي تحكم بيوع البضائع بين منظمات التجارة الخارجية في بلدان الكوميكون.
ج- التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي :
1- التحكيم الداخلي
هو ذلك النوع من التحكيم الذي تتصل فيه جميع عناصره بدولة واحدة دون غيرها، وذلك من حيث موضوع النزاع، جنسية الخصوم، جنسية المحكمين، القانون الواجب التطبيق، المكان الذي يجري فيه التحكيم، وهنا يطبق القانون الوطني ولا تثار مشكلة بالنسبة لقواعد تنازع القوانين أو كيفية تنفيذ الأحكام الأجنبية كما هو الحال بالنسبة للتحكيم الأجنبي.
2- التحكيم الدولي
يكون التحكيم دوليا إذا كان موضوعه نزاعا يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج، وهذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 40-327 من القانون رقم 05-08 حيث اعتبر أن التحكيم يكون دوليا في الحالات التالية:
1- إذا كان لأطراف اتفاق التحكيم وقت إبرامه مؤسسات بدول مختلفة.
2- أو كان الأطراف متفقين صراحة على أن موضوع التحكيم يهم أكثر من بلد واحد.
3- أو كان أحد الأمكنة التالية يقع خارج الدولة الموجودة بها مؤسسات الأطراف:
أ- ماكن التحكيم عندما يكون منصوصا عليه في اتفاق التحكيم أو معينا بمقتضى هذا الاتفاق.
ب- كل مكان يجب أن ينفذ فيه جزء مهم من الالتزامات المترتبة على العلاقة التجارية أو المكان الذي تربطه أكثر بموضوع النزاع صلة وثيقة.
فماهي خصوصيات نظام التحكيم من خلال التشريع المغربي , وبالضبط قانون 08.05 المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية ؟
نظام التحكيم في قانون 08.05
من الصعوبات العملية التي يثيرها التحكيم بالمغرب أنه لم يأتي بقانون مستقل بذاته على شكل مدونة وذلك لاكراهات تتجلى في غياب الوسائل الاساسية المتطلب في التحكيم مت مراكز التحكيم ومن اطر متخصصة وذات كفاءة وخبرة في شتى الميادين و بالخصوص ما يتعلق بالمعاملات التجارية الدولية رغم وجود بعض المراكز التحكيمية في المغرب ( مثل مركز التحكيم في مراكش، الرباط، وطنجة)، إلا أنها لا تكن محل ثقة من طرف المستثمرين الأجانب في المغرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك صعوبات عملية والتي أتى بها القانون الجديد 08-05 حيث إذا كان من مبادىء الأساسية التي تميز قضاء عن التحكيم وحرية اختيار المحكم الذي سيتولى الفصل في النزاع، فإن القانون الجديد قلص من هذه الحرية وذلك بنصه على إلزامية المحكم بالتصريح لدى الوكيل العام قصد تسجيله في لائحة تشمل أسماء محكمين مما يعني أن المشرع المغربي قيد الأشخاص الذين يتولون مهمة التحكيم في طائفة معينة وبسط يده على مجريات التحكيم، كما قام بتقييد الشخص المعنوي في تولي مهمة المحكم حيث أجاز له سوى صلاحية تنظيم التحكيم وضمان حسن سيره لكن الواقع العملي أن هناك شركات ذات خبرة أكثر من الشخص الذاتي كشركة المتخصصة في منح درجة السفن فهذه الأخيرة لها إمكانية تولي مهمة التحكيم.
ومن الأمور التي تدعوا إلى الانتقاد كون المشرع لم يفرق بين التحكيم المدني والتحكيم التجاري وذلك عكس بعض التشريعات المقارنة ، أما بالنسبة للتعديل فقد جاء أكثر غموض من القانون السابق حين وسع من نطاق التحكيم التجاري على حساب التحكيم المدني وذلك بشكل غير مباشر من خلال اقتصار أغلب فصوله على المعاملات التجارية وإقصائه للمعاملات المدنية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإتجاه الخاطىء والغير البناء الذي سلكه تعديل قانون 05-08، فعوض تشجيع أفراد المجتمع المدني على فض نزاعاته عن طريق القانون التفاوضي الإرادي سلك القانون اتجاه تشجيع الأفراد الذين ليست لهم صفة التاجر ولوج المحاكم. رغم كون المترقبين لتعديل المسطرة كانوا ينتظرون توسيع من فئة المجتمع المدني للاستفادة من هذه الوسيلة لفض منازعاتهم وخاصة فيما يخص نزاعات الشغل والشخصية ولما تشمل حتى النزاعات الجنائية.
ورغم ما لهذا التعديل من سلبيات إلا أنه جاء بمجموعة من المقتضيات الجديدة وذلك حتى يتخطى النقص الوارد في القانون القديم، ومن بين الإيجابيات التي جاء بها هذا التعديل أنه خص قسم للتحكيم الداخلي وقسم آخر للتحكيم الدولي، وبذلك يكون قد وضع حدا لتخوف المستثمرين الأجانب بالمغرب الذين كانوا يمتنعون عن الاستثمار بالمغرب نظرا لعدم وجود قانون خاص ينظم تعاملاتهم.
كما أن هذا التعديل وسع من اختصاص هيئة التحكيم بحيث منح لهذه الأخيرة سلطة واسعة بالنظر في موضوع النزاع أو إيقاف الإجراءات إذا عرض عليها خلال مرحلة التحكيم مسألة تخرج عن اختصاصها أو تم الطعن بالزور في ورقة أو سند قدم لها واتخذت بشأن تزويره إجراءات جنائية (الفصل 17-327 من قانون 05-08).
الخاتمة:
من خلال الدراسة المقارنة بين التشريع القديم في المغرب و القانون الجديد 05-08 يلاحظ أنه جاء مستجيبا لمجموعة من النواقص التي كانت تشوب التشريع الملغى ،و من بينها التمييز بين التحكيم الداخلي و الدولي و هذه ميزة ايجابية تحسب له، لكن رغم كل ما جاء به من ايجابيات فإنه لا يخلو من بعض الهفوات و العراقيل التي تعيق مساطر التحكيم بالمغرب ،من بين هذه العراقيل التي تبقى حاجزا بين طموحات المستثمرين الأجانب بالمغرب و مؤسسة التحكيم كوسيلة مفضلة لهم في تسوية المنازعات ، بسط الدولة يدها على مجريات التحكيم ، ناهيك عن العائق التشريعي الذي تجسد في إدراج قانون 05-08 في قانون المسطرة المدنية عوض تخصيص مدونة مستقلة للتحكيم، مما يدل على استمرار تحكم القضاء الرسمي في التحكيم و لا أدل على ذلك الإحالة بشأن مسطرة التحكيم على بنود المسطرة المدنية المتسمة بالتعقيد ، و أمام هذا العجز التشريعي الذي خيب آمال المهتمين يبقى الرهان منعقدا على المهتمين بالقطاع خاصة التجاري و الفاعلين الاقتصاديين و السياسيين بالدفع قدما بهذه المؤسسة حتى تتجاوز هذه العراقيل خاصة في ظل الحديث عن إصلاح قضائي.
قواعد التحكيم ومجالاته
سنحاول في هذا المطلب التعرض لبعض القواعد والأحكام التي يتعين إتباعها لإجراء التحكيم.
وكذا لبيان المجالات التي يجوز التحكيم فيها وتلك التي لا يجوز أن تكون محلا للتحكيم.
وبناء عليه سنقسم هذا المطلب إلى محورين وذلك على النحو التالي:
أولا: قواعد التحكيم - ثانيا: مجالات التحكيم
أولا: قواعد التحكيم
تعرض المشرع المغربي في القانون 05. 08 المشار إليه آنفا لمجموعة من الأحكام والقواعد التي يتعين إتباعها لإجراء التحكيم حيث تطرق إلى بعض الأحكام العامة، ثم حدد كيفية تشكيل الهيأة التحكيمية وأخيرا كيفية صدور الحكم التحكيمي وكيفية إنهاء المرافعة.
وبناء عليه سنتناول هذه الموضوعات في نقط متتالية:
أ- الأحكام العامة :
لقد نظم المشرع المغربي في الفصول 313 -315-317 -327.10 -14. 327- 15. 327- 18. 327 مجموعة من الأحكام العامة الخاصة بإجراءات التحكيم وهذه الأحكام تتعلق بتحديد موضوع النزاع، واشتراط الكتابة، واللغة التي يتعين إجراء التحكيم بها، وكذا مكان إجراء التحكيم والقانون الواجب التطبيق، وبيان أوجه الدفاع والطلبات العارضة وأخيرا التدابير الوقائية الوقتية.
1- تحديد موضوع النزاع :
يؤدي عدم تحديد موضوع النزاع إلى بطلان عقد التحكيم بطلانا مطلقا وهذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 314 من القانون 05. 08 والذي جاء فيه “يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان تحديد موضوع النزاع”.
2- اشتراط الكتابة لإجراء التحكيم:
حيث نص الفصل 313 على أنه: “يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة.
يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال …
ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أية وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد”.
ويؤدي عدم تضمين شرط الكتابة في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه بشكل لا لبس فيه إلى بطلان اتفاق التحكيم وهذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 317.
3- لـغة التحكيم:
ينص المشرع المغربي في الفصل 13-327 على أن التحكيم يجري باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك أو تحديد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى، ويسري حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة والوثائق المرافعات الشفهية وكذا كل قرار تتخذه الهيئة أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك.
4- مكان إجراء التحكيم:
ترك المشرع المغربي الحرية للأطراف في الاتفاق على مكان إجراء التحكيم حيث نص في الفصل 10 -327 على ما يلي: “لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في المملكة المغربية أو خارجها. فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكانا ملائما للتحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى ومحل إقامة الأطراف، ولا يحول ذلك دون أن تجتمع هيئة التحكيم في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراءات التحكيم”.
5- القانون الواجب التطبيق :
لم يحدد المشرع المغربي القانون الواجب التطبيق على النزاعات التي قد تنشأ بين الأطراف وترك ذلك لإرادة الطرفين حيث نص في الفصل 18- 327 على ما يلي: “تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان.
إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع، وعليها في جميع الأحوال أن تراعي شروط العقد موضوع النزاع وتأخذ بعين الاعتبار الأعراف التجارية والعادات وما جرى عليه التعامل بين الطرفين، وإذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والإنصاف دون التقييد بالقانون”.
6- بيان الطلبات العارضة وأوجه الدفاع :
لقد نص المشرع المغربي على بيان الطلبات العارضة وأوجه الدفاع في الفصل 14-327 والذي جاء فيه: “يجب على المدعي أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعى عليه وإلى كل واحد من المحكمين مذكرة مكتوبة بدعواه تشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد المسائل موضوع النزاع وطلباته وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذه المذكرة ويرفقها بكل الوثائق وأدلة الإثبات التي يريد استعمالها.
يجب على المدعى عليه أن يرسل خلال الموعد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعي ولكل واحد من المحكمين مذكرة جوابية مكتوبة بدفاعه ردا على ما جاء بمذكرة الدعوى، وله أن يضمن هذه المذكرة طلبات عارضة بقصد الدفع بالمقاصة ويرفقها بكل الوثائق التي يريد استعمالها للإثبات أو النفي.
يمكن لهيئات التحكيم أن تطالب الأطراف بتقديم أصول المستندات أو الوثائق التي يستندون إليها كلما ارتأت ذلك.
ترسل صور كل ما يقدمه أحد الطرفين لهيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى إلى الطرف الآخر، وكذلك ما يقدم إلى الهيئة من تقارير الخبراء وغيرها من الأدلة مع منحهم أجلا لتقديم ما لديهم من ردود وملاحظات.
يمكن لكل من طرفي التحكيم تعديل طلباته أو أوجه دفاعه أو استكمالها خلال إجراءات التحكيم ما لم تقرر هيئة التحكيم عدم قبول ذلك، منعا من إعادة الفصل في النزاع.
تعقد هيئة التحكيم جلسات المرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
يجب إخطار طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات التي تقرر هيئة التحكيم عقدها قبل التاريخ الذي تعينه لذلك بوقت كان لا يقل عن خمسة أيام. تدون وقائع كل جلسات تعقدها هيئة التحكيم في محضر تسلم نسخة منه إلى كل من الطرفين.
يترتب على عدم تقديم المدعي دون عذر مقبول مذكرة فتح الدعوى داخل الأجل المحدد له أن تقرر هيئة التحكيم إنهاء إجراءات التحكيم ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
إذا لم يقدم المدعى عليه مذكرته الجوابية داخل الأجل المحدد له تستمر هيئة التحكيم في إجراءات التحكيم دون أن يعتبر ذلك بذاته إقرارا من المدعى عليه بدعوى المدعي.
إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور أي من الجلسات أو تقديم ما طلب منه يجوز الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استنادا إلى الأدلة المتوفرة لديه.
تشكيل الهيئة التحكيمية وتجريح المحكم
تناول المشرع المغربي في الفصول: 2. 327- 3. 327 – 4. 327 – 5. 327 – 6. 327 لكيفية تشكيل الهيأة التحكيمية وفي الفصول 320 – 322- 323- 7. 327 – 8. 327 لحالات تجريح المحكم.
1- تشكيل الهيأة التحكيمية:
أكد المشرع المغربي في الفصل 319 على أن التحكيم يكون إما خاصا أو مؤسساتيا في حالة تحكيم خاص تتكفل الهيأة التحكميمية بتنظيمه مع تحديد المسطرة الواجب اتباعها ما عدا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك أو اختاروا نظام تحكيم معين.
وعندما يعرض التحكيم على مؤسسة تحكيمية، فإن هذه الأخيرة تتولى تنظيمه وضمان حسن سيره طبقا لنظامها.
وتتشكل الهيئة التحكيمية من محكم واحد أو عدة محكمين تكون للأطراف حرية تحديد إجراءات تعينهم وعددهم إما في الاتفاق التحكيمي وإما بالاستناد إلى نظام التحكيم الموضوع للمؤسسة المختارة.
وإذا لم يتفق الأطراف على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة.
إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وترا وإلا كان التحكيم باطلا (ف 2- 327) وإذا ثبت أن المحكم أو المحكمين المعنيين في اتفاق التحكيم لا تتوافر فيهم الشروط القانونية لممارسة هذه المهمة أو لأي سبب آخر يحول دون تشكيل الهيئة التحكيمية فإن تعيين المحكمين يتم إما باتفاق الأطراف وإما وفقا للفصل 4-327 بعده ( ف 3-327)
إذا عين الأطراف عددا مزدوجا من المحكمين وجب تكميل تشكيل الهيئة التحكيمية بمحكم يتم اختياره إما طبقا لما اتفق عليه الأطراف وإما من لدن رئيس المحكمة بناء على أمر غير قابل للطعن، إن لم يحصل اتفاق بين المحكمين المذكورين.
وفي حالة تحكيم مؤسساتي، يطبق على مسطرة تعيين المحكمين بالهيئة التحكيمية وعددهم نفس ما هو مقرر من لدن المؤسسة التحكيمية المختارة ( ف 4-327).
وإذا لم يتم تعيين الهيئة التحكيمية مسبقا وكيفية وتاريخ اختيار المحكمين أو لم يتفق الأطراف على ذلك، تتبع الإجراءات التالية:
إذا كانت هيئة التحكيم تتكون من محكم واحد يتولى رئيس المحكمة المختصة تعيين المحكم بناء على طلب أحد الأطراف.
إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين يعين كل طرف محكما ويتفق المحكمان المعنيان على تعيين المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال 15 يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الأخر أو إذا لم يتفق المحكمان المعنيان على اختيار المحكم الثالث خلال 15 يوما التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تولي رئيس المحكمة المختصة تعيينه بناء على طلب أي من الطرفين وتكون رئاسة هيئة التحكيم للمحكم الذي اختاره المحكمان المعنيان أو الذي عينه رئيس المحكمة.
تتبع الإجراءات المذكورة في الفقرة 2 أعلاه من هذه المادة إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من ثلاثة محكمين.
يجب أن يراعي رئيس المحكمة المختصة في المحكم الذي يختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان ويصدر قراره بعد استدعاء الأطراف ولا يكون هذا القرار قابلا للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
تطبق نفس المقتضيات كلما اعترض تشكيل الهيئة التحكيمية صعوبة بسبب أحد الأطراف أو صعوبة في تطبيق إجراءات التعيين (الفصل 5-327) ولا يعتبر تشكيل الهيئة التحكيمية كاملا إلا إذا قبل المحكم أو المحكمون المعنيون المهمة المعهود إليهم بها (الفصل 6-327).
2- تجريح المحكم:
نظم المشرع المغربي في القانون 05- 08 حالات تجريح المحكمين، وكيفية ممارسته من قبل طرفي النزاع.
وهكذا نص في الفصل 320 على أنه ” لا يمكن إسناد مهمة المحكم إلا لشخص ذاتي كامل الأهلية لم يسبق أن صدر عليه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الاداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية.
إذا عين في الاتفاق شخص معنوي، فإن هذا الشخص لا يتمتع سوى بصلاحية تنظيم وضمان حسن سيره”.
ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم تجريح محكم إلا لسبب طرأ أو اكتشف بعد تعيينه (الفصل 322).
إلا أنه يمكن تجريح المحكم في إحدى الحالات الآتية:
إذا صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة لأجل ارتكاب أحد الأفعال المبنية في الفصل 320 أعلاه.
إذا كانت له أو لزوجته أولاصوله أو لفورعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع.
إذا كانت قرابة أو مصاهرة تجمع بينه أو زوجه وبين أحد الأطراف إلى درجة أبناء العمومة الأشقاء.
إذا كانت دعوى جارية أو دعوى منتهية في أقل من سنتين بين أحد ألأطراف والمحكم أو زوجه أو أحد الأصول أو الفروع.
كان المحكم دائنا أو مدينا لأحد الأطراف.
إذا سبق أن خاصم أو مثل غيره أو حضر كشاهد في النزاع.
إذا تصرف بوصفه الممثل الشرعي لأحد الأطراف.
إذا كانت توجد علاقة تبعية بين المحكم أو زوجه أو أصوله أو فروعه وبين أحد الأطراف أو زوجه أو أصوله أو فروعه.
إذا كانت صداقة أو عداوة بادية بينه وبين أحد الأطراف.
يقدم طلب التجريح كتابة إلى رئيس المحكمة المختصة يتضمن أسباب التجريح، وذلك داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ علم طالب التجريح بتشكيل هيئة التحكيم أو بالظروف المبررة للتجريح، فـإذا لم ينسحب المحكم موضوع التجريح من تلقاء نفسه بعد تجريحه، فصل رئيس المحكمة في الطلب داخل أجل عشرة أيام بقرار غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، ولا يقبل طلب التجريح ممن سبق له أن قدم طلب تجريح المحكم نفسه في ذات التحكيم وللسبب ذاته، وإذا حكم بتجريح محكم تعتبر إجراءات التحكيم التي شارك فيها كأنها لم تكن بما في ذلك الحكم” ( ف 323).
ويتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك، وفي هذه الحالة لا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف (ف 7-327).
وإذا قدم طلب تجريح أو عزل أحد المحكمين وجب وقف مسطرة التحكيم إلى أن يتم البت في هذا الطلب، ما عدا إذا قبل المحكم المعني بالأمر التخلي عن مهمته ( ف 8-327).
أولا: قواعد التحكيم
- الحكم التحكيمي:
لقد حدد المشرع المغربي كيفية صدور الحكم التحكيمي ومحتوياته، والقيمة القانونية التي يتمتع بها الحكم التحكيمي، كما حدد الأجال التي يتعين خلالها إصدار الحكم التحكيمي.
كيفية الطعن في الحكم التحكيمي.
1- صدور الحكم التحكيمي:
لقد نص المشرع المغربي في الفصل 22- 327 على أنه “يصدر الحكم التحكيمي بأغلبية الأصوات بعد مداولة الهيئة التحكيمية، ويجب على جميع المحكمين التصويت لفائدة مشروع الحكم التحكيمي أو ضده مع مراعاة أحكام الفقرة الثانية في الفصل 16-327.
وتكون مداولا المحكمين سرية”.
2- محتويات الحكم التحكيمي:
أكد المشرع المغربي في الفصل 23 -327 على الحكم التحكيمي يصدر كتابة ويجب أن يشار فيه إلى اتفاق التحكيم وأن يتضمن عرضا موجزا للوقائع وإدعاءات الأطراف ودفوعاتهم على التوالي والمستندات وبيان النقط التي تم الفصل فيها بمقتضى الحكم التحكيمي وكذا منطوقا لما قضي به.
كما نص في الفصل 24-327 على أن الحكم التحكيمي يجب أن يتضمن بيان أسماء المحكمين الذين أصدروه وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم وتاريخ صدور الحكم التحكيمي ومكان إصداره هذا بالإضافة إلى الأسماء العائلية والشخصية لأطراف النزاع أو عنوانهم التجاري . وكذا موطنهم أو مقرهم الاجتماعي، وإن اقتضى الحال أسماء المحامين أو أي شخص مثل الأطراف أو آزرهم.
كما يتعين أن يتضمن الحكم التحكيمي تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الأطراف . فإذا لم يتم الاتفاق بين الأطراف المحكمين على تحديد أتعاب المحكمين فيتم تحديدها بقرار مستقل من هيئة التحكيم ويكون قرارها بهذا الشأن قابلا للطعن أمام رئيس المحكمة المختصة الذي يكون قراره في هذا الموضوع نهائيا غير قابل للطعن.
3- آجال إصدار الحكم التحكيمي:
أكد المشرع المغربي في الفصل 28 -327 على أن الهيئة التحكيمية يتعين عليها إصدار حكمها في النزاع خلال الثلاثين يوما التالية لتقديم المقال إليها إما إذا تعلق الأمر بتصحيح أو تأويل حكم فإنه يتعين عليها أن تبث في الأمر داخل أجل ستين يوما إذا تعلق الأمر بحكم تكميلي.
4- القيمة القانونية التي يتمتع بها الحكم التحكيمي”
نص المشرع المغربي في الفصل 26-327 على أن الحكم التحكيمي يكتسب بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه، إلا أن الحكم التحكيمي لا يكتسب هذه الصفة، عندما يتعلق الأمر بنزاع يكون أحد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا في النزاع إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ من قبل الطرف الأكثر استعجالا أمام القاضي المختص. ويكون تنفيذ الحكم التحكيمي جبريا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها ويودع أصل الحكم التحكيمي مصحوبا باتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية لدى كتابة ضبط المحكمة من لدن أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالا داخل أجل سبعة أيام كاملة التالية لتاريخ صدور الحكم التحكيمي.
5- الطعن في الحكم التحكيمي:
تجدر الاشارة في بادئ الأمر أنه بمجرد وضع الصيغة التنفيذية على الحكم التحكيمي يصبح هذا الاخير حائزا لقوة الشيء المقضي به وبالتالي يصبح الحكم التحكيمي غير قابل لأي طعن كما أكد ذلك المشرع المغربي في الفصل 34-327. إلا أن هذا التأكيد لا يؤخذ به على إطلاقه، بحيث يمكن أن يكون الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة نظر أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم وذلك طبقا لشروط محددة منصوص عليها في الفصل 402 ( ف 34-327)
وقد نص المشرع في الفصل 35-327 على أن الأغيار لا يواجهون بالأحكام التحكيمية ولو كانت مذيلة بالصيغة التنفيذية إذ يمكنهم أن يتعرضوا عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة أما المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم اتفاق تحكيم.
كما نص في الفصل 36- 327 على أنه ” رغم كل شرط مخالف تكون الأحكام التحكيمية قابلة للطعن بالبطلان طبقا للقواعد العادية أمام محكمة الاستئناف التي صدرت في دائرتها.
ويكون تقديم هذا الطعن مقبولا بمجرد صدور الحكم التحكيمي.
ولا يتم قبلوه إذا لم يقدم داخل أجل 15 يوما من تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصيغة التنفيذية.
لا يكون الطعن بالبطلان ممكنا إلا في الحالات الآتية:
إصدار الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم أو إذا كان اتفاق التحكيم باطلا، أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم.
إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية أو مخالفة لاتفاق الطرفين.
إذا تبت الهيئة التحيكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها أو بتت في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.
إذا لم تحترم مقتضيات الفصلين 23-327 (الفقرة 2) و 24-327 فيما يخص أسماء المحكمين وتاريخ صدور الحكم التحكيمي والفصل 25-327
إذا تعذر على أي من طرفي التحكيم تقديم دافاعه بسبب عدم تبليغه تبليغا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر يتعلق بواجب احترام حقوق الدفاع.
إذا صدر الحكم التحكيمي خلافا لقاعدة من قواعد النظام العام .
في حالة عدم التقيد بالإجراءات المسطرية التي اتفق الأطراف على تطبيقها على موضوع النزاع
الوساطة الاتفاقية
الـمـــقـدمــة
تكمن أهمية الوساطة أهمية الوساطة كوسيلة بديلة لحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية بكونها الفكرة البديلة عن الإكراه والعنف الذي ينشأ بين الدول المتنازعة ، وتعتبر الوسيلة البديلة حتى عن القضاء والمتجاوزة عن تعقيداته وإجراءاته المعقدة التي تهدف إلى حل النزاعات الدولية بين أشخاص القانون الدولي بعيدا عن المحاكم الولية المختصة وساحاتها، وبعيدا عن المشاحنات التي تظهر عند إقامة الدعوى أمام القضاء الدولي .
فالوساطة تعد طريقا سهلا وسلسا وأقل مشقة من الطرق الاعتيادية التي اعتاد الأطراف اللجوء إليها لتسوية نزاعاتهم،وإضافة إلى ذلك فأن الوساطة تعتبر من الطرق البديلة التي تعمل على توفير الوقت والجهد على المتخاصمين مقارنة بالوسائل الأخرى .
ومما لاشك فيه إن حل المنازعات عن طريق الوساطة يعتبر من الوسائل والمظاهر الحضارية لحل النزاعات الدولية عن طريق الحوار الهادف البناء ، الذي توفره الوساطة للأطراف يدل على حضارية فكرة الوساطة وحضارية الأطراف بقبول الحوار وجعله مفيدا وبناءا .
ولذلك فإنني أطمح عن طريق هذا البحت المتواضع تسليط الضوء على أهمية الوساطة ، وأهمية تطويرها في نفس الوقت،أملا بالمساهمة في توضيح الوساطة كحل بديل وسلمي في تسوية النزاعات الدولية .
التــعريف بالوســاطة
الوساطة هي أسلوب من الأساليب البديلة لفض النزاعات التي تقوم على توفير ملتقى للأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر بمساعدة شخص محايد ، وذلك لمحاولة التوصل إلى حل ودي يقبله أطراف النزاع.
هي العملية التي يحاول الأطراف المتنازعة من خلالها أن يحلوا خلافاتهم بمساعدة طرف ثالث مقبول ويسمى (الوسيط) ومن صفاته أن يكون غير منحاز وحيادي ، ولا يملك السلطة لصنع قرار وذلك بهدف مساعدة الأطراف بطريقة تطوعية في الوصول لاتفاقية خاصة بهم ومقبولة عليهم .
أما تعريف فقهاء القانون الدولي :
( فهي محاولة دول أوأكثر في فض نزاع قائم بين دولتين أو أكثر عن طريق التفاوض الذي تشترك فيه هي أيضا مهما تكون وساطة حسنة أم سيئة)
فالوساطة هنا أحد الوساطة التي أستخدمت في القانون الدولي لحل المنازعات الدولية بطرق ودية
فيقصد منها النشاط الودي الذي تبدله دولة أو أكثر عن طريق الاتصال بين طرفي النزاع لتقريب وجهات النظر حول الموضوع المتنازع عليه ، والدولة التي تقوم بالوساطة إما أن تتدخل من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب أطراف النزاع.
كما يمكن تعريف الوساطة بأنها :أسلوب من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات الدولية التي تقوم على توفير ملتقى للأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر بمساعدة شخص محايد وذلك لمحاولة التوصل الى حل ودي يقبله أطراف النزاع .وقد عرفها آخرون بأنها : ((إحدى الطرق الفعالة لفض المنازعات بعيدا عن التقاضي وذلك من خلال إجراءات سرية تكفل الخصوصية بين أطراف النزاع، من خلال استخدام وسائل وفنون مستحدثة في المفاوضات بغية لوصول إلى تسوية ودية مرضية لجميع الأطراف )).
كان القضاء منذ القدم ولايزال الوسيلة الأساسية لحل النزاعات سواء كانت وطنية أم دولية ولكن مع تطور ظروف التجارة والاستثمار الداخلي والدولي ، أخذت تنشأ إلى جانب القضاء وسائل أخرى تحسم النزاعات .
وبذلك ظهر التحكيم وتطور مع تطور التجارة الدولية والى جانب التحكيم ظهرت (( الوساطة )) وهذا الشكل من العدالة قديم جدا وهو أقدم من عدالة الدولة ، وإذا كانت الوساطة تتم في السابق بشكل بسيط قائم على إصلاح ذات البين ، وتابعة مكن العادات والتقاليد السائدة في المجتمع ، فقد كانت مطبقة في العهد القديم في فرنسا حيث كانت بمفهوم المصالحة .
وكانت اتفاقية لاهاي (1907) الخاصة بتسوية المنازعات بالطرق السلمية قد وضعت القواعد المتعلقة بالوساطة ،وألزمت الدول المتعاقدة للجوء إلى وساطة الدول الصديقة ، وأيضا نصت العديد من المواثيق الدولية مثل (ميثاق الأمم المتحدة ) والإقليمية مثل ( ميثاق جامعة الدول العربية ) و(ميثاق الاتحاد الأفريقي ).بشكل صريح على حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ونصت على إن الوساطة من بين هذه ه الطرق، وعمليا تعتبر هذه الوسيلة متميزة بتسهيل إجراءات الحوار خاصتا قي حالة تأزم الأوضاع بين الأطراف ، وتلوح في الأفق إمارات أو علامات الحرب ، وتكون مهمة الوسيط في هذه الحالة بدل جهد اكبر لوقف الحرب أو إطلاق النار إذا احدث .
ويقوم الوسيط في هذه الفترة بالاتصالات المباشرة بين الأطراف وتقديم المقترحات والبحث عن مجالات لطرق الأبواب بين الدول من اجل التقارب والوفاق والعمل على إيجاد الحل العادل بين الأطراف المتنازعة.
والملاحظ إن الدول في الوقت الراهن تميل إلى توسيع نطاق الوساطة والاعتماد على شخصيات مشهورة وذات مقدرة وكفاءة بدلا من الدول للقيام بالوساطة .
ففي العام 1938 اختارت ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا سابقا وزير بريطانيا سابقا كوسيط لتسوية نزاعها الإقليمي حول مقاطعة (السوديت).
وفي عام (1948) عين مجلس الأمن الدولي (الكونت برنادورت ) وسيطا في فلسطين ، وبعداغتياله على ايدى العصابات الصهيونية في القدس عين المجلس ((رالف بالنش )) خلفا له .
المزايــا
مزايا الوساطة الاتفاقية عديدة من اهمها ايضا - دعم الاستثمار فلا احد يجادل في دور الدي يمكن ان يلعبه القضاء ددي كفاءة ونزاهة في دعم الاسثتمار ولا احد يمكن انكار كدلك صعوبات التي يواجها ااالقضاء في كل دول.
مزايا الوساطة الاتفاقية عديدة من اهمها ايضا - دعم الاستثمار فلا احد يجادل في الدور الذي يمكن ان يلعبه القضاء ددي كفاءة ونزاهة في دعم الاسثتمار ولا احد يمكن انكار كذلك الصعوبات التي يواجهها ااالقضاء في كل الدول.
وكدلك تخفيف العبء عن القضاء حيث كان اكتظاض في القضايا و النزاعات ,وايضا مرونة و التلقائية فمن خصائص الوساطة الاتفاقية انها مرنة اي لاتخضع لاية اجراءات او قيود تحد من فعاليته ومبادرته .وهكدا فنظام الوساطة لايتقيد بالشكليات والتعقيدات المسطرية حتى بالنسبة للقواعد الجوهرية منها, بل ان الوسيط يستعمل لكل حالة ما يوافقها من عايير ومقاييس .مما يجعل الوساطة اقرب الى عدالة النسبية مناسبة لاكراهات واقع الاقتصاد ومجال اعمال .
وهناك ايضا الاقتصاد في التكالييف من نواحي عدة فمن ناحية مصاريف المادية تتميز الوساطة بقلة التكاليف مقارنة بتكاليف المختلف المحاكم , ومن ناحية اقتصادية في الوقت اد يمكن للوساطة ان تنهي نزاع في وقت قياسي مقارنة بالطريق القضاء والدي لا يمكن ان يتجاوز 3 اشهر من تاريخ قبول الوسيط لمهمته .
وهناك ايضا ميزة السرية والمحافظة على العلاقات الودية بين الفرقاء حيث كل ما يروج يبقى سري
تتميز الوساطة بمجموعة من المزايا أهمها:
• البساطة : عبر نظام أساسي (مثل نظام الوساطة الذي اعتمده المركز) يمتاز بالمرونة ويترك الحرية للأطراف والوسيط للالتزام بقواعد القانون.
• السرية : تضمن الوساطة سرية القضايا والنزاعات ،عبر مقتضيات نظامها الذي يقبل الأطراف الالتزام بها.
• السرعة : يحدد الأطراف آجال مسطرة الوساطة والتي لا يجب أن تتعدى 03 أشهر.
• كلفة محدودة: تتحدد أتعاب الوسطاء والرسوم وفقا للجدول (المرفق لنظام الوساطة) بشكل لا يعيق حل النزاع
مزايا الوساطة :
1- الخصوصية : تكفل الوساطة محافظة طرفي النزاع على خصوصية النزاع المقام بينهما
2- محدودية التكاليف :من ميزات الوساطة انها ذات كلفة مالية اقل من كلفة التقاضي او التحكيم
3- تحقيق مكاسب مشتركة لطرفي النزاع : التسوية النهائية في الوساطة تكون قائمة على حل مرض لطرفي النزاع
4- المرونة :تتسم اجراءات الوساطة بالمرونة لعدم وجود اجراءات وقواعد مرسومة محددة
5- المحافظة على العلاقات الودية بين الخصوم : تبقى العلاقات الودية بين الخصوم قائمة في الوساطة بعكس الخصومة القضائية التي تؤدي في الغالب الى قطع مثل تلك العلاقات
6- استغلال الوقت : تكفل الوساطة استغلال ا لوقت والحصول على حلول سريعة
7- الحلول الخلاقة التي يمكن التوصل اليها : جلسات الوساطة تساعد على تجاوز العقبات وتوفير الحلول الخلاقة والابداعية لحل النزاع
8- توفير ملتقى الاطراف النزاع قبل بدء المحاكمة : تساعد جلسات الوساطة على توفير ملتقى اخير بين الخصوم قد يساهم في حل النزاع
9- عدم تحمل اي نوع من انواع المخاطرة : ذلك ان هناك حرية للخصوم للرجوع عن اي عرض اثناء جلسات الوساطة ما لم يتم تثبيته خطيا
10- تنفيذ اتفاقية التسوية رضائيا : لما كانت اتفاقية التسوية هي من صنع اطراف النزاع فان تنفيذها على الاغلب سيتم برضائهم بعكس القضائي الذي يتم تنفيذه جبرا.
أهداف الوساطة:
1- تقليل عدد الدعاوى التي تحال الى قاضي الموضوع
2- توفير الوقت والجهد والنفقات على الخصوم ووكلائهم من خلال انهاء الدعاوى في مراحلها الاولى
3- خلق بينة استثمارية جاذبة
إذا كان هدف اساسي من وساطة اتفاقية هو ايجاد حل مقبول من طرفين للنزاع الدائر بينهما بمساعدة طرف الثالث محايد فان لهدا النظام اهداف اخرى من اهمها : اجاد حل خلاق ياخد بعين اعتبار مصالح الطرفين ويوافقون عليه ويعتمدوه في تنفيده ,حسن نيتهم . وايضا كشف عن مصالح الاطراف وحاجيتهم عن طريق استماع للوسيط واستماع كل طرف للاخر .تقوية الاطراف المتنازع عن طريق تعزيز قدرة على تحليل الاوضاع واتخاد قرارات الفعالة .وكدا تكريس اعتراف كل طرف بالاخر.
خلق إطار تعاوني وبناء التفاوض وذلك لإيجاد حل عادل يبني على فهم حاجات ومصالح بعضهم البعض .
2- الاستماع وإعادة الصياغة بهدف توفير جو إيجابي للتفاوض بعيداً عن التوتر والانفعال وذلك بحذف العبارات السلبية وإعادتها من قبل الوسيط بأسلوب بناء لتخفيف حدة المشاعر وللتركيز على جوهر الفكرة وصولاً إلى الاتفاق.
3- تحديد خيارات إستراتيجية لخلق مرونة وتشمل:
ا- المقابلة المنفصلة مع الأطراف
ب- منع ومقاطعة المجادلات الساخنة
ج- فحص الواقعية؛ بطريق فحص المكاسب التي سيجنيها الأطراف وكذلك المخاطر والخسارة من عدم الوصول إلى اتفاق.
د- توسيع أدراك رؤية المستقبل والعلاقات الإيجابية المطلوبة وذلك بالتركيز على المصالح المشتركة والعلاقات المستقبلية بعيدا عن اللوم والشكوى.
ه- صياغة الحل في عبارات مقبولة بحيث تكون واضحة تؤكد على المصالح بعيدا عن المواقف.
4- اقتراح خيارات لإثارة أفكار الطرفين ؛ ويشترط بان تكون الأفكار والخيارات ذات مزايا متساوية للطرفين وليست لطرف دون الآخر.
5- استثمار فترة الهدوء والراحة ؛ وذلك لإعطاء كل طرف الفرصة لتقييم المقترحات والبدائل والعواقب الناجمة عن عدم الوصول لاتفاق .
6- استخدام الفكاهة ورواية القصص والحكايات ؛ وذلك يهدف إلى الشعور بالاسترخاء والانفتاح نحو الاستمرار في التفاوض والوصول إلي الحلول المرضية للطرفين.
7- الاستعانة بشخص آخر ؛ قد يكون قبل الوساطة أو أثناء الوساطة للمساعدة في التأثير على الأطراف شريطة أن يكون هذا الشخص مقبولا على الطرفين مثل: شخصية هامة في العائلة أو المجتمع أو صديقا مشتركا للطرفين
8- الاستعانة بوسيط آخر ؛ وهذا يفيد في الحد من قضية التحيز ويعطي دعم اكبر للوسطاء إلى انه يفيد في تدريب عدد اكبر من الوسطاء مع احتفاظ شخص بقيادة عملية الوساطة ويكون الآخر مساعدا له وهذا يتم بين الوسطاء لحفظ النظام والهدوء أثناء عملية الوساطة .
شروط الوساطة الاتفاقية
1- تعريف وتحديد أطراف النزاع ؛ استقلالية الأطراف المتنازعة
2- امتلاك الأطراف المتنازعة للقدرات الشخصية والعقلية والعاطفية لتمثيل أنفسهم
3- التركيز على الاهتمامات المشتركة بين الأطراف المتنازعة
4-طرح البدائل والآراء المجمع عليها حول القضية المتنازع عليه
اشترط الفصل 327/58 من قانون 08.05 ان يبرم اتفاق الوساطة كتابة في شكل مقرر مكتوب " يجب ان يبرم دوما اتفاق الوساطة كتابة اما بعقد رسمي او عرفي واما بمحضر يحرر امام محكمة.."
فالكتابة كشرط شكلي لاتنال من طابع الاتفاقي للوساطة باي حماية وتاكيد لهدا الاخير , فان هناك شروط اخرى دات طابع موضوعي وهي :البيانات الزامية واجب توافرها تحت طائلة البطلان -تحديد موضوع النزاع وتعيين وسيط -التدبيل بالصغيغة التنفيدية وهو شرط موضوعي يرتبط باكتسب وثيقة الصلح لقوة الشيء المقضي به .
مراحل عملية الوساطة:
بداية يجب تمييز بين مراحل عملية الوساطة الاتفاقية كتقنية قانونية في قانون 08.05 وبين مراحل ممارسة التطبيقية او العملية لهدا النظام . ففي نصوص ق08.05 نجدها تحدد مراحل الوساطة في خطوات تبدا بمرحلة الاتفاق على الوساطة ثم عبر عقد الوساطة ثم مرحلة استماع الوسيط للاطراف ومقارنة بين وجهات نظرهم ثم المرحلة تحرير الوسيط المشروع وثيقة الصلح ادا ثم التوصل الى حل من اجل توقيعها من جانب الاطراف. وفي حالة عدم وقوع الصلح يسلم الوسيط وثيقة عدم وقوع الصلح موقعة من الاطراف .
اما المراحل العملية لنظام الوساطة فتختلف بعض الشيء عما حدده قانون 08.05 حيث تتسع هاته المراحل وتتضمن تفاصيل اكثر مما دكر على المستوى القانون هاته المراحل العملية يمكن تصنيفها الى عدة مراحل اهمها : مرحلة الاولى :تحضير مكان عقد الوساطة والاطلاع على التفاصيل وربما الاتصال عن الطريق عقد جلسات يستمع فيها الاطراف لمخاوفة وقضاء بعضهم البعض
المرحلة الثانية :وتكون بعقد جلسات منفصلة يقوم بها الوسيط مع كل طرف على حدة من اجل طرف المخاوف والاراء بصراحة ويمكن تصنيف المرحلة الاولى والثانية كمرحلة لفهم الاطراف والقضايا
المرحلة الثالثة وهي مرحلة صياغة الاتفاق اي تحديد مواطن الاتفاق وتوقيع اتفاق المرحلة الرابعة والاخيرة وهي مرحلة حل المشكل وانهاء النزاع من اجل التركيز على المستقبل.
سلبيات الوساطة الاتفاقية
سلبيات الوساطة بالنسبة الاطراف :تعتمد كثيرا على حرفية الوسيط -صعوبة التعامل مع موازين القوى -سوء استعمال العملية خاصة حين غياب حسن نية -عدم الالزامية بالوساطة.
سلبيات الوساطة بالنسبة القرار: هناك كثير من سمات لايحبدها صناع القرار في الوساطة
سلبيات الوساطة بالنسبة للمحامين حيث ينظر اليها انها عملية غير مريحة وتتطلب كثير من تنازلات ولاتقوم في ممارستها على دقة في اللغة قانونية واحترام قانون احيانا .
سلبيات الوساطة بالنسبة للقضاة حيث ينظر اليها بعضهم على انها وسيلة سيطرة تفرز نتائج غير عادلة في بعد احيان
العوائق التي تعرقل عملية الوساطة
1- عوائق شخصية ( مثل المشاعر السلبية الحادة ؛ اختلال عملية الاتصال )
2- عوائق ثابتة ( عدم الاتفاق على القضايا المتنازع عليها ؛ التنافر غي الاهتمامات؛ الاختلافات في الحقائق والظروف )
3- عوائق إجرائية ( وجود مأزق أو طريق مسدود ؛ غياب الاجتماع للتفاوض ) (7)
ومن الملاحظ انه ليس هناك مدة زمنية محدودة لانجاز الوساطة إلا إذا تم الاتفاق بين الأطراف على غير ذلك ، ومقترحات الوسيط لا تتمتع بالقوة الإلزامية مالم توافق عليها الأطراف ، فالميزة الأساسية للوساطة هي إنها اختيارية من قبل الإطراف .
خصائص وأنواع الوساطة:
أولاً : الخصائص:
1- أن هذا التدخل اختياري ،ويتوقف على موافقة الأطراف المعنية ،لذا فهو يحترم سيادة الدول المعنية .
2- كما أنه يجوز أن يستدعي الطرفان المتنازعان وسيط في حال استفحال النزاع بينهما .
3- كما أن لدول أطراف النزاع الحق في قبول الوساطة أو رفضها وهي بدلك لا تكون مخالفة للقانون العام .
4- أن شخصية القائم بالوساطة تلعب دورا هاما في تحقيق الهدف المناط إليه تحقيقه ،وهكذا فان الطرف الثالث يمكن أن يكون ملكا أو رئيسا أو ما يعرف بلبابا.
أي إن شخصية القائم بالوساطة مهمة لتطبيق الية الوساطة
ثانيا : أنواع الوساطة :
1- الوساطة الفردية :المقصود بالوساطة الفردية هي قيام فرد واحد بالتوسيط بين الأطراف المتنازعة سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا أو مجموعة من الأشخاص ، وهناك أمثلة على الوساطة الفردية في القارة الأفريقية بشأن النزاعات الإقليمية والأهلية ،فعلى صعيد النزاعات والحروب الأهلية فقد نجحت عمليات عديدة للوساطة، ومنها الوساطة التي قامت بها المغرب بين السنغال وموريتانيا حول النزاع القائم بشأن نهر السنغال عام 2001م، وكذلك وساطة الزعيم لنسون مانديلا لعملية السلام لإنهاء الحرب الأهلية .
2- الوساطة الجماعية: هي التي تقوم بها مجموعة من الشخصيات المرموقة كلجان الحكماء مثلا أو دولتان أو أكثرفي إطار منظمة دولية أو إقليمية وعلى الزعيم من أن جهود الوساطة الجماعية تتم في إطار مثل هذه المنظمات إلا أنها تساهم بشكل أو بأخر في تهدية الصراع أو النزاعات بين الأطراف ،الأمر الذي يترتب عليه الدخول في مرحلة جديدة من المفاوضات المباشرة ، وإذا عجزت الأطراف المتنازعة في أي نزاع دولي على التوصل إلى اتفاق ينهي هذا النزاع خلال المفاوضات المباشرة فانه قد يسوغ لطرف دولي ثالث محايد المبادرة إلى التدخل من أجل المساعدة على إيجاد تسوية سلمية للنزاع ، والحيلولة قدر الإمكان دون تطور هذا النزاع.
3- الوساطة المزدوجة :حيث إنها صورة خاصة من الوساطة يلجأ إليها في حالة المنازعات الخطيرة التي تهدد السلم ومؤداها أن تختار كل الدولتين المتنازعتين دولة أجنبية تعهد إليها بأن تتولى المفاوضة بشأن النزاع القائم ، وتعمل الدولة المختارة أولا على عدم قطع العلاقات السلمية بين طرفي النزاع ثم تقوم بالمفاوضة بينهما في أمر تسوية على ألا تتعدى المدة التي تستغرقانها بهذه المهمة ثلاثين يوما ، يتمتع أثنائها طرفي النزاع بالكلام والحوار بشان النزاع القائم بينهما .
فإذا لم تنجح المفاوضات رغم ذلك وتأزم الموقف بين الدولتين المتنازعتين وأدى إلى قطع العلاقات السلمية بينهما فيبقى على الدولة الوسيطة أن تترقب الفرصة المناسبة للعمل على إعادة السلم.
4-الوساطة القضائية:يمكن أن تكون الوساطة قضائية، وهذا معناه أن القضاء الذي يحيل على وسطاء معينين ضمن قائمة أسماء الوسطاء المعتمدين لدى المحاكم، وهم محامون قدماء متفرغون للوساطة أو قضاة متقاعدون، أو خبراء في أي ميدان، يعملون في غالب الأحيان في القطاع الخاص.
5-وساطة الاتفاقية:الوساطة الاتفاقية هي التي يتفق عليها الطرفان من غير أن يكون هناك أي نزاع أمام المحكمة، وفيها يتوجه الطرفان مباشرة إلى الوسيط المتفق عليه، إما في عقد سابق أو في عقد لاحق بعد نشوب النزاع.
6-لوساطة القانونية:قد تكون هناك وساطة تشريعية عندما يكون نص قانوني ينص على إحالة الطرفين على الوساطة قبل المرور إلى مرحلة المحاكم
الفرق بين الوساطة والتحكيم:-
هناك فرق جوهري بين التحكيم و الوساطة، حيث أن هذه الأخيرة تهدف للتوصل لحل ودي يصيغه الأطراف بانفسهم، بفضل تدخل طرف ثالث محايد و هو الوسيط، على عكس التحكيم الذي يفصل في النزاع بإصدار حكم يفرض على أطراف النزاع. لأي نوع من النزاع نحتاج الوساطة؟
يمكن اللجوء للوساطة في كل ما يجوز فيه الصلح كالنزاعات الاجتماعية والتجارية والعائلية وغيرها.
أمثلة:
الصفقات التجارية كخرق بنود عقد مثلا؛
العلاقات الاجتماعية والمهنية خلافات مهنية، طرد غير مبرر، إضراب، إلخ. ؛
نزاعات مادية مرتبطة بالخلافات العائلية كالطلاق أو الإرث
نزاعات الجوار؛
نزاعات بين الملاكين والمكترين؛
نزاعات بين المستهلكين والشركات حالة شكوى من طرف أحد المستهلكين مثلا
نزاعات حول الملكية نزاعات حول قطع الأرض مثلا
هل تجوز الوساطة في كل النزاعات؟
لا تجوز الوساطة في مسائل الحالة الشخصية، و ما له ارتباط بالنظام العام.
ما هي إيجابيات الوساطة؟
اللجوء إلى الوساطة أمر اختياري. لا يمكن القيام بأي إجراء دون موافقة أطراف النزاع، كما يمكنهم في أي وقتا لانسحاب من عملية الوساطة.
• تمكن الوساطة الأطراف من حل نزاعاتهم في وقت أقصر وبتكلفة أقل.
• يحدد الأطراف مدة مهمة الوسيط في أول الأمر دون أن تتجاوز أجل ثلاثة أشهر من التاريخ الذي قبل فيه الوسيط مهمته. غير أن للأطراف تمديد الأجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة لإبرام اتفاق الوساطة.“
• لا يفرض أي قرار على الأطراف، بل يجب على الأطراف أنفسهم إيجاد حلول مناسبة، وذلك بمساعدة الوسيط أو الوسيطة. تبقى كل الحوارات المجزاة في إطار الوساطة محاطة بالسرية.
• وفي حال فشل عملية الوساطة، لا يجوز لأحد الأطراف استعمال المعلومات المتبادلة أمام المحكمة
• ”يلزم الوسيط بوجوب كتمان السر المهني بالنسبة إلى الأخيار وفق المقتضيات وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي المتعلقة بكتمان السر المهني. ولا يجوز أن تثار ملاحظات الوسيط والتصاريح التي يتلقاها أمام القاضي المعروض غليه النزاع إلا باتفاق الأطراف ولا يجوز استعمالها في دعوى أخرى.“
• تمكن الوساطة من حل النزاعات بطريقة خلاقة وبعيدا عن الإجراءات القانونية وغالبا ما يخرج الأطراف من عملية الوساطة بامتيازات لم يكونوا ليحصلوا عليها لو لجئوا للقضاء أو التحكيم.
• * يمكن للوسيط أن يساعد الأطراف على مناقشة مشاكلهم بطريقة عقلانية وفي سياق مشجع. ويحثا لوسيط الأطراف على التعاون، بطريقة يمكن معها حل النزاع دون تضرر أي منهم.
• * تحافظ الوساطة على العلاقة الإيجابية التي تربط الأطراف لأن الاتفاق المتفاوض بشأنه يكون دائما ملائما لمصالح جميع أطراف النزاع و ذلك دون شرط التقيد بالقاعدة القانونية.
ثانيا: أوجه التشابه والاختلاف بين التحكيم و الوساطة الاتفاقية
يتشابه التحكيم مع الوساطة الاتفاقية في نقط عديدة ،كما يختلفان مع بعضها البعض في نقط أخرى ،وذلك كالآتي:
أ : أوجه التشابه بين التحكيم والوساطة :
يلتقي التحكيم مع الوساطة الاتفاقية في كثير من النقط ،من أهمها أن كلا منهما :
- يعد من الوسائل السلمية في حل المنازعات المطروحة بين الأطراف .
- يجد أصله في اتفاق يعبر عن رغبة أطرافه في حل النزاع بعيدا عن قضاء الدولة .
- يؤدي دوره بمناسبة وجود منازعة نشأت أو قد تنشأ ما بين الأطراف المعنية .
- يحتاج إلى طرف ثالث ( المحكم أو الوسيط ) للفصل في النزاع .
- تجنب الوسائل التي لا يجوز الصلح فيها،كالمسائل المتعلقة بالنظام العام أوالحقوق التي لا يجوز التصرف فيها ...الخ .
- يحتاج إلى تذييل الحكم أو وثيقة الصلح بالصيغة التنفيذية من طرف السلطة القضائية المختصة. ويكتسي عملهما قوة الشيء المقضي به .
ب : أوجه الاختلاف بين التحكيم والوساطة الاتفاقية :
يختلف التحكيم عن الوساطة الاتفاقية في نقط متعددة منها :
- إن إرادة الأطراف في التحكيم تنصرف إلى تخويل المحكم دور القاضي في حسم النزاع. فالمحكم يصدر أحكاما تحكيمية والتي تنزل منزلة الأحكام القضائية في الآثار القانونية المترتبة عنها ، لأجل ذلك فإن الشروط والضوابط الواجب توفرها في المحكم أكثر دقة،على خلاف الوضع بالنسبة للوساطة الاتفاقية ، إذ يقتصر دور الوسيط على إصدار وثيقة صلح بمسطرة وإجراءات مبسطة ، كما وأن سلطة الشخص الذي يملك سلطة الوساطة تكون محدودة بحيث لا تخوله الحق في امتلاك سلطة التحكيم ،غيران العكس صحيح بالنسبة للمحكم إذ يجوز له استعمال الصلاحيتين معا كل في مجالها
- يقتضي التحكيم الحكم بكل الحق لأحد الأطراف ،أي حل النزاع بشكل موضوعي ومباشر. أما عن التنازل الذي شمله اتفاق التحكيم فيتعلق بالتنازل عن الحق في حسم هذا النزاع أمام قضاء الدولة ليتولاه القطاع الخاص ( فهو يتعلق بالوسيلة وليس بالغاية )،على خلاف الوضع بالنسبة للوساطة الاتفاقية إذ تقتضي بطبيعتها التنازل المتبادل من الخصوم عن جزء من الحق الموضوعي محل النزاع للتقارب ما بين وجهات نظرهم والتوفيق في مواقفهم بتنسيق من الوسيط المسؤول عن هذه المهمة
الوساطة البنكية
تقرر إنشاء الوساطة البنكية بتوصية من بنك المغرب، التي اعتمدتها المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب، وذلك في إطار الظهير الشريف رقم169-07-1، الصادر بتاريخ 30 نونبر2007، المنظم للوساطة الاتفاقية. وتأتي هذه المبادرة من أجل وضع آلية للتسوية الحبية للنزاعات التي يمكن أن تنشأ بين المؤسسات البنكية وزبنائها، علما أن اللجوء إلى هذه الآلية لا يلغي حق الأطراف المتنازعة في اللجوء إلى القضاء أو إلى مساطر التحكيم. وتنص المادة 3 من الميثاق البنكي، المتعلق بإحداث الوساطة البنكية، على أن اللجوء إلى الوسيط البنكي يكون مجانا، إذ لا يفرض على الطرف المشتكي أي مقابل مالي.
ورغم أنه نص على هذه الآلية في 30 نونبر 2007، فإن اعتمادها وتفعيلها تطلب وقتا من أجل القيام بالدراسات اللازمة المتعلقة بإنجاز الاتفاقية بين البنوك، التي بمقتضاها تلتزم البنوك بهذا المبدأ، وكذا الميثاق الأخلاقي، والقانون الأساسي للوساطة البنكية. وبعد المصادقة على كل هذه الوثائق، التي تشكل الإطار التنظيمي للوساطة البنكية، عين وسيط بنكي من طرف لجنة الوساطة، التي يرأسها والي بنك المغرب وتتكون من رؤساء البنوك وشخصيات من المجتمع المدني، الذين لا تربطهم أي علاقة بالبنوك. وانطلق العمل رسميا بهذا النظام في 7 دجنبر 2009.
يشار إلى أن لجنة الوساطة تتشكل، أيضا، من ممثلين عن الجمعية المهنية لشركات التمويل، التي لها وسيط خاص بها، يعين بالشكل نفسه الذي يختار به الوسيط البنكي
ما هو دور الوسيط البنكي والمجالات التي تتدخل فيها الوساطة البنكية وحدود اختصاصاتها؟
الوساطة البنكية تكونت بمقتضى ظهير ينظم الوساطة الاتفاقية
(Médiation conventionnelle) والتحكيم بتاريخ 30 نونبر 2007 والغرض من
الوساطة بشكل عام هو الصلح، الذي يعتبر موروثا مجتمعيا، إذ منذ القدم كانت هناك آليات للوساطة في المجتمع المغربي والمجتمع الإسلامي بصفة عامة، فكان هناك أمين الحرفة والمحتسب والقاضي والقائد... وكانت مهمة هؤلاء إصلاح ذات البين، الذي يعتبر جوهر وهدف مبدأ الوساطة، وذلك من أجل توفير مؤسسات يمكن للأشخاص التوجه إليه لفض نزاعاتهم دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم، وبذلك يتم تخفيف القضايا المعروضة على المحاكم خاصة تلك التي يمكن أن تحل بالتراضي. فهناك بعض الخلافات التي تنتج عن مسائل بسيطة يمكن حلها بالتراضي بين الطرفين، ولا حاجة لعرضها أمام المحاكم وفي فترة وجيزة، ما يكون في مصلحة الجميع. وأخذ مبدأ الوساطة يجد مكانته في مختلف الأوساط الاقتصادية، ولا يمكن للمؤسسات البنكية أن تظل بمعزل عن هذا النطاق.
وفي هذا السياق اتفقت البنوك وعلى رأسها، بطبيعة الحال، بنك المغرب والمجموعة المهنية للبنوك بالمغرب، وتمخض عن هذا الاتفاق إنشاء وساطة خاصة بالمعاملات البنكية، في نطاق الظهير الذي أشرت إليه سابقا. وتقرر خلق آلية للوساطة البنكية خاصة بالمعاملات البنكية، وذلك بعد دراسات تطلبت وقتا طويلا لكي يتم تحديد إطار لهذه الوساطة، ويتعلق الأمر بميثاق بين البنوك، الذي من خلاله توافق هذه المؤسسات على مبدأ الوساطة وعلى نظامها، كما تم إعداد ميثاق أخلاقي وأنجز نظام أساسي للوساطة وعين وسيط في أكتوبر 2008. وبدأ هذا الوسيط يشتغل بتنسيق مع بنك المغرب والمجموعة المهنية للبنوك بالمغرب. وعقد اجتماع مع مديري المصالح القانونية بالمؤسسات البنكية والمسؤول عن الشؤون القانونية ببنك المغرب، بالإضافة إلى اجتماع مع مديري التواصل بهذه المؤسسات، وذلك من أجل أن يكون نظام الوساطة البنكية يلائم نظام الوساطة المنظمة بمقتضى ظهير 30 نونبر 2007. وقدمت الدراسات إلى البنوك وبنك المغرب من أجل الموافقة عليها، وبالفعل تمت الموافقة على الميثاق بين البنكي والميثاق الأخلاقي والقانون الأساسي لنظام الوساطة. وانطلق العمل رسميا بهذا النظام في 7 دجنبر 2009. ويتوفر الوسيط البنكي على ممثل في كل مؤسسة بنكية يتم اختياره من طرف البنوك من بين مستخدميها إضافة إلى نائب عنه في حال تغيبه.
وكيف يتم تعيين الوسيط؟
عين الوسيط من طرف لجنة الوساطة البنكية التي تتكون من رؤساء البنوك وشخصيات من المجتمع المدني الذين لا تربطهم أي علاقة بالبنوك، في البداية كانت اللجنة تضم ثلاثة رؤساء بنوك وممثل عن بنك المغرب وخمسة أشخاص محايدين، ويرأس اللجنة والي بنك المغرب. ويقدم الوسيط البنكي تقريرا سنويا حول حصيلة تدخلاته لهذه اللجنة. وتجدر الإشارة إلى أن الوسيط يتمتع بالاستقلالية التامة في مزاولة المهمة التي كلف بها. ويتوفر الوسيط على صلاحيات في ما يتعلق بالملفات التي تعادل أوتقل عن 100 ألف درهم، إذ أن قرارات الوسيط في هذه الملفات تكون ملزمة للبنوك ولا تقبل الطعن، وفي ماعدا هذا، فإن الوسيط يدرس الملفات التي تفوق هذا المبلغ، ولكن قراراته تظل مشروطة بالتوافق بين الطرفين، علما أن غاية الوساطة هي إصلاح ذات البين ونزع فتيل أي شنآن بين الطرفين، ما يمكن من استمرار العلاقة بين الطرفين المختلفين.
خصوصيات الوساطة في مجال العمل البنكي
مكونات جهاز الوساطة البنكية
-لجنة الوساطة البنكية : وتتكون من 9 اعضاء هم كالتالي : ممثل لبنك المغرب -خمسة اعضاء مستقلين عن مهنة البنكية يتوفرون على مؤهلات في المجال البنكي - ثاث اعضاء منتمين الى مجموعة البنكية - ويتم اختيار ثمانية الاعضاء من طرف مجموعة المهنية للبنوك المغرب بعد رأي بنك المغرب.
وتتحدد مهام لجنة الوساطة البنكية في تنظيم هدا الجهاز واعداد الميثاق الاخلاقيات واعتماد نظام الداخلي ومراقبة الوسيط وتحديد كيفية ممارسة نشاطه والسهر على استقلاليته .
-الوسيط: تقوم الجنة الوساطة البنكية بتعيين الوسيط وتحديد اجره وتستغرق مهامه ثلاث سنوات قابلة التجديد مرة واحدة .ويتوفر الوسيط البنكي على ميزانية لمراقبة سنوية يقوم بها متفحص خارجي يرسل تقريره الى اعضاء لجينة الوساطة البنكية.
اختصاصات الوسيط البنكي
وفق ما يقضي به الفصل 11 من الميثاق البنكي فان مهمة الوسيط البنكي تكمن في اقتراح حلول حبية للنزاعات التي يعرضها عليه زبناء البنوك ويتمتع بسيادة في القيام بمهمته كما يمكن ان يطلب سواء من زبون او من بنك جميع المستندات والمعلومات التي يعتقدها ضرورية لحسن تحقيق في الملف المعروض عليه .
وعلى العموم فان اختصاصات الوسيط البنكي تتعلق اساسا بالمسالة المرتبطة بما يلي :-سير حسابات الودائع ايا كانت طبيعتها - سير حسابات السندات -التامين البنكي -المنازعة في شروط المحاسبية - تدبير حسابات الشركات - اقفال احسبات ...ويجب الاشارة على ان خدمات الوسيط البنكي بالمجان واختياري ولايضر بثاتابحقوق الاطراف في اللجوء الى محاكم
ميثاق أخلاقيات الوسيط البنكي .
بمنطلق ما جاء في اختصاص لجنة الوساطة البنكية سواء في مبادئ النظام الأساسي والفصل 6 م.و.ب على أساس تشجيع المؤسسات البنكية لتنمية آلية الوساطة كوسيلة من وسائل فض النزاع بين الزبناء وأبناكهم، وكذا المجهودات المبذولة لبنك المغرب والمجموعة المهنية للبنوك بالمغرب في تفعيل جو الثقة في العلاقات الثنائية ( الزبون، البنك )، تم إحداث الميثاق الأخلاقي المهني أحد أسس نظام الوساطة البنكية الذي يعتبر ركيزة للمميزات التي وجب على الوسيط البنكي على الخصوص أن يتحلى بها ومساعديه أو أي شخص آخر بموجب ما ذكرناه سابقا ( الفصل 10 )، ومن هذه التزكيات التي جاء بها الميثاق الأخلاقي نذكر بإيجاز :
- الحياد : حيث وجب على الوسيط أن ينظر بحياد تام عند البث في القضايا المعروضة عليه عن جميع ما يتعلق بالآراء سواء كانت سياسية أو فلسفية أو دينية
كما يمنع عليه جميع أنواع التمييز العنصري ( الأصول، الجنس، الجنسية، معتقدات دينية، السن، مظاهر، الآراء السياسية والفلسفية )
- الاستقلال : ويتمحور بالأساس على عدم قبول أي توجيهات من أي طرف، مع الامتناع عن أخذ الهدايا سواء من البنك أو الزبناء لما في ذلك مساس لاستقلاليته، تعلق الأمر بشخصه أو حتى أقاربه
- حفظ السر المهني، ونقل المعلومة : في هذه الميزة الخاصة حيث أن الوسيط وجب عليه حفظ السر المهني في كل ما يتعلق بالقضايا المعروضة عليه وعدم نقل المعلومة لأي كان
باستثناء والحالة هذه إذا أوجبها الأمر أن ينقل المعلومة للجنة الوساطة
كما أنه ملزم احتياطيا، بطلب موافقة اللجنة في جميع الأحوال التي تستدعي حضوره أو مشاركته في البرامج الخارجية، ( الاستجوابات الاداعية و التلفزية، برامج من نفس النوع، ندواة )
- تداخل المصالح : وهي تعني جميع ما قد يمس المصالح الشخصية للوسيط أو لأقاربه مع ما يمس مصالح المؤسسة البنكية، والتي قد تؤثر على حياد الوسيط في بثه في النزاع
فبالأحرى وجب عليه في هذه الأحوال أن يشعر لجنة الوساطة البنكية، وأن يبث بكل حيادية واستقلالية وأن يفرق بين ما هو شخصي وما هو مهني، وفي حالة عدم نجاح البث في حل النزاع بالوسيط لا يمكنه أن يبث كمحكم أو مستشار
الاجتهاد والمسؤولية : وفي هذا الصدد وجب على الوسيط المساواة بين جميع المشتكين ولو اختلف في شأنهم ( أشخاص معنوية، طبيعية )
كما يلزم بالنظر في الشكايات بنظرة إيجابية للوصول لحل يرضي الأطراف، والرد بطريقة مفهومة وبسيطة، مع زرع الثقة بين الأطراف وبدل جميع المجهودات الواجبة لفض النزاع والوصول لحل توافقي بين أطراف النزاع
اجراءات الوساطة البنكية ونتائجها
اجراءات الوساطة البنكية
يحيل نظام الداخلي الدي ينظم مؤسسة الوسيط على مقتضيات القانون 08.05 وعلى المثاق البنكي المتعلق باحدات تجهيزة الوساطة البنكية , فيما يخص كدلك الناعات القابلة للحل عن طريق الوسيط البنكي , ولم يستثني منها الا المسائل المتعلقة باستيفاء مستحقات البنوك. وفيما يخص كدلك كيفية واجراءات اللجوء للوسيط البنكي .
1-وفق ماتقضي به الفقرة 2 من فصل 7 من النظام الداخلي للوساطة البنكية فانه لايحق للزبون اللجوء الى الوسيط الا ادا :استنفد جميع طرق الطعن الداخلية للبنك او في حالة عدم الجواب على طلبه المكتوب داخل واحد وعشرين يوما .
-اذا لم يكن راضيا على جواب البنك
-اذا لم تكن القضية موضوع قرار قضائي او تحكيمي او لم تعرض على المحكمة او هيئة التحكيمية .
2- وفق ف8 من نفس النظام الداخلي يكون اللجوء الى الوسيط كتابة وجوبا برسالة مضمونة او بابداع مباشر لدى مصالح الوسيط مقابل وصل.
3- حينها يشعر الوسيط فورا البنك وفق ماتقضي به الفقرة الثانية من نفس الفصل.
يمكن للوسيط ان يطلب من الزبون او من البنك ان يدلي له بكل المستندات والوثائق التي يعتقدها مفيدة للقيام بمهمته.
4- اقتراح الوسيط لحلول وساطة ملائمة
نتائج الوساطة البنكية
في اطار الاجل مقرر للوسيط ليبث في النزاع بين البنك والزبون يقدم الوسيط الحل المقترح من جهته وعندها اما ان يقبل من طرف الزبون فتكون الوساطة قد نجحت واما ان يرفض فتكون محاولة الصلح قد فشلت .
نجاح محاولة الصلح كنتيجة للوساطة البنكية
في اطار الوساطة البنكية تكون البنوك ملزمة باقرار كل مقترح من الوسيط حول نزاع , اما ادا كان المبلغ يفوق الحد معين ,فان البنك مخير بين قبول او رفض المقترح, وبالنسبة للزبون يعطي اجل10 ايام بعد اجتماع المصالحة او بواسطة رسالة مضمونة مع وصل بالتسليم ليقبل او يرفض مقترح الوسيط البنكي. وفي حالة قبول الزبون بمقترح الوسيط يدون هدا الاخير مقترحه لحل النزاع في محرر يحمل اتفاقا تفاوضيا مع توقيع المصحح للزبون وكدا توقيع ممثل البنك وتوقيع الوسيط.
فشل محاولة الصلح كنتيجة للوساطة البنكية
اذا رفض الزبون مقترح الوسيط فان هدا الاخير يحرر محضرا معين الموقف كل واحد من طرف النزاع (البنك والزبون) وتسلم نسخة المعني للطرفين. فان لم ينجح الوسيط في حل النزاع اي اي حالة فشل الوساطة لايمكنه ان يعمل لاحقا كمحكم او كمستشار في نفس القضية , وفي الاخير لايفوتنا ان نبدي ملاحظة اساسية خصوصية اساسية للوساطة البنكية وهي ان الوكيل البنكي يعين من طرف لجنية الوساطة البنكية وهو مايعني تغييب لارادة المتنازعين مع المؤسسات البنكية اي الزبناء ومايظهر اختلافا جوهريا مع ماينص عليه ق08-05 المنظم للوساطة البنكية.لكن ماتجدر الاشارة اليه في مقابل دلك واعتبارا لهاته الخصوصية وما تهمشه من ارادة الزبون في تعيين الوسيط جعل النظام الداخلي المنظم للوساطة البنكية البنك ملزم كقاعدة باقرار مقترح الوسيط ومنح في المقابل للزبون امكانية المناقشة ورفض او قبول هدا مقترح في غضون اجل هو عشر ايام من تاريخ علم باقتراح.
رغم ما حققته المؤسسة الوساطة البنكية فانها اعترفت بفشل في حل النزاعات عديدة لاسباب عدة اهمها :-فئة مهمة من زبناء البنوك غير واعية باهمية مؤسسة الوساطة البنكية - عدم الحدر , ووضع الثقة كاملة من طرف المستهلكي الخدمات البنكية في المؤسسات البنكية وكانها مؤسسات عمومية .- وضع زبناء لشكايات لدى مؤسسة الوساطة غير مرفقة باي وثيقة لتكون ملفات غير مكتملة ولاتتوفر فيها شروط ومؤسسات لعمومية
الصلح
يقول الله تعالى" لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نوتيه أجرا عظيما"( سورة النساء الآية 113 )،
وقال تعالى " إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون"( سورة الحجرات الآية 10).
من هنا فالدعوة إلى الصلح وإصلاح ذات البين بين الناس هي دعوة ربانية من الخالق إلى عباده، ينبغي الامتثال لها والأخذ بها لتحقيق رضى الله والفوز بأجره العظيم؛
والصلح كآلية قانونية بديلة لفض النزاعات ليس غريبا عن مجالنا القانوني ونظامنا القضائي، فقد ورد التنصيص عليه في عدة نصوص متفرقة إما بصفة اختيارية أو بصفة وجوبية وخصه ببعض المنازعات والقضايا المحددة،
وهكذا أوجب المشرع المغربي اللجوء إلى مسطرة الصلح في:
القضايا الاجتماعية سواء تعلق الأمر بنزاعات الشغل أو قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية حيث نص الفصل 277 من قانون المسطرة المدنية بأن: المحكمة تحاول في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف وفي حالة نجاحها، يثبت الصلح بمقتضى أمر في حالة نزاعات الشغل وقضايا حوادث الشغل والنزاعات المرتبطة بالتعويضات أو المعاشات، ويثبت الصلح بمحضر في حالة قضايا الضمان الاجتماعي، كما نصت مدونة الشغل على تسوية نزاعات الشغل الجماعية عن طريق مسطرة الصلح التي تتم أمام مندوب لشغل أو مفتش الشغل أو أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة( المادة 551 وما بعدها من مدونة الشغل)، وذلك تبعا لطبيعة الخلاف ونطاقه؛
القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية حيث نص الفصل 180 من قانون المسطرة المدنية بأنه يتم استدعاء الأطراف إلى الجلسة وتجري دائما محاولة الصلح بينهم،كما نصت مدونة الأسرة على وجوب استدعاء الزوجين لمحاولة الإصلاح أثناء اللجوء إلى مسطرة الطلاق أو التطليق( المواد 81 و82 و89 و94 و113 من مدونة الأسرة)؛
قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي طبقا للفصل 27 من ظهير 24 ماي 1955 .
ويتم اللجوء إلى مسطرة الصلح بصفة اختيارية في الميدان المدني في:
قضايا التعرض على مطالب التحفيظ حيث نص الفصل 31 من ظهير 12 غشت المتعلق بالتحفيظ العقاري بأنه يسوغ للمحافظ وقبل توجيه الملف إلى المحكمة المختصة أن يجري محاولة صلح بين أطراف النزاع؛
قضايا التعويض عن حوادث السير طبقا للفصل 18 من ظهير 2 أكتوبر 1984 التي تنص على ضرورة لجوء شركة التأمين لإجراء محاولة صلح مع المطالب بالتعويض؛
أما في الميدان الزجري، فالأصل أن مقتضيات القوانين الجنائية تدخل في صلب النظام العام نظرا لما تحدثه الجرائم المرتكبة من اضطراب اجتماعي قد يهدد كيان المجتمع، ولذلك تنتصب النيابة العامة كطرف يمثل المجتمع من أجل البحث عن المجرمين والقبض عليهم والأمر بمتابعتهم وتقديمهم للمحاكمة، لنيل العقاب الذي يستحقون، من هنا لا يملك أطراف الجريمة (جاني ومجني عليه) صلاحية الاتفاق على عدم المتابعة كقاعدة عامة، غير أن المشرع المغربي وبغاية الحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي والعائلي، سمح بإمكانية المصالحة بين الأطراف في بعض الجرائم ووضع حد للمتابعة، ومن هذه الجرائم: جريمة إهمال الأسرة ( الفصل 481 من ق ج) وجريمة الخيانة الزوجية ( الفصل 491 من ق ج) وجريمة السرقة بين الأقارب ( الفصل 535 من ق ج)، فكل هذه الجرائم لا يتم تحريك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكاية من المتضرر و في حالة التنازل عن الشكاية تسقط المتابعة.
لكن أهم تعديل وقع في مسطرة الصلح في الميدان الزجري أتى به الفصل 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد، والذي ينص بأنه يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية فيما يتعلق بالجرائم المعاقب عليها بسنتين أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر بعد موافقته وتراضي الطرفين على الصلح، والتصديق عليه من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بموجب أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
وفي جميع الأحوال، فإن نجاح محاولة الصلح بين الخصوم وإثباته بمحضر أو بأمر قضائي يضع حدا للنزاع، وينفذ بقوة القانون و لا يقبل أي طعن، ويخضع من حيث صحته وآثاره لمقتضيات القسم التاسع من الكتاب الثاني من الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود.
وبالرغم من أهمية مثل هذه النصوص القانونية التي تؤسس للصلح كآلية بديلة لفض النزاع، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع لم يلق النجاح المطلوب وذلك لعدة أسباب موضوعية نجملها فيما يلي:
• إسناد مهمة القيام بالصلح لقاضي الحكم: إذ أن النصوص القانونية التي تشير إلى محاولة إجراء الصلح تسند في الغالب هذه المهمة إلى قاضي الحكم، مما يؤثر سلبيا على نجاعة وفعالية هذه المسطرة لعاملين اثنين:
1 - إن قاضي الحكم قد لا يكون مؤهلا للقيام بدور قاضي الصلح، بحيث لا يملك مهارات الاتصال والتواصل والقدرة على الإقناع وإدارة الحوار والمفاوضات، وحسن الاستماع والمبادرة إلى طرح الحلول الملائمة للنزاع والمرضية للطرفين وعدم الاستسلام بسرعة لتصلب المواقف؛ و على فرض أنه يملك تلك المؤهلات ،فهو يتخذ الاحتياطات اللازمة ويمارس الرقابة الذاتية، حتى يتجنب إبداء وجهة نظره في النزاع عند مشاركته أطراف النزاع في محاولة إيجاد حل اتفاقي، ويتفادى بالتالي الاتهام بالانحياز لأحدهما، الأمر الذي يجعل دور قاضي الصلح دورا سلبيا وشكليا يقتصر على مسائلة الأطراف حول ما إذا كانوا يرغبون في التصالح أم لا، دون أن يتعداه إلى مساعدتهم في الوصول إلى حل متوافق عليه بينهما؛
2- تحفظ أطراف النزاع في البوح ببعض الحقائق والأسرار وعدم تحمسهم لتقديم التنازلات أمام قاضي الصلح، خوفا من تأثير ما يدلون به من مواقف وتصريحات أثناء جريان مسطرة الصلح على مراكزهم بعد الانتقال إلى مرحلة المحاكمة، التي تجرى أمام نفس القاضي ولكن بصفة قاضي حكم والذي يكون قد اطلع أصلا وبالضرورة على كل أو بعض أسرار الملف، مما قد يؤثر في الحكم الذي يصدره. لهذه الأسباب، بات من اللازم الأخذ بنظام إدارة الدعوى نظرا لما يوفره من إمكانية للفصل بين قاضي الحكم وقاضي إدارة الدعوى الذي يتكلف فقط بالإشراف على تهيئ وتجهيز الدعوى والقيام بمحاولة الصلح، وإذا لم يتوفق يحيل الملف على قاضي الحكم للبت فيه، ومن شأن اعتماد هذا النظام تجاوز بعض السلبيات التي تعرقل نجاح مسطرة الصلح.
• اقتصار تطبيق مسطرة الصلح على نزاعات محددة حصريا بالقانون: إذ يخلو قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون العام للإجراءات من نص عام يخول للقاضي إمكانية اللجوء إلى محاولة الصلح، ويجعله مسلكا اختياريا يمكن اتباعه من طرف القاضي قبل متابعة إجراءات الدعوى كيفما كانت طبيعتها، وهذا ما نأمل من المشرع المغربي أن يقدم عليه في أقرب تعديل لقانون المسطرة المدنية من أجل توسيع نطاق مسطرة الصلح القضائية لتشمل نزاعات وقضايا أخرى، بحيث يمكن اللجوء إليه في أية مرحلة من مراحل سير الدعوى إذا ما اتفق الطرفان المتنازعان على حل الخلاف بينهما وديا عن طريق الحوار والتفاوض المباشر بينهما، بسعي من القاضي أو بمبادرة من أحد الخصوم أو كليهما، وذلك على غرار ما فعل المشرع الجزائري في القانون الجديد رقم 08 - 09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث نص في المادة 4 بأنه يمكن للقاضي إجراء الصلح بين الأطراف أثناء سير الخصومة في أية مادة كانت، كما اعتبر الصلح إجراء جوازيا يمكن أن يعرضه أطراف النزاع تلقائيا، كما يمكن أن يتم بسعي من القاضي في جميع مراحل الخصومة (المادة 990 )، وهو غير مقيد بمادة معينة باستثناء القواعد الخاصة بالمادة الإدارية والتي حصرت إجراءه في مادة القضاء الكامل( المادة 970)، ويتم تثبيته في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي و أمين الضبط ويودع بأمانة الضبط(المادة 992)، واعتبر القانون الجديد محضر الصلح سندا تنفيذيا قابلا للتنفيذ الجبري (المادة 600 /8 والمادة 993 )، كما أن له أثر منه للخصومة(المادة 220 ).
ليست هناك تعليقات